رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أين الله عندما نتألّم؟ يعرض علينا سفر أيّوب مسألة فلسفيّة أساسيّة، لطالما شغلت بال الناس في العهد القديم وحتّى في زمننا الحاضر، وهي لماذا يتألّم البارّ؟ خاصّة وأنّ المعتقد العام السّائد في فترة العهد القديم، وحتّى في كنائسنا ومجتمعاتنا اليوم بأنّ الألم يحدث للشّخص نتيجة الخطيّة، أو ما يُعرَف لدى العالم بالشّرّ، فمن يزرع الشّرّ إيّاه يحصد. ولكنّنا نجد أنفسنا وجهاً لوجه مع شخصيّة أيّوب التّقيّة، الذي كان بلا لوم أمام الله وأمام النّاس، ممّا يضع أمامنا صعوبة تقع عائقاً بيننا وبين فهم سبب الألم في حياته. هذا السّؤال القديم / الجديد يجرّ معه العديد من الأسئلة الأخرى التي يثيرها السِّفر. فإنْ كان الله رحيماً، رؤوفاً بخَلقه، عادلاً، فلماذا يسمح بأن يحدث كلّ ما حدث لأيّوب؟ لماذا لم يتدخّل الله ويمنع الشّيطان؟ لماذا سمح الله للشّيطان منذ البداية بأن يُجرِّب أيّوب؟ وهل الله يُجرِّب؟ إلى آخره من الأسئلة المحيّرة التي تفرض نفسها على القارئ للوهلة الأولى من قرائته للسِّفر. يقدّم لنا السِّفر صورة رائعة ومثاليّة عن إنسان بارّ، وبسبب سلوكه التّقي أَنعَم الله عليه ببركات أرضيّة لا تُحصى ولا تُعدّ (سِفر أيّوب 1: 1 - 5)، فهو شخص مثالي في خصاله وتصرّفاته، تعرّض للعديد من الويلات في حياته بسبب خطيّة لم يرتكبها، والكاتب لا يضع اللّوم على الله فيما حدث لأيّوب بأيّة طريقة ما، ولا بشكل صريح على الشّيطان، ولكنّه يُدخل القارىء في إطار يفرض عليه أن يتفحّص كلّ شيء بعين ناقدة. لماذا إذاً وقع ما وقع لأيّوب؟ ولماذا أصابته البلوى إن كان بهذه الاستقامة ويتمتّع بحظوة خاصّة لدى الله؟ يظهر في سِفر أيّوب أنّ ألمه كان نتيجةً لتدخُّل الشّيطان وتشكّيه على عبد الله البارّ أيّوب (أيّوب 1: 9)، كسبب بديهي يظهر للعيان ولكلّ من يتطّلع ويتفحّص هذا الكتاب يتسائل، لماذا تحصل الأمور الشّرّيرة للأشخاص الأتقياء؟ يبدأ أيّوب حديثه عن معاناته – وهذا يذكّرنا في الإستعارة التّالية لمقطع من إرميا الذي تألّم كثيراً إلى درجة أنّه تمنّى الموت، أو بشكل آخر تمنّى لو أنّه لم يولد (سِفر أيّوب 3: 3 و 4، 10، وإرميا 20: 14 - 18). يبدأ من بعدها أيّوب في سؤال الله عن سبب عذابه ويقوم أصحابه: أليفاز، بلدد، صوفر بتقديم مجموعة من الإجابات والمحاولات لتبرير ألمه. فالإجابة الأولى التي خطرت على ذهن أصدقائه - كما هو متداول في عقليّة وفكر النّاس في ذلك الوقت وإلى الآن - بأنّ الألم هو نتيجة للخطيّة، لكنّنا نتفاجأ بموقف أيّوب الغير مقتنع بهذه الإجابات أو التّبريرات لآلامه، ففي (أيّوب 7: 20 و21 نجده وكأنّه يثور على الله لعدم اقتناعه بالمصيبة التي حلّت به لكونه لا يرى عيباً أو خطيّةً إرتكبها يستحقّ لأجلها كلّ هذا العقاب!. سؤال أيّوب يمكن أن يُطرَح بطريقة أُخرى، وهي كيف يسمح إله عادل بأن يتألّم شخص بارّ؟ وهنا يتدخّل أليهو في محاولة للتّخفيف عن أيّوب، وتفسير ما يحصل له على أنّ ألمه ربّما طريقة ومحاولة من الله لإبعاده عن طريق خاطئ قد كان سيسلكه أيّوب، ويؤكّد أليهو بذلك على عدالة الله من خلال تدخّله، ويصبح بذلك الألم تعبيراً عن رحمة الله. هذا التّفسير يجعلنا نفهم أنّ عذاب البارّ ليس بالضّرورة نتيجة حتميّة لتصرّف أقدم عليه هو بنفسه، وهذا ما كان يفكّر فيه أيّوب في البداية، ويظهر ذلك من خلال قوله في (أيّوب1: 5). لم يقدّم الله إجابة لأيّوب عن سبب ألمه، بل وجّه انتباهه لتركيز نظره على عمل الله في حياته. وبالمقابل يذهب بعض المفسّرين إلى القول، بأنّ دور الله يبرز هنا في أنّ شرط مباركة البارّ مرتبط بمدى استعداده لتطوير نفسه والسّموّ بها نحو البِرّ الحقيقي (أخبار الأيّام الثّاني 7: 14)، وهو الأمر الذي كان يحتاج أيّوب أن يفهمه، بل كلّ من يريد أن يكون بارّاً عليه أن يكون مستعدّاً لتحمّل نتائج الأمر الذي يعمل لأجله، والذي يريد منه أن يجني بركات ماديّة كانت أَم روحيّة. إنّ الله غير مُلزَم بأن يجلب بركاته على البارّ، فقط لأنّه بارّ، وإنّما الحياة هي معقّدة بشكل أكبر ممّا نتخيّله، لذلك فهي ليست دائماً فراشاً مخمليّاً من الورد ينام عليه البارّ، وإنّما هنالك أيضاً أشواك وآلام للبارّ كما لغير البارّ، وهذا هو مغزى وملخّص حكمة الله التي أراد كاتب السِّفر أن يُبرزها. أراد سِفر أيّوب أن يعلّمنا أنّهّ ليس هناك شخص بارّ أمام الله، لأنّ الكتاب يخبرنا بأنّ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله (رسالة رومية 3: 23)، وهذه كانت مشكلة أيّوب الأساسيّة ومشكلتنا جميعاً. فكبرياؤنا يمنعنا من الوصول إلى أَوج وعُمق العلاقة مع الله التي هي رحمة وإحسان للّذين يخافونه. فالله رحيم وحنّان يتدخّل في أسوأ الأحوال التي تحلّ بنا ليحوّل الشّرّ الذي يحلّ بنا إلى خير، الله الرّؤوف، يتأنّى في تعامله مع الشّرّ الذي يقترفه الخاطىء ليُعطيه الفرصة للتّوبة، أليس هو القائل في سِفر إشعياء 1: 18. هذه هي صورة الله التي تجسّدت في شخص الرّبّ يسوع، معبّراً من خلالها الله عن قمّة محبّته ورحمته للبشر. بقلم/ رياض جاءباللّه |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
نتأمّل في بعض صفات الله في الأيام القليلة المقبلة |
أعطِنا روح الرَّجاء كي نتأمّل في وعودك |
عيد الصليب وتأمّل ثمرة الرمان |
آية وتأمّل |
نتأمّل صلبك وألامك |