|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
المادة حقيقة ثابتة نلمسها ونحسها وندركها، فهل عدم إدراك الله بالحواس يعني عدم وجوده؟ س55: المادة حقيقة ثابتة نلمسها ونحسها وندركها، فهل عدم إدراك الله بالحواس يعني عدم وجوده؟ ج: كم من الأمور التي لا يدركها الإنسان بالحواس الجسدية، ولكنه يؤمن بوجودها؟ فلا أحد يرى الكهرباء، ولا القوة المغناطيسية ولا الموجات الصوتية والضوئية ولكن يؤمن بوجودها، ويستفيد بها، وهناك كائنات دقيقة لا تراها العين المجردة لكننا نراها تحت المجهر، وهناك أصوات خافتة لا تلقطها الأذن البشرية ولكن تلتقطها أذن بعض الحيوانات، وأيضًا أجهزة التصنت، فعين الصقر ترى أرنبًا يحاول أن يختفي بين الحشائش على ارتفاع كيلومترًا ونصف، لأنها تُكبر الصورة ثمان مرات، وأذن الغزال ترصد حركة الزلزال قبل حدوثه بعشرين دقيقة. بل أن هناك فرقًا بين عالم الحقيقة وعالم الظواهر، فالسراب هو من عالم الظواهر وليس بحقيقة، والمجداف المكسور في الماء ليس هو كذلك. إذًا فعدم إدراك الله بالحواس لا يعني على الإطلاق عدم وجوده، إذ أننا ندركه بالإيمان، والإيمان يكمل العيان، مثل أجهزة التكبير كالتلسكوب والميكروسكوب فأنها تكمل عمل العين المجردة، فالعين المجردة ترى إلى حد مُعين وتقف، أما أجهزة التكبير فأنها تُكمل ما لا تراه العين المُجردة.. عندما سمع " نابليون " أن أحد جنوده يُنكر وجود الله لأنه لا يراه، استدعاه وسأله: هل عندك عقل؟ فأجاب الجندي: نعم يا سيادة القائد. قال له نابليون: أنا لا أصدق فدعني أشج رأسك لأرى عقلك. فقال الجندي: يا سيد أسألني، ومن إجابتي تستدل أن لي عقلًا يُفكر. فقال له نابليون: إن كنت لا ترى العقل ومع هذا تؤمن به لأن آثاره واضحة في التفكير والنُطق، فكيف تُنكر وجود الله مع أن آثاره واضحة في الكون والإنسان وكل الخليقة. وعندما كان أحد الفلاسفة المُلحدين يُحاضر البسطاء ويقنعهم أننا لا نرى الله لأنه ببساطة غير موجود، ثم سأل أحد الفلاحين البسطاء: هل تؤمن بالله؟ فأجاب بالإيجاب، فسأله المُحاضر: هل رأيت الله لتؤمن به؟ قال الفلاح: وأيضًا أنا لم أرى أحد من اليابانيين، ومع ذلك فأنني أعلم أنهم موجودين، وأن جيشنا قد حاربهم. وأنت تحارب الله، إذًا لابد أن يكون موجودًا حتى وإن كنتُ لا أراه بعين جسدي. وقصة المُدرسة مع البنات الصغيرات قصة مشهورة إذ أخذت تسألهن: ما هذا؟ يجيبون شجرة، ما هذه..؟ نافذة.. ما هذا؟ عصفور، وفي كل مرة تُكرر عبارتها نحن نرى الشجرة إذًا الشجرة موجودة، ونحن نرى النافذة إذًا النافذة موجودة.. إلخ، وانتهت بسؤال: من منكم يرى الله؟ فصمتت البنات الصغيران، فعلقت قائلة: لأنه ببساطة غير موجود، فتصدت لها فتاة صغيرة مؤمنة وأعادت نفس الأسئلة بنفس الصياغة ولكنها أنتهت إلى سؤال: من منكم يرى عقل المُدرسة..؟ فصمتت البنات، فقالت: ليس معنى أننا لا نرى عقل المُدرسة أنها بلا عقل. بل أننا لو أدركنا الله بالحواس البشرية فأنه لن يكن إلهًا غير محدود، ويقول الفيلسوف "توما الأكويني": "أن الله ليس كما نتصوَّره أو نفهمه بمداركنا العاجزة، فإذا عرفنا الله بمفهومنا يكفُ عن أن يكون إلهًا، فالعقل البشري أضيق من أن يحد اللامحدود، ولكننا نستطيع أن نعرفه فقط، لا أن نصل إلى إدراكه" (89) وقال الفيلسوف الهندي " مانو": "الإله هو الكائن الذي لا يمكن أن تحويه الحواس المادية، وليس بمقدور العقل أن يدركه على ما هو عليه، وذلك لاستحالة الكائن الجزئي أن يحوي الكائن الكُلي" (90). ويربط "نيافة الأنبا موسى" بين العقل والإيمان فيقول "أن العقل ليس ضد الإيمان، ولا الإيمان ضد العقل!! الإيمان لا يصادر العقل أو يلغيه، ولكنه يؤكد على محدودية العقل، ثم يكمل هو - أي الإيمان - المشوار معنا. تمامًا مثل التلسكوب، والعين المجردة. فالعين المجردة محدودة في إبصارها، ترى حتى مسافة معينة، ولا تستطيع أن تدرك تفاصيل الأمور البعيدة، مثل القمر مثلًا، العين تراه قُرصًا جميلًا طالما تغزَّل فيه الشعراء، أما التلسكوب فيستطيع أن يُقرب الأمور البعيدة، ويجعلنا نرى الكثير من التفاصيل والتضاريس في هذا القمر، الأمر الذي تعجز عنه العين المُجردة المحدودة. العقل مثل العين المُجردة.. محدود، والإيمان مثل التلسكوب.. يُكمل لنا المشوار، ويقرُّ لنا الحقائق البعيدة وغير المحدودة، مثل الله والأبدية، لهذا يقول معلمنا بولس الرسول " بالإيمان نفهم أن العالمين أُتقنت بكلمة الله" (عب 11: 3) أي أن الإيمان يشرح لنا ما لا يستطيع العقل إدراكه، فالعقل محدود، والله غير محدود، وهيهات للمحدود أن يحتوي غير المحدود. هكذا يكون المنطق!" (91). إن اختبار وجود وجود الله لا يمكن إثباته عن طريق التجارب المعملية، إنما يحتاج فقط إلى الإيمان، والإيمان أمر أعتاد عليه الإنسان، فهو ليس غريبًا عنه، بل يمارسه الإنسان في حياته العادية، فهو يؤمن بالطبيب الذي يذهب إليه، ويؤمن بالقطار الذي سيقله من مكان إلى آخر ولذلك يتوجه إلى محطة القطار ويستقل القطار، ويؤمن الإنسان أنه في بداية كل شهر سيقف أمام الصراف ليتسلم راتبه، أو يصدق أن راتبه سيصل لحسابه بالبنك، والإصرار على استخدام المنهج العلمي لإثبات وجود الله يشبه من يحاول أن يستخدم التليفزيون في قياس الإشعاع الذري. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|