رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الانتقام المسيحي! في الرسالة إلى أهل رومية: "لا تنتقموا لأنفسكم أيّها الأحبّاء... لأنّه مكتوب لي النقمة أنا أُجازي يقول الربّ" (12: 9). هذا مستمدَد من تثنية الإشتراع، الإصحاح 32. الكلام على انتقام الله ليس، في الكتاب المقدّس، بقليل. السؤال هو: "هل يُعقَل أن يكون الانتقام من شيم الله وهو المحبّة الذي لا يأتي أيَّ ما يأتيه إلاّ بمحبّة؟" لا شكّ أنّ في الأمر إستعارة. ولكن ما المقصود بانتقام الله من أعدائه؟ بقي الجواب في الذهن ضبابياً إلى أن قرأت في سيرة الأب الشيخ أبيفانيوس ثيودوروبولس (+ 1989) النبذة التالية: كان الأب الشيخ أبيفانيوس مناهضاً لنقل الأساقفة من أبرشياتهم. وإن أحد رسميي الكنيسة هاجمه في إحدى منشوراته الدورية وسعى إلى استصدار حرم في حقّه. ومرّت الأيام طويلة وتقلّبت الأحوال فانوجد الرسميُّ متورطاً في قضية قانونية كنسيّة أُقيمت عليه. وكان الأسقف المولج بالقضية من المقرّبين المعجَبين بالشيخ. فظنّ الرسميُّ المسكين أنّ الفرصة حضرت الأب الشيخ ليلتمس لنفسه انتقاماً. ماذا كان بإمكانه أن يفعل؟ حيث ألحّت الحاجة حاول المتورّط أن يعطي الأب الشيخ كرامة. اتّصل به وسأله، بتوسّل، التدخّل حتى لا تؤول القضيّة إلى نتائج بشعة في حقّه. الكلّ ألحّ على الشيخ ألاّ يتدخّل لكي يكون للرجل عقاب يستحقّه. أما الأب الشيخ، وهو المعروف بمحبّته لأعدائه، فقد أعلن أنّه سيتصرّف وفق ما يمليه عليه ناموس المحبّة. وبالفعل عمد إلى التدخّل وأنقذ الرجل الذي سبق أن عامله بالظلم. وقد كان فرحه عظيماً عندما أعلن لأولاده الروحيّين نتيجة مبادرته: "اليوم انتقمت منه!" انتقم منه لأنّه صفح عنه، لأنّه أحبّه، لأنّه عامله كنفسه. ولعل القارئ يظنّ أنّ الحديث عن الانتقام في معرض المحبّة هو من باب تسمية الأشياء بغير أسمائها. كلا أبداً! ليس هناك أشرس، دنيا وآخرة، من انتقام المحبّة. حين يدرك المرء أنّه أساء إلى مَن أحسن إليه فسيكون عقابه إحساسٌ عميق بالأسى يبلغ حدّ الجحيم. فلأنّ الإنسان مخلوق، أصلاً، على المحبّة، عدم استجابته لمحبّة الله ينشئ أنيناً موجعاً في نفسه شديداً. هنا والآن قد يفطن المرء لهذا الأمر وقد لا يفطن. الحقائق الإلهيّة، دائماً مغلّفة، في هذا العالم، بمظهر العاديّات. وحدهم المستقيمو النيّات يدركون ما وراء المظاهر. ولكنْ، هناك، في ساعة الكشف الكامل والأخير، كلُّ الحقيقة تقال وتستبين. كلٌّ سيفطن، رغماً عنه، إلى كم أحبّه الله في حياته وأعانه. كان الربّ أبداً في انتظاره لكنّه تجاوزه ولم يشأ أن يسمع. هكذا خاطب الربّ الإله إسرائيل: "أوّاه كيف محفل المخالفي الناموس حكم بالموت على مَلِك البريّة ولم يخجل ويحتشم من إحساناته... يا شعبي ماذا فعلتُ بكَ؟ ألَمْ أُفعم اليهوديّة من العجائب؟ ألَمْ أُنهِض الأموات بكلمة فقط؟ ألَمْ أشف كل مرض واسترخاء؟ فبماذا تكافئني؟ ولماذا تنساني؟..." (الجمعة العظيمة/ صلاة المساء/ قطعة المجد على يا ربّ إليكَ صرخت). كلُّ آثمٍ إسرائيلُ، شريكٌ في صلب المسيح في حياته. هكذا تنفتح أبواب الجحيم في الضمير الذي يكون قد استهلك نصيبه في إمكان معرفة الله واقتناء محبَّته ولمّا يشأ أن يسمع. فإنّ ساعةً آتيةٌ حين يدخل العريسُ والمستعدّاتُ إلى العرس ويُغلَق الباب. إذ ذاك متى قالت بقيّة العذارى، الضمائر التي ساحت في غياهب الخطيئة وظلمة هذا الدهر: "يا سيّد يا سيّد افتح لنا". إذ ذاك يجيب: "الحقّ أقول لكنّ إنّي ما أعرفكن" (مت 25). لن يوجد، يومذاك، مَن يقول: "أنا لم أُعْطَ فرصة!" لن يكون هناك مجال للمواربة والكذب والادّعاء. ما يكون كل امرئ قد زرعه إيّاه يحصد عن حقّ كامل لا غبار عليه. الجحيم سيكون أن الفرصة كانت مؤاتية، على مدّة يد، الحياة الأبديّة، فلم نستفد منها. ويح لنا، ويل لنا؟! هناك هناك يكون الندم الذي يأكل صاحبَه كالدود الذي لا ينام! هناك يكون البكاء وصريف الأسنان! انتقام الله هو في الضمير الذي لم يستجب لمحبّة الله. حتى السلام الكذوب الذي نوهم النفس أنّنا نتمتّع به لن يكون لنا هناك، يوم تنكشف الحقائق كلّها ويُشعّ نور الله ليملأ كل شيء. هل سبق لكم أن عاينتم إنساناً جالساً في عين الشمس وهو يرتجف برداً. المرض أكله من الداخل. يحترق ولا يدفأ. كأنّ الأثمة في برودة العدم الكاملة كائنون وهم في ملء النور وشمس العدل. "لهم عيون ولا يبصرون. لهم آذان ولا يسمعون". هؤلاء نور الله عذابهم وكلمة الله ضنكهم. ما أراده الله لهم حياة جعلوه لأنفسهم موتاً. النور الإلهي في عيون الآثمين أشدّ قتاماً حتى من قتام العدم. أما بعد فإنّ ثمّة طريقَين: طريق للحياة وطريق للموت... طريق الحياة هو الآتي: "أحبب الربّ الذي خلقك. ثانياً أحبب قريبك كنفسك. ما لا تريد أن يفعله الناس بك لا تفعله أنت بالآخَرين... أما طريق الموت فهذا. أولاً، إنّه شرّير مليء باللعنات والقتل والزنى... والزور والرياء والغش والكبرياء... إنّه مليء بمضطهِدي الخير وأعداء الحقيقة ومحبّي الكذب... لا يرحمون... لا يعرفون خالقهم... يُفسدون خليقة الله... كلّهم خطيئة... اسهروا على حياتكم... كونوا مستعدّين دائماً... عليكم أن تطلبوا ما يختصّ بنفوسكم. إذا كنتم لا تَصِلون، في النهاية، إلى الكمال فلأنّ الزمان الذي قضيتموه بإيمانكم لم يثمر. في الأيام الأخيرة سيكثر عدد الأنبياء الكذبة والمُفسدين وستتحوّل النعاج إلى ذئاب والمحبّة إلى حقد. بازدياد الإثم سيضطهِد الناس بعضهم بعضاً ويطاردون بعضهم بعضاً. عندئذ سيظهر مضلِّل العالم كابن الله وسيجترح الآيات والعجائب. وستصبح الأرض بين يديه وسيرتكب آثاماً لم تقع منذ بدء الأجيال. عندئذ ستدخل الخليقة كلّها في نار الاختبار... أما الذين يثبتون في الإيمان فسيخلصون عن طريق مَن كان هدفاً للسباب والشتائم. عندئذ تظهر إشارات الحقيقة... سيأتي الربّ ومعه القدّيسون وسينظر العالمُ المخلِّص آتياً على سحب السماء" (الديداخي/ تعليم السيّد للأمم بواسطة الرسل الإثني عشر). |
02 - 08 - 2014, 07:52 AM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
..::| مشرفة |::..
|
رد: الانتقام المسيحي!
|
||||
02 - 08 - 2014, 01:33 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: الانتقام المسيحي!
شكرا على المرور
|
||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
المسيحي وروح الانتقام |
الانتقام |
الانتقام |
الانتقام |
الانتقام |