رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أرنا الآب وكفانا (يو14: 8) بعد العشاء الرباني، تكلّم السيد المسيح عن بيت الآب السماوي والطريق إليه. فسأله توما الرسول: "يا سيد لسنا نعلم أين تذهب، فكيف نقدر أن نعرف الطريق؟" (يو14: 5). فقال له يسوع: "أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلاّ بي. لو كنتم قد عرفتموني لعرفتم أبى أيضًا. ومن الآن تعرفونه، وقد رأيتموه" (يو14: 6، 7). وحينما تكلّم السيد المسيح عن معرفة التلاميذ للآب ورؤيتهم له، وهى تلك التي تحققت من خلال الابن الوحيد الله الكلمة المتجسد، بدأ فيلبس يطلب رؤية الله، متجاهلًا حضور السيد المسيح الذي قيل عنه "الله ظهر في الجسد" (1تى3: 16)، وقال متعجلًا: "يا سيد أرنا الآب وكفانا" (يو14: 8). جاء طلب فيلبس منافيًا تمامًا لكلمات السيد المسيح عن الله الآب: "ومن الآن تعرفونه وقد رأيتموه" (يو14: 7)، ومنافيًا لحضور السيد المسيح باعتباره الله الظاهر في الجسد (انظر 1تى3: 16). ولكن عمانوئيل لم يغضب من هذا التجاهل لكلامه ولحضوره "الله معنا" (مت1: 23) بل أجاب في اتضاع وفي عتاب قائلًا: "أنا معكم زمانًا هذه مدته ولم تعرفني يا فيلبس؟! الذي رآني فقد رأى الآب. فكيف تقول أنت أرنا الآب؟! ألست تؤمن أنى أنا في الآب والآب فيَّ.." (يو14: 9، 10). ما قصده فيلبس بقوله: "أرنا الآب وكفانا" هو "أرنا الله وكفانا". وكأنه يجعل هناك فرقًا، أو فاصلًا بين السيد المسيح والله. أو أن الآب وحده هو الله، والسيد المسيح هو شاهد عن الله.. ولكن السيد المسيح أوضح له وللتلاميذ، أن الذي يرى المسيح فقد رأى الله الكلمة، الابن الأزلي.. والابن هو "صورة الله غير المنظور" (كو1: 15). والمقصود أنه صورة الله الآب غير المنظور. فالذي يرى الله الكلمة الظاهر في الجسد، يكون قد رأى الصورة الحقيقية لله الآب مثلما نقول أن الكلمة صورة العقل غير المنظور. وبهذا يكون قد رأى الله الآب. وقد قال أحد الفلاسفة: "كلّمني فأراك". وهذا ما عبّر عنه القديس يوحنا في بداية إنجيله بقوله: "الله لم يره أحد قط. الإله الوحيد الجنس الذي هو في حضن الآب هو خبّر" (يو1: 18). أيقونة الثالوث أشار قداسة البابا شنودة الثالث عدة مرات إلى الخطأ الذي أستُحدث في القرون الأخيرة، ووقع فيه بعض الفنانين الغربيين، حينما رسموا أيقونة للثالوث القدوس، استخدمتها بعض الكنائس في الغرب، يظهرون فيها الآب في صورة إنسان كبير السن ذي لحية بيضاء، وعن يمينه الابن في صورة شاب ذي لحية سوداء، والروح القدس في هيئة حمامة بيضاء مضيئة. وأوضح قداسته أن الابن باعتباره صورة الله الآب غير المنظور؛ فليس من الصواب أن يتم تصوير الآب بهذا الشكل! إن الآب "لم يره أحد قط" (يو1: 18). ولم نره إلاَّ في ابنه الذي هو صورته. كما أن اللحية البيضاء للآب، مع لحية سوداء للابن، قد تعطى انطباعًا بأن هناك فارقًا زمنيًا في الوجود بين الآب والابن، وهو ما ابتدعه أريوس الهرطوقي مدعيًا أن الأزلية هي للآب وحده. بينما نرى الكتاب المقدس يورد وصفًا للسيد المسيح في السماء في رؤيا يوحنا اللاهوتي: "وفى وسط السبع المناير شبه ابن إنسان متسربلًا بثوب إلى الرجلين، ومتمنطقًا عند ثدييه بمنطقة من ذهب. وأما رأسه وشعره فأبيضان كالصوف الأبيض كالثلج. وعيناه كلهيب نار. ورجلاه شبه النحاس النقي كأنهما محميتان في أتون. وصوته كصوت مياه كثيرة. ومعه في يده اليمنى سبعة كواكب. وسيف ماض ذو حدين يخرج من فمه ووجهه كالشمس وهى تضئ في قوتها،فلما رأيته سقطت عند رجليه كميت فوضع يده اليمنى علىَّ قائلًا لي: لا تخف أنا هو الأول والآخر، والحي وكنت ميتًا وها أنا حي إلى أبد الآبدين آمين. ولى مفاتيح الهاوية والموت" (رؤ1: 13-18). الذي رآه يوحنا هو السيد المسيح الذي مات حسب الجسد، وقام من الأموات، وصعد إلى السماوات حيث "رفع في المجد" (1تى3: 16). وقد رأى يوحنا شعر رأس السيد المسيح وشعر لحيته وهما أبيضان كالصوف الأبيض كالثلج، علامة أنه قديم الأيام وأزلي مثل الآب تمامًا، لأنه هو كلمة الله الذي له نفس الجوهر الذي للآب، والمولود منه قبل كل الدهور والأزمان. وليس من الممكن أن يوجد الله الآب بغير الكلمة الأزلي، إذ هو "قوة الله، وحكمة الله" (1كو1: 24)، "الكائن على الكل إلهًا مباركًا إلى الأبد آمين" (رو9: 5). إن أجمل أيقونة للثالوث هي أيقونة عماد السيد المسيح حيث نرى السماوات مفتوحة، والروح القدس يحل على السيد المسيح بهيئة حمامة، والآب يشهد بصوته قائلًا "هذا هو ابني الحبيب" (مت3: 17). السيد المسيح كمعلم لللاهوت لم يغضب السيد المسيح من كلام فيلبس. بل كمعلم سأله بطول أناة واتضاع: "الذي رآني فقد رأى الآب. فكيف تقول أنت أرنا الآب؟!" (يو14: 9). كان هدف السيد المسيح من كلامه هو أن يُصحح إيمان فيلبس وعقيدته اللاهوتية، حتى يمكنه أن يعرف الحق المؤدى إلى الحياة. فخاطبه بعدها قائلًا: "ألست تؤمن أنى أنا في الآب والآب فيَّ؟" (يو14: 10). ما أعجب السيد المسيح كمعلم لللاهوت، وهو يدعو تلاميذه إلى المعتقد القويم والإيمان الحق ويقول متوسلًا في حب واتضاع: "صدقوني أنى في الآب والآب فيَّ" (يو14: 11). |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|