الكابوريا والاخطبوط _ باسيليوس
هناك أطعمة مختلفة للأسماك بحسب أصنافها. فالبعض يتغذى من الوحل، والبعض الآخر من الأعشاب البرية، والبعض الآخر من النباتات التي تنمو في المياه. ولكن غالبية السمك يأكل بعضه البعض، والأصغر بينهم يكون غذاءً لمن هو أكبر. ويحدث أن المنتصر على الأصغر يصبح فريسة لسمكة أخرى أكبر، فيحملان معاً إلى أحشاء الأخير.
والآن، ماذا نفعل نحن البشر بظلمنا للآخرين الذين هم أقل منا؟ هل يختلف الانسان الظالم عن تلك السمكة الأخيرة، فهو بدافع الطمع ومحبة الغنى يبتلع الضعيف في طيّات جشعه النهم؟ هذا الانسان يحتجز أملاك الفقير، يستولى عليه، ويجعله جزءاً من ثراءه. هكذا تظهر أكثر ظلماً من الظالم وأكثر جشعاً من الجَشِع. إحذر، لئلا تكون النهاية التي تنتظرك هي نفس نهاية السمكة، سواء إن كانت بخطاف أو فخ أو شبكة. بالتأكيد، إذا إرتكبنا العديد من الأعمال الظالمة، لن نهرب من العقاب الأخير.
بما أنكم تعرفون بالفعل الكثير من مكر ومكائد الحيوانات الضعيفة، أريدكم أن تتجنبوا تقليد الأشرار.
إن الكابوريا تشتاق إلى لحم المحار، لكنها بالنسبة له فريسة يصعب التغلب عليها بسبب صدفة المحار. فالطبيعة قد ربطت الجسم الرقيق في تطويق لا ينكسر. لذلك يدعى المحار "المختفي في قوقعة". نظراً لأن الصدفتان اللتان تغلّفان المحار يعملان معاً لحمايته، وبالتالي تصير حركة مخالب الكابوريا بلا أي جدوى.
ماذا يفعل الكابوريا إذاً؟ عندما يرى المحار يدفئ نفسه بسرور في البقع التي يحتمي فيها من الريح، فاتحاً صدفتيه قليلاً أمام أشعة الشمس، يلقي خلسة بحصاة صغيرة فتدخل وتمنعه من غلق صدفتيه، ومن ثم ما أخفق الكابوريا في الحصول عليه بالقوة ينجح في الحصول عليه بالابتكار والمكر.
هذا هو خداع المخلوقات التي حُرمت من العقل والنطق. والآن أريدكم مع محاكاة مهارة الاكتساب والابتكار عند الكابوريا، أن تمتنعوا عن أذيّة وإصابة أقرباءكم. إنّ ذلك الذي يحاول أن يخدع أخوه، وذلك الذي يضيف مشاكل إلى جيرانه، وذلك الذي يفرح في مصائب الآخرين، يكون مثل الكابوريا. تفادوا محاكاة أولئك الذين بتصرفهم يدينون أنفسهم. كونوا قانعين بأملاككم الخاصة. فالفقر مع القناعة والامانة أكثر قيمة عند الحكماء من كل الملذات.
ولأعبر أيضاً على مكر وخداع الأخطبوط، الذي يتغيّر ويتلوّن في كل مناسبة بحسب لون الصخرة التي يلتصق بها. ونتيجة لذلك، كثير من السمك يسبح بشكل غافل نحو الأخطبوط كما ولو أنه صخرة، ومن ثم يصير فريسة سهلة لذلك الرفيق الماكر.
هكذا تكون أيضاً شخصية أولئك الذين يتوددون دائماً للسلطات الحاكمة، ويكيّفون أنفسهم في كل مناسبة بحسب الحاجة، ولا يستمرون دائماً على نفس المبادئ، بل يتغيرون بسهولة إلى أشخاص مختلفين، فمع العفيف يكرمون ضبط النفس، ومع غير عفيف ينادون بالانحلال، الذين يبدّلون آرائهم لكي يرضوا كل إنسان.
ليس من السهل تفادي أو تجنب الأذى الآتي منهم، لأن الشر الذي يرعونه في أنفسهم يكون مخفياً تحت قناع من الصداقة الزائفة. مثل هذه الشخصيات يدعوها الرب ذئاب مفترسة تظهر بثياب الحملان (مت 7). تجنبوا إذاً الرياء والتقلب، اسعوا وراء الحق والاخلاص والبساطة. فالحيَّة من أحيَّل الحيوانات، ولهذا حكم عليها بالزحف. الإنسان البار يكون بلا رياء أو تظاهر.
"ما أعظم أعمالك يارب. كلها بحكمة صنعت .. هذا البحر الكبير الواسع الأطراف. هناك دبابات بلا عدد. صغار حيوان مع كبار" (مز 104)