القديس أباكير الناسك
وكان نجاحه المستمر قد جلب له جمعًا غفيرًا من الزائرين حتى كان أكثر أطباء الإسكندرية شهرة وشعبية، وكان الأغنياء والفقراء علي حد سواء يلجأون إليه التماسًا لخدماته الممتازة، وكانت بالمدينة العظمي شتي الأنظمة الاجتماعية، والعبادات الدينية، وفيها مختلف الجنسيات، وكانوا يتواجدون جنبا إلي جنب في عيادته.
وكان أقل ما يجب نحو مثل هذه الشعبية حمايته الدائمة من الاضطهادات، ألا أن الأمر لم يكن كذلك أبدًا. ففي ذات يوم لا نعرف كيف أو بفعل من، علم الوالي سيريانوس أن هذا المحسن الكبير للبشرية المتألمة مسيحي. وفجأة تحتسب خدماته الماضية لا شيء؛ وانه ساحر مشعوذ، لهم أن يقبضوا عليه كفاعل شر، فأصدروا أمرًا بذلك،ولكن القديس أباكير الذي كان له، علي ما يبدو، أنصاره الأذكياء من المتصلين بالوالي. فقد عالَج الأمر، وهرب من المدينة وجعل سلسلة الجبال العربية سدًا بينه وبين سيريانوس. فلما تقدم موظفو الوالي إلي منزله ليمسكوه، فوجئوا بأنه قد هرب بعيدًا ولم يتمكنوا من شيء، إذ كان قد نفذ وصية السيد في حرص: "ومتى طردوكم في هذه المدينة فاهربوا إلي الأخرى" (مت10: 23).
وانضم القديس أباكير في الصحراء إلي النساك، واتبع أسلوبهم في الحياة، ولبس التونية الخشنة ونزع معهم إلي التأمل. ومن ناحية أخري لم يترك مهنته المفضلة كلية، إلا انه أصبح له عملاء من نوع مختلف، فتغيرت طريقته في العلاج. كانت الأشفية التي لا حصر لها نتيجة لصلواته أكثر منها لعنايته الطبية، فتعدت شهرته حدود الصحراء، إلي فلسطين وسوريا وحتى أقاصي بلاد ما بين النهرين(الدجلة والفرات) Mesopotamie حيث زميله الذي لم يفترق عنه حتى في الموت وفي المجد.