ويقول القديس أثناسيوس الرسولي:
" الكلمة باعتباره الكلمة ليس هو الذي تقدَّم، فهو الكامل من الآب الكامل، وهو لا يحتاج شيئًا بل هو يأتي بالآخرين إلي التقدُّم، ولكن كُتِبَ هنا أنَّه يتقدَّم إنسانيًا، حيث أنَّ التقدُّم هو خاص بالبشر، ولذا فالإنجيلي وهو يتكلَّم بدقَّة وحذر قد ذكر القامة عندما تحدَّث عن التقدُّم، ولكن لكونه الكلمة واللَّه فهو لا يُقاس بالقامة، التي تخصّ الأجساد، إذًا فالتقدُّم هو للجسد، لهذا ففي تقدُّمِه كان يزداد أيضًا ظهور اللاهوت أكثر فأكثر كلما ازدادت نعمته كإنسان أمام كلِّ الناس، فهو كطفلٍ حُمل إلي الهيكل، وحينما صار صبيًا بقي هناك في الهيكل وكان يسأل الكهنة حول الناموس. وكان جسده ينمو شيئًا فشيئًا والكلمة كان يُظهر نفسه فيه (في الجسد).. أنَّ التقدُّم في الحكمة، ليس هو تقدمًا للحكمة ذاتها، لكن بالأحري هو تقدُّم للناسوت في الحكمة لأنَّ يسوع "كَانَ يَتَقَدَّمُ فِي الْحِكْمَةِ وَالْقَامَةِ وَالنِّعْمَةِ" .. لأنَّه هكذا بازدياد الجسد في القامة كان يزداد فيه ظهور اللاهوت أيضًا ويظهر للكل أنَّ الجسد هو هيكل اللَّه، وأنَّ اللَّه كان في الجسد.. وكما قلنا، أنَّه تألَّم بالجسد، وجاع بالجسد، وتعب بالجسد، هكذا يكون معقولًا أيضًا أنْ يُقال أنَّه تقدَّم بالجسد لأنَّ أيّ تقدُّم مثل الذي شرحناه لا يمكن أنْ يحدث للكلمة بدون الجسد،لأنَّ فيه كان الجسد الذي وهو يدعوه جسده، وذلك لكي ما يظلّ تقدُّم البشر مستمرًا ولا يضعف، بسبب وجود الكلمة في الجسد. أذًا، فالتقدُّم ليس للكلمة كما أنَّ الجسد لم يكن هو الحكمة، ولكن الجسد صار جسد الحكمة، لذلك فكما سبق أنْ قلنا ليست الحكمة كحكمة هي التي تقدَّمت في ذاتها، ولكن الناسوت هو الذي تقدَّم في الحكمة، بأنْ يرتفع شيئًا فشيئًا فوق الطبيعة البشريًة وبأنْ يتألَّه ويصير ظاهرًا للجميع كأداة الحكمة لأجل عمل اللاهوت وإشراقه. لذلك فالبشير لم يقل: " أن الكلمة تقدم "، لكن " يسوع " وهو الاسم الذي دُعي به الربّ عندما صار إنسانًا حتي يكون التقدم هو للطبيعة البشريّة. [ضد الأريوسيين 3: 51-53].