موقف آباء الكنيسة والهراطقة في القرون الأولى منها
لم تنظر الكنيسة الأولى قط إلى هذه الكتب ولا إلى ما جاء فيها، ولم تقتبس منها مطلقًا، بل ولا يوجد مثيل لها في التسليم الرسولي مطلقًا، ولم تخرج عن دائرة من دوائر الكنيسة في الشرق أو الغرب، بل خرجت من أوساط الهراطقة وانتشرت بين بعض العامة والبسطاء لأنها تشبع رغبتهم وفضولهم لمعرفة الكثير عن حياة المسيح. ولم يذكر آباء الكنيسة الأولى أية روايات أو قصص عن شخص الرب يسوع المسيح غير الموجودة في الأناجيل القانونية (الإنجيل بأوجهه الأربع)، وقد عارضت هذه الكتب الأسطورية معارضة شديدة ورفضتها رفضًا تامًا. ولما كانت هذه الكتب رائجة بكثرة في العصور الوسطى، خاصة القرن الرابع والخامس والسادس، فقد رفضها القديس جيروم، وأدانها البابا داماسوس (366 – 384م)، والبابا أنوسنت الأول (401 – 417)، وحرمها القانون الجلاسياني، والذي وضعها تحت اسم؛ سلسلة أناجيل الطفولة الأبوكريفية المرفوضة(11).
وعلى عكس إيمان الكنيسة وآبائها فقد كانت هذه الكتب الأسطورية، بصورة جوهرية، هرطوقية، بل وأدوات دعاية دوسيتية غنوسية، أستخدمها الهراطقة لتوصيل أفكارهم وهرطقاتهم الغنوسية، وتوصيل تعليمهم الدوسيتي الذي قال عن المسيح أنه ظهر فقط في شبه وشكل جسد متجاهلة حقيقة وتدبير التجسد.
فبعد انتشار الأناجيل القانونية، (الإنجيل بأوجهه الأربعة)، والتي أعتمد عليها، أيضًا، وأنطلق منها جميع الهراطقة كقول القديس إيريناؤس: "الأرض التي تقف عليها هذه الأناجيل أرض صلبة حتى أن الهراطقة أنفسهم يشهدون لها ويبدأون من هذه الوثائق وكل منهم يسعى لتأييد عقيدته الخاصة منها" (12). فقد دعت حاجة هؤلاء الهراطقة لتوسيع وتمديد وتزويد ما جاء بها، وملء الفراغ الخاص بتفاصيل ميلاد المسيح وطفولته وصبوته، وتقديم وإعلان تعاليم هرطوقية لا وجود لها في الإنجيل الحقيقي. "وكانت أناجيل الطفولة مثالًا هامًا لهذا النوع من التوسع فتم توسيع آيات الأناجيل القانونية القليلة وتمديدها وتزويدها بإضافات ضخمة، وهنا وضُع في الاعتبار تأثير الشكل الأدبي للعالم المحيط" (13).
فقد كان الغنوسيون مهتمين بهذه القصص الخاصة بالطفولة وتشجيع انتشارها وعلقوا عليها أفكارهم الهرطوقية. واستخدموا روايات ظهورات المسيح القائم من الأموات مع حادثة دخوله الهيكل في سن الثانية عشرة وكل الأساطير التي نسبت لها، وقدموها في أطار مناسب كوّن، شكل، روايات الطفولة الغنوسية التي صورت المسيح فقط في مظهر إنسان دون أن يكون كذلك، وأنه لم يكن في الواقع في حاجة للنمو والتطور بحسب نموه الجسدي ومراحل عمره المختلفة، ولا لزيادة المعرفة، بل بدا في المنظر هكذا في أطواره المختلفه لأنه كان يمتلك الإعلان الكامل في ملئه وكماله، كما كان لديه قوة إعجازية غير محدودة لعمل المعجزات مهما كانت.