رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أرملة غريبة في بيت لحم القمص تادرس يعقوب ملطي على قارعة الطريق حاولت نُعْمى أن تحبس دموعها أمام كنتيها عُرفة وراعوث فلم تستطع. لقد صمتت إلى لحظات ثم ربتت بيديها على كتفيهما وهي تقول: "منذ عشر سنوات جئت مع زوجي أليمالك وابنيَّ في هذا الطريق. لقد هربنا نحن الأربعة من الموت بسبب المجاعة التي حلت ببيت لحم وطننا. جئنا إلى موآب وطنكما، حيث نما الولدان هنا وتزوجا... الآن وقد مات زوجي ومات الولدان، وبقيت أنا وأنتما أرامل... لقد قررت العودة إلى بيت لحم لأقضي بقية أيام حياتي الشقية وأموت وسط عشيرتي. فلتذهبا إلى أسرتيكما يا بنتيّ. إنني لن أنسى محبتكما، إني أشهد أنكما كنتما زوجتين صالحتين حين كان ابناي عائشين، وكنتما مملؤتين حبًا لي ولزوجي عندما كان عائشًا. الآن اسمعا يا بنتيّ لقولي، ولترجع كل منكما إلى بيت أبيها. إنكما صغيرتان، فستجدان زوجين من شعبكما وتستريحان أما بالنسبة لي فلست أظن أن لكما رجاءً فيّ. أنا إنسانة مُسِنَّّة، لا أصلح للزواج. وإن تزوجت وأنجبت أطفالاً، فهل تنتظران أن تتزوجا من أولادي؟! الآن ارجعا! ليصنع الله معكما إحسانًا كما صنعتما بالموتى وبي". إذ دار الحوار بين نُعْمَى وكنتيها قبّلتهما بحب صادق، ثم رفع الثلاث أصواتهن وبكيّن. قبَّلتْ عُرفة حماتها وعادت إلى بيت أبيها، أما راعوث فلم تتحرك إنما التصقت بحماتها. وقالت الكنة لحماتها: "لا تُلِحّي علىَّ يا أماه. لقد تعودت الطاعة الكاملة لوالديّ ولزوجي ولكِ، لكنني هذه المرة لن أستطيع أن أسمع لك. فإنني أحبك، لن أتركك في شيخوختك وحدك". قالت نُعمَى: "انظري يا راعوث ابنتي. كوني حكيمة وارجعي إلى شعبك وإلهك. ارجعي وراء سلفتكِ". باتضاع شديد توسلت راعوث أمام حماتها وهي تقول: "لا يا أمي، اتركيني، لأنه حيثما ذهبتِ أذهب، وحيثما بتِّ أبيت. شعبك شعبي، وإلهك إلهي. حيثما مُتِّ أموت، وهناك أُدْفَن... لن يفصل بيني وبينك إلا الموت!" إلى بيت لحم! رأت نُعمَى أن كنتها راعوث مشددة على الذهاب معها، فسار الاثنان معًا في الطريق إلى يهوذا حتى بلغا بيت لحم. سمع كل من كان في بيت لحم أن نعمى قد رجعت، فتدفق الكثيرون من بيوتهم لاستقبالها وتقديم التحية لها. لكنهم أصيبوا بنوع من الإحباط حين رأوها تسير بدون زوجها أو أحد ابنيها، إنما ترافقها سيدة صغيرة السن، كما رأوا في نعمى علامات الشيخوخة ليس فقط بسبب كبر سنها وإنما بسبب الضيق الشديد الذي أحنى ظهرها، كما ظهرت علامات المرارة على ملامحها. لقد كانت عاجزة حتى عن أن تحييهم. سمعت البعض يهمسون فيما بينهم، قائلين: "أهذه نعمى؟!" أما هي ففي حزن قالت: "لا تدعوني نُعمى بل ادعوني مرة، لأن القدير قد أمرّني جدًا، وأذلَّني وكسر قلبي... ذهبت مع زوجي وابناي وعدت أرملة وثكلى". في رقة وبلطف قالت راعوث: "لا تقولي هذا يا أمي. إنكِ لستِ وحدك. ها أنا ابنتك، أكون معك، وأخدمك حتى النفس الأخير". أجابت نعمى: "أنا أعلم محبتك يا راعوث، لكن لا تنسي أنني مع عجزي عن أن أصنع شيئًا فإنني أشعر بالمسئولية نحوك، وأود أن أرد محبتكِ بالحب أيضًا". أرملة في حقل شعير استراح الاثنان في كوخ صغير، وفي الصباح المبكر قالت نعمى لراعوث: "اسمعي يا راعوث ابنتي. إنه بحسب شريعة إلهنا لا تُحصد كل المحاصيل بل تترك بعض السنابل في أركان الحقول حتى يستطيع الفقراء والغرباء أن يلتقطوها ويعيشون بها. والآن أرى أنه وقت حصاد الشعير. اذهبي لعلكِ تجدين حقلاً لإنسان طيب القلب يطلب من الحصادين أن يتركوا سنابل كثيرة ليلتقطها الفقراء". ذهبت الأرملة الشابة غريبة الجنس إلى حقل شعير وصارت تلتقط السنابل الساقطة من الحصاد بكل اتضاع وجدية. كانت جائعة وعطشى لكنها لم تبالِ، بل عملت باجتهاد لكي تقدم لحماتها شيئًا. كان كثيرون من العاملين في الحقل يترقبون الأرملة التي لم تعرف الراحة، حتى جاء صاحب الحقل فرآها وسأل الموكل على الحصادين: - مَنْ هذه الفتاة؟ - هي فتاة موآبية، رجعت مع نُعمى، استأذنت منا لتلتقط السنابل الساقطة من الحصادين. - وما هو سلوكها؟ - إنها عجيبة، لم تكفّ عن العمل منذ الصباح. لم تسترح ولا أكلت أو شربت. ولم ترفع نظرها إلى أحد، ولا تحدثت مع إنسان. - ما هو اسمها؟ - راعوث. نادى بوعز- صاحب الحقل- راعوث وتحدث معها، قائلاً: "اسمعي يا ابنتي راعوث. لا تتركي هذا الموضع. فتياني سيهتمون بك، التقطي السنابل من ورائهم. إن عطشت فاذهبي إلى الآنية واشربي مما استقاه الغلمان". زال الخوف منها أمام رقة الرجل واهتمامه بها. وانحنت حتى الأرض وسجدت أمامه، وقالت له: "كيف وجدت نعمة في عينيك حتى تنظر إلىَّ وأنا غريبة؟!" أجابها بوعز: "لقد سمعتُ عنكِ وعن كل الخير الذي فَعَلْتِهِ مع نعمى حماتك. الله يكافئك، فقد تركتِ وطنك وشعبكِ وآلهتك وجئت إلى الله الحيّ الذي يظللك تحت جناحيه، كما يضم الطير فراخه". قالت راعوث: "لقد عزيت نفس جاريتك، وطيبت قلبها، وأنا لست كواحدة من جواريك". طلب منها بوعز أن تأكل فريكًا، فأكلت وشبعت وفاض عنها، ثم قامت لتلتقط بين الحزم حتى المساء. خَبَطتْ راعوث السنابل التي جمعتها، وفرزت الشعير، وجاءت به إلى حماتها. سألتها حماتها: "أين التقطْتِ اليوم؟" أجابت: "في حقل رجل طيب القلب يُدعى بوعز". قالت نُعمى: "إنه الرب هو الذي أرسلك عند هذا الرجل. فهو قريب لنا، ثاني ولينا، وهو قادر أن يعيننا". قالت راعوث: "لقد طلب مني أن ألازم فتيانه". قالت نعمى: "لازميهم ولا تذهبي في حقل آخر". وهكذا استمرت راعوث في عملها هذا تجمع السنابل وتخبطها ثم تطحنها وتخبزها لتأكل مع حماتها بفرح. زواج راعوث انتهى موسم حصاد الشعير، فقالت نُعمى لكنتها: "اسمعي يا ابنتي، فإني لن أنسى محبتك وتعبك معي، فقد قدمْتِ لي كل خير. ليكافئك الرب ويبارك حياتك. إنني أشتاق أن أراكِ متزوجة ولك أولاد. بوعز هو الرجل الذي وحده يقدر أن يعيننا. إني أشير عليك أن تذهبي الليلة إلى البيدر، وبعد نهاية حفل الابتهاج بالحصاد يدخل بوعز لينام، ادخلي أنتِ أيضًا ونامي تحت رجليه". أطاعت راعوث حماتها، وبالفعل إذ استيقظ الرجل في منتصف الليل اضطرب فقد وجد سيدة مضطجعة عند رجليه، لم يستطع أن يتعرف عليها بسبب الظلام. - من أنتِ؟ - أنا راعوث أَمَتك، ابسط ذيل ثوبك على أمتك، لأنك وليّ. قالت هذا كمشورة حماتها، لأنها حسب الشريعة الموسوية إن مات شخص دون أن يكون له ولد، يتزوجها أقرب من له (وليِّها)، ويُنسب الابن الأول للميت، وليس للزوج الثاني الذي أنجبت منه. وكان الهدف أن يبقى اسم الميت مخلدًا ولا يضيع ذكره. لقد كانت راعوث أرملة صغيرة السن وكان يمكنها أن تتزوج بشاب لكنها قبلت الزواج من بوعز الشيخ لكي تقيم ابنًا لزوجها الأول. أدرك بوعز عفة راعوث ونقاوة قلبها، فقال لها: "إني سعيد جدًا أن تنتسبي لعائلتنا. وأنا مستعد أن أتزوجك إن رفض الوليّ الأول الزواج بك، لأنه هو أحق مني أن يأخذك. فإن قبل أن أتزوجك أهتم بكِ وبنُعمى كل أيام حياتكما". في الصباح التقى بوعز ومعه عشرة رجال من شيوخ الشعب بالوليّ الأول عند باب المدينة، ثم قال له: - إن نُعمى رجعت من موآب وهي تبيع قطعة الحقل التي لزوجها الراحل أخينا أليمالك، فهل تفك أنت الحقل (أي تدفع ما على الأرض من دين وتكون له الأرض). - نعم أفك. - يوم تشتري الحقل من يد نُعمى تأخذ من يدها راعوث الموآبية زوجة لتقيم منها نسلاً للميت على ميراثه. رفض الرجل لأنه يدفع ثمن الأرض ثم يتزوج ويُنسب ابنه الأول للميت الذي يعود فيرث الحقل الذي دفع الرجل ثمنه... لهذا تنازل الرجل عن حقه في الفك حتى لا يتزوج راعوث، فأشهد بوعز عليه الشيوخ. وتزوج بوعز راعوث الموآبية. حملت راعوث فتهلل قلب نُعمى جدًا، وأحست أن الله يهبها بركة عظيمة بسبب الحب الذي يربط بينها وبين كنتها راعوث. أنجبت راعوث ابنًا فصار فرح عظيم لنُعمى التي صارت جدة بعدما انقطع رجاؤها لزمان طويل، وتهلل بوعز بالطفل وأيضًا راعوث، بل وكل الأصدقاء والجيران، فدعوه "عوبيد"... هذا الذي هو أبو يسى داود... ومن نسله جاء السيد المسيح- الحب كله- حسب الجسد. لقد قمطت الجدة نُعمى حفيدها عوبيد، وكانت تقول لراعوث: لقد صنعت كل خير لي يا راعوث. إنني فرحة ومتهللة إن الله سمح لي بالذهاب إلى موآب، حقًا لقد عدت حزينة ومرة النفس، لكن حبنا لبعضنا البعض فتح أبواب السماء أمامنا. إني أرى في هذا الطفل كأني قد استعدت زوجي وابنيَّ، بل شعرت بحب الله لكِ ولي!" بدأت دموع الفرح تنهمر من عينيْ نُعمى وأيضًا من عينيْ راعوث، وهما يشكران الله ويسبحانه. القمص تادرس يعقوب ملطي |
09 - 01 - 2015, 11:03 AM | رقم المشاركة : ( 2 ) | |||
..::| مشرفة |::..
|
رد: أرملة غريبة في بيت لحم - القمص تادرس يعقوب ملطي
ربنا يعوضك
|
|||
09 - 01 - 2015, 07:37 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
..::| الاشراف العام |::..
|
رد: أرملة غريبة في بيت لحم - القمص تادرس يعقوب ملطي
|
||||
10 - 01 - 2015, 07:54 AM | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: أرملة غريبة في بيت لحم - القمص تادرس يعقوب ملطي
مشاركة جميلة جدا ربنا يبارك حياتك |
||||
10 - 01 - 2015, 09:24 AM | رقم المشاركة : ( 5 ) | ||||
..::| الاشراف العام |::..
|
رد: أرملة غريبة في بيت لحم - القمص تادرس يعقوب ملطي
|
||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
أبونا القمص تادرس يعقوب ملطي |
القمص تادرس يعقوب ملطي |
قصص قصيرة جزء 10 - القمص تادرس يعقوب ملطي |
قصص قصيرة جزء 7 - القمص تادرس يعقوب ملطي |
من أين أتيت يا أمي؟ - القمص تادرس يعقوب ملطى |