رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
كل شيء بغنى للتمتع
إن الآية موضوع دراسـتنا هنا في (1تيمو 6: 17) تخبرنا أن الرب "يمنحنا كل شيء بغنى للتمتع". وهنا الرب يمنحنا كل شئ ولا يبخل علينا في أي شيء وكلمة يمنحنا تذكّرنا بالنعمة المجانية التي يتعامل الرب بها معنا، في كل الظروف وكل المجالات، إذ أنه إله كل نعمة وكلمة بغنى تعني الوفرة والفيض وهي عكس الشح أي البخل. ويتناسب هذا الوصف مع إلهنا الغني وكلمة للتمتع تشير إلى أن أشواق الله نحو أولاده وخليقته هي التمتع بأعماله وبعطائه وهو ما يشير له النبي إشعياء إذ يقول "لأعطيهم جمالاً عوضاً عن الرماد" (اش61: 3)، إذن فلتقبل التمتّع والجمال من يد الرب ولترفض الرماد والعوز. وهذا ما أكّده رب المجد إذ قال "أتيت ليكون لهم حياة وليكون لهم أفضل"(يو10: 10)، وكلمة أفضل تعني حياة بوفرة [abundant life] ، فالوفرة هنا مُباركة ومن عند الرب وغرضها أن يسود التمتع والشبع حياتنا لذا نستطيع أن نقول أن الأغنياء الحقيقيين في نظر الله هم الذين هدفهم الأساسي في الحياة هو خدمة الرب كملك، والذين تكمن ثروتهم في أمانتهم للرب وأعمالهم الحسنة، فهؤلاء يمدّهم الرب بحساب مالي سماوي لا يستطيع أحد أن يسرق منه أو يفسده لأن نبعه هو بركة الرب التي تغني أم10: 22. وكلمة تُغني هنا تعني حرفياً أن البركة الإلهية في حياتنا تجعلنا أغنياء بالحقيقة وليس روحياً فقط بل في جميع المجالات. وهذا ما يؤكده سفر التثنية إذ يقول "ولئلا تقول في قلبك قوتي وقدرة يدي اصطنعت لي هذه الثروة. بل اذكر الرب إلهك أنه هو الذي يعطيك قوة لاصطناع الثروة لكي يفي بعهده الذي اقسم لآبائك كما في هذا اليوم" تث8: 17-18 إن الرب هو صاحب الفضل في إعطائنا قوة لاصطناع الثروة وليس ذواتنا، وهذا لكي يتمم عهده معنا ومع آبائنا. أي أنه هو الذي يمنحنا كل الأشياء في حياتنا بوفرة وهو يطلب منّا فقط إدارتها كما جاء في مثل الوزنات. لذا علينا أن ندرك أن أعظم قيمة في الحياة ليست هي الثروة في حد ذاتها إنما هي علاقتنا بالرب وثبات هذه العلاقة ونموها وعندئذ فكل الأمور المادية تُزاد لنا من عند الرب فلنتأكد ولنثق إذاً في أن الحياة التي يقدمها لنا الرب الآن هي حياة غنيّة ومُشبَعَة وهي أيضاً أبدية، ولكنها تبدأ من الآن. أي أن الرب عندما أعطانا حياته أعطاها لنا بكل فيض وغنى وهذا ما تعنيه كلمة أفضــل (يو10: 10). لذا فكل اشتياقاتنا نحو الحـياة الوافــرة مضمونة لنا في البـركة التي بـاركنا بها الرب (أف1: 3) حتى لو لم نختبر وفرة مادية دائمة وواضحة. إلا أن الاكتفاء مضمون مع الرب الذي وعدنا قائلاً "ولكم كل اكتفاء كل حين في كل شئ" (2كو9: 8)، والرب سيبقى دائماً هو المصدر المطلق والوحيد لكل بركة واكتفاء إذن فالشخص الذي ينال بركة الرب التي تُغني لا يعني هذا أنه يتمتع بعطايا ملموسة ومنظورة فقط مثل الحياة والفرح والسلام والوفرة والنسل والصيت الحسن والحرية والعمل الناجح والقوت إلخ، بل أن الأمر أعمق من هذا فهو يحيا في علاقة خاصة حميمة مع الرب علاقة حيّة وبهذا يتحقق في حياته وعد الرب لإبراهيم لا تخف أنا ترس لك. أجرك كثير جداً تك15: 1. وهنا يُطمئن الرب إبراهيم بكلمات الحماية لحياته ثم يؤكد له أن الأجر الذي سيناله من الرب كثير جداً. هكذا نرى أن العطايا الملموسة التي ذكرتها تزاد لنا لأن الرب هو الأول والآخر في حياتنا نعم إن إلهنا هو إله عظيم وقادر على سد كل احتياج في كل المواقف بغنى. فقد تستثمر أموالك في شهادات استثمار أو في أسهم أو سندات وهذه الأشياء ليست خطأ ولكن من الخطأ أن تثق فيها وتضع قلبك عليها. ولكن ضع ثقتك في من هو أعلى من البشر والأمور البشرية ضع ثقتك في الرب وفي سلطانه الذي يسيطر ويتحكم في كل الأمور وحتى في أمورنا عندما نتعامل مع غير المؤمنين من حولنا وهكذا نفهم أن تعليم المسيح عن الثروة ليس موجهاً ضد الغنى فى حد ذاته. ولكن ما يدينه الرب هو الاتجاهات الخاطئة التي يتبعها الناس من أجل الثروة ومن أجل امتلاكها، وأيضاً الطرق الخاطئة التي يستخدم بها الناس الثروة والمال. لذا فالرغبة في ازدياد الثروة يمكن أن تصير مقدسة لو تصرفنا في الثروة بحسب فكر الله وبطرقه ولقد أمسك بولس الرسول بجوهر الموضوع إذ قال لتيموثاوس "أوص الأغنياء في الدهر الحاضر أن لا يستكبروا ولا يلقوا رجاءهم على غير يقينية الغنى بل على الله الحىّ الذي يمنحنا كل شيء بغنى للتمتع" (1تى 6: 17). وفي ترجمة كتاب الحياة "أوص أغنياء هذا الزمان بأن لا يتكبروا ولا يتكلوا على الغنى غير الثابت، بل على الله الذي يمنحنا كل شيء بوفرة لنتمتع به" ومن مقارنة الترجمتين نفهم أن الغنى هو الوفرة والفيض التي تكلم عنها الرب إذ قال "أما أنا فقد أتيت لتكون لهم حياة وتكون لهم فيّاضة" (يو10: 10) [ترجمة كتاب الحياة]. وهذا الفيض والوفرة والغنى هي الأمور التي يريدها الله لنا لنتمتع بها في الحياة، وذلك إذ نتكل عليه هو لا على المال في حد ذاته، ولا على الغنى غير الثابت. إن اتكالنا الخاطئ على الغنى والمال بدون الرب يُعطي للثروة سيادة على حياة الشخص وهذا يجعله يطعن نفسه بأوجاع كثيرة. 1تى6: 10 كما حدث في المثل الذى ذكره الرب أنه دعا مدعوين قائلاً "تعالوا لأن كل شئ قد أُعدّ. فأبتدأ الجميع برأى واحد يستعفون. قال له الأول إنى اشتريت حقلاً وأنا مضطر أن أخرج وأنظره. أسألك أن تعفينى. وقال آخر أنا اشتريت خمسة أزواج بقرٍ وأنا ماضى لأمتحنها. أسألك أن تعفينى" (لو14: 17-19). وهنا نتذكر قول الرب "ماذا ينتفع الإنســــان لو ربــــح العالم كله وخسر نفسه". مت16: 26 من هذه الآيات نفهم أن الانشغال بالأموال والممتلكات بطريقة غير صحيحة يدّمر الحياة بجملتها. لذا فمن يجعل الغنى المادي هو هدفه الأول في الحياة وليس ملكوت الله هو إنسان هدفه خاطئ، ومهما كان غناه الظاهرى فهو فقير وعريان في نظر الله. (رؤ3: 17). لذا ثبت نظرك نحو الرب فهو وحده القادر أن يجعل الحياة تدب في قلوبنا وفي بذار عطائنا حتى لو كانت قليلة فنحصد منها حصاد كثير إذ يعطيها الله حياة وقوة للتضاعف، هكذا نستطيع أن نقول أن "كل عطية صالحة وكل موهبة تامة هى من فوق نازلة من عند أبى الأنوار "(يع1: 17). وإذا كان البعض يعتقدون أن الطريق لإرضاء الله هو ألا يمتلكوا شيئاً فأنا أقول لهم أن عطايا الله صالحة ومواهبه تامة وهي لنا لنتمتع بها، لذا فلنتمتع بها ونثق فيها لأن مصدرها هو الله نفسه ولا ننسى أن "هبات الله ودعوته هى بلا ندامة". رو11: 29 وهنا أرغب في أن ألفت انتباه القارئ العزيز بوصية الرب في سفر المزامير إذ يقول "إذا زاد الغنى فلا تضعوا عليه قلباً" (مز62: 10). والآية تتحدث عن زيادة الغنى، ونفهم منها أن الغنى قد يزيد وليس في هذا شر والكتاب المقدس ليس ضد هذا، ولكن وصية الرب الصريحة هنا هي ألا نضع قلوبنا على الغنى الزائد، أى لا نتكل عليه وألا يكون موضوع اهتمامنا الأول، أي لا يحل هذا الغنى الزائد محل الأولوية التي لملكوت الله في قلوبنا من حيث الاتكال أي الثقة والمحبة أما عن قول الرب للشاب الغنى "إن أردت أن تكون كاملاً فأذهب وبع كل أملاكك وأعط الفقراء فيكون لك كنز فى السماء وتعال اتبعى"(مت19: 21)، نستطيع أن نفهم هنا أن هذه الوصية ليست تعليم عام لكل المؤمنين، ولكنها كلمة خاصة تخص أفراد معينين في ظروف معيّنة، وفي هذا الشاهد تخص شاب غني كان يحب المال بل يعبده، ولا يوجد للرب المكانة الأولى في قلبه لذلك يخبرنا الكتاب "فلما سمع الشاب الكلمة مضى حزيناً. لأنه كان ذا أموال كثيرة" (مت19: 22). نعم لقد كان غناه لذاته وليس لله. ومثال لتأكيد هذا المعنى عندما أمر الرب بطرس بالسير على الماء، لم يكن هذا الأمر يخص باقي التلاميذ الذين معه ولا باقي المؤمنين بل بطرس وحده وفي ظرف خاص وعلى نقيض هذا الشاب الغني نرى اسحق رجل الله حين زرع فأصاب في سنة المجاعة مئة ضعف، فتعظّم الرجل وكان يتزايد فى التعاظم (تك26: 12-13) وبالمثل نستطيع نحن المؤمنون في العهد الجديد أن نحيا حياة المئة ضعف في هذا الزمان كما وعدنا الرب (مر10: 29-30) ونرى أيضاً يعقوب الذي صار اسمه إسرائيل أي أمير مع الله إذ يكتب الوحي عن غناه الذي كان لله "فاتسع الرجل كثيراً جداً، وكان له غنم كثير وجوارٍ وعبيد وجمال وحمير" (تك30: 43). بالحقيقة أن بركة الرب هي تغني. غنى لله. ولقد كان سبب هذا الغنى هو حلم أعطاه الرب ليعقوب، لذا لنتوقع من الرب قيادة في أعمالنا بإمور عظيمة وفائقة من الروح القدس. وبذلك يتحقق فينا قول سفر أيوب "يكون القدير تِبرَك وفضة أتعابٍ لك" . أي 22: 25 |
|