رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
«إِنْ كَانَتْ شَرِكَةٌ مَا فِي ٱلرُّوح»
«إِنْ كَانَتْ شَرِكَةٌ مَا فِي ٱلرُّوح» (فيلبي 2: 1) في بدء الخليقة قال الله: «لَيْسَ جَيِّدًا أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ، فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِينًا نَظِيرَهُ» (تكوين 2: 18). ومن هنا نتعلم ان حياة الشركة كانت وستبقى ضرورة للإنسان في كل جيل وعسر. وقد تأكد بالاختبارات ان الإنسان لا يبلغ النضوج ما لم يعش مع الآخرين في تعاون مستمر. وان خير التعاون ما كان مؤسساً على المحبة. لأنه لا شيء يجمع الأفراد ويزكي تعاونهم ويعزز تقاربهم مثل المحبة. قال أحدهم: قد تتجمع حبات الرمل اذا ما بللت وضغطت حتى لتبدو انها متماسكة ولكن ما أن تجف حتى تفقد تماسكها وتتناثر هنا وهناك. بعكس ذرات الحديد إذا ما تجمعت حول قطعة ممغنطة فانها تتلاحم بجاذب المغناطيس ويدوم تلاحمها. * هكذا الحال مع الناس، فاذا تقاربوا بفعل عوامل خارجية لا يستمر تقاربهم طويلاً. لأن العوامل الخارجية سرعان ما تستهلكها المآرب الشخصية فينفرط العقد. أما التقارب الذي يحصل بجاذب المحبة الصحيحة فيثبت. وخصوصاً متى كانت دوافع التقارب ولاء مشتركاً لشخص ما. * هكذا حدث عند مغارة عدلام، حين أتى أتباع داود من كل أطراف المملكة. كان بعضهم خشنى الطباع، وبعض آخر متضايقا، وبعض آخر مثقلاً بالديون، وبعض آخر مرّ النفس. ولكن شخصية داود الفذة جمعتهم في ولاء عجيب. ونجم عن تماسكهم بالولاء سقوط مؤامرة شاول لأن جيشه لم يستطع التغلب على تلك الغيرة المتأججة في صدورهم. فإن كان الالتفاف حول إنسان يؤدي الى هذه النتيجة، فكم بالحري الالتفاف حول شخص الرب يسوع يؤدي الى نتيجة أعظم؟! * هذا ما نستطيع التأكد منه، حين نلقي نظرة على عائلة مسيحية بالحق. فقبل دخول المسيح حياتهم، ربما كان الآب والأم والأولاد مرتبطين برباط الدم. ولكن رباط الدم لا يستطيع رفع العائلة الى المستوى الذي فيه يحب الإنسان قريبه كنفسه. ولكن ما أن دخل المسيح القلوب حتى غيرها وأوجد في العيلة عمقاً في المحبة. فأصبح اسم الرب تسبيحة في أفواههم، ومحبة الإخوة رغبة في قلوبهم وخدمة الناس مستطابة في أيديهم. انها ثورة جديدة سكبها المسيح في العيلة فصار كل فرد فيها انساناً جديداً صانعاً سلاماً. وهذا الالتفاف حول يسوع أكثر روعة في الكنيسة التي اقتناها الرب بدمه. لأنه حين تتلاقى قلوب المسيحيين حول رئيس إيمانهم ومكمله، تتحول العواطف الى مودة أخوية، وتتعمق المودة الى قلب المحبة، فتتأصل النفوس في المسيح. وعندئذ يعرف المسيحي ما هو العرض والطول والعمق والعلو لمحبة المسيح الفائقة ويمتلئ الى كل ملء الله. * جميل هو التعاطف الانساني، الذي يجذبنا حول أمور مشتركة. ولكن هذا التعاطف لا يستطيع أن يوحد لنا شركة كتلك التي توحدنا في محبة المسيح، وتحصرنا في الولاء لملكوت المسيح فتصبح سيرتنا في السمويات. * أيها الأحباء حين نتأمل العبارات التي تليت علينا من الرسالة الى فيلبي تتبين لنا خمس روابط للشركة حسب انجيل المسيج. أولاً الوعظ: قال الرسول: «فَإِنْ كَانَ وَعْظٌ مَا فِي الْمَسِيح» (فيلبي2: 1). هذه الرابطة يجب أن نعززها بالطاعة لأمر المسيح القائل: «مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ فَلْيَسْمَعْ» (متّى 11: 15). قال صموئيل النبي: «الاسْتِمَاعُ أَفْضَلُ مِنَ الذَّبِيحَةِ، وَالإِصْغَاءُ أَفْضَلُ مِنْ شَحْمِ الْكِبَاشِ» (١صموئيل 15: 22). والحق في أننا في حاجة مستمرة الى الوعظ لزيادة إيماننا، وتشدد رجائنا وتزكية محبتنا. والمناسبة تقول لكل واحد منا: لعلك مررت بأوقات كنت فيها حاقداً على إنسان أو مغتاظاً من إنسان. ولكن صوت الله كان تكلم في داخلك وتأثيراً رقيقاً كان يمتلك مشاعرك، وحنينا كان يشدك الى أخيك الذي حقدت عليه، أو قريبك الذي اغتظت منه. * هذه أصداء عظة المسيح عندما قال: «فَإِنْ قَدَّمْتَ قُرْبَانَكَ إِلَى الْمَذْبَحِ، وَهُنَاكَ تَذَكَّرْتَ أَنَّ لأَخِيكَ شَيْئًا عَلَيْكَ، فَاتْرُكْ هُنَاكَ قُرْبَانَكَ قُدَّامَ الْمَذْبَحِ، وَاذْهَبْ أَوَّلاً اصْطَلِحْ مَعَ أَخِيكَ» (متّى 5: 23-24 ). ولعل أصداء هذه العظة نفسها، جعلتك تعدل عن توجيه اللوم الى أخيك. أو حملتك على أن لا ترسل خطابا قاسي اللهجة الى قريبك. ربما كنت الى وقت قريب تبحث عن أنسب وسيلة للانتقام من أعدائك الذين أساءوا فهمك وأساءوا اليك ولكن عظة المسيح القائلة: «لاَ تُقَاوِمُوا الشَّرَّ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا» (متّى 5: 39)، أقنعتك ليس بالرجوع عن فكرة الانتقام وحسب. بل أيضا بمبادلة الأعداء المحبة ومبادلة اللاعنين بالبركة، ومقابلة المبغضين بالإحسان ومعاملة المسيئين بالصلاة من أجلهم. هكذا تلقى بولس من المسيح فكتب لنا وصيته القائلة: «إِنْ جَاعَ عَدُوُّكَ فَأَطْعِمْهُ. وَإِنْ عَطِشَ فَاسْقِهِ. لأَنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ هذَا تَجْمَعْ جَمْرَ نَارٍ عَلَى رَأْسِه. لاَ يَغْلِبَنَّكَ الشَّرُّ بَلِ اغْلِبِ الشَّرَّ بِالْخَيْر» (رومية 12: 20-21 ). * ثانياً تسلية المحبة: فقد قال الرسول: «إِنْ كَانَتْ تَسْلِيَةٌ مَا لِلْمَحَبَّة» (فيلبي 2: 1). واكرم بها من تسلية تدخل العزاء الى القلب المكتئب، وتجبر الخاطر المنكسر! يوجد أناس خارت قواهم وصغرت نفوسهم، والوفاء المسيحي يلزمنا أن نقدم لهم تسلية المحبة. أن نقدم لهم كلمات المسيح المشجعة، مشفوعة بالابتسامة الرقيقة التي تنم عن المودة. جاء في التقليد ان حكيما سأل ايليا النبي مَن مِن الجمهور المتحرك في المدينة يحظى بأعظم مكافأة من الله؟ فأشار إيليا الى عاملين كانا يسيران وسط الجمهور فرحين مبتسمين. فركض الحكيم وسأل العاملين ما هي الصفات العالية التي يتصفان بها؟ فقالا لسنا سوى عاملين فقيرين. وكل ما يقال عنا اننا مبتسمي الوجه. وكلما التقينا بحزين ننضم اليه ونرافقه ونواسيه لينسى حزنه. واذا عرفنا عن شخصين متخاصمين نذهب اليهما ونلاطفهما ونصالحهما. هذا كل ما نفعله. تشبهوا بهذين العاملين في التخفيف من أكدار الناس، والعمل على إشاعة السلام بينهم متذكرين قول الرب يسوع طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون. * ثالثاً شركة الروح: قال الرسول: «إِنْ كَانَتْ شَرِكَةٌ مَا فِي الرُّوحِ» (فيلبي 2: 1). في الكنيسة تجمعنا الشركة حول الرب يسوع، الذي ارتبط معنا بروابط الاخاء كما هو مكتوب: «لأَنَّ الْمُقَدِّسَ وَالْمُقَدَّسِينَ جَمِيعَهُمْ مِنْ وَاحِدٍ، فَلِهذَا السَّبَبِ لاَ يَسْتَحِي أَنْ يَدْعُوَهُمْ إِخْوَةً، أُخَبِّرُ بِاسْمِكَ إِخْوَتِي، وَفِي وَسَطِ الْكَنِيسَةِ أُسَبِّحُكَ» (عبرانيين 2: 11-12 ). كل مسيحي حقيقي متمتع برفقة الروح القدس لان الروح المبارك ماكث فيه. يزوده بالمواهب الروحية ويعزيه في أثناء أحزانه. ويقويه أمام تجاربه ويرشده الى جميع الحق. * يخبرنا لوقا في سفر الاعمال ان جميع الذين آمنوا كانوا في قلب واحد ونفس واحدة. وكانوا يجتمعون باسم الرب الواحد ويترنمون ويصلون معا. بعكس ما نرى عند الكثيرين في أيامنا الذين لا يذهبون الى الكنيسة يوم الأحد. وحجتهم انهم يصلون في البيت أو كما قال لي رب عائلة يكفي ان نستمع الى البرامج الدينية المذاعة بالراديو. هؤلاء يحرمون أنفسهم بركة الشركة مع الإخوة في الروح. ويحرمون أنفسهم من امتياز القول: « فَرِحْتُ بِالْقَائِلِينَ لِي: إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ نَذْهَبُ» (مزمور 122: 1). انهم يتجاهلون القول النبوي: « هُوَذَا مَا أَحْسَنَ وَمَا أَجْمَلَ أَنْ يَسْكُنَ (يجتمع) الإِخْوَةُ مَعًا!... لأَنَّهُ هُنَاكَ أَمَرَ الرَّبُّ بِالْبَرَكَة» (مزمور 133: 1-3). * رابعاً أحشاء ورأفة: الأحشاء مركز الرأفة ورقة القلب التي تحمل الرحمة. كتب أحد المؤمنين العبارات التالية وألصقها على مرآته ليراها كل صباح: لن أعبر هذا اليوم سوى مرة واحدة فأي خدمة يمكنني أن أسديها يجب أن أقوم بها. وأي رحمة أستطيع أن أدرك بها انسانا يجب أن أعملها. هذا شعار جميل جدير بأن نحمله فنعمل لتوزيع الرحمة حولنا. ونجتهد لانهاض الساقط الذي لم ينهضه أحد. ونسعى لمواساة المكتئب الذي لم يواسيه أحد. ونتقدم لمساندة المستضعف الذي لم يسنده أحد ونسرع الى التخفيف عن البائس الذي لم يخفف عنه أحد. * قال أحد الأتقياء: نتعلم من سفر الرؤيا اننا لسنا فقط إخوة الآخرين في الخطية، بل نحن أيضا إخوتهم في الفداء. وقال التلميذ الذي كان يسوع يحبه: «أَنَا يُوحَنَّا أَخُوكُمْ وَشَرِيكُكُمْ فِي الضِّيقَةِ وَفِي مَلَكُوتِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ..» (رؤيا 1: 9) ففي هذه الشركة المثلثة تتمثل الحياة المسيحية، كما عرفتها الكنيسة الأولى. وهذه الشركة المثلثة مبنية على كلمات المسيح الثلاث التالية «فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ» (يوحنا 16: 33)، «لأَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ سُرَّ أَنْ يُعْطِيَكُمُ الْمَلَكُوتَ» (لوقا 12: 32)، «بِصَبْرِكُمُ اقْتَنُوا أَنْفُسَكُمْ» (لوقا 21: 19). * خامساً الفكر الواحد: قال الرسول : «افْتَكِرُوا فِكْرًا وَاحِدًا وَلَكُمْ مَحَبَّةٌ وَاحِدَةٌ» (فيلبي 2: 2). وفي رسالته الى أفسس، قال: «احْفَظُوا وَحْدَانِيَّةَ الرُّوحِ» (أفسس 4: 3). ويقينا ان أعمق ما في الشركة المسيحية، ان يكون فيها الفكر الواحد، الذي دعا اليه الرسول الكريم وهو التشبه بالرب يسوع. ان نتشبه به في وداعته وتواضعه، وفقا لدعوته حين قال : «اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ» (متّى 11: 29). هذه هي الطريقة المثلى لكي نملكه على حياتنا ونجعله متقدما في كل شيء. متذكرين شيئا واحدا، «لاَ شَيْئًا بِتَحَزُّبٍ أَوْ بِعُجْبٍ، بَلْ بِتَوَاضُعٍ، حَاسِبِينَ بَعْضُكُمُ الْبَعْضَ أَفْضَلَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ» (فيلبي 2: 3). تلك هي دعوتنا في نكران الذات وحمل نير المسيح الى أن ننتهي الى وضع النفس. وبوضع النفس تزداد محبة المسيح فينا المحبة التي لا تطلب ما لنفسها. وعندئذ نرى في الآخرين شيئا من المسيح فنحبهم كنفسنا. أيها الأحباء قد يكون بيننا من لم يتمتع بعد بهذه الامتيازات المجيدة، لأنه لم يمارس شركة المحبة في عمقها محباً ومحبوباً. ولكن لا تسريب عليه فالفرصة ما زالت سانحة وكل ما يطلب اليه ان يتجاوب مع النعمة الإلهية المخلصة بالإيمان. كما هو مكتوب: « لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ أَنْتُمْ مُخَلَّصُونَ وَذلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ . هُوَ عَطِيَّةُ الله» (أفسس 2: 8) * * * أشكرك أحبك كثيراً... الرب يسوع يحبك ... بركة الرب لكل قارئ .. آمين . وكل يوم وأنت في ملء بركة إنجيل المسيح... آمين يسوع يحبك |
16 - 09 - 2015, 05:54 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
..::| مشرفة |::..
|
رد: «إِنْ كَانَتْ شَرِكَةٌ مَا فِي ٱلرُّوح»
ربنا يبارك خدمتك ياماري
موضع مميز وراااائع |
||||
17 - 09 - 2015, 11:11 AM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
..::| مشرفة |::..
|
رد: «إِنْ كَانَتْ شَرِكَةٌ مَا فِي ٱلرُّوح»
ربنا يوض تعب خدمتك
|
||||
17 - 09 - 2015, 12:01 PM | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: «إِنْ كَانَتْ شَرِكَةٌ مَا فِي ٱلرُّوح»
شكرا على المرور
|
||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|