مراسيم العماد المقدس
العماد في الكنيسة الأولى غني بطقسه، عميق بمفاهيمه اللاهوتية، قوي بصلواته وفاعليته، لهذا أردت أن أجمع بعض التفاصيل الخاصة به في الكنيسة الأولى سواء في الشرق أو الغرب مع الإشارة إلى الطقس القبطي الحالي الذي يحمل روح طقس الكنيسة الأولى وعمقه الروحي واللاهوتي.
وكما سبق فقلت أنه توجد بعض الاختلافات الطفيفة في ترتيب الطقس من كنيسة إلى أخرى، لهذا وضعت الهيكل العام مع الإشارة إلى الاختلافات، كما حاولت بمشيئة الله تقديم المفهوم اللاهوتي والروحي لكل طقس بفكر إنجيلي آبائي.
1. استعداد خادم السرّ. 2. فرز طالبي العماد.
3. تقبل علامة الصليب. 4. التِلاوات الخاصة بطرد الأرواح الشريرة.
5. خلع الثياب. 6. الدهن بالزيت.
7. جحد الشيطان. 8. سرّ الانفتاح.
9. الاعتراف بالإيمان. 10. تقديس المياه.
11. سكب الميرون في المياه. 12. الثلاث تغطيسات.
13. غسل القدمين. 14. الدهن بالميرون المقدس.
15. لبس الثياب البيضاء. 16. لبس الأكاليل والزنار.
17. حمل الشموع. 18. التناول من الأسرار المقدسة.
19. وصية الإشبين. 20. أكل اللبن مخلوطًا بالعسل.
21. صلاة حل الزنار.
1. استعداد خادم السرّ
كما يستعد طالب العماد لنوال هذا السرّ بالحياة التقوية مع تعلم الإيمان السليم والصلوات والأصوام والسهر هكذا يليق بخادم السرّ. أسقفًا كان أو كاهنًا - أن يشترك مع طالب العماد في هذا الاستعداد، فيقدم الصلوات مع الأصوام [322]. وعندما يبدأ في إتمام السرّ يلزم أن يكون صائمًا، في الطقس القبطي الحالي على الأقل 9 ساعات، كما يصلي بثياب الخدمة الكهنوتية، هذا وإن كان حاليًا قد أهمل البعض هذا الأمر الأخير.
يحدث الأب ثيؤدور طالب العماد، قائلًا: [يقترب منك الكاهن ليس مرتديًا ثيابه العادية... بل يلتحف بثوب من الكتان النقي البهيّ، فإن مظهره المفرح يشير إلى فرح العالم الذي تتحرك أنت نحوه في المستقبل، واللون المضيء يشير إلى البهاء الذي يكون لك في الحياة العتيدة [323].]
2. فرز طالبي العماد
تحدثنا قبلًا عن اختبار طالبي العماد في بدء الصوم الكبير، وللمرة الثانية يقوم الأسقف بنفسه باختبارهم قبل العماد مباشرة. جاء في التقليد الكنسي للقديس هيبوليتس: [عندما يُختارون يفرزون حتى يتقبلوا المعمودية. تُمتحن حياتهم لمعرفة إن كانوا قد عاشوا بتقوى وهم موعوظون، وإن كانوا قد أكرموا الأرامل وافتقدوا المرضى وتمموا كل عمل صالح [324].]
ولا يقف الاختبار عند الجانب السلوكي وحده، وإنما يلزم التأكد من صدق إيمانه. وقد وصف العلامة أوريجينوس دقة الفحص الذي يليق بالكنيسة أن تقوم به من جهة الموعوظين سواء كانوا قد قبلوا الإيمان بطريقة أو بأخرى، حتى لا ينال أحد المعمودية دون التأكد من صدق نيته [325]. وقد شبه القديس كيرلس الأورشليمي طالبي العماد وهم يُفرزون بالمنضمين إلى صفوف الجندية [326]، إذ يليق فحصهم بدقة قبل دخولهم المعركة، كأعضاء في جيش المسيح الخلاصي يحاربون الشيطان.
3. تقبل علامة الصليب
بعد فرز طالبي العماد يتقبلون البركة بوضع اليد عليهم وتقبلهم علامة الصليب.
لقد استخدم السيد المسيح يديه ليبارك الأطفال: "حينئذٍ قُدِّمَ إليهِ أولاد لكي يضع يديهٍ عليهم ويصلّي... فوضع يديهِ عليهم" (مت 19: 13، 15). وعند صعوده أخرج السيد تلاميذه إلى بيت عنيا "ورفع يديه وباركهم" (لو 24: 5)، فوضع اليدين إشارة إلى تقديم البركة. والعجيب أن السيد حين فتح عيني الأعمى "وضع يديهِ على عينيهِ" (مر 8: 25) لتستنيرا. وفي شفائه المرضى وإخراج الشياطين كان يضع يديه "على كلّ واحدٍ منهم" (لو 4: 40)... ولعله إذ كان يستخدم يديه الاثنين بالنسبة لكل واحدٍ إنما لكي يباركه ويشفيه أو يحرره من الأرواح النجسة وهو يضع يديه عليه على شكل صليب، وإلا فلماذا يستخدم يديه بالنسبة لكل واحدٍ؟!
على أي الأحوال يضع الكاهن يديه على طالب العماد لكي ما يهبه الرب بركته السماوية واستنارة لعينيه الداخليتين وشفاءً من الخطية وتحررًا من الشيطان وكل جنوده... هذا هو عمل الله في المعمودية المقدسة.
أما رشم علامة الصليب على جبهة طالب العماد فقد أشار إليها القديس أغسطينوس في كتاب "الاعترافات" عندما قُبل في الكنيسة [327]. وفي سيرة بورفيروس أسقف غزة في القرن الثالث ذكر أن الوثنيين سجدوا وطلبوا منه علامة الصليب فرشمهم [328].
ويعتبر القديس أغسطينوس هذا العمل "رشم علامة الصليب" أشبه بالحبْل بهم في أحشاء الكنيسة: [إنكم لم تولدوا بعد في المعمودية المقدسة، لكنكم بعلامة الصليب يُحمل بكم في أحشاء الكنيسة أمكم [329].] كما يقول عنهم إنهم يتباركون بعلامة الصليب والصلوات ووضع الأيدي، وأنهم وإن كانوا لم يتمتعوا بعد بجسد السيد المسيح لكنهم ينالون شيئًا مقدسًا،ولعله قصد بالشيء المقدس الخبز الذي يأكلونه، وان كان بنجهام Bingham يرى أنه ملح مقدس يتذوقه طالبو العماد كرمزٍ إلى أن المؤمنين هم ملح الأرض.
4. التِلاوات لطرد الأرواح الشريرة:
نرى في الليتورجيات القديمة جميعها وجود خطين واضحين هما: طرد الأرواح الشريرة من طالب العماد والدخول به إلى مملكة المسيح. هذا ما نلمسه في ليتورجيات العماد القبطية والأرمينية والبيزنطية والإثيوبية وغيرها.
تروي لنا إثيريا الراهبة الأسبانية [330] أن طالب العماد كان يخضع لطقس طرد الأرواح الشريرة طوال الصوم الكبير، كما حدثنا القديس كيرلس الأورشليمي عن هذا الطقس، وكما يقول القديس غريغوريوس الثيؤلوغوس: [لا تحتقروا دواء طرد الشياطين، ولا تتعبوا من طول الصلوات، لأن هذه كلها امتحان لصدق النفوس وإخلاصها في طلب المعمودية باشتياق [331].] ويقول الأب ثيؤدور المصيص: [حتى وإن كان الشيطان عنيفًا وقاسيًا يلزمه أن ينسحب من قلوبكم بكل سرعة بعد هذا النطق الرهيب واستدعاء رب الكل [332].]
وقد وصف لنا القديس يوحنا الذهبي الفم والأب ثيؤدور كيف يقف طالب العماد في خوف وخشية، إما منتصبًا باسطًا يديه أو راكعًا، وهو حافي القدمين، يقف على مسوح خشنة من الصوف كمن يصلي طالبًا من الله أن يرق لحالة العبودية التي سقط فيها تحت أسر إبليس وجنوده:
* إظهار القدمين العاريتين وبسط اليدين يشيران إلى شيء آخر بالنسبة لنا، إذ يَظهر الذين يُعانون من سبي الجسد بهذا الوضع معلنين كآبتهم على ما حلّ بهم، كما إنهم بهذا العمل الخارجي الظاهر يُذكّرون أنفسهم بحالهم السابق عندما يبدأون في التحرر من سبي إبليس ويدخلون تحت نير الصلاح [333].
* أولًا تحني ركبتيك بينما يكون بقية جسدك منتصبًا، فتكون في وضع من يصلي، باسطًا يديك نحو الله... متطلعًا نحو السماء.
بهذا الوضع تقدم الصلاة لله وتتوسل إليه أن يمنحك الخلاص من سقطتك القديمة ويهبك الشركة في الخيرات السماوية.
وأنت على هذا الوضع يقترب إليك الأشخاص المكلفون بالخدمة ويقولون لك ما قاله الملاك الذي ظهر للطوباوي كرنيليوس: "صلواتك سُمعت، وطلباتك استجيبت" (أع 10: 4) [334].
* إذ لا تستطيعون بأنفسكم أن تحتجوا ضد إبليس وتحاربوه، فإن عمل الأشخاص المدعوين "طاردي الأرواح الشريرة Exorcists" أمر ضروري، فإنهم يعملون من أجل أمانكم وذلك بالعونْ الإلهي. إنهم يصلون بصوت عالِ ولمدة طويلة لكي يهلك عدوكم بحكم القاضي (الله) الذي يأمره أن ينسحب ويبتعد...
حينما تتلى الكلمات الخاصة بطرد الأرواح الشريرة قفوا بهدوء كامل كما لو كنتم بلا صوت، كمن هم في خوف ورعدة من الطاغي...
قفوا بأذرع مبسوطة كمن يصلي، وانظروا إلى أسفل... حتى تثيروا شفقة القاضي عليكم. اخلعوا ثوبكم الخارجي ونعالكم لكي تُظهروا في أنفسكم حالة العبودية القاسية التي خدمتم بها إبليس زمانًا طويلًا...
قفوا على ثياب من المسوح حتى إذ توخز أقدامكم بخشونة المسوح تتذكرون خطاياكم القديمة...
أما بالنسبة للكلمات الخاصة بطرد الأرواح الشريرة فإن لها سلطان أن تستميلكم بعد أن تقدم نفعًا عظيمًا لذهنكم فلا يبقى خاملًا وبلا عمل [335].
* حينما تذهب لتسجيل اسمك في رجاء نوال سكنى السماء والمواطنة فيها، تنال في طقس طرد الأرواح الشريرة نوعًا من الدعوى القضائية ضد الشيطان، وتتمتع بمرسوم إلهي يهبك الحرية من بعد العبودية. بهذا تتقبل كلمات قانون الإيمان والصلاة فتقيم مع الله ميثاقًا وعهدًا أمام الكهنة تتعهد فيه أن تبقى في المحبة التي للطبيعة الإلهية... وأن تعيش في هذا العالم بطريقة تتفق مع الحياة السماوية والمواطنة فيها قدر المستطاع [336].
هكذا يوضح الأب ثيؤدور كيف يتحرر المعمدون من سلطان إبليس ليدخلوا في ميثاق مع الله كأولاد الله متمتعين بالحرية. وقد تحدث القديس كيرلس الأورشليمي عن عطية المعمودية كتحريرٍ من سلطان إبليس -الوحش الساكن في أعماق المياه- قائلًا: [جاء في أيوب أنه كان في المياه الوحش الذي "اندفن الأردن في فمه" (أي 40: 23)، وكان يجب تحطيم رؤوسه (مز 74: 14). لهذا نزل (السيد) وربط القوي في المياه حتى ننال فيها القوة، إذ يكون لنا السلطان أن ندوس على الحيات والعقارب (لو 10: 19). كان الوحش عظيمًا ومرعبًا "لا يقدر إناء سميك أن يحتمل حرشفة واحدة من ذيله [337]" (أي 40: 26)، ثائرًا ضد كل من يلتقي به. لقد نزل "الحياة" إليه ليلتقي معه فيسد هناك فم الموت، وعندئذ نخلص نحن، قائلين: أين شوكتك يا موت؟! أين غلبتك يا قبر؟! (1 كو 10: 55). لقد نزعت شوكة الموت بالمعمودية! ها أنتم تدخلون المياه حاملين خطاياكم، وبابتهال النعمة إذ نختم نفوسكم، لا يعود يبتلعكم الوحش المرعب [338].]
في الطقس القبطي يصلي الكاهن على الزيت ليدهن طالب العماد، قائلًا: [لكي تنظر إلى جبلتك -هذا الزيت- وتجعله أن يحل أعمال الشياطين وسحرهم ورقاهم...]، وعندما يدهن قلبه ويديه وظهره يقول: [هذا الزيت يبطل كل مقاومة المضاد (الشيطان)، آمين.]
كما يصلي الكاهن على طالب العماد قائلًا: [نسأل ونطلب من صلاحك يا محب البشر لكي من قبل استدعاء اسمك القدوس تنحل كل القوات وكل الأرواح المقاومة الشريرة، امنعها وارفضها، لأنك أنت الذي دعوت عبيدك هؤلاء الداخلين من الظلمة إلى النور، ومن الموت إلى الحياة، ومن الضلالة إلى معرفة الحق.]
مرة أخرى قبل التغطيس يقول الكاهن: [أنت يا رب أنقذ أيضًا جبلتك هؤلاء من عبودية العدو، اقبلهم في ملكوتك. ولتصحب حياتهم ملائكة النور ليخلصوهم من كل مؤامرة ومن المصادفة الرديئة، ومن سهمٍ طائرٍ في النهار، ومن شيطان الظهيرة، ومما يسلك في الظلمة، ومن خيال الليل. انزع من قلوبهم كل الأرواح النجسة، الروح الخبيث الذي يقلق قلوبهم، روح الضلالة وكل خبث، روح محبة الفضة وعبادة الأوثان، روح الكذب وكل نجاسة تصنع كتعليم إبليس.]
وفي صلاة تقديس المياه يقول: "من جهة هذا الماء وهذا الزيت تبطل كل القوات المضادة، والأرواح الخبيثة امنعها وأرذلها وصدها"، "أنت رضضت رؤوس التنين على المياه".
هكذا يظهر اتجاه الصلاة من أجل طرد الأرواح الشريرة خلال الدهن بالزيت وتقديس المياه باستدعاء اسم الله القدوس واضحًا.
وما نقوله عن الطقس القبطي نقوله أيضًا عن الطقس الأرمني، إذ يصلي الكاهن هكذا:
[أيها الرب الله العظيم والممجد من كل الخليقة، عبدك إذ يلتجئ إلى اسمك المخوف يحني رأسه لاسمك القدوس الذي تنحني له كل ركبة ما في السماوات وما على الأرض وما تحت الأرض، وكل لسان يعترف أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب (في 2: 10الخ). اجعله شريكًا في اسمك المخوف الذي ينزع خداعات الشياطين وعبادة الأوثان ويبددها، ويحطم كل فخاخ إبليس. أطلع أيها الرب من أجل رحمتك على هذا الإنسان، باستدعاء اسمك واهب كل غلبة، انزع عنه أفكار الأرواح الشريرة المتربصة له وكلماتها وأفعالها وكل المكائد الشريرة التي تخدع البشرية. وفي النهاية، إذ يرتعبون أمام اسمك الغالب لتحل عليهم العقوبات غير المنظورة وليهربوا بعيدًا عنه باستحلافهم به، فلا يعودوا إليه مرة أخرى. أشبعه بالنعمة الإلهية، واجعله يفرح بالدعوة الصالحة، ولتصيّره مسيحيًا. ليصير مستحقًا للعماد في الزمن المناسب، للميلاد الثاني، فإنه إذ يتقبل روحك القدوس يصير جسدًا وعضوًا في كنيستك المقدسة، ونحن إذ نتبع المسيح بطهارةٍ نسلك حياة نقية وَرِعة في هذا العالم، ونحصل على الخيرات العتيدة مع كل الذين يحبون اسمك، ممجدين ربوبية الآب غير المتغير والابن والروح القدس، الآن وكل أوان والى ابد الأبد.]
أما في الطقس البيزنطي: [فإن ليتورجية العماد تحمل ذات الاتجاه، حيث يطلب من الله أن يطرد الأرواح الشريرة، ليس فقط خلال الاستحلاف باسم الله المهوب، وإنما أيضًا بالنفخة وبرسم علامة الصليب.
تبدأ صلوات ما قبل المعمودية بثلاث استقسامات، فيها يستحلف الكاهن الشيطان أن يخرج هو وكل جنوده وأعماله ولا يعود إليه مرة أخرى، وبعد صلاة قصيرة يطلب فيها من الله أن يخلِّص خليقته من عبودية العدو، ويقبله في ملكوته السماوي، ينفخ في فم الموعوظ وفي جبهته وصدره ثلاث مرات، وهو يقول: "ليبعد عنه كل روح شرير نجس مخفي قاطن في قلبه"، وفي أثناء تقديس المياه يرشم الكاهن على الماء بإصبعه على شكل صليب ثلاث مرات، وينفخ فيه ثلاث مرات، قائلًا في كل مرة: "لتنسحق تحت علامة رسم صليبك جميع القوات المضادة.]
أما الاستقسامات الثلاثة في الطقس البيزنطي فهي:
الاستقسام الأول:
[يا إبليس لينتهرك الرب الذي جاء إلى العالم وسكن في الناس ليحطم اغتصابك ويخلص البشر. الذي وهو على الصليب قهر القوات المضادة إذ أظلمت الشمس وتزعزعت الأرض وتفتحت القبور وقامت أجساد القديسين. الذي حلّ الموت بالموت، وأبطل من له عزة الموت أعني أنت أيها الشيطان. أقسم عليك بالإله الذي أظهر صليب الحياة وأقام الشاروبيم والحربة اللهيبية المتغلبة لحراسته، انزجر وانصرف، لأني استحلفك بذاك الذي مشى على ظهر البحر كأنه على اليابس وانتهر عاصف الرياح... هو الآن يأمرك بنا أن تخاف وتخرج من هذا المخلوق، ولا تعد ترجع إليه ولا تختف فيه ولا تستقبله بفعل مضر لا في ليل ولا في نهار ولا في منتصف النهار ولا في ساعة من الساعات، بل انطلق إلى الجحيم المختص بك إلى اليوم المعد ليوم الدينونة العظيم.
اِرهب من الله الجالس على الشاروبيم...
اُخرج واِنصرف عن الذي خُتم واُنتخب جنديًا جديدًا للمسيح إلهنا، لأني أُقسم عليك بذاك الذي يمشي على أجنحة الرياح، الصانع ملائكته أرواحًا وخدامه لهيب نار.
اخرج وانصرف من هذا المخلوق أنت وجميع قواتك وملائكتك.]
الاستقسام الثاني:
[أُقسم عليك أيها الروح الغريب الكلي الخبث، النجس، الدنس، المرذول، بقوة يسوع المسيح الذي له السلطان على كل ما في السماء والأرض، الذي قال للشيطان الأصم الأبكم: اخرج من الإنسان ولا تعد تدخل فيه أيضًا، انصرف واعرف قوتك الباطلة التي ليس لها سلطان حتى ولا على الخنازير...]
الاستقسام الثالث:
[يا رب الصاباؤوت إله إسرائيل، الشافي كل مرض وكل استرخاء، اطلع على عبدك هذا وافحصه وامتحنه وأقصي عنه كل أعمال الشيطان، وانتهر كل الأرواح النجسة واطردها، مطهرًا عمل يديك منها، واستخدم سرعة أفعالك، واسحق الشيطان تحت قدميه سريعًا، وامنحه الظفر عليه وعلى أرواحه النجسة.]
5. خلع الثياب
يرى جان دانيلو أن طقس العماد حتى هذه اللحظة غالبًا ما كان يتم خارج حجرة المعمودية إذ يُعامل طالبوا العماد كغرباء عن الكنيسة، إنما يبدأون دخولهم المعمودية بخلعهم الثياب ودهنهم بالزيت كطقسين يهيئان طالبي العماد للدخول في مياه المعمودية، فيدخل في العضوية الكنسية ويلبس الثياب البيضاء كمن دخل الفردوس وصار ابنًا للملكوت [339].
لست أريد تشريح طقس العماد إلى شرائح منفصلة عن بعضها البعض، فهي تمثل وحدة واحدة متكاملة ومتلازمة، لكنني أقول بأنه مادام طالب العماد لا يزال في صفوف الموعوظين يُحسب غريبًا عن جسد المسيح، لم يتذوق بعد الحياة الفردوسية. أما وقد دخل بين صفوف طالبي العماد في طريقه نحو الجرن المقدس، فقد انفتح أمامه الفردوس الإلهي، ورأى قبر المخلص المحيي، فيشتهي الدفن معه، ليقوم ابنًا لله حيًا ومقدسًا للروح القدس.
* ها أنتم الآن في بهو القصر، ستقادون حالًا للملك [340].
* حالًا سيفتح الفردوس لكل واحد منكم [341].
* إنكم خارج الفردوس أيها الموعوظون،
إنكم تشاركون آدم أباكم الأول في نفيه،
والآن يُفتح الباب وتعودون من حيث خرجتم [342].
وكما سبق أن رأينا في حديثنا عن مبنى المعمودية بكنيسة ديورا بسوريا والتي ترجع إلى القرن الثالث وجود أيقونة تمثل الراعي الصالح وقد وقف بجوار قطيعه، ومن أسفل رُسم آدم وحواء والشجرة والحية [343]، وكأن بالمعمودية دخل السيد المسيح -الراعي الصالح- بقطيعه إلى الفردوس حيث شجرة الحياة وقد حُرم منه أبوانا الأولان بسبب خداع الحية.
لنفس السبب نجد مبنى المعمودية يكون أحيانًا على شكل دائري [344]، حيث تدخل بنا إلى دائرة الأبدية والتمتع بالملكوت الإلهي الدائم، أو على شكل ثُماني الجوانب حيث يشير رقم 8 إلى الحياة الجديدة أو الحياة الفردوسية المقامة [345]، حيث قام السيد المسيح في اليوم الأول من الأسبوع (الثامن من الأسبوع السابق)، وحيث كان الختان يتم في اليوم الثامن من ميلاد الطفل علامة دخوله الحياة الجديدة.
والآن إذ نعود إلى خلع الثياب، يرى الأب ثيؤدور أن هذا العمل هو بدء الدخول إلى العماد المقدس، إذ يقول: [ها أنتم تدخلون المعمودية المقدسة، أولًا تخلعون ثيابكم [346]]، وجاء في التقليد الرسولي للقديس هيبوليتس: [يخلعون ثيابهم ويُعمد الأطفال الصغار أولًا... وبعد ذلك يُعمد الرجال الناضجون، وأخيرًا النساء اللواتي يحلقن شعورهن ويخلعن حليهن [347].]
وقد حمل خلع الثياب في أذهان الآباء مفاهيم لاهوتية، فيرى الأب ثيؤدور في خلع الثياب مع وقوف طالب العماد حافي القدمين: [إظهارًا أن العبودية التي أمسكه فيها الشيطان قد قادته إلى الأسر، فيقف هكذا ليثير شفقة القاضي عليه [348].] ويرى القديس كيرلس الأورشليمي في ذلك: [صورة لخلع الإنسان القديم وأعماله [349].] كذلك يقول القديس غريغوريوس النيسي: [اخلع الإنسان القديم كثوب بال وتقبل رداء عدم الفساد الذي يقدمه لك المسيح [350].] ويقول الأب ثيؤدور: [ثوبك علامة الموت، يجب أن تخلعه لتلبس عدم الفساد بالمعمودية [351].]
إن كان العماد هو شركة في آلام السيد المسيح وموته ودفنه وقيامته، فإن خلع الثياب هو شركة معه في تعريه على الصليب من أجلنا. وكما يقول القديس كيرلس الأورشليمي: [قد خُلعت ثيابكم وصرتم عراة. في هذا تقتدون بالمسيح الذي عُري على الصليب، هذا الذي بعريه عرىّ السلاطين والقوات وغلبهم بالصليب بغير خوف (كو 2: 15). لقد ملكت القوات الشريرة على أعضائكم مرة، لهذا يلزم ألا تلبسوا هذا الثوب القديم. لست أكلمكم عن طبيعتكم الملموسة، بل عن الإنسان القديم وشهواته المخادعة [352].]
والعري أيضًا يحمل عودة إلى الإنسان الأول قبل السقوط الذي كان عاريًا ولم يخجل، وكمل يقول القديس كيرلس الأورشليمي: [يا للعجب! لقد كنتم عراة أمام أعين الكل ولا تشعرون بأي خجل، لأنكم بالحقيقة حملتم في داخلكم صورة آدم الأول الذي كان في الفردوس عريانًا ولم يشعر بخجل [353].] ويقول الأب ثيؤدور: [كان آدم عريانًا في البداية ولم يكن يخجل، هذا هو السبب الذي من أجله يجب أن تخلعوا ثيابكم [354].] ويقول القديس غريغوريوس النيسي: [إذ تخلع النفس ثوب الجلد الذي لبسته بعد السقوط تنفتح على اللوغوس بنزعها البرقع عن قلبها، أي جسدها. أقصد بالجسد الإنسان القديم الذي يليق بمن يرغبون في الاغتسال في جرن اللوغوس أن يخلعوه عنهم [355]]، بهذا نعود إلى الفردوس الأول، إلى طبيعتنا قبل السقوط حيث لا نحتاج إلى التستر بأوراق التين بل نبقى كملائكة الله، أولادًا مقدسين في الله.
* لقد طردتنا من الفردوس، وها أنت تدعونا للعودة إليه!
لقد عريتنا من أوراق التين التي هي الثياب، وها أنت تكسونا بثوب الكرامة...
لذلك عندما تنادي آدم لا يعود يخجل، ولا يختفي بين أشجار الفردوس بسبب تأنيب ضميره، إذ شفيت ثقته البنوية وجاء إلى كمال نور النهار [356].
* بعد خلع ثوبكم يقودكم الكاهن إلى المياه المتدفقة.
لماذا عرايا؟ إنه يذكركم بالعري القديم، حين كنتم في الفردوس ولم تخجلوا، إذ يقول الكتاب عن آدم وحواء أنهما كانا عريانين ولا يخجلان، إلى أن لبسا ثوب الخطيئة، الثوب الثقيل المملوء عارًا.
إذًا لا تخجلوا هنا، فإن الجرن أفضل من الفردوس. هنا لا توجد حية بل يوجد المسيح الذي يعمدكم في التجديد بالماء والروح [357].
6. دهن طالبي العماد بالزيت
لم يذكر العلامة ترتليان شيئًا عن المسح بالزيت قبل التغطيس، لكن الشهيد يوستين [358] تحدث عنه، كما أشارت إليه قوانين القديس هيبوليتس حيث ذكرت أن أحد الكهنة يقوم بمسح طالبي العماد بعد جحدهم الشيطان وقبل تغطيسهم وإعلان الإيمان، يدهنونهم بزيت لإخراج الشياطين [359]. وقد أشارت الدساتير الرسولية إلى هذا الطقس [360].
المسح بالزيت قبل التغطيس وبعد جحد الشيطان أو قبله إنما يحمل عملين: التطعيم في الكنيسة شجرة الزيتون الدسمة عوض الزيتونة البرية، والتمتع بقوة لمحاربة الشياطين وقوات الظلمة. هذا ما أكده الآباء القديسون وأيضًا الطقس ذاته.
ففي الطقس القبطي يُدهن طالب العماد مرة قبل جحد الشيطان خلالها يؤكد الكاهن تطعيمه في الكنيسة، قائلًا: "أدهنك يا (فلان) باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد. زيت عظة (لفلان) في كنيسة الله الواحدة والوحيدة المقدسة الجامعة". ويدهن مرة أخري بعد جحد الشيطان وقبل تغطيسه، خلالها يؤكد تمتعه بقوة لمحاربة الشيطان المضاد: "أدهنك يا (فلان) بدهن الفرح، مضادًا لكل أفعال المضاد. لتغرس في شجرة الزيتون اللذيذة، في كنيسة الله المقدسة الجامعة الرسولية".
وفي خولاجي eu,ologion القديس سرابيون: [ندهن بهذا الزيت الذين يقتربون إلى الميلاد الجديد، سائلين الرب يسوع المسيح أن يهبه سلطانًا للشفاء وإعطاء قوة لجسد الذين يعتمدون ونفوسهم وأرواحهم، لتتحرر أرواحهم من كل أثر للخطيئة والشر، وتكون لهم قوة الغلبة على الأرواح المضادة.]
* عندما خلعتم ثيابكم مُسحتم بالزيت المصلى عليه من أعلى رؤوسكم إلى أقدامكم، وصرتم شركاء في الزيتونة الحقيقية التي هي يسوع المسيح. لقد قطعتم من الزيتونة البرية، وطُعّمتم في الشجرة المقدسة، وأصبحتم شركاء في دسم الزيتونة الحقيقية. بهذا يبطل كل أثر لقوة الشر... وذلك بالتوسل باسم الله كأشد اللهب قوة، تلفح الأرواح الشريرة وتطردها. هكذا أيضًا يأخذ هذا الزيت قوة بالتوسل إلى الله والصلاة، فيحرق الخطيئة وينظف آثارها، كما يطرد قوات الشرير غير المنظورة [361].
* إذ خلعت ثيابك بحق يُدهن كل جسدك بالدهن المقدس كعلامة ووسم أنك تتقبل غطاء الخلود الذي أوشكت أن تلبسه خلال المعمودية.
* العلامة التي تُوسم بها تعني أنك قد خُتمت كحمل المسيح وجندي للملك السماوي [362].
* يدهن الله ملامحكم ويختم عليها بعلامة الصليب. بهذه الطريقة يكبح الله كل جنون الشرير، فلا يجسر إبليس أن يتطلع إلى منظر كهذا، إذ يصيب عينيه العمى بالتطلع إلى وجوهكم، فيكون كمن يتطلع إلى أشعة الشمس فيثب هاربًا...
المسحة هي خليط من زيت الزيتون ودهن، الدهن هو للعروس والزيت للمصارعين.
لتعرفوا مرة أخري أن الله بنفسه هو يدهنكم خلال يد الكاهن، وليس إنسان. أصغِ إلى كلمات بولس القائل: "الله هو الذي يثبتكم في المسيح، الذي مسحنا".
بعد أن يدهن كل أعضائكم بهذا الدهن تصيرون في أمانٍ وقادرين أن تفحموا الحية ولا يصيبكم ضرر [363].
* في كمال ظلمة الليل يخلع الكاهن ثوبك كمن يقودك إلى السماء عينها خلال الطقس ويدهن كل جسدك بزيت الزيتون الذي للروح لكي تكون أعضاؤك قوية لا تغلبها السهام التي يوجهها العدو ضدك. بعد هذه المسحة ينزل بك الكاهن إلى المياه المقدسة [364].
7. جحد الشيطان
إذ يخلع طالب العماد ثوبه يتجه نحو الغرب، أو تقف الأم أو الأب أو الإشبين حاملًا على ذراعه الأيسر الطفل، ويبسط طالب العماد أو إشبينه يده اليمنى كأنما يحدث الشيطان معلنًا جحده له ورفضه مملكة الظلمة بجسارة وعلانية. هذا الرفض كما يقول العلامة ترتليان يتم داخل جرن المعمودية [365]، أما حسب التقليد الرسولي للقديس هيبوليتس فيتم قبل دخول المياه [366]. أما مصدر هذا الطقس فكما يقول القديس باسيليوس الكبير هو التقليد، إذ يقول:
[إننا نبارك مياه المعمودية وزيت المسحة كما نبارك المُعمد نفسه أيضًا.
أي وصايا مكتوبة علمتنا أن نفعل هذا؟!
ألم نتعلم هذا من التقليد السري المقدس؟!
وأيضًا الدهن بالزيت، أي كلمة في الإنجيل علمت به؟!
أين ورد تغطيس الإنسان ثلاث مرات؟
أي كتاب جاء بكل الأمور اللازمة للعماد وجحد الشيطان وملائكته؟!
ألم يأت إلينا من التعليم السري الذي حافظ عليه آباؤنا في صمت دون أن (يكتب) كتعليمٍ عام؟!
إذن لا تبحثوا الأمر بتطفل... لأنه كيف يحق تعميم تعليم الأسرار كتابة، هذه التي لا يسمح لغير المعمدين حتى يتطلعوا عليها؟! [367]]
يعتبر هذا الأمر جزءً أساسيًا في طقس العماد، أشارت إليه كثير من كتابات الكنيسة الأولى وكشفت أيضًا عن مفهومه اللاهوتي الروحي.
* في الكنيسة تحت يد الأسقف نشهد أننا نجحد الشيطان وكل موكبه pomp وكل ملائكته [368].
* عندما يمسك الكاهن بمن يتقدم للعماد يأمره أن يجحد قائلًا: أجحدك أيها الشيطان وكل خدمتك وكل أعمالك [369].
التقليد الرسولي للقديس هيبوليتس
وجاء في قوانين القديس هيبوليتس أن طالبي العماد يتجهون نحو الغرب ويقولون: [اجحدك أيها الشيطان وكل موكبك pomp [370].]
أما كلمة "pomp" التي يجحدها المسيحي فقد ترجمت عن اليونانية كما هي إلى اللاتينية، وهي في رأي العلامة ترتليان تشير إلى عبادة الأصنام [371]. ويرى جنجمان J. Jungmann أنها تشير إلى الموكب الخاص بأعياد الآلهة في القرون الأولى حيث كانت الأصنام تُحمل في موكب نصرة، فيظهر إبليس كغالب للعالم، وكأن الذين يعيشون في الخطيئة يسيرون في هذا الموكب كجنود له، وكأن طالب العماد يعلن تركه هذا المعسكر الشيطاني مجندًا لخدمة ملكوت الله [372].
ويترجم البعض كلمة "pomp" "بالمناظر الفخمة والمجد الزمني"، أو "المجد الباطل"، وقد شرح القديس يوحنا الذهبي الفم هذه الكلمة بقوله: [إذا قلت من كل قلبك أجحدك أيها الشيطان وكل مجدك الباطل، فإنك سوف تعطي حسابًا عن ذلك في يوم الدينونة... والأمجاد الباطلة الخاصة بالشيطان التي هي المسارح والملذات الشريرة، والتفاؤل بالأيام وبالفرص، وبالكلمات العفوية التي تقال للغير، وهي في الأصل لا تخصنا، وأيضًا التشاؤم من النذير. وإنني أسألكم ماذا يُعد في العالم فألًا؟! أحيانًا عندما يترك إنسان منزله يرى رجلًا بعين واحدة أو أعرج فيتشاءم. هذه هي أمجاد الشيطان الباطلة لأنها ألاعيبه، فإن لقاء البشر لا يجعل يومنا سيئًا، وإنما ارتكاب الخطيئة هو الذي يجعله هكذا [373].]
وأيضًا القديس كيرلس الأورشليمي يرى ذات الأمر: [مجد الشيطان هو الاشتياق للمسارح وسباق الخيل وسباق المركبات وألعاب السيرك وكل الأباطيل التي من نفس النوع. أيضًا المآدب الخاصة بأعياد الأوثان وما فيها من طعام وخبز وكل ما تدنس باستدعاء الشياطين النجسة. الأطعمة والخبز في ذاتها طاهرة لكن استدعاء الشياطين ينجسها [374].] ويقول الأب ثيؤدور: [أن حيل الشيطان هي المسرح والسيرك والألعاب الرياضية والأغاني والرقص. هذه كلها زرعها الشيطان في العالم تحت ستار اللهو، لكي يثير النفوس ويسرع بها إلى الهلاك، لذلك يليق بكل من يشترك في سرّ العهد الجديد أن يحفظ نفسه منها [375].]
لقد امتنع المسيحيون عن كل أنواع اللهو إذ قدمت في ذلك العصر تكريمًا للآلهة الوثنية، حتى الألعاب الرياضية كان أبطالها يتوجون باسم الآلهة.
أما كلمة "ملائكته"، فتعني رفضنا للشيطان وكل أتباعه:"هؤلاء الملائكة ليسوا شياطين بل أناس يخضعون للشيطان الذي يستخدمهم آلات له، إذ يجعلهم يسقطون الآخرين [376]". وقد قدم الأب ثيؤدور المصيصي قائمة بهؤلاء الملائكة ضمت الذين يستخدمون التعاليم الزمنية الخاطئة لنشر الوثنية وتغلغلها في العالم، والذين يقدمون الأشعار لحساب عبادة الأصنام، وقادة الهرطاقات أمثال ماني ومرقيون وفالنتينوس وبولس السومسطائي وأريوس وأبوليناريوس الذي أدخلوا شرورهم تحت اسم المسيح [377].
يشرح القديس كيرلس الأورشليمي هذا الطقس للمعمدين حديثًا، قائلًا: [ومع ذلك تؤمرون بالقول وذراعكم ممدود نحوه كأنه حاضر، قائلين: نجحدك أيها الشيطان. أريد أن أقول لكم إنكم تقفون ووجوهكم نحو الغرب فهذا أمر ضروري، مادام الغرب منطقة الظلام المحسوس، ومادام هو في الظلمة فتكون سيطرته على الظلمة... لقد وقف كل واحد منكم وقال: "أجحدك أيها الشيطان"، أيها الظالم القاسي الشرير. بمعنى إني لا أخاف قوتك بعد الآن، فقد قهرك المسيح، إذ شاركني في اللحم والدم. بالموت داس الموت حتى لا أكون تحت العبودية إلى الأبد. أجحدك أيتها الحية الخبيثة الماكرة. أجحدك بمؤامراتك التي تختفي تحت قناع الصداقة، إذ اخترعتِ كل مخالفة وكل عمل مارق لأبوينا الأولين. أجحدك أيها الشيطان الصانع لكل شر والمحرض عليه. وفي عبارة ثانية تقول: "وكل أعمالك"، لأن كل أعمال الشيطان هي خطيئة، يلزمنا أن ننبذها كمن يهرب من الظالم وأسلحته... ثم نقول: "وكل قوتك"، والآن فكل قوة الشيطان هي جنون المسارح وسباق الخيل والصيد وكل أمثال هذه الأمور الباطلة... بعد هذا نقول: "وكل خدماتك"، فخدمات الشيطان هي الصلاة في هياكل الأصنام وما يقدم من كرامات للأوثان التي بلا حياة... [378]]
ويرى الأب ثيؤدور المصيصي أن طالب العماد إذ يقف هكذا ليجحد الشيطان في حضرة الأسقف يكون كالمتهم الذي يعلن براءته أمام القاضي. فإن الشيطان يحاول أن يقيم الدليل ضدنا مدعيًا أنه ليس من حقنا أن نهرب من مملكته، مدعيًا أننا ملك له، ننتمي إليه لأننا نسل آدم الذي سقط تحت سلطانه. [لهذا يليق بنا أن نسرع ونقف أمام القاضي ونقيم دعوانا أنه من حقنا ألا ننتمي للشيطان بل لله الذي خلقنا منذ البداية على صورته [379].]
جحد الشيطان في نظر الأب ثيؤدور المصيصي يدخل بنا إلى الشركة مع السيد المسيح في تجربته على الجبل حين حاول الشيطان أن يضلله بحيله الخبيثة وتجاربه [380]، كما فعل مع آدم الأول حين كان في الفردوس. فإن كان قد غلبَ في الفردوس، إلا أنه صار هنا مغلوبًا من آدم الثاني، الذي حكم الوحوش وجاءت الملائكة تخدمه (مر 1: 13). ونحن أيضًا الذين غلبَنا العدو في شخص أبينا الأول ندخل مع آدم الثاني مياه المعمودية، ونتحد معه لكي نغلب ذاك الذي سبق فغلبنا، هذا الذي يشتكي ضدنا. هذا ما لمسه الرسول بولس حين تحدث عن المعمودية، إذ رأى فيها اتحادًا مع السيد المسيح، الذي حطّم بعماده شكوى الشيطان ضدنا [381]، قائلًا: "محا الصكَّ الذي علينا في الفرائض الذي كان ضدًّا لنا وقد رفعهُ من الوسط مسمّرًا إياهُ بالصليب. إذ جرَّد الرياسات والسلاطين أشهرهم جهارًا ظافرًا بهم فيهِ". (كو 2: 14-15)
لعله لهذا السبب وضعت الكنيسة إنجيل الأحد الأول من الصوم الكبير عن "تجربة السيد المسيح"، وهو أول أحد يحضره طالبو العماد في الصوم الكبير في قداس الموعوظين. إنه أول درس لهم عن المعمودية كغلبة على إبليس وتحرر من سلطانه.
ولهذا السبب أيضًا كان طالبو العماد يُمسحون بالزيت بعد جحدهم الشيطان وقبل دخولهم مياه المعمودية، كعلامة على أنهم قد مُسحوا جنودًا ومحاربين ضد عدو الخير إبليس.
إن كان الاعتراف بالإيمان كما سنرى هو دخول مع الله في ميثاق أو عهد جديد، فإنه يلزم أولًا جحد الشيطان، أي تمزيق العهد الذي أقمناه مع إبليس خلال الخطيئة.
* حينما يقودونكم إلى الداخل (في الكنيسة) يلزمكم جميعًا أن تحنوا ركبكم ولا تقفوا منتصبين. يلزم أن تبسطوا أيديكم نحو السماء وتشكروا الله على هذه العطية...
وبعد أن تحنوا ركبكم يُطلب منكم أن تنطقوا بهذه الكلمات: "أجحدك أيها الشيطان"...
ماذا حدث؟ ما هذا التغير المفاجئ الغريب؟ أنتم الذين كنتم ترتعشون بخوف، هل تثورون ضد سيدكم؟
هل تتطلعون إلى مشورته بازدراء؟
ما الذي جاء بكم إلى هذا الجنون؟ متى حلت بكم هذه الجسارة؟
تقولون: "لديَّ سيف، سيف قوي".
أي سيف هذا؟ أي حليف لكم؟ أخبروني.
تجيبون: إني أدخل في خدمتك أيها المسيح، لهذا فإني جريء وثائر. لأن لي ملجأ قويًا. هذا جعلني فوق الشيطان، أنا الذي كنت قبلًا اَرتعب منه وأخاف، لهذا لست أجحده وحده بل ومعه كل مواكبه.
* يطلب منكم الكهنة أن تقولوا: "أجحدك أيها الشيطان وكل مواكبك وكل خدمتك وكل أعمالك".
الكلمات قليلة لكنها عظيمة القوة!
الملائكة تقف بجواركم، والقوات غير المنظورة تفرح بتغييركم، ويتقبلون الكلمات من ألسنتكم ويحملونها إلى سيد كل الخليقة، لتنقش هناك في كتب السماء!
* هل رأيتم صيغة الاتفاق؟ فإنكم بعد جحد الشرير وكل ما له يطلب منكم الكاهن أن تقولوا: "أدخل في خدمتك أيها المسيح".
أترون غنى صلاحه؟! فإنه ما أن يتقبل هذه الكلمات حتى يودع فيكم مخزن جواهره هذه! إنه ينسى كل جحودكم القديم، ولا يذكركم بأفعالكم الماضية، مكتفيا بهذه الكلمات القليلة...
* إذ يعرف الكاهن أن العدو يصير بهذا ثائرًا ضدكم، يُصرّ بأسنانه، ويصبح كأسدٍ ثائرٍ، إذ يرى الذين كانوا قبلًا خاضعين لسطوته صاروا فجأة ثائرين عليه، ليس فقط يجحدونه، وإنما ينطلقون إلى جانب المسيح. عندئذ يدهنكم الكاهن على رؤوسكم ويضع عليكم العلامة (الصليب)، حتى يحوّل العدو عينيه عنكم، فلا يجسر أن يتطلع إلى وجوهكم إذ يراها تضيء مُشعَّة، فيثب هاربًا منها ويصيب العمى عينيه. لهذا فإنه منذ ذلك اليوم تقوم حرب وصراع ضده. على هذا الأساس يقودكم الكاهن إلى حلبة الصراع الروحية كمصارعين لحساب المسيح بفضل هذه المسحة [382].
أما اتجاه طالب العماد نحو الغرب أثناء جحد الشيطان إنما تأكيد لسلطان المؤمن، أن ينظر إلى مملكة إبليس بقوة، جاحدًا إيّاه وكل موكبه وجنوده وأعماله. يقول القديس غريغوريوس النيسي: [أن الغرب هو الموضع الذي يسكنه سلطان الظلمة [383].] ويعلق القديس هيلاري أسقف بواتييه على إحدى فقرات المزمور 47 مؤكدًا أنه يشير إلى نصرة السيد المسيح على سلطان الظلمة [384]. وكأن النفس لا تعود ترهب الشيطان الظالم المملوء قسوة، لأن [المسيح حطم سلطانه وأباد الموت بموته بطريقة بها انسحب تمامًا من مملكته [385].] هذا ما يؤكده الأب ثيؤدور المصيصي قائلًا: [مادام الشيطان الذي أطعتموه مرة خلال رأس جنسكم هو علة كل الشرور التي تلحق بكم لهذا يجب أن تتعهدوا بتركه [386].]
أما بسط اليدين أو اليد أثناء جحد الشيطان فكان يستخدم قديمًا حينما يقسم الإنسان أو يجحد قسمًا. وكأن طالب العماد يجحد العهد الذي أقامه آدم مع الشيطان بسقوطه في الخطيئة [387].
ومما يجدر ملاحظته أن حربنا مع الشيطان لا تقف بجحدنا إياه وكل موكبه وجنوده وأعماله، وإنما نُمسح بالزيت المقدس لننال قوة ضده، وبعد المعمودية مباشرة نتمتع بمسحة الميرون لكي نحمل في داخلنا الروح القدس روح المسيح الغالب، يسندنا في جهادنا كل أيام غربتنا ضد الشيطان.
* إن اسم "المسيح" جاء من المسحة. كل مسيحي يقبل المسحة إنما يدل بهذا ليس فقط أنه قد صار شريكًا في الملكوت وإنما صار من المحاربين ضد الشيطان.
* بعد ذلك تُمسحون على صدوركم لكي تلبسوا درع العدل، وتثبتوا ضد حيل الشيطان. وكما أن المسيح بعد المعمودية وحلول الروح القدس خرج وحارب المعاند، هكذا أنتم أيضًا بعد المعمودية المقدسة والمسحة السرية تثبتون ضد القوة المضادة، لابسين سلاح الروح القدس الكامل، وتحاربونها قائلين مع الرسول: "أستطيع كل شيءٍ في المسيح الذي يقوّيني" (في 4: 13) [388].
* النفس بطول إقامتها في نار الروح وفي النور الإلهي لا يصيبها أي أذى من الأرواح الشريرة، بل إن اقترب أحدها منها يحترق بنار الروح السماوي...
وكما إذا طار طير عاليًا لا يبالي بالصيادين والوحوش المفترسة، ولا يخافهم، لأنه في العلو في أمان من الجميع، هكذا النفس متى نالت أجنحة الروح (مز 55: 6) وطارت إلى السماوات العليا تستهزئ بمن هم تحتها لعلوها فوق الجميع.
* كل نفس لا تُصلح بالروح القدس ولا تملح بالملح السماوي، أعني قوة الله تفسد في الحال وتمتلئ برائحة الأفكار الشريرة الرديئة الكريهة، فيتحول وجه الله عن الرائحة الدنسة التي لأفكار الظلمة الخبيثة وفساد الشهوات الساكنة في هذه النفس، والدود الشرير اللعين يعني أرواح الشر وقوات الظلمة يتمشى فيها ويتحول ليجد فيها مرعى وقبولًا، فيدبّ فيها ويأكلها ويفسدها كقول المزمور: "قد أنتنت وفاحت جراحاتي" (مز 38: 5) [389].
8. سرّ الانفتاح
يروي لنا القديس أمبروسيوس طقسًا يسميه "الانفتاح" يتممه الكاهن قبيل دخول طالب العماد الجرن، فيه يلمس الكاهن أذني طالب العماد وأنفه، وقد شرح لنا بنفسه ما يعنيه هذا الطقس:
[أي سرّ للانفتاح قد تحقق عندما لمس الكاهن آذانكم وأنوفكم؟ إنه بهذا يُشار إلى ما فعله ربنا يسوع المسيح في الإنجيل حين قُدم إليه إنسان أصم وأخرس (مر 7: 32)، فقد لمس أذنيه وفمه. لمس أذنيه لأنه أصم، والفم لأنه أخرس، وقال: إفثا التي تعني بالعبرية "انفتح"... لهذا يلمس الكاهن آذانكم حتى تنفتح لسماع مقال الكاهن وحديثه [390].]
[تقول: ولماذا يلمس الأنف؟ لكي تتقبلوا رائحة الصلاح الأبدي الذكية، فتقولون ما قاله الرسول: "إننا رائحة المسيح الذكيَّة لله" (2 كو 2: 15). بهذا يكون فيكم كمال رائحة الإيمان والتكريس الذكية [391].]
9. الاعتراف بالإيمان
يحوّل طالب العماد وجهه من الغرب إلى الشرق، معلنًا قبوله الانتساب لمملكة النور بعد جحده مملكة الظلمة، أي قبوله السيد المسيح بعد رفضه إبليس. وكما يقول القديس أمبروسيوس: [أنكم تتجهون نحو الشرق، فإن من يجحد الشيطان يتجه نحو المسيح ويراه وجهًا لوجه [392].]
لقد نُسب للشيطان الغرب، إذ يملك في الظلمة. وكما يقول السيد المسيح نفسه: "هذه ساعتكم وسلطان الظلمة" (لو 22: 53). ويقول الرسول بولس: "فإن مصارعتنا ليست مع دمٍ ولحمٍ بل مع الرؤَساءِ مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشرّ الروحيَّة في السماويَّات" (أف 6: 12)، ودُعيت جهنم الموضع الذي يستقر فيه إبليس وجنوده بالظلمة الخارجية.
وعلى العكس نُسب للسيد المسيح الشرق، إذ هو شمس البرّ الذي ينير على الجالسين في الظلمة (ملا 4: 1، مت 1: 16)، وقد دُعي الرب باللابس النور كثوبٍ (مز 104: 2)، وهو سرّ استنارتنا (مز 27: 1، 43: 3)، ودُعي أولاده "أبناء النور" (لو 16: 8)، كما دُعيت وسائط الخلاص بأسلحة النور (رو 13: 12).
أما من جهة الشرق فله مدلولاته الإيمانية العميقة التي سبق الحديث عنها بفكر إنجيلي آبائي [393]، فطالب العماد إذ ينظر إلى الشرق إنما ينظر إلى السيد المسيح نفسه الذي دُعي بالشرق (زك 6: 12) وشمس البرّ والعدل (ملا 4: 2). وبالنظر إلى الشرق نتطلع إلى الفردوس القديم الذي غرسه الله لنا في عدن نحو الشرق [394]، كما يلهب قلبنا بالشوق نحو مجيء السيد المسيح الذي صعد في المشارق ويأتي هكذا (مت 24: 27، أع 1: 11)، قائلين مع الأب ميثودسيوس من أولمبيا: [هلم نسرع جميعًا نحو الشرق، لنلتحف بالثياب البيضاء، ولنحمل مصابيحنا في أيدينا [395].]
ويلاحظ أن هذا الطقس بشقيه: التطلع إلى الغرب لجحد الشيطان ثم التطلع نحو الشرق لقبول السيد المسيح هو الخط الرئيسي الواضح في كل ليتورجيات العماد في الكنيسة الأولى.
والاعتراف بالإيمان له مفاهيمه اللاهوتية الأساسية في التمتع بالعماد المقدس.
أولًا: دُعيت المعمودية المسيحية بالمعمودية باسم الرب يسوع (أع 8: 16؛ 19: 5)، حيث يلتزم المعمَد -أو إشبينه إن كان طفلًا- بإعلان إيمانه بربنا يسوع المخلص، "لكي يقدر أن يقترب من سرّ الصليب ويدخل إلى شركة دفنه والتمتع بقوة قيامته. لهذا جاء الاعتراف بالمسيح يسوع ربنا المصلوب والقائم من بين الأموات كعنصرٍ أساسيٍ في كل "قوانين الإيمان للمعمودية" منذ نشأة الكنيسة. وكما يقول الرسول: "إن اعترفت بفمك بالربّ يسوع وآمنت بقلبك أن الله أقامهُ من الأموات خلصت" (رو 10: 9). واعتبر الرسول هذا الأمر هو حجر الزاوية في الإيمان المُسلم له: "فإنني سلَّمت إليكم في الأوَّل ما قبلتهُ أنا أيضًا أن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب. وأنهُ دُفِن وأنهُ قام في اليوم الثالث حسب الكتب" (1 كو 15: 3).
وقد عرف الوثنيون ذلك، لهذا كان كل همهم أن يُلزموا المؤمنين أن يجحدوا مسيحهم. ففي محاكمة الشهيد بوليكاربوس طلب منه الوالي أن يلعن المسيح، فأجابه: "كيف ألعن ملكي؟" وفي خطاب بليني Pliny يقول للإمبراطور تراجان: "إني أحاول أن أجعلهم يلعنون المسيح".
ثانيًا: لما كانت المعمودية هي الباب المفتوح للدخول إلى العضوية في الجماعة المقدسة، لهذا يلزم الاعتراف بالإيمان الذي هو حجر الزاوية في بناء الجماعة المقدسة وسرّ وجودها، إذ يخاطبها الرسول قائلًا: "قبلتم المسيح يسوع الرب" (كو 2: 6)، كما يصفها هكذا: "لكي تجثو باسم يسوع كلُّ ركبةٍ مِمَّنْ في السماء ومَنْ على الأرض ومَنْ تحت الأرض، ويعترف كلُّ لسانٍ أن يسوع المسيح هو ربّ لمجد الله الآب" (في 2: 11). إنه يدخل إلى العضوية في الكنيسة التي تسلمت الإيمان وتسلمه من جيل إلى جيل.
ثالثًا: الاعتراف بالإيمان هو دخول في ميثاق إلهي أو توقيع عقد مع الله، يُسجل في سفر السماء. وفي هذا يقول الأب ثيؤدور المصيصي: [أن نقيم العقود والمواثيق مع الله ربنا بالاعتراف بالإيمان، خلال وساطة الكاهن نصير مؤهلين للدخول في بيته والتمتع برؤيته ومعرفته وسكناه وأن نُسجل في المدينة ونُحسب مواطنين فيها ونصير أصحاب ثقة عظيمة [396]]، كما يقول: [بالاعتراف بالإيمان تربط نفسك بالله بواسطة الأسقف، وتقيم ميثاقًا تتعهد فيه أن تثابر في محبة الطبيعة الإلهية [397].]
كيف يتم الاعتراف بالإيمان؟
يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [إن كان المعمدون أطفالًا أو صمًا لا يستطيعون الاستماع للتعلم يجاوب أشابينهم عنهم، هكذا يُعمدون حسب العادة [398].]
في الطقس القبطي الحالي يرد المعمد أو إشبينه بنود الإيمان علنًا وراء خادم السرّ، وذلك قبيل تغطيسه، أما في الكنيسة الأولى فكان المُعمد يُعلن إيمانه وهو واقف داخل مياه المعمودية، في شكل أسئلة يقدمها الكاهن أو الأسقف ويجيب عليها المعمد، كما ورد في قوانين القديس هيبوليتس [399].
بنود الاعتراف بالإيمان للمعمودية[400]
الاعتراف بالإيمان هو البذرة الأصيلة التي نشأ عنها قانون الإيمان بصورته الحالية. هذا الاعتراف وإن اختلفت صيغته وطريقة عرضه من بلد إلى آخر، لكنه ركز على الإيمان بالآب والابن والروح القدس كما شمل غالبًا الاعتراف بالكنيسة الجامعة ومغفرة الخطايا. وإنني اكتفي هنا بعرض سريع للاعتراف بالإيمان كما يظهر في بعض كتابات الآباء.
ربما لخص القديس أغناطيوس الأنطاكي الاعتراف بالإيمان بقوله: [اثبتوا إذن على تعليم الرب والرسل، لكي تنجحوا فيما تعملون بالجسد والروح في الإيمان والمحبة في الابن والآب والروح القدس [401].]
وجاء في مقدمة "شرح الإيمان الرسولي Epideixis" الذي كتبه القديس إيريناؤس لصديقه مرقيانوس:
[هنا ما يقره الإيمان بالنسبة لنا، حسب ما نقله القدماء -تلاميذ الرسل- إلينا. أول كل شيء يلزمنا أن نتذكر أننا قبلنا المعمودية لمغفرة الخطايا باسم الله الآب، وباسم يسوع المسيح ابن الله الذي تجسد ومات وقام وباسم روح الله الروح القدس... لذلك فالمعمودية التي تُجددنا تُمنح لنا بنور خلال الثالوث، وتضمن ميلادنا الثاني لله الآب خلال ابنه بواسطة الروح القدس.
الذين يتقبلون روح الله ينقادون للكلمة، أي للابن، وأما الابن فيتقبلهم ويقدمهم للآب، والآب يمنحهم عدم الفساد.
هكذا بدون الروح لا يقدر أحد أن يعاين كلمة الله، وبدون الابن لا يقدر أحد أن يقترب من الآب، لأن الابن هو معرفة الآب، ومعرفة الابن إنما تكون خلال الروح.
إنه الابن، الذي حسب مسرة الآب يوزع الروح كعطية، كما يريد الآب منه هكذا أيضًا، وللذين يريد أن يعطيهم الروح [402].]
وفي الفصل السادس من ذات المقال يقول:
[هذا هو ترتيب قاعدة إيماننا، وهو أساس البناء الثابت الذي عليه شُيّد تجديدنا: الله الآب ليس مخلوقًا ولا محسوسًا (ماديًا)، غير منظور، إله واحد، خالق كل الأشياء. هذا هو أول موضوع في إيماننا.
والموضوع الثاني هو كلمة الله، ابن الله، المسيح يسوع ربنا، الذي أُعلن للأنبياء بطريقة نبوية حسب تدبير الآب الذي به كل الأشياء خلقت، هذا الذي تجسد في آخر الأزمنة لكي يكمل ويجمع كل شيء، وصار إنسانًا وعاش مع البشر بل صار ظاهرًا ومحسوسًا لكي يبيد الموت ويُظهر الحياة ويقيم شركة بين الله والبشر.
والموضوع الثالث هو الروح القدس الذي به تنبأ البطاركة وعلموا ما يخص الله، والذي قاد الأبرار في طريق البر. هذا الذي سُكب على البشرية عي آخر الأزمنة في كل أنحاء المسكونة بطريقة جديدة لكي يجدد الإنسان [403].]
رأى القديس إيريناؤس ضرورة تحديد الإيمان في صيغة معروفة تسند القبائل إذ لم تكن بعد قد تُرجمت الأسفار المقدسة إلى لغاتهم، لكنهم قبلوا الإيمان في قلوبهم، وقد ركز على الإيمان بالآب، والابن في تجسده وموته وقيامته وصعوده ومجيئه في اليوم الأخير، والروح القدس [404].
وجاء في رسائل القديس كبريانوس: [أتؤمن بالله الآب والابن المسيح والروح القدس؟ أتؤمن بالحياة الأبدية وغفران الخطايا خلال الكنيسة المقدسة؟ أؤمن [405].]
وقد قدمت لنا قوانين القديس هيبوليتس [406] نصًا فريدًا ومطولًا عن الاعتراف بالإيمان داخل مياه المعمودية، كما قدم لنا التقليد الرسولي للقديس هيبوليتس نصًا مشابهًا.
جاء في قوانين القديس هيبوليتس أن طالبي العماد يتوجهون نحو الشرق ويقولون: [أؤمن وانحني أمامك وأمام عظمتك أيها الآب والابن والروح القدس]، ثم ينزلون في المياه ويقفون فيها ووجوهم نحو الشرق. يضع كاهن آخر يده على رؤوسهم ثم يسألهم:
"أتؤمنون بالله الآب ضابط الكل؟"
يجيبون: "أؤمن"، ثم يغطسون للمرة الأولى.
وبعد الغطسة الأولى يُسألون: أتؤمن بيسوع المسيح ابن الله الذي وُلد من العذراء مريم بالروح القدس، والذي صُلب في عهد بيلاطس، والذي مات وقام في اليوم الثالث من بين الأموات، وصعد إلى السماوات وجلس عن يمين الآب، ويأتي ليدين الأحياء والأموات؟"
ويعد أن يجيبوا "أومن" يغطسون للمرة الثانية.
عندئذ يُسألون: أتؤمنون بالروح القدس؟
يجيبون: "أؤمن"، ويغطسون للمرة الثالثة والأخيرة.
وفي كل غطسة يقول الكاهن: أعمدك باسم الآب والابن والروح القدس، وبعد ذلك يُدهنون بالمسحة المقدسة التي تعرف بالميرون Chrism، ويلبسون ثيابهم ويدخلون الكنيسة، ويتقبلون وضع الأيدي من الأسقف وقبلة السلام، وعندئذ يبدأ تقديم الإفخارستيا.
أما الأسئلة كما وردت في التقليد الرسولي للقديس هيبوليتس، فهي:
- أتؤمن بالله الآب ضابط الكل؟
- أتؤمن بالمسيح يسوع ابن الله الذي ولد من العذراء مريم بالروح القدس ومات وقُبر وقام حيًا من بين الأموات في اليوم الثالث، وجلس عن يمين الآب، وسيأتي ليدين الأحياء والأموات؟
- هل تؤمن بالروح القدس وبالكنيسة المقدسة وبقيامة الجسد؟
أما كيفية التغطيس فهي كما وردت في قوانين هيبوليتس تمامًا.
هنا نلاحظ أن الاعتراف بالإيمان كان يتم داخل المياه وعلى شكل أسئلة وأجوبة.
يروي لنا يوسابيوس المؤرخ أن البابا ديوناسيوس السكندري كتب في رسالته إلى أكسيتوس Xystus أسقف روما هكذا أنه كان في كنيسة الإسكندريّة رجل من أيام سلفة ياروكلاس إذ "سمع الأسئلة والأجوبة في المعمودية" اكتشف أن هناك خطأ قد حدث عندما اعتمد، إذ اعتمد لدى هراطقة [407]، كأن كنيسة الإسكندريّة كانت تعمد هكذا حيث يعلن المُعمد إيمانه في المياه خلال الأسئلة والأجوبة، حتى الهراطقة استخدموا نفس الأسلوب، لكن أسئلتهم وإجابتهم كانت مختلفة.
وفي ميلانو أيضًا كان الاعتراف بالإيمان يتم هكذا، إذ يقول القديس أمبروسيوس: [عند ذلك تُسأل: أتؤمن بالله الآب ضابط الكل؟ تقول "أومن"، عندئذ تغطس أي تدفن.
ومرة ثانية تُسأل: "أتؤمن بربنا يسوع المسيح وبصليبه؟" تقول: "أومن"، وعندئذ تغطس وهكذا تُدفن مع المسيح، لأن كل من يُدفن مع المسيح يقوم من الموت معه.
وفي المرة الثالثة تُسأل: "أتؤمن بالروح القدس؟" تقول: "أومن"، ومرة ثالثة تغطس.
وهكذا تغطس ثلاث مرات ويمحو اعترافك المثلث كل خطاياك السابقة [408].]
ويرى العلامة أوريجينوس في شرحه إنجيل يوحنا أن غياب أي بند من بنود الإيمان الأساسية هو فقدان للإيمان كله [409].
أما في الطقس القبطي الحالي، فيردد طالب العماد أو أشبينه عبارات جحد الشيطان وراء الكاهن، قائلًا:
[أجحدك أيها الشيطان، وكل أعمالك النجسة وكل جنودك الشريرة، وكل شياطينك الرديئة، وكل قوتك، وكل عبادتك المرذولة، وكل حيلك الرديئة والمضلة، وكل جيشك، وكل سلطانك، وكل بقية نفاقك. أجحدك. أجحدك. أجحدك.]
ثم ينفخ الكاهن في وجه طالب العماد وهو يقول ثلاث مرات: [أخرج أيها الروح النجس.]
بعد هذا إذ يحول وجهه نحو الشرق ويده مرفوعة إلى فوق يردد أيضًا مع الكاهن، قائلًا: [اعترف لك أيها المسيح الهي، وبكل نواميسك المخلصة، وكل خدمتك المحيية، وكل أعمالك المعطية الحياة.]
ثم يلقنه الإيمان هكذا: [أؤمن باله واحد، الله الآب ضابط الكل، وابنه الوحيد يسوع المسيح ربنا، والروح القدس المحيي، وقيامة الجسد، والكنيسة الواحدة الوحيدة المقدسة الجامعة الرسولية. آمين.]
ثم يردد ثلاث مرات: "آمنت".
يتم هذا قبل دخوله المياه.
10. تقديس المياه
إذ تعمد السيد المسيح في نهر الأردن صار الرسل أيضًا يعمدون في الأنهار أو في مياه جارية،فيذكر العلامة ترتليان أن بطرس الرسول عمد الذين قبلوا الإيمان في نهر التيبر بروما [لأن الروح الواحد يقدس المياه في كل مكان، ويهب الروح قوة التقديس للمياه بالاستدعاء والصلاة.] إلا أن التعميد في الأماكن العامة كان يعرض المؤمنين والكهنة للكثير من المشاكل كما يعرض المقدسات لحملات التشهير من الوثنيين، لهذا اقتصر الأمر على التعميد في معموديات داخل الكنائس.
جاء في الديداكيّة -التي ترجع بعض نصوصها- إلى القرن الأول الميلادي:
[أما عن العماد، فعمدوا هكذا:
بعدما تعملون كل ما تقدم،
عمدوا باسم الآب والابن والروح القدس بماء جارٍ (حيّ).
فإذا لم يكن هناك ماء جارٍ فعمد بماء آخر.
إذا لم تستطع أن تعمد بماء بارد فعمد بماء دافئ.
إذا كنت لا تملك كليهما فاسكب الماء فوق الرأس ثلاثًا.
باسم الآب والابن والروح القدس [410].]
عنصر الماء
لقد أكد السيد المسيح: "إن كان أحد لا يُولَد من الماءِ والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله" (يو 3: 5)، مقدمًا المياه عنصرًا أساسيًا في الميلاد الجديد بالروح القدس، لماذا؟
يربط العلامة ترتليان المياه بالخلق (تك 1: 2)، إذ كان روح الله يرف على المياه ليخلق، وقد جبل الله الإنسان من الطين (تراب مخلوط بماء)، ومن المياه خرجت الكائنات الحية، هكذا في الخلق الجديد تُستخدم المياه المقدسة.
استخدام المياه في الخلق الجديد إعلان لتقديس المادة، وليس كما كانت بعض الفلسفات القديمة تدعى بأن المادة عنصر ظلمة من خلق إله الشر. استخدام الماء إنما إعلان لنظرة الله المقدسة للمادة كما للروح، يطلب أيضًا غسل الجسد والنفس، فهو لا يحتقر المادة ولا يزدري بالجسد. حقًا ليس الماء في ذاته هو الذي يجددنا، بل الروح القدس الذي يعمل خلال المياه بتقديسها.
تقديس المياه
جاء في التقليد الرسولي للقديس هيبوليتس: [عند صياح الديك أولًا يصلون على المياه، إذ يأتون بمياه نقية وفياضة [411].] ويقول القديس باسيليوس: [الأمور التي سلمت إلينا من تقليد الرسل... أن نبارك مياه المعمودية [412].] وقد تحدث الآباء كثيرًا عن تقديس مياه المعمودية باستدعاء روح الله القدوس والصلوات ورشم علامة الصليب، كما أفاضوا في الكشف عن فاعلية هذا العمل في حياة المعمدين، تقتطف هنا بعض العبارات:
* يحصل الماء على سرّ التقديس بالابتهال لله، إذ ينزل الروح في الحال من السماء، ويستقر على المياه، ويقدسها بنفسه، وإذ تتقدس المياه تتشرب قوة التقديس [413].
* يلزم أولًا أن تتطهر المياه وتتقدس بواسطة الكاهن لتحل فيها قوة المعمودية لغسل خطايا الإنسان الذي ينال المعمودية، إذ يقول الرب لحزقيال النبي: "وأرشُّ عليكم ماءً طاهرًا فتُطهَّرون من كل نجاستكم ومن كل أصنامكم أطهركم. وأعطيكم قلبًا جديدًا وأجعل روحًا جديدة في داخلكم" (حز 36: 25-26) [414].
* لا تنظروا إلى الجرن كماء بسيط بل بالأحرى تطلَّعوا إلى النعمة الروحية التي توهب مع الماء... إذ يحمل الماء البسيط قوة جديدة للقداسة، بتكريس الروح القدس والمسيح والآب.
* عندما تنزلون في الماء لا تفكروا في المادة المجردة بل تطلَّعوا إلى الخلاص بقوة الروح القدس. فإنه بدونهما -كلاهما- لا يمكن أن تصيروا كاملين. ما أقوله هذا ليس من عندياتي، إنما هو كلام الرب يسوع صاحب السلطان في هذا الشأن. إنه يقول: "إن كان أحد لا يُولَد من الماءِ والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله" (يو 3: 5). فمن يعتمد بالماء ولا يكون متأهلًا للروح (بسبب سوء نيته) لا يتقبل نعمة الكمال. وأيضًا إن كان فاضلًا في أعماله ولم يتقبل الختم بالماء فلا يدخل ملكوت السماوات. هذا القول فيه جسارة لكنه ليس مني بل أعلنه يسوع [415].
* هنا حكم المؤمن شيء وحكم غير المؤمن شيء آخر. فمن جهتي أنا عندما أسمع أن المسيح صُلب في الحال أتعجب لمحبته للبشرية، أما الذي لا يؤمن فيرى في ذلك غباوة...
غير المؤمن إذ يسمع عن الحميم يفكر فيه مجرد ماء، أما أنا فمن الجانب الآخر لا أتطلع إلى ما هو منظور فحسب وإنما أهتم بتطهير النفس بالروح القدس [416].
* انزع الكلمات (الخاصة بالتقديس) فتكون المياه مجرد مياه. أضف الكلمات إلى العنصر فيكون لك سرّ Sacramentum [417].
* إنكم ترون المياه، لكن ليست كل المياه تشفي بل تلك التي تحمل نعمة المسيح. الماء هو أداة، لكن الروح القدس هو الذي يعمل. المياه لا تشفي ما لم يحل الروح عليها ليقدسها [418].
* يليق بالأسقف -حسب قانون الخدمة الكهنوتية- أن يستخدم الكلمات المعروفة، ويسأل الله أن يحل الروح القدس على المياه، ويجعلها قادرة على الميلاد المملوء رهبة [419].
* يا ملك كل الأشياء وربها، يا خالق الكون،
لقد خلصت كل طبيعة بإرسال ابنك الوحيد، يسوع المسيح،
وأعتقت خليقتك بمجيء كلمتك الفائق الوصف.
تطلع الآن من السماء وانظر إلى هذه المياه، واملأها من الروح القدس.
ليعمل فيها كلمتك الفائق الوصف، ويحوّل قوتها،
وليملأ هذه الأشياء المخلوقة من نعمتك،
حتى لا يكون السرّ الذي يتم الآن عديم الفاعلية في الذين سيولدون من جديد، بل ليملأ بنعمتك الإلهية جميع الذين سينزلون ويتعمدون [420].
* تطلع من السماء وقدس هذا الماء،
وامنحه نعمة وقوة،
حتى أن من يتعمد حسب وصية مسيحك يُصلب معه ويموت معه ويدفن معه ويقوم معه إلى التبني الذي له،
وذلك بأن يموت عن خطاياه ويحيا لله [421].
* قدوس، قدوس أيها الرب، وقدوس في كل شيء،
الآن أيضًا يا ملكنا رب القوات ملك الجنود السمائية،
اطلع أيها الجالس على الشاروبيم،
اظهر وانظر إلى جبلتك هذه أي هذا الماء.
امنحه نعمة الأردن والقوة والعزاء السمائي.
وعند حلول روحك القدوس عليه هبه بركة الأردن. آمين.
أعطه قوة ليصير ماء محييًا. آمين.
ماء طاهرًا. آمين.
ماء يطهر الخطايا. آمين.
ماء حميم الميلاد الجديد. آمين.
ماء البنوة. آمين.
أنعم على هذا الماء لكي لا يوضع فيه، ولا ينزل مع الذي يتعمد فيه روح رديء، ولا روح نجس، ولا روح النهار، ولا روح الظهيرة، ولا روح المساء الخ.
هكذا يظهر دور الثالوث القدوس في تقديس المياه، وإن كنت سأتحدث بمشيئة الله عن دور السيد المسيح ليس في تقديس المياه فحسب وإنما في تتميم السرّ في نهاية هذا الباب.
إن كنا قد تحدثنا عن دور استدعاء اسم الله والصلوات في تقديس المياه، فإننا لا ننسى أيضًا دور رشم علامة الصليب في ذلك الأمر، فقد أوضح القديس أغسطينوس أن علامة الصليب تُرسم على مياه المعمودية، كما على زيت المسحة وعلى الإفخارستيا [422]، كما يربط القديس أمبروسيوس بين تقديس مياه المعمودية والصليب بقوله: [إننا نقر أن الشهود ثلاثة في المعمودية: الماء والدم والروح (1 يو 5: 7) هم واحد، لأنك إذا انتزعت واحدًا منهم لما وُجد سرّ المعمودية. لأنه ما هو الماء بدون صليب المسيح؟! عنصر مادي بدون أي فعل سرّي. كما أنه لا يوجد سرّ التجديد بدون ماء، "لأنه إن كان أحد لا يُولَد من الماءِ والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله" (يو 3: 5). والآن حتى الموعوظ يؤمن بصليب الرب يسوع الذي به قد خُتم هو أيضًا، ولكنه إن لم يعتمد باسم الآب والابن والروح القدس فلا يمكن أن ينال غفران الخطايا، ولا أن يحصل على عطية النعمة الروحية [423].]
11. سكب الميرون في المياه
في نهاية الصلوات الخاصة بتقديس المياه يسكب الكاهن الميرون ثلاث مرات على مثال الصليب ليقدس الماء وهو يقول:
"باسم الآب والابن والروح القدس.
مبارك الله الآب ضابط الكل. آمين".
"مبارك ابنه الوحيد يسوع المسيح. آمين".
"مبارك الروح القدس الباراقليط. آمين".
ثم يحرك المياه وهو يقول بعض الفقرات من المزامير:
"صوت الرب على المياه. إله المجد أرعد..
الرب على المياه الكثيرة. الليلويا.
صوت الرب بالقوَّة. صوت الرب بعظيم الجلال. الليلويا". (مز 29: 3-4)
"تعالوا إليه لتستنيروا ولا تخزى وجوهكم.
تعالوا يا أبنائي واسمعوني لأعلمكم مخافة الرب. الليلويا". (مز 31: 5)
"جزنا في النار والماءِ ثم أخرجتنا إلى الراحة. الليلويا". (مز 66: 12)
"انضح عليَّ بزوفاك فأطهر وأغسلني أكثر من الثلج. اصرف وجهك عن خطاياي وامح كل آثامي. الليلويا".
قلبًا نقيًّا اخلق فيَّ يا الله، وروحًا مستقيمًا جدّده في أحشائي. الليلويا" (مز 50: 7، 9، 10)
"الرب اختار صهيون ورضيها مسكنًا لهُ. الليلويا" (مز 132: 13).
إنه اختيار دقيق وعجيب يحمل في قوةٍ سرّ عمل الروح القدس في حياة المعتمد في هذه المياه التي تتقدس بالروح. لقد حملت المياه صوت الرب الذي يرعد في حياة الإنسان، محطمًا الشر ليقيم مملكته فيه من جديد. وفي المياه ينال المؤمن سرّ الاستنارة فلا يخزى وجهه بعد، ويصير ابنًا لله يسمع لوصاياه ويحمل مخافته لأبيه السماوي. يدخل المؤمن المياه فيجتاز نار الروح والمياه المقدسة ليعبر إلى راحة الفردوس الجديد. في هذه المياه يغتسل داخليًا فيصير نقيًا ويحمل القلب الجديد والروح الجديد. وفي هذه المياه يعلن الله اختياره للكنيسة "صهيون" ويقبل المؤمن عضوًا حيًا فيها.
حقًا إنه نص فريد يدخل بنا إلى كل أسرار المعمودية خلال المزامير بقوة وبساطة!
أما عادة سكب الميرون في مياه المعمودية بجوار مسح المُعمد به فهي عادة قديمة. يقول Stone أنها وجدت في مصر قبل نهاية القرن الخامس على الأكثر، كما وجدت في الغرب في القرن السادس [424].
وجاء في القديس ديونسيوس الأريوباغي: [يأتي (الأسقف) إلى أم التبني (الجرن) ويقدس المياه فيها بابتهالات مقدسة، ويكمل ذلك بسكب الميرون كلّي القدس فيها ثلاث مرات [425].]
12. الثلاث تغطيسات
يتم العماد في داخل المياه المقدسة بالتغطيس ثلاث مرات. أما عادة التغطيس -دون الرش- فقد بدأت بالسيد المسيح نفسه الذي نزل نهر الأردن وصعد منه كقول الكتاب: "فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماءِ" (مت 3: 16)، وقد مارست الكنيسة في الشرق والغرب العماد بالتغطيس، وقد بقيت الكنيسة الشرقية هكذا، أما الغربية فحتى أيام الأب توما الأكويني كانت تمارسه بالتغطيس.
يقول F. Cuttaz الكاثوليكي: [يلزم اعتبار عماد المسيح في نهر الأردن بواسطة القديس يوحنا المعمدان مثالًا ونموذجًا للعماد المسيحي الذي أراد المسيح تأسيسه. لقد نزل مخلصنا في النهر، إذ يقول عنه الإنجيل: "صعد للوقت من الماءِ" (مت 3: 16)، ونقرأ في سفر الأعمال (8: 38-39) عن عماد خصي كنداكة الملكة: "فنزل كلاهما إلى الماء فيلبس والخصي فعمده، ولما صعدا من الماء خطف روح الرب فيلبس... (وجاء في هرماس) نزل الموعوظون في الماء أمواتًا وصعدوا منها أحياء [426]. العماد نزول مع السيد المسيح إلى القبر ودفن معه ثم صعود معه خلال قيامته. هذا النزول والصعود لا يتحقق برش بعض نقاط من الماء على الإنسان بل بتغطيسه في المياه [427].]
لقد دُعيت المعمودية "صبغة" لأن الكلمة اليونانية "Baptizen" تعني صبغة، والصبغ يتم بتغطيس الشيء تمامًا في مادة الصبغ.
هذا والمعمودية في الحقيقة هي "تجديد"، يتم بالتعري الكامل عن الإنسان القديم وأعماله، لهذا تمارس المعمودية بالتغطيس حيث يتعرى الإنسان لكي يلبس الإنسان الجديد: [تصبحون عراة مثل آدم في الفردوس، مع الفرق أن آدم أخطأ، أما في المعمودية فيتعرى الإنسان لكي يتحرر من الخطيئة. آدم فقد مجده، أما من يأتي إلى المعمودية فيخلع الإنسان العتيق بسهوله كما يخلع ملابسه [428].]
والتغطيس أيضًا ضروري، لأن المعمودية هي دفن مع السيد المسيح (رو 6: 4، كو 2: 12).
بالتغطيس يُغمر الإنسان بالمياه من كل جانب، هكذا يحيط الروح بنفسه من كل جانب بطريقة فائقة!
وإن عدنا حتى إلى رموز العهد القديم الخاصة بالمعمودية مثل عبور البحر الاحمر ونهر الأردن كان الشعب يدخل إلى القاع، وفي قصة الطوفان كان الفلك مغمورًا بالمياه.
ولا تزال المعموديات القديمة في الشرق والغرب تشهد عن العماد بالتغطيس، إذ كانت متسعة، بعضها توجد به سلالم ناحية الشرق والغرب حيث ينزل طالب العماد على إحداها ومتمم السرّ على الأخرى ليضع يده على رأسه أثناء العماد بالتغطيس.
في الطقس القبطي يتم التغطيس ثلاث مرات، في المرة الأولى يضع الكاهن يده على المعمد ليقول: "أعمدك يا... باسم الآب"، والثانية باسم الابن، والثالثة باسم الروح القدس. في كل مرة ينفخ الكاهن في وجهه.
والتغطيس ثلاث مرات إنما إعلان عن العماد باسم الثالوث القدوس، كما تشير إلى الدفن مع السيد المسيح ثلاثة أيام ليحمل المعمد قوة القيامة مع السيد المسيح (كو 2: 12) [429].
* نحن نغطس ثلاث مرات [430].
* نحن لا نغطس مرة واحد بل ثلاث مرات عندما نذكر اسم كل أقنوم من أقانيم الثالوث [431].
* إننا نغطس للآب لنتقدس، ونغطس للابن بذات الهدف، كما نغطس للروح القدس لكي نصير إلى ما هو عليه وما يدعونا إليه [432].
* نحن نُدفن في الماء كما دفن المسيح في القبر، وعندما نغطس ثلاث مرات نعبر بذلك عن قبولنا لنعمة القيامة التي ظهرت بعد ثلاثة أيام [433].
* تتم كل غطسة عند ذكر كل أقنوم من أقانيم الثالوث [434].
القديس ديوناسيوس الأريوباغي
* في كل مرة يقول: أعمدك باسم الآب والابن والروح القدس [435].
* بعد القيامة أرسل الرب تلاميذه وأوصاهم وعلمهم كيف يعمدون، قائلًا: كل سلطان أعطي لي في السماء وعلى الأرض، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.لذلك اذهبوا وعلموا كل الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس. لقد جعل الثالوث معروفًا خلال السرّ بواسطة الأمم الذين يعتمدون [436].
* بثلاث غطسات ودعاء مساوٍ لها في العدد يتم سرّ المعمودية العظيم، لكي يتصور رسم الموت وتستنير نفوس المعمدين بتسليم معرفة الله [437].
* يوجد سران في طريقة التعميد: الغطسات الثلاث هم رمز للإيمان بالثالوث القدوس الذي باسمه نعتمد، وكذلك رمز للدفن مع الرب ولقيامته في اليوم الثالث، لأننا ندفن مع المسيح في المعمودية ونقوم معه بالإيمان.
* إننا نغطس ثلاث مرات، لكن سرّ الثالوث واحد، لأننا لا نعتمد بأسماء ثلاثة آلهة بل باسم الإله الواحد، ورغم أننا نغطس ثلاث مرات تحت الماء إلا أننا نؤمن بمعمودية واحدة [438].
13. غسل القدمين
يروي لنا القديس أمبروسيوس عن عادة كانت متبعة في ميلانو دون غيرها، وهي أن الأسقف أو الكاهن الذي يقوم بالعماد يتمنطق بعد أن يتمم العماد ويغسل قدميْ المُعمد [439]. وهي عادة غريبة لأن المعمد قد خرج من الجرن طاهرًا ولا حاجة له إلى غسل قدميه في ذلك الوقت. ربما يريد الكاهن أن يُعلن للمعمد أن الكنيسة تبقى تغسل قدميه خلال وجوده في العالم حتى بعد نواله المعمودية المقدسة.
14. الدهن بالميرون المقدس
ذكر القديس كيرلس الأورشليمي مقالًا كاملًا بخصوص "المسحة [440]" بزيت الميرون، يتم بعد العماد مباشرة كعمل سرّي مقدس. وقد سبق لنا الحديث عن هذا السرّ وفاعليته فينا. وإننا نكتفي هنا ببعض عبارات للآباء:
* إننا نُدعى مسيحيين لأننا ندهن بمسحة الله [441].
* ينبغي على من اعتمد أن يُمسح أيضًا لكي يصير بواسطة المسحة ممسوحًا لله ويأخذ نعمة المسيح [442].
يدهن الكاهن كل أعضاء الجسم إعلانًا عن تقديس كل الجسد والنفس بسكنى الروح القدس داخلنا، وذلك بعد أن يصلي قائلًا:
"أيها القادر وحده، صانع جميع العجائب، الذي لا يعسر عليك شيء، لكن إرادتك وقوتك فاعلة في كل شيء.
أنعم بالروح القدس عند نضح الميرون المقدس.
ليكن خاتمًا محييًا،
وثباتًا لعبيدك،
بابنك الوحيد يسوع المسيح ربنا، هذا الذي من قبله يليق بك المجد"...
وبعد أن يرشم 36 رشمًا من أعلى الرأس حتى أخمص القدمين، يضع الكاهن يده عليه ويقول:
"تكون مباركًا ببركة السمائيين، وبركة الملائكة. يباركك الرب يسوع المسيح، وباسمه".
ثم ينفخ في وجه وهو يقول:
"اقبل الروح القدس، وكن إناء طاهرًا من قبل ربنا يسوع المسيح ربنا، هذا الذي له المجد مع أبيه الصالح والروح القدس".
هنا نلاحظ في الطقس القبطي تستخدم المسحة بالميرون المقدس مع وضع اليد للبركة والنفخة في وجه المُعمد.
15. لبس الثياب البيضاء
دعا القديس كيرلس الأورشليمي جرن المعمودية "حجال العريس الداخلي"، في داخلها يناجي السيد المسيح النفس البشرية، قائلًا: "بسطتُ ذيلي عليكِ، وسترتُ عورتكِ وحلفت لكِ ودخلت معكِ في عهدٍ... فحمَّمتكِ بالماءِ، وغسلت عنكِ دماءَكِ، ومسحتكِ بالزيت. وألبستكِ مطرَّزةً، ونعلتكِ بالتُّخَس، وأزَّرتُكِ بالكتان، وكسوتكِ بزًّا... وجَمُلْتِ جدًا جدًّا، فصلحتِ لمملكةٍ. وخرج لكِ اسم في الأمم لجمالكِ، لأنهُ كان كاملًا ببهائي الذي جعلتهُ عليكِ" (حز 16: 8، 14). لقد خطبها لنفسه عروسًا بعد أن غسلها وألبسها وزيَّنها بجماله فتصير ملكة، تحمل بهاء الملك في داخلها. لهذا إذ تخرج من المياه تلبس الثياب البيضاء البهية، التي هي الحلة الأولى التي قدمها الأب لابنه الراجع إليه (لو 15: 22)، لا بمعنى أنه توجد حلة ثانية وثالثة، لكنها دُعيت بالحلة الأولى من أجل بهائها وجمالها ومقامها وقيمتها، إذ هي لباس العُرس الأبدي، بدونها يُطرد المدعوون فلا يتمتعوا بشركة عرس ابن الملك (مت 22: 13).
يشير الثوب الأبيض إلى انعكاسات إشراقات المجد الإلهي على الإنسان، إذ في تجلي الرب "صارت ثيابه بيضاء كالنور"، وفي السماء يلبس الأربعة وعشرون قسيسًا غير المتجسدين ثيابًا بيضاء (رؤ 4: 4)، وهكذا جموع الغالبين متسربلون بالثياب البيض (رؤ 7: 13)، كما أعطى للشهداء ثيابًا بيضاء (رؤ 6: 11)، وقد أشار الرب إلى ملاك كنيسة اللاودكيين أي أسقفها أن يتوب ويشتري لنفسه ثيابًا بيضاء (رؤ 3: 18).
اللون الأبيض هو لون الحق الطبيعي كما يقول القديس إكليمنضس [443]، يشير إلى الحق كما إلى الطهارة والنقاوة والغلبة والنصرة [444].
* عندما تخرج من الماء ترتدي ثوبًا كله بهاءً.
* بعد نوال نعمة المعمودية وارتداء الثوب الأبيض المضيء يقترب إليك الكاهن ويرشمك على جبهتك، قائلًا: "فلان يُرشم باسم الآب والابن والروح القدس" [445].
* بعد ذلك أعطيت لكم ملابس بيضاء علامة أنكم قد خلعتم ثوب الخطايا ولبستم ثوب الطهارة والبراءة، الذي تحدث عنه النبي قائلًا: "تنضح عليَّ بزوفاك فأطهر، وتغسلني فأبيض أكثر من الثلج" (مز 51: 9). لأن من يعتمد يصير طاهرًا حسب الناموس والإنجيل كليهما. حسب الناموس لأن موسى رش دم الحمل بباقة من الزوفا (خر 12: 22)، وحسب الإنجيل، لأن ثياب المسيح كانت بيضاء كالثلج عندما أظهر مجد قيامته في الإنجيل. إذن فذاك الذي يُغفر إثمه يبيض أكثر من الثلج، لهذا قال الله بإشعياء: "إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيضُّ كالثلج" (إش1: 18) [446].
* ترقص الملائكة حولكم، قائلة: "مَن هذه الطالعة من البرية مستندة على حبيبها؟!" (نش 8: 5) [447].
* فجرت (المعمودية) ماء الحياة من بيت الآب للعالم.
يا جميع العطاش اشربوا الرجاء من ينبوعها.
من هذه التي جمعت شعوب الأرض وألبستهم ثياب المجد؟!
* من هذه المزينة التي تنسج لباس النور الحيّ داخل المياه لكل القادمين إليها؟!
من سيدة المجد هذه الممتلئة مجدًا، ها كل الخليقة تسرع إليها بالفرح.
* المعمودية هي حلة المجد المعطاة لآدم، تلك التي سرقتها منه الحية بين الشجر.
* تعالي (أيتها النفس) والبسي الجلالة، وافتني النور بالمياه الطاهر..
تعالى، انزلي، والبسي الثياب التي نسجها اللاهوت، واصعدي وأرينا جمالكِ الخالد، لنفرح معكِ.
* لبستِ الملون كعظيم الأحبار في بيت التطهير.
النار والروح ينسجان لك الثوب الذي كله نور.
يا ابنة الشعوب المخطوبة للنور في داخل المياه! [448]
في الطقس البيزنطي إذ يُلبس الكاهن المُعمد ثوبه الأبيض يقول: "يُلبس عبد الله (فلان) سربال البرّ، بسم الآب والابن والروح القدس"، ويرتل المرنمون، قائلين: "امنحني سربالًا منيرًا، يا من ترتدي النور مثل الثوب، أيها المسيح إلهنا الجزيل الرحمة [449]".
أما في الطقس القبطي فيبدأ الكاهن يُلبس المُعمد ثوبه ويقول: "لباس الحياة الأبدية غير الفاسد. آمين".
16. لبس الأكاليل والزنار
لقد أُهمل هذا الطقس حاليًا، لكنه لازال مطبوعًا في الكتب الحديثة الخاصة بطقس العماد. ولم يبق سوى شد وسط المُعمد بزنار.
يقوم الكاهن بالصلاة على الأكاليل قبل أن يتوج بها رأس المُعمد، قائلًا:
"أيها الرب ضابط الكل أبو ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح، الذي كلل رسله القديسين الأطهار وأنبياءه وشهداءه الذين أرضوه بأكاليل غير مضمحلة،
أنت الآن أيضًا بارك هذه الأكاليل التي هيأناها لنلبسها لعبيدك الذي اتحدوا بالعماد المقدس،
لكي تكون لهم أكاليل مجد وكرامة. آمين.
أكاليل بركة ومجد. آمين.
أكاليل فضيلة وبرّ. آمين.
أكاليل حكمة وفهم. آمين.
قوهم لكي يكملوا وصاياك وأوامرك ويفوزوا بخيرات ملكوت السماوات بالمسيح يسوع ربنا، هذا الذي من قبله المجد..."
وإذ يضع الكاهن الأكاليل على رأس المُعمد بعد أن يشد وسطه بالزنار يقول:
ضع أيها السيد الرب الإله على عبيدك أكاليل من السماء. آمين.
أكاليل مجد. آمين.
أكاليل إيمان غير مغلوب ولا مقاوم. آمين.
أكاليل ثبات. آمين.
أكاليل عدل. آمين.
امنح عبيدك ليكونوا مملوءين من نعمة روحك القدوس،
بالرأفات ومحبة البشر اللواتي لابنك الوحيد يسوع المسيح..."
هنا نتوقف قليلًا لنرى الطقس يقترب تمامًا من طقس سرّ الزواج، كما يًشد وسط العريس بزنار هكذا أيضًا من نال المعمودية، وكما يكلل العروسان يكلل الذين ينالون هذا السرّ وبصلوات على الأكاليل تكاد تكون واحدة. وكأن الكنيسة ترى في سرّيْ العماد والميرون دخول إلى العرس السماوي، فيُشد وسط العريس بالزنار علامة اتحاده الخفي بالعريس وبالكنيسة كعضو حيّ فيها، ويُتوج بالإكليل مع عروسه لأنهما قد صارا عروس الملك الحقيقي!
ما أحوجنا أن نعود من جديد إلى هذا الطقس ليمارس بدقة ومهابة، حتى نتعرف على سرّ عمل الله فينا ومحبته اللانهائية!
إن الإكليل الذي يقدمه لنا الله هو روحه القدوس الناري الذي يهبنا الشركة مع عريسنا، ويقدم لنا سرّ الغلبة والنصرة ضد الخطية، أي يقدم لنا إكليل الحياة الزوجية الروحية وإكليل النصرة.
* لقد اشترك (التلاميذ) لا في النار التي للاحتراق، بل النار المخلصة، النار التي تحرق الخطيئة وتهب النفس أمانًا. هذه تحل عليكم الآن وتنزع عنكم خطاياكم، وتحرقها كالشوك فتضيء نفوسكم الثمينة وتنالون نعمة... لقد استقرت على الرسل مثل ألسنة نارية لتتوجهم بأكاليل روحية جديدة فوق رؤوسهم [450].
17. حمل الشموع
بعد إتمام سرّي العماد والميرون، ويلبس المعمدون الجدد الثياب البيضاء، ويتوجون بالأكاليل بعد أن يُشد وسطهم بالزنار، يحملون المشاعل. في هذه اللحظات تدوي في الكنيسة تسابيح الفرح والتهليل. غالبًا ما ينشدون المزمور القائل: "الرب راعيَّ فلا يعوزني شيء..." إذ هو مزمور الأسرار الإلهية كما سبق أن رأينا.
يقول القديس كيرلس الأورشليمي [451] أن السماء ذاتها تتهلل، ويردد الملائكة القول: "طوبى للذي غُفِر إثمهُ وسًتِرَت خطيتهُ" (مز 32: 1). وفي طقس الكنيسة ينشد الشعب: "مستحق (أكسيوس)، مستحق، مستحق".
ثم يدخل الكل إلى صفوف المؤمنين، فتمتلئ الكنيسة بهم، ويشترك الكل في فرحتهم بقيامة السيد المسيح التي وهبت البشرية قوة القيامة.
يا لها من فرحة الشعب كله! يرون بأعينهم كنيسة المسيح التي لا تشيخ، بل ككرمةٍ مخصبة دائمة الأثمار. يرون الثياب البيضاء، فيذكر كل منهم ثوبه المقدس الذي تسلمه يوم عماده، عربونًا للثوب السماوي. وإذ يتطلعون إلى الشموع أو المشاعل ترتفع أنظارهم إلى النور الحقيقي، متذكرين أنهم أبناء نور لا تليق بهم أعمال الظلمة.
لقد وصف لنا الآباء كيف كان الليل يختفي بظلامه أمام كثرة المشاعل والشموع حتى متى أشرقت شمس النهار لا يميز من بداخل الكنيسة الليل من النهار، إذ تكون الكنيسة أشبه بسماء منيرة.
* في هذا الليل اللامع يختلط لهب المشاعل بأشعة شمس الصباح فتخلق نهارًا مستمرًا واحدًا بغير انقسام لا يفصله وجود ظلام [452].
* إنها تحمل معنى سريًا عن عملية الإنارة، حيث تدخل النفوس اللامعة البتولية لتقابل العريس بمصابيح الإيمان المتلألئة نورًا [453].
القديس غريغوريوس النزينزي
18. التناول من الأسرار الإلهية
إن كان التناول من الأسرار المقدسة ليس جزءً من طقس المعمودية لكنه عمل متلازم، فإن الإنسان الذي ينال الميلاد الجديد يدخل إلى مائدة أبيه لكي يأكل ويشرب، فينمو على الدوام في المسيح يسوع ربنا.
* حالًا بعد صعودهم من المياه يقودهم إلى المائدة المملوءة رهبة، المحملة ببركات لا حصر لها، ليتناولوا جسد السيد المسيح ودمه، ويصيروا مسكنًا للروح القدس، إذ يلبسون المسيح نفسه يصيرون كملائكة على الأرض أينما ذهبوا، مضيئين ببهاء أشعة الشمس [454].
* بعد قبولكم الميلاد السرائري بهذه الكيفية خلال العماد تقتربون من الطعام الخالد... [455]
* غنية هي هذه الحلي، لهذا يسرع المغتسلون نحو مذبح المسيح! [456]
19. وصية الإشبين
إذ تمتع المُعمد بالعضوية في جسد السيد المسيح الأقدس صار ابنا لله والكنيسة، هيكلًا مقدسًا للروح القدس، له حق الشركة في العبادة الكنسية. لهذا تسلمه الكنيسة -إن كان طفلًا- في يديْ الإشبين أو الإشبينة ليلتزم أو تلتزم بتقديم اللبن الإيماني غير الغاش، وتوصيه الكنيسة بذلك.
20. أكل اللبن مخلوطًا بالعسل
ذكر بنجهام [457] أن الذين ينالون سرّ العماد في الكنيسة الأولى يُقدم لهم خليطًا من اللبن والعسل. وقد ذكر العلامة ترتليان [458] هذه العادة وأيضًا التقليد الرسولي للقديس هيبوليتس. ولعل أكلهم اللبن يحمل رمزًا للبن النقي غير الفاسد الذي تقدمه الكنيسة لأولادها خلال إيمانه وطقوس عبادتها غذاءً لنفوسهم. والعسل يشير إلى وصايا السيد المسيح التي تصير عذبة في فم أولاده، إذ هي أحلى من العسل وقطر الشهد.
كما أن أكل اللبن المخلوط بالعسل يشير إلى الدخول إلى أرض الموعد الحقيقية الروحية التي تفيض لبنًا وعسلًا (خر 3: 8).
21. صلاة حل الزنار
في الطقس القبطي غالبًا ما يقوم الكاهن بنفسه بمساعدة المُعمد في ارتداء الثوب الأبيض، كما يربط زنارًا حول صدره، ويضع على رأسه إكليلًا [459]. الثوب الأبيض يشير إلى الطبيعة الجديدة التي وُهبت له تحمل نقاوة ملائكية، والزنار يشير إلى ارتباط المعمد بالكنيسة كعضوٍ حيٍّ فيها، والإكليل علامة الغلبة والنصرة على الشيطان والتمتع بالأمجاد الإلهية.
وفي طقس الكنيسة الأولى، إذ يتناول المعمدون حديثًا -غالبًا في عيد الفصح المجيد- يبقون إلى اليوم الثامن في محيط الكنيسة بملابسهم البيضاء، وكأنه أسبوع الفرح بميلادهم الروحي الجديد، يسمى "أسبوع الثياب البيضاء".
هذا الطقس لم يتوقف في الكنيسة القبطية في بعض بلاد الصعيد، وإن كان قد أُهمل تمامًا في البلاد الكبرى خاصة في الوجه البحري. وقد احتفظت المخطوطات القديمة وكتب الطقس الحديثة بطقس يمارس في اليوم الثامن من العماد المقدس، حيث تصلي ليتورجية تسمى "حل الزنار". في هذه الليتورجية تقدم الكنيسة ذبيحة شكر لله الذي وهب المعمد هذه النعمة العظيمة، وتطلب له ثباتًا ونموًا في النعم الإلهية. بعد الصلوات والتسابيح يستحم المعمد في المياه المُصلى عليها، وفيها يُغسل ثوبه الأبيض والزنار الذي كان مربوطًا به، ثم تلقى المياه في بحر أو نهر أو حقل طاهر.
اجتذبني هذا الطقس الجميل والبسيط في نفس الوقت، ورأيت أن أقدم مقارنة بينه وبين "طقس الحميم" في اليوم الثامن من ميلاد الطفل جسديًا، الذي وإن كنا نمارسه أحيانًا، لكن القراءات الواردة في الكتب الطقسية الحديثة تختلف عما وردت ببعض المخطوطات. وفي مقارنتي سأعتمد على مخطوط بدير القديس أنبا أنطونيوس (طقس 7)، نُسخ في 13 توت عام 1372ش (1655م) نقلًا عن مخطوط بمكتبة كنيسة العذراء حارة زويلة تاريخه سنة 1096ش (1379م).
أ. في اليوم الثامن من ميلاد الطفل جسديًا تقدم الكنيسة ليتورجية "حميم الطفل"، فيه تشكر الله من أجل المولود الجديد ويشترك الكاهن مع الوالدين في تسمية الطفل. وكأن الكنيسة تمارس أمومتها في حياة الإنسان منذ نعومة أظفاره حتى قبل نواله سرّ المعمودية، تشكر الله من أجل خلقته وتهتم حتى باختيار الاسم اللائق به. وفي اليوم الثامن من عماده تقدم ذبيحة شكر لله من أجل ميلاده الروحي، ومن أجل دخوله في العضوية الكنسية بكونه قد صار ابنًا لله وعضوًا في جسد السيد المسيح السري.
ب. في الطقس الأول يُقرأ البولس بعد صلاة الشكر دون الصلاة بمزمور التوبة (مز 50 "51")، أما في الطقس الثاني فيصلى هذا المزمور. ففي صلاة الحميم تقدم الكنيسة الليتورجية كذبيحة تسبيح وفرح بميلاده تنتظر دخوله إلى مياه المعمودية، أما في ليتورجية حل الزنار، فانه إذ دخل مياه المعمودية ونال الثوب الأبيض الداخلي يلتزم أن يحافظ على هذه النقاوة خلال أعمال التوبة غير المنقطعة.
ج. في ليتورجية الحميم تقرأ كلمات الرسول بولس عن ختان الجسد (في 1:3-9) الذي كان يتم في اليوم الثامن في العهد القديم، موضحًا إنه يليق بنا ألا نتكل على الجسد وبرّ الناموس بل على الإيمان بالمسيح يسوع برّنا الحقيقي. فإن كنا قد ولدنا حسب الجسد لكننا في حاجة إلى ولادة روحية جديدة لكي "نعبد الله بالروح ونفتخر في المسيح يسوع ولا نتكل على الجسد". أما في الطقس الثاني فتُقرأ كلمات الرسول عن تمتع الشعب بعبور البحر الاحمر تحت السحابة وتناولهم طعامًا واحدًا روحيًا وشرابًا من الصخرة التي هي المسيح (1 كو 10: 1-4). وكأن الكنيسة تعلن للمعمد أنه قد نال ما كان رجال العهد القديم يتمتعون بظلاله خلال الرموز. إنه لم يدخل البحر الاحمر، وإنما دخل المياه المقدسة الشافية، ولم يتحرر من عبودية فرعون، بل من سلطان إبليس، ولم يدخل تحت سحابة بل سكن الروح القدس فيه، ولم يأكل منًا، بل تمتع بالمسيح يسوع نفسه المن السماوي!
د. في الطقس الأول تطلب الكنيسة من الوالدين أن يسبحا الله على عطيته لهما ويقدما النذور الروحية والمحرقات والصلوات التي تسند طفلهما حتى ينمو في النعمة والقامة: "اذبح لله ذبيحة التسبيح، وأُوفِ للعلي نذورك. ادخل إلى بيتك بالمحرقات، واُقدم لك الصلوات التي نطقت بها شفتاي". وفي الطقس الثاني يطوبّ المزمور المُعمد من أجل عطية المغفرة التي نالها فيحافظ عليها: "طوباهم الذين غفرت لهم آثامهم، والذين سُترت خطاياهم. طوبى للرجل الذي لم يحسب له الرب خطيئة ولا وجد في فمه غش".
ه. في طقس الحميم يُقرأ فصل الإنجيل الخاص بختان السيد المسيح ودخوله الهيكل محمولًا على يديّ سمعان الشيخ، إذ انفتحت عيناه وأدرك الخلاص الذي قدمه الله لجميع الأمم (لو 2: 21-35). وكأن الكنيسة تؤكد للوالدين ضرورة ختان طفلهما روحيًا في المسيح يسوع، لكي يصير محمولًا على الأذرع الإلهية يتمتع بالسكنى في هيكل الرب، ويكون سرّ بركة للكثيرين. أما في طقس حل الزنار فيقرأ الإنجيل الخاص بمعمودية يوحنا (مت 3: 1-6) الذي هيّأ الطريق بالتوبة للرب، لكي يبقى المُعمد في حالة توبة مستمرة لكي لا يفقد ثمرة المعمودية.
و. في صلاة الحميم يطلب الكاهن من الله أن يبارك الطفل، وأن يهيئه للعماد المقدس:
[نسأل ونتضرع إلى صلاحك عن عبدك (فلان بن فلان).
باركه بكل البركات السمائية، وبارك أيضًا ميلاده،
وليطل عمره كنعمتك، حتى ينمو ويكثر ثلاثين وستين ومائة،
وليفرح به أبواه ويسرا بميلاده مثل زكريا وأليصابات اللذين وهبت لهما يوحنا النبي.
وفي الزمن المحدَّد فليستحق حميم الميلاد الجديد لغفران خطاياه.
أعده هيكلًا لروحك القدوس...]
أما في صلاة حّل الزنار فيشكر الله من أجل سرّ الاستنارة الذي ناله المُعمد، طالبًا أن يحفظه إلى الانقضاء في الإيمان المستقيم، ويؤهله للحياة الأبدية وملكوت السماوات بالمسيح يسوع ربنا:
[أيها السيد الرب إلهنا، مانح السلام والبركة...
الذي باركنا وقدسنا وأضاء علينا بنور لاهوته،
الذي جعل عبيده مستحقين أن ينالوا النور الذي من فوق، غير الموصوف، الذي لمسيحك يسوع مخلصنا.
أنر عليهم بنور البركة، طهرهم، باركهم.
جدّدهم بنعمتك من جهة المعمودية التي نالوها بقوة روحك القدوس المحيي...
باركهم ببركتك،
ثبتهم في إيمانك الأرثوذكسي إلى الانقضاء.
ائت بهم إلى حد القامة والبلوغ.
وليكونوا محروسين بين ملائكة صالحين إلى الانقضاء.
املأهم من المعرفة ومن كل فهم...
اجعلهم مستحقين الحياة الأبدية وملكوت السماوات بالمسيح يسوع ربنا..."
ز. في طقس الحميم يُرنم المزموران 148-149، ويشترك الطقسان في الصلاة الربانية وقراءة التحليل ورشم المياه ثم الترنم بالمزمور 150 والختام بالبركة بعد حميم الطفل أو المعمد.
أما في الكنيسة الأرثوذكسية البيزنطية فيقدم في اليوم الثامن من العماد طقس بسيط جدًا في ختامه يحل الكاهن الزنار والثوب الأبيض ويربط أطرافهما ويبلهما بماء نقي ويرش المُعمد وهو يقول:
[قد تبررت، قد استنرت، قد تقدست، قد اغتسلت، باسم ربنا يسوع المسيح وبروح إلهنا.]
ثم يتناول اسفنجة جديدة ويغمسها بالماء ويمسح بها أعضاء المعمد الممسوحة بالميرون المقدس ويقول: [قد اصطبغت، قد استنرت، قد تميزت، قد تقدست، قد اغتسلت، باسم الآب والابن والروح القدس. آمين [460].]
[322] Didache 7:4.
[323] Whitacker: Documents of the Baptismal Liturgy, P 47, 48.
[324] Dix 30.
[325] Contra Celsus 3:51.
[326] Cot. Lect. 1:3; 3:3; 4:36; 21:24.
[327] Confes. 1:11.
[328] الدكتور جورج حبيب، ص 49.
[329] De Symbole Sermon De Catechumens.
[330] De Peccotorum merelties 2:42.
[331] عظة المعمودية (15).
[332] Whitaker, P 38.
[333] Whitaker, P 39.
[334] Ibid P 47.
[335] Ibid P 46.
[336] Ibid P 46, 47.
[337] الترجمة السبعينية عوض أي 7:41.
[338] Cat. Lect. 3:11,12.
[339] J. Daniélou: The Bible and the Liturgy, P 35, 36.
[340] PG 33:333 A.
[341] PG 33:357 A.
[342] PG 46:416 C.
[343] للمؤلف: الكنيسة بيت الله، 1979، ص 410.
[344] المرجع السابق ص 407.
[345] المرجع السابق ص 406.
[346] Hom. Cat. 14:1.
[347] Dix 33 v 1-5a.
[348] PG 46:420 C.
[349] PG 33:1077 A.
[350] PG 46:420 C.
[351] Hom. Cat. 14:8.
[352] PG 33:1077 B, Myst. Hom 2:2.
[353] PG 33:1080 A.
[354] Hom. Cat. 14:8.
[355] PG 44:1003 D.
[356] PG 46:600.
[357] Whitaker, P 37, 38.
[358] Responsiones de Orthodoxos.
[359] Can 119:106-148.
[360] Apost. Const. 7:34.
[361] Myst. Hom 2:3.
[362] Whitaker, P 47,48.
[363] Ibid, P 37.
[364] Ibid, p 40.
[365] The Chaplet 3; The Shows 4.
[366] E. C. Whitaker, P x111.
[367] St. Basil: The Holy Spirit 27.
[368] Chaplet 3.
[369] Dix 34. V 9.
[370] Can 119:106-148.
[371] De Corona 13.
[372] The Early Litturgy, P 80.
[373] To The Catach. Hom 2.
[374] Cat. Lect. 1:4.
[375] Hom. Cat. 1:12.
[376] Theodore of Mops: Hom. Cat. 13:7.
[377] Ibid 13:8.
[378] Myst. Hom. 1:4-8.
[379] Hom. Cat. 12:19.
[380] Ibid 12:22.
[381] J. H. Crehan: Early Christian Baptism and the Creed, London 1948, P 209-219.
[382] Whitacker, P 37,39-40.
[383] PG 44:984 A.
[384] PL 9:446 B.
[385] St. Cyril. Jer: PG 33:1069 A.
[386] Hom. Cat. 13:5.
[387] F. J. Doelger: Die Sonne der Gerechtligkeit und die Schwarz, P 118-9.
[388] Myst. Hom 3:4.
[389] عظة 6:30، 5:1.
[390] De Sacramentis 1:2.
[391] Ibid 1:3.
[392] J. Daniélou: The Bible and the Liturgy, P 31.
[393] المؤلف: الكنيسة بيت الله، 1979، ص 71-80.
[394] St. Basil: De Spir. Sanct. 27.
[395] Mart. Polyc. 9:3.
[396] Whitacker, P 46.
[397] Cat. Hom 13:1.
[398] شرح مز 14.
[399] Canon of Hip., can 19:106-148.
[400] سبق أن قدمت مقارنة بين قوانين الإيمان المستنبطة من إيريناؤس وترتليان وكبريانوس ونوفيتوس وأوريجينوس ولوقيانوس ويوسابيوس وكيرلس الأورشليمي وقانون الإيمان النيقوي - القسطنطيني (راجع كتابنا قانون الإيمان للرسل ص 16-19 الموجود هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت).
[401] Epis. ad Mag. 6.
[402] Epideixis (Presenting of the Apostolic Preaching) 3;7.
[403] Epid. 6.
[404] Adv. Haer. 3:4.
[405] Epist. 69:7.
[406] Canon 19:106-148.
[407] H. E. 7:9.
[408] PL 16:423.
[409] In Ioan. Evang. 32:16.
[410] الديداكيّة 1:7-3.
[411] Dix 33, v 1-5.
[412] De Spiritu Scanto 27:16.
[413] De Baptismo 4.
[414] Epist. 70:1.
[415] Cat. Lect. 3:3,4.
[416] In Ep. 1 Cor., hom 1:7.
[417] In Io. Tract 80:3.
[418] De Sacr. 1:15.
[419] Hom. Cat. 14:9.
[420] Euchology of Serapion 19:1, 2.
[421] Apost. Const. 7:43.
[422] In Ioa. Evang. Tract. 118:5.
[423] الأسرار: فصل 2.
[424] D. Stone: Holy Baptism, P 169.
[425] Ecc. Heir. 27.
[426] The Shepherd: Ench. Patr. 92.
[427] Francoise Cuttaz: Divine Birth, 1962, p. 6 (n).
[428] St. Chrys: In Col., hom. 6.
[429] في حالة المرض الشديد يجوز العماد بالرش أو سكب الماء على رأس المريض ثلاث مرات.
[430] De Coron. Mil. 3.
[431] ضد براكسيان 26.
[432] In Bapt. Christii.
[433] In Bapt. Christii.
[434] Ecc. Hier. 2:251.
[435] Canon 19:133.
[436] Epis. 73:5.
[437] On the Holy Spirit 15.
[438] تفسير رسالة أفسس 4:2..
[439] De Sacr. 3:5; De Myst. 31,32.
[440] Myst. Hom. 3:1.
[441] Ad. Antolycum 1.
[442] Epis. 70:2; 73:9.
[443] Clem. Alex: Instructor.
[444] للمؤلف: سفر الرؤيا، طبعة 1969، ص 99، 100.
[445] Whitaker, P 49,50.
[446] الأسرار: 7.
[447] Cat. Lect. 3:16.
[448] ميمر عن المعمودية المقدسة.
[449] روفائيل أسقف بروكلين (للروم الأرثوذكس): الافخولوجي الكبير، نيويورك 1913، ص 346.
[450] Cat. Lect. 17:15.
[451] مقال 1.
[452] Oratin On Resur.
[453] Orat. On Bapt.
[454] Whitaker, P 41.
[455] Ibid, P 50.
[456] De Myst. 43.
[457] Bingham: Antiq. 12:4, 5, 6.
[458] The Chaplet 3.
[459] للأسف اختفى طقس وضع الإكليل على رأس المعمد، بالرغم من وجوده مطبوعًا حتى في الكتب الحديثة، مما يدل أنه كان يمارس في مصر إلى وقت قريب.
[460] روفائيل أسقف بروكلين: الافخولوجي الكبير، نيويورك 1913، ص 349-351.