منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 18 - 02 - 2014, 04:11 PM   رقم المشاركة : ( 91 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,346

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب

مزمور 90 - تفسير سفر المزامير
لتكن نعمة الله علينا!!

يأتي هذا المزمور في مقدمة الكتاب الرابع من سفر المزامير، والذي يمثل سفر العدد، أو سفر الرحلة في البرية تحت قيادة الله نفسه، الذي يظلل بنفسه عليهم كسحابة في النهار، ويقودهم كعمود نور بالليل، ويهتم حتى بطعامهم اليومي "المن النازل من السماء"، وشرابهم "الماء الخارج من الصخرة"... خلال هذه الرحلة التي استمرت قرابة أربعين عامًا، كان الكل محتاجًا إلا نعمة الله.
في بداية الرحلة تهلل موسى وشعبه ورنموا بتسبحة تُدعى "تسبحة موسى"، تسبحة شكر لعبورهم بحر سوف (خر 15). وقرب نهاية الرحلة قبل انتقاله قدم أيضًا نصائحه في شكل تسبحة (تث 32)، وها هو هنا يقدم تسبحة، يطلب فيها من أجل الأجيال كلها أن يتمتعوا بنعمة الله عليهم.
يقولالقديس جيروم[1] إن هذا المزمور يعتبر مقدمة للكتاب الرابع من سفر المزامير، حيث يقسم السفر إلى خمسة كتب. ويظن العبرانيون أنه ليس فقط هذا المزمور بل والعشرة مزامير التالية والتي بلا عناوين هي من وضع موسى النبي[2]، وأنه لم توضع لها عناوين لأنها تتبع هذا المزمور.

1. حاجة الأجيال إلى الله كملجأ
1-2.
2. سرعة زوال البشر
3-6.
3. تأديبات الله لأجل خطايانا
7-12.
4. فرح وتهليل بنعمة الله
13-17.
من وحي المزمور90
تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
العنوان

صَلاَةٌ لِمُوسَى رَجُلِ اللهِ
ورد تعبير "رجل الله" أكثر من أربعين مرة في الكتاب المقدس؛ وعندما تحدث الرسول بولس عن فاعلية الكتاب المقدس كتب: "لكي يكون إنسان الله كاملًا، متأهبًا لكل عملٍ صالح" (2 تي 3: 17).
* "صلاة لموسى رجل الله". حسنًا، يكتب موسى عن كيف خُلق الإنسان، وكيف سقط من مكانته، والآن يصلي من أجل هذا الذي سقط في الموت يقوم إلى الحياة. والذي سقط خلال الخطية بإغراء الشيطان يقوم للمجد بالمسيح[3].
القديس جيروم
* يُدعى هذا المزمور "صلاة لموسى رجل الله"، خلاله أعطى الله الشريعة لشعبه، وحررهم من بيت العبودية، وقادهم أربعين سنة في البرية. لذلك كان موسى خادمًا للعهد القديم، نبيًا للعهد الجديد. ويقول الرسول: "فهذه الأمور جميعها أصابتهم مثالًا، وكُتبت لإنذارنا نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهر" (1 كو 10: 11)[4].
القديس أغسطينوس
تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
1. حاجة الأجيال إلى الله كملجأ

يَا رَبُّ مَلْجَا كُنْتَ لَنَا فِي دَوْرٍ فَدَوْرٍ [1].
إذ يفتح الله حضنه لنا، لنسكن فيه في أمان، إنما تنعم الكنيسة - جماعة القديسين - عبر كل الأجيال بالشركة معًا. إنه يضم كل عضوٍ كما لو كان العضو الوحيد في الكنيسة، ويضم الكل معًا ليسكب كل حبه في الجميع دون نقص!
إذ يشعر المؤمن بغربته في هذا العالم، يطلب أن يسكن في الرب نفسه كملجأ له، يشعر فيه بالأمان.
* "يا رب ملجأ كنت لنا" يُستخدم الملجأ دائمًا حيث يوجد اضطهاد، فإن لم يوجد من يضطهدنا لا نكون في حاجة إلى ملجأ في آخر. "يا رب، أنت ملجأنا"، لأن حرارة الضيقة الشديدة والحارقة تنهكنا، فنطلب ملجأ تحت ظل جناحيك. "يا رب، أنت ملجأنا". نطير إلى حمايتك، لأن الوحش المرعب علينا، لأن لنا أضداد كثيرون وأعداء، فلتكن أنت ملجأنا[5].
القديس جيروم
* "يا رب كنت لنا ملجأ من جيل إلى آخر [1]، إما في كل جيلٍ، أو في جيلين: القديم والجديد. لأنه كما قلت كان خادمًا للعهد القديم الذي يخص الجيل القديم، ونبيًا للعهد الجديد الذي يخص الجديد. يسوع المسيح، كفيل ذاك العهد، وعريس في الزواج الذي دخل إليه في ذلك الجيل، يقول: "لو كنتم تصدقون موسى لكنتم تصدقونني، لأنه هو كتب عني" (يو 5: 46).
والآن لا تظنوا أن هذا المزمور بكامله وضعه موسى... إنما اُستخدم اسم خادم الله العظيم من أجل أمرٍ جوهري يوجه انتباه القارئ أو المستمع، إذ يقول: "يا رب ملجأ كنت لنا من جيل إلى آخر" [1][6].
* ليتنا نقول للرب إلهنا "يا رب ملجأ كنت لنا في دور فدور" (مز 90: 1). لقد كنت ملجأ لنا في الجيل الأول والثاني. لقد كنت ملجأ لنا، فولدنا نحن الذين لم نكن قبلًا موجودين.
لقد كنت ملجأ لنا فولدنا من جديد نحن الذين كنا أشرارًا.
لقد كنت ملجأ في إطعامك للذين هجروك، أنت ملجأ فتقيم أطفالك وتقودهم. "أنت ملجأ لنا"، إننا لن نهجرك، إذ خلصتنا من كل شرورنا وملأتنا بكل أعمالك الصالحة.
لقد وهبتنا إياها الآن وأنت تعاملنا برفقٍ حتى لا نخور في الطريق. إنك تصلحنا وتؤدبنا وتلطمنا وتوجهنا حتى لا نضل السبيل، فتعاملنا بحنان حتى لا نخور، أو تؤدبنا حتى لا نحيد عن الطريق[7].
القديس أغسطينوس
* الله ملجأ وقوة لكل من استطاع أن يقول: "أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني" (رو 4: 13)، فالله هو القوة. قد يقول الكثيرون: "الله ملجأنا" و"يا رب ملجأ كنت لنا" (مز90: 1). لكن قليلين يردودنها بالاستعداد الذي كان للنبي، قليلون هم الذين لا يتأثرون بالأمور البشرية... لكنهم متعلقون بالله... يستمدون منه شجاعتهم ويضعون فيه كل رجائهم وأملهم...
القديس باسيليوس الكبير
مِنْ قَبْلِ أَنْ تُولَدَ الْجِبَالُ،
أَوْ أَبْدَأْتَ الأَرْضَ وَالْمَسْكُونَة،
مُنْذُ الأَزَلِ إِلَى الأَبَدِ أَنْتَ اللهُ [2].
الله غير المتغير العامل في آبائنا لا يزال يعمل فينا، وسيعمل في الأجيال القادمة إلى يوم مجيئه. محبته أزلية غير محدودة وخالدة!
يرى القديس أغسطينوس أن الله السرمدي، الكائن قبل خلقة الطغمات السماوية السامية والمرتفعة كالجبال، وخلقة الإنسان الذي أوجده من التراب، هو ملجأ مستعد لحمايتنا متى التجأنا إليه.
* أنت الذي هو السرمدي، الكائن قبل أن نكون، وقبل أن يوجد العالم، صرت ملجأ لنا حالما نتوجه إليك. أما تعبير "قبل الجبال" فيبدو لي أنه يحمل معنى معينًا. فإن الجبال هي المناطق المرتفعة عن الأرض... فيقصد بالجبال ارتفاع الملائكة، وانحطاط الإنسان يُعنى بالأرض... إذ خلق الله الإنسان من تراب الأرض (تك 2: 7)[8].
القديس أغسطينوس
تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
2. سرعة زوال البشر

تُرْجِعُ الإِنْسَانَ إِلَى الْغُبَارِ وَتَقُولُ:
ارْجِعُوا يَا بَنِي آدَمَ [3].
جاءت الترجمة عن السبعينية: "فلا ترد الإنسان إلى المذلة، وقد قلت ارجعوا يا بني البشر".
إذ يرجع الإنسان عن الله مصدر حياته يعود إلى التراب في مذلة، أما إن رجع إلى الرب مخلصه، فيسمع الصوت الإلهي كأنه يقول: "أنت سماء، وإلى سماءٍ تعود".
* "لا ترد الإنسان إلى المذلة" [3]، أي لا تجعل الإنسان يرجع عن أمورك الأبدية السامية[9].
القديس أغسطينوس
* "لا تُرجع الإنسان إلى الغبار" يصلي موسى من أجل الإنسان، فماذا يقول؟ لا تسمح للإنسان أن يهلك، هذا الذي خلقته على صورتك. "لا تُرجع الإنسان إلى الغبار"، لا تتطلع إلى الجسم التافه، بل إلى استحقاق النفس. يكفينا أننا سمعناه مرة: "أنت تراب وإلى التراب تعود" (تك 3: 19)، وانسحقنا بسبب شعورنا بخطيتنا.
"لا تُرجع الإنسان إلى الغبار". لا تُرجعه بل تغَّيره، إذ تقول خلال كل الأنبياء: "ارجعوا يا بني البشر". لتكن هذه هي نهاية الخطية: التوبة، فيكون لكم الخلاص. "لا تُرجع الإنسان إلى الغبار" أرسل ابنك لكي يرفع جسد تواضعنا وبوسيلة حياة جديدة يرتفع إلى السماء متحررًا من عبودية الأرض[10].
القديس جيروم
لأَنَّ أَلْفَ سَنَةٍ فِي عَيْنَيْكَ مِثْلُ يَوْمِ أَمْسِ بَعْدَ مَا عَبَرَ،
وَكَهَزِيعٍ مِنَ اللَّيْلِ [4].
إذ يلتقي الإنسان بالله مخلصه ينعم بعربون السماء، فيحسب سنواته مهما طالت كلحظةٍ عابرةٍ، فيسلك بفرحٍ في رحلة عبوره هذه ليوجد مع الله أبديًا.
* بالمقارنة بسرمدية الله، كل امتداد حياة الإنسان قصيرة؛ مهما بدت لنا طويلة تُحسب كلا شيء بمقارنتها بالأبدي، إذ لها نهاية.
"كهزيع من الليل": يتكون الليل من أربعة هُزع تنقسم إلى فترات، كل فترة عبارة عن ثلاث ساعات... هذا إذن هو معنى الآية: ألف سنة في نظرك تُحسب ليس كقليلٍ من نهارٍ، وإنما مثل مسافة الثلاث ساعات من الليل... في بداية العالم عاش الإنسان قرابة ألف عام، والألف عام في عيني الله مثل هزيع الليل... عمر الإنسان يُحسب كلا شيء بالنسبة لسرمدية اللاهوت[11].
القديس جيروم
* يلزمنا أن نرجع إلى ملجأك، حيث لا يوجد عندك أي تغيير، من المشاهد الزائلة التي حولنا، فإنه مهما طال الزمن الذي يُشتهى فإن ألف سنة في عينيك ليس مثل أمس، وليس مثل "الغد" الذي يأتي، فإن كل الأزمنة المحدودة تُحسب كأنها عبرت فعلًا[12].
القديس أغسطينوس
جَرَفْتَهُمْ.
كَسِنَةٍ يَكُونُونَ.
بِالْغَدَاةِ كَعُشْبٍ يَزُولُ [5].
يرى القديس أغسطينوس أن الأمور الزمنية في الصباح تجف وتزول كالعشب. إنها تموت فتصير كالجثة الهامدة التي تفسد وتصير ترابًا. وكما قيل بإشعياء النبي: "كل جسدٍ عشب، وكل جماله كزهر الحقل... ييبس العشب، ذبل الزهر، وأما كلمة إلهنا فتثبت إلى الأب" (إش 40: 6، 8).
* هكذا تلك الأمور التي ليست قبلًا فأنها ستأتي، ولكنها ما أن تأتي سرعان ما تصير كأنها غير موجودة، لأنها لا تأتي لكي تبقى هنا، بل لتذهب[13].
القديس أغسطينوس
* "بالغداة (الصباح التالي) كعشب يزول". كما أن ندى الصباح يختفي سريعًا، هكذا تعبر حياة الإنسان صباحًا، أي في الشبوبية، حيث يظهر عن جديد في الصباح (المبكر). في الرجولة المبكرة (الشباب) وفي سن النضوج نحن نزهر. أما في الشيخوخة فننحدر، وزهرة قوتنا تذبل وتزول.
مساء شيخوختنا جاف وذابل ويرتبك بأمراضٍ متنوعة، وذلك بعد ذبول زهرة الشباب. "كل بشرٍ هو عشب، وكل مجدهم مثل زهر الحقل. العشب يجف، والزهرة تذبل، وأما كلمة الله فثابتة إلى الأبد" (راجع إش 40: 6-8).
نحن لا نزال أحياء، لكن جزءًا منا قد تبدد فعلًا في شيخوخة؛ وإن كانت نفوسنا كما هي إلا أننا نعاني من فقدان حيوية الشباب الأصلية، بمعنى حقيقي، صرنا إلى غير ما كنا عليه[14].
القديس جيروم
بِالْغَدَاةِ يُزْهِرُ فَيَزُولُ.
عِنْدَ الْمَسَاءِ يُجَزُّ فَيَيْبَسُ [6].
يعيش غير المؤمن في قلقٍ، لأن حياته مهما طالت، تنتهي يومًا ما كعشبٍ جفَّ وأقتلع. أما المؤمن فيرى في حياته رحلة مفرحة، يعبر خلالها في صحبة مسيحه إلى حضن الآب ليحيا إلى الأبد.
* حق الرب يطوِّق حوله، فلا يخاف من رعب الليل، ولا من شيء يسلك في الظلمة. لهذا "زبولون سيسكن بجوار البحر". هكذا يتطلع إلى سفن الآخرين وهي تغرق، أما هو فمتحرر من كل خطر. ربما يرى آخرين ينسحبون هنا وهناك على بحر هذا العالم، هؤلاء الذين يُحملون بكل ريح تعليم، أما هو فمتمسك بأرض الإيمان الصلبة[15].
القديس أمبروسيوس
تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
3. تأديبات الله لأجل خطايانا

لأَنَّنَا قَدْ فَنِينَا بِسَخَطِكَ،
وَبِغَضَبِكَ ارْتَعَبْنَا [7].
يخاف غير المؤمن ويرتعب من اللقاء الأبدي، أما المؤمن فيتهلل دومًا بغنى نعمة الله التي تفتح عينيه على مراحم الله وحبه.
* ليس بالأمر السري أن هذا المصير هو عقوبة الخطية... إننا نفنى في ضعفنا، ونضطرب من خوف الموت، لأننا صرنا ضعفاء وبذلك نخاف من نهاية هذا الضعف[16].
القديس أغسطينوس
* "حقًا قد فنينا بسخطك"، لأننا نستحق غضبك بسبب الخطية. لقد فقدنا في آدم الخلود الذي أعطيتنا إياه، إذ طبيعيًا بقانون الوراثة ورثنا الخطية. "بغضبك ارتعبنا". بدقة قال: "صرنا في رعبٍ"، لأن من يصير في رعبٍ لا يهلك. إنه يرتعب بعنفٍ في رعدة، فيشعر بقوة ذاك الذي استخف به بارتكابه الخطية، وفي خضوعٍ متواضع يلجأ إلى الندامة. "بغضبك ارتعبنا"، وذلك بسبب معاصينا، فصرنا في اضطرابٍ شديدٍ. ولكن إذ نؤمن بمسيحك ونتعرف عليه نستريح[17].
القديس جيروم
قَدْ جَعَلْتَ آثَامَنَا أَمَامَكَ،
خَفِيَّاتِنَا فِي ضُوءِ وَجْهِكَ [8].
في وسط الضيق يدرك الإنسان أن خطاياه وآثامه مكشوفة أمام الله، لكن خلال الصليب يرى روح الله يستر عليه فيرفعه خلال المعمودية إلى التبني لله.
* "قد جعلت آثامنا أمامك"، ليس من خطية واحدة تهرب منك؛ كل الشرور التي نرتكبها مكشوفة أمامك... كل لحظةٍ من حياتنا، كل شيءٍ نمارسه، مكشوف أمام عينيك، الظلمة نفسها ليست مخفية عنك[18].
القديس جيروم

تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
لأَنَّ كُلَّ أَيَّامِنَا قَدِ انْقَضَتْ بِرِجْزِكَ.
أَفْنَيْنَا سِنِينَا كَقِصَّةٍ [9].
* الأيام هكذا تعبر، والموت يقترب، حتى أن كل أيام حياتنا، أو حياتنا نفسها تعبر غالبًا في ضآلة، إنما هي واهنة. في الواقع، ما أقوله الآن وأنتم تسمعونه هو جزء من حياتنا. على أي الأحوال مهما اعتقدنا بأن أحدًا ما يربح نفسه إلا أنه هو فسحة من الوقت مستخدمة، جزء مفقود من فترة الحياة. فبينما نحسب أننا نكسب إذا بنا نحن نفقد[19].
* "سنيننا تُحسب كعنكبوت" فإذ نلاحظ عنكبوت على حائط ينسج خيوطًا، يصنع نسيجًا ينهار بعاصفة ريح مفاجئة، حتى كل إنجازات عمرنا تنهار بضربة مفاجئة لضيقٍ أو لموتٍ[20].
القديس جيروم
* "لأن كل أيامنا قد انقضت برجزك. أفنينا سنينا" [9]. هذه الكلمات هي برهان كافي أن خضوعنا للموت هو عقوبة. يتحدث عن أيامنا تفنى، إما لأن البشر يفنون فيها بحبهم للأمور الفانية، أو لأنها تقصر إلى عددٍ قليلٍ هكذا، الأمر الذي يؤكده في الخطوط التالية: "سنواتنا تنقضي مثل عنكبوت". "أيام سنيننا هي سبعون سنة، وإن كانت مع القوة فثمانون سنة، وأفخرها تعب وبلية"[21].
القديس أغسطينوس
أَيَّامُ سِنِينَا هِيَ سَبْعُونَ سَنَةً،
وَإِنْ كَانَتْ مَعَ الْقُوَّةِ فَثَمَانُونَ سَنَةً،
وَأَفْخَرُهَا تَعَبٌ وَبَلِيَّةٌ،
لأَنَّهَا تُقْرَضُ سَرِيعًا فَنَطِيرُ [10].
يرى القديس أغسطينوس أن الرقمين 70 و 80 لهما مفاهيم روحية. فالرقم 70 ينسب إلى رقم 7، أي السبت، وهو خاص بالعهد القديم، أما مع القوة أو قوة قيامة السيد المسيح فيتمتع الإنسان برقم 80 حيث ينسب لرقم 8 الخاص بقيامة السيد المسيح في اليوم الأول من الأسبوع أو الثامن من الأسبوع السابق، حيث يعبر الإنسان من الأمور الزمنية إلى الأمور الأبدية. العهد الجديد فيه رجاء الحياة الجديدة المقامة. مع هذا فإن حياتنا تعب وألم، كقول الرسول: "نئن في أنفسنا متوقعين التبني فداء أجسادنا؛ لأننا بالرجاء خلصنا، ولكن الرجاء المنظور ليس رجاءً، لأن ما نظره أحد كيف يرجوه أيضًا؛ ولكن إن كنا نرجو ما لسنا ننظره فإننا نتوقعه بالصبر" (رو 8: 23-25).
لا نعجب إن كان موسى النبي قد بدأ خدمته وهو في الثمانين من عمره، وكانت رسالته شاقة، تحتاج إلى وقفة حازمة مع فرعون ورجاله، في وقت كان شعبه العبراني في غاية الانهيار. وعندما خرج موسى وهرون من لدن فرعون: "قالوا لهما: ينظر الرب إليكما ويقضي، لأنكما أننتما رائحتنا في عيني فرعون وفي عيون عبيده حتى تعطيا سيفًا في أيديهم ليقتلونا" (خر 5: 21). أما عن مشاق الرحلة في البرية وتذمر الشعب عليه، وقيام الأعداء ضده... أمور لا يحتملها شاب قوي البنية. كيف يقول الآن: أيام سنيننا... مع القوة فثمانون سنة"؟ لقد شعر كأن حياته قد انتهت بعد الثمانين، أما الأربعون سنة التي خدم فيها حتى بلغ المئة وعشرين عامًا فهي عطية من الله للعمل. إنها ليست سنواته، لكنها سنوات خاصة مقدمة له لأجل الخدمة!
* "أيام سنيننا هي سبعون سنة". انظروا كيف اقتضبت الحياة البشرية تدريجيًا. في البداية تسلمنا في الفردوس عطية الحياة الأبدية التي فقدناها بالعصيان. وبعد ذلك حياة القدامى نقصت إلى ألف سنة، والآن في أيامنا صارت بالكاد سبعين.
"أيام سنيننا هي سبعون سنة، وإن كانت مع القوة فثمانون سنة، وأفخرها تعب وبلية". أغلب سنيننا بلا ثمر، تعب. هذا ما قلناه: ما توقعناه ربحًا في حياتنا نجده تعبًا وخسارة. حيث توجد زيادة في السنوات تكون شيخوخة. وحيث تكون الشيخوخة يوجد المرض. وحيث المرض يكون الألم والكرب، وحيث الكرب يوجد شوق نحو الموت[22].
القديس جيروم
* هذه سمات غير المؤمنين والشكاكين، أنك إن فكرت هكذا وهذا ممكن أن يحدث وسيحدث، أن الشرير سوف يتمتع بنصيبٍ مساوٍ لنصيب البار، فهذا يدل على حماقة كبيرة ماذا تقول؟ إذا كان الرجل الغني عندما يرحل ويأخذ عقابه في الآخرة فهل سيعاقب واحدة بواحدة؟ كيف تحكم بذلك؟ كم عدد السنوات التي تتصور أنه تمتع فيها بثروته في هذه الحياة؟ هل تتصور مائة عام؟ أنا مستعد لقول مائتين أو ثلاثمائة أو أضعاف ذلك، أو إذا أردت حتى ألف عام، وهذا مستحيل، لأنه مكتوب: "أيام سنينا هي سبعون سنة. وإن كانت مع القوه فثمانون سنة" (مز 10:90)، ولكن دعنا نقول حتى ولو مائة سنة. إنك لا تستطيع أن تذكر لي وتريني حياة ليس لها نهاية وليس لها حد. هل تستطيع؟ قل لي هل لو رأى شخص في خلال مائة عام حلم جميل ذات ليلة وتمتع أثناء نومه برفاهية وترف كثير، ففي هذه الحالة هل يستطيع القول أن أحلام ليلة واحدة مكافئة ومساوية للمائة عام؟ لا تستطيع القول بذلك، لهذا لابد أن تفكر بنفس الأسلوب عن الحياة الآتية، فكما هو حلم ليلة واحدة بالنسبة لمائة عام هكذا حياتنا الحالية بالنسبة للحياة الآتية مع الاختلاف الكبير. وكمثل قطرة صغيرة بالنسبة للبحر الغير محدود وهكذا ألف عام بالنسبة للتمتع بالمجد العتيد[23].
* هل أنت قلق بخصوص النهاية؟ إنها بالحقيقة قريبة جدًا، ولكن حياة كل إنسانٍ وموته أقرب جدًا، إذ قيل: "أيام سنيننا هي سبعون سنة، وإن كانت مع القوة فثمانون سنة" (مز 90: 16)[24].
القديس يوحنا الذهبي الفم
* ماذا عن يعقوب؟ وهو الذي تربى في بيت أبيه، ألم يحتمل متاعب أكثر ثقلًا من جده؟ ... اسمع ما قاله عن حياته كلها: "أيام سنيّ غربتي مائَة وثلثون سنة. قليلة ورديَّةً كانت سنيّ حياتي، ولم تبلغ إلى أيام سنيّ حياة آبائي في أيام غربتهم" (تك 9:47). ثم بعد أن رأى ابنه جالسًا على العرش الملكي متمتعًا بالمجد هل ينسى متاعب الماضي؟ فبالرغم من أنه اُبتلى بالكثير من البلايا، فإنه وهو في هذا الرخاء لم ينسَ المتاعب التي مرت به.
وماذا عن داود؟ كم من المحن تحملها؟ ألم يتغنَّ بمثل ما تغنى به يعقوب: "أيام سنينا هي سبعون سنة. وإن كانت مع القوة فثمانون سنة، وأفخرها تعب وبلية" (مز 10:90).
وماذا عن إرميا؟ ألم يلعن يوم مولده بسبب توالي النكبات قائلًا: "ملعون اليوم الذي وُلِدت فيهِ. اليوم الذي ولدتني فيه أمي لا يكن مباركًا" (إر 14:20)[25].
القديس يوحنا الذهبي الفم
* قيل عن أنبا أبوللو الذي من الإسقيط إنه كان راعيًا وكان فظًّا جدًا. وفي أحد الأيام رأى امرأةً حبلى في الحقل، وبإغراء من الشيطان قال: "أحب أن أرى كيف يرقد الطفل في رحمها". وهكذا شقّ بطنها ورأى الجنين. وفي الحال اضطرب قلبه وامتلأ من وخز الضمير، فذهب إلى الإسقيط وأخبر الآباء عمّا فعله، فسمعهم ينشدون: "أيام سنينا هي سبعون سنة، وإن كانت مع القوة فثمانون سنة، وأفخرها تعبٌ وبليّة" (مز 90: 10). فقال لهم: "أنا في الأربعين من عمري ولم أصنع صلاة واحدة، والآن إذا عشتُ سنةً أخرى فلن أتوقف عن الصلاة لله حتى يغفر لي خطاياي." وفي الحقيقة إنه لم يشتغل بيديه، ولكنه قضى وقته كله في الصلاة قائلًا: "أنا أخطأتُ كإنسان، فاغفر أنت كإله!" وهكذا صارت صلاته هي نشاطه نهارًا وليلًا.
فردوس الآباء
مَنْ يَعْرِفُ قُوَّةَ غَضِبَكَ،
وَكَخَوْفِكَ سَخَطُكَ [11].
من يدرك سرّ الصليب يعرف ماذا فعلت الخطية، فيهرب من الغضب الإلهي إلى المحبة الإلهية الفائقة.
* إن كانت قوة غضب الإنسان تقتل الجسد، وليس لها أن تفعل أكثر، فإن قوة (سلطان) الله أن تعاقب هنا، وبعد الموت يُرسل الجسد الجحيم، لكن قليلين تعلموا هذا[26].
القديس أغسطينوس
إِحْصَاءَ أَيَّامِنَا هَكَذَا،
عَلِّمْنَا فَنُؤْتَى قَلْبَ حِكْمَةٍ [12].
أيامنا هكذا قليلة للغاية، حتى تبدو كعشبٍ ابن ليلة، سرعان ما يظهر لتضربه الشمس، فيجف وييبس ويُجَّز. هكذا غضب الله مرعب للغاية، فماذا يطلب موسى النبي؟ أن يعلمنا الله ويهبنا حكمته الإلهية. هذا ما يقدمه لنا في هذا المزمور الذي وإن تكلم بإسهاب عن سرعة زوال البشر وعن غضب الله وسخطه لكنه يبدأ بتقديم الله نفسه ملجأ للبشر كي يسكنوا بأمان فيه [1]، وينتهي بطلب نعمة الرب إلهنا لتعمل فينا [17]. كأن الله أشبه بطائر يحتضن صغاره بجناحيه من هنا وهناك، ليضمها إلى صدره ويهبها الأمان. يحوط النبي حديثه عن الغضب الإلهي بالحنو الإلهي والنعمة الإلهية في البداية والنهاية ليهبنا سلامه الحقيقي.
تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
4. فرح وتهليل بنعمة الله

اِرْجِعْ يَا رَبُّ.
حَتَّى مَتَى؟
وَتَرَأَّفْ عَلَى عَبِيدِكَ [13].
بالصليب يرجع الله إلينا، فيرى صورته معلنة فينا، وعوض الغضب نذوب في حبه العجيب. بالصليب تحققت المصالحة، فصرنا موضع سرور الله، لنا حق التمتع بالشركة في الأمجاد السماوية.
* هذه هي كلمات أولئك الذين يحتملون شرورًا كثيرة في هذا العصر الذي فيه اضطهاد، فإن قلوبهم تُربط بقيود الحكمة بشدةٍ، حتى أن هذه المتاعب لا تقدر أن تحثهم على الطيران (الهروب) من ربهم لأجل خيرات هذا العالم. "إلى متى تحجب وجهك عني، يا رب" (راجع مز 13: 1)؟
القول: "حتى متى" [13] يُنسب إلى طلب البرّ، لا إلى عدم الصبر الساخط[27].
القديس أغسطينوس
* "ارجع يا رب! حتى متى؟" ارجع يا رب وتطلع على صورتك، لا تعطنا ظهرك، بل وجهك. "ارجع! حتى متى؟" الذي يقول: "حتى متى؟" يوضح أنه مملوء شوقًا وغير قادر على احتمال تأخير شوقه[28].
القديس جيروم
أَشْبِعْنَا بِالْغَدَاةِ مِنْ رَحْمَتِكَ،
فَنَبْتَهِجَ وَنَفْرَحَ كُلَّ أَيَّامِنَا [14].
جاء عن الترجمة السبعينية: "قد امتلأنا وقت الغدوات من رحمتك".
لن يطلب المرتل أن يصرف الله غضبه عنه فحسب، وإنما يعيش كل أيامه متهللًا بالرب محبوبه.
* هكذا تتوهج أمامنا نبوة، في وسط أتعابنا وأحزاننا الليلية، مثل مصباح في الظلمة، حتى يأتي فجر النهار، كوكب الصبح يطلع في قلوبنا (2 بط 1: 19) فإنه طوبى للأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله؛ عندئذ يمتلئ البار بتلك الطوبى التي يجوع إليها الآن ويعطش (مت 5: 6، 8). بينما يسيرون بالإيمان هم متغربون عن الرب (2 كو 2: 6). من هنا تأتي الكلمات: "أمامك شبع سرور" (مز 16: 11)، "بالغداة يقفون وينظرون إلى فوق" (راجع مز 5: 3)... "أشبعنا بالغداة من رحمتك" [14]، عندئذ يشبعون، وكما قيل في موضع آخر: "أشبع حين يُعلن مجدك" (راجع مز 17: 15)...
"فلنبتهج ونفرح كل أيامنا" [14]. تلك الأيام هي أيام بلا نهاية، توجد كلها معًا. بهذا فهي تشبعنا، لأنها لا تعطي مجالًا لأيام تلحقها، إذ لا توجد أيام بعد تلحق بنا، ولا توجد أيام تنتهي لأنها تعبر. كل الأيام معًا. إنه يوجد واحد فقط يبقى دون أن يعبر، إنها الأبدية عينها[29].
القديس أغسطينوس
* تُعلن الأسرار في المزمور خلال أشكال رمزية. موسى هو رمز للجنس البشري، يطلب من ابن الله أن يدبر نزوله إلى الأرض. إنه صلى: "لتُعرف يمينك"، والآن يُدرك أن صلاته قد وُهبت له، فعاد يصلي ثانية: "أشبعنا عند الفجر (بالغداة) من رحمتك" عندما يقوم ابنك من بين الأموات. لأنه في المساء نزل لأجلنا إلى ظلال الموت ليسحبنا عند الفجر؛ في تلك الساعة اختبرنا ملء مراحمك... رحمتك دائمًا تُعلن لعبيدك المخلصين، ولكن لن تكون واضحة هكذا وبفيض مثلما عندما قام مخلص الكل من الأموات لأجل خلاص كل واحد.
"فنبتهج ونفرح". بعد فرح قيامة ربنا التي بها نؤمن أننا نخلص ونقوم في يوم الدينونة، نفرح بقية أيامنا ونتهلل بكمال الثقة، ونسبح الله بتسابيح وأغانٍ روحية بالمسيح يسوع ربنا الذي له المجد إلى أبد الأبد. آمين[30].
القديس جيروم
فَرِّحْنَا كَالأَيَّامِ الَّتِي فِيهَا أَذْلَلْتَنَا،
كَالسِّنِينِ الَّتِي رَأَيْنَا فِيهَا شَرًّا [15].
جاء عن السبعينية: "عوض الأيام التي أذللتنا فيها، والسنين التي رأينا فيها الشرور".
لم يرد المرتل أن يركز أنظاره على أيام المذلة بالخطية، بل يعيش أيام الفرح والتهليل بخلاص الله.
* ليت نفوسنا تشتهي دومًا هذه الأيام. لتعطش بغيرة نحوها، حيث فيها نشبع ونمتلئ![31]
القديس أغسطينوس
لِيَظْهَرْ فِعْلُكَ لِعَبِيدِكَ،
وَجَلاَلُكَ لِبَنِيهِمْ [16].
جاء عن السبعينية: "انظر إلى عبيدك وأعمالك".
* لأن عبيدك هم أنفسهم أعمالك، ليس فقط بكونهم بشرًا، وإنما بكونهم عبيدك، أي بكونهم مطيعين لوصاياك. لأننا نحن عمله، مخلوقين ليس فقط في آدم، بل في المسيح يسوع لأعمال صالحة، أعدها الله قبلًا لكي نسير فيها (أف 2: 10). "لأن الله هو العامل فيكم، أن تريدوا وأن تعملوا من أجل مسرته" (في 2: 13). "وأهدِ بنيهم" [16]، ليكونوا مستقيمي القلوب، فإن الله سخي مع مثل هؤلاء. الله سخي مع إسرائيل، أي مع المستقيمين في قلوبهم[32].
القديس أغسطينوس
وَلْتَكُنْ نِعْمَةُ الرَّبِّ إِلَهِنَا عَلَيْنَا،
وَعَمَلَ أَيْدِينَا ثَبِّتْ عَلَيْنَا،
وَعَمَلَ أَيْدِينَا ثَبِّتْهُ [17].
جاء عن السبعينية: "وليكن نور (بهاء) الرب إلهنا علينا".
يرى القديس أغسطينوسأن المزمور ينتهي بالعبارة: "عمل أيدينا"، وقد جاءت كلمة "عمل" بصيغة المفرد لا الجمع، لأن نهاية الوصية هي المحبة من قلب طاهر وإيمان بلا رياء (1 تي 1: 5). إنه يوجد عمل واحد فيه يكمن الكل "الإيمان العامل بالمحبة".
* من أجل ذلك جاءت الكلمات: "ارفع علينا نور وجهك يا رب" (مز 4: 6) و"عمل أيدينا ثبت علينا" [17]،حتى نمارسه لا من أجل مكافأة أرضية، وإلا فلا يكون مستقيمًا بل معوجًا. جاءت في كثير من النسخ الإضافة التالية: وعمل أيدينا مستقيمة (ثبته)"... معنى هذه العبارة -إن كنا نفسرها- تبدو لي أن كل أعمالنا الصالحة هي عمل المحبة الواحد. لأن المحبة هي تكميل الناموس (رو 13: 10)، فقد جاءت كلمة "عمل" هنا بصيغة المفرد[33].
القديس أغسطينوس
* تقول النفس، المرآة الحيّة التي تملك الإرادة الحرة: "عندما أنظر إلى وجه حبيبي، ينعكس جمال وجهه عليّ". يقلد بولس هذه الكلمات بوضوح بقوله: "وفيما بعد لا أحيا أنا بل المسيح يحيا في. أما الحياة التي أحياها الآن في الجسد، فإنما أحياها بالإيمان في ابن الله، الذي أحبني وبذل نفسه عني" (غل 20:2). وعندما يقول: "فالحياة عندي هي المسيح" (في 21:1)، يصرخ بولس أنه نقى نفسه من أي هوى بشري مثل الحزن، الغضب، الخوف، الجبن، الأهواء القوية، الكبرياء، الحماقة، الرغبة الشريرة، الحسد، الانتقام، حب التملك والمكسب أو أية عادة قد تؤدى إلى تخريب النفس. هو وحده الذي يملأ نفسي، هو وليس أي شيء مما سبق ذكره. لقد نُزعت عني كل طبيعتي الخارجية الظاهرة، ولم يبقَ بداخلي أي شيء غير المسيح. حقيقة الحياة عندي هي المسيح" أو كما تقول العروس: "أنا لحبيبي، وحبيبي لي" هذا هو الطهر والنقاء وعدم التلوث والنور والحق الذي يغذي نفسي. إنه لا يغذي بالعشب الجاف أو بالشجيرات، ولكن بروعة قديسيه. يوحي السوّسن ببهاء وإشعاع ألوانه الجميلة... فالذي يتغذى بين السوّسن يقود قطيعه إلى مروج السوّسن حتى تكون: "نعمة ربنا علينا" (مز 17:90)[34].
القديس غريغوريوس النيسي

تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
من وحي المزمور 90

أرجع إلينا وأعلن خلاصك لنا!


* غريب أنا على الأرض،
ليس لي موضع استقر فيه في أمان.
لكن حضنك الإلهي يدعوني وينتظرني.
أنت تُسر بي، فأنا عمل يديك،
وأنا أسر بك، فأنت حياتي وبهجة قلبي.
* على الصليب أراك، فتئن نفسي على خطاياي.
ارتعبت أعماقي بسبب تهاوني.
لكن حبك رفعني كما إلى السماء.
روحك القدوس سند لي.
عوض المرارة تمتلئ نفسي فرحًا.
تصرخ أعماقي بهتافٍ،
من أجل نعمتك العاملة في البشرية!
لتعمل دومًا فأحفظ وصيتك،
وأسلك بروحك القدوس لأنعم بأمجادك!
  رد مع اقتباس
قديم 18 - 02 - 2014, 04:15 PM   رقم المشاركة : ( 92 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,346

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب

مزمور 91 (90 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير
حماية العلى لأتقيائه


تعلمت في طفولتي من الجو الكنسي في صعيد مصر ما لهذا المزمور من امتياز، فغالبًا ما كان الآباء الكهنة والرهبان يطلبون من المتألمين أن يتغنوا بهذا المزمور. وقد اعتاد البابا كيرلس السادس أن يكتب الآية الأولى من هذا المزمور للذين يسألونه البركة.
يرى بعض الدارسين أن هذا المزمور يُقدم للمؤمنين القادمين إلى أورشليم للتمتع بالهيكل، كما بجناحين يحتضنهم ويحفظهم خلال الشعور بالحضرة الإلهية الصادقة واهبة السلام الداخلي.
يرى البعض أن هذا المزمور أروع لؤلؤة بين مزامير التعزيات. ويقول Muis بأنه لا يُوجد في اللاتينية أو اللغات الحديثة ما يضاهي جمال هذا المزمور، ولا توجد قطعة شعرية في اليونانية واللاتينية تقارن بهذه القطعة الشعرية العبرية[1].
مزمور مسياني، ليس فقط لأن الشيطان اقتبس الآيتين 11، 12 (مت 4: 6؛ لو 4: 10-11) في أثناء التجربة في البرية، وإنما لأن ما ورد فيه يتمتع به المؤمن في المسيح يسوع صخرتنا الحقيقية، كما كان اليهود القدامى أيضًا يحسبونه مزمورًا مسيانيًا.
يكرر المرتل اسم الله، ذاكرًا أربعة ألقاب له: وهي Gel-yohn (العلي)؛ شاداي (القدير) وهو اسم الله الخالق؛ وألوهيم (الله)؛ يهوه (الرب) الذي يسكن وسط شعبه.
* هذا المزمور هو الذي من خلاله تجاسر الشيطان أن يجرب ربنا يسوع. لهذا ليتنا نصغي إليه، حتى نتسلح، ونستطيع أن نقاوم المجَّرب، ليس بأن نجسر بأنفسنا، بل بذاك الذي جُرب قبلنا، حتى نغلب متى جُربنا. التجربة بالنسبة له لم تكن إلزامية، إنما كانت تجربة المسيح هي لتعليمنا... لندخل إذن من الباب، كما تقرأون في الإنجيل. وما هو الدخول من الباب؟ هو دخول بالمسيح القائل: "أنا هو الباب" (يو 10: 7). والدخول بالمسيح هو الاقتداء به[2].
القديس أغسطينوس

1. حماية العلي للمؤمن
1-2.
2. المؤمن المتمتع بالحماية الإلهية
3-13.
3. الوعد الإلهي بخلاصه
14-16.
من وحي مز 91
تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
1. حماية العلي للمؤمن

اَلسَّاكِنُ فِي سِتْرِ الْعَلِيِّ،
فِي ظِلِّ الْقَدِيرِ يَبِيتُ [1].
كثيرًا ما يعاني الإنسان - حتى الطفل - بالشعور بالغربة والعزلة، حتى صرخ المرتل: "أبي وأمي قد تركاني"، لكن المؤمن خائف الرب يشعر بالطمأنينة والحرية وهو في حضن الله. إنه يشعر بالدفء الأبوي الإلهي مع الشعور بالرعاية والطمأنينة.
الكلمة العبرية المترجمة هنا "الساكن" تحمل مع السكنى نوعًا من الحماية.
مسيحنا -رأس الكنيسة- في حضن الآب، هذا السرً لا تقدر أن تتعرف عليه خليقة سماوية أو أرضية، فإنه يقول "من عند الآب خرجت". وكأنه خرج ليحملنا فيه، ويدخل بنا إلى ستر العلي، نستقر أبديًا في الأحضان الإلهية.
* هكذا تفكر النفس التي تحب الله: الله هو موضعها؛ ولا تعرف موضعًا آخر تسكن فيه، ولا تقطن في موضعٍ إلا في الله، كما هو مكتوب: "الرب مسكن لنا إلى جيل الأجيال". إذًا حيثما يوجد المسيحي الحقيقي، يسكن في الله، ويسكن الله فيه، ولا يتكل على الموطن ولا الموضع. لهذا لا يحتاج إلى التنقل من موضعٍ إلى موضعٍ مثيله. لأجل هذا أتوسل إلى محبتك أن تخدم إلهك بالمحبة الإلهية، كما أنت وحيثما وُجدت[3].
القديس مار يعقوب السروجي
* الذي سلَّم نفسه بجملته إلى عون إله السماء، ذاك يلبث مستورًا من كل ضرر. أيضًا يقول القديس أثناسيوس: إن عون العلي هو شرائع الله، لأنها ُأعطيت لنصرتنا مقابل الأعداء غير المنظورين، فالذي يستتر بسننها يسكن في هذا العون.
الأب أنسيمُس الأورشليمي
* ذاك الذي يسكن في يسوع... كما يقول الرسول (2 كو 5: 1)، يبني بيته بدون أيادٍ بشرية، هذا البيت الذي بناه الرب للقابلتين في مصر (خر 1: 21)، "يسكن في ستر إله السماء[4].
القديس جيروم
* عندما تعاني من متاعب العالم التي يصبها الشيطان على البشر علانية أو خفية كما في حالة أيوب، تشجع، وكن طويل الأناة، فإنك تسكن تحت حماية العلي، كما يعبر عن ذلك المزمور. فإنك إن تركت عون العلي دون نوال قوة لعونك، تسقط... لا تخف عندما تتمثل بالمسيح. لأنه عندما جُرب ربنا لم يكن إنسان (معه) في البرية. لقد جربه (إبليس) سريًا، وهُزم، كما هُزم عندما جربه علانية... من يقتدي بالمسيح هكذا فيحتمل كل متاعب هذا العالم برجائه في الله لا يسقط في شبكة، ولا تحطمه مخاوف مرعبة. إنه الساكن في ستر العلي، يقطن تحت حماية الله[5].
القديس أغسطينوس
أَقُولُ لِلرَّبِّ: مَلْجَأي وَحِصْنِي.
إِلَهِي فَأَتَّكِلُ عَلَيْهِ [2].
حين يشعر الإنسان بكثرة الأعداء وقوتهم، ويدرك ضعفه يبحث عن ملجأ يحتمي فيه. هذه هي إحدى بركات الحرب الروحية مع إبليس وقوات الظلمة، إنه يكشف عن حاجته إلى الله كملجأ له، وكحصنٍ لحياته. يجد في الله الصدر الوحيد الكفيل بالاتكاء عليه.
ليكثر الأعداء ولتتشدد مقاومتهم لي، فإني وإن ارتعبت في البداية، لكنني أرى في الله حمايتي. إنه القدوس القادر لا أن ينقذني من فساد الخطية ويحميني منها، وإنما يمتعني بالقداسة. اختفي فيه فلا ارتعب من عنف الأعداء وقسوتهم، بل أنعم بقوة إلهية فائقة. فيه أختفي وأستتر ببرِّه وحكمته وكماله؛ تكتسي نفسي بسمات سماوية هي من فيض النعمة الإلهية.
* بحق قال: "ملجأي"؛ إذ يوجد مضطهدون كثيرون، وأنت وحدك ملجأي. توجد جراحات كثيرة، وأنت وحدك الطبيب[6].
* إني محاصر بواسطة الأعداء، لهذا فأنت ملجأي... مادمنا مستمرين في حياة الخطية بالتأكيد نحن لا نتكل عليه، لكن إذ نضع نهاية للخطية يصير رجاؤنا موثوقًا فيه[7].
القديس جيروم
تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
2. المؤمن المتمتع بالحماية الإلهية

لأَنَّهُ يُنَجِّيكَ مِنْ فَخِّ الصَّيَّادِ،
وَمِنَ الْوَبَأ الْخَطِرِ [3].
جاءت ترجمة "الوبأ الخطر" في القديس جيروم[8] "الكلمة القارسة"، ويقول إنها في العبرية جاءت "المكتومة"، لأن الهراطقة دائمًا يعدون بأسرار عميقة مظلمة لكي يتلفوا ويمزقوا ما هو حق وواضح.
إن كان إبليس صيادًا خبيثًا، فدوره الرئيسي أن يدرب من له على نصب الشباك والفخاخ لاصطياد النفوس لحسابه. هذه الفخاخ كثيرة ومتنوعة، من خطايا وهرطقات. أما عمل السيد المسيح فهو أن ينقذ نفوس مؤمنيه من الفخاخ فتفلت منها وتطير، كالعصفور الذي يفلت من فخ الصيادين.
* مما ينجيك؟ "من فخ الصياد، ومن كلمة قاسية". الخلاص من فخ الصياد حقًا بركة عظيمة، ولكن كيف يكون الخلاص من كلمة قاسية هكذا؟ كثيرون يسقطون في فخ الصياد من كلمة قاسية. ما هذا الذي أقوله؟ الشيطان وملائكته ينصبون فخاخهم كصيادين، والذين يسلكون في المسيح يسيرون بعيدًا عن هذه الفخاخ. لأنه لا يجسر أن ينصب فخه في المسيح. إنه ينصبه على حافة الطريق، لا في الطريق. إذن ليكن طريقك هو المسيح، وبهذا لا تسقط في فخاخ الشيطان...
ولكن ما هي الكلمة القاسية، يصطاد الشيطان في فخاخه كثيرين بالكلمة القاسية. كمثال الذين يعترفون بالمسيحية وسط الوثنيين يحتملون اهانات من الوثنيين... كما أن المسيحي الذي يعيش بين الوثنيين ويخاف من اهاناتهم يسقط في فخ الصياد، هكذا من يعيش بين المسيحيين ويسعى أن يكون أكثر اجتهادًا وأفضل من البقية، عليه أن يحتمل اهانات من المسيحيين أنفسهم... إذ يقولون له: "إنك قدير، وبار، إنك إيليا، إنك بطرس، لقد نزلت من المساء!" إنهم يهينونه أينما سلك، ويسمع كلمات قاسية من كل جانب. فإن خاف وترك طريق المسيح يسقط في فخاخ الصيادين[9].
القديس أغسطينوس
* أقوال الهراطقة تصيد نفوس الأميين، وتزعجها بزيادة.
الأب أنسيمُس الأورشليمي
* "اتكل عليه، لأنه ينجيني من فخ الصياد". في هذا الدهر يوجد صيادون كثيرون يرغبون في اصطياد نفوسنا. وكما يقول النبي: "انفلتت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين" (مز 124: 7). نلاحظ في مرات كثيرة أن في الكتاب المقدس يلعب الصيادون دورًا معاديًا. كمثال نمرود العملاق الذي كان دائمًا متمردًا على الله، كان صيادًا. وأيضًا هكذا كان عيسو... نقرأ في سفر الأمثال: "عيني الزانية شبكة الخاطي" (راجع أم 6: 25 LXX). من ينظر إلى امرأة بشهوةٍ يرتكب زنا في قلبه (مت 5: 28). توجد شباك كثيرة حيث توجد خطايا كثيرة؛ وحيث يوجد صيادون كثيرون توجد شباك. تعاليم الهراطقة هي مصائد الموت[10].
* يوجد صيادون كثيرون في هذا العالم يضعون المصايد لنفوسنا. نمرود العملاق كان صيادًا قديرًا أمام الرب (تك 10: 8-9). عيسو أيضًا كان صيادًا، إذ كان خاطئًا. في كل الكتاب المقدس لا نجد صيادًا كعبدٍ أمينٍ، إنما نجد صيادي سمك أمناء... مادمنا نحن في حالة النعمة فإن نفوسنا تكون في سلام، لكن ما أن نبدأ نلهو بالخطية حتى تصير نفوسنا مضطربة، مثل قارب تخبطه الأمواج[11].
القديس جيروم
بِخَوَافِيهِ يُظَلِّلُكَ،
وَتَحْتَ أَجْنِحَتِهِ تَحْتَمِي.
تُرْسٌ وَمِجَنٌّ حَقُّهُ [4].
يُقصد بِخَوَافِيهِ ريش الطائر الناعم. كثيرًا ما يشبه الله نفسه بالطائر الذي يحتضن صغاره بجناحيه.
يرى القديس غريغوريوس النيسي أن الله خلق الإنسان على صورته، وبالتالي له جناحان. ولعله لا يقصد جناحين بالمفهوم الجسدي، إنما الروحي، يعيش في جنة عدن وتطير أعماقه كما بجناحين في جو سماوي.
يرى القديس جيروم أن الله يحوط حولنا بكلمته التي هي الحق، فنصير في حمايته كما بترسٍ، أي ترس الحق القادر أن يحطم الباطل والخداع والكذب الذي للهراطقة.
يرى القديس أغسطينوس أن المرتل يدعونا أن نختفي بين ذراعي الله وتحت جناحيه، فيحيط الله بنا من كل جانب، حتى لا يحل بنا خوف ولا تصيبنا أذية: [كن حريصًا ألا تفارق هذا الموقع، فلا يجسر عدو أن يقترب إليك[12].]
* إن كانت الدجاجة تحمي صغارها تحت جناحيها، كم بالأكثر تكون في أمان تحت جناحي الله، من الشيطان وملائكته والقوات التي تطير في وسط الهواء مثل الصقور لكي تقتنص الصغار الضعفاء؟[13]
القديس أغسطينوس
* من الذي يظللك؟ إله السماء بالطبع، كما تظلل الدجاجة فراخها (مت 23: 37)، والنسر فراخه. في هذه النزعة عينها تقول التسبحة في سفر التثنية إن الرب يحمل شعب إسرائيل على منكبيه كالنسر يحميهم (تث 32: 11). يمكن أيضًا تفسير هذه الآية بخصوص المخلص، إذ على الصليب يهبنا حماية جناحيه. "تحت أجنحته تحتمي" (مز 91: 4). "طول النهار بسطت يديَّ إلى شعبٍ معاندٍ ومقاومٍ" (رو 10: 21). رفع يديّ الرب نحو السماء لم يكن لطلب العون، وإنما لحمياتنا، نحن خلائق البائسة.
"حقه يحيط بك بترسٍ" (راجع مز 90: 4)، بمعنى أن حقه يحميك من كل الجوانب[14].
* نجد ذات الفكر في سفر التثنية (32: 11). يبسط الرب كالنسر جناحيه علينا نحن فراخه الصغار. هنا يُشبه الرب بالنسر الذي يحرس صغاره. التشبيه لائق بالله بكونه الآب، وكالدجاجة التي تحمي فراخها لئلا يخطفها صقر... "بخوافيه يستر عليكم" إنه يُرفع على الصليب، ويبسط يديه ليحمينا. "وتحت جناحيه نحتمي". تتطلعوا إلى يديه المصلوبتين، وكما يقول النبي، إن لدغتكم الحية تُشفون. حتى إن كنتم تجولون في برية هذا العالم، ولدغتكم عقرب، أو أفعى، أو صل، أو أي مخلوق سام، فلتطمئنوا أنكم سوف تبرأون، فالحية (النحاسية) تُرفع في البرية (عد 21: 8-9)[15].
* "حقه يحيط بنا بترسٍ". ترسنا دائري، أي يحمينا من كل الجوانب. إنه ليس مجرد ترس، وإنما هو أيضًا حصن. "يا رب كأنه بترسٍ تحيطه (تكللنا) برضاك" (راجع مز 5: 12). هل بالحقيقة يُكلل أحد بترسٍ. لاحظوا ماذا تقول (العبارة)؟ "يا رب يكللنا بترس رضاك". ماذا يعني هذا؟ إنك تحرسنا وتجعلنا منتصرين، وبعد النصرة تعطينا إكليلًا. "حقه يحيط بك بترسٍ". ولما كان المرتل قد قال بأن الرب سيخلصنا من الكلمة المهلكة، فإنه يمكننا أن نفهم هذه الكلمة التي للهلاك هي تعليم الهراطقة والفلاسفة واليهود. هذه الكلمة الحادة ليست الحق بل الكذب[16].
القديس جيروم
* تحطم أورشليم نفسها بخطاياها ومع هذا أية حنو يبقى! بأي دفءٍ يعبر عن حنوه، كأم نحو رضيعها. في كل موضعٍ في الأنبياء نجد ذات الصورة الخاصة بالجناحين، في أغنية موسى (تث 32: 11)، وفي المزامير (مز 91: 4)، مشيرًا إلى حمايته العظيمة ورعايته[17].
القديس يوحنا الذهبي الفم
* يصعب معرفة من نطق بالكلمات الآتية ولمن وجهها: "حوّلي عني عينيك، فإنهما قد غلبتاني، شعرك كقطيع المعز الرابض في جلعاد" (نش 5:6). يظهر أن السيد المسيح هو الذي يوجه هذه الكلمات إلى النفس النقية، ولو أني أعتقد أنه يمكن أن تُوجه إلى العروس. على أي حال سأعرض الآن معناها كما يظهر لي. قرأت في الكتاب المقدس في عدة مناسبات أن الأجنحة تُنسب إلى الله، كما يقول النبي: "احفظني مثل حدقة العين. بظل جناحيك استرني" (مز 8:17). وأيضًا: "بخوافيه يظللك، وتحت أجنحته تحتمي" (مز 4:91). واقترح موسى ذلك في سفر التثنية: "كما يحرك النسر عشه، وعلى فراخه يرف، ويبسط جناحيه، ويأخذها ويحملها على منكبيه" (تث 11:32). ويقول السيد المسيح: "يا أورشليم يا أورشليم، يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها، كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا" (مت 37:23). تتوافق هذه التعبيرات مع ما كنا نفترضه. فإذا قال النص المقدس الموحى به، لأي سبب سرِّي لا نعرفه أن الطبيعة الإلهية لها أجنحة، لذلك يكون الإنسان الأول الذي خلق على حسب صورة الله، شبيها له في كل شيءٍ (تك 26:1). أستنتج من ذلك أن الإنسان الأول خُلق بأجنحة (روحية) حتى يكون شبيها بالطبيعة الإلهية. ويتضح أن كلمة "أجنحة" يمكن أن ترمز إلى الله. فهي قوة الله ونعمته وعدم فساده وكل شيءٍ آخر. وامتلك الإنسان جميع هذه الصفات، طالما كان على شبه الله في كل شيءٍ، ولكن ميلنا إلى الشر سلب منا الأجنحة. (فلم نعد تحت حماية أجنحة الله، بل نُزعت منا أجنحتنا الخاصة). لذلك ظهرت لنا نعمة وبركة الله وأنارت عقولنا حتى تنمو لنا أجنحة من خلال الطهارة والبرً بعد أن ننبذ الرغبات الدنيوية ونتجه إلى الله بكل قلوبنا[18].
القديس غريغوريوس أسقف نيصص

* مثل نسرٍ بسط الرب جناحيه علينا، نحن الطير الصغير. هناك يقارن الرب بالنسر الذي يحرس صغاره. التشبيه مناسب، أن الله يحمينا كأب، وكدجاجة تحمي صغارها، لئلا يختطفنا صقر. يمكن أيضًا تقديم تفسير آخر. إنه بجناحيه يظلل عليكم (مز 91: 4). إنه يرتفع على الصليب، ويبسط يديه ليحمينا، "وتحت جناحيه تلجأون"[19].
القديس جيروم
لاَ تَخْشَى مِنْ خَوْفِ اللَّيْل،ِ
وَلاَ مِنْ سَهْمٍ يَطِيرُ فِي النَّهَارِ [5].
كثيرًا ما يشير الليل بظلمته إلى إبليس رئيس قوات الظلمة، فمن يختفي في المسيح يسوع، النور الحقيقي، لن يقدر عدو الخير أن يقتنصه. إنه لا يستطيع إبليس بكل حيله وقواته وأعماله الشريرة أن يغتصبه.
أما السهم الذي يطير في النهار، فيرى كثير من آباء الكنيسة أنه يشير إلى الهراطقة الذين يقتبسون من الكتاب المقدس الذي هو نور الحياة ويفسدون تفسيره. هذه هي السهام التي تطير في النهار، والتي تسيء استخدام كلمة الحياة.
* خوف الليل هو الاغتيال الخفي والخيانة المجهولة التي تحدث في الليل؛ وأيضًا الشهوات الجسدية التي قد تهيج ليلًا. أما السهم الطائر في النهار فهو المقاومة الظاهرة.
الأب أنسيمُس الأورشليمي
* "لا تخشى من خوف الليل". لا يخشى البار الليل بل النهار. "هلم أيها البنون استمعوا إليّ فأعلمكم مخافة الرب" (مز 33: 12). هؤلاء الذين هم أبناء النبي ليس لهم خوف الليل ولا مخافة الظلمة، بل مخافة النور والنهار...
لا يصوِّب الشيطان سهامه في النهار لئلا تُرى، لأن كل ما يفعل في النور واضح بواسطة النور (أف 5: 13).
قد يعترض البعض: إن كان الشيطان لا يصوب سهامه في النهار، فماذا يعني المرتل بالعبارة التالية: "ولا من سهم يطير في النهار"؟ ما هو السهم الذي يطير في النهار؟ إنه تعليم الهراطقة الذي يطير هنا وهناك في النهار - خلال كل ناموس الله - ببحثهم المُقلق للشهادة ضدنا، حتى يسلبوا منا كل الحق بتفاسيرهم. "ولا من وبأ يسلك في الدجى (الظلمة)" (مز 91: 6).
لم يقل "يقف" بل "يجول" (يسلك)، فإن الهراطقة لن يثبتوا عند معتقداتهم، بل دائمًا يغيرون آراءهم، يتحركون إلى الخلف وإلى الأمام.
القديس جيروم
* إننا مُحاصرون بجيوش الأعداء، فإنهم حولنا من كل جانب. الجسد الضعيف سيصير قريبًا ترابًا، إنه واحد ضد كثيرين، يحارب ضد فرق هائلة. إلى أن يحل، إلى أن يأتي رئيس العالم، ولا يجد خطية فيه. إلى أن يحين ذلك، فلتنصت في أمانٍ إلى كلمات النبي: "لا تخف من رعب الليل، ولا من سهمٍ يصير في النهار..." (مز 5:91)[20]
القديس جيروم
* إن كنت بارًا، لا يقدر أحد أن يخيفك. إن كنت تخاف الله لن تخاف شيئًا ما. "الصديق كأسد يثبت" (أم 28: 1). وبحسب كلمات داود: "لا أخشى من خوف الليل" (راجع مز 91: 5) وهكذا. يضيف أيضًا: "الرب نوري وخلاصي، ممن أخاف؟ الرب ملجأ حياتي ممن ارتعب؟" (راجع مز 27: 1) وأيضًا: "وإن قام عليّ جيش لا يخاف قلبي" (مز 27: 3). هل ترى شجاعة النفس التي تلاحظ وصايا الله وثباتها[21]؟
قيصريوس أسقف آرل
وَلاَ مِنْ وَبَأٍ يَسْلُكُ فِي الدُّجَى،
وَلاَ مِنْ هَلاَكٍ يُفْسِدُ فِي الظَّهِيرَةِ [6].
كما يؤكد الله أن عينيه على خائفيه من أول السنة إلى آخرها، ورعايته لا تتوقف نهارًا وليلًا، هكذا فإن المقاوم من جانبه لا يترك فرصة إلا ويستغلها لتحطيم أولاد الله. فيحاول أن يرهبهم في الليل، ويطلق سهامه في النهار [5]، يبعث بالأوبئة في ظلمة الدجى أو منتصف الليل، وهلاكه في الظهيرة وسط النهار.
ليعمل إبليس بكل طاقاته وتحت كل الظروف، فإن خائفي الرب محفوظون في الله ملجأهم، حيث لا يقدر سهم أن يخترقه، ولا بأن يعبر خلاله؛ حماية الله فيها كل الكفاية، يهب الأمان على الدوام، نهارًا وليلًا، بل وفي كل ساعة. لن يُصاب مؤمن إلا بسماح من الله ولبنيانه.
* لماذا يقول: "في الظهيرة"؟ الاضطهاد حار جدًا، هكذا الظهيرة تعني الحرارة الشديدة... الشيطان الذي في الظهيرة يمثل حرارة الاضطهاد الصاخب[22].
القديس أغسطينوس
* "ولا من هلاكٍ يفسد في الظهيرة". نقرأ في سفر التكوين أن يوسف أقام وليمة لإخوته في الظهيرة، وفي نشيد الأناشيد مكتوب: "أين ترعى، أين تربض (تستريح) عند الظهيرة" (نش 1: 7). القديسون هم الذين عند الظهيرة يرعون ويستريحون، بينما يتشكل الشيطان مثل ملاك نور (2 كو 11: 14)، ويتنكر خدامه كخدام للبرّ باطلين. لذلك فإن أريوس وغيره من الهراطقة يدعون شياطين الظهيرة[23].
القديس جيروم
* أما سادس صراع لنا فهو موجه ضد ما يسميه اليونانيون بالضجر، أو ما يصح لنا أن ندعوه بالملل أو تعب القلب، وهو وثيق الصلة بالاكتئاب. يلاحق النساك بوجه خاص، وهو عدو خطير كثير التردد على سكان الصحراء. لا يزعج الراهب عادة إلا في الساعة السادسة، مثل الحُمى التي يقع المرء فريسة لنوباتها، وما تسببه من ارتفاع شديد في حرارة المريض، خلال ساعات معينة منتظمة. وأخيرًا فثمة شيوخ يُعلنون أن هذه الروح هي "شيطان الظهيرة" الذي ورد ذكره في المزمور التسعين[24].
القديس يوحنا كاسيان
* شيطان الضجر، الذي يقال له أيضًا "شيطان الظهيرة" (مز 6:91)، هو أخطر الشياطين. إذ يهجم على الراهب حوالي الساعة الرابعة من النهار (10 صباحًا)، ويجعل النفس تدور كما في دوامة حتى الساعة الثامنة من النهار (الساعة 2 بعد الظهر).
يبتدئ أولًا بأن يجعل الإنسان يترقب الشمس وهو في غمٍ وضيق صدر، فيراها تتحرك ببطءٍ، كأنها لا تتحرك قط، ويبدو كأن ساعات النهار قد صارت خمسين ساعة. وبعدما يتراكم عليه الضجر، يحثه الشيطان لكي ينظر من نافذته، أو يخرج من قلايته يترقب الشمس، وكيف أن الوقت لا يزال الساعة التاسعة. ثم يجعله يحملق هنا وهناك لعله يجد أحد الإخوة القريبين منه خارج (قلايته)، ويثير في داخله الغيظ من المكان الذي يقطن فيه، ومن نمط حياته وعمله، ويضيف إليه هذا الفكر أنه لا توجد محبة بين الإخوة، ولا يوجد هنا من يعزيه.
وإذا حدث في هذه الأيام أن أساء إليه أحد، فإن الشيطان يذكره بذلك لكي يزيد من حنقه وغيظه.
بعد ذلك يثير فيه الاشتياق للسكنى في أماكن أخرى، حيث يكون من السهل أن يمارس عملًا آخر أكثر نفعًا لسد حاجاته وأقل قسوة.
ويضيف إليه الشيطان أن إرضاء الإنسان لله لا يتوقف على مكانٍ معينٍ، وأنه يمكننا أن نعبد الله في كل مكان. ثم يربط هذه الأفكار بأفكارٍ أخرى، كأن يذكره بأقاربه والحياة الهادئة الهنيئة الأولى، ثم يتنبأ له بحياة طويلة مملوءة بمصاعب الجهاد النسكي. وهكذا يستخدم كل حيلة وحيلة لكي يخدع الراهب فيجعله ينهي هذه الحياة ويترك قلايته. هذا الشيطان يلحق به شيطان آخر ولكن ليس في الحال.
أما إذا قاوم الراهب هذه الحروب وانتصر، تستقر النفس في سلام وتمتلئ بفرحٍ لا ينطق به[25].
* تقف الشياطين التي تثير النفس بإلحاح وتزعج النفس حتى الموت، أما الشياطين التي تثير حركة شهوة الجسد فتتقهقر بأكثر سهولة من الأولى.
أضف إلى هذا أن بعض الشياطين تشبه الشمس المشرقة أو التي تغرب، تلمس جانبًا واحدًا من النفس أو آخر، أما "شيطان الظهيرة" فقد اعتاد أن يغلف النفس كلها ويُغرق الذهن.
لهذا السبب فإن العزلة (الوحدة) مع غلبة الشهوات أمر حلو، إذ لا يعود يبقى منها إلا مجرد ذكريات، أما الحرب (الروحية) فلا تكون بعد شديدة بقدر ما نفكر فيها مليًا[26].
القديس مار أوغريس البنطي
* لقد تبرهن بجلاء أنه يوجد في الأرواح النجسة عدة شهوات مثل البشر. فالبعض تقوي الفسق واللهو، وبعضها تعمل في قلوب من تأسرهم بالكبرياء الباطل.. وأرواح أخرى حاذقة في الكذب، بل وتوحي للبشر بالتجديف، ويظهر ذلك مما جاء علانية في (1 مل 22:22) "أخرج وأكون روح كذبٍ في أفواه جميع أنبيائهِ". وبسبب هذه الأرواح ينتهر الرسول من هم مخدوعون بها، إذ هم "تابعون أرواحًا مضلَّة وتعاليم شياطين في رياءِ أقوالٍ كاذبة" (1 تي 1:4، 2). وهناك نوع آخر من الشياطين يشهد عنهم الكتاب أنهم بْكم وصمْ. وبعض الأرواح تُقوي الشهوة والدنس، إذ يعلن هوشع النبي قائلًا: "لأن روح الزنى قد أضلَّهم، فزنوا من تحت إلههم[27]" (هو 4: 12).
وبنفس الطريقة يعلمنا الكتاب أنه توجد شياطين الليل والنهار والظهيرة (مز91: 5، 6). ولقد لقبت الشياطين بأسماء كثيرة في الكتاب المقدس[28]... هذه الأسماء لم ترد اعتباطًا، بل تشير إلى شراستها وجنونها تحت أسماء هذه الحيوانات المفترسة المتباينة الضرر والخطورة بالنسبة لنا (إذ لُقبت أسودًا وأفاعٍ)..[29]
الأب سيرينوس
* إنَّه عدو ماكر ومخادع، لا يمكننا - بدون نورك - أن نُدرك طرقه الملتوية، ونعرف أشكال وجهه المتعددة. فتارة نراه ههنا، وأخرى هناك!
تارة يظهر كحَمَلٍ، وأخرى كذئبٍ!
تارة يظهر كنورٍ، وأخرى كظلامٍ!
إنَّه يعرف كيف يغيِّر شكله، ويُشكِّل خططه، حسب ظروف الإنسان وأوقاته، فلكي يخدع المتعبين يحزن معهم!
ولكي يجذب القلوب المبتهجة يلوِّث أجواء أفراحهم!
ولكي يقتل الحارِّين بالروح يظهر لهم في شكل ملاك نور!
ولكي ينزع أسلحة الأقوياء روحيًا يظهر في شكل حَمَل!
ولكي يفترس ذوي الحياء يتحوّل إلى ذئبٍ!
وفي كل خداعاته، يُخيف البعض بمخاوف ليليّة، والآخرين بسهام تطير في النهار. هؤلاء ينزلق بهم إلى الشر في الظلمة، والآخرين يحاربهم علانيّة في وقت الظهيرة (مز91)!
فمن يقدر أن يميّز طرق مكره المختلفة؟!
من يقدر أن يُحصِى أنيابه المرعبة؟!
سهامه يخْفيها في جعبته، وحيَله يخبئها إلى اللحظة المناسبة للسقوط!
إلهي... أنت رجائي... بدون نورك - الذي به نرى كل شيءٍ - يصعب علينا أن نكتشف مناورات الشيطان وحيله.
القديس أغسطينوس

يَسْقُطُ عَنْ جَانِبِكَ أَلْفٌ،
وَرَبَوَاتٌ عَنْ يَمِينِكَ.
إِلَيْكَ لاَ يَقْرُبُ [7].
لاحظ القديس جيروم أن المرتل لم يقل "عن يسارك"، بل "عن جانبك"، وأن الساقطين عن جانبه ألف، بينما الساقطون عن اليمين ربوات (عشرات الألوف). فمن ناحية ليس للمؤمن يسار، لأنه يستخدم اليسار كأنه يمين، وكأن المؤمن له جانبان وكلاهما مقدسان، أي على اليمين، وليس عن اليسار. ومن جانب آخر فإن عدو الخير يحارب المؤمنين بالأكثر من الجانب الأيسر، الشهوات الشريرة.
* طبيعيًا عندما يعين اليمين دون اليسار، فإن كلمة "جانب" تحل محل "اليسار". بالتأكيد ليس بالحق للإنسان البار يسار. "من لطمك على خدك الأيمن، فحول له الآخر أيضًا" (مت 5: 39) كما ينصحنا الرب. لاحظ أنه لم يقل "الأيسر أيضًا"، لأن ما يُقدم ليس الخد الأيسر بل خد أيمن آخر. سأوضح بوضوحٍ شديدٍ القول بأن البار له خدان من الجانب الأيمن. كمثال أهود الذي ورد في سفر القضاة قيل عنه أنه له يدان من الجانب الأيمن، لأنه بار وقتل الملك السمين الغبي. "يسقط عن يمينك" (مز 91: 7) يوجد كثيرون جدًا يتربصون منتظرين عن يمينك، وليس كثيرون يخططون ضد الشمال. يسقط ألف عن جانبنا وربوات عن يميننا. حيث توجد معارك أعظم تكون النصرة بالطبع أعظم. قليلون يتربصون ويهاجمون عن جانبنا، وكثيرون عن يميننا[30].
* "يسقط عن جانبك ألف، وربوات عن يمينك"... لم يقل المرتل "عن يسارك" لأن الإنسان البار ليس له يسار. لذلك جاء في الإنجيل: "من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضًا" (مت 5: 39). لم يقل الرب: "حول له الأيسر"، لأنه بالحق الخراف ستقف على الجانب اليمين، والجداء على اليسار (مت 25: 33)... جانب البار، يشير على الضعف الجسدي؛ والجانب الأيمن يشير إلى كمال النفس. بالآم الجسد والأصوام والعفة، يسقط ألف. وأما الجانب الأيمن حيث حرية الروح وتعليم النقاوة والقداسة يسقط أعداد ضخمة من العدو. "إليك لا يقترب" بمعنى أنهم يهلكون قبل أن يقتربوا إليك[31].
* بالنسبة لنا نحن البشر الحياة سباق؛ نحن نصارع هنا، ونكلل في وضع آخر. لا يمكن لإنسانٍ أن ينزع الخوف بينما الحيات والعقارب تهاجم سبيله من كل جانب. يقول الرب: "لأنه قد روى في السماوات سيفي" (إش 34: 5)، فهل تتوقع أن تجد سلامًا على الأرض؟ لا، لأن الأرض تنبت شوكًا وحسكًا فقط، وترابها هو طعام للحية (تك 3: 14، 18). "فإن مصارعتنا ليست مع دمٍ ولحمٍ، بل مع الرؤساء، مع السلاطين، مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر، مع أجناد الشر الروحية في السماويات" (أف 6: 12). نحن نطوَّق بجنود الأعداء من كل جانب. الجسد الضعيف قريبًا يصير رمادًا، واحد مقابل كثيرين. إنه يحارب ضد خصومات رهيبة. لم يُحل (الجسد)، لم يأتِ بعد رئيس العالم، ولا يجد فيه خطية (يو 14: 30)، إلى الآن لا تصغون إلى كلمات النبي وأنتم في أمان: "لا تخشى من خوف الليل، ولا من سهم يطير في النهار..." (مز 91: 5-7). عندما يضايقك جنود العدو، عندما يصير مزاجك مصابًا بحمى، وعندما تثور أهواؤك، عندما تقول: "ماذا أفعل؟" عندئذ تجيبك كلمات إليشع: "لا تخف، لأن الذين معنا أكثر من الذين معهم" (2 مل 6: 16). إنه يصلي: "يا رب افتح عينيه فيبصر". وعندما تنفتح عيناك ترى مركبة نارية مثل مركبة إيليا تنتظرك لتحملك إلى السماء (2 مل 2: 11). عندئذ تغني بفرح: "انفلتت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين، الفخ انكسر ونحن انفلتنا" (مز 124: 7)[32].
القديس جيروم
* بقوله ربوات تحارب عن اليمين، وألوف من الجانب الأيسر، يعني أن الأعمال اليمينية المرضية لله يحاربها جمع من القوات المضادة من اليسار. وقال القديس ايسيشيوس إن كثيرين يهلكون من أمور تظنون أنها يمنى ومرضية، لأنهم يتحاججون بحقوقٍ، ويسقطون في ورطة للهلاك، لكن الذين يستعينون بالله يرون الانتقام منهم، وأما إليهم فلا يقتربون.
الأب أنسيمُس الأورشليمي
إِنَّمَا بِعَيْنَيْكَ تَنْظُرُ،
وَتَرَى مُجَازَاةَ الأَشْرَارِ [8].
للأسف في لحظات الضعف يرتبك بعض المؤمنين حين يرون نجاح الأشرار وازدهارهم بينما يتعرض القديسون لمتاعب كثيرة. لكن يليق بهم أن ينتظروا ليروا في يوم الرب العظيم مجازاة الأشرار على مستوى أبدي.
يرى البعض في هذه العبارة نبوة عن مجيء السيد المسيح الأخير، ففي مجيئه الأول تقدم مخليًا نفسه، ومسلمًا نفسه للموت موت الصليب من أجل العالم. وفي مجيئه الثاني يأتي في مجده ويتم مجازاة الأشرار الذين سخروا بعمله الخلاصي، واضطهدوا جسده، أي كنيسته، وأصروا على ذلك بدون توبة.
* "إنما بعينيك تنظر، وترى مجازاة الأشرار". ستنظر إلى جثث الموتى، وتدهش لعظمة الرب المخلص الإلهي. سترى مجازاة الخطاة التي يستحقونها. سقوط الخطاة هو موتهم. هذا كله يعني أنك تجعل الرب ملجأك، وفي أمان تتطلع إلى مجازاة الهراطقة، إذ حميت نفسك من تعاليمهم[33].
القديس جيروم
لأَنَّكَ قُلْتَ أَنْتَ يَا رَبُّ مَلْجأي.
جَعَلْتَ الْعَلِيَّ مَسْكَنَكَ [9].
في العبارة السابقة يرى البار ما سيحل بالأشرار المصرين على شرهم من عقوبة أبدية. أما هنا فيعلن البار أنه وإن عانى من ضيقات وتجارب في هذا العالم، فإن هذه جميعها ليست عقوبة لهلاكه، إنما هي فرصة ثمينة للتمتع بخبرة الالتجاء إلى الله كملجأ، والعلي كمسكنٍ يحميه ويدفع عنه ضربات العدو.
* لأنه مرارًا كثيرة يُبتلى الصديق أيضًا بشرورٍ، لكنها ليست ضربة بل تجربة، كما أصابت أيوب الصديق. وأما بالنسبة للخطاة فهذه الشرور لا يُقال عنها إنها تجربة بل ضربة.
الأب أنسيمُس الأورشليمي
* تقال الكلمات السابقة للإنسان البار باسم الرب، الآن يوجد تغير في الأشخاص؛ هنا نجد تأمل البار، مجاوبًا الرب: "أنت يا رب ملجأي". الذي يقول هذا إنسان بار. "جعلت العلي حصنًا لك"[34].
القديس جيروم
لاَ يُلاَقِيكَ شَرٌّ،
وَلاَ تَدْنُو ضَرْبَةٌ مِنْ خَيْمَتِكَ [10].
الضربات موجهة للجميع، لكن بالنسبة للشرير تخترق أعماقه، وتحطم نفسه. أما بالنسبة للبار فما يحسبه العالم شرًا يصير بالنسبة له تجربة تزيده بهاءًا، وتزكية. لا تقدر التجربة أن تخترق خيمة نفسه ولا تبلغ إلى قلبه أو عقله أو إرادته المقدسة.
ليضرب العدو بكل قوته، فليس له سلطان على المؤمن بدون سماح الله مخلصه، وإن سمح إنما لتزكيته.
* بجلد يسوع نتحرر من الجلد. كما يقول الكتاب المقدس عن الإنسان البار: "لا تدنو ضربة (سوط) من خيمتك" (مز 91: 10)[35].
* إن كان الرب نفسه قد جُلد وهوجم بضيقات وتجارب، فمن مِنَ الأبرار لم يُضرب بسياط الشيطان؟ لنضع في حسباننا المعنى: "لا تدنو ضربة من خيمتك". هذا معناه أن الشيطان يزأر في الخارج، ويحاول أن يثير آلامًا حسية، لكن خيمة النفس أو العقل التي هي خيمة الإيمان لن تخرب[36].
* أكتب متوسلًا إليك ألا تحسب مرضك الجسدي (إصابتك بالعمى) حلّ بك بسبب خطية. عندما فكر الرسل في المولود أعمى وسألوا ربنا ومخلصنا: "من أخطأ: هذا أم أبواه حتى وُلد أعمى؟" قيل لهم: "لا هذا أخطأ ولا أبواه، لكن لتظهر أعمال الله فيه" (يو 9: 3)[37].
القديس جيروم
* لم تستطع خطية من ضربات الشيطان أن تقترب من جسد الرب. لذلك قاوم الرب التجارب من العدو ليرد النصرة للبشرية. لهذا جعل من الشيطان ألعوبة، حسبما أعلن داود أيضًا: "لوياثان هذا خلقته ليُلعب فيه" (مز 104: 26).
* مرة أخرى يقول: "يسحق المُتهم الباطل" (راجع مز 72: 4). وأيضًا: "كسرت رؤوس لوياثان على المياه" (مز 74: 13-14). وفي سفر أيوب يعلن الرب أن لوياثان هذا صار ألعوبة يُمسك به في هذه التجربة: "ستسحب لوياثان بصنارة سمك" (راجع أي 40: 24)[38].
الأب خروماتيوس
لأَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِك،َ
لِكَيْ يَحْفَظُوكَ فِي كُلِّ طُرْقِكَ [11].
يطبق العلامة أوريجينوس ما ورد في المزمور التسعين على المسيحيين، "لأنه يوصي ملائكته بك، لكي يحفظوك في كل طرقك" (مز 11:91)، فيُعلق: [إن المستقيمين هم من يحتاجون إلى معونة ملائكة الله، حتى لا يسقطهم الشيطان، ولا يخترق قلوبهم سهم يطير في الظلام[39].]
يعتقد بعض اليهود[40] أن نفوس الأبرار يستقبلها ثلاثة ملائكة صالحون، يصحبونها ويختبرونها، وأما نفوس الأشرار فيتلقفها ثلاثة ملائكة أشرار. وآخرون يعتقدون أن ثلاث فرق من الملائكة الخدام السمائيين أو من فرق السلام ترافق البار (عند رحيله)[41].
الفرقة الأولى تتغنى: "إنه سيدخل في سلام".
والفرقة الثانية يقولون: "سيستريح في مخدعه".
والثالثة: "هذا هو السالك في البرّ" (إش 2:57).
وعندما يموت شرير ثلاثة فرق من الملائكة الأشرار يصاحبونه مغنين: "لا سلام للأشرار، قال إلهي" (إش21:57)[42].
يعتقد اليهود أن الملائكة حضرت جنازة إبراهيم[43]، وقامت بدفن موسى[44]، وأنهم يُحضرون نفوس الأبرار إلى السماء[45]. وأن ملاكًا يُعلن عن مجيء القادمين الجدد إلى الهاوية[46].
لما كانت لحظات الموت لها مهابتها لهذا أوضح الكتاب مرافقة الملائكة للمؤمنين الحقيقيين في هذه اللحظات الحاسمة. يقول السيد المسيح عن لعازر المسكين: "فمات المسكين وحملته الملائكة إلى حضن إبراهيم" (لو22:16). تشتهي الملائكة كخدام للمخلص أن نتمتع بالخلاص، ونشاركهم مجدهم السماوي، بل ويعملون لمعاونتنا في خلاصنا. يساعدون في اصعاد نفوس المؤمنين الحقيقيين، وبالأخص الشهداء، مهللين لهم: "يا لهذا![47]"
وفي صلوات الجنازات يطلب الكاهن عن نفس الراقد: "لتحمله ملائكة النور إلى الفردوس".
وبحسب التقليد اليهودي يقود رئيس الملائكة ميخائيل نفوس الأموات[48]. ويذكر يهوذا الرسول أن صراعًا قام بين ميخائيل رئيس الملائكة وإبليس عند موت موسى (يه 9:1).
* عندما تنطلق النفس فجأة من ثقل الجسد الملتصق بها، وذلك بفعل الموت، ترتعب، إذ يثيرها رؤية وجه الملاك، مستدعي النفوس، وتتحقق أن مسكنها الأبدي قد أعد[49].
العلامة ترتليان
* إذ تترك النفس الجسد، يحدث عزل الأبرار عن الخطاة فورًا، عندئذ تقودهم الملائكة إلى المواضع التي يستحقونها[50].
القديس يوستين

* إن كنا نحتاج إلى مرشد عند عبورنا من مدينة إلى أخرى، كم بالأكثر تحتاج النفس إلى من يشير إليها نحو الطريق عندما تكسر قيود الجسد وتعبر إلى الحياة العتيدة؟![51]
القديس يوحنا الذهبي الفم
* سيجتمع حشد عظيم ليُشاهدوك وأنت تقاتل مدعوّا للاستشهاد.
إذا خضت المعركة، فلتقل مع بولس: "صرنا منظرًا للعالم، للملائكة والناس" (1 كو 9:4). فكل العالم، كل الملائكة إلى اليمين وإلى اليسار، كل الناس، بمن فيهم من هم في جانب الله (تث 29:32؛ كو12:1)، والآخرون كلهم سينصتون إلينا ونحن نكافح من أجل مسيحيتنا.
فإما أن تبتهج بنا ملائكة السماء، وتصفق الأنهار بالأيدي، وتفرح الجبال، وتصفق كل أشجار الوادي بأغصانها" (مز 8:97؛ إش 12:55LXX)، أو الله لا يسمح أن تغمر الفرحة الخبيثة العالم السفلي ابتهاجًا بسقوطنا[52].
* عند انحلال خيمتنا هذه، والبدء في دخول الأقداس، في عبورنا إلى أرض الميعاد، أولئك الذين هم حقًا مقدسون، ومكانهم في قدس الأقداس، سيرون في طريقهم الملائكة تحُفُّهم، فإذا وصلوا إلى المسكن الإلهي يتوقفون لتحملهم الملائكة على أكتافها، وترفعهم بأياديها. هذا كله رآه النبي بالروح، إذ قال: "يوصي ملائكته بك، لكي يحفظوك في كل طرقك" (مز11:91). فما كُتب في هذا المزمور هو بلا شك أقرب انطباقًا على المستقيمين منه على الرب.
أما بولس ففي معالجته لهذا السرّ نفسه يدعم الإيمان بأن البعض سوف يُحملون فوق السحاب بواسطة الملائكة، في قوله: "ثم نحن الأحياء الباقين، سنُخطف جميعًا معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء" (1 تس17:4) [53].
* "لأنه يوصى ملائكته بك لكي يحفظوك في كل طرقك" (مزمور 91: 11).. إذ أن البار هو من يحتاج لعون ملائكة الله، حتى لا تطيح به الشياطين، وحتى لا يخترقه سهم يطير في الظلمة.
العلامة أوريجينوس
* لا تكفّ عن الصلاة حتى لا تجد الشياطين موضعًا تزرع فيه الزوان في حقلك (مت 13: 25). لا تشفق على جسدك وتجعله ينام، بل بالحري انهض لتسبِّح. إن كنتَ لا تعرف أن تسبِّح، فاشكر الله وقُل: "المجد لك يا رب"، وقُل هذه الكلمة مرات عديدة، وإذا استطعت فقُل ألف مرة: "المجد لك يا الله"، والرب سيرسل لك ملاكه ليعينك على طرد الشياطين. ولا تَخَفْ منهم (إش 8: 12)، لأنه قد أُعطي لك ملاك حارس كما قال الكتاب: "ملاك الرب حالٌّ حول خائفيه وينجِّيهم" (مز 34: 7). وقال أيضًا في موضعٍ آخر: "يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك في كل طرقك" (مز 91: 11). ولا تجعل رجاءك في الملائكة وحدهم وتقول: "إنهم يحرسونني”، بل لا تكفّ عن الصلاة، لأنهم مكلَّفون بك حتى يسجِّلوا برّك ويقدموه إلى الله[54].
أنبا ثيؤفيلس البطريرك
* احفظ نفسك من الكسل، لأنه يثقِّل الجسد حتى لا يدعه يصلِّي.
ليكن جهادك في الصلاة والصوم، لأنه لا شيء يجعل الشياطين تهرب مثل الصلاة (مر 9: 29). فإذا كانوا يعوِّقونك عن النوم في الليل ويعذبونك ويقلقونك، فانهض وصلِّ لكي تطردهم مثل الهباء (مز 35: 5)، وأنت تجد راحة.
لا تقُل إنّ ساعة الصلاة لم تأتِ بعد، بل لا تكفّ عنها في كل وقتٍ، لأن الصلاة سهم يطرد الشياطين. وإذا ظهر لك الشيطان مثل كوكب الصبح أمام عينيك، فاعلم أن الذي ظهر لك هو الشيطان وليس هو الرب، وذلك لكي يُلقي نفسك في العُجب.
القديس أنبا أرسانيوس
يقول القديس جيروم إن إبليس اقتبس هذه العبارة ليجرب السيد المسيح، لكنه لم يقتبس معها العبارة التي تلحق بها. اقتبس الأولى التي تخص ضعف المخلص بكونه صار إنسانًا، لكنه لم يورد ما يخص السلطان الذي يهبه السيد المسيح لكنيسته حيث تطأ إبليس وكل جنوده.
* إننا نقدر أي سلطان وُهب لنا، عندما نتحقق أننا نُزود بسلطاِن ضد الحيات والعقارب، بواسطة طريق حياتنا الرسولية. ليتنا نصلي للرب أن ذاك الذي أعطى سلطانًا للأبرار يعطينا نحن الذين لا نزال أطفالًا صغارًا، في ظل برِّه، حتى نقتدي بالرسل، ونُعان باستحقاقاتهم في المسيح يسوع ربنا[55].
القديس جيروم
عَلَى الأَيْدِي يَحْمِلُونَكَ،
لِئَلاَّ تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ [12].
تحمل هذه العبارة نبوة عن السيد المسيح المعصوم من الخطأ، والذي لا يمكن أن يهلك؛ فإنه وإن كان لا يحتاج إلى معونة ملائكية، لكن الملائكة أظهرت شوقًا عظيمًا لخدمته عند ميلاده، وأثناء تجربته، وآلامه، وقيامته وصعوده! ومع هذا فقد ظن عدو الخير أنه قادر أن ينصب له شبكة ليسقطه في الخطية من خلال هذه العبارة.
لقد أدرك إليشع النبي قيمة العون الملائكي، فلم يخشَ إحاطة جيش أشور بالجبل الذي يسكنه للقبض عليه (2 مل 6: 16). تحمل الطغمات السماوية حبًا فائقًا لنا بكونهم العبيد رفقاءنا يودون أن يخدموا سيدهم خلالنا (رؤ 22: 9).
إنها حقيقة مفرحة يعلنها الكتاب المقدس أن الملائكة والبشر يكونون أسرة واحدة[56].
* نعم، لقد ولى الله الملائكة النورانيين على حراسة الناس، لاسيما على الصديقين، كما كتب الرسول في الأصحاح الأول من رسالته إلى العبرانيين، قائلًا: "أليس جميعهم أرواحًا خادمة مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص" (عب 1: 14). فإن هؤلاء الملائكة يدفعون الصديقين إلى سمو النظر والعمل لئلا تعثر سيرتهم بحجر الذلة والمعصية. وأيضًا يرفعون بمعونتهم الضعفاء الرأي في وقت سلوكهم بمشقة، لئلا يعثروا بفكرهم ويصيروا مداسًا للشيطان.
الأب أنسيمُس الأورشليمي
* بخصوص مساندة الملائكة يتكلم كما إلى إنسان ضعيف (وليس عن المسيح)[57].
القديس جيروم
عَلَى الأَسَدِ وَالصِّلِّ تَطَأُ.
الشِّبْلَ وَالثُّعْبَانَ تَدُوسُ [13].
كثيرًا ما يُدعى الشيطان بالأسد والتنين والحية، ويتشبه الأشرار بالشيطان أبيهم. هكذا أرادوا هلاك السيد المسيح فصلبوه، ولكنه بالصليب حطم سلطانهم، واهبًا مؤمنيه سلطانًا على قوات الظلمة.
وهبنا الله أن نسحق العدو تحت أقدامنا. وكما يقول الرسول: "وإله السلام سيسحق الشيطان تحت أرجلكم سريعًا" (رو 16: 20). يقول معلمنا لوقا البشير: "فرجع الرسل بفرح، قائلين: يا رب حتى الشياطين تخضع لنا باسمك. فقال لهم: رأيت الشيطان ساقطًا مثل البرق من السماء. ها أنا أعطيكم سلطانًا لتدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو، ولا يضركم شيء" (لو 10: 17-19). ويقول يوحنا الإنجيلي: "أنتم من الله أيها الأولاد، وقد غلبتموهم، لأن الذي فيكم أعظم من الذي في العالم" (1 يو 4: 4).
يقول القديس كيرلس الكبير: [نزل ابن الله الوحيد، كلمة الله، من السماء لذلك سقط (الشيطان كالبرق)[58].]
* يشتكي كثيرون حقًا ضعف البشرية ووهنها، لكن يفوقهم جميعًا القدِّيسان أيوب وداود بأسلوبهما المتميز.
اتسم الأول بالوصول إلى الهدف مباشرة، وبقوةٍ وحِدَّةٍ مع سمو الأسلوب ورفعته، ذاك الذي أثارت حفيظته الآلام الكثيرة من التجارب.
بينما كان الآخر ممنونًا (يملأه الحبور والامتنان)، هادئًا ولطيفًا، يؤمن بقضيته بأكثر رقة! ومن ثم كان يعكس حقيقةَ حال ما أَّلمَ به كإيلٍ ليكون نموذجًا يُحتذى به لدى الآخرين (قابل مز 42: 2).
لا تنزعجوا أن مدحتُ ذلك النبي العظيم مشبهًا إيَّاه بحيوان مفترس! إذ يُتلى على مسامعكم ذلك القول المأثور الذي قيل للرسل: "كونوا حكماء كالحيَّات، وبسطاء كالحمام" (مت 10: 16)...
تشَّبه المسيح أيضًا بالأيل، لأنه جاء إلى الأرض، وداس فوقَ الحَّية أي الشيطان، دون أن تصيب نفسه أية أذية، وكشف عَقِبه له (راجع تك ؛ مز 40 (41):9)، لكنه لم يُلدغ بسُمها، ومن ثم قيل له: "على الصّل والحيات تطأ" (مز 91: 13).
فلنكن إذن أيائل، لنقدرَ أن ندوسَ الحيَّات.
نصير أيائل إن تبعنا كلمةَ المسيح الذي يُعِّد الأيائل، ويجعلها لا تخشى لدغات الحَّيات، وإن جُرح أيٌ منها عَرضًا ينزع ألمها بإبادة خطيتها.
عن تلَك الأيائل، يقول الربُ لأيوب: "هل راقبتَ الغزلان حين تتودد معًا؟ أَتحسبُ الشهور التي تكملِّها، أو تعلم ميقاتَ ميلادهن، هل ولدَّتَ ذُريتهن أَو وَضعِتَ أولادَهن (صغارهن)، دون خوف؟" (أَي 39: 1-3).
تعلموا كيف يحيا صغار تلك الغزلان دون خوف! فليعلمكم إشعياء حينما يقول: "ويلعب الرضيعُ على سرب الصِّل، ويمد يده على جُحر الحياَّت، ولا تلدغه (لا يناله سوء إش 11 : 8، 9) وهو يقصد أطفالَ الكنيسة...[59]
القديس أمبروسيوس
* هذا العمل الذي تحقق بتجسد مخلصنا يفوق أي شيء آخر، لذلك استوطنت القداسة في كل الأرض، كما أن الظلام الذي يحجب الحقيقة قد أُبطل[60].
* نحن نطأ الحيات والعقارب وكل قوة العدو (لو 10: 19)، شكرًا للسلطان الذي يُعطى لنا بالمسيح. هؤلاء الذين هم في المسيح يتأهلون أيضًا للنظرة الإلهية، حتى يعدهم أنه يكون معهم ويحفظهم، ويخلصهم في كل موضع، ويعلن عنهم أنهم مثمرون. "ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر" (مت 28: 20)[61].
القديس كيرلس الكبير
* أتريد أن تكون من نوعية الشخص القادر أن يضع قدميه على الحيات والعقارب وكل قوة العدو (لو 10: 19)، وتطأ التنين والصل (مز 91: 13)؛ (إبليس) الملك التافه الذي ما أن يملك فيك حتى يعد مملكة الخطية. هكذا مع كل هؤلاء المخربين الذين اعتادوا أن يملكوا فيك بعمل الخطية، فإن يسوع ربنا وحده سيملك فيك (وينزعهم)، له المجد والسلطان إلى أبد الأبد، آمين [62].
العلامة أوريجينوس
* هذه كلها هي الشيطان وقواته، إذ أعطانا ربنا سلطانًا عليها لكي نطأها، بقوله: قد أعطيتكم سلطانًا أن تدوسوا على الحيات والعقارب وعلى كافة قوة العدو. فكل من يضبط غضبه ذاك يدوس على التنانين، والذي يكسر الكبرياء بالتواضع يطأ على الأسد. والذي ينزع من قلبه السم ومن نظره الحسد فهو يدوس على ملك الحيات الذي من كثرة حسده، وشدة سمه، يقتل بنظره. والذي يتعفف عن الفواحش يسحق رؤوس الحيات المتمرغة بالأرض.
الأب أنسيمُس الأورشليمي
* "رأيت الشيطان ساقطًا مثل البرق من السماوات" (لو 10: 17). لم يكن في السماوات عندما قال: "أرفع كرسي فوق الكواكب" (إش 14: 13)، إنما سقط من عظمته وسلطانه... إنه لم يسقط من السماء، لأن البرق لا يسقط من السماء، لأن السحب هي التي تخلقه. فلماذا يقول: "من السماوات"؟ هذا لأنه كما لو كان ساقطًا من السماوات، وذلك كالبرق الذي يحدث فجأة. في ثانية واحدة يسقط الشيطان تحت نصرة الصليب... وكما أن البرق يخرج ولا يرجع إل موضعه، هكذا سقط الشيطان ولم يرجع إلى سلطانه. "ها أنا أعطيكم سلطانًا"[63].
القديس أفرام السرياني
تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
3. الوعد الإلهي بخلاصه

لأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِي أُنَجِّيهِ.
أُرَفِّعُهُ، لأَنَّهُ عَرَفَ اسْمِي [14].
يختم المرتل هذا المزمور بحديث إلهي مفرح [14-16]، حيث يقدم الله لأحبائه الملتصقين به وعودًا إلهية تنعش القلوب بتعزيات سماوية. إذ تتعلق نفوسنا بالسماوي يرفعنا كما إلى السماء، فلا يقدر العدو أن يصطادنا في فخاخه التي ينصبها لنا. إنه ليس فقط ينجينا، بل ويرفعنا، أي يسكب علينا نوعًا من الكرامة أو المجد، لأننا عرفنا اسمه، أي صرنا أصدقاء له، نسلك حسب وصاياه.
* هذه هي كلمات الله للكنيسة: "لأنه صب حبه فيَّ أنجيه" [14]... نحن أيضًا الذين نتعب على الأرض، ولا نزال نعيش في التجارب، ونخشى على خطواتنا لئلا تسقط في الفخاخ، نسمع صوت الرب إلهنا يعزينا: لأنه صبّ حبه فيَّ أنجيه، أرفعه، لأنه عرف اسمي"[64].
القديس أغسطينوس
* اسم الله هو مجده وجلاله، يعرفه ذاك الذي يعبده إلهًا واحدًا بإيمان مستقيم بريء من عبادة الأوثان، ومن المعتقدات الفاسدة، ويصنع مشيئته، ويعتصم باٌتكال عليه، ويحفظ وصاياه. فهو ينجو من كافة الأضرار بمعونته.
الأب أنسيمُس الأورشليمي
يَدْعُونِي، فَأَسْتَجِيبُ لَهُ.
مَعَهُ أَنَا فِي الضِّيقِ.
أُنْقِذُهُ وَأُمَجِّدُهُ [15].
قيل عن السيد المسيح كنائب عن البشرية: "الذي في أيام جسده، إذ قدم بصراخ شديدٍ ودموع طلبات وتضرعات للقادر أن يخلصه من الموت، وسمع له من أجل تقواه" (عب 5: 7). مؤكدًا لنا أنه يليق بنا أن نتبع خطواته، واثقين أن الصلوات والتضرعات هي مصدر كل البركات، وطريق النجاة والمجد.
* لا تخف حين تكون في ضيق، كما لو كان الرب ليس معك. ليكن الإيمان معك، فيكون الله معك في تعبك. توجد أمواج في البحر، وهي تلطم (سفينتك) لأن المسيح نائم. نام المسيح في السفينة بينما كاد الناس أن يهلكوا (مت 8: 24-25). إن كان إيمانك نائمًا في قلبك يكون المسيح كأنه نائم في سفينتك، لأن المسيح يسكن فيك بالإيمان. عندما تبدأ تُلطم بالأمواج أيقظ المسيح من النوم، أيقظ إيمانك فتتأكد أن لا يتركك[65].
القديس أغسطينوس
مِنْ طُولِ الأَيَّامِ أُشْبِعُهُ،
وَأُرِيهِ خَلاَصِي [16].
إنه يرينا خلاصه، أي يكشف لنا الأمجاد الأبدية التي يعدها لنا.
* زمن الأيام له نهاية وعدد محدد. حسنًا يقول المرتل: "عرفني يا رب نهايتي ومقدار أيامي كم هي، فأعلم كيف أنا زائل" (مز 39: 4). أيام الحياة المعطاة تحت الشمس هي أيام البطلان. حتى وإن كانت حياتنا التي نعيشها الآن صالحة ومملوءة بالاستنارة، فإنه سيحل محلها أفراح أعظم، يقول عنها الله: "من طول الأيام أشبعه" (مز 91: 16) [66].
القديس ديديموس الضرير
* ما هو طول الأيام؟ الحياة الأبدية...! هذا الطول هو ذاك الذي بلا نهاية، يعدنا بالحياة الأبدية في طول الأيام. بالحقيقة هذه تُشبع، لذا يقول: "أشبعه". أي طول للزمن إن كان له نهاية، ولا يشبع، لهذا لا يُقال عنه "طول الأيام". إن كنا طامعين، فلنطمع في الحياة الأبدية، فإن مثل هذه الحياة طويلة بلا نهاية[67].
القديس أغسطينوس
* إذا صرخ (يدعوني)، أي إذا تضرع بهمةٍ ونشاطٍ، يستجيب له، ويكون معه في وقت حزنه، وليس فقط ينقذه، بل ويمجده أيضًا، ويملأه طول عمرٍ، كما أطال عمر سمعان الشيخ، وأراه خلاصه، أعني ابنه مخلص العالم، لأجل ذلك قال: "فإن عيني قد أبصرتا خلاصك".
الأب أنسيمُس الأورشليمي
تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
من وحي مز 91

لأستتر فيك واحتمي بك!


* تباركك نفسي يا من نزلت إلى أرضنا.
صرت لي مسكنًا وملجأ،
وقبلتني مسكنًا لك.
صرت لي طريقًا آمنًا.
تحملني فيك وتنطلق بي إلى أحضان أبيك!
* لينصب ذلك الصياد الماكر فخاخه.
فإنه لا يقدر أن ينصبها في طريقي،
لأنه لا يقدر أن يقترب إلى المسيح طريقنا.
ينصب فخاخه على جوانب الطريق.
يبذل كل جهده لكي انحرف يمينًا أو يسارًا.
لن اترك مسيحي،
فلا أسقط في فخاخه وشباكه!
* تظللني بجناحيك،
وتخفيني في حضنك.
تصير أنت ترسًا لي،
وحقك مجنًا يحميني.
ليطلق العدو كل ما في جعبته.
فلا أخشاه ليلًا ولا نهارًا.
سهامه لا تقدر أن تلمسني،
مادمت أنت تحوط بي.
* من ينحرف عنك يمينًا بالبرّ الذاتي،
أو شمالًا بشهوات الخطية،
يسقط في فخاخ إبليس وتقتله سهامه النارية.
لألتصق بك، وأختفِ فيك.
فلا تدنو إليّ ضربة من العدو.
* ملائكتك تشتهي أن تخدم أولادك.
من أجلك يحملونهم على الأيادي،
فلا يعثرون بحجر!
* وهبتنا سلطانًا على إبليس وكل قواته،
فلا يستطيع أن يغوينا مادمنا في أحضانك!
* أسبحك وأمجد اسمك.
وفي وسط الضيق أتلامس مع عمق أفكارك.
تكشف لي أسرار خلاصك،
وتدخل بي إلى عربون سماواتك!
  رد مع اقتباس
قديم 18 - 02 - 2014, 04:17 PM   رقم المشاركة : ( 93 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,346

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب

مزمور 92 - تفسير سفر المزامير
مزمور السبت


كان لهذا المزمور وضعه الخاص في خدمة السبت في الهيكل. وهو يكشف عن النظرة الحقيقية للسبت عند اليهود. إنه لم يكن يهدف إلى مجرد الراحة من العمل، إنما التمتع بالراحة والبهجة خلال العبادة والتسبيح لله. فالعبادة ليست فريضة تمثل عبئًا يلتزم به المؤمن، إنما هي راحة وبهجة للنفس.
جاء في النسخة الكلدانية أن واضع المزمور هو آدم، وتبع ذلك كثير من الكتاب اليهود وقلة من المسيحيين. الذين نادوا بهذا الرأي يرون أن آدم وضع هذا المزمور قبل السقوط أو بعد خروجه من الفردوس مباشرة. لكن يعترض البعض على ذلك أن آدم -خاصة في الفردوس- لم يعرف الآلات الموسيقية.
يرى البعض أنه من وضع موسى النبي، بينما كثيرون يرون أن الكاتب داود النبي، سجله بعد أن أراحه الله من أعدائه.
هو دعوة أو حث على التسبيح لله من أجل أعماله سواء كخالقٍ، أو لرعايته وحمايته لشعبه، ولعدله في معاقبته للأشرار.

1. دعوة للتسبيح
1-5.
2. هلاك الجاهل
6-11.
3. تطويب الأتقياء
12-15.
من وحي مز 92
تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
[FONT=""]العنوان[/FONT]

مَزْمُورُ تَسْبِيحَةٍ. لِيَوْمِ السَّبْتِ
يقول القديس جيروم معلقًا على مزمور تسبيح ليوم السبت (مز 92): [لا يمكن أن يوجد سبت ما لم تسبقه ستة أيام. نحن نعمل الستة أيام لنستريح في السابع. لا نقدر أن نسبح الرب إلا في يوم السبت؛ مادمنا مشغولين بأعمال العالم، أي مادمنا في الستة أيام لا نستطيع أن نغني للرب... ليس أحد في يوم السبت، أي في راحة الرب يعمل عملًا دنيئًا، أي يرتبك بأعمال العالم، إنما يلزمه أن يعمل ما يخص السبت. أتريد أن تعرف أنه في السبت يعمل الكهنة في هيكل الرب بينما لا يُسمح لأحدٍ أن يقطع فيه حطبًا، ففي الحقيقة الرجل الذي اُكتشف أنه يجمع حطبًا في البرية رُجم للموت (عد32:14-36). في السبت لا يشعل أحد نارًا، ولا يمارس أي عمل... إذن لنرى أنه يليق بنا أن نسبح في السبت عندما نترك أعمال هذا العالم[1].]
يرى كثير من الآباء في اليوم السابق للسبت حيث كان الشعب يجمع منًا ليوم السبت إشارة إلى العمل الجاد لأجل التمتع بالطعام السماوي في الحياة الأبديةِ. يقول القديس غريغوريوس أسقف نيصص: [هذا اليوم إنما هو الحياة الحاضرة التي فيها نعد أنفسنا للأشياء العتيدة[2].] ويقول العلامة أوريجينوس: [من خزَّن للسبت لم يفسد (المن)، ولا أتى فيه دود، بل بقي سليمًا، أما إن كنت تخزن للحياة الحاضرة حُبًا في هذا العالم، فسيتولد فيك الدود[3].]
هكذا سبتنا يعني مشاركتنا إلهنا في راحته التي هي عمل إلهي لا يتوقف كما في قداسته (خر 12:31-17). لهذا كثيرًا ما يستخدم الكتاب المقدس تعبير "قدِّسْ يوم السبت". بمعنى آخر حفظ السبت هو التقاء مع الله خلال العبادة المقدسة والذبيحة لا لنكرم الله بعبادتنا، لكن ما هو أعظم، لكي ننعم بعمل الله فينا، واهبًا إيانا الشركة معه، لندخل به إلى قداسته[4].
كأن "السبت" هو عربون لتمتع الشعب المختار بقداسة الله يومًا كل أسبوع، وسنة كل سبع سنوات، وأخرى كل خمسين عامًا. كانوا يعتزلون كل عملٍ زمني، لا ليعيشوا في خمولٍ، بل في الحياة المقدسة، ليختبروا عربون السماء!
كان السبت هو علامة على العضوية في الأسرة الإلهية، والانتساب إلى السماء، لذا كان كسر السبت عقوبته الموت (خر 1:35-3).
في مزمور تسبحة ليوم السبت (مز 92) يتأمل المرتل في معاملات الله، قائلًا: "ما أعظم أعمالك يا رب، وأعمق جدًا أفكارك!" (مز 5:92). يدرك المؤمن نجاحه بالرب فيقول: "الصديق كالنخلة يزهو، كالأرز في لبنان ينمو، مغروسين في بيت الرب في ديار إلهنا يزهرون، وأيضًا يثمرون في الشيبة" (مز 12:92-14). بهذا تمتلئ نفس المؤمن فرحًا، فيترنم "على ذات عشرة أوتار، وعلى الرباب، وعلى عزف العود، لأنك فرحتني يا رب بصنائعك، بأعمال يديك أبتهج" (مز3:92، 4).
يقول العلامة أوريجينوس إن حياة المؤمن تصير سبتية، لا بالامتناع عن الأعمال الصالحة، بل بالتأمل في الله، وأعماله ومجده السماوي[5].
يرى الأب أنسيمُس الأورشليمي أن السبت يشير إلى اليوم السابع حيث كان اليهود يستريحون من الأعمال الجسدية ويواظبون على الأعمال الروحية، مقدمين الذبائح ويزيدون من صلواتهم وتسابيحهم. كما يشير إلى الحياة العتيدة الأبدية، حيث تبطل فيه كافة أعمال الجسد. وأيضًا يُقال عن الزمن الذي فيه تجسد ربنا سبتًا، لأننا فيه طرحنا عنا أعمال خطايانا.
* يعلن الله لنا عن السبت. أي نوع من السبت؟ أولًا أين هو، إنه في القلب، داخلنا، فإن كثيرين عاطلون بأعضائهم (الجسدية) بينما هم مضطربون في ضميرهم... ذات الفرح في هدوء رجائنا هو سبتنا. هذا هو موضوع التسبيح والترنم في هذا المزمور. كيف يكون المسيحي في سبت قلبه، أي في هدوء ضميره وسكونه وصفائه بدون اضطراب. هنا يخبرنا كيف أن البشر ينزعون إلى أن يكونوا مضطربين معلمًا إياكم أن تحفظوا السبت في قلوبكم[6].
القديس أغسطينوس
تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
1. دعوة للتسبيح

حَسَنٌ هُوَ الْحَمْدُ لِلرَّبِّ،
وَالتَّرَنُّمُ لاِسْمِكَ أَيُّهَا الْعَلِيُّ [1].
يدعو المرتل الآخرين للاشتراك في لحظات التسبيح المفرحة، مستخدمًا الآلات الموسيقية. إن كانت التسبحة لله أمرًا مبهجًا ومفرحًا، فهي عمل دائم يبقى حتى في الأبدية.
* عندما نعترف للرب نثق في رحمته، وعندما نرنم نتمم عملًا صالحًا[7].
* "حسن هو الاعتراف للرب، والترنم لاسمك أيها العلي". لماذا لم يقل المرتل أولًا: "حسن هو الترنم" وبعد ذلك "الاعتراف"؟ لأن الأخرى (أي الاعتراف) هي التي تهيئ للترنم الحقيقي. حسن للإنسان أولًا أن يتوب ويعترف عن خطاياه للرب، وعندما يتعرف على خطاياه، يترنم له. فإنه بالندامة يتأهل لقوة الاندفاع في الترنم لله، دون أن تقيده خطورة الخطية[8].
القديس جيروم
* ماذا إذن يعلمنا هذا المزمور؟ "حسن هو الاعتراف للرب" ما هو الاعتراف للرب؟ في حالتين: في خطاياكم لأنكم فعلتموها، وفي أعمالكم الصالحة اعترفوا للرب، لأنه هو الذي يعملها. عندئذ "الترنم لاسم الله العلي" طالبين مجد الله لا مجدكم، مجد اسمه لا أسمائكم. فإن كنتم تطلبون اسمه يطلب هو أسماءكم، وإن تجاهلتم اسم الله، يمسح هو أسماءكم[9].
القديس أغسطينوس
أَنْ يُخْبَرَ بِرَحْمَتِكَ فِي الْغَدَاةِ،
وَأَمَانَتِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ [2].
يبدأ التسبيح مع بداية النهار باكرًا في الفجر، وتبقى النفس تسبحه حتى ساعة متأخرة من الليل، حيث يلهج الإنسان بمراحمه الإلهية وأمانته في تحقيق وعوده. ليس أمر يهب الإنسان عذوبة في بداية اليوم مثل التسبيح، ولا ما يهبه تعزية وراحة في آخر الليل مثله.
* ماذا إذن تعني: "أن نخبر برحمتك (حنوك) في الفجر"؟ إنها تعني هذا: "إنه ليس ممكنًا لنا أن نعترف للرب ونحصل على رحمته ما لم يبدأ نور واضح أن ينير قلوبنا؛ ما لم تنسحب ظلال الليل ويبلغ الفجر، لا نستطيع أن ننال رحمة الله المترفقة. لهذا فإنه بالحقيقة تخبر في الفجر بحنو الله عندما تشرق شمس البرّ في قلبك[10].
* "أن يخبر برحمتك في الفجر، وأمانتك بالليل". لماذا يسبح بالرحمة في الفجر وبالأمانة بالليل؟ لتصغوا بانتباه، فإن هذه أمور ليس من السهل فهمها. يقول أولًا: "حسن هو أن يعترف للرب" فإن الترنم يتبع معرفة الخطايا. الإنسان الذي يرد نفسه بالتوبة عن الخطية، ويتأهل للتسبيح، يبدأ أيضًا أن يخبر عن ذاك الذي يسبحه. ماذا يعني أن الرحمة يُخبر بها في الفجر، والأمانة يُسبح بها في الليل بأغنية؟ حيث توجد رحمة الرب يكون النور، أي يكون الفجر، الساعة التي تشرق فيها الشمس، ويزول عمى ظل الليل. "أمانتك بالليل"، حيثالعدل. حيث يوجد العدل تكون المحاكمة، وحينما يصدر الحكم لا يوجد مجال للرحمة، عندما تُزال الرحمة، يكونالتهديد بكارثة الخطية. هناك يكون الليل لا النهار، كقول النبي: "ماذا يعني لكم يوم الرب؟ هو ظلام لا نور" (راجع عا 5: 18). في ذلك اليوم سيعرف فحص كل حياة حسبما يستحق. في عبارة أخرى يقول النبي إن هذا اليوم مرعب... "عظيم هو يوم الرب ومرعب للغاية من يقدر أن يحتمله؟" (راجع يوئيل 2: 11)[11].
القديس جيروم
* ما هو هذا، أن نخبر برحمتك في الصباح وحق الله في الليل؟ الصباح هو عندما نكون في فرج، والليل عندما يحل حزن التجربة... عندما تكونون في ازدهار افرحوا في الله، لأن هذا من قبل رحمته... وحينما تكونوا في تعبٍ احمدوا حقه، فهو يجلد عن الخطايا، وهو ليس بظالمٍ... في الليل اعترف دانيال بحق الله، قال في صلاته: "أخطأنا وأثمنا وعملنا الشر... لك يا سيد البرّ. أما لنا مخزي الوجوه" (دا 9: 5، 7). لا تتهموا الله لأنكم تتألمون بسبب الشر، بل انسبوه لخطاياكم ولإصلاحه لكم؛ تخبرون بلطفه باكرًا في الصباح وبحقه في وقت الليل. وعندما تفعلون هذا تسبحون الله على الدوام، وتعترفون له، وترنمون لاسمه[12].
القديس أغسطينوس
* السبوت والأعياد التي تكّمل بالنهم والسكر واللهو واللعب والأعمال غير اللائقة يبغضها الله، وينتهر فاعيلها. لأنه في الأصحاح الأول من نبوة إشعياء النبي يقول: "رؤوس شهوركم وأعيادكم بغضتها نفسي. صارت عليَّ ثقلًا. مللت حملها" (إش 1: 14). فهذا المزمور إذن يعلمنا بأن بطالة العمل في الأعياد تكون لأجل هذه الأربع:
أولًا: اعتراف للرب، أي التفكير في إحسانات الله وخلاصه الذي صنعه للبشر.
ثانيًا: الترتيل لاسمه.
ثالثًا: أن نخبر الناس برحمته التي صنعها معنا.
رابعًا: أن نذكره بحقه أي بانجازه وتحقيق ما وعد به إبراهيم أن بنسله تتبارك كافة الأمم.
وهذه الأربع نداوم عليها بالغداة (الصباح) والليل.
الأب أنسيمُس الأورشليمي
عَلَى ذَاتِ عَشْرَةِ أَوْتَارٍ،
وَعَلَى الرَّبَابِ، عَلَى عَزْفِ الْعُودِ [3].
* عندما نرفع أيادي طاهرة في الصلاة بدون غضبٍ ولا جدال (1 تي 2: 8)، نلعب للرب على آلة موسيقية ذات عشرة أوتار... جسدنا ونفسنا وروحنا -قيثارتنا- تعمل معًا بانسجام، كل أوتارها تقدم لحنًا[13].
القديس جيروم
* لم تسمعوا السنطور (آلة موسيقية قديمة تشبه القانون) ذا العشرة أوتار للمرة الأولى. إنه يشير إلى وصايا الناموس العشر. يليق بنا أن نغني بذاك السنطور، لا أن نحمله فقط. فإنه حتى اليهود لهم الشريعة، لكنهم يحملونها ولا يعنون بها... "على الرباب"، هذه تعني بالكلام كما بالعمل. أن كنتم تنطقون بالكلام فقط، يكون لكم الأغنية فقط بدون الرباب. إن كنتم تعلمون ولا تتكلمون يكون لكم القيثارة فقط. لهذا فتتكلموا حسنًا وتسلكوا حسنًا، بهذا يكون لكم الأغنية مع القيثارة[14].
القديس أغسطينوس
* لنجعل أنفسنا عودًا ذا عشرة أوتار، إي لا يكون ترتيلنا وخطابنا عن رحمة الله وصلواتنا، باللسان فقط، بل باتفاق قوى النفس الخمس وحواس الجسد الخمس. وأيضًا تكون قيثارة منظومة بالروح القدس ترنم تسابيح لله باتفاق النفس والجسد، وبمحبة بعضنا البعض، وذلك ليس فقط في الأعياد، بل وفي كل حينٍ.
الأب أنسيمُس الأورشليمي
لأَنَّكَ فَرَّحْتَنِي يَا رَبُّ بِصَنَائِعِكَ.
بِأَعْمَالِ يَدَيْكَ أَبْتَهِجُ [4].
بدأ تقديس يوم السبت أولًا لتمجيد الله على أعمال خلقته.
راحة الإنسان الحقيقية تقوم على التسبيح لله خلال دراسته وتأملاته في أعمال الله العجيبة، الظاهرة والخفية. أما عناية الله الدائمة لخليقته فلا تقل عن عمل الخلقة نفسه، فإن كان بمحبته قد خلق كل شيءٍ، فانه بذات الحب يبقى يرعى خليقته ويعتني بها. وجاء السبت المسيحي، أو الأحد يبعث روح الفرح في حياة المؤمنين، إذ يتمتعون بالحياة الجديدة المقامة خلال قيامة السيد المسيح في فجر الأحد.
صنائع الرب وأعمال يديه تبعث فينا الفرح، وتحثنا على التغني بتسابيح مبهجة.
يرى الأب أنسيمُس الأورشليمي أن كلمة "صنائعك" تشير إلى قيامة رب المجد يسوع في بدء الأسبوع، فالمزمور يشير إلى فرح الكنيسة بعمل قيامته، فصار عيدنا وراحتنا فيها، في يوم الأحد.
يرى القديس جيروم في هذه العبارة ردًا على الغنوسيين الذين يحقرون من المادة، ويظنون أنها ليست من صنع الله الصالح، بل من صنع الخالق الذي أدنى من الله، أو هو إله شرير.
يرى القديس أغسطينوس أن المؤمن الحقيقي يفرح بأعمال الله معه. فما فيه من صلاح هو عطية إلهية.
* إن اقتربتم إليه تكونون في النور، لذلك يقول المزمور: "انظروا إليه واستنيروا ووجوهكم لا تخجل" (راجع مز 34: 5). لأنكم لا تقدرون أن تصنعوا أي صلاحٍ ما لم تستنيروا بنور الله، وتصيروا في دفء بروح الله، عندما ترون أنفسكم تمارسون عملًا صالحًا، اعترفوا لله وقولوا ما نطق به الرسول إنكم لا تنتفخون: "أي شيء لك لم تأخذه؟" (1 كو 4: 7)[15].
القديس أغسطينوس
* كل ما أتطلع إليه يملأني بالبهجة، إذ أتعرف على الخالق، وأبارك الله... كما أتعجب من الرب عندما أتطلع إلى الفيل أدهش أيضًا منه عندما أتطلع إلى النملة[16].
القديس جيروم
* "على ذات عشرة أوتار، وعلى الرباب على عزف العود، لأنك فرحتني يا رب بصنائعك. بأعمال يديك ابتهج". احذروا من ماني[17]، ومرقيون[18] وفالنتينوس[19] وبقية الهراطقة[20] الذين يتجاسرون ويسبون الخالق. انظروا، أين تجدون العثرة؛ فإن النبي يمجد الخالق ويفرح بأعماله! إنه يعلم بأن كل شيء يظهر شريرًا فهو ليس كذلك بالطبيعة، وإنما صار هكذا بالاختيار الحرّ للإرادة[21].
القديس جيروم
مَا أَعْظَمَ أَعْمَالَكَ يَا رَبُّ،
وَأَعْمَقَ جِدًّا أَفْكَارَكَ [5].
كلما تمتع الإنسان باكتشافات حديثة زادت دهشته أمام عظمة الخالق وحكمته وعنايته التي تفوق الفكر البشري. أما في يوم الرب العظيم فسندرك أعماقًا جديدة لعمل الخلاص الذي قدمه الرب بصلبه وقيامته. إذ ننعم برؤيته وجهًا لوجه، ونتمتع بشركة الأمجاد، نقف في دهشة أمام خلاص الرب العجيب.
* حقًا يا إخوتي لا يوجد بحر عميق مثل أفكار الله هذه، الذي يجعل الأشرار يزدهرون والصالحين يتألمون. ليس شيء يصعب فهمه مثل هذا، ليس شيء عميقًا كهذا... أتريدون أن تعبروا هذا العمق. لا تتركوا خشبة صليب المسيح. بهذا لا تغرقون، تمسكوا بالمسيح بقوة. ماذا أقصد بهذا: تمسكوا بقوة المسيح؟ إنه لهذا السبب اختار أن يتألم على الأرض بنفسه. لقد سمعتم حين كان النبي يُقرأ: إنه لم يحول ظهره عن ضاربيه، ولم يحول خديه عن أياديهم (راجع إش 50: 6). لماذا اختار أن يتألم بكل هذا إلا لكي يعزي المتألمين؟ احتملوا إذن التجربة في العالم بذات الهدف لكي ما تُلاحظوا في المسيح، ولا تجعلوا أولئك الذين يفعلون الشر ويزدهرون في هذه الحياة أن يزعزعونكم.
"ما أعمق جدًا أفكارك". أين هو فكر الله؟ لا تفرحوا مثل السمكة التي تبتهج بالطُعم. لم يسحب الصياد الطُعم بعد، والطُعم لا يزال في حلق السمكة. وما تظنوه مدة طويلة هو مدة قصيرة، كل هذه الأمور ستعبر سريعًا. ما هي الحياة الطويلة للإنسان بالنسبة لأبدية الله؟[22]
القديس أغسطينوس
* "ما أعظم أعمالك يا رب! وأعمق جدًا أفكارك!" هذه هي مشاعر الرسول الذي يعلن: "يا لعمق غنى الله وحكمته وعلمه" (رو 11: 33). لأن أفكارك لا يُسبر غورها، ليس من تأمل بشري، ولا فكر إنساني يقدر أن يدرك عملك. يقول مزمور آخر: "كل أعمالك موثوق فيها" (راجع مز 32: 4). لاحظوا جيدًا: "كل أعمالك موثوق فيها". إن كانت معرفتنا للمخلوق تعتمد بالأكثر على الإيمان أكثر من العقل، كم بالأكثر هذه المعرفة الحقيقية التي لنا من جهة الخالق وصانع كل الأشياء؟ إذ يقول الكتاب المقدس: "كل أعماله موثوق فيها" إذن، أنا أيضًا الذي أتكلم موثوق فيه، مادمت أنا جزءًا من أعماله. أنا أيضًا موضوع إيمان وليس عقل، فإنني لا أستطيع أن أعرف الأساس الذي به أسير وأتكلم في أخذ القرارات. لماذا إرادتي تأمر؛ لماذا جسدي يطيع إرادتي، كيف يمكن للنفس الخالدة إن تتحد بجسم قابل للموت، لماذا تجول نفسي هنا وهناك، ولا يُمكن أن تُحد بواسطة نطاق العالم، ومع هذا تُحد في جسم[23].
* لاحظوا ماذا تفعل الملائكة: إنهم يعلنون عن جماله، ويصمتون بخصوص جوهره[24].
القديس جيروم
تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
2. هلاك الجاهل

الرَّجُلُ الْبَلِيدُ لاَ يَعْرِفُ،
وَالْجَاهِلُ لاَ يَفْهَمُ هَذَا [6].
ما هو الذي لا يعرفه الإنسان البليد ولا يفهمه الجاهل، إلا عمق أفكار الله، إذ يسمح للشرير أن يزدهر، لكنه سرعان ما يجف كالعشب. كان يليق بالشرير ألا يبتهج بازدهاره، بل يقدم توبة ويرجع إلى الله. إنه يفضل الازدهار إلى حين مع الهلاك الأبدي، عوض التوبة لكي ينعم بالمجد السماوي.
الإنسان الذي يتكل على معرفته وحدها ولا يقبل التعليم من قبل الله يدخل في نوع من البلادة والجهل. قيل بإرميا النبي: "لأنه في جميع حكماء الشعوب، وفي كل ممالكهم ليس مثلك. بلدوا وحمقوا معًا... أما الرب الإله فحق" (إر 10: 7، 8، 10). "بلد كل إنسانٍ بمعرفته" (إر 51: 17). وكما قيل في سفر الأمثال: "إني أبلد من كل إنسانٍ، وليس لي فهم إنسانٍ، ولم أتعلم الحكمة، ولم أعرف معرفة القدوس" (أم 30: 2-3). يدعونا الرسول أن نتمتع بمعرفة الروحيات من قبل روح الله: "أمور الله لا يعرفها أحد إلا روح الله. ونحن لم نأخذ روح العالم بل الروح الذي من الله، لنعرف الأشياء الموهبة لنا من الله" (1 كو 2: 11-12).
* إن أعمالك وإن كانت عجيبة، وحكمتك لا يُدرك عمقها، لكننا نحن بنعمتك نتصورها ونعلمها للغير. أما الجهال فلا يعرفونها، ولا يقبلون تعليمها.
الأب أنسيمُس الأورشليمي
إِذَا زَهَا الأَشْرَارُ كَالْعُشْبِ،
وَأَزْهَرَ كُلُّ فَاعِلِي الإِثْمِ،
فَلِكَيْ يُبَادُوا إِلَى الدَّهْرِ [7].
أمور هذا العالم تزهو لكن كالعشب، الذي سرعان ما يجف وييبس، فالأشرار يزهون إلى حين كالعشب، ويهلكون إلى الأبد.
* "إذا زها الأشرار كالعشب". لقد رأيتم قادة جيش، رأيتم حكامًا، لاحظتم جيوشًا، وتشهدون عن انتصارات عسكرية. بالأمس كانوا، واليوم لا وجود لهم... بالأمس كانت الزهرة مزدهرة، واليوم لم تعُد تُرى. بالأمس كان النبات أخضر ومنتعشًا واليوم صار جافًا ويابسًا. ماذا صار لكل هذا الجمال؟ ليس شيء صالحًا إلا ما هو أبدي![25]
القديس جيروم
أَمَّا أَنْتَ يَا رَبُّ،
فَمُتَعَالٍ إِلَى الأَبَدِ [8].
الله عالٍ جدًا إلى الأبد، مجده لا يُحد، لا يلحقه عوز، ولا ألم ولا تلحق به قوة الأعداء.
الله في علوه ينتظر حتى يعبر الشرير الملتصق بالفساد، ويأتي البار إلى المجد الأبدي. يعبر زمان الشرير المؤقت، وتحل أبدية البار.
* أما أنت يا رب، وإن كنت قد تواضعت وصرت إنسانًا مثلنا لكنك مازلت عاليًا.
الأب أنسيمُس الأورشليمي
* أتريدون أن تكونوا طوال الأناة وصابرين؟ التصقوا بأبدية الله. ومعه انتظروا من جهة الأمور التي تحتكم. فإنه إذ تلتصق قلوبكم بالعلي، تصير كل الأمور الزائلة تحتكم، فتقولون: "هوذا أعداؤك يبيدون"[26].
القديس أغسطينوس
لأَنَّهُ هُوَذَا أَعْدَاؤُكَ يَا رَبُّ،
لأَنَّهُ هُوَذَا أَعْدَاؤُكَ يَبِيدُونَ.
يَتَبَدَّدُ كُلُّ فَاعِلِي الإِثْمِ [9].
كل فاعلي الإثم سيتفرقون ويتبددون ويهلكون، إذ يمارسون الإثم يحملون في داخلهم الفساد والهلاك.
* كما أن الزوجة لا يمكن أن تكون زانية ما لم تكن عدوه لزوجها، هكذا النفس التي هي زانية خلال محبتها للأمور الزمنية لا يمكنها إلا أن تكون عدوة لله... كل محبي العالم هم أعداء الله: هم شغوفون نحو الأمور التافهة والذين يستشيرون العرافين والمنجمين وأصحاب الأرواح الشريرة[27].
القديس أغسطينوس
وَتَنْصِبُ مِثْلَ الْبَقَرِ الْوَحْشِيِّ قَرْنِي.
تَدَهَّنْتُ بِزَيْتٍ طَرِيٍّ [10].
جاء عن الترجمة السبعينية والقبطية: "يرتفع مثل وحيد القرن قرني، وشيخوختي في دهن دسم".
"وحيد القرن Unicorn" أو أحادي القرن، وهو حيوان له جسم فرس وذيل أسد وقرن وحيد في وسط الجبة.
يشير "القرن" إلى القوة، لذا يقول المرتل: "إلهي صخرتي به أحتمي، ترسي وقرن خلاصي وملجأي" (مز 18: 2). كما قيل: "قلت للمفتخرين لا تفتخروا، وللأشرار لا ترفعوا قرنًا؛ لا ترفعوا إلى العلي قرنكم، ولا تتكلموا بعنقٍ متصلبٍ" (مز 75: 4-5).
كأن المرتل هنا وقد تلامس مع عمل الله الذي يبدد فعله الإثم يدرك أنه ينقذه من حالة الإحباط التي سبق فحلت به بسبب الأشرار، طالبًا منه أن يهبه القوة والفرح والحرية. يسأله أن يمسحه بالدهن، فيجعله مكرسًا للرب كما وُهب للملوك حيث مسحهم الأنبياء (1 صم 15: 1، مز 2: 2)؛ يهبهم مسحة البهجة المفرحة (2 صم 12: 20).
للقديس جيروم تعليق يخص "القرن" إذ يقول بأنه لا يجوز تقديم ذبيحة في الهيكل لحيوانٍ ليس له قرن، لأن الذبيحة تشير إلى السيد المسيح المصلوب، فيبسط يديه على الصليب، ليضرب بالصليب عدو الخير، كما يقتل الحيوان عدوه بالقرن. على الصليب صلب السيد المسيح الشيطان وكل قواته، ووهبنا روح الغلبة والنصرة.
أما بخصوص الدهن الإلهي أو الزيت، فقد صعد السيد المسيح إلى السماء من على جبل الزيتون، لكي إذ نُدهن بزيت مراحم الرب أو دهنه الإلهي فبالحق تنحل قلوبنا من رباطات العالم، وتصعد إلى ملكوت السماء! إنه لم يصعد من وادي الزيتون، بل من جبل الزيتون، لأنه يود أن يرفعنا إلى السماء، أما إبليس فله أيضًا زيته في الفلسفات والإلحادية والهراطقة والأشرار لكي يعدوا البشر بالاستنارة بزيتهم الذي لا يرفع قلوبهم إلى ملكوت السماء، بل يهبط بهم ويحدرهم إلى محبة العالم والأرضيات.
* "وتنصب مثل البقر الوحشي قرني". يُشيَّد القرن دائمًا في مملكة... كحقيقة واقعة لا يُقدم للرب ذبيحة في الهيكل ما لم يكن لها قرون. يُقدم في الهيكل ثلاث حيوانات للرب: الثور والكبش (الخروف) والظبي. ثلاث حيوانات تقدم ذبائح وكلها بقرون. ما لم يكن له قرن يهزم به عدوه لا يُحسب أهلًا أن يُقدم للرب. وهذا هو السبب لماذا يوصف الرب أيضًا بالقرن (مز 18: 2)، بالنسبة للذين يؤمنون به، وبقرون الصليب غلب أعداءه. على الصليب أخزى الشيطان وكل جيشه. لتتأكدوا أن المسيح صُلب بجسده، ولكن على الصليب صلب هو الشياطين هناك. لم يكن صليبًا، بل علامة النصرة، علم الغلبة. غايته الكاملة لصعوده الصليب هو أن يرفعنا عن الأرض. أظن أن صليب المخلص كان السلم الذي رآه يعقوب[28].
* كم أن أجسادنا عندما تكون مرهقة من العمل اليدوي، تنتعش بدهنها بزيتٍ، وكما أن نور السرج ينطفئ ما لم تغذيه بالزيت، هكذا نور شيخوختي يتطلب زيت رحمة الله ليبقى منيرًا ببهاءٍ. لذلك أيضًا صعد الرسل على جبل الزيتون لكي يستنيروا بزيت الرب، إذ كانوا في قلقٍ، وكانت مصابيحهم في حاجة إلى زيته. في توافق مع هذا الفكر، يقول البار: "أما أنا فمثل زيتونة خضراء في بيت الله" (مز 52: 8). وفي موضع آخر يقول الكتاب المقدس: "بنوك مثل غروس الزيتون حول مائدتك" (مز 128: 3)... لماذا كان من الضروري للرب أن يصعد إلى ملكوت السماوات من جبل الزيتون؟ إنما ليحقق ما يعلمكم به الكتاب المقدس. ما لم يكن لكم ولمصابيحكم الزيت، لن تستطيعوا أن تصعدوا إلى ملكوت السماء. يلزمكم أن تكونوا على جبل الزيتون، لا في وادي الزيتون، بل على الجبل. قد يسأل أحد: ما هو وادي الزيتون؟ الشيطان أيضًا له الزيتون الخاص به، له الفلاسفة، له الهراطقة، هؤلاء أيضًا لهم زيت، هو أيضًا يعدون بنور المعرفة. لكن هذه البساتين من الزيتون تقود إلى الانحدار في الوادي. "زيت الخاطي لا يدهن رأسي" (راجع مز 142: 5). لنصلي إذن للرب لكي ما تستنير شيخوختنا وعملنا وكل ظلمتنا بزيت الرب[29].
القديس جيروم
وَتُبْصِرُ عَيْنِي بِمُرَاقِبِيَّ،
وَبِالْقَائِمِينَ عَلَيَّ بِالشَّرِّ تَسْمَعُ أُذُنَايَ [11].
إذ أعداء المرتل هم فاعلو إثم، فنهايتهم الهلاك الأكيد. سيرى بعينيه ما سيحل بهؤلاء الأشرار، وتسمع أذناه عن القائمين ضده.
"مراقبي": لم ترد هذه الكلمة العبرية في موضع آخر في الكتاب المقدس، وهي تشير إلى الذين يتطلعون إليه بعين شريرة يترقبون هلاكه.
تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
3. تطويب الأتقياء

اَلصِّدِّيقُ كَالنَّخْلَةِ يَزْهُو كَالأَرْزِ،
فِي لُبْنَانَ يَنْمُو [12].
النخلة: عادة شجرة تتسم بطولها مع استقامتها وخضرتها الدائمة وجمالها، ثمرها غذاء نافع جدًا، ويستظل تحتها الفلاحون. تُستخدم كرمزٍ للديمومة والصبر والأثمار والنصرة.
الأرز في لبنان: يتسم بارتفاعه وقوته، تعيش الشجرة أكثر من ألف علم، ظلها متسع يلجأ إليه مجموعات معًا، خشبها له قيمة ثمينة يستخدم في العمارة.
في المسارح الشرقية الشهيرة تستخدم النخلة وشجرة الأرز كرمزٍ أخاذ للشخص البار.
البار والشرير كلاهما يزهوان، لكن ليسا بذات الطريقة، الأول يزهو كالنخلة ويدوم نموه إلى الأبد. أما الثاني فيزهو، ولكن كالعشب إلى حين، إذ يُقال عنه: "لأن الشمس أشرقت بالحر، فيبست العشب، فسقط زهره وفني جمال منظره" (يع 1: 11).
الأول يجد سعادته في الأبديات، فتحمله معها، والثاني يجد سعادته في الزمنيات، فتدمره معها.
* يظهر جبل لبنان لنا من جميع جوانبه وتنمو الغابات الكثيفة تظلل جوانبه المنحدرة. ولهذا السبب تتنوع الصور التي كتبت عن جبل لبنان في الكتاب المقدس، لذلك يجب أن نفحص كل واحدة منها على حدة. لذلك يرى الأنبياء لبنان في أوجهه المختلفة، لمدحه ولإدانته. الرب يكسر أرز لبنان، ويقلل من شأنه، ويجعله كالعجل الوحشي الذي يُعبد في الصحراء (مز 5:29-6) (تعلمنا هذه النبوّة أن كل شر يرفع نفسه ضد معرفة الله سوف ينتهي إلى لاشيء). ويمكن أن نضفي معنى أفضل إلى لبنان: "الصديق كالنخلة يزهو، كالأرز في لبنان ينمو" (مز 12:92). ينمو الواحد العادل كنخلة عالية، لأنه في الحقيقة عادل (السيد المسيح هو الواحد العادل الذي صعد من الأرض إلى السماء من أجلنا). هو نخلة يحمل الكثير من الأوراق. وأصبح السيد المسيح وهو في طبيعتنا البشرية، جبلًا ملأ بالأرز كل من كان مرتبطًا به بالإيمان وناميًا عليه. وعندما نُزرع في بيت الله، ننمو ونزدهر في فناء الله[30].
القديس غريغوريوس أسقف نيصص

* النخلة شجرة مرتفعة ومثمرة وكثيرة البقاء، وفي نموها تحتاج إلى زمن طويل، وهي دائمة الورق، ومتينة الأصل، ولها حسن البياض، وحلو الثمر. ألوان ثمرها كثيرة، أسفلها رفيع وأما أعلاها فعريض ويصعب عل الوحوش أكل ثمرها، لأنه يعسر الوصول إلى أغصانها، والصعود إلي ارتفاعها... حتى أغصانها (سعف النخل) فيستعمل كراية لمن ينتصرون في الجهاد. لأجل هذه الخصال شبه الصديق بها، لأن الفضيلة زائدة الحلاوة، وتحتاج إلى زمن طويل وتعب كثير في نموها، لكنها دائمة البقاء، ومورقة وجيدة الأصل، وثمرها حلو، وقلبها أبيض، ومحاسنها كثيرة ومتنوعة، ولا تتسمع بالأرضيات، لكن ارتفاعها واتساعها في محبة السماويات، ولا يُلقى منها شيء جزافًا، وجوائز أثمانها والجهاد في اكتسابها كثير.
وأيضًا شُبه الصديق بالأرز، لكون الأرز طوله شاهق، وثابت الأصل، زكي الرائحة وكثير الأصول والأغصان وملتف ومورق وعديم البلى...
أما قوله "لبنان" فيدل على أن الأمم يتزكون بإيمانهم بيسوع المسيح الإله، لأنه بلبنان يُكنى عن الأمم. فقد غرسوا في بيت الرب (أي في كنيسته) وفي دياره التي هي مجامع المؤمنين المنتشرة في العالم.
الأب أنسيمُس الأورشليمي
* قال شيخ:"مكتوبٌ "الصدِّيق (أو البار) كالنخلة يزهو" (مز 92: 12)، هذا القول يعني أنّ ما ينتج عن أعمالهم السامية إنما هو صالحٌ وصوابٌ ومُرضٍ. فالنخلة لها قلبٌ واحدٌ، وهو أبيض، ويحوي كل ما هو جيد. والإنسان يجد نفس الشيء بين الأبرار: قلوبهم بسيطة، إذ ترى الله وحده، وهي بيضاء، إذ لها الاستنارة التي تنبثق من الإيمان، وكل عمل الأبرار هو في قلوبهم. وهم مثل النخلة في كون رؤوسهم المدبّبة (مثل السعف) لأجل الدفاع عن نفوسهم ضدّ الشيطان".
فردوس الآباء
* لعل النار الروحانية تشتعل في قلبك على الدوام، تلك التي قال عنها سيدنا المسيح: "جئتُ لألقي نارًا على الأرض" (لو 12: 49). ولعل سلام الرب يملك في قلبك حسب القول الرسولي (كو 3: 15)، ولعل نخلتك ترتفع بأغصانها، كما قال داود النبي: "الصدِّيق كالنخلة يزهو" (مز 92: 12). ولعلك تتنقّى من الغضب والسُخط، هذين الوجعين المريعين، مثل القديسين الكاملين الذين لا تظهر حركتهما فيهم على الإطلاق ولا لحظة، ولعل الرب يعتبر أنه من المناسب أنّ نفسك "في الخير تبيت (أو تسكن)" (مز 25: 13) بوداعةٍ وبلا غشٍّ، لكي ما تكون طفلًا رضيعًا للمسيح، حملًا بلا عيب، ولعلك تقتفي إثر خطواتنا مثل قصّاص أثر مجتهد، ولعلك تبلغ إلى تدبيرنا كوارثٍ صالحٍ لما لنا من مواهب النعمة، ولعل عيناك "تعاينا الله" كمن هو "نقي القلب" (مت 5 : 8)، ولعلك تكون طويل الأناة في الضيقات كمَنْ وصل إلى عهد السيد الذي قال: "في العالم سيكون لكم ضيق، ولكن ثقوا (أو ابتهجوا) أنا قد غلبتُ العالم" (يو 16: 33)، ولعلك تبلغ إلى ذلك الحب الذي لا يُقهَر الذي يأتي بالذين حصلوا عليه إلى القصور الملكية ويجعلهم إخوة للمسيح.
القديس برصنوفيوس
* المسيح هو واحد من جهة الأقنوم، لكنه يتنوع حسب احتياجات من يعمل فيه. فيكون عصا تأديب "لا تنبت" بالنسبة لمن كان مهملًا وضعيفًا... أما بالنسبة للصدّيق فينبت... ليثمر فيه "ثمر الروح الذي هو محبة فرح سلام طول أناة لطف صلاح إيمان" وفضائل أخرى في المسيح يسوع ربنا[31].
العلامة أوريجينوس
مَغْرُوسِينَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ،
فِي دِيَارِ إِلَهِنَا يُزْهِرُونَ [13].
يرى القديس أمبروسيوس في السيد المسيح أشبه بالكرّام أو المزارع الذي يهتم بالمؤمنين وأولادهم ليقيم منهم غروسًا مثمرة مزهرة.
* "مغروسين في بيت إلهنا في ديار إلهنا يزهرون" [13]. نُغرس في موضع، ونزهر في موضع آخر. هنا نغرس، وفي ملكوت الله نزهر... لقد غُرست في بيت الرب، أي في الكنيسة، ليس بين الأسوار، وإنما في تعاليمها، إذ يقول الرب: "ملكوت الله داخلكم" (لو 17: 21). كل من يُغرس في بيت الرب، وتنمو جذوره هنا، يأتي بالزهور هناك... نبدو أننا في بيتٍ هنا، بالمقارنة مع الملائكة والقوات الأخرى لا نكون في بيت نهائي، وإنما في دارٍ فقط. نحن الآن في البداية لا في نهاية الكمال. سوف لا نكون ملائكة بل مثل الملائكة. لا تحسب هذا بالأمر الهين بالنسبة لك يا إنسان، إن كنت ستصير مثل ملاك[32].
القديس جيروم
* يدخل الحديقة ليغرس شجر زيتون صغير (شتلات) في بيت الرب (مز 128: 3)، ويروي البار المزدهر مثل نخلة (مز 92: 13)، والكرمة المثمرة بينبوع دمه[33].
القديس أمبروسيوس
* "سوف يضطر كل المطوبين، في أول الأمر، للسفر في الطريق الضيق والعسير في عاصفة الشتاء (مت 7: 14)، ليكشفوا عن مدى المعرفة التي اقتنوها لتوجيه حياتهم. فيمكنهم بذلك إدراك المغزى من كلمات نشيد الأناشيد للعروس، إذ قد عبر الشتاء بأمان: "أجاب حبيبي وقال لي: قومي يا حبيبتي يا جميلتي وتعالي، لأن الشتاء قد مضى، والمطر قد زال" (نش 2: 10-11).. فبعد مُضِىّ الشتاء ومرور المطر وزواله، سوف تظهر الزهور "المغروسة في بيت الرب، وتزهر في ديار إلهنا" (مز 92: 13).
* يليق بكم أن تحتفظوا في عقولكم أنكم لا تستطيعون أن تسمعوا "الشتاء قد مضى" (نش 2: 11) بطريق آخر سوى الدخول في صراع مع هذا الشتاء الحاضر بكل قوتكم وقدرتكم وقوتكم البدنية. إذ يمضي الشتاء ويزول المطر، تظهر الزهور المغروسة في بيت الرب، وتنتعش في ساحات إلهنا[34].
العلامة أوريجينوس
أَيْضًا يُثْمِرُونَ فِي الشَّيْبَةِ.
يَكُونُونَ دِسَامًا وَخُضْرًا [14].
إن كان الله يسمح الإنسان بضعف الجسد في شيخوخته، إلا أنه يهبه ثمرًا متزايدًا وثمينًا في الروح. الشجرة الصغيرة المثمرة مبهجة للنفس، أما الشجرة المزمنة والمملوءة بالثمار فتهب بهجة أعظم.
ليس بالعجيب أن نرى شجرة صغيرة خضراء، لكن العجيب أن نرى شجرة مزمنة وتبقى خضراء.
* "أيضًا يثمرون في شيخوخة". طوبى للإنسان الذي ينمو أكثر نشاطًا يومًا فيومًا[35].
القديس جيروم
لِيُخْبِرُوا بِأَنَّ الرَّبَّ مُسْتَقِيمٌ.
صَخْرَتِي هُوَ وَلاَ ظُلْمَ فِيهِ [15].
متى حل يوم الرب العظيم يتلألأ عدل الله الفائق في قديسه كما في الأشرار.
تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
من وحي مز 92

لتحتفل قلوبنا بسبتك!


* من أجلنا قدست يوم السبت.
لا لتستريح من عمل الخليقة،
بل لتعلن راحتك من جهتنا، حيث نستريح نحن بك!
أمرتنا أن نعيد بالراحة الحقيقية.
سبتنا هو قيامتك التي وهبتنا الحياة المقامة.
سبتنا هو راحة قلوبنا بك وفيك.
ماذا ننتفع إن استراحت أعضاء جسمنا،
وبقيت قلوبنا مضطربة بلا سلامٍ ولا سكونٍ حقيقيٍ؟
* قيامتك قدمت لنا الراحة الحقيقية،
فصار قلبنا مع لساننا يلهج بالاعتراف لك.
في ضعفنا نعترف لك أننا خطاة، وأنت غافر الخطية.
وفي سلوكنا بالحق، نعترف أنك هو برّنا وصلاحنا.
نسبحك ونرنم لاسمك القدوس أيها العلي.
نمجد اسمك يا من تنقش أسماءنا على كفك،
وتسجلها في سفر الحياة.
لسنا نطلب مجد أسمائنا، بل مجد اسمك القدوس.
* نخبر برحمتك ونمجدك في الصباح،
ونعلن أمانتك بالليل.
حينما تحل بنا البركات نتهلل بمراحمك كما في الصباح.
وحينما تسمح بالتجارب والضيقات نخبر بأمانتك في تحقيق وعودك.
في وسط الفرج كما في وسط الضيق نشهد لك.
نعلن عن رحمتك العظيمة وأمانتك الفائقة.
* نحتفل بسبتك الحقيقي،
فيعزف روحك القدوس على أوتار قيثارتي.
يعزف بلساني، كما بكل كياني.
يشترك جسدي مع نفسي وروحي للترنم لك.
* ما هي قيثارتي ذات العشرة أوتار،
إلا وصاياك المقدسة.
إنني أعزف عليها بممارستها والتلذذ بها.
أفرح لا بحملي كتابك المقدس فحسب،
وإنما أن أسلك به، ويستنير كل كياني بنوره.
لأسبحك بلساني كما بسلوكي.
فمع التسبحة أضرب على القيثارة!
* ليتحول قلبي إلى سبتٍ لا ينقطع.
أعيد على الدوام من أجل أعمالك معي.
كل صلاح هو من عندك.أعمالك تملأ نفسي ببهجة دائمة.
* ما أعمق أفكارك يا رب؟
تسمح للشرير أن يزدهر،
وهو لا يدري أنه إنما يتنعم بطُُعم في حلقه.
سرعان ما يحل الوقت ويُسحب الطعم،
هنا تهلك السمكة خلال ما كانت تتلذذ به.
هب لي أن أتهلل بالأبدية التي تعدها لي.
* أراك تتطلع من أعلى سماواتك.
تطيل أناتك على الشرير لعله يرجع عن فساده،
وتشجع أبرارك لاحتمال الألم بصبرٍ.
فيتزكون ويتمجدون أبديًا!
هوذا زمن الأشرار يعبر سريعًا ويصير ماضيًا.
وتأتي أبدية الأبرار التي تسمو فوق كل زمنٍ!
* صليبك كشف لي حكمتك.
قبلت وأنت ابن الله الوحيد الألم بمسرتك،
لكي أقبل أنا الخاطي الألم برضا.
التصق بصليبك، وأتقبل الصليب معك!
بصليبك ضربت إبليس وحطمت سلطانه.
وهبتني روح القوة، ومتعتني بقرن الخلاص.
وهبت لي قرن القوة،
ومسحتني بزيت نعمتك!
  رد مع اقتباس
قديم 18 - 02 - 2014, 04:20 PM   رقم المشاركة : ( 94 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,346

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب

مزمور 93 (92 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير
الرب يملك في جلال قدسه


المزمور الأول من مزامير "تسبيح الله كملك"، وهي مجموعة من 93 إلى 99 أو 100 باستثناء المزمور 94. تتسم هذه المزامير برفع قلب المؤمن إلى عرش الله. تتركز أنظار المؤمن في هذه المزامير على الله، ويندر أن نجد إشارة إلى متاعب المؤمنين أو مشاكلهم، فلا يُسمع فيها تنهد أو أنين.
تُستخدم مزامير الرب الملك في الاحتفالات الخاصة بالسبت وفي بعض الأعياد اليهودية مثل عيد الحصاد. جاء في المشناة Mishna أن هذا المزمور كان يُسبح به في عشية السبت، كافتتاحية ليوم الراحة رمز الأبدية.
غالبًا هذا المزمور من وضع داود النبي. كان كثير من الدارسين اليهود القدامى يتطلعون إليه كمزمور مسياني، يشير إلى مملكة المسيّا.

1. الملك في جلاله
1-2.
2. الملك القدير
3-4.
3. الملك القدوس
5.
من وحي المزمور 93
تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
العنوان

جاء عن الترجمة السبعينية والقبطية: بركة تسبحة داود، لليوم الذي قبل السبت عندما عُمرت الأرض".
رفض اليهود العنوان، لأنه يشير بوضوح إلى السيد المسيح الذي ملك بالصليب يوم الجمعة، قبل السبت حين عمّر الأرض بكنيسته المقدسة بعمله الخلاصي.
* معناه أن الموت هدم سور مدينتنا الذي كان يصوننا... وقد استولى على جنس البشر. فربنا بآلامه وموته على الصليب في اليوم الذي قبل السبت قهر الموت، وأعاد بناء مدينتنا، وأقام أسوار حياتنا وأسكننا فيها.
الأب أنسيمُس الأورشليمي
تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
1. الملك في جلاله

اَلرَّبُّ قَدْ مَلَكَ.
لَبِسَ الْجَلاَلَ.
لَبِسَ الرَّبُّ الْقُدْرَةَ.
اتَّزَرَ بِهَا.
أَيْضًا تَثَبَّتَتِ الْمَسْكُونَةُ.
لاَ تَتَزَعْزَعُ [1].
لن يتوقف عدو الخير عن مقاومة الله عبر كل الأجيال، بوسيلة أو أخرى، لكن كما جاء في دانيال تتحطم ممالك الشعوب المقاومة للحق الإلهي.
عظمة الله وجلاله وقدرته تهب المؤمنين الثقة والرجاء وسط الضيقات، فيقتربون منه ويلتصقون به، ليتمتعوا بحبه وعنايته الإلهية الفائقة، وتدفعهم إلى قبول وصيته الملوكية. يمارسون العبادة له في مخافة، بفكر سماوي وقور.
قدرته وعنايته ومحبته لم تقف عند خلقة المسكونة، بل تمتد للعمل الدائم لتحقيق رسالتها. إنه الخالق المخلص والراعي محب البشر.
الكلمتان "لبس" و"اتزر" مأخوذتان من التعبيرات العسكرية، لأن الله حامي شعبه من الشيطان وجيشه الروحي، كما قيل: "استيقظي، استيقظي، البسي قوة يا ذراع الرب" (إش 51: 9).
* قيل بخصوص الرب نفسه بطريقة لائقة، بعدما جعل الكنيسة تزداد خصوبة: "الرب قد ملك، لبس الجمال" وفي عبارة أخرى: "اتزرت بالتسبيح والجمال". فمن الواضح أن ما هو مثمر جميل، وما هو غير مثمر أيضًا غير جميل[1].
* بالحقيقة إذ هو أبرع جمالًا من كل البشر، يعطي مما له، فإنه لا يقدر أحد أن يعطي ما ليس له. ولذلك قيل: "الرب قد ملك، لبس الجمال". إنه يلبس الجمال خلال النعمة التي للكنيسة، ففي المعمودية تنزع كل معصية، وكل الرجاسات، وتشرق ببهاء النعمة السماوية. هكذا يقول لها العريس: "من هذه التي تشبه الفجر، جميلة كالقمر، مختارة كالشمس، عجيبة كجيش سامٍ بألوية"[2].
* ذاك الذي جاء في شكل عبد، في شبه الإنسان، جدد (الإنسان بروحه) وسكب نعمته في قلبه، واتزر بسمو خلاص الجنس البشري[3].
القديس أمبروسيوس
* الرب ملك، لبس الجلال. لبس الرب القدرة، اتزر بها. أيضًا تثبت العالم، لا يتزعزع". هذه المقاطع الثلاثة تتحدث عن الرب المخلص بواسطة النبي، أما بقية المزمور فموجه مباشرة نحو الرب نفسه... الرب الذي صار عبدًا هو ملك، لبس الجلال. ماذا يقول إشعياء؟ "لا صورة له ولا جمال فننظر إليه... رجل أوجاع، اعتاد على الضعف" (راجع إش 53: 2-3).
ملك الرب كملكٍ، ولبس الجلال. إذن المعنى هنا أن ذاك الذي مظهره كان قبلًا مخيفًا وهو في ضعف الجسد، الآن بهي في جلال لاهوته. فإن ما هو غير منظور فيه، إنما يُنسب لحالنا نحن، أما ما هو خاص بالجمال فهو متجانس مع جلاله.
"اتزر" (تمنطق)، هو تعبير يعني نوعًا من السرّ. عندما لا نتزر، يسقط رداؤنا حتى إلى القدمين. فما لم يُمسك الرداء بالمنطقة، يصير محلولًا. لهذا، فإننا إذ لم نستطع أن نحتمل كمال قوة الرب، فإنه يمنطق جلاله بالجسد. هذا الفكر عينه يظهر في موضع آخر في الكتاب المقدس: "تنظر ورائي، وأما وجهي فلا ترى" (خر 33: 23). أيضًا في كتاب الملوك يُقال عن إيليا أنه وقف في مدخل مغارة على جبل سيناء، ومن هناك رأى الرب حين عبر (1 مل 19: 11-12).
لاحظوا إنه يقول إنه رأى خلف الرب المخلص عندما وقف عند فتحة في صخرة. إن كانت الصخرة هي رمز للرب المخلص... يقول الرسول: "والصخرة كانت المسيح" (1 كو 10: 4)، إذن بالحقيقة نحن نرى فتحة الصخرة، خلال الجسد، فندرك الله. لماذا قلت هذا كله؟ لأنه في هذا التفسير عينه نحن نشمل أيضًا الآية: "لبس الرب الجمال واتزر". كما لو كان خلال فتحة الصخرة، يدرك الرب المخلص، هكذا أيضًا خلال المِنْطقة يُدرك جلاله[4].
القديس جيروم
* اقتدٍ بربك، حتى تصير ثوبه، يكون لك الجمال نحو الذين يُسرون بأعمالك الصالحة، وأظهر قوتك مقابل الذين ينتقصون (بالإيمان)[5].
* الاتزار يعني العمل، فإن كل إنسانٍ يتزر عندما يتهيأ للعمل... يقول في مزمور آخر: "تمنطق بسيفك على فخذك أيها الجبار... شعوب تحتك يسقطون" (مز 46: 3، 5)... سيف الرب الذي به يهزم العالم المحيط بقتل الإثم هو روح الله في حق كلمة الله...
قيل إنه تمنطق بمئزره، وبدأ يغسل أقدام التلاميذ، لأنه كان متواضعًا عندما تمنطق بمئزرة. لقد غسل أقدام تلاميذه. لكن كل القوة هو في التواضع، وكل الكبرياء هش. ولهذا عندما تحدث عن القوة أضاف: "اتزر"، حتى تذكر كيف أن إلهك اتزر بالتواضع عندما غسل أقدام تلاميذه (يو 13: 4-15)...
إن كانت القوة في التواضع لا تخف إذن من المتكبرين. المتواضع مثل الصخرة. تبدو الصخرة كأنها تنهار مع ذلك فهي ثابتة.
ما حال المتكبرين؟ مثل الدخان، فإنهم وإن كانوا مرتفعين لكنهم يتبددون![6]
* ما هي المسكونة (الثابتة) التي لا تتزعزع؟ ما كان يشير إليها لو لم توجد مسكونة أيضًا يمكن أن تتزعزع. توجد مسكونة لا تتزعزع، وتوجد مسكونة تتزعزع. فإن الصالحين الثابتين في الإيمان هم المسكونة. لا يقدر أحد أن يقول إنهم مجرد جزء من المسكونة. أما الأشرار الذين لا يقطنون في الإيمان، فعندما يسقطون في أية ضيقة فهم في العالم كله. توجد مسكونة تتزعزع وتوجد مسكونة ثابتة يتكلم عنها الرسول.
أسألكم عمن يتكلم الرسول قائلًا: "الذين منهم هيمنايُس وفيليتس، اللذان زاغا عن الحق، قائلين إن القيامة قد صارت فيقلبان إيمان قومٍ" (2 تي 2: 17-19). هل هذان ينتميان إلى المسكونة الثابتة؟ إنما كانا قشًا، وكما يقول "فيقلبان إيمان قومٍ... ولكن أساس الله راسخ قد ثبت، إذ له هذا الختم". أي ختم كأساس ثابت له؟ "يعلم الرب الذين له". هذه هي المسكونة الثابتة؛ وأي ختم هو هذا؟ "كل من يُسمي اسم المسيح، ليتجنب الإثم" (راجع 2 تي 2: 17-9)[7].
القديس أغسطينوس
* لما صُلب ومات وقام وتمّ خلاصنا، أظهر مجد لاهوته في ناسوته، فصار غير قابل الموت، وغير مائت وغير قابل للجوع والعطش وغير محتاج إلى كسوة، لأن ضياء لاهوته ظهر ساترًا لناسوته، حتى ظنوا، عند نظرهم له، أنه روح بغير جسد، لما نظروه من عظم نوره. وهذا الضياء هكذا هو له لم يزل، ولكنه كان يخفيه حتى تمم خلاصنا من العدو الذي خدعنا[8].
القديس مار أفرام السرياني
* تُمدَح النفس لخصوبتها، وذلك ليس بدون سبب، من جهة لأنها ولود في الفضائل، ومن جهة أخرى أنها بلا شر في ذاتها.
إنه لأمر جميل ألاَّ يوجد شر، إنه جميل ما هو صالح، أما الشر فليس بجميل.
الخصوبة في الأعمال الصالحة جميلة؛ أما العقم فمضاد للجمال، إذ يوجد شر فيما هو محروم من الجمال واللياقة.
ما هو شر فهو عقيم وغير مخصب. وما أدل على ذلك ما تقدمه الطبيعة. الأرض الجيدة خصبة ومثمرة، أما الرديئة فمجدبة وبور.
كان مناسبًا ما قيل بالنسبة للرب نفسه بعد أن جعل الكنيسة تزداد خصوبة: "الرب قد ملك، لبس الجلال" (مز 93: 1). وفي نص آخر: "مجدًا وجلالًا لبست" (مز 104: 1). واضح إذن إن ما هو ولود وخصيب جميل، وما هو عقيم قبيح.
حال النفس كحال التربة، فالنفس تكون جميلة إن كانت وفيرة في استحقاقاتها وفي المشورة، وأما النفس العقيمة (والمشغولة بالماديات) قبيحة، لأن العقم هو ضعف في النفس، يجردها من ثمرها ويخدعها. يجعلها في عوز ويثير مخاوف، يضاعف الشهوات الشرهة والأفكار الخاملة فتسقط![9]
القديس أمبروسيوس
* يغسل الرب أقدام كل الذين يسلكون في الطريق، ويمسحها بالمئزرة التي يتزر بها. بالحق إن طوق الرب له القوة أن يطهر من الخطية[10].

تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
* دخلت العروس هذا الطريق حيث غسل السيد المسيح قدميها، وجففهما بقماش الكتان الذي كان متمنطقا به. تنظف قوة هذا القماش الذي كان متمنطقا به السيد المسيح من الخطايا. "الرب قد ملك. لبس الجلال. لبس الرب القدرة. ائتزر بها" (مز 1:93). ابتدأت العروس تراقب نفسها عندما وضعت قدميها على الطريق الملكي فلا تحيد عنه إلى اليمين أو اليسار، ولم تلوث قدميها بالطين بالسير خارج الطريق. أنت تعلم بالتأكيد معنى هذه الكلمات: خلعت العروس حذاءها نهائيا بالعماد (لأن عمل من يُعمد يشمل فك سيور الحذاء، كما شهد بذلك يوحنا، عندما لم يتمكن من فك سيور حذاء السيد المسيح. إذ كيف يتمكن يوحنا من فك سيور حذاء ذاك الذي لم يرتبط برباط الخطية؟) حفظت العروس قدميها بدون تلوث على الطريق المرصوف مثل ما عمل داود بوضع قدميه على صخرة بعد ما غسلها من الطين، حيث قال: "أصعدني من جب الهلاك من طين الحمأة، وأقام على صخرة رجلي. ثبت خطواتي" (مز 2:40). نحن نفهم أن هذه الصخرة هي السيد المسيح، فهو النور والحق وعدم الفساد والبرّ الذي يصف الطريق الروحية. وعندما نحفظ خطواتنا على هذا الطريق دون أن نبتعد عنه إلى الجانبين، تبقى حياتنا غير ملوثة بالقاذورات. هذه هي الطريقة التي حفظت بها العروس بابها مفتوحًا للسيد المسيح. ولقد وعدت أن لا تعود مرة أخرى للقاذورات المرفوضة، أو تستقبل أي ملوثات أرضية على طريق هذه الحياة، لذلك أصبحت روحها مستعدة لكي تكون مقدسة. المسيح نفسه هو هذه القداسة(1 كو 30:1). وهكذا قد أكملنا فحص معنى هذه الكلمات[11].
القديس غريغوريوس النيسي
* اليوم تتهلّل بالفرح الوديان وكل ما فيها، لأنّ تربة النفس شربت من ندى السماء. لقد ملك الرب ولبس الجلال (مز 93: 1)، فآدم قديمًا إذ كان سيدًا وملكًا صار بسبب التعدِّي عبدًا للخطية. أما اليوم فها هو آدم الثاني يملك على أعدائه، "لأنه يجب أن يملك" (1 كو 15: 25) كما هو مكتوب.
اليوم ثبَّت الرب المسكونة (مز 93: 1)، أي النفس التي كانت في الماضي مهجورةً بسبب الخطيئة ومرعوبةً ومرتعدةً وقد استولى عليها الخوف والفزع، لأنه مكتوب: "تحت اللعنة تصير خائر القوى ومرعوبًا في الأرض" (أنظر تك 4: 11-12). ففي الحقيقة منذ أن صار هيكل النفس مبنيًّا على الرمل (أنظر مت 7: 26)، صار متذبذبًا مهزوزًا، أما اليوم فقد صار مشيَّدًا على صخر اللاهوت الذي لا يتزعزع[12].
* كما أن الملك إذا كتب رسائل للذين يشاء أن ينعم عليهم بعطايا ومواهب خاصة يقول لهم: بادروا إليَّ جميعكم لتنالوا مني نعمًا ملوكية. فإن لم يذهبوا ويأخذوها لا تفيدهم قراءة الرسائل شيئًا، بل يستحقون الموت... كذلك الله الملك (مز 93: 1) أرسل كتابه الإلهي ورسائله (رؤ 1: 4)، قاصدًا بها أنه بالدعاء له والإيمان به يسألون وينالون... أن نكون شركاء في الطبع الإلهي (1 بط 1: 4). وأما إن لم يأته الإنسان ويسأل لينال فلا يستفيد شيئًا من قراءة الكتب المقدسة، بل يكون في خطر الموت (يو 12: 48)، لأنه لم يرد قبول موهبة الحياة من الملك السماوي، التي بدونها لا يمكن نوال الحياة الخالدة، التي هي المسيح نفسه (يو 11: 25)، له المجد إلى الأبد آمين.
القديس مقاريوس الكبير
* عندما أظهر قوته بقهره الأبالسة، حينئذ عرف كافة الناس أنه ملك بالحقيقة وليس ملك غيره، وهو لم يزل رب القوات.
أيضًا الجمال الذي لبسه هو إبراء الجسد من البلاء والفساد بعد قيامته من الأموات. بما أن جسده قبل القيامة كان قابلًا للآلام والموت، ولكن بعد قيامته لم يعد يقدر عليه الألم والموت. فإبراء الجسد من هذه ، ورفعه إلى السماء وجلوسه عن يمين الآب، هذا يقال عنه جمالًا.
أما قوله: "تمنطق بالقوة" فمعناه ليس أنه أخذ من الناسوت قوة لم تكن فيه: لأنه هو قوة الله وقوته كقول الرسول، لكن معناه أن أظهر في تجسده قدرة لاهوته بفعله خلاصنا. والمسكونة التي كانت قبلًا تعاني من اهتزاز الضلالة قد ثبتها على الحق، وأقام مسكونة مؤسسة على صخرة إيمانه، لن تزعزعها أبواب الجحيم، وهي الكنيسة المقدسة.
الأب أنسيمُس الأورشليمي
كُرْسِيُّكَ مُثْبَتَةٌ مُنْذُ الْقِدَمِ.
مُنْذُ الأَزَلِ أَنْتَ [2].
مملكة الله، ملك الملوك، ثابتة منذ القدم، وتبقى دائمة إل الأبد. لهذا فإن الأتقياء لا يخشون الزمن، لأن القائد الحقيقي للكنيسة هو الأزلي السرمدي، لن يتغير. يقيم في كل جيل قادة، لكننا لا نتكئ عليهم، بل على الله القائد الحقيقي غير المتغير، الأمر الذي يبهج قلبنا، ولا ينزع عنا رجاءنا مطلقًا. لذا يتغنى المرتل، قائلًا: "كرسيك يا الله إلى دهر الدهور، قضيب استقامة قضيب ملكك" (مز 45: 6). كما جاء عنه: "له على ثوبه وعلى فخذه اسم مكتوب ملك الملوك ورب الأرباب" (رؤ 19: 16).
* ما هو كرسي (عرش) الله؟ أين يجلس الله؟ في قديسيه. أتريدون أن تكونوا عرش الله، أعدوا موضعًا في قلوبكم حيث يجلس عليه. ما هو عرش الله إلا الموضع الذي يسكن الله فيه؟ أين يسكن الله إلا في هيكله؟ وما هو هيكله؟ هل هو محاط بأسوارٍ؟ حاشا! لنفرض أن هذا العالم هو هيكله، لأنه عظيم جدًا، وشيء يليق بأن يحوي الله. إنه لا يحوي ذاك الذي صنعه؟ أين إذن يوجد؟ في النفس الهادئة، النفس البارة[13].
القديس أغسطينوس
* تذكروا أيضًا ما كنت أتحدث عنه كثيرًا بخصوص جلوس الابن عن يمين الآب، حيث جاء في قانون الإيمان: "وصعد إلى السماوات، وجلس عن يمين الآب".
ليتنا لا نتطفل في معرفة معنى "العرش"، لأنه غير مدرك. لكننا لا نقبل أبدًا القائلين كذبًا أن الابن بدأ يجلس عن يمين أبيه بعد صلبه وقيامته وصعوده إلى السماوات، لأن الابن لم يتمتع بالعرش بالتقدم (أي ترقى إليه)، بل هو دومًا على العرش حيث كائن. وقد عرف إشعياء النبي هذا العرش قبل مجيء المخلص في الجسد فيقول: "رأيت السيد جالسًا على عرشٍ عالٍ ومرتفعٍ" (إش 6: 1). وقد قيل إن الآب لم يره أحد قط (يو 1: 18)، فكأن النبي رأى الابن.
يقول أيضًا المرتل: "كرسيك مثبت منذ القدم، منذ الأزل أنت" (مز 93: 2). توجد أدلة كثيرة على هذا[14].
القديس كيرلس الأورشليمي
* "أيضًا تثبتت المسكونة (العالم)، لا تتزعزع". إن أخذنا هذا بمعنى أن هذا العالم خُلق ثابتًا بواسطة الرب حتى لا يضطرب بأي فوضى، فماذا يعني ما قيل في موضع آخر في الكتاب المقدس: "السماء والأرض تزولان" (مت 24: 35)... كلمة Olkouménê في هذه العبارة ترجمت "الأرض المسكونة"، تبدو لي أنها الكنيسة التي يُقال عنها في الإنجيل: "أنا وأبي نأتي ونصنع معه مسكنًا" (راجع يو 14: 23). بحق تُدعى "مسكونة inhabitant" حيث يسكنها الآب والابن والروح القدس. فما نعرفه عن "الأرض المسكونة" هو أن العالم يصير ثابتًا أبديًا. لنطبق هذا أيضًا على نفوسنا، فإنه إذ يكون لنا الآب والابن والروح القدس ساكنين، تصير أرضنا غير مزعزعة كل الأبدية[15].
* إذ يتحدث المرتل عن ملكوت الرب ومجد ثوبه، يشير إلى قوته، وإن العالم لا يتزعزع، الآن يحول الحديث إلى الرب نفسه ملكًا باهرًا. ماذا يقول النبي؟ "كرسيك مثبته منذ القدم، منذ الأزل أنت". العبارة: "لبس الرب القدرة" تخص ضعف الجسد، ومع هذا فإن مُلكه قائم دائمًا. كرسيك ثابت، قائم على الدوام، ليس له بداية. "منذ متى؟" منذ أي زمن؟ لا يمكن أن يُعين، لأنه ليس من بداية له... ها أنتم ترون أن النطق النبوي وُضع بدون حدود، وها أنتم تدركون أنه يحتوي على قياس منطقي... لم يقل: "منذ الأزل أنت بدأت" وإنما "منذ الأزل أنت". إنك كائن دائمًا، يا من قلت لموسى: "هكذا تقول لبني إسرائيل: أهيه (أنا هو) أرسلني إليكم" (خر 3: 14)[16].
القديس جيروم
* مُلك الله دائم وليس حديثًا، بل أزلي.
وأيضًا معناه أن سرّ التجسد الذي به أظهر للجميع مُلكه، وجلس عليه كأنه على كرسيه قد هيأه منذ خلقة الإنسان بوصفه صورته الإلهية مثل ختم، لعلمه بأنه بعد زمان مزمع أن يتخذه أقنوم لاهوته ويتحد به. إذن يقول النبي: أنت الإله الأزلي، أنت هو المتجسد في آخر الزمان.
الأب أنسيمُس الأورشليمي
تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
2. الملك القدير

رَفَعَتِ الأَنْهَارُ يَا رَبُّ،
رَفَعَتِ الأَنْهَارُ صَوْتَهَا.
تَرْفَعُ الأَنْهَارُ عَجِيجَهَا [3].
هنا تشير الأنهار التي ترفع صوتها بأمواجها إلى الأمم الكثيرة الثائرة ضده. إنها كأمواج الأنهار القديمة والمستمرة، ولا تتوقف في هذه الحياة. ماذا يمكن لأمواج النهر أن تفعل في مملكة المسيح، فإنه يسير على الأمواج، ويأمرها فتطيعه.
يرى القديس جيروم أن الأنهار بمياهها الحلوة تشير إلى الكرازة المستمرة في العالم بواسطة خدام الله في العهدين القديم والجديد.
* اعتقد أن الأنهار التي تفيض بالمياه على العالم هي الأعمال الرسولية والنبوية. "رفعت الأنهار صوتها"، تنشر تسبيح الرب ومجده، تعلن عن أحكامه في العالم. "في كل الأرض خرج منطقهم، وإلى أقطار المسكونة رسالتهم" (راجع مز 19: 4). "أكثر قوة من أصوات مياه كثيرة". أصوات المياه الكثيرة تعلن لنا ثلاثة أسرار. لنرى ما هي هذه:
"أكثر قوة من أصوات مياه كثيرة،
أكثر قوة من أمواج البحر المنكسرة،
قوي في الأعالي هو الرب"[17]
القديس جيروم
* "رفعت الأنهار صوتها"... لم نسمع صوت الأنهار؛ حتى عندما وُلد ربنا لم نسمعها تتكلم، ولا عندما اعتمد، ولا عندما تألم لم نسمع تلك الأنهار تتكلم. إنها ليست فقط رفعت صوتها... وإنما بشجاعة، بقوةٍ، بصوتٍ عالٍ. ما هذه الأنهار التي تتكلم... الروح نفسه نهر قدير، منه تمتلئ الأنهار. يقول المرتل عن هذا النهر في موضع آخر: "نهر سواقيه تفرح مدينة الله" (مز 46: 4). صارت الأنهار تفيض من بطن التلاميذ عندما قبلوا الروح القدس. هم أنفسهم كانوا أنهارًا، عندما قبلوا الروح القدس[18].
القديس أغسطينوس
* (الأنهار هي) رسله القديسون والمبشرون وسائر الذين ضارعوا النهر الذي يُسر مدينة الله. فهم يُدعون أنهارًا، وقد رفعت أذهانها وأفكارها إلى الله، ثم رفعت أصواتها وأخبرت العالم بما رأت عقولها.
والأنهار أيضًا هي مواهب الروح القدس كما جاء في الأصحاح السابع من بشارة يوحنا الإنجيلي، قوله: "من آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماء حي" (يو 7: 38). قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه، هذه المواهب قد رفعت أصواتها، أي ظهرت وأُعلنت في كافة الأرض.
أيضًا هي أنهار أقوال الكتب الإلهية التي تحققت.
الأب أنسيمُس الأورشليمي
مِنْ أَصْوَاتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ،
مِنْ غِمَارِ أَمْوَاجِ الْبَحْرِ الرَّبُّ فِي الْعُلَى أَقْدَرُ [4].
إن كانت المقاومة ضد الله مستمرة من الشعوب، فهي كضجيج الأمواج، لكن الله القدير أعظم!
جاء عن الترجمتين السبعينية والقبطية: "عجيبة هي أهوال البحر. عجيب هو الرب في الأعالي". وقد جاءت هذه العبارة تكمل العبارة السابقة "رفعت الأنهار صوتها. ترفع الأنهار صوتها من صوت مياه كثيرة" [3]. هذا ما تحقق بصورة رائعة في كنيسة العهد الجديد. ولعل المثل الفريد والرائع هو لقاء السيد المسيح مع المرأة السامرية، فقد كانت جزءًا من البحر الثائر ومياه الأمم المُرة. التقت بذاك الذي وعد: "إن عطش أحد فليقبل إليّ ويشرب. من آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماء حي" (يو 7: 37-38). ماذا فعل السيد المسيح بالمرأة العطشى لأن مياهها مالحة لا تقدر أن ترتوي ولا تروي أحدًا؟ لقد حوَّلها من بحر مالح ثائر بأمواجه المهلكة إلى نهر مفرح، رفع قلبها وعقلها وكل أعماقها إليه فأدركت الأمور الإلهية السماوية، وعندئذ رفعت صوتها إلى مدينة سوخار التي للسامريين، فجعلت من شعبها أنهارًا عذبة، وتحولوا إلى بيت الله الذي يليق به القداسة. هذا هو العجيب. حقًا مسيحنا الرب الذي في العلي أقدر من البحار الثائرة بأمواجها لا بتهدئتها بل بجعلها أنهارًا عذبة تفرَّح مدينة الله.
يرى القديس جيروم أن الأعمال الرسولية والنبوية تهب المؤمن سلطانًا أعظم من صوت مياه كثيرة وأقوى من أمواج البحر التي لا تتوقف، وأن سرّ هذا السلطان أو هذه القوة هو الرب الذي في الأعالي واهب القداسة للمؤمن. إن كانت الخطية قد أفسدت إمكانية الإنسان. وحطمت سلطانه، ونزعت عنه القدرة على التطلع إلى السماء، فإن ربنا يسوع يهبنا القداسة، فننعم بقوة فائقة.
يرى الأب أنسيمُس الأورشليمي أنه كما هاجت الأمواج على التلاميذ فهدأها السيد المسيح، هكذا تهيج غمار أمواج البحر أي الشعوب وتقاوم المؤمنين وتضطهدهم، ولكن ربنا بقدرته العجيبة يجعلها هادئة. وفي نفس الوقت يعطي قوة للمؤمنين كأنهار ترفع عقول المضطهدين إلى السماء، وهذا هو الأعجب!
* ارتفاعات البحر هي العالم أي الأمم التي أصلحتها المياه الكثيرة أعني بها تعاليم الرسل والإنجيليين، وصيرتهم مؤمنين المسيح، وصاروا عجيبين.
الأب أنسيمُس الأورشليمي
* لتثر الأمواج كما تشاء. ليزأر البحر كيفما أراد. غمار أمواج البحر بالحقيقة قوية؛ قوية هي التهديدات؛ قوية هي الاضطهادات. لكن انظروا ماذا يتبع ذلك: "الرب في العلي أقدر"...
كان البحر مضطربًا، وكانت الأمواج تلطم القارب. القارب هو الكنيسة، والبحر هو العالم. جاء الرب وسار على البحر وهدَّأ الأمواج. كيف مشى الرب على البحر؟ فوق رؤوس تلك الأمواج الثائرة القوية. آمن الرؤساء والملوك ، وخضعوا للمسيح. لذلك لا تخافوا، لأن الرب في العلى أقدر[19].
القديس أغسطينوس
تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
3. الملك القدوس

شَهَادَاتُكَ ثَابِتَةٌ جِدًّا.
بِبَيْتِكَ تَلِيقُ الْقَدَاسَةُ يَا رَبُّ إِلَى طُولِ الأَيَّامِ [5].
يدعو المرتل جماعة المؤمنين أن يمارسوا الحياة المقدسة اللائقة بأبناء القدوس، ويكفوا عن كل خطية أو إثم، فإنه ليس شيء في حياة القديسين أفضل من تشبههم بأبيهم القدوس، فيشهدون له بحياتهم وشركتهم معه. بفقدان القداسة تحول الملاك إلى شيطان.
قداسته هي جمال هيكله ومجده، وهي فيض نعمته على شعبه، هيكله الحي. وكما يقول الرسول بولس: "إن كان أحد يفسد هيكل الله فيفسده الله، لأن هيكل الله مقدس الذي أنتم هو" (1 كو 3: 17).
* "ببيتك تليق القداسة يا رب" (مز 93: 5). فقط لنتحقق ماذا يقول: إن كان أحد يظن أنه يسكن في بيت الرب، وهو غير طاهر وغير مقدس، فهو غريب عنه، لأنه لا يقتني الزينات اللائقة. "بيتك تليق القداسة يا رب" إن كنا بحسب قول الرسول نحن هيكل الله وبيته، فإن قداسة سلوكنا يلزم أن تكون هي زينة الكنيسة وكرامتها. وعلى العكس فإن كانت الخطايا والرذائل واضحة فينا، نكون عارًا وإفسادًا لبيت الرب وليس له جمال[20].
القديس جيروم
* "شهاداتك يا رب صادقة جدًا". الرب الساكن في العلي أقدر من غمار البحر القوية!
"شهاداتك صادقة جدًا، لأنه سبق فقال: "قد كلمتكم بهذا ليكون لكم فيَّ سلام. في العالم سيكون لكم ضيق" (يو 16: 33). لقد أضاف: "ولكن أفرحوا. أنا قد غلبت العالم". إذ يقول: "أنا قد غلبت العالم" التصقوا بذاك الذي غلب العالم، هذا الذي غلب البحر. افرحوا فيه، لأن الرب الذي في العلى هو أقدر. وشهاداته صادقة جدًا.
وما هي نهاية هذا كله؟ "ببيتك تليق القداسة يا رب". ببيتك، بكل بيتك، ليس هنا أو هناك، بل بكل بيتك عبر العالم كله... بيت الرب سيكون قويًا، وسيغلب في كل العالم. كثيرون سيسقطون، لكن ذلك البيت يبقى ثابتًا. كثيرون سيضطربون، لكن هذا البيت لن يتزعزع. "ببيتك تليق القداسة يا رب". هل فقط إلى وقت قصير؟ لا! "إلى طول الأيام"[21].
القديس أغسطينوس
* إذ يصير البيت مسكونًا، يبدأ الإنسان يهتم بأن يتعرف على متطلبات ذاك الذي يسكن البناء... لكن إن كان البيت خاليًا من كل الأمور الصالحة، لا ينزل الملك فيه، ولا يسكن في وسطه. إذ يُطلب أن يكون البيت فيه كل متطلبات الملك ولا ينقصه شيء...
هكذا يليق بالإنسان الذي يصير بيتًا، نعم، إذ يصير مسكنًا للمسيح يليق به أن يكون حريصًا على ما يلزم لخدمة المسيح الذي يسكن فيه، وعلى ما يسُر به. فإنه أولًا يقيم مبناه على حجر الإيمان كأساس. وعلى الإيمان يشيد كل البناء. فلكي يكون البيت عامرًا يتطلب هذا صومًا طاهرًا، وهذا يثبت بالإيمان.
توجد حاجة إلى الصلاة الطاهرة أيضًا، خلالها يُقبل الإيمان. هذا يستلزم أيضًا الحب الذي ينشئه الإيمان. علاوة على هذا فالصدقة مطلوبة، والتي تقدم خلال الإيمان.
يحتاج أيضًا إلى التواضع الذي يزيِّنه الإيمان. يختار أيضًا البتولية التي يحبها الإيمان. يربط نفسه بالقداسة التي تُغرس بالإيمان. يهتم أيضًا بالحكمة التي تطلب أيضًا بالإيمان. يشتاق أيضًا إلى الكرم الذي يصير بالإيمان سخيًا.
يطلب البساطة من أجل (المسيح الساكن فيه) هذه التي تختلط بالإيمان. يطلب أيضًا الصبر الذي يكْمل بالإيمان. ويطلب طول الأناة التي يسألها بالإيمان. يحب الحزن (الندامة) الذي يعلنه بالإيمان. يبحث أيضًا عن الطهارة التي يحفظها الإيمان.
كل هذه الأمور يطلبها الإيمان المؤسس على صخرة الحجر الحقيقي، أي المسيح. هذه الأعمال تُطلب من أجل المسيح الملك الساكن في البشر المبنيين بهذه الأعمال[22].
القدِّيس أفراهاط
* "شهاداتك قد صدقت جدًا"، أي أن ما قد ناشدته بأنبيائك وسبقت بإخباره بأنه سيجري علينا قد تحقق، وصدقنا حقيقة أقوالك. أيضًا كل ما حُرر في الكتب الإلهية والأنبياء من أجل المسيح الإله قد كمل وتحقق.
أما بيت الله فهو الكنيسة المقدسة وجماعة المؤمنين. فإذًا ينبغي لها القداسة والطهارة إلى طول الأيام، أي إلى أبد الأبد. وقد قال "طول الأيام" لئلا يظن اليهود أن بيت الله الذي يستحق التقديس هو هيكل سليمان الذي كان محل عبادتهم، لأن ذلك الهيكل لا يدوم مؤبدًا.
الأب أنسيمُس الأورشليمي
تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
من وحي المزمور 93

أسندني يا ملكي القدوس!


* لك الجلال والقدرة والقداسة يا ملك الملوك.
بحبك ارتفعت على الصليب من أجلي.
فأشرق بهاء حبك يا شمس البرّ.
ورفعت قلوبنا كأنهار حيَّة إلى سماواتك.
* التحفت بجلالك، لتنزع عاري،
وسكبت جمالك الفائق على أعماقي.
اتزرت بالقدرة لكي تغسلني من أدناس الخطية.
تقدسني إلى التمام يا أيها القدوس العجيب.
* ارتفعت على الصليب كعرشٍ فريدٍ،
وأنت ملك الملوك ترعى كنيستك منذ القدم.
تقودها في معركة ضد إبليس وجنوده.
تهبها النصرة وتكللها بالمجد الأبدي.
تبقى ترعاها إلى الأبد.
فلا يخور مؤمنوك،
ولا يتسلل اليأس أو الرعب إلى قلوبهم!
* تبقى قوات الظلمة في هياج لا ينقطع.
أمواجها في ضجيج مستمر.
ولكن كيف يمكنها أن تقف أمامك؟
أنت الذي تسير على البحار.
تأمر الرياح والأمواج فتطيعك.
* ليهج البحر بكل أهواله ضد مؤمنيك،
لتطلب المياه الكثيرة أن تغرق أولادك.
فإنك أنت هو العجيب في قدرتك وأعمالك.
تحول البحار الهائجة بأهوالها إلى أنهار مياه مفرحة.
تعلن ذاتك بين مضطهدي شعبك.
ترفع قلوبهم إلى السماء، فيكتشفون أسرارك.
عوض الاضطهاد، ترفع أصواتهم للكرازة بإنجيلك!
عوض المقاومة يصيرون أصدقاءك.
حولت السامرية إلى كارزة بين شعبها.
حولت شاول الطرسوسي إلى رسولك العجيب!
تقيم من البحار بأهوالها بيتك المقدس، كنيستك الطاهرة.
لك المجد يا محب البشر!
* شهاداتك يا رب صادقة جدًا.
لم تخفِ عنا أنه سيكون لنا في العالم ضيق.
لكن لنتهلل ونفرح،
فقد حملت ضيق الصليب بمسرة.
وكما غلبت بالصليب، به نحن نغلب.
أنت هو سندنا يا ملكنا!
أنت هو نصرتنا وإكليلنا.
  رد مع اقتباس
قديم 18 - 02 - 2014, 04:22 PM   رقم المشاركة : ( 95 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,346

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب

مزمور 94 - تفسير سفر المزامير
الله ديان السماء والأرض والمدافع عن المظلومين



كثيرًا ما يقف الإنسان في دهشة أمام ما يجري في هذا العالم. يبدو كأن الله لا ينظر إلى ما يحل ببني البشر، ولا يسمع لصرخات المظلومين. فالأشرار يمارسون الظلم، وكأنه ليس من يقف أمامهم، والأبرار يصرخون ليلًا ونهارًا، وكأنه ليس من يسمع ولا من ينصت إلى طلباتهم.
غالبًا ما كُتب هذا المزمور في وقت ضيقٍ شديدٍ حلّ بالشعب بواسطة عدوٍ غريبٍ.
جاء في الترجمة السبعينية كما في المشناه Mishna، أن هذا المزمور كان يسبح به الشعب في اليوم الرابع من الأسبوع (الأربعاء)، أي في منتصف الأسبوع.
يتسم هذا المزمور بغناه في تقديم التعزيات وسط الضيقات على مستوى الجماعة، كما على المستوى الفرد، كما أنه غني في أدبه اللغوي فيحمل مراثٍ، وتوسلات لله، وتساؤلات، وتعاليم، ويصور الانتهاكات التي تحل بالأبرار، وتأكيد عدالة الله ودفاعه عن المظلومين في الوقت المعين.
* معروف لنا جميعًا، وأود ألا نكون من بينهم، أنه قد يتذمر البعض على طول أناة الله ويحزنون، إما لأن الأشرار غير الأتقياء يعيشون في هذا العالم في رغدٍ، أو أنهم أصحاب سلطة عظيمة، وما هو أكثر من هذا أن الأشرار بوجه عام لهم سلطة عظيمة ضد الصالحين، وأنهم غالبًا ما يمارسون الضغوط على الصالحين. فيتشامخ الأشرار ويتألم الصالحون. إذ يلاحظ هذا في الجنس البشري إذ يزدهر الأشرار، فإن أصحاب العقول الضعيفة وضيقي الصدر ينحرفون، كمن يمارسون الصلاح باطلًا، كأن الله لا يتطلع أو يبدو كمن لا يبالي بالأعمال الصالحة التي للأتقياء والمؤمنين، ويرفع الأشرار في ملذاتهم التي يحبونها... من يفكر هكذا، فإنه وإن كان لا يضر أحدًا، لكن يؤثر على نفسه جدًا، إنه شرير بالنسبة لنفسه، وبشره لا يؤذي الله، إنما يقتل نفسه[1].
القديس أغسطينوس

1. دعوى قضائية أمام الديان
1-7.
2. الله يعرف وينظر
8-13.
3. الله يتعهد شعبه
14-19.
4. نهاية الأشرار
20-23.
من وحي المزمور 94
تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
العنوان

جاء عن الترجمة السبعينية: "لداود، في اليوم الرابع". يرى القديس غريغوريوس النيسي أنه يخص تصرف يهوذا الخائن في يوم الأربعاء.
* في اليوم الرابع خلق الرب الأنوار في السماء (تك 1: 14). "الشمس لحكم النهار والقمر والكواكب لحكم الليل" مز 136: 8، 9). هذا هو عمل اليوم الرابع. إذن هذا هو السبب أن هذا المزمور أخذ هذا العنوان من اليوم الرابع، المزمور الخاص بالصبر على ازدهار الأشرار وآلام الصالحين. يقول الرسول بولس: "افعلوا كل شيء بلا دمدمة ولا مجادلة، لكي تكونوا بلا لوم وبسطاء أولاد الله بلا عيب، في وسط جيلٍ معوجٍ وملتوٍ، تضيئون بينهم كأنوارٍ في العالم، متمسكين بكلمة الحياة" (في 2: 14-16)[2].
القديس أغسطينوس
تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
1. دعوى قضائية أمام الديان

يقدم المرتل بلسان شعب الله الساقطين تحت الآلام والأحزان دعوى أمام قاضي المسكونة كلها. هذه الدعوى تشبه تلك التي قدمتها الأرملة المتألمة من الظلم في المثل الذي قاله ربنا يسوع؛ حيث تقدمت إلى قاضٍ لا يخاف الله ولا يهاب إنسانًا، ولم يشأ أن ينصفها إلى زمانٍ، وأخيرًا قال في نفسه: "لأجل أن هذه الأرملة تزعجني أنصفها لئلا تأتي دائمًا فتقمعني". وقال الرب: "اسمعوا ما يقول قاضي الظلم. أفلا ينصف الله مختاريه، الصارخين إليه نهارًا وليلًا وهو متمهل عليهم؟! أقول لكم إنه ينصفهم سريعًا" (لو 18: 6-8).
يَا إِلَهَ النَّقَمَاتِ يَا رَبُّ،
يَا إِلَهَ النَّقَمَاتِ أَشْرِقِ [1].
كلمة "نقمة" أو "نقمات" في كثير من اللغات الحديثة تعني معنى مشاعر مثيرة وحقد أو ضغينة، لكنها هنا لا تحمل هذا المعنى، إنما تحقيق العدالة للمظلومين، وسقوط العقوبة على الظالمين المصرين على ظلمهم للغير. جاء هذا المبدأ الأساسي في (تث 32: 35) "لي النقمة والجزاء. في وقتٍ تزل أقدامهم. إن يوم هلاكهم قريب، والمهيآت لهم مسرعة".
مما يعطي المؤمنين طمأنينة أن الجزاء في يد الله القدير وحده، والعارف الأسرار والنيات الداخلية، كلي العدل والنقاوة، يهب خليقته الجزاء.
يكرر المرتل عبارة "إله النقمات" مرتين لأن قلبه متمرر من الظلم الذي يمارسه الأشرار على الأتقياء البسطاء. ولعله بقوله "أشرق" يكشف عن أنه شمس البرّ.
* إله النقمات يعمل بجسارة. ذاك الذي اُحتقر في تواضعه، ينتقم بعد ذلك في جلاله[3].
* إن كان الله هو رب النقمات. "لي النقمة أنا أجازي يقول الرب" (رو 12: 19)، فلماذا تطلب النقمة يا إنسان؟ لك الرب هو يجازي عنك؟ هذا هو جوهر ما يقوله الرسول: "فإن جاع عدوك فأطعمه، وإن عطش فاسقه. لأنك إن فعلت هذا تجمع جمر نار على رأسه" (رو 12: 20)... بمعنى أنك تطهر عدوك من الخطية، لأن صبرك يغلب قسوته... إن كان عدوك يضربك وأنت لا تثأر لنفسك، فسيُغلب بصبرك وتهديه[4].
القديس جيروم
* هذا ما يعد به الله، إنه هو نفسه سيكون لنا المكافأة، إذ يقول: لي النقمة، وأنا أنتقم، أي اتركوا لي بصبرٍ، وأنا أكافئ على الصبر[5].
العلامة ترتليان
* إنه كما يُدعى إله الرأفة، لأنه يتراءف؛ وإله التعزية، لأنه يعزي المحزونين، كذلك يُدعى إله النقمة، لأنه ينتقم من الأشرار.
الأب أنسيمُس الأورشليمي
* إنكم تتذمرون لأن الأشرار لا يُعاقبون. لا تتذمروا لئلا تصيروا أنتم بين الذين يُعاقبون. ذاك الإنسان ارتكب سرقة ويعيش. أنت تتذمر على الله، لأن ذاك الذي ارتكب السرقة لم يمت... أن كنت تريد هذا الآخر يُصلح من يده، فلتُصلح أنت من لسانك نحو الإنسان. أصلح قلبك نحو الله لئلا إله النقمات الذي تطلبه يجدك أنت أولًا. إنه سيأتي، وسيدين الذين يستمرون في شرهم، غير الشاكرين على رحمته وطول أناته، فتخزن لنفسك سخطًا في يوم الغضب، عند إعلان حكم الله العادل، الذي يجازي كل واحدٍ حسب عمله (رو 2: 4-6)[6].
القديس أغسطينوس
ارْتَفِعْ يَا دَيَّانَ الأَرْضِ.
جَازِ صَنِيعَ الْمُسْتَكْبِرِينَ [2].
هذه الصلاة هي نبوة تتحقق حين يُصر المتكبرون على تشامخهم ومقاومتهم للحق الإلهي. إنها ليست نقمة لانفعال ما في الجوهر الإلهي، إنما هي ثمرة طبيعية للتشامخ بما يحمل من فساد، وترفق وحنو على المتواضعين والودعاء الذين يستهين المتكبرون بحقوقهم. كما تحمل تحذيرًا للمتكبرين لكي ما يتحققوا من حقيقة ضعفهم، فكبرياؤهم يخفي ضعفًا وفسادًا.
* "ارتفع يا ديان الأرض" أنت ديان الأرض، لأن الدينونة لا تناسب السماء. اسمعوا أيها الهراطقة، فإن الرب يدين الأرض. لو وُجد شر في السماء، لماذا لا تكون دينونة في السماء أيضًا؟ لو كانت النفوس في السماء تخطئ، فلماذا تُدان الأرض وحدها؟[7]
* "جازِ صنيع المستكبرين". يلزم تجنب كل الخطايا؛ فلتتأكدوا من ذلك، لأن كل الخطايا هي ضد الله، لكنها تختلف في الدرجة. المستكبرون - كمثالٍ - هم أعداء الله. "يقاوم الله المستكبرين، وأما المتواضعون فيعطيهم نعمة" (يع 4: 6). الشيطان هو رئيس المستكبرين. يقول الكتاب: "لئلا يتصلف، فيسقط في دينونة إبليس" (1 تي 3: 6)؛ لأن من يمجد نفسه في قلبه يكون شريكًا للشيطان الذي اعتاد أن يقول: "بقدرة يديّ صنعت، وبحكمتي، لأني فهيم. ونقلت تخوم شعوب" (إش 10: 13)... كل الضعفات الأخرى تستحق رحمة الرب، لأنهم في تواضعٍ يخضعون لمحاكمة الله لهم، أما الكبرياء وحده، فيكرم ذاته فوق قدرته، ويقاوم الله. الزاني أو الفاسق لا يجسر أن يرفع عينيه للسماء. في اكتئاب النفس يتطلع إلى رحمة الله. أما ذاك الإنسان، فإن كان ضميره يجعله ينزل حتى إلى الأرض، فإنه يجعله أيضًا يرتفع إلى السماء. عندما يثور الكبرياء والرغبة غير اللائقة للمجد (الباطل) في إنسانٍ، فإنهما في نفس الوقت ينزلان به بخطيته ويجعلانه عدوًا لله[8].
القديس جيروم
* إنك تتألم، "ارتفع"، بمعنى قم، ارحل إلى السماء! لتحتمل أيضًا الكنيسة بطول أناة ما احتمله رأس الكنيسة بطول أناةٍ؟ "ارتفع يا ديان الأرض، جازِ صنيع المستكبرين". أنه سيجازيهم يا إخوة... هذه كلمات من يتنبأ، لا جسارة لشخصٍ يأمر. ليس لأن النبي قال: "ارتفع يا ديان الأرض" أطاع المسيح النبي، بقيامته من الأموات وصعوده إلى السماء، وإنما لأن المسيح كان سيفعل هذا تنبأ النبي بذلك[9].
القديس أغسطينوس
* وُعد المساكين بالمكافأة الأبدية، ووُعد الأغنياء المتكبرون بالعقوبة التي بلا نهاية بهذه الكلمات: "جاز صنيع المتكبرين"، سيزيل الله ذكرى المتكبرين، "الكبرياء" مكروه أمام الله[10].
الأب قيصريوس أسقف آرل
* أي أظهر ارتفاع سيادتك ليعرف الكل أنك ديان البشر، وتكسر تشامخ المستكبرين، وهذا حدث عندما تجسد ابن الله وتواضع، الذي لم يزل في العلى وفي شرف لاهوته، وقد دان العالم، وأظهر أنهم خطاة، لأنه وحده بدون خطية.
جازى المستكبرين، وهم الكتبة والفريسيين الذين استكبروا عليه وأرادوا قتله، فجازاهم، وجازى القوات المضادة التي حركتهم على صلبه.
أيضًا كلمة "ارتفع" هي تحريض على إتمام صلبه، لأن ربنا ذاته دعا الصلب ارتفاعًا بقوله له المجد: "أنا إذا ارتفعت عن الأرض أجذب إليّ الكل". فلما صُلب جازى المستكبرين، لأنه قهر بعود صليبه القوات المضادة التي خدعت آدم وأغرته على الأكل من ثمرة الشجرة المنهي عنها. ولذلك حرر بولس الرسول في الفصل الثاني من رسالته إلى أهل كولوسي، قائلًا: "إذ جرد الرياسات والسلاطين أشهرهم جهارًا ظافرًا بهم فيه" (كو 2: 15).
الأب أنسيمُس الأورشليمي
حَتَّى مَتَى الْخُطَاةُ يَا رَبُّ،
حَتَّى مَتَى الْخُطَاةُ يَشْمَتُونَ؟ [3]
الله طويل الأناة على الأشرار والمتكبرين، ليس تجاهلًا لصرخات المظلومين، وإنما ترفقًا بالخطاة، لعلهم يدركون حقيقة حالهم، فيرجعون عن شرورهم.
يقف حتى الشهداء في الفردوس في دهشة أمام طول أناة الله على الأشرار. يقول الرائي: "وصرخوا بصوتٍ عظيم قائلين: حتى متى أيها السيد القدوس والحق لا تقضي وتنتقم لدمائنا من الساكنين على الأرض" (رؤ 6: 10).
صرخة المتألمين هنا تكشف عن مشاعر البشر، إذ تعبر عليهم ساعات الضيق كأنها سنوات طويلة، فيقولون: "حتى متى..." مكررين ذلك، أما أيام الفرج فتعبر بسرعة.
* "حتى متى الأشرار يا رب، حتى متى يفتخر الأشرار؟!" ضيق صدر البشر لا يريد أن يكون الله طويل الأناة. المخلوقات بالحق جديرون بالشفقة، ونحن نريد أن يكون الله طويل الأناة معنا، وليس مع أعدائنا. عندما نخطئ نتوسل إلى الله أن يطيل أناته علينا، عندما يخطئ أحد ضدنا لا نتوقع من الله أن يطيل أناته عليه.
"حتى متى يفتخر الأشرار؟" لا يكفي أنهم يخطئون، وإنما يفتخرون أيضًا بخطاياهم. بليتهم الأولى أنهم يخطئون، وأما الدرجة الثانية من بؤسهم بل والأخيرة هي عدم توبتهم. هؤلاء الخطاة ليس فقط يرفضون أن يحنوا رقابهم في تواضعٍ، لكنهم يستعرضون خطأهم علانية[11].
القديس جيروم
يُبِقُّونَ يَتَكَلَّمُونَ بِوَقَاحَةٍ.
كُلُّ فَاعِلِي الإِثْمِ يَفْتَخِرُونَ [4].
كثيرًا ما يرتبك البشر فينكرون عناية الله وعدله أيضًا فينطقون بوقاحة ضد الله، حتى بعض الأبرار والصديقين للأسف في ضعفهم، إذ يرون الأشرار ناجحين ومزدهرين، يظنون كأن عيني الله لا تتطلعان إلى ما يحل بهم من الظالمين.
يرى القديس جيروم أن فاعلي الإثم الذين يفتخرون هم الهراطقة دون شكٍ. فالإنسان المتمرد والمتغطرس بلسانه حتمًا شرير في أفعاله، فإنه من فضلة القلب يتكلم اللسان (لو 6: 45). عندما يحدث ضرر في الضمير تزداد خطايا اللسان.
* حتى متى، يا رب يكون الأشرار هكذا، حتى متى يتمجد الأشرار؟ الخاطي الذي يبتهل إلى الله يستحق المغفرة، أما الذي ينتفخ بشره فهو متكبر، والكبرياء يجعل من الله عدوًا... حتى متى كل فاعلي الشر يستمرون في الافتخار بأعمالهم؟ حتى متى يستمرون في الحديث بتشامخهم... عدم طول أناة الناس يدهش لطول أناة الله، ويقول: أنا خاطي لا أحتمل الخطاة، وأنت البار كيف تحتمل هذا كله منهم؟ حتى متى يا رب يستمر الأشرار في الافتخار بشرورهم؟[12]
القديس جيروم
يَسْحَقُونَ شَعْبَكَ يَا رَبُّ،
وَيُذِلُّونَ مِيرَاثَكَ [5].
هذه هي صرخة الكنيسة في كل جيل، إذ لا يتوقف عدو الخير عن إثارة الاضطهاد خلال أتباعه لسحق شعب الله وإذلاله. عداوة إبليس لكنيسة الله ليست جديدة، ولن تتوقف مادامت الفرصة سانحة له.
* شعب الله دائمًا يُسحق، دائمًا يُداس عليه... إنهم يسقطون في تواضعٍ مثل الله الوديع والمتواضع القلب (مت 11: 29)[13].
القديس جيروم
يَقْتُلُونَ الأَرْمَلَةَ وَالْغَرِيبَ،
وَيُمِيتُونَ الْيَتِيمَ [6].
لا يعرف عدو الخير الحنو والشفقة حتى على الذين ليس لهم معين، فلا يشفق على حزن الأرامل، ولا شيبة الشيوخ، ولا احتياج الأيتام، ولا حرمان الغرباء من وطنهم وعائلاتهم. قانونه العنف والقسوة وعدم الرحمة.
بعد أن أوضح القديس جيروم أن الذين يتكلمون بوقاحة ويفتخرون بفعل الإثم هم الهراطقة، يوضح أن ضحاياهم هم الأرامل والغرباء والأيتام، مقدمًا تفسيرًا رمزيًا لهذه الفئات.
* الأرملة هي نفس الخاطي الذي فقد الله عريسه، والغريب هو الذي ليس له مسكن، أي ليست له إقامة دائمة. إنه المؤمن الحديث الذي يسقط سريعًا لأول عثرة يلتقي بها... واليتيم هو الذي يفقد الله أبيه... (هؤلاء هم الذين يقتلهم الهراطقة الأشرار)[14].
القديس جيروم
وَيَقُولُونَ: الرَّبُّ لاَ يُبْصِرُ،
وَإِلَهُ يَعْقُوبَ لاَ يُلاَحِظُ [7].
ينكر الأشرار عناية الله، وهذا خطأ خطير. يحسبون الله إن كان موجودًا، فهو منعزل في سماواته، لا شأن له بالبشرية، أو حتى بالخليقة، وكأنه لا يسمع ولا يبصر ولا يلاحظ ولا يبالي.
* "يسحقون شعبك يا رب، ويذلون ميراثك". من؟ المستكبرون. "يقتلون الأرملة والغريب"، التاريخ واضح... فإن الشيطان المتكبر مع أتباعه يضطهدون كل يوم، ويضايقون المتواضعين في الكنيسة. "يقولون: الرب لا يبصر، وإله يعقوب لا يلاحظ". ينظرون إلى طول أناة الله أنه نقص في المعرفة[15].
القديس جيروم
* لا يقدر أحد أن يهرب من عين الله، فإنه ليس فقط يرى الأماكن السرية، بل ويرى أعماق القلب[16].
القديس أغسطينوس
* بهذا القول (مز 94: 3) أظهر إمهال الله وطول أناته. وأما قوله: يذلون شعبك، فهذا عن رؤساء اليهود وأكابر اليونانيين الذين كانوا يمنعون الناس من الإيمان بالمسيح، وأذلوهم وأضروهم، وصاروا لا يشفقون على اليتيم والأرملة، متوهمين أن الله لا يبصر، والإله الذين ظهر ليعقوب لا يفهم.
الأب أنسيمُس الأورشليمي
تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
2. الله يعرف وينظر

اِفْهَمُوا أَيُّهَا الْبُلَدَاءُ فِي الشَّعْبِ،
وَيَا جُهَلاَءُ، مَتَى تَعْقِلُونَ؟ [8]
الذين يدعون أن الله لا شأن له بالخليقة، فيجردونه من عنايته الإلهية، إنما يجردون أنفسهم من الفهم والتمييز والتعقل. إنهم في حاجة أن يطلبوا من الله أن يهبهم عطية الحكمة الحقيقية والتعقل.
* "افهموا أيها البلداء في الشعب؛ ويا جهلاء متى تعقلون؟ الغارس الأذن ألا يسمع؟ الصانع العين ألا يبصر؟" يوبخ النبي الخطاة ويهزمهم بدليل من الطبيعة. يا من تظنون أن الشئون البشرية لا تهم الله، يا من تتفقون مع أبيقور بأن الله بعيد عن شئون البشرية، اسمعوا لججه. فإنكم لستم إلا أطفالًا، فأقدم لكم أمثلة من الأطفال. هل الذي أعطى الإنسان السمع هو نفسه لا يسمع؟ لم يضع مقارنة شبيه بشبيهه، إذ لم يقل: "الذي خلق الأذن، أليس له هو نفسه أذن؛ أو الذي صنع العين أليس هو نفسه له عين؟ فإنه ليس لله أعضاء جسمية[17].
القديس جيروم
* يقول غالبيّة البشر: ماذا؟ هل يفكر الله فيَّ الآن، فيعرف ما أصنعه في منزلي؟! هل يهم الله ما أريد أن أفعله وأنا على سريري؟
"افهموا أيّها البُلداء في الشعب، ويا جهلاء متى تعقلون" (مز 94: 8).
إنّك كرجل يلزمك أن تعرف كل ما يدور في بيتك، وأن يصل إلى علمك كل أفعال خَدَمَك وأقوالهم، أفما تظن أن لله عملًا كهذا؟ إنَّه يلاحظك!
القديس أغسطينوس

* الله لوفرة صلاحه ورأفته لا يأتي بالنقمة على المذنبين للتو، بل أولًا ينصحهم، ويقول: "يا بلداء وجهلاء افهموا وتعقلوا".
الأب أنسيمُس الأورشليمي
الْغَارِسُ الأُذُنَ أَلاَ يَسْمَعُ؟
الصَّانِعُ الْعَيْنَ أَلاَ يُبْصِرُ؟ [9]
إن كان الله قد شكّل الإنسان هكذا، فوهبه الأذنين ليسمع، والعينين لكي يبصر، فيتجاوب مع من حوله من البشر، بل وحتى مع بقية الخليقة من حيوانات وطيور ونباتات وجماد، فكيف نجرد الله من عنايته الإلهية الفائقة؟
الْمُؤَدِّبُ الأُمَمَ أَلاَ يُبَكِّتُ؟
الْمُعَلِّمُ الإِنْسَانَ مَعْرِفَةً [10].
يهتم الله ليس فقط بشعبه والمؤمنين به، بل يؤدب ويعلم حتى الأمم، يعمل لخلاص حتى الوثنيين ليرجعوا إليه، فكيف لا يبكت محبوبيه، ويهبهم المعرفة.
يرى القديس إكليمنضس السكندري أن المؤمن الحقيقي يتمتع بمعرفة صادقة حقيقية، لذا يدعوه غنوسيًا أي صاحب معرفة. يرى أنه يجب أن يكون محبًا للمعرفة، وكثير المعرفة[18].
* بالتأكيد حتى عندما لا أستطيع أن أفهم كل شيءٍ، مع هذا فإنني مشغول بالأسفار المقدسة، وأتأمل ناموس الله نهارًا وليلًا (مز 1: 2). لن أتوقف في أي وقت عن السؤال والمناقشة والبحث وما هو أعظم من هذا كله الصلاة لله وسؤاله الفهم منه، فهو يعلم البشر المعرفة (مز 94: 10) حتى أظهر ساكنًا عند بئر الرؤيا (بئر لحي رئي تك 25: 11).
فلو كنت مهملًا أو غير مشغول بكلمة الله في البيت، ولا أدخل الكنيسة مرارًا لأسمع الكلمة، كما أرى البعض بينكم يأتون إلى الكنيسة في أيام الأعياد، فإن مثل هؤلاء لا يسكنون عند "بئر الرؤيا". إنني أخشى أن هؤلاء المهملين حتى إن جاءوا إلى الكنيسة لا يشربون من ماء البئر ولا ينتعشون، بل يكرسون حياتهم لمشغولياتهم وأفكار قلوبهم التي يأتون بها إلى الكنيسة، ويخرجون عطشى حتى من آبار الأسفار الإلهية[19].
* أليس الرب هو الذي يُعلَّم الفهم والمعرفة...؟ حقًا إن المعلم الحقيقي للفضيلة لا يمكن أن يكون إنسانًا. "إنه هو الذي يعلم الإنسان معرفة" (راجع مز 94: 10)، قد أُشير إلى ذلك في المزامير، ليس أحد آخر سوى الله. يقول النبي: "علمني أحكامك" (مز 119: 12)، إذ يعرف أن الله هو المعلم الحقيقي الكامل. بالحقيقة يعلم الله بأن ينير نفس التلميذ من عنده، ينير ذهنه بنوره، كلمة الحق. لهذا السبب، فإن الأبرار الذين تقبلوا نعمة التعليم يعلموننا[20].
العلامة أوريجينوس
* أيضًا معرفة الشريعة التي يسعون إلى بلوغها يوميًا، لا بالقراءة الدءوبة، وإنما بإرشاد الله واستنارتنا به، إذ يقولون له: "طرقك يا رب عرفني؛ سبلك علمني" (مز 45: 2)؛ "اكشف عن عينيَّ، فأرى عجائب من شريعتك" (مز 119: 18)؛ "علمني أن أعمل رضاك، لأنك أنت إلهي" (مز 143: 10)؛ "المعلمُ الإنسان المعرفة" (مز 94: 10).
* أيضًا يسأل الطوباوي داود من الرب طالبًا الفهم عينه، حتى يدرك وصايا الله، بالرغم من معرفته يقينًا أنها مكتوبة في كتاب الشريعة، فيقول: "عبدك أنا، فهمني فأعرف شهاداتك" (مز 119: 125).
بالتأكيد كان لداود الفهم الموهوب له بالطبيعة كإنسانٍ، كما كان لديه وصايا الله المحفوظة في كتاب الشريعة، مع هذا يصلي إلى الرب لكي يعلمه الشريعة بإتقانٍ. فما حصل عليه من فهمٍ حسب الطبيعة لا يكفيه، ما لم يُنِرْ الله فهمه باستنارة يومية لكي يفهم الشريعة روحيًا، ويعرف وصاياه بوضوح.
كذلك أعلن الإناء المختار هذا الأمر بوضوحٍ وفي أكثر عمقٍ: "لأن الله هو العامل فيكم، أن تريدوا وأن تعملوا من أجل مسرته" (في 2: 13). أي وضوح أكثر من هذا أن الإرادة الصالحة وكمال عملنا يتم فينا بالكمال بالرب؟!
وأيضًا: "لأنه قد وُهب لكم لأجل المسيح، لا أن تؤمنوا به فقط، بل أيضًا أن تتألموا لأجله" (في 1: 29). هنا يُعلن أن قبولنا للإيمان وتحمُّل الآلام هما هبة وعطية لنا من الرب.
ولأن داود يعرف ذلك يصلي مثله، لكي يُوهب له هذا الأمر عينه من قِبَل رحمة الله، قائلًا: "أيدَّ يا الله الذي فعلته لنا" (مز 68: 28)، مظهرًا أنه لا يكفي فقط أن يُوهب لنا بداية خلاصنا كهبة ونعمة من قبل الله، بل ويلزم أن يكمل ويتمم بنفس تحننه وعونه المستمر[21].
الأب بفنوتيوس
الرَّبُّ يَعْرِفُ أَفْكَارَ الإِنْسَانِ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ [11].
الإنسان الذي لا يبالي بخلاص نفسه وأبديته وشركته مع الله أفكاره وخططه تافهة وزائلة.
* "المؤدب الأمم ألا يبكت؟" هذا يعني أن الذي أعطى الناموس ليهذب الذين يطيعون، يعاقب المزدرين. "المعلم الإنسان المعرفة"؛ لم يضف النبي "أليس هو نفسه له معرفة" وإنما ماذا يقول؟ "الرب يعرف أفكار الإنسان أنها باطلة". انحرف البشر بإعجابهم بالفلاسفة والشعراء عندما قالوا: "يا لأفكار البشرية، إنها باطلة في الشئون البشرية. لكن مزمور داود عبَّر عن ذات الحكم منذ عصورٍ كثيرة. "الرب يعرف أفكار الناس أنها باطلة". مادمنا بشرًا، فإن أفكارنا باطلة. "أنا قلت أنكم آلهة، وبنو العلي كلكم" (مز 82: 6)[22].
القديس جيروم
* بالأحرى يليق بكل واحدٍ منكم أن يكون أمينًا (مؤمنًا) في ضميره. "أما الرجل الأمين فمن يجده؟!" (أم 20: 6) أظهر صدق إيمانك (أمانتك) لله فاحص الكُلى والقلوب (مز 7: 9)، والعارف بأفكار البشر (مز 94: 11)، ولا تكشف ضميرك لي أنا، لأنك لا تُدان بحسب حكم إنسان (1 كو 4: 3-5)[23].
القديس كيرلس الأورشليمي

* الإدراك (المادي) لدى الإنسان الجسداني هو المرشد الوحيد للفهم. فما اعتاد أن يراه يؤمن به، وما لم يعتد أن يراه لا يؤمن به[24].
* وإن كنت لا تعرف أفكار الله أنها بارة، فهو يعرف أن أفكار الإنسان أنها باطلة. لكن حتى البشر يعرفون أفكار الله، أولئك الذين صار لهم صديقًا، فإنه يظهر مشورته لهم. لا تستخفوا يا إخوة بأنفسكم، فإنكم إن اقتربتم إلى الرب بالإيمان تسمعون أفكار الله[25].
القديس أغسطينوس
طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي تُؤَدِّبُهُ يَا رَبُّ،
وَتُعَلِّمُهُ مِنْ شَرِيعَتِك [12].
تأديبات الإنسان علامة حب الله له واهتمامه به، إذ يود أن يهذبه بوصيته الإلهية، ويهيئه للحياة السماوية المطوبة. ثمار التأديب في هذه الحياة بالنسبة للأتقياء لا تُقدر، إذ يلمسوا فيها أبوة الله الحانية واهتمامه بخلاصهم الأبدي. وكما يقول المرتل: "خير لي أني تذللت لكي أتعلم فرائضك" (مز 119: 71).
* "طوبى للرجل الذي تؤدبه (تهذبه) يا رب، وتعلمه من شريعتك". أنتم تدركون أنه يجب تعلم الشريعة حتى تتضح الأمور الغامضة فيها. علاوة على هذا يقول الرسول: "الناموس روحي" (رو 7: 14)، ويقول داود: "افتح عن عيني، فأعاين عجائب من شريعتك" (مز 119: 18). يكرر المرتل: "طوبى للرجل الذي تؤدبه (تهذبه) يا رب، وتعلمه من شريعتك"[26].
القديس جيروم
* يطوب النبي الإنسان الذي يؤدبه الرب في هذا العمر الحاضر، لأنه في أيام الحزن والامتحان يتعزى بما ورد في شريعة الله، ويخف من ثقل محنته، عندما يتذكر بأن الذي يُؤدب على خطاياه في هذا الدهر يجد راحة في الدهر الآتي.
الأب أنسيمُس الأورشليمي
لِتُرِيحَهُ مِنْ أَيَّامِ الشَّرِّ،
حَتَّى تُحْفَرَ لِلشِّرِّيرِ حُفْرَةٌ [13].
وسط الضيقات والتأديبات يتمتع أولاد الله بالتعزيات الإلهية أو سلام القلب بينما يشعر الأشرار وسط أوقات الفرج بفراغ غريب وشعور بالحرمان. فالتأديبات مع سلام الله الداخلي أفضل من الازدهار والنجاح الظاهري مع الفراغ الداخلي.
غالبًا ما يستخدم الله شر الأشرار لتأديب أولاده، فبينما يتزكى أولاد الله إذا بكأس الأشرار يمتلئ. هذا ما حدث مع يوسف وإخوته. هم أرادوا أن يفعلوا به شرًا والرب صنع به خيرًا.
جاءت كلمة "تريحه" في تفسير للمزمور "يعطيه صبرًا". ولعل المرتل يصور لنا أنه وإن كان الأمر فيه مرارة حين يرى الصالحون أن الله يطيل أناته جدًا على الأشرار، فيعيشون في حياة رغدة وينالون سلطانًا، بينما يعانون هم (الصالحون) من الظلم والآلام. لكن في هذه الفترة التي فيها يطيل الله أناته على الأشرار يزين أولاده بالصبر كسمة جميلة تليق بأبناء الطويل الأناة، وفي نفس الوقت تُعد جهنم للأشرار إن أصروا على عدم الرجوع إلى الله.
لا نتخيل أن الملائكة يعدون الحفرة الأبدية أو جهنم بمنظار مادي، وإنما يلقي الأشرار أنفسهم في نار خطاياهم وفسادهم الأمر الذي اختاروه بمحض إرادتهم الشريرة. لست أظن بقوله: "حتى تُحفر للشرير حفرة" أنه يقصد أن الله يعد جهنم بنفسه للأشرار. لسنا ننكر وجود جهنم لكننا لا نتصور انشغال الملائكة بإعدادها. هذا وقد وعدنا السيد المسيح: "أنا ماضٍ لأعد لكم مكانًا" أي الحياة الأبدية بأمجادها الفائقة. ولم يقل للأشرار: أنا ماضٍ لأحفر لكم جهنم، الحفرة الأبدية.
* "لتريحه من أيام الشر" هذا هو السبب لماذا يعلمه (من شريعته)، لكي يرحمه في المستقبل. هذا هو السبب أنك تُصلحه في الحاضر، حتى لا تدينه في المستقبل. حكم القاضي عذاب، وذلك بالنسبة للذي سيتعذب، وليس لأن الحكم عنيف؛ وإنما لأن الحكم العادل يُحسب عنيفًا لمن يعاني من شوكة العقوبة[27].
* "حتى تُحفر للشرير حفرة" من الذي يحفر الحفرة لفاعلي الشر؟ لننظر ماذا يقول المرتل في مزمور آخر: "كرا جبَّا، حَفَرَهُ فسقط في الهوة التي صنع" (مز 7: 15). إذن بالتأكيد لم يصنع الله الهوة، إنما الخاطي، وكانت النتيجة أنه يسقط فيها. يعلن الرب: "إن كان أعمى يقود أعمى، يسقطان كلاهما في حفرة" (مت 15: 14)[28].
القديس جيروم
تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
3. الله يتعهد شعبه

لأَنَّ الرَّبَّ لاَ يَرْفُضُ شَعْبَهُ،
وَلاَ يَتْرُكُ مِيرَاثَهُ [14].
السماح بالتأديبات لا يعني رفض الله لشعبه الذي تحت التأديب ولا تخليه عنهم. حينما سمح الله ليعقوب بالتأديب تراءى الله له وباركه، بل وقال له: "يتبارك فيك وفي نسلك جميع القبائل. وها أنا معك، وأحفظك حيثما تذهب، وأردك إلى هذه الأرض. لأني لا أتركك حتى أفعل ما كلمتك به" (تك 28: 14-15).
لقد سمح للأعداء أن يقاوموا شعبه، لكن يؤكد لهم موسى النبي: "تشددوا وتشجعوا. لا تخافوا، ولا ترهبوا وجوههم، لأن الرب إلهك سائر معك، لا يهملك ولا يتركك" (تث 31: 6).
* لتفرحوا وأنتم تحت التأديب، لأن الميراث يحفظ لكم، "لأن الرب لا يرفض شعبه". إنه يؤدب إلى حين، ولا يدين إلى الأبد. أما الآخرون فيريحهم إلى حين ويدينهم إلى الأبد[29].
القديس أغسطينوس
لأَنَّهُ إِلَى الْعَدْلِ يَرْجِعُ الْقَضَاءُ،
وَعَلَى أَثَرِهِ كُلُّ مُسْتَقِيمِي الْقُلُوبِ [15].
في الوقت المناسب، سواء في هذه الحياة أو الحياة الأبدية ينتصر العدل الإلهي ويتحقق، حيث يدرك الكل حكمة الله وعلة طول أناته على الأشرار، الأمر الذي يملأ مستقيمي القلوب سلامًا وفرحًا.
مَنْ يَقُومُ لِي عَلَى الْمُسِيئِينَ؟
مَنْ يَقِفُ لِي ضِدَّ فَعَلَةِ الإِثْمِ؟ [16]
يشعر الإنسان التقي أحيانًا بعنف الأشرار فعلة الإثم الذين يسيئون إليه، فيصرخ في أعماقه طالبًا من يقف أمامهم ويصد شرورهم. قليلون من يقفون مع الأتقياء في لحظات ضيقهم. لقد وجد داود النبي يوناثان يقف معه وينقذه من أبيه شاول الملك، كما وجد إرميا النبي عبد الملك في القصر يدافع عنه أمام الملك. لكن بولس الرسول أعلن أن الكل قد تركوه في شدته.
يرى القديس جيروم أن المرتل يسأل أولًا من يقوم له، وبعد ذلك من يقف لحسابه ضد فعلة الإثم. إنه محتاج إلى من يقيمه من أرض السكوت [17]، أي من بين الأموات، من القبر. ليس من يقدر أن يقيمه إلا ذاك الذي قام بكونه بكر الراقدين ووقف لحسابه كي يقيمه معه.
* "من يقوم لي على المسيئين (الأشرار)؟" جاء موسى ولم يقدر أن يُصلح الأمور؛ وجاء الأنبياء ولم ينقذوني من شباك الخطاة. إذن من يقوم لي؟ ببراعة يقوم، كمن كان نائمًا أو مستريحًا. "استيقظ! لماذا تتغافى يا رب؟" (مز 44: 23) "يا سيد، نجنا فإننا نهلك" (مت 8: 25). من يقوم لي ضد جموع الشياطين؟ من يقوم لمساندتي؟ من يقف بجواري ضد فاعلي الشر؟ في روعة قال: "من يقف معي"، فإنه إن لم يقم الرب الذي تمدد في آلامه بجوارنا؛ إن لم يقم ذاك الذي نام في الموت، لن نستطيع أن ننتصر على أعدائنا. هذا هو السبب الذي لأجله رأى استفانوس وهو يقاوم اليهود الذين حاربوا ضده، يسوع قائمًا عن يمين الآب. رآه قائمًا، فقد كان يحارب لحساب شهيده. "لولا أن الرب معيني" (مز 44: 17). لو لم يقم المسيح من العالم السفلي، لنزلت نفسي في الهاوية[30].
القديس جيروم
* أعني وقت محاربتي مع الرئاسات وسلطات ظلمة هذا الدهر أو مع أناسٍ أشرار، من الذي يعنني، ومن يضرني غيرك يا الله. لولا معونتك لهلكت نفسًا وجسدًا.
الأب أنسيمُس الأورشليمي
لَوْلاَ أَنَّ الرَّبَّ مُعِينِي،
لَسَكَنَتْ نَفْسِي سَرِيعًا أَرْضَ السُّكُوتِ [17].
إن كان بالكاد يجد الصديق إنسانًا يقف في جانبه وقت الشدة إلا أن الله دائمًا يحوط حول أولاده ويظلل عليهم. لذا لاق به أن يتكل على الله.
غالبًا ما يُقصد بأرض السكوت هنا القبر.
عوض "أرض السكوت" جاء في تفسير القديس أغسطينوس: "جهنم".
* جرمانوس: إذن أين مكان حرية الإرادة؟ وكيف يمكن أن نكون مستحقين للكرامة كثمرة للجهاد مادام الله هو الذي يبتدئ وهو الذي يختم كل شيءٍ فينا بخصوص خلاصنا؟
بفنوتيوس:... نحن نعرف أن الله يخلق لنا فرصًا للخلاص بطرق متنوعة، فإنه في مقدورنا نحن أن نستخدم الفرص الممنوحة من السماء، إما بجدية أو في رخاوة.
يقدم الله الفرصة كقوله: "اذهب من أرضك"، لكن الطاعة كانت من جانب إبراهيم الذي خرج فعلًا. إن كان في الحقيقة قد تحول القول: "اذهب من أرضك" إلى فعل من قبل ذاك الذي أطاع، فإن إضافة هذه الكلمات "التي سأريك إياها" تأتي من نعمة الله الذي أمر ووعد.
فمن المفيد لنا أن نتأكد أنه وإن كنا نمارس كل فضيلة بمجهودات لا تتوقف، لكننا لا نستطيع بلوغ الكمال بجهدنا وغيرتنا، فلا يكفي نشاط الإنسان وجهاده المجرد للبلوغ إلى عطية النعمة الغنية ما لم يصن جهاده بالتعاون مع الله وبتوجيهات الله للقلب نحو الحق.

تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
لهذا ينبغي أن نصلي في كل حين قائلين مع داود: "تمسكت خطواتي بآثارك، فما زلّت قدماي" (مز 17: 5)، "أقام على صخرة رجليَّ، ثبّت خطواتي" (مز 40: 2). الله هو المدبر غير المنظور للقلب البشري، يهبنا أن يوجه قلوبنا نحو الفضائل، ولكن بكامل إرادتنا، هذه التي لديها الاستعداد للانحراف نحو الرذيلة، إما بسبب نقص معرفتها للصلاح، أو بسبب اللذة بالشهوات. يظهر هذا بوضوح في قول النبي: "دحرتني دحورًا لأسقط، معلنًا ضعف إرادتنا الحرة"، ثم يقول: "وأما الرب فعضدني" (مز 118: 13)، معلنًا عون الله لإرادتنا.
هكذا لا نهلك إذ نسقط بحرية إرادتنا، لأن الله يعضدنا ويعيننا، باسطًا يديه لنا. فبالقول: "إذا قلت زلّت قدمي" يقصد "زلّت إرادتي". وبالقول: "فرحمتك يا رب تعضدني" (مز 94: 18) يظهر عون الله لضعفنا، معترفًا أنه ليس بمجهودنا بل برحمة الله لنا لا تزل أقدام إيماننا.
كذلك "عند كثرة همومي في داخلي" التي تنشا بالتأكيد عن إرادتي الحرة، "تعزياتك تلذذ نفسي" (مز 94: 19)، أي بدخول التعزيات في قلبي بالإلهام الإلهي، تعلن صورة البركات العتيدة التي أعدها الله للذين يعملون في اسمه، هذه التعزيات ليست فقط تنزع الهموم من القلب، بل وتنعم عليه بالابتهاج العظيم.
وأيضًا: "لولا أن الرب معيني لسكنت نفسي سريعًا أرض السكوت" (مز 94: 17). يعلن هنا أنه بسبب ضعف إرادتنا الحرة نسكن في الهاوية (أرض السكوت) لو لم ينقذنا عون الله وحمايته...
هذا أيضًا يُقال عن النقاوة الكاملة، فإنه لا يقدر أحد بذاته أن يطلب البرّ ما لم تمد الرحمة يدها وتعينه عند عثرته وسقوطه في كل لحظة، وإلاَّ سقط وهلك، وذلك عندما يزلّ بسبب ضعف إرادته الحرة[31].
الأب بفنوتيوس
* ألاّ تظن أنّ هذه هي مشيئة الله أن لا نسقط في الخيالات والأوجاع الأخرى، بل إنه بسبب تغافلنا يسمح لنا أن نقاسي من مثل هذه الأمور، ومن قِبَل تحنُّنه يُكسِبنا من شرورنا تواضعًا لأجل خلاصنا. ماذا إذن؟ هل ننسب خلاصنا لأوجاعنا الشريرة؟ حاشا! بل ننسبه إلى ملء رحمته وبراعة حكمته. فلاحظ، إذن، كيف أنّ الله يُنهِض ذهننا من جميع النواحي لنتذكر أن نقول: "لولا أنّ الرب معيني لسكنت نفسي سريعًا أرض السكوت (أو الجحيم)" (مز 94: 17). فإذ علمنا أنه بسبب ضعفنا وإهمالنا نقاسي من هذه الأمور، دعنا نعمل ما في وسعنا ألاّ نسقط فيها، والله برحمته ينقذنا منها.
القديس برصنوفيوس
إِذْ قُلْتُ: قَدْ زَلَّتْ قَدَمِي،
فَرَحْمَتُكَ يَا رَبُّ تَعْضُدُنِي [18].
زلة القدم هنا تشير إلى خطر عظيم يحيق بالإنسان في الحياة. لكن رحمة الله تتدخل لتنقذ المؤمن في لحظة الخطر العظيم، في الوقت المناسب، حتى لا يهلك. ولعله يقصد بزلة القدم هنا سقوط الإنسان خطأ في خطر عظيم بالرغم من خبرته، لذا لاق به أن يعتمد على مراحم الله وعنايته.
* "إذ قلت: قد زلت قدمي، فرحمتك يا رب تعضدني". التعرف على العجز يحقق فورًا اقتناء عون الله، فإنه يرضى جدًا بالتواضع كما أنه يُقاوم بالكبرياء. عندما أقول: "قد زلت قدمي"، أعترف بخطاياي. عندما لا أثق في قوتي، عندما لا افتخر بأنني قوي، تكون رحمتك في الحال كيدٍ تعينني[32].
القديس جيروم
* كلمة "قدماي" ليس معناها القدم الجسدي، بل مشي القلب وميله إلى شيءٍ ما. فإذا مال السير إلى ما لا يليق يُقال أنه زل قدما ذلك الإنسان، لأن الشيطان يُزلق السير ويقلبه، ليصرع العفيف من عفته. أما الذي يعترف بضعفه فتدركه رحمة الرب وتسنده. وكل من تاب عن خطاياه وينخسه ضميره على فعل الشر ويؤلم وجع الندامة قلبه، فبمقدار وجعه يعزيه الرب ويفرح نفسه.
الأب أنسيمُس الأورشليمي
عِنْدَ كَثْرَةِ هُمُومِي فِي دَاخِلِي،
تَعْزِيَاتُكَ تُلَذِّذُ نَفْسِي [19].
تعزيات الله دائمًا فيها كل الكفاية لمساندة النفس وقت الأحزان والمتعب.
بينما تبدو الكنيسة متألمة وفي أنين، غير أن السلام يملأ أعماقها.
* يعلن الله عن رعايته الحانية نحونا، ليس فقط في تعزياته، وإنما أيضًا حينما يسمح الله لنا بالتعب. فإنني اليوم أكرر ما لا أكف عن القول به، أنه ليس فقط الخلاص من الشرور، بل والسماح بها يتم خلال صلاح الله. فعندما يرانا ساقطين في التواني وننسحب من الشركة معه ولا نبالي بالأمور الروحية، يتركنا إلى لحظة حتى نعود إلى التعقل ونرجع إليه بأكثر غيرة[33].
القديس يوحنا الذهبي الفم
* "عند كثرة همومي في داخلي، تعزياتك تلذذ نفسي". تهبني من رحمتك مقابل الحزن الذي تراه في قلبي من خلال صرخة التوبة، فإن كثرة الهموم تصير فرصة للتعزية[34].
* وصايا الله تحمل ثقل التوبة، حمل مفيد يحوي دواءً للخطاة، فإنه بالعرق والتعب فقط تتم وصايا الله. بالتأكيد لن يتوقع أحد أن يكلل وهو في الملذات. "وأما المتنعمة فقد ماتت وهي حية" (1 تي 5: 6)... "ما أضيق الباب، وأكرب الطريق الذي يؤدي إلى الهلاك" (مت 7: 14). بغض النظر عن ما هي الفضائل، فإنها لا تُقتنى بدون مصاعب. الوصول إلى قمة جبل يتم بجهدٍ عظيمٍ وتعبٍ، فكم بالأكثر يكون التعب لازمًا لبلوغ السماء؟ يقول الإنجيل: "ملكوت السماوات يُغصب" (مت 11: 12). إنه يُغصب، لأن ما تفشل الطبيعة في أن تُخضعه فينا، يمكن للنعمة أن تلطفه. فمن حيث سقطت الملائكة إلى هناك يصعد البشر. حين يُحفظ التكامل الجسدي تسرع النفوس إلى أجسادها[35].
* أسكب دمعة واحدة، فأتأهل لتعزية واحدة. أسكب عشر دمعات، فأستحق عشرة تعزيات. ثقل توبتي يتعادل مع عدد تعزياتك[36].
القديس جيروم
* "عند كثرة همومي في داخلي"، تلك الهموم التي تنبع بالتأكيد من إرادتي الحرة، "تعزياتك تلذذ نفسي" (مز19:94)، بدخول التعزيات في قلبي عن طريق الوحي، معلنة صورة البركات العتيدة التي أعدها الله للذين يعملون باسمه، هذه التعزيات ليست فقط تنزع الهموم من القلب، بل وتنعم عليه بالابتهاج العظيم[37].
الأنبا بفنوتيوس
* يبرهن كتاب الله المقدس في عدة عبارات أنه لابد للإنسان أن يعاني من اضطراباتٍ في هذه الحياة، كما تُتاح له تعزيات كثيرة أيضًا. وفي وسط تلك الأمور جميعها، فإن روحًا تتسم بالعزيمة القوية واليقظة وإدراك الحق، يجب أن تغلب الضيقات الراهنة، وتتطلع إلى تلك الوعود بالفرح الأبدي.
إن التعزيات تفوق الضيقات والأتعاب حقًا وفعلًا، لأنها تمنح الهدوء والطمأنينة وسط الصعاب الحالية، وتعطي الرجاء في الأمور العتيدة. لهذا يقول بولس الرسول أيضًا: "إن آلام الزمان الحاضر، لا تُقاس بالمجد العتيد" (رو 8: 18). حقًا إنها لا تستحق أن تُقارن بالتعزية[38].
القديس أمبروسيوس
تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
4. نهاية الأشرار

هَلْ يُعَاهِدُكَ كُرْسِيُّ الْمَفَاسِدِ،
الْمُخْتَلِقُ إِثْمًا عَلَى فَرِيضَةٍ؟ [20]
ربما يقصد بكرسي المفاسد هنا أصحاب السلطة الأشرار، الذين في فسادهم لا يمكن أن تكون لهم شركة مع الله القدوس. هؤلاء يختلقون الاتهامات ضد الكنيسة والمؤمنين.
* لا يتقبل أحد إكليلًا وهو نائم. ولا يضمن أحد اقتناء ملكوت السموات (وهو متراخٍ). لا يليق بأحد أن يتحدث عن الصوم ومعدته مملوءة. إنك تمسك القدرة على تقديم قصيدة: "من يجاهد بناموسك". كل وصايا الرب تتطلب جهادًا. بدون العمل والتعب لا نستطيع اقتناء ملكوت السماوات. أتريد أن تعرف لماذا؟ "إن أردت ملكوت كاملًا، فاذهب وبع أملاكك وأعطِ الفقراء... وتعال اتبعني" (مت 19: 21)[39].
القديس جيروم
* إنه يقول هذا: لا يجلس إنسان شرير معك، وليس لك ما تعمله مع كرسي الإثم[40].
القديس أغسطينوس
يَزْدَحِمُونَ عَلَى نَفْسِ الصِّدِّيقِ،
وَيَحْكُمُونَ عَلَى دَمٍ زَكِيٍّ [21].
يجتمع الأشرار ويتحدون معًا، ويخططون ضد البار، ويطلبون سفك دمه. هذا ما حدث عند محاكمة السيد المسيح وصلبه، حيث اجتمع إبليس وملائكته ضده، وأيضًا قوات الظلمة اتحدت تطلب سفك دمه.
فَكَانَ الرَّبُّ لِي صَرْحًا،
وَإِلَهِي صَخْرَةَ مَلْجَإِي [22].
ماذا يمكن لإبليس وكل قواته والأشرار وكل خططهم أن يقفوا أمام أولاد الله، الذين لهم الله نفسه مدافعًا وصخرة وملجأ؟!
وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ إِثْمَهُمْ،
وَبِشَرِّهِمْ يُفْنِيهِمْ.
يُفْنِيهِمُ الرَّبُّ إِلَهُنَا [23].
يعلن المرتل ثقته في وعود الله العادل الذي لن يترك المصممين على الشر في شرهم، إنما في الوقت المعين يتركهم يجتنون فساد شرهم. إنهم يقولون: الرب لا يبصر وإله يعقوب لا يلاحظ [7]، لكن يأتي الوقت الذي يدركون خطأهم!
تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
من وحي المزمور 94

ماذا يفعل بي الأشرار؟


* في وسط ضيقي،
حين يحيط بي الأشرار، ويتحالفون معًا ضدي،
أظن كأنك مختفٍ إلى زمنٍ طويلٍ.
أطلب إليك أن تشرق عليّ وعليهم يا شمس البرّ.
تملأني من تعزياتك،
فلا أطلب النقمة لنفسي،
بل بطول أناتي أود أن أكسبهم لك.
وأطلب أن تنتقم من الشر لا من الأشرار.
تنزع عنهم شرورهم، فيهتدون إليك.
وعوض الهلاك الأبدي، ينعمون بالمجد السماوي!
* إلهي، أنت تعلم إني خاطي،
دومًا أطلب منك أن تطيل أناتك عليّ.
لكن في ضعفي عندما يخطئ أحد إليّ،
أندهش أنك تطيل أناتك عليه.
هب لي طول أناتك،
فأحتمل مقاومي بفرحٍ.
وأرد حنوك عليّ بحنوي على ما يقاومني!
* إن كان الأشرار يريدون أن يسحقونني،
لأتطلع إليك، وأنت القدير احتملت السحق من أجلي.
لأصلب معك، فهذا مجد لا أستحقه.
* هوذا الهراطقة الأشرار،
يصطادون النفوس المترملة التي فقدت عريسها السماوي.
والنفوس المتغربة التي لم تثبت فيك.
ونفوس الأيتام التي فقدت أباها السماوي.
يفتخر الهراطقة بالفلسفات الجذابة.
وعوض الحياة المقدسة يقدمون لغوًا لا نفع منه.
يظنون أنهم يصطادون الكثيرين،
وأنت لا ترى ولا تلاحظ.
رد هذه النفوس المسكينة إليك.
فتنعم بعريسها السماوي، ومسكنها الأبدي،
وعضويتها في الأسرة الإلهية،
تصير أهل بيت الله.
* مقاومة الأشرار لقبول الإيمان لا تتوقف.
يبذلون كل الجهد لئلا يؤمنوا بك فيخلصوا.
ويظنون أنهم يحملون روح القوة.
وأنك لا تبصر ما يخططونه في الخفاء،
ولا تدرك ما يمارسونه ضدك!
* حقًا في ضعفٍ تزل قدماي،
لكن نعمتك تسندني،
فأرجع إليك طالبًا عونك.
أنت رجاء من ليس له رجاء،
ومعين من لا معين له.
  رد مع اقتباس
قديم 18 - 02 - 2014, 04:24 PM   رقم المشاركة : ( 96 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,346

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب

مزمور 95 - تفسير سفر المزامير
نشيد جماعي


تعتبره المشناه Mishnah مزمور السنة الجديدة، غالبًا ما جاء ذلك في تقليد قديم[1].
وهو جزء من ليتروجية عيد الخريف حيث يُعلن فيه عن يهوه بكونه خالق المسكونة وربها. يُنشد قبل أن يدخل الموكب إلى الهيكل، يُحتفل بالله كملكٍ يجدد العهد مع شعبه، ويطلب منهم حفظ وصايا العهد. وهو في هذا يقترب جدًا من المزمور 81.

1. إعداد الشعب للحوار مع الخالق
1-7.
2. الالتزام بالطاعة
8-11.
من وحي مز 95
تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
1. إعداد الشعب للحوار مع الخالق

كان الموكب يتجه نحو الهيكل، ربما يبدأ من موضع مقدس مثل جيحون (1 مل 1: 38-40) حيث توج فيه سليمان ملكًا، ثم يتحرك نحو وادي قدرون. ينشد الشعب الآيتين 1، 2، ثم ينشد الخورس الآيات 3، 4، 5 معلنًا أن الرب هو الملك، خالق الأرض والجبال والبحار الخ. عندما يصعد الموكب جبل الرب، ويدخل الجمع الهيكل من باب الجميل يصير أمام قدس الأقداس، فيسجدون إلى الأرض ويتغنون بالعبارة 6 كدعوة للعبادة والسجود أمام الخالق. وينشد الخورس الجزء الأول من الآية 7.
هَلُمَّ نُرَنِّمُ لِلرَّبِّ،
نَهْتِفُ لِصَخْرَةِ خَلاَصِنَا [1].
في العهد القديم غالبًا ما كان هذا النشيد يُقدم بالتجاوب أو التبادل بين القادمين إلى الهيكل وخورس المرنمين، لكي تتهلل النفوس بالرب ينبوع الفرح الحقيقي.
يرى القديس أغسطينوس في هذه الدعوة للتقدم بالتسبيح لله، لا يقدر غير التائبين على ممارسته. فهي دعوة للتوبة والاعتراف لله، وبالتالي الالتصاق به، وتجديد العهد معه.
ويرى البابا أثناسيوس أن الدعوة موجهة للمسيحيين ليحتفلوا بالعيد لا بأفراح زمنية كأهل العالم، وإنما في الرب.
أما الأب أنسيمُس الأورشليمي، فيرى الدعوة هنا موجهة من كنيسة المسيح إلى اليهود منكري الإيمان، ليؤمنوا بالمسيح، ويجتمعوا معًا فيه، ويتمتعوا بفرح الروح.
إنها دعوة موجهة إلى كل نفسٍ لكي تلتصق بالرب بالتوبة، وتمتع بالشركة معه فتنعم بالفرح السماوي.
* إنه يدعونا إلى وليمة فرحٍ عظيمةٍ، ليست وليمة من هذا العالم بل في الرب...
إنه يدعوهم وهم بعيدون عنه أن يأتوا (بقوله هَلُمّ) إلى من يأتون، إلا إلى ذاك الذي إذ يقتربون منه يجتمعون معه، وباجتماعهم معه يفرحون؟
ولكن أين هم بعيدون؟ هل يمكن لإنسانٍ أن يكون بعيدًا عنه من جهة الموقع المكاني ذاك الذي هو موجود في كل مكانٍ...؟ إنهم ليسوا بعيدين من جهة المكان، وإنما بكونهم ليسوا بشبهه، بهذا يكون الإنسان بعيدًا عن الله.
ماذا يعني أنه ليس بشبهه؟ إنه يحيا حياة شريرة وله عادات رديئة، لأنه إن كنا بالعادات الصالحة نجتمع مع الله، فإننا بالعادات الشريرة ننسحب منه[2].
القديس أغسطينوس
* أما بالنسبة لنا، فقد جاءنا العيد.
لقد جاء اليوم المقدس الذي يلزمنا فيه أن نبوِّق داعين إلى العيد. وأن نقدم أنفسنا للرب بالشكر، ناظرين إلى هذا العيد أنه عيدنا نحن. لأنه قد صار لزامًا علينا أن نقدسه، لا لأنفسنا بل للرب، وأن نفرح فيه لا في أنفسنا، بل في الرب الذي حمل أحزاننا، قائلًا: "نفسي حزينة جدًا حتى الموت" (مت 26: 38).
فالوثنيون وكل الغرباء عن الإيمان يحفظون العيد لإرادتهم الذاتية، وهؤلاء ليس لهم سلام، يرتكبون الشر في حق الله. أما القدِّيسون، فإذ يعيشون للرب يحفظون العيد، فيقول كل منهم: "مبتهجًا بخلاصك"، "أما نفسي فتفرح بالرب" (مز 9: 14؛ 35: 9).
فالوصية تدعو بأن يفرح الأبرار بالرب، حتى إذ يجتمعون معًا يترنمون بذلك المزمور الخاص بالعيد، وهو عام للجميع، قائلين: "هلم نرنم للرب"(مز 95: 1) وليس لأنفسنا.
البابا أثناسيوس الرسولي
* "هلم، فلنبتهج بالرب..." إن كلمة "هلُم" هي حث على حضور المتفرقين والمتباعدين واجتماعهم. فالجماعة المسيحية تدعو اليهود الذين تباعدوا وتفرقوا بمخالفتهم وعصيانهم، وتنصحهم أن يجتمعوا باتفاقٍ إلى إيمان المسيح الإله، ويرنموا بتسبحة الغلبة لله الذي ينجي المؤمنين من هلاك الشيطان، ومن اغتصاب الأعداء، وظلم الخطية، ومطالب الشريعة الموسوية وقصاصها. ويزكيهم بالإيمان ويهبهم مواهبه والتبني، ويمتعهم بالروح القدس وملكوت السماوات.
الأب أنسيمُس الأورشليمي
نَتَقَدَّمُ أَمَامَهُ بِحَمْد،ٍ
وَبِتَرْنِيمَاتٍ نَهْتِفُ لَهُ [2].
جاء عن الترجمة السبعينية والقبطية: "ولنسبق فنبلغ إلى وجهه بالاعتراف. ولنهلل له بالمزامير".
جاءت كلمة "حمد" هنا بمعنى "الاعتراف"، سواء الاعتراف عن خطايانا أو التوبة، أو الاعتراف بعمل الله معنا، فكل ما نمارسه من أعمال صالحة هو من عمل يديه.
ليس من طريق للانضمام إلى موكب اللقاء مع الله سوى الاعتراف. فإذ نحن خطاة نحتاج دومًا إلى توبة يومية واعتراف بخطايانا. وإذ يعمل الله فينا على الدوام يليق بنا أن نعترف بذلك، مقدمين له تسابيح الحمد والشكر.
* ليتنا لا نتصور أننا ننسحب من أغنية التسبيح، وإذ ندرك أن الاعتراف هو إدراك لمعاصينا، فإن هذا في الواقع هو جزء من أغنية التسبحة، فإننا إذ نعترف بخطايانا نسبح مجد الله[3].
القديس أغسطينوس
* لنتشجع بمحبته للبشرية، ونجتهد في أظهار التوبة قبل أن يحل اليوم الذي يزول فيه الانتفاع من الندم. الآن كل شيءٍ يعتمد علينا، أما بعد ذلك فهو وحده يدين ويصدر الحكم[4].
القديس يوحنا الذهبي الفم
* وجه الله هو ابنه الذي هو صورة الآب ورسم أقنومه، الذي ظهر في العالم، كما يظهر الوجه في صورة عبدٍ. أما ظهوره الثاني فيكون مكشوفًا بوجه لاهوته، أي بجلالٍ ومجدٍ وقوةٍ، ويجلس على منبر الحكم ليدين الأحياء والأموات. فلنسبق إذن حضوره الثاني بالتوبة والاعتراف بذنوبنا، والإقرار والشكر بما أحسن به إلينا، لكي نستعطفه قبل يوم الدينونة، ونهلل له بالمزمور، أي بآلات النفس التي هي أجسادنا، ونطهرها بسيرة عفيفة فاضلة.
الأب أنسيمُس الأورشليمي
* علينا أن نعظهم بأن يتكلوا علي الرحمة التي التمسوها حتى لا تهلكهم قسوة العذابات المفرطة. ومن الواضح لو كان الله يريد فقط عقابنا بشدة لما قابل تعديات الخطاة بحبٍ رحيمٍ. ومن الواضح أيضًا أن الله قد أبعد من تصوره اللعنة علي الذين بسابق رحمته جعلهم قضاة لأنفسهم. لذلك يقول المكتوب بالمزمور: "نتقدم أمامه بحمدٍ، وبترنيمات نهتف له" (مز 95: 2). ويقول بولس الرسول أيضًا: "لأننا لو كنا حكمنا علي أنفسنا لما حُكم علينا" (1 كو 11: 31)[5].
الأب غريغوريوس (الكبير)

لأَنَّ الرَّبَّ إِلَهٌ عَظِيمٌ،
مَلِكٌ كَبِيرٌ عَلَى كُلِّ الآلِهَةِ [3].
جاء عن الترجمة السبعينية والقبطية: "لأنك أنت يا رب إله عظيم. وملك كبير على جميع الآلهة، لأن الرب لا يقصي شعبه".
يرى القديس أغسطينوس أن الله يدعو كل الأمم للإيمان والتسبيح له، وأنه لا ينسى شعبه الذي خرج منه الآباء والأنبياء، فقد آمن التلاميذ والرسل وأيضًا كثيرون يوم العنصرة (أع 2: 4) الخ. إنه لا يقصي شعبه بدخول الأمم الإيمان، إذ يطلبون في آخر الأيام الطبيب السماوي بسبب الجرح الخطير الذي لحق بهم، أي رفضهم الإيمان بالسيد المسيح.
إذ يتحدث هنا عن السيد المسيح بكونه "الرب الإله العظيم، الملك الكبير"، استخدم بعض الآباء هذه الآية مع آيات أخرى تؤكد لاهوت السيد المسيح.
* هذا القول يبكم أريوس، لأنه يشهد ويثبت أن ربنا يسوع المسيح هو إله عظيم، ويؤيده ما كتبه الرسول الإلهي في الفصل الثاني من رسالته إلى تيطس قائلًا: "منتظرين الرجاء المبارك وظهور مجد الله العظيم ومخلصنا يسوع المسيح" (تي 12: 13). لأنه ملك كبير على جميع الآلهة وهم قوات الملائكة في السماء ومصاف القديسين على الأرض الذين يدعون آلهة بالوضع، كما قال الله لموسى: "أنت تكون له (لفرعون) إلهًا" (خر 4: 16). فالمسيح إذًا أكبر منهم لأنه إله بالحقيقة، ومساوٍ للآب والروح القدس في الجوهر.
الأب أنسيمُس الأورشليمي
الَّذِي بِيَدِهِ مَقَاصِيرُ الأَرْض،ِ
وَخَزَائِنُ الْجِبَالِ لَهُ [4].
جاء عن الترجمتين السبعينية والقبطية: "لأن بيده أقطار الأرض جميعها، وأشراف الجبال له هي".
يقول القديس أمبروسيوسإن ما تتسم به الأرض من استقرار ليس بفضل من عندها، وإنما حسب إرادة الله[6].
يرى الأب أنسيمُس الأورشليمي أنه بحسب عنايته الإلهية وتدبيره بيده الأرض وأقطارها جميعًا، أي الأمم التي كانت مقصاة وبعيدة عن معرفته، وكما قيل في المزمور الثاني: "اسألني فأعطيك الأمم ميراثًا لك، وأقاصي الأرض ملكًا لك" (مز 2: 8). أما "أشراف الجبال" فيعني القوات الملائكية المرتفعة شرفًا وجلالًا أعلى مما في السماوات من كواكبٍ ونجومٍ. هذه القوات الملائكية هي له، إذ هي ممتثلة في حضرته بمنزلة خدام تسبحة وتمجده بلا فتور، لأنه خلق البحر والبر وكافة الخليقة، الكل يطيعه.
إنه ضابط الكل، بيده السماء والأرض وكل سكانهما من بشرٍ وطغمات سماوية. فإن كانوا يجتمعون معًا كخورس فريد، يمجدون الخالق والمعتني بهم، فإنه ليس في حاجة إلى تسابيحهم وصلاحهم. إنما يُسر بهم لفرحهم به، ويسكب غنى نعمته عليهم.
* تأمل أي أمر مهيب أن تسمع وتتعلم عن الله فائق الوصف، غير الفاسد غير المدرك، غير المنظور، الذي في يده نهايات الأرض (مز 95: 4)، وترتعب من نظرته الأرض، يلمس الجبال فتدخن (مز 104: 32)، لا يقدر أحد أن يحتمل عظم بهاء مجده حتى أن الشاروبيم يغطون وجوههم بأجنحتهم منه، الله هذا الذي يفوق الفهم وكل إحصاء، عبر الملائكة ورؤساء الملائكة وكل القوات العلوية الروحية وتنازل ليصير إنسانًا!
يأخذ جسدًا مأخوذًا من الأرض والتراب!
يدخل في رحم عذراء وتحمله تسعة أشهر!
يقتات باللبن ويتعرض لما يتعرض له الإنسان!
فبقدر ما أن هذا الذي حدث هو غريب، يصعب على كثيرين تصديقه حتى بعد حدوثه، لهذا أرسل الأنبياء أولًا لكي يعلنون تصديقه.
القديس يوحنا الذهبي الفم
الَّذِي لَهُ الْبَحْرُ وَهُوَ صَنَعَهُ،
وَيَدَاهُ سَبَكَتَا الْيَابِسَةَ [5].
هذا الموكب العجيب يتحرك على الدوام لينعم باللقاء مع المخلص وجهًا لوجهٍ. إنه ليس بالموكب المنظور، ولا يرتبط بمكانٍ معينٍ. إن وجد الإنسان في البحر أو على اليابسة، فكلاهما من صنع الخالق.
تهليلنا لا يرتبط بالمكان، بل بخالقه. ليعج البحر بكل أمواجه، وليثر عدو الخير، لوياثان، التنين العظيم، علينا، فإن مسيحنا يأمر الرياح والأمواج فتطيعه.
* ما قد قلته الآن عن الغضب خذه كقاعدة في كل تجاربك. التجربة تهجم، إنها ريح، إنك تضطرب، إنها موجة. إذن أيقظ المسيح. دعه يتكلم فيك، أيا كان هذا، "فإن الريح والبحر جميعًا تطيعه" (مت 8: 27). من هو هذا الذي يطيعه البحر؟ "الذي له البحر وهو صنعه" (مز 95: 5). "وبه كان كل شيء" (يو 1: 3). إذن فلنتشبه بالرياح وأيضًا البحر، أطع الخالق. أصغى البحر لأمر المسيح وأنت ألا تسمع؟ البحر سمع والريح هدأت، وأنت ألا تهدأ بعد؟ ماذا! إنني أقول وأصنع وأنصح، ما هذا كله إلا عدم الهدوء وعدم الرغبة في طاعة كلمة المسيح؟ لا تدع الأمواج تسيطر على اضطرابك القلبي هذا. مع أننا لسنا إلا بشر فإننا لا نيأس متى دفعتنا الريح وثارت عواصف أرواحنا، لنوقِظ المسيح حتى نبحر في بحر هادئ ونصل إلى موطننا[7].
القديس أغسطينوس
هَلُمَّ نَسْجُدُ وَنَرْكَعُ وَنَجْثُو،
أَمَامَ الرَّبِّ خَالِقِنَا [6].
جاء عن الترجمة السبعينية والقبطية: "هلم نسجد ونخر أمامه ونبكِ قدام الرب الذي خلقنا".
إن كانت الطغمات السماوية تجد سعادتها وبهجتها في السجود أمام الله العظيم في مجده، فإننا نشاركهم سعادتهم بالسجود والركوع أمامه، والبكاء قدام خالقنا.
لماذا البكاء؟ إنه ليس بكاء اليأس ولا الحيرة والقلق، لكنه لغة الإنسان العاجز عن التعبير عن مشاعره بلغة بشرية. إنه بكاء الخاطي المعترف بخطاياه، وبكاء النفس المتهللة باللقاء مع مخلصها! تمتزج دموع الندامة مع دموع الفرح.
* في كل مرة نحني الركبة ونقوم، نظهر بهذا العمل أن الخطية تطرحنا أرضًا، ومحبة المسيح تدعونا إلى السماء[8].
القديس باسيليوس الكبير

* يحثنا ربنا ومخلصنا بالنبي وينصحنا كيف يلزمنا أن نأتي إليه بعد إهمال عظيم، قائلًا: "هلم نسجد ونركع ونجثو أمام الرب خالقنا" (مز 95: 6). وأيضًا "ارجعوا إليّ بكل قلبكم، بالصوم والبكاء والحزن". إن لاحظنا بدقة أيها الإخوة الأعزاء، فإن أيام الصوم الكبير المقدسة تعني الحياة في العالم الحاضر، كما أن عيد القيامة يشير إلى النعيم الأبدي[9].
الأب قيصريوس أسقف آرل
* الآن نستطيع أن نهرب. فإذ يمكننا ذلك لنقم من السقوط، فلا نيأس من أنفسنا مادمنا نهرب من الشرّ.
لقد جاء يسوع المسيح لكي ينقذ الخطاة. لنأتي ونسجد أمامه متعبِّدين، لنبكي قدَّامه (مز 95: 6).
إن الكلمة الذي يدعونا إلى التوبة ينادينا بصوتٍ عالٍ: "تعالوا إلى يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم" (مت 11: 28).
إنه يوجد طريق للخلاص إذا أردنا "يُبلع الموت إلى الأبد، ويمسح السيِّد الرب الدموع عن كل الوجوه" (إش 25: 8)، أي عن كل التائبين.
الرب صادق في كل أقواله (مز 145: 13). إنه لا يكذب عندما يقول: "إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج، وإن كانت حمراء كالدودي تصير كالصوف" (إش 1: 18).
إن طبيب النفوس العظيم، الذي يريد أن يحرِّر، هو مستعد أن يشفي مرضكِ، لا أنتِ وحدِك فحسب بل كل الذين أسَرَتهم الخطيَّة.
فمنه قد صدر ذلك القول الذي من شفتيه العذبتين المخلصتين قائلًا: "لا يحتاج الأصحَّاء إلى طبيب بل المرضى... لم آتِ لأدعو أبرارًا بل خطاة إلى التوبة" (مت 9: 12-13)[10].
القديس باسيليوس الكبير
لأَنَّهُ هُوَ إِلَهُنَا،
وَنَحْنُ شَعْبُ مَرْعَاهُ وَغَنَمُ يَدِهِ.
الْيَوْمَ إِنْ سَمِعْتُمْ صَوْتَهُ [7].
بقوله "اليوم" يعني الزمان الحاضر، فمادمنا في هذه الحياة يليق بنا أن نسمع صوته ونطيعه، إذ يدعونا إلى التوبة والرجوع إليه.
إنه الراعي الصالح الذي يتقدم خرافه، لكي تسمع صوته وتسير وراءه في أمان واطمئنان.
لنسمع صوته مادام اليوم قائمًا، لأننا لا ندرك إن كان الغد في أيدينا أم لا.
* لنسمع صوت الكلمة الإلهي... اليوم هو رمز للنور، والنور للناس هو الكلمة الذي به نرى الله (الآب). بحق الذين يؤمنون ويطيعون، تفيض عليهم النعمة، أما الذين لا يؤمنون، ويخطئون في قلوبهم، ولا يعرفون طرق الرب... فإن الله يغضب عليهم ويهددهم[11].
القديس إكليمنضس السكندري
* يحث الرب الشعب على التوبة، ويعدهم بغفران خطاياهم، كقول إشعياء: "أنا هو الماحي ذنوبك لأجل نفسي، وخطاياك لا أذكرها. ذكرني... حدث لكي تتبرر" (إش 43: 25-26). بحقٍ يحث الرب الشعب على التوبة، عندما يقول: "توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماوات" (مت 4: 17)، لكي بالاعتراف بالخطايا يتأهلون للاقتراب إلى ملكوت السماوات. فإنه لا يقدر أحد أن يقبل نعمة الله السماوي، ما لم يتطهر من كل غضن الخطية بالاعتراف بالتوبة خلال عطية معمودية ربنا ومخلصنا المخَّلصة[12].
الأب خروماتيوس
تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
2. الالتزام بالطاعة

فَلاَ تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ كَمَا فِي مَرِيبَةَ،
مِثْلَ يَوْمِ مَسَّةَ فِي الْبَرِّيَّة [8].
يحذرنا المرتل من قسوة القلب مثل الإسرائيليين الذين لم يريدوا الدخول في أرض الموعد، معتذرين بعدم قدرتهم على محاربة سكانها. تذمروا على الله، فحرموا أنفسهم من التمتع بأرض الموعد.
* إنه من الممكن، نعم، إنه من الممكن لكل أحدٍ قد أهمل تمامًا أن يُظهر نفسه غيورًا، أن يصلح ما لحق به من خسارة. لهذا يقول المرتل: "اليوم، إن سمعتم صوته، فلا تقسوا قلوبكم كما في الخصومة" (مز 95: 8). يقول هذا لكي يشجعنا ويرشدنا ولا نيأس مطلقًا... يقول "اليوم إن سمعتم صوته، فلا تقسوا قلوبكم في يوم الخصومة" (الترجمة السبعينية). يقول هذا لكي يحثنا ويرشدنا ألا نيأس قط، فإننا مادمنا نحن هنا، يكون لنا رجاء صالح، ونتمسك بما هو أمامنا، ونسرع نحو مكافأة دعوتنا العليا من الله[13].
* سنقتبس مثالًا آخر، وهو أشر الملوك كفرًا، الذي كان يخطئ بتأثير زوجته، لكنَّه ما أن تأسَّف ولبس المسوح، ودان أخطاءه حتى ربح لنفسه مراحم الله... فقد قال الله لإيليا: "هل رأيت كيف اتِّضع أخاب أمامي، فمن أجل إنه قد اتِّضع أمامي، لا أجلب الشر في أيامه" (1 مل ٢١: ٢٩).
ليس فقط ما حدث مع هؤلاء، بل كلمات النبي تشهد بإبادة الله لأفكار اليأس، إذ قال: "اليوم إن سمعتم صوته، فلا تُقسُّوا قلوبكم كما في مَرِيبَهَ" (مز ٩٥: ٧-٨). وكلمة "اليوم" هنا يقصد بها أية لحظة من لحظات الحياة، حتى ولو كنت في سن الشيخوخة، إن أردت. فالتوبة لا تحسب بعدد الأيَّام، بل بحالة الروح.
فأهل نينوى لم يحتاجوا إلى أيَّام كثيرة لإزالة خطاياهم، بل كان جزء صغير من يومٍ كافيًا لسحق شرورهم.
واللص أيضًا لم يكن محتاجًا إلى فترة طويلة للدخول إلى الفردوس، بل في تلك اللحظة القصيرة التي احتملت كلمة واحدة غسلت خطاياه التي ارتكبها كل أيام حياته. لقد نال المكافأة الموهوبة له من الله قبل أن ينالها الرسل.
ونحن نرى الشهداء وقد نالوا أكاليل المجد لا بعد عدة سنوات، بل بعد قليل من الأيام. وغالبًا ما كانت تتم في يومٍ واحدٍ (أي كان الواحد منهم يقبل المسيحيَّة فيستشهد في نفس اليوم).
لذلك فنحن في حاجة إلى غيرة في كل اتجاه، واستعداد عظيم للفكر، فإن هيَّأنا الضمير لكي يكره شروره الماضية، ويختار الطريق الآخر بأكثر نشاط، بحسب رغبة الله ووصاياه، فسننال خيرًا كثيرًا في فترة زمنيَّة وجيزة، فكثيرون كانوا آخرين لكنَّهم سبقوا الأوَّلين[14].
القديس يوحنا الذهبي الفم
* من علمك أن تمجد رفيقك المصلوب معك؟ النور الأبدي الذي يضيء لمن هم في الظلمة!
سمع اللص هذه الكلمات: "تهلل". ليست أعمالك حسنة، لكن هنا يوجد ملك يوزع هبات. سؤالك جاء في وقته. النعمة معك، تلحقك سريعًا جدًا. "الحق أقول لك: اليوم تكون معي في الفردوس". "لأنك اليوم سمعت صوتي، ولم تقسِ قلبك" (مز 95: 7-8). فبسرعة أنا حكمت على آدم، وبسرعة عفوت عنك. فاليوم يكون خلاصك. آدم بالشجرة سقط، وأنت بالشجرة دخلت الفردوس. لا تخف من الحية، فإنها لن تطردك إذ سقطت من السماء (لو 10: 8)[15].
القديس كيرلس الأورشليمي

* لتعمل باجتهاد في التربة التي أنت عليها. شقق الأرض البور بالمحراث. انزع الحجارة عن حقلك، واسحق الأشواك. ليتك لا ترغب في أن يكون لك قلب قاسٍ، يجعل من كلمة الله غير فعَّالة فيه[16].
القديس أغسطينوس
حَيْثُ جَرَّبَنِي آبَاؤُكُمُ.
اخْتَبَرُونِي. أَبْصَرُوا أَيْضًا فِعْلِي [9].
لقد جرب شعب بني إسرائيل الله في البرية، وصنع معهم آيات وعجائب، ومع هذا كانوا يزدادون قسوة وعدم إيمان.
أَرْبَعِينَ سَنَةً مَقَتُّ ذَلِكَ الْجِيلَ وَقُلْتُ:
هُمْ شَعْبٌ ضَالٌّ قَلْبُهُم،ْ
وَهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا سُبُلِي [10].
يكشف الله عن حزنه على شعبه طوال فترة البرية التي قاربت من الأربعين سنة. لقد فسدت قلوبهم بالخطية، وانحرفت عقولهم بسبب جهلهم سبل الله واهبة الخلاص. تلتحم الخطية بالجهل، ويعمل الاثنان معًا على تحطيم القلب والعقل، فلا ينضم الإنسان إلى موكب التسبيح والتهليل السائر نحو الله للاستقرار في حضنه أبديًا.
فَأَقْسَمْتُ فِي غَضَبِي،
لاَ يَدْخُلُونَ رَاحَتِي! [11]
لقد سار الشعب قديمًا في البرية لكن للأسف لم يتمتعوا بموكب التهليل الحقيقي. حرموا أنفسهم بأنفسهم من دخول أرض الموعد، حيث الراحة بالله.
يقدم لنا الكتاب المقدس رحلات كثيرة تهب راحة، منها:
1. رحلة الشعب في البرية للتمتع بأرض الموعد التي تشير إلى كنعان السماوية.
2. عودة الشعب من السبي البابلي إلى أورشليم لبناء الهيكل، إشارة إلى التحرر من عبودية إبليس والدخول إلى أورشليم العليا.
3. رحلات الشعب الثلاث سنويًا في الأعياد الكبرى إلى الهيكل في أورشليم، وتشير إلى اشتياق الكنيسة الدائم نحو الحياة السماوية المتهللة.
4. رحلة النفس من هذا العالم خلال كلمة الله للتمتع بأيقونة المسيح عريسها السماوي.
5. خبرة صعود القلب مع المسيح المصلوب القائم من الأموات الصاعد إلى السماوات خلال سرّ الإفخارستيا.
* نحن أيضًا كان لنا الوعد بالدخول إلى الملكوت بإيماننا وطريق حياتنا الروحي، وذلك مثل الذين قبلوا الوصية خلال الناموس... حتى ينالوا الأرض الموهوبة لهم. لكن رسالة الناموس التي سمعوها لم تنفعهم، إذ لم تكن ممتزجة بالإيمان في سامعيها (عب 4: 2). نحن الذين نؤمن بالمسيح وعطاياه ندخل بالإيمان إلى تلك الراحة. من الجانب الآخر، لم يدخلوا تلك الراحة، وذلك حسب النذور الذي تم خلال داود: "أقسمت في غضبي ألا يدخلوا راحتي"[17].
القديس مار أفرام السرياني
* يليق بذاك الذي يدخل إلى الراحة ألا يعود إلى الأشياء القديمة، مستخفًا بالأعمال التي تتطلبها قوانين الناموس القويمة لضبط العصيان[18].
ثيؤدور أسقف المصيصة
تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
من وحي مز 95

لأنضم إلى موكب اللقاء معك


* روحك القدوس يجذبني
فأنضم إلى موكب كنيستك.
أنطلق متهللًا للقاء معك.
أشتاق أن تشترك كل البشرية في هذا الموكب.
* نصير بالحق في عيدٍ لا ينقطع.
تتهلل نفوسنا بخلاصك العجيب.
نعترف لك بخطايانا يا غافر الخطايا.
ونعترف لك بغنى نعمتك العاملة فينا.
يتحول كل كياننا إلى آلة موسيقية،
يعزف عليها روحك الناري!
نمجدك يا أيها العظيم في حبك،
والغني في نعمتك!
* يا له من موكب عجيب!
الخطاة يصيرون بك أبرارًا.
البشريون يجتمعون مع الطغمات السماوية.
الكل يتغنون برعايتك الفائقة.
الكل يمجدونك، لأنك تأنست لخلاص البشر!
صُلبت لكي يتحرر المؤمنون به من أسر إبليس.
* يا له من موكب عجيب!
يسير إليك يا خالق السماء والأرض والبحر!
لتهب الرياح ولتثر العواصف،
فليس للطبيعة كلها أن تفسد سلام الموكب.
إنه موكب، يسير بك وإليك،
لن تستطيع قوة ما أن تعوقه!
* في هذا الموكب تسجد لك الطغمات السماوية،
فإنها لا تستطيع أن تتفرس في بهاء عظمتك.
ونسجد لك نحن الترابيين،
نعترف لك بخطايانا،
ونشكرك على مراحمك الكثيرة.
دموعنا تتسلل من عيوننا بلا توقف.
إنها دموع التوبة الصادقة،
وهي دموع الفرح باللقاء معك.
  رد مع اقتباس
قديم 18 - 02 - 2014, 04:27 PM   رقم المشاركة : ( 97 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,346

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب

مزمور 96 (95 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير
البناء اليومي لهيكل الرب


يرى البعض أن هذا المزمور بخصوص قيام الهيكل الذي بناه زربابل بعد رجوعهم من السبي البابلي. وهو نشيد البشرية التي تسبح الرب من أجل تحريرها من سبي إبليس وبنائها كهيكل روحي مقدس للرب.

1. بناء جديد وتسبحة جديدة
1-2.
2. بناء في كل الأمم
3-8.
3. ملك على خشبة
9-10.
4. فرح السمائيين والأرضيين
11-13.
من وحي مز 96
تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
العنوان

جاء عن الترجمة السبعينية والقبطية: أن عنوان هذا المزمور هو "تسبحة لداود عندما بُني البيت بعد السبي".
يرى القديس جيروم في عنوان هذا المزمور دعوة لكل مؤمنٍ أن يبني بيته الذي هدمه الأعداء. هذا البيت الذي في قلبه في حقيقته هو بيت الرب، يتحقق بناؤه بمخافة الرب، خلال التوبة.
في سفر الخروج قيل عن القابلتين اللتين خافتا الرب في أيام ميلاد موسى فلم تقتلا الأطفال، أنهما إذ خافتا الرب صنع الله لهما بيوتًا (خر 1: 21). في الحقيقة صنع الله له بيوتًا في أعماقهما.
لقد هدم البابليون بيت الرب في أورشليم، وعاد المؤمنون بعد السبي يبنون الهيكل الذي هدمه الأعداء. هذا العمل يلزم القيام به كل يومٍ، حيث لا يمل عدو الخير عن تحطيم هيكل الرب الذي فينا خلال الخطية، ونحن بدورنا لا نتوقف عن إعادة بيت الرب أو هيكله فينا بالتوبة والمخافة الربانية.
وما نقوله عن كل مؤمنٍ ينطبق أيضًا عن الكنيسة كل يومٍ. فالعدو يقاومها، ومخافة الرب تبني ما يتهدم كل يوم.
* إن كان إنسان ما بعد أن يخطئ يتوب بإخلاص، فإن بيته يُعاد بناؤه بعد السبي.
لنصلِ للرب أولًا وقبل كل شيء لكي لا يُهدم بيتنا، فلا يأتي الكلدانيون والأشوريون، ويهدموا هيكل المسيح الذي فينا.
إن كان بالضرورة يسقط، يمكننا أن نخلص بواسطة لوحٍ خشبي هو ملجأ آخر، وذلك خلال انكسار سفينتنا.
بيت المسيح هذا يُعاد بناؤه كل يومٍ في حياة التائب... أوضح المرتل أن إعادة البناء تحدث كل يومٍ. إذ يمكننا تطبيق ذلك أيضًا على كنيسة المسيح التي تتهيأ بعد السقوط[1].
القديس جيروم
* يلزمنا أن نبذل كل جهد ونستخدم كل معرفة لحسابنا لنمنع الدمار الكامل، فيتحقق فينا ما هو مكتوب في الخروج: "إذ خافت القابلتان الله أن صنع لهما بيوتًا" (خر 1: 21). لاحظوا: لأنهما خافتا الله بنتا بيوتًا. بدون مخافة الله لا يُمكن للبيت أن يُبني. إن كان بمخافة الله البيوت بُنيت بواسطة هؤلاء الذين يرتكبون خطية، بل صار بناؤهم موضع سرور الله، فماذا يجب علينا نحن المأسورين (في الخطية) أن نفعل؟ أصغ أيها الخاطي، يلزمنا أن نخاف الله بالحق ونتجنب الخطية، ولكن بعد الضياع توجد خشبة (إنقاذ) ثانية للتوبة... مادام يوجد زمن، فالباب دائمًا مفتوح للتوبة، فإنه مهما طالت حياتك، مادمت لا تزال حيًا فإنك تسقط في خطية"[2].
القديس جيروم
تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
1. بناء جديد وتسبحة جديدة

رَنِّمُوا لِلرَّبِّ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً.
رَنِّمِي لِلرَّبِّ يَا كُلَّ الأَرْضِ [1].
إذ تمتعنا بالخليقة الجديدة في المسيح يسوع، صار لنا لسانًا روحيًا جديدًا يقدم تسبحة جديدة.
* "سبحوا للرب تسبيحًا جديدًا". يا للتوبة المغبوطة! فإنك حتى وإن سقطت، إن تبت تعلن بشكلٍ قاطعٍ عن بيت جديد للمسيح... البيت الجديد يتأهل لتسبحة جديدة...
"سبحوا للرب يا كل الأرض" [1]. هذه العبارة تبطل ما يقوله اليهود وأتباع نوفتيان. "سبحوا للرب يا كل الأرض"، ليس يا أورشليم فقط، بل يا كل العالم. يقول نوفتيان: توجد خطايا يلزم التوبة عنها مثل الكذب والحنث بالقسم والسرقة؛ أما الزاني والقاتل فلا توبة لهما. أسألك أن تصغي ماذا يقول المزمور: "سبحوا للرب يا كل الأرض". بقوله يا كل الأرض يشمل الزاني والقاتل، وكل خطية على الأرض. إن كانت كل خطية دون استثناء تحمل عليهما ختم الأرض، فلتتب أيا كانت الخطية التي ارتكبتها، وأنت بكل وسيلة تخلص[3].
* "رنموا للرب ترنيمة جديدة" الإنسان القديم ينهدم، ويُبنى الجديد، لذلك تُرنم ترنيمة جديدة. "رنمي (بفرحٍ) للرب يا كل الأرض". الأرض التي تتحول بإخلاص للرب ترنم باستمرار بتسابيح الشكر بعذوبة صوت شاب"[4].
القديس جيروم
* بحضور ربنا تجددت الأشياء كما كتب الرسول في الفصل الخامس من رسالته الثانية إلى أهل كورنثوس، قائلًا: "إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة. الأشياء القديمة قد مضت. هوذا الكل قد صار جديدًا" (2 كو 5: 17). لقد كمل فينا ما قد جاء في مزمور آخر أن يتجدد مثل النسر شبابنا، لأننا طرحنا ونزعنا الإنسان العتيق المختص بالتصرف الأول الفاسد، بما يخص شهوات الطغيان، وتجددت عقولنا بالروح، ولبسنا الإنسان الجديد المجدد لمعرفة صورة من خلقه، واتخاذنا عهدًا جديدًا. لذلك عند ميلاد ربنا سبحت الملائكة تسبيحًا جديدًا، الذي هو المجد لله في الأعالي... ونحن أيضًا فلنسبح هذا التسبيح الجديد لمن بنى البيت الجديد، وهو جسده الذي أخذه من الدائمة البتولية.
الأب أنسيمُس الأورشليمي
يرى القديس أغسطينوس أن بيت الرب يتحقق ببناء الكنيسة على الأرض كلها، أي نشر الإيمان بالسيد المسيح في كل الأمم. هذا البناء يتحقق بوصية المسيح الجديدة، التي هي الحب خلال الصليب، فتصير لنا تسبحة جديد، وبناءً جديدًا!
هذا البناء ينمو ويتزايد بين الأمم بعمل الروح القدس الناري.
* إن كانت كل الأرض تسبح تسبحة جديدة، فإن هذا هو المبنى الذي يتحقق بالتسبيح. عمل التسبيح هو المبنى، وإنما فقط إن كان لا يسبح تسبحة قديمة. شهوات الجسد تسبح تسبحة قديمة. محبة تسبح تسبحة جديدة... اسمعوا لماذا تدعى تسبحة جديدة. يقول الرب: "وصية جديدة أنا أعطيكم، أن تحبوا بعضكم بعضًا". إذن الأرض كلها تسبح تسبحة جديدة، لهذا فقد بُني بيت الرب[5].
القديس أغسطينوس
رَنِّمُوا لِلرَّبِّ،
بَارِكُوا اسْمَهُ،
بَشِّرُوا مِنْ يَوْمٍ إِلَى يَوْمٍ بِخَلاَصِهِ [2].
* "باركوا اسمه". اسم الرب هو "المخلص"، لأجل عمل خلاصه فينا.
ماذا يعني: "بشروا من يومٍ إلى يومٍ بخلاصه؟ يفهم البار هذه بالطريقة التالية: سبحوا الرب كل يومٍ، أي يومًا بعد يومٍ، أو سبحوه اليوم، وسبحوه غدًا. هذا التفسير واضح. لكن يوجد معنى أعمق وراء الكلمات: "بشروا من يوم إلى يوم بخلاصه". لا يمكن تسبيح الرب إلا في نور النهار. كان يلزم للمرتل أن يقول: سبحوا الرب نهارًا وليلًا لو أننا أخذنا الكلمات بالمعنى الحرفي. إننا نواجه مشكلة: هل لا نستطيع أن نسبح الرب أيضًا بالليل إن كنا نسبحه أثناء النهار؟ لتتعلموا إذن ماذا تعني. عندما تسبحوا الرب، سبحوه دومًا في النور؛ لا في ظلمة الخطايا، إنما في نور الفضائل. ليت شمس المسيح تشرق في نفوسكم دومًا، فيضئ فيكم نور جديد على الدوام.
"بشروا من يومٍ إلى يومٍ بخلاصه". لنفحص هذه العبارة من زاوية أخرى. يوجد يومان لا ثلاثة أيام أو أربعة أو خمسة. يُوجد يومان: العهدان القديم والجديد، يشرق المسيح في كليهما. لا تسبحه فقط في العهد القديم لئلا تكون يهوديًا. ولا تسبحه في الجديد وحده، لئلا تكون من أتباع ماني. سبحه من يومٍ إلى يومٍ، في العهدين القديم والجديد، هذا اليومان يبعثان نورًا واحدًا بعينه. هذا هو السبب الذي لأجله مكتوب في اللاويين: كل حيوان مشقوق الظلف ويجتر هو طاهر (لا 11: 3). إذا كان غير مشقوق الظلف فهو غير طاهر... إنسان الكنيسة هو مشقوق الظلف ويجتر، إذ يؤمن بالعهدين وغالبًا ما يتأمل بعمق في كليهما. وما يُدفن في الحرف يقوم في الروح[6].
القديس جيروم
* أما قول النبي: "بشروا من يومٍ إلى يومٍ بخلاصه" [2]، كأنه من قبل ربنا الذي أوصى تلاميذه أن يتلمذوا كل الأمم، ويعلموهم باسم الآب والابن والروح القدس. فعلموا بأمره، وطافوا المسكونة كلها، وبشروا بخلاصه. وأخبروا في كافة الأمم بمجده، وفي جميع الشعوب بعجائبه.
بقوله: من يومٍ إلى يومٍ" يعلمنا أنه يريد منهم أن يصنعوا هذا الفعل دائمًا...
الذين يبشرون بخلاص الرب لهم علم اليوم الواحد الذي هو العهد القديم، ومن هذا اليوم يهتدون إلى اليوم الثاني الذي هو العهد الجديد. فإذًا هذان اليومان كلاهما ينيرهما ربنا يسوع المسيح الذي هو شمس البرّ، وشعاع مجد الآب.
الأب أنسيمُس الأورشليمي
تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
2. بناء في كل الأمم

حَدِّثُوا بَيْنَ الأُمَمِ بِمَجْدِهِ،
بَيْنَ جَمِيعِ الشُّعُوبِ بِعَجَائِبِهِ [3].
يرى القديس أغسطينوس أن بناء بيت يبقى ينمو في كل الأمم، وذلك خلال الكرازة أو البشارة المفرحة من يومٍ إلى يومٍ. هذا البناء لا لمجد الكارزين الذين يقومون بالبناء، بل بمجد الرب نفسه. من يطلب مجد نفسه لا يقدم تسبحة جديدة للرب.
* "حدثوا بين الأمم بمجده" [3]. بمجده (بكرامته) لا مجدكم أنتم.
حدثوا أيها البناؤون بمجده بين الأمم. إن اخترتم أن تتحدثوا عن كرامتكم تسقطون، إن اخترتم كرامته، فإنكم أنتم أنفسكم تُبنون فيما أتم تبنون. لذلك الذين يختارون أن يحدثوا عن كرامتهم، يرفضون أن يسكنوا في ذلك البيت. وبذلك لا يسبحون تسبحة جديدة في كل الأرض[7].
القديس أغسطينوس
* جاء في نبوة إشعياء: "يا رب أنت إلهي أعظمك. أحمد اسمك لأنك صنعت عجبًا، مقاصدك منذ القديم أمانة وصدق" (إش 25: 1). لأن ربنا وإلهنا يسوع المسيح هو الذي صنع العجائب، وهي إحياء الموتى وشفاء المرضى وسائر إحساناته التي يخبر بها الإنجيليون للشعوب. واثبات رأي الله القديم الصادق، وهو أن يكون الإنسان على صورة الله. هذه الصورة جددها ربنا عندما أعاد خلقة الإنسان بتجسده.
الأب أنسيمُس الأورشليمي
لأَنَّ الرَّبَّ عَظِيمٌ وَحَمِيدٌ جِدًّا،
مَهُوبٌ هُوَ عَلَى كُلِّ الآلِهَةِ [4].
* "لأن الرب عظيم ولا يمكن حمده كما يليق به" [راجع 4]. من هو الرب إلا يسوع المسيح الذي هو عظيم ولا يمكن حمده كما يليق به؟ أنتم تعرفون بالتأكيد أنه ظهر كإنسانٍ. أنتم تعرفون تمامًا أنه حُبل به في رحم امرأة. أنتم تعرفون أنه وُلد من رحم، وأنه رضع، وحُمل على الأذرع، وخُتن، وقُدمت عنه تقدمه، وأنه نما، وأخيرًا تعلمون أنه لُطم وبُصق عليه، وكُلل بالشوك، وصُلب ومات وضرب بالحربة، واحتمل كل هذه الأمور. "إنه عظيم ولم يُحمد كما يليق به"... ليُسبح به وليُكرز به؛ ليُعلن مجده وليُبنى بيته[8].
القديس أغسطينوس
لأَنَّ كُلَّ آلِهَةِ الشُّعُوبِ أَصْنَامٌ،
أَمَّا الرَّبُّ فَقَدْ صَنَعَ السَّمَاوَاتِ [5].
بقوله: "لأن كل آلهة الأمم أصنام أو شياطين"، يريد أن يوضح أن بقوله: "مرهوب على كل الآلهة"، لا يثبت أنها آلهة، بل يوبخهم لأنهم حسبوا الشياطين أو الأصنام آلهة وعبدوها.
* مثل هذه الكلمات (دعوة الأصنام آلهة) تُستخدم ليس كما لو كانت آلهة حقيقية، وإنما لأن الكلمة تعلمنا بأن الله الحقيقي هو خالق الكل، هو الرب الوحيد لكل هذه التي باطلًا تُدعى آلهة وأرباب. لكي يقنعنا بهذا قال الروح القدس بداود: "لأن كل آلهة الشعوب أصنام للشياطين وليست آلهة" (راجع مز 96: 5). وجعل اللعنة على الذين يعبدون مثل هذه الأصنام[9].
القديس يوستين الشهيد
* كل الأمم كانت لهم الشياطين آلهتهم؛ هؤلاء الذين دعوهم آلهة كانوا شياطين. وذلك كما يقول الرسول بأكثر علانية: "بل إن ما يذبحه الأمم، فإنما يذبحونه للشياطين لا لله" (1 كو 10: 20). فإذن كانوا في سبي، لأنهم كانوا يذبحون للشياطين، على هذا الأساس كل الأرض بقيت خشبية (متعبدة للأخشاب)... عندما قال : "مهوب على كل الآلهة" [4]، أضاق: "لأن كل آلهة الشعوب شياطين"... ولكن هل هذا هو كل المدح الذي له، هذا لا يمكن مدحه كما يليق به، أنه على كل آلهة الأمم التي هي الشياطين. انتظروا، واسمعوا ما يلي هذا: "أما الرب، فقد صنع السماوات" [5]... انظروا الفارق بين السماوات والشياطين والفارق بين السماوات وبين صانع السماوات. انظروا أي مجد هو للرب... إن كانت قد صنع السماوات، فهو نفسه الذي صنع الملائكة، وصنع الرسل. لقد خضعت الشياطين للرسل، والرسل أنفسهم كانوا سماوات، حملت الرب... أيتها السماوات التي خلقها، تخبر بمجده للأمم![10]
القديس أغسطينوس
مَجْدٌ وَجَلاَلٌ قُدَّامَهُ.
الْعِزُّ وَالْجَمَالُ فِي مَقْدِسِهِ [6].
جاء عن الترجمة السبعينية والقبطية: "الاعتراف والبهاء قدامه. الطهر والجلال العظيم في قدسه".
في شيء من الإفاضة يحدثنا القديس أغسطينوس عن رغبة كل إنسان أن يكون بهيًا أو جميلًا، وأن يكون في عظمةٍ أو عز الملائكة، فالطريق للبهاء هو الاعتراف بخطايانا، والطريق لعز الملائكة وسلطانهم أو عظمتهم هو برّهم وطهارتهم. لنبدأ بالاعتراف، فننعم بالبهاء. ولنبدأ بطلب البرّ، فننال العظمة أو السلطان.
* أتحبون المال (البهاء)؟ أتريدون أن تكونوا جميلين؟ اعترفوا. لم يقل: "الجمال والاعتراف" بل "الاعتراف والجمال". لقد كنتم فاسدين، اعترفوا حتى تصيروا مملوءين جمالًا.
لقد كنت خاطئًا، اعترف لكي تصير بارًا. استطعت أن تشوه نفسك، لا تستطيع أن تجعل نفسك جميلًا. من أي نوع هو خطيبنا، ذاك الذي يحب الفاسدة ليجعل منها جميلة...؟ لقد قال: "لم آتِ لأدعو أبرارًا بل خطاة" (مت 9: 13). من الذين تدعوهم؟ خطاة، هل ليبقوا خطاة؟ يقول لا... "الاعتراف والجمال قدامه". إنهم يكرمونه بالاعتراف بخطاياهم. إنهم يتقيأون الشرور التي التهموها بنهمٍ، فلا يعودون إلى قيئهم مثل الكلب الدنس (2 بط 2: 22). عندئذ يكون الاعتراف والجمال.
إننا نحب الجمال، فلنختر أولًا الاعتراف، فيتبعه الجمال.
مرة أخرى يوجد من يحب العز والعظمة، إنه يُريد أن يكون عظيمًا مثل الملائكة. توجد عظمة معينة في الملائكة، وعز معين، لو مارسته الملائكة إلى النهاية لا يمكن مقاومته. وكل إنسانٍ يرغب في عز الملائكة، لكن ليس كل إنسانٍ يرغب في برِّهم. لتحب أولًا برَّهم فسيتبعه عزهم[11].
* كنتم تطلبون أولًا العظمة، فلتحبوا البرّ. وحينما تصيرون أبرارًا، ستكونون أيضًا عظماء! فإن كنتم تطلبون بطريقة منافية للمنطق أن تكونوا عظماء، تسقطون ولا تقدرون أن تقوموا. فإنكم لا تقومون بطريقة أفضل إن كان يقيمكم ذاك الذي لا يسقط. فإن ذاك الذي لا يسقط نزل إليكم يا من سقطتم. إنه ينزل، ويبسط يديه إليكم. إنكم لا تقدرون أن تقدموا بقوتكم. احتضنوا يد ذاك الذي نزل حتى تقوموا بذاك القوي[12].
القديس أغسطينوس
قَدِّمُوا لِلرَّبِّ يَا قَبَائِلَ الشُّعُوبِ،
قَدِّمُوا لِلرَّبِّ مَجْدًا وَقُوَّةً [7].
* لو أن المزمور يشير إلى هيكل أورشليم، فما هو المعنى الذي وراء الكلمات: "قدموا للرب يا قبائل الشعوب، قدموا للرب مجدًا وقوة" [7]. جموع الأمم ودعوة الشعوب هي التي تكّون الكنيسة[13].
القديس جيروم
كيف نقدم للرب مجدًا وقوة؟ يتحدث الكتاب المقدس عن آلام السيد المسيح وصلبه بكونها مجده، حيث مزق كتاب خطايانا بصليبه، وحطم سلطان إبليس وقواته وشَّهر بهم. عندما نتألم مع السيد المسيح ونُصلب معه، فلا يكون لعدو الخير ولا لأعماله سلطان علينا نُحسب كمن يقدم مجدًا له، إذ يتمجد فينا. أما تقديم القوة، فهو ليس بحاجة إلى قوة، لأنه القدير القوي، ونحن كأبناء لله إذ نحمل قوته فينا، يتحقق قول الرسول: "اكتب إليكم أيها الأحداث لأنكم أقوياء" (1 يو 3: 14) نكون كمن قدمنا للرب قوة.
* الآن يدعو المزمور قبائل الأمم، أي أحبارهم ومقدميهم، أن يقدموا للرب مجدًا يمجدونه بما يليق به، ويصنعوا أعمالًا صالحة لكي يراها الناس ويمجدوا الله.
"وكرامة"... أي يكرموه بمنزلة أب، لأنه أهَّلهم أن يصيروا بنيه بالتبني، ويهتفوا إليه في صلواتهم: "أبانا الذي في السماوات".
وأيضًا مجد اسم ربنا هو الصليب، فالذين يصلبون ذواتهم، أي يميتون شهوات أجسادهم يقدمون مجدًا لاسمه.
الأب أنسيمُس الأورشليمي
قَدِّمُوا لِلرَّبِّ مَجْدَ اسْمِهِ.
هَاتُوا تَقْدِمَةً، وَادْخُلُوا دِيَارَهُ [8].
جاء عن الترجمة السبعينية والقبطية: "احملوا الذبائح وانطلقوا، فادخلوا دياره. اسجدوا للرب في داره المقدسة".
يسألنا المرتل أن نقدم تقدمة، أو "احملوا الذبائح وأدخلوا دياره"، إنما يطالبنا بتقديم أعمال الحب والرحمة، كقول الرب: "أريد رحمة لا ذبيحة".
ويلاحظ أن كلمة "دياره" في الترجمة السبعينية جاءت تارة بالجمع وأخرى بالمفرد. وهذا لا ينطبق على العبادة اليهودية بل المسيحية. فلم يكن لليهود سوى هيكل واحد في أورشليم تُقدم فيه الذبائح، أما في كنيسة العهد الجديد، فتُقدم ذبيحة الإفخارستيا في الكنائس في كل العالم، وهي دار واحدة أيضًا بكونها جسد المسيح الواحد.
* بقوله "ارفعوا الذبائح"، أي ارتفعوا بتقديمكم له ذبائح رفيعة القدر، وهي الأعمال الحسنة السماوية، ولا تسقطوا بتقديمكم له ذبائح من المواشي. ما قوله : "دياره" [9] بصيغة الجمع فتدل على الكنائس الكثيرة، أي الهياكل الموجودة في أقطار العالم، لأن موضع ذبائح اليهود كان واحد (في الهيكل بأورشليم)، أما ذبائح الأمم الخاصة بالمسيح فديارها ومذابحها كثيرة. وأما قوله: "دار قدسه" بصيغة المفرد فتدل على انضمامها واتحادها في الرأي في المسيح، وتدعى دار قدسه، لأنها محل قداسته بكونها جسده المقدس.
الأب أنسيمُس الأورشليمي
* لاحظ أنه ليس من الممكن أن تدخل ديار كثيرة من دار واحدة. أتريد أن تسمع هذه السرّ عينه في موضع آخر في الكتاب المقدس؟ يوجد تاجر لديه لآلئ كثيرة، باع جميعها ليشتري اللؤلؤة الواحدة (متى 13: 46). أيضًا يقول النبي: "قفوا على طرق الرب، واسألوا عن السبيل الذي للرب" (راجع إر 6: 16). ماذا نفهم من اللآلئ الكثيرة والطرق الكثيرة التي منها نجد اللؤلؤة الواحدة والسبيل الواحد، الدار الواحدة؟ إبراهيم وإسحق ويعقوب، وموسى ويشوع بن نون، وإشعياء وإرميا وحزقيال والاثنا عشر نبيًا، وداود وسليمان، هؤلاء كلهم هم الديار. إنهم ديارنا، التي ندخل منها أولًا، ومنهم نصل أخيرًا إلى دار الأناجيل، وهناك نجد المسيح[14].
القديس جيروم
* الاعتراف هو هدية تقدم لله. أيها الوثني، إن أردت أن تدخل دياره، لا تدخلها فارغًا. أحضر هدايا.
أية هدايا نقدمها معنا؟ "الروح المنسحقة هي ذبيحة الله. "القلب المنكسر والمنسحق يا الله لا تحتقره" (مز 51: 17).
أدخل بقلبٍ متواضع إلى بيت الله، بهذا تدخل ومعك هدية[15].
القديس أغسطينوس
تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
3. ملك على خشبة

اسْجُدُوا لِلرَّبِّ فِي زِينَةٍ مُقَدَّسَةٍ.
ارْتَعِدِي قُدَّامَهُ يَا كُلَّ الأَرْضِ [9].
جاء عن الترجمة السبعينية والقبطية: "فلتتزلزل الأرض كلها من أمام وجهه".
* يُقال "وجه الرب" عن حضوره وظهوره للناس. وأما الأرض فتُقال عن البشر، لأنهم قاطنون على الأرض. فعند حضور ربنا بالجسد اضطرب الناس، وبُهتوا من عجائبه، وتزعزعت الأرض منقلبة من الجحود إلى الإيمان. وأيضًا حين نودي بالإيمان بالمسيح الإله اضطرب جميع الأرضيين وضجوا.
الأب أنسيمُس الأورشليمي
* "ارتعدي قدامه يا كل الأرض" [9]. أنصت إلى ما يقوله المرتل. السماء لا ترتعب في حضرة الله، لكن الإنسان الأرضي في فكره يتطلع إلى الرب بقلقٍ، ويرتبك جدًا، ويرتعب[16].
القديس جيروم
قُولُوا بَيْنَ الأُمَمِ: الرَّبُّ قَدْ مَلَكَ.
أَيْضًا تَثَبَّتَتِ الْمَسْكُونَةُ فَلاَ تَتَزَعْزَعُ.
يَدِينُ الشُّعُوبَ بِالاِسْتِقَامَةِ [10].
جاء عن الترجمة السبعينية والقبطية: "قولوا في الأمم إن الرب قد ملك على خشبة. وأيضًا قوَّم المسكونة، فهي لا تتزعزع. يُدين الشعوب بالاستقامة".
بتجسد كلمة الله وظهوره بين البشر تزعزع الأرضيون واضطربوا، أما الذين آمنوا به فانطلقوا بين الأمم، يخبرون على الملك بعد أن رفضه اليهود. وكما قال بولس وبرنابا في أنطاكية بسيدية: "كان يجب أن تكلموا أنتم أولًا بكلمة الله، ولكن إذ دفعتموها عنكم وحكمتم أنكم غير مستحقين للحياة الأبدية، هوذا نتوجه إلى الأمم. لأن هكذا أوصانا الرب: قد أقمتك نورًا للأمم لتكون أنت خلاصًا إلى أقصى الأرض. فلما سمع الأمم ذلك كانوا يفرحون ويمجدون كلمة الرب" (أع 13: 46-48).
إذ تقدم الدعوة للإيمان لكل الأمم والشعوب، ففي مجيئه الثاني يدين الرب الشعوب بالاستقامة. حيث يعلن الرب ذاته كديان المسكونة كلها، ويبصره الذين طعنوه والذين جحدوه واضطهدوه في كنيسته، وكما يكلل المؤمنين الذين صلبوا معه واحتملوا الآلام من أجله.
* "قولوا بين الأمم: الرب ملك". إن لم ترتعب الأرض، وتنسحب من الاهتمامات الزمنية، لا يملك الرب بين الأمم"[17].
القديس جيروم
* الخشبة التي لك تجعلك خشبيًا، أما خشبة المسيح فتعبر بك البحر[18].
القديس أغسطينوس
* قال داود: "الرب قد ملك على الشجرة" (راجع مز 96: 10). في موضع آخر يتنبأ النبي عن ثمرة هذه الشجرة، قائلًا: "الأرض أعطت بركاتها" (راجع مز 67: 6)... "تحمل الشجرة ثمرها"، ليست تلك الشجرة التي في الفردوس، والتي قدمت الموت للبشر الأوائل، وإنما شجرة آلام المسيح، حيث عُلقت الحياة[19].
العلامة ترتليان
* بصليبه قد قهر ملوكًا وتثبت على جباههم... وتمجدوا فيه، إذ فيه يتحقق خلاصهم. هذا هو العمل الذي يتحقق، هذا هو البيت الذي ينمو. هذا هو المبنى[20].
القديس أغسطينوس
* "قوَّم المكسونة فهي لا تتزعزع". بالحقيقة جاء المسيح، وجعل الجنس البشري ثابتًا لا يضطرب، فلا يتزعزع طوال الأبدية. صليبه هو عمود البشرية. لست أفكر في الخشب، إنما في الآلام. يوجد هذا الصليب في بريطانيا وفي الهند وفي كل المسكونة. لهذا ما هو تحذير الإنجيل؟ "إن لم تحمل صليبي وتتبعني كل يوم" (راجع لو 9: 23). لاحظ ماذا قيل: "إن لم تستعبد نفسك للصليب، كما أنا بالنسبة لك لا تكون لي تلميذًا[21].
القديس جيروم
تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
4. فرح السمائيين والأرضيين

لِتَفْرَحِ السَّمَاوَاتُ،
وَلْتَبْتَهِجِ الأَرْضُ،
لِيَعِجَّ الْبَحْرُ وَمِلْؤُهُ [11].
قديمًا كان البشر لا يطيقون أن يسمعوا عن الموت ولا عن يوم الدينونة. فالموت بالنسبة لهم كان يمثل الدمار الشامل للإنسان، ويوم الدينونة يمثل مواجهة خطيرة للإنسان الضعيف أمام القدير الغاضب على خليقته. لكن الآن وقد تجلى الحق الإنجيلي، وبلغت الكرازة إلى الأمم، صار الموت عبورًا إلى الفردوس، يوم الدينونة يوم العرس السماوي حيث تلتصق البشرية المؤمنة بعريسها السماوي.
يصف لنا المرتل هذا اليوم بالعبارات التي بين أيدينا [11-13]. فإن السمائيين بكل طغماتهم يذهلون مما يناله البشر في ذلك اليوم، حين يلتصقون كعروسٍ سماويةٍ بالعريس السماوي، وينطلقون من على السحاب إلى حضن الآب. من يقدر أن يصف المجد الذي يحل بالبشرية؟ من يعَّبر عن دهشة السمائيين أمام هذا الحدث المفرح؟
الأمم والشعوب التي كانت تمثل رعبًا ترتج متهللة، فقد تحولت إلى أنهار تفيض مياهًا حية، تفَّرح مدينة الله.
* "لتفرح السماوات، ولتبتهج الأرض" (مز 96: 11) من أجل أولئك الذين يُنضحون بالزوفا[22]، ويتطهرون بزوفا روحي[23] هو قوة ذاك الذي في آلامه قُدم له أن يشرب من زوفا وقصبة[24].
فإذ تفرح القوات السمائية، ليته تستعد هذه النفوس التي تتحد مع العريس الروحي، فتسمع صوتًا صارخًا في البرية: "أعدوا طريق الرب" (إش 40: 3).
إنه ليس أمرًا بسيطًا ولا شيئًا هينًا ولا اتحادًا حسب الجسد، بل هو اختبار الإيمان يقوم به الروح القدس فاحص الكل (1 كو 2: 20).
إنه حيث توجد ثروة أو جمال يوافق العريس بسرعة، أما هنا فلا يطلب (العريس) جمال الإنسان، بل نقاوة ضمير النفس. إنه لا يسعى إلى ماله بل ثروة النفس في الصلاح[25].
القديس كيرلس الأورشليمي

* لتفرح السماوات التي تخبر بمجد الله. لتفرح السماوات التي صنعها الرب. ولتبتهج الأرض التي تمطر عليها السماوات. لأن السماوات هي الكارزون، والأرض هي المستمعون. "ليعج البحر وملؤه"؛ أي بحر؟ العالم...! كان العالم كله هائجًا ضد الكنيسة، بينما كانت تمتد وتُبنى على الأرض كلها[26].
القديس أغسطينوس
* ولكن هيِّئ نفسك للشكر في كل الأمور إذ سمعتَ الرسول القديس يقول: "اُشكروا في كل شيءٍ" (1 تس 5: 18)، سواء "في شدائدٍ" أو "في ضروراتٍ" أو "في ضيقاتٍ" أو "في ضعفاتٍ" أو "أتعابٍ" جسدية (أنظر 2 كو 6: 4-5؛ 12: 10). في كل ما يأتي عليك أشكر الله، لأنني أرجو أنك أنت أيضًا تأتي "إلى راحته" (عب 4: 1). لأننا "بضيقات كثيرة ينبغي أن ندخل ملكوت الله" (أع 14: 22). فلا تشك إذن في نفسك ولا تَدَعْ قلبك يخور في أي شيء، بل تذكر القول الرسولي: "إن كان إنساننا الخارج يفنى، فالداخل يتجدّد يومًا فيومًا" (2 كو4: 16). فإن كنتَ لا تحتمل الآلام لا يمكنك أن تأتي إلى الصليب، ولكن إن كنتَ تحتمل الآلام أولًا، فإنك تدخل إلى ميناء راحته، ومن ذلك الوقت فصاعدًا تعيش في هدوءٍ متحررًا أكثر من الاهتمامات، إذ ترسخ نفسك بثباتٍ، وتلتصق بالرب في كل شيءٍ، مع إيمان بحارسك (أي ملاكك)، فرحًا في الرجاء، مبتهجًا في المحبة، في حماية الثالوث القدوس المساوي. وحينئذٍ يتحقق بخصوصك القول: "لتفرح السماوات، ولتبتهج الأرض" (مز 96: 11)، لأن هذه هي حياة عدم الهمّ التي لرجل الله، لأن الآب والابن والروح القدس يبتهجون لخلاص نفسك يا أخي المحبوب.
القديس برصنوفيوس
* اليوم تتغنَّى الطغمات الملائكية بألحان التسابيح المفرحة، ويضيء نور البشارة بالمسيح متلألئًا على المؤمنين!
اليوم هو ربيعنا المفرح، ويشرق شمس البرّ، المسيح، بأشعته الناصعة علينا، مضيئًا أذهان المؤمنين!
اليوم يُشفى آدم متحركًا مع جوقة الملائكة، طائرًا نحو السماء...!
اليوم تضيء نعمة الله والرجاء في غير المنظور خلال المناظر السامية المدهشة، ويعلن بوضوح السرّ المكتوم منذ الأزل!
اليوم يتحقّق قول داود؛ لتفرح السماوات ولتبتهج الأرض، ليعج البحر وملؤه. ليجذل الحقل وكل ما فيه، لتترنَّم حينئذ كل أشجار الوعر" (مز 96: 11-13)، مشيرًا إلى (البشر) بالأشجار، وقد تكلم سابق الرب (يوحنا) عنهم كأشجار يلزمهم أن "يصنعوا أثمارًا تليق بالتوبة" (مت 3: 8)، أو بالحري يتحدث عن مجيء الرب. غير أن ربنا يسوع المسيح يعد مؤمنيه بالسعادة الدائمة قائلًا: "ولكنني سأراكم أيضًا، فتفرح قلوبكم، ولا ينزع أحد فرحكم منكم" (يو 16: 22).
اليوم أعلن بوضوح سرّ المسيحيِّين... الذين بإرادتهم وضعوا رجاءهم في المسيح!
القدِّيس غريغوريوس صانع العجائب
لِيَجْذَلِ الْحَقْلُ وَكُلُّ مَا فِيهِ.
لِتَتَرَنَّمْ حِينَئِذٍ كُلُّ أَشْجَارِ الْوَعْر [12].
يرى الأب أنسيمُس الأورشليمي البقاع (أو السهول أو الحقول) التي كان السيد المسيح يقف فيها ويعَّلم، تصير متهللة. وأشجار الوعر أو الغاب تبتهج، لأن ربنا قد شرفها بصليبه عندما ارتفع. الأشجار التي كانت بلا ثمر، تقدم لنا خلال الصليب ثمرة الحياة، أو خبز الحياة النازل من السماء.
* كل الودعاء، وكل اللطفاء، وكل الأبرار هم السهول التي لله... أشجار الوعر هم الوثنيون. ولماذا يبتهجون؟ لأنهم يُقطعون من زيتونة البرية، ويُطعمون في زيتونة الصالحة (رو 11: 17)[27].
القديس أغسطينوس
* أشجار الغاب تبتهج، لأن ربنا شرفها بصليبه عندما ارتفع عليه. شجر الغاب أيضًا هو الناس الذين كانوا قبلًا عديمي الثمر، خالين من كل عملٍ صالح، وبحضور ربنا صاروا مثمرين، ومستحقين أن يُغرسوا في فردوس النعيم ويبتهجوا فيه دائمًا إلى الأبد.
الأب أنسيمُس الأورشليمي
أَمَامَ الرَّبِّ لأَنَّهُ جَاءَ.
جَاءَ لِيَدِينَ الأَرْضَ.
يَدِينُ الْمَسْكُونَةَ بِالْعَدْلِ،
وَالشُّعُوبَ بِأَمَانَتِه [13].ِ
جاء عن الترجمة السبعينية والقبطية: "من قدام وجه الرب، لأنه يأتي. إنه يأتي ليدين الأرض..."
* لقد جاء أولًا وسيأتي أيضًا. جاء أولًا في كنيسته على السحاب. وما هو السحاب الذي يحمله؟ الرسل الذين كرزوا، بهذا الذي سمعتم عنه عندما قرأت الرسالة: "إذًا نسعى كسفراء عن المسيح، كأن الله يعظ بنا. نطلب عن المسيح تصالحوا مع الله" (2 كو 5: 20)...
ليتنا لا نقاوم مجيئه الأول حتى لا نرتعب عند مجيئه الثاني. "ويل للحبالى والمرضعات في تلك الأيام" (مر 13: 17). لقد سمعتم الآن في الإنجيل: "انظروا... لأنكم لا تعلمون متى يكون الوقت" (لو 13: 33)...
لقد جاء أولًا، وسيأتي مؤخرًا ليدين الأرض. سيجد الذين أمنوا بمجيئه الأول فرحين: "لأنه جاء"[28].
القديس أغسطينوس
تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
من وحي مز 96

هيكل متجدد وتسبحة لا تشيخ


* بنيت يا إلهي بيوتًا للقابلتين،
لأنهما حفظتا موسى الرضيع!
أتقدم إليك في مخافةٍ وحبٍ،
لتقيم بيتًا في داخلي،
تسكن فيه، وتعلن ملكوتك.
تجعله هيكلًا مقدسًا،
وروحك القدوس يجدده على الدوام.
* اشتكي لك عدو الخير،
فمع كل قواته يحاول تحطيم هيكلك القائم فيّ.
ليحطم بكل طاقاته،
فأنت هو الأعظم، تجدد بناءه على الدوام.
في كل يوم أصرخ إليك بروح التوبة قائلًا:
أغفر لنا ذنوبنا.
لتغفر تلك الخطايا التي تهدم بيتك.
ولتهبني نعمتك التي تقدم لي برّك.
وتقيم ملكوتك في أعماقي.
* خطاياي تبكم فمي الداخلي،
فلا أدرك كيف أسبحك.
نعمتك تجدد أعماقي،
وروحك يعزف تسبحة سماوية جديدة لمجد اسمك القدوس.
* لا تقدر خطية ما أن تفسد رجائي فيك.
صليبك يرفعني إلى السماء،
يحطم كل خطية مهما كانت.
* أنت إله مهوب على كل آلهة الأمم.
أنت خالق السماوات وكل الطغمات السماوية.
لتقم في داخلي ملكوتك،
فأتحدى الشياطين،
وأتشبه بملائكتك!
* الاعتراف والجمال قدامك.
لقد شوهت صورتك بخطاياي،
وحلّ القبح بأعماقي.
لأعترف لك بخطاياي،
فأنعم بإشراق بهائك عليّ.
لأطلب برَّك يا أيها القدوس،
فانعم بالعز الذي تتمتع به ملائكتك!
* من يقيم بيتك فيَّ سواك؟
بإرادتي سقطت في الخطية،
تشوهت صورتك التي خلقتني عليها.
سقط البيت وفسد الهيكل،
من يقيمني إلا أنت يا أيها القيامة.
أنت هو باني البيت ومقدسه!
بإرادتي هدمت هيكلك في داخلي،
لكنني عاجز عن بنائه.
نزلت أنت أيها القدوس إليّ.
وبسطت يدك على الصليب لتحتضني.
هب ليّ أن احتضن يدك.
فتقيمني من قبري،
وتهبني الحياة والقيامة.
وأحمل بهاءك وجمالك في داخلي!
* هب لي القلب المتواضع والمنسحق.
أدخل به إلى بيتك المقدس.
فتقبله تقدمه وهدية مرضية أمامك.
  رد مع اقتباس
قديم 18 - 02 - 2014, 04:30 PM   رقم المشاركة : ( 98 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,346

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب

مزمور 97 (96 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير
التهليل والحياة المقامة


هذا المزمور هو تسبحة مفرحة، ودعوة لكل البشرية أن تفرح وتتهلل بالرب الذي يملك عليها، ويشرق بنوره فيها، فتستنير وتستريح. لا تعود تصرخ من عنف العدو، بل تنعم بالنصرة عليه. إنه أنشودة تتغنى بها النفس التي تتمتع بالرب كملكٍ مهوبٍ غالبٍ للشر. إنه تسبحة مملوءة فرحًا وتهليلًا، حيث تنعم النفس بملكها واهب القيامة والحياة السماوية والقداسة.

1. التهليل والحياة المقامة
1.
2. التهليل والجالس على السحاب
2.
3. التهليل وإبادة العداوة
3.
4. التهليل والبروق المقدسة
4.
5. التهليل وروح الغلبة
5.
6. التهليل والحياة السماوية
6.
7. التهليل والإيمان
7-9.
8. التهليل والحياة المقدسة
10-12.
من وحي مز 97
تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
[FONT=""]العنوان[/FONT]

جاء عن الترجمة السبعينية والقبطية: "لداود عندما ثُبتت أرضه (أي حين ارتدت إليه)".
* الأرض التي ارتدت هي قيامة الجسد. فإنه بعد قيامة (المسيح) كل ما يُرنم به في هذا المزمور قد تحقق. ليتنا نسمع مزمورًا مملوءًا بالفرح لقيامة الأرض. ليت الرب إلهنا يبعث فينا رجاءً ومسرة تليق بأمرٍ عظيمٍ كهذا. ليته يقود مقالنا حتى يتلاءم مع قلوبنا، حتى كل فرحٍ يحل بقلوبنا نشعر به، يقدمه لنا على لساننا، وبالتالي يقوده إلى أذانكم ثم إلى قلوبكم وإلى تصرفاتكم[1].
القديس أغسطينوس
يرى القديس جيروم أن كلمة "داود" تعني قوة اليد، وأن داود سبَّح بهذا المزمور للرب، استرد لأرضه السلام، أي لليهودية، بعد أن هزم أعداءه بيدٍ قويةٍ. هذا من الجانب التاريخي، أما حسب التفسير الروحي فيقول:
* إن كان اسم داود يعني "قوة اليد"، فإن اليد القوية ليست إلا الغالب لكل الأمم، داودنا، الذي صرخت منه الشياطين، قائلة: "أجئت إلى هنا قبل الوقت لتعذبنا يا ابن داود؟" (راجع مت 8: 29) وُضعت هذه التسبحة بواسطته عندما استرد أرضه. ممتاز حقًا كاهننا المكرم، إذ يقارن الأرض المستردة بأجسادنا. بالتأكيد، عندما يعود السلام إلى أرضنا يكون قد حلّ الوقت للتسبيح لله...
لم يكن يوجد سلام في هذه الأرض قبل أن يحقق داودنا النصرة، بل كان الارتباك والخلاف في كل موضع. كانت أمة ما تعبد جوفًا Jova ، وأخرى ماركري Mercury، وأخرى يونو Juns؛ كان لكل أمة إله خاص. ولكن إذ رُفع علم الصليب، فيه ُاستردت الأرض ورجعت إلى نظام سليم[2].
القديس جيروم
تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
[FONT=""]1. التهليل والحياة المقامة[/FONT]

اَلرَّبُّ قَدْ مَلَكَ،
فَلْتَبْتَهِجِ الأَرْضُ،
وَلْتَفْرَحِ الْجَزَائِرُ الْكَثِيرَةُ [1].
على الصليب وسط الآلام التي لا تُحتمل، ووسط الإهانات المرة، تطلع اللص على السيد المسيح المصلوب، فأدرك أنه ملك الملوك الذي يملك على القلوب، ويقيم فيها مملكته التي هي ملكوت الفرح. هكذا تتحول الأرض إلى أشبه بالسماء، والجسد الترابي يتهلل ويبتهج منتظرًا الأمجاد الأبدية. "الرب قد ملك، فلتبتهج الأرض".
لقد اعتاد كثير من الآباء مثل القديسين أغسطينوس وجيروم والعلامة ترتليان وأوريجينوس أن يفسروا الأرض بمعنى "الجسد"، والسماء بمعنى "النفس". فالرب لا يملك على نفس المؤمن فحسب، بل وعلى الجسد، فيهبه بهجة في كيانه كله.
ربما يتساءل البعض: كيف يُمكن للأرض أن تبتهج وسط الضيقات والتجارب التي لا تنقطع والتي لا تُحتمل. لذلك يكمل المرتل تسبحته قائلًا: "ولتفرح الجزائر الكثيرة". يرى القديس جيروم أن هذه الجزائر الكثيرة هي المؤمنون الذين تهاجمهم أمواج التجارب من كل جانب، مثل الجزائر التي تحوط المياه من كل جانب، لا تتوقف الأمواج عن مقاومتها ليلًا ونهارًا.
ويرى القديس أغسطينوسأن هذه الجزائر هي الكنائس المحلية في كل بقاع العالم، وهي وسط متاعب لا تنقطع.
* تُفهم الجزائر بطريقة رمزية أنها كل الكنائس، لأن أمواج كل التجارب تهيج حولها. كجزيرةٍ قد تلطمها الأمواج من كل جانب لكنها لا تحطمها، بل هي التي تحطم الأمواج الثائرة. هكذا كنائس الله التي تنشأ في كل العالم، تعاني من اضطهادات الأشرار التي تثور حولها من كل جانب، ولكنها تقف ثابتة كالجزائر، وفي النهاية يهدأ البحر[3].
القديس أغسطينوس
* كانت كل الأرض وجميع العالم تحت سيطرة الشياطين والأصنام. لتفرح الآن وهي تحت ملكية الرب. "الرب قد ملك". الرب الخالق الذي صنعكم هو نفسه الملك. يا من كنتم قبلًا خاضعين لسلطان سيادة الشيطان، الآن تخضعون لسلطان الخالق.
"لتفرح الجزائر الكثيرة" طبَّق الكاهن المكرم هذا حسنًا على نفوسنا التي تلطمها الأفكار المشتتة من هنا وهناك مثل أمواج كثيرة تضربنا وتقاومنا بشدة. لنتحدث أيضًا عن الكنائس بكونها مثل جزائر. في موضع آخر يقول الكتاب: "جزائر كثيرة رجعت إليّ" (راجع إش 42: 10، 12؛ حك 2: 11)[4].
* "الرب قد ملك، فلتبتهج الأرض" لتبتهج الأرض، الأرض التي كانت قبلًا في أيدي ملوك كثيرين وقد صار لها ملك واحد.
"ولتفرح الجزائر الكثيرة"... يمكننا القول أن جزائر كثيرة لولايات منفصلة أو دول المؤمنين، أو نفسرها بأنها كنائس فردية، أو جزائر، تُجلد وتُضرب من كل الجوانب وذلك بواسطة أمواج البحر العظيمة الصاخبة، هكذا فإن الكنائس تُصدم بعواصف تجارب متنوعة دون أن تُنزع من أساسها[5].
القديس جيروم
* فالآن إذ ذُبح الشيطان، ذاك الطاغي على العالم كله، فإننا لا نقترب من عيدٍ زائلٍ يا أحبائي، بل من عيدٍ خالدٍ سمائي، لسنا في ظلال نتبين العيد، بل نأتي إليه في الحق. لأنهم إذ شبعوا بلحم حمل أبكم أكملوا العيد، وإذ دهنوا قوائم أبوابهم بالدم، طلبوا العون ضد المهلك، لكننا نحن الآن إذ نأكل كلمة الآب، ولنا أعتاب قلوبنا مختومة بدم العهد قال: "انظروا لقد أعطيتكم أن تدوسوا على الحيات والعقارب وعلى كل قوة العدو" (لو 19:10). لأن الموت لن يسود فيما بعد، بل منذ الآن عوضًا عن الموت توجد الحياة، بل إن ربنا قال: "أنا هو الحياة" (يو 6:14) حتى أن كل شيءٍ قد أُفعم بالفرح والسرور. وكما هو مكتوب: "الرب يملك، فلتفرح الأرض" (مز 1:97). حين ملك الموت بكينا إذ كنا جالسين على أنهار بابل. بكينا إذ شعرنا بمرارة السبي "للموت". لكن الآن وقد بطل الموت ومملكة الشرير، فإن كل شيءٍ مملوءٍ بالتمام والفرح والمسرة. يجب علينا أن نقترب إلي هذا العيد لا بملابس قذرة، إذ ألبسنا عقولنا "ثيابًا" نقية، نلبس ربنا يسوع (رو 14:13) حتى نستطيع أن نحتفل بالعيد معه.
القديس أثناسيوس الرسول
* إنني أفضل أن أفهمه أنه يهب الجسد وعدًا، كما جاء في عبارة داود: "الرب قد ملك. فلتبتهج الأرض"، قاصدًا أجساد القديسين، التي تختص بالتمتع بمملكة الله[6].
العلامة ترتليان
* الآن، لتفرح السماوات، ولتصفق الملائكة!
الآن لتبتهج الأرض (مز 96: 11،؛ 97: 1)، ولتهتز البشر فرحًا!
ليدوِّ الجو بأناشيد البهجة، وليُطرح الليل الحالك الظلام الكئيب ومعطفه الحدادي، لا بل بما أنه تلألأ، فليقتدِ بلمعان النهار، بومضات النور.
ها إن المدينة الحية التي للرب إله القوات قد رُفعت إلى الأعالي، والملوك يأتون بتقدمة مُتعذر تقديرها من هيكل الرب، من صهيون الشهيرة (مز 68 :30) في أورشليم العليا، التي هي حرة، وهي أمهم (غل 4: 26).
وأولئك الذين أقامهم المسيح رؤساء على كل الأرض، أي الرسل، يواكبون والدة الإله الدائمة البتولية[7].
الأب يوحنا الدمشقي
تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
[FONT=""]2. التهليل والجالس على السحاب[/FONT]

السَّحَابُ وَالضَّبَابُ حَوْلَهُ.
الْعَدْلُ وَالْحَقُّ قَاعِدَةُ كُرْسِيِّهِ [2].
إن كانت الشركة مع ذاك الذي صلب وقام من الأموات تهبنا خبرة الحياة المُقامة وسط كل الظروف التي تبدو قاسية، حتى وإن كان الإنسان أشبه بجثة هامدة وسط الأموات داخل القبر، فإنه من جانب آخر يتهلل، لأنه يصير أشبه بسحابة نيرة حاملة للسيد المسيح ينبوع الفرح. يقول المرتل: "السحاب والضباب حوله". يتشبه المؤمن بالسيدة العذراء التي يتنبأ عنها إشعياء النبي قائلًا: "هوذا الرب راكب على سحابة سريعة (بهية)" (إش 19: 1). لقد حملت السيد المسيح وانطلقت به إلى مصر، فارتجفت أوثان مصر من وجهه.
في لحظات التجلي ظهرت سحابة منيرة. هكذا يليق بالمؤمنين أن يصيروا أشبه بسحابة منيرة تعكس بهاء السيد المسيح القادم في يوم الدينونة على سحابة منيرة. بمعنى آخر يصير المؤمنون الحقيقيون سحابًا منيرًا حاملًا المسيح النور الحقيقي.
أما الضباب الذي حوله فلا يعني أن الظلمة في الرب، وإنما هي في عيون الأشرار كالقشور التي سقطت من عيني شاول الطرسوسي عند قبوله الإيمان (أع 9تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب .
عدم الإيمان كما الشر يحجبان الرؤية، فلا يرون المسيح النور، بل ولا يطيقان رؤيته، كمريض العينين الذي لا يطيق رؤية الشمس.
"العدل والحق قاعدة كرسيه" [2]. ليس ما يجعل من المؤمن أشبه بالسحابة المنيرة مثل السيد المسيح الذي هو البرّ والحق.
* المجد لذاك الذي نثر نوره في الظلمة، ووجه إليه اللوم في حاله المخفي، وغطى مقدساته[8].
القديس أفرام السرياني
* الرب نفسه يقول: "أتيت أنا إلى هذا العالم، حتى يبصر الذين لا يبصرون، ويعمي الذين يبصرون" (يو 9: 39). أولئك الذين يظنون في أنفسهم أنهم يبصرون، الذين يحسبون أنفسهم حكماء، الذين يرون أنهم لا يحتاجون إلى شفاءٍ، هؤلاء يصيرون عمي، لا يفهمون. والذين لا يبصرون يبصرون، إذ يعترفون بعماهم، فينالون استنارة. "السحاب والضباب حوله" بالنسبة للذين لا يفهمونه. وأما بالنسبة للذين يعترفون ويتواضعون فإن "البرّ والحكم قاعدة كرسيه".
إنه يدعو الذين يؤمنون به كرسيه، إذ يجعل منهم كرسيًا له، تجلس الحكمة عليهم، لأن ابن الله هو حكمة الله. إننا نسمع من عبارة أخرى في الكتاب المقدس تأكيدًا قويًا لهذا التفسير: "نفس البار كرسي الحكمة" (أم 12: 23؛ 1 كو 1: 24)[9].
القديس أغسطينوس
* (على جبل التجلي) نطق الآب بصوتٍ خارجٍ من السحابة. لماذا من السحابة؟ لأنه هكذا يظهر الله. إذ "السحاب والضباب حوله" (مز 97: 2). إنه يجلس على سحابة منيرة، ويجعل السحاب مركبته (مز 104: 3). "أخذته سحابة عن أعينهم" (أع 1: 9)... يأتي ابن الإنسان في السحاب (دا 7: 13) [10].
القديس يوحنا الذهبي الفم
* "السحاب والضباب حوله" دون شك السحاب والضباب الذي حوله هو الجسم الذي أخذه الرب المخلص، بالرغم مما قيل في إنجيل يوحنا أنه "أُظهر لنا" (1 يو 1: 2). حقًا لقد ظهر للرسل، لكنه كان محتجبًا عن اليهود. ظهر للأولين على الجبل، والآخرين في الوادي المنخفض. إنه مخفي، يحدث الأولون بالتطويبات، ويتكلم مع الآخرين بالأمثال، ناظرًا إلى أنهم لا يرون بسبب غدرهم.
"السحاب والضباب حوله"، ظهر عندما أراد أن يظهر، وليس بحسب طبيعته الإلهية. "جعل الظلمة سترة حوله" (مز 18: 11). إن كان الله نورًا، فكيف يمكن للنور أن يسكن في الظلمة؟ في هذه العبارة "الظلمة" تمثل المعرفة غير الكاملة، وضعفنا، إذ لا نستطيع أن نحملق في جلاله. إن كانت الأعين البشرية في الحقيقة تعجز عن أن تتطلع في أشعة شمس هذا العالم المخلوقة والشريكة معنا في العبودية، كم بالأكثر تكون الظلال والظلمة حول شمس البرّ حيث لا يُمكننا إدراكه ولا التطلع إليه؟ نقرأ عن القديس موسى: اقترب من السحابة (خر 20: 21) لكي يرى الله، هذا لم يكن قادرًا أن يراه خارج السحابة. ويقول إشعياء: "هوذا الرب راكب على سحابة سريعة وقادم إلى مصر" (إش 19: 1)، أي مع مريم القديسة. "على سحابة سريعة"، لأنها لم تكن مثقلة ببذور بشرية[11].
* أمران يحيطان بالرب: السحاب والضباب (الظلام)...
أظن إنها ذات السحابة التي وردت في الإنجيل "وسحابة نيرة ظللتهم" (مت 5:17). هذا حدث عندما تجلي الرب وسقط التلاميذ علي وجوههم أمامه، وجاءت سحابة نيرة ظللتهم.
أظن أنها تشبه السحاب الذي قيل عنه في موضع آخر: "حقك إلي السحاب" (مز 5:36)، أي حق الرب الذي قيل عنه في الإنجيل: "أنا هو الطريق والحق والحياة" (يو 6:14). حق الله هو المسيح؛ يبلغ حتى إلي السحاب، أي إلي الرسل والأنبياء، هؤلاء الذين كانوا كالسحاب الذي أمره ألا يمطر علي إسرائيل (إش 6:5). هذا يتفق مع ما ورد في سفر القضاة حيث جزة الغنم كانت جافة بينما كان المطر ينزل علي بقية العالم. هذا يعني أن إسرائيل صار جافًا بينما كان المطر ينزل علي العالم كله.
"السحاب والضباب حوله"، "هوذا الرب راكب علي سحابة سريعة، وقادم إلي مصر" (إش 1:19). لتعرف ماذا يعني هذا؟ الرب قادم، الرب المخلص قادم إلي مصر حيث نعيش. قادم إلي أرض الظلمة حيث فرعون، لكنه لا يأتي إلا قادمًا علي سحابة سريعة. ما هي هذه السحابة السريعة؟ أظنها القديسة مريم التي حملت الابن بغير زرع بشر. جاءت هذه السحابة السريعة إلي العالم، وأحضرت معها خالق العالم. ماذا يقول إشعياء؟ "الرب قادم إلي مصر، فترتجف أوثان مصر من وجهه. الرب قادم، فترتعب أوثان مصر جدًا، ويرتطم بعضها ببعض وتتحطم. هذه هي السحابة التي حطمت معبد سيرابيس في الإسكندرية، إذ لم يحطمه قائد، بل حطمته السحابة القادمة إلي الإسكندرية (الحاملة للمسيح)...
لقد عرفنا السحاب، فلنبحث الآن عن الضباب.
الرب في الضباب، هو في النور وفي الضباب أيضًا. هو في النور بالنسبة للمبتدئين الذين يتحدث معهم بوضوح، لكنه بالنسبة للمتقدمين يحدثهم بطريقة سرائرية mystically فهو لا يتحدث مع الرسل كما مع الجماهير، إذ يتحدث مع الرسل بطريقة سرائرية. ماذا يقول؟ "من له أذنان للسمع فليسمع" (لو 8:8). هذا هو معني "وضباب حوله"، أي حوله أسرار. لهذا يقول في سفر الخروج عن كل الشعب كانوا واقفين أسفل، وأما موسى وحده فصعد علي جبل سيناء في ضباب سحابة ثقيل، لأن كل شعب الله غير قادر على التعرف علي الأسرار، أما موسى فكان وحده يقدر أن يفهم. لهذا يقول الكتاب: "جعل الظلمة سترة حوله" (مز 12:18)[12].
القديس چيروم
* لا يمكن أن تتحقق الرؤية في ذلك النور الذي تشكل أشعته الساطعة مانعًا، يقولون إنك غمام وضباب، وإن غمامًا منيرًا يحيط بك (مز 2:97)، وإنك تمنع نظر محبيك عن التطلع بإفراط لرؤية طبيعتك المخفية*.
* إنك، أيها الصالح في كل محبيك، لأنهم يجدونك في الدهش الذي لا يُوصف، في مجد بهاء جمالك، وفي قوة طبيعتك، وفي معرفتك التي هي أعلى من الكل.
أنت موجود بكلك في كل محبيك، بكل ما لك، وفي كل واحدٍ منهم.
أنت بكليتك له الكمال بغير نقصان، مع أنه لا يقدر أحد أن يمتلكك كليًا.
المجد لكمالك الذي يضبط كل الكمالات، ولا يستطيع أحد منها أن يحدَّك*.
الشيخ الروحاني (يوحنا الدّلياتي)
تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
[FONT=""]3. التهليل وإبادة العداوة[/FONT]

قُدَّامَهُ تَذْهَبُ نَارٌ،
وَتُحْرِقُ أَعْدَاءَهُ حَوْلَهُ [3].
منذ سقوط أبوينا الأولين آدم وحواء، فقد الإنسان حياة التهليل الدائمة والصادقة بسبب رعبه من عدو الخير. يقول ابن سيراخ: "بحسد إبليس دخل الموت إلى العالم". وعندما جاء آدم الثاني - السيد المسيح - ظن عدو الخير أنه قادر أن يحطم ذاك الذي هو ينبوع الفرح ومصدر السلام الأبدي. دخل معه في معارك كثيرة وفشل، وأخيرًا قرر الخلاص منه بالصلب، فإذا بعدو الخير يفقد سلطانه. يقول الرسول: "إذ جرَّد الرياسات والسلاطين أشهرهم جهارًا، ظافرًا بهم فيه" (كو 2: 15). هذا ما سبق فتنبأ عنه المرتل هنا، قائلًا: "قدامه تذهب نار. وتحرق أعداؤه حوله" [3]. إذ نحمل في داخلنا الله الكلي الحب، بل الحب ذاته، يتقدمنا روح الله القدوس، ويحوط بنار كسورٍ من نار (زك 2: 5). يحرق سهام إبليس الملتهبة نارًا، المملوء عداوة، القتّال. بهذا لا يكون له فينا موضع. ينزع الله عنا روح العداوة، أي روح قوات الظلمة، لتحتل الصداقة الإلهية قلوبنا، فنصير أيقونة المسيح، ويتسع قلبنا بالحب للسماوي وخدامه السماويين كما لكل البشر، إن أمكن!
هذا هو سرّ فرحنا وتهليل قلوبنا، لم تعد العداوة تسيطر علينا، بل الحب الحقيقي والسلام السماوي والفرح الدائم.
* "قدامه تذهب نار". الرب طاهر "القدوس يسكن في القداسة" (راجع إش 57: 15). لا نقدر أن نكرس أنفسنا له ما لم تبيد النار رذائلنا. "ستمتحن النار عمل كل واحدٍ" (1 كو 3: 13)، "وتحرق أعداءه حوله". لا يبيد الله أعداءه كأعداء بل كأصدقاء، إذ يحرق رذائل أعدائه، فيجعل منهم أصدقاء له[15].
* إنسان القداسة لا يحتاج أن يخاف من هذه النار. ليخف الخاطي منها. هذه النار تطهر القديسين، وتحرق الخطاة.
"قدامه تذهب نار". "الصانع ملائكته رياحًا، وخدامه نارًا ملتهبة" (مز 104: 4). أظن أن رسله الملائكة هم النار. إنهم ناره، يذهبون قدامه. من الذين يحرقهم الملائكة بالنار؟ هؤلاء الذين هم من خشب، وقش، وجذامة (بواقي الزرع). أما الذي هو ذهب أو فضة أو حجارة كريمة، فيذهب إلى النار لكنه يخرج أكثر نقاوة[16].
القديس جيروم
* يقول الرب نفسه: "جئت لألقي نارًا على الأرض" (لو 12: 49). النار هنا بنفس المعنى مثل السيف في عبارة أخرى، إذ يقول إنه لم يأتِ ليلقي سلامًا بل سيفًا على الأرض (مت 10: 34). السيف لكي يقسم، والنار لكي يحرق. كلاهما مفيدان. فإن سيف كلمته في حكمة يفيد حيث يفصلنا عن العادات الشريرة. فقد أحضر سيفًا وعزل كل مؤمنٍ عن أبيه الذي لم يؤمن بالمسيح أو عن أمه غير المؤمنة... السيف يعزل لكنه لا يقتل، إنه يفصل بيننا.
بنفس المعنى النار أيضًا... المؤمنون به يجلسون على نارٍ، يتقبلون لهيب الحب. ولهذا السبب فإن الروح القدس نفسه حلّ على الرسل، ظهر ألسنة منشقة كأنها نار (أع 2: 3). إذ التهبوا بهذه النار انطلقوا إلى العالم لكي يحرقوا ويشعلوا نارًا في أعدائه من كل جانب[17].
القديس أغسطينوس
* أعرف النار المطهرة التي يبعثها المسيح على الأرض. هو نفسه يُدعى النار بطريقة تأويلية...
أنا أعلم أيضًا إنه توجد نار ليست مطَّهره بل منتقمة... يسكبها الله على كل الأشرار، أو تلك المُعدة للشيطان وملائكته (مت 25: 41). وأيضًا النار التي تصدر عن وجه الرب وتحرق أعداءه الذين حوله[18].
القديس غريغوريوس النزينزي
تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
[FONT=""]4. التهليل والبروق المقدسة[/FONT]

أَضَاءَتْ بُرُوقُهُ الْمَسْكُونَةَ.
رَأَتِ الأَرْضُ وَارْتَعَدَتْ [4].
يجعل الله منا سحابًا روحيًا، لهذا إذ نتعامل مع بعضنا البعض، نصير كالسحاب الذي يسبب رعودًا وبرقًا. خلال معاملاتنا نعلن نور المسيح مخلصنا كالبرق الذي يشرق على المسكونة وينيرها، فنسمع الصوت الإلهي: "أنتم نور العالم".
إن كان العالم قد صار ترابًا وأرضًا، فإن هذه الأرض ترى عمل الله فينا فترتعب، أما نحن فنتهلل من أجل نوره المشرق فينا ليبدد الظلمة.
* هذه البروق تبرق فتنير المؤمنين، لكنها تحرق غير المؤمنين[19].
* "أضاءت بروقه المسكونة"... الآن، حقك للسحاب (مز 36: 5) هو بالتأكيد رمز للأنبياء والرسل، فإنه إن لم تصطدم هذه السحب معًا لا تقدر أن تعطي بهاءها، ولكن إن التقت في رعدٍ معًا، في تعليمٍ واحدٍ، فإن برقها يضيء في العالم.
أتريدون أن تروا كيف أن المؤمنين يدعون سحابًا في الكتاب المقدس؟ يقول إشعياء: "وأوصي الغيم أن لا يمطر عليه مطرًا" (إش 5: 6). كان موسى سحابة، لذلك قال: "يهطل كالمطر تعليمي" (تث 32: 2). رسائل الرسل هي مطر روحي لنا. في الحقيقة ماذا يقول بولس في رسالته إلى العبرانيين؟ "لأن أرضًا قد شربت المطر الآتي عليها مرارًا كثيرة" (عب 6: 7). وأيضًا: "أنا غرست، وأبلوس سقى" (1 كو 3: 6)[20].
* "رأت الأرض وارتعدت" قبل أن تثمر الأرض وتتقبل كلمة الرب، شعرت ببروق كلماته فارتعدت. تطلع الرب إلى الأرض: "الناظر إلى الأرض فترتعد" (مز 104: 32). ماذا يفيد "ارتعدت"؟ "وإلى هذا أنظر، إلى المسكين والمنسحق الروح، والمرتعد من كلامي" (إش 66: 2)[21].
القديس جيروم
* بروقه أضاءت العالم كله: أعداؤه صاروا على نارٍ واحترقوا. كل تلك المقاومة احترقت وبروقه أضاءت العالم؛ كيف أضاءت؟ العالم أخيرًا آمن. من أين جاءت البروق؟ من السحب. ما هي سحب الله؟ الكارزون بالحق. لكنك ترى السحابة غامضة ومظلمة في السماء، وكما أعرف أنا لا تحمل شيئًا مخفيًا فيها. إن كان يحدث برقًا من السحاب، فيشرق بهاء من ذاك الذي تستخف به، يصدر منه ما يخيف.
ربنا يسوع المسيح أرسل رسله ككارزين مثل السحاب، ظهروا كبشرٍ وُاحتقروا؛ ظهروا كسحابٍ وأستخف بهم، حتى تتعجب من يومض منهم[22].
القديس أغسطينوس
تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
[FONT=""]5. التهليل وروح الغلبة[/FONT]

ذَابَتِ الْجِبَالُ مِثْلَ الشَّمْعِ قُدَّامَ الرَّبِّ،
قُدَّامَ سَيِّدِ الأَرْضِ كُلِّهَا [5].
كثيرًا ما يقف الإنسان أمام سطوة الخطايا، فيراها كالجبال الثابتة، من يقدر أن يزعزعها؟! لكننا إذ نحمل مسيحنا القائم من الأموات في داخلنا تذوب هذه الجبال قدامه، ويدرك الكل أنه هو الخالق سيد الأرض كلها، لن يقدر الموت ولا كل قوات الظلمة أن تقف أمامه.
خبرتنا الجديدة في المسيح يسوع، وتمتعنا بنور قيامته الغالبة للموت تهبنا فرحًا داخليًا مجيدًا.
* من هم الجبال (التلال)؟ المتكبرون. فإنه حتى كل شيء عالٍ يقف ضد الله، ضد أعمال المسيح وضد المسيحيين، يرتعب ويخضع. وحينما أقول ما قد قيل فعلًا "ذابت" فلا أجد كلمة تفوقها[23].
القديس أغسطينوس
* "ذابت الجبال مثل الشمع قدام الرب". يدعو الحكام العظماء والقديرين جبالًا. هؤلاء الذين قاموا قبلًا مثل السماء في كبريائهم ينحطون عند مجيء المسيح. أولئك الذين كانوا قساة بشدة بتشامخ باطل، صاروا في ليونة بحرارة الحكمة الإلهية[24].
* بالنسبة لي، يبدو أن هذه الجبال هي قوات الشيطان. سواء كانوا جبالًا أم لا، فهم بالتأكيد أناس متكبرون. هذه النار لا تُهلك المتواضعين، وإنما المتكبرين وحدهم.
كحقيقة واقعة، يندر أن تصيب البروق الذين في الوادي، لكنها تضر الذين في أعلي الجبال[25].
القديس جيروم
* أرجو أن تلاحظوا أيضًا الجلال الذي لا يُقارن في ذاك الذي يفوق الكل، أي المسيح. فبقدرةٍ لا تُقاوم وسلطانٍ ليس له مثيل يسحق الشيطان بمجرد أن يريد أن يكون الأمر كذلك. وهو لا يسمح له أن يحاول أن يعطي نظرة معارضة لأوامره. إن إرادة المسيح كانت نارًا ولهيبًا بالنسبة له، حتى أنه يصدق قول المرنم المبارك: "إن الجبال تذوب مثل الشمع أمام وجه الرب" (مز 97: 5). وأيضًا في مكانٍ آخر، يقول: "يمس الجبال فتدخن" (مز 104: 32). لأنه يقارن قوات الشر العالية والمنتفخة بالجبال. وهذه القوات رغم اتصالها بالنار تذوب مثل الشمع أمام قدرة وسيادة مخلصنا. وإلى جانب ذلك يدخنون، والدخان يشير إلى نارٍ على وشك أن تنفجر إلى لهيب. وهذا هو النصيب الذي تعاني منه الأرواح النجسة[26].
القديس كيرلس الكبير
تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
[FONT=""]6. التهليل والحياة السماوية[/FONT]

أَخْبَرَتِ السَّمَاوَاتُ بِعَدْلِهِ،
وَرَأَى جَمِيعُ الشُّعُوبِ مَجْدَهُ [6].
بقيامة مسيحنا ومخلصنا نتغنى مع الرسول بولس بروح التهليل والغلبة، قائلين: "وكما لبسنا صورة الترابي، سنلبس أيضًا صورة السماوي" (1 كو 15: 49). نصير أشبه بالسماء، نخبر بإنجيل الخلاص وبرّ المسيح، ونشهد بالحياة المقامة أمام الشعوب عن بهجة قيامته. هكذا تخبر السماوات ببرّه، وترى جميع الشعوب مجده.
* الكنيسة كلها تكرز بالمسيح، والسماء تخبر ببرّك. لأن كل المؤمنين الذين يهتمون بكسب غير المؤمنين لله، يفعلون هذا عن حبٍ، إنهم سماوات! من هؤلاء يرعد الله برهبة حكمة، فيرتعب غير المؤمن ويحذر فيؤمن. إنه يُظهر خلال البشر ما هي قوة المسيح في العالم، في مرافقة ومحاججة معهم، يقودهم إلى حب المسيح[27].
القديس أغسطينوس
* "أخبرت السماوات بعدله، ورأى جميع الشعوب مجده". هاتان العبارتان تنقلان تعليمين: السماوات تخبر بعدل الرب، وجميع الشعوب ترى مجده. إن لم تكن السماوات شخصًا ما كانت تستطيع أن تخبر بعدل الرب. بجانب هذا يُقال للخاطي: "أنت تراب وإلى تراب تعود" (تك 3: 19). فلماذا لا يُقال عن البار: "سماء أنت وإلى سماء تعود"؟ إننا لا نحمل شبه الترابي بل السماوي (1 كو 15: 49)، لأن "مواطنتنا هي في السماوات" (في 3: 20).
تبعًا لهذا، الإنسان سائح على الأرض، بالتأكيد وهو في الجسد، لكن ليس حسب الجسد، بهذا يخبر بعدل الرب. الآن، إن كان أحد يعاني من الحاجة بسبب نقص المعرفة والشكوى: "لماذا نرى في هذه الحياة الأبرار في عوزٍ وانسحاقٍ تحت ثقل المتاعب، بينما الخطاة في فيض الغنى وكل الأمور المريحة؟ إن لم يتعلم الرجل الكنسي في الكتاب الإلهي المقدس، كيف أنه في مثل هذه الحالات يكون قادرًا على البرهنة على عدل الله؟ إن كان يلهج في الناموس ليلًا ونهارًا، يكون مستعدًا أن يجيب بأن الفترة القصيرة في الضيق في العالم الحاضر يلزم مقارنتها بالمكافاءات الأبدية فيما بعد. إنه من الأفضل جدًا أن يًحتمل الفقر الاختياري من أجل الرب لفترة هذه الحياة القصيرة من أجل التمتع بغنى الحياة المقبلة، عن التنعم بالرفاهيات هنا، وتكون العذابات فيما بعد بعقوبات غير محتملة.
"ترى جميع الشعوب مجده". هؤلاء الذين تعثروا أولًا في صليب الرب، فكانوا عاجزين عن التعرف عليه، حاليًا بعد أن أخبرت السماوات بعدله صارت تمجده[28].
* الإنسان الذي في السماوات لا يخاف عدل الله؛ الإنسان من السماء لا يخشى أن يعلن عدل الله. الإنسان المقدس والذي من السماء لا يخشى إله العدل. أما الخاطي فيطلب إله الرحمة[29].
القديس جيروم
* اسمع لكلمات ذاك الذي لا يخدع: "الرب إلهنا رب واحد" (تث 6: 4). وأيضًا: "الرب إلهك تتقي، وإياه تعبد، ولا تسير وراء آلهة أخرى" (تث 6: 13). "لا تصنع لك تمثالًا منحوتًا، ولا صورة ما ممّا في السماء من فوق، وما على الأرض من تحت" (خر 4: 20). "يخزى كل عابدي تمثال منحوت، المفتخرين بالأصنام" (مز 97: 7). ومرّة أخرى: "الآلهة التي لم تصنع السماوات والأرض تبيدُ من الأرض ومن تحت السماء" (إر 10:11). بهذه الطريقة وبأساليب مماثلة تكلّم الله في الزمن الماضي إلى الآباء عن طريق الأنبياء، ولكن أخيرًا في هذه الأيام تكلّم معنا عن طريق ابنه الوحيد، الذي به صنع الدهور. إنه يقول: "هذه هي الحياة الأبديّة، أن تعرفوا الإله الحقيقي ويسوع المسيح الذي أرسله". أومن بإلهٍ واحدٍ، مصدر كل الأشياء بدون بداية، غير مخلوق، غير مائت، لا يمكن مهاجمته، أبدي، دائم، غير مفهوم، لا شكل له[30].
القدّيس يوحنا الدمشقي
تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
[FONT=""]7. التهليل والإيمان[/FONT]

يَخْزَى كُلُّ عَابِدِي تِمْثَالٍ مَنْحُوتٍ،
الْمُفْتَخِرِينَ بِالأَصْنَامِ.
اسْجُدُوا لَهُ يَا جَمِيعَ الآلِهَةِ [7].
إذ انحرف الإنسان عن الحب الحقيقي، وفقد فرحه وسلامه، ظن في عبادة الأوثان وممارسة رجاستها بهجة وتهليل القلب. لكن الإيمان بالمخلص رد لنا أكثر مما فقدنا.
أ. صارت لنا العبادة الروحية المتهللة [7].
ب. صرنا صهيون الجديدة الروحية المبتهجة [8].
ج. صارت نفوسنا بنات يهوذا، أي بنات الاعتراف بالإيمان، تتعرف على خطة الرب وأسراره وأحكامه فتبتهج به [8].
د. تدرك سمو الله الفائق، فتتمسك به وحده كمصدر الغنى والسلام والفرح [9].
يرى القديس أغسطينوس أن عبدة الأصنام الحجرية في خزي لأنهم يسجدون لحجارة ميتة. أما نحن فمسيحنا حجر الزاوية الحي الذي مات لأجلنا وقام، فأحيانا معه. أما الآلهة التي تسجد له، فهي الملائكة. وكما قال ملاك للقديس يوحنا الذي خرّ أمام ملاكٍ عند رجليه ليسجد له متعبدًا: "أنظر، لا تفعل. أنا عبد معك ومع إخوتك الذين عندهم شهادة يسوع. أسجد لله" (رؤ 19: 10).
* ليت أولئك الذين هم حجارة يخزون. لأن هذه الحجارة ميتة، أما نحن فلنا الحجر الحي. بالحق تلك الحجارة لم تعش قط، أما حجرنا فحيّ، يحيا دومًا مع الآب، وإن كان قد مات لأجلنا فهو حي، ويحيا الآن، وليس للموت سلطان عليه (رو 6: 9)[31].
القديس أغسطينوس
* "يخزي كل عابدي تمثال منحوت". إن كان النبي إنسانًا مطوَّبًا، فهو يعلم أن المطوَّب لا يلعن. لذلك عندما يقول: "يخزي" فهو لا يصلي ضد الذين صاروا في خزي، وإنما لأجلهم. إنه يصلي ألا يصيروا في خزي بخطئهم، بل يتحولون إلى الله الحقيقي الخالق الوحيد[32].
القديس جيروم
* رأى بطرس مجد قيامة المسيح ولم يرغب في النزول (من الجبل)، قائلًا: "يا رب جيد أن نكون ههنا". كم بالأكثر، فوق كل مقارنة، مجد اللاهوت والنور الذي لا يُقترب منه بالنسبة لأي أمر آخر يمكن أن يُرى ويُشتهي؟ فإن الممالك لا تُقارن به ولا الغنى ولا الكرامات ولا المجد ولا السلطة، ففي استخدام هذه لا توجد تطويبات، أما من ينعم بتلك الخيرات الفائقة فمطوَّبة. يمكن للإنسان إن تطلع عليها يصير صالحًا ويبقى فيها. بهذا إذ يحمل أيقونة جميلة يدخل إلى الأعماق، ولا يهتم بشكل الجسم الخارجي[33].
القديس أمبروسيوس

سَمِعَتْ صِهْيَوْنُ فَفَرِحَتْ،
وَابْتَهَجَتْ بَنَاتُ يَهُوذَا مِنْ أَجْلِ أَحْكَامِكَ يَا رَبُّ [8].
تشير "صهيون" إلى كنيسة العهد الجديد، و"بنات يهوذا" إلى النفوس التي تعترف بالمسيا المخلص وتؤمن به.
إن كان الخزي يحل بغير المؤمنين، فالتهليل هي سمة المؤمنين، إذ يجدوا في أحكام الله بهجة ومسرة.
* ماذا سمعت صهيون؟ إن كل ملائكته تسجد له... لأن الكنيسة في ذلك الوقت لم تكن بين الأمم. في اليهودية اليهود أنفسهم الذين آمنوا، ظنوا أنهم هم وحدهم ينتمون للمسيح. أُرسل الرسل إلى الأمم، وبُشر أيضًا كرنيليوس. آمن كرنيليوس واعتمد، والذين معه اعتمدوا (أع 10: 47)...
"وابتهجت بنات يهوذا من أجل أحكامك يا رب" [8]. ماذا يعني: "من أجل أحكامك؟" لأن في كل أمةٍ وفي كل شعبٍ، من يخدمه مقبول لديه، لأنه ليس إله اليهود وحدهم، بل هو إله الأمم أيضًا (رو 3: 29)[34].
القديس أغسطينوس
* "ابتهجت بنات يهوذا من أجل أحكامك يا رب" هل هذا يعني أن بنات يهوذا دون أبنائها يبتهجن؟ ليتنا نتأكد أولًا من معنى اسم "يهوذا"، وعندما نعرف هذا نأخذ في اعتبارنا تفسير "بنات". "يهوذا" بديل لإعلان الإيمان. كل نفسٍ تعرف الله هي بنت يهوذا. لهذا يمكننا القول بأن بنات يهوذا هي نفوس المؤمنين التي تفرح بأحكام الله. فإنه إن لم يكن للشخص إيمان لن يفرح بأحكام الله. بيتي سقط، وفقدت كل ثروتي في دمار، وابني مات، وخادمي أخذ ممتلكاتي وهرب. أنا الذي كنت غنيًا صرت مُدمرًا بالعوز. إن لم أكن ابنة يهوذا لن افرح بأحكام الله.
كانت نفس أيوب ابنة ليهوذا. ففي فقدان ممتلكاته تعزى هكذا: "الرب أعطى، الرب أخذ. مبارك اسم الرب! عريانًا خرجت من رحم أمي، وعريانًا أعود إلى التراب" (راجع أي 1: 21). تحول من إنسانٍ ثريٍ إلى فقيرٍ، فقد ممتلكاته مع أبنائه، وتحطم تحت ثقل العوز، والسلب. أخيرًا بلغ قمة البؤس وضُرب بالقروح عديمة الشفاء بالنسبة للإنسان، لكن يُمكن شفاؤها بواسطة الله. ما يعجز الدواء البشري عن تقديم الشفاء يمكن للصبر والإيمان أن يشفياه[35].
* هل لا تجدين ملبسًا؟ ضعي الزنابق أمام عينيكِ. هل لحق بكِ جوع؟ تذكري الكلمات التي يُطوب بها المساكين والجائعون. هل أصابكِ ألم؟ لتقرأي: "لذلك أسر بالضعفات"، و"لئلا ارتفع بفرط الإعلانات، أُعطيت شوكة في الجسد، ملاك الشيطان ليلطمني لئلا ارتفع" (2 كو 12: 7، 10). افرحي بأحكام الله؛ ألم يقل المرتل: "ابتهجت بنات يهوذا من أجل أحكامك يا رب" (مز 97: 8)[36].
* يُقال لنا إن بنات يهوذا ابتهجن من أجل كل أحكام الرب. لذلك فإنه إذ "يهوذا" معناها "اعتراف"، وإذ كل نفسٍ مؤمنة تعترف بإيمانها، فإن ذاك الذي يدعي أنه يؤمن بالمسيح يلزمه أن يفرح بكل أحكام المسيح[37].
القديس جيروم
لأَنَّكَ أَنْتَ يَا رَبُّ عَلِيٌّ عَلَى كُلِّ الأَرْضِ.
عَلَوْتَ جِدًّا عَلَى كُلِّ الآلِهَةِ [9].
يرى القديس أغسطينوس أن صهيون فرحت وبنات صهيون ابتهجن، لأنه وإن كانت الأمم لم تتمتع بالنبوات، لكنها اكتشفت أن السيد المسيح عالٍ، واحد ومساوي للآب. إنه ليس عالٍ فوق الأصنام فحسب، بل وفوق الأبرار. هذا لا يكفي، وإنما هو عالي فوق الملائكة أيضًا.
تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
[FONT=""]8. التهليل والحياة المقدسة[/FONT]

يَا مُحِبِّي الرَّبِّ أَبْغِضُوا الشَّرَّ.
هُوَ حَافِظٌ نُفُوسَ أَتْقِيَائِهِ.
مِنْ يَدِ الأَشْرَارِ يُنْقِذُهُمْ [10].
أفسدت الخطية حياتنا، وحول الشر أعماقنا كما إلى جحيمٍ لا يُطاق. صرنا عبيدًا للشر، وقد جاء المخلص يمرر الخطية في أفواهنا، فنبغضها. يشرق بنور برَّه فينا، فنفرح ونتهلل. يقيم مقدسه في داخلنا، فتتحول حياتنا إلى حمدٍ لا ينقطع.
* لا يستحق المسيح أن تحبوا الطمع بجانب حبكم له. إنكم تحبون المسيح، ابغضوا ما يبغضه هو...
أنصتوا، أنتم تحبون المسيح، والطمع عدو المسيح، فلماذا تتكلمون مع الطمع؟ لست أقول لماذا تتكلمون معه، بل ولماذا تخدمونه؟ فإن المسيح يوصيكم أن تفعلوا أشياء كثيرة، وأنتم لا تفعلونها. الطمع يوصيكم بشيءٍ، وأنتم تفعلونه[38].
القديس أغسطينوس
* "يا محبي الرب أبغضوا الشر". لا يمكن أن يوجد نوعان متناقضان من الحب في إنسانٍ واحدٍ. كما أنه لا يوجد اتفاق بين المسيح وبليعال، وبين العدل والظلم (راجع 2 كو 6: 14-15)، هكذا من المستحيل على النفس الواحدة أن تحب الخير والشر. يا محبي الرب، أبغضوا الشر، الشيطان؛ في كل عملٍ يوجد حب لواحدٍ وبغضة للآخر. "الذي عنده وصاياي ويحفظها، فهو الذي يحبني" (يو 14: 21). ومن الجانب الآخر، ماذا يُقال عن الشيطان؟ "بحسد إبليس دخل الموت إلى العالم، وتبعه الذين يؤيدونه" (حك 2: 24). بأسلوب بسيط: يا من تحبون الأمور الصالحة ابغضوا الأمور الشريرة. لا تستطيعون أن تحبوا الصلاح ما لم تبغضوا الشر[39].
* "هو حافظ نفوس أتقيائه". يا لها من نتيجة رائعة! من يحب الصلاح ويبغض الشر، ماذا يستحق من قبل الرب سوى حفظه له؟ "من يد الأشرار ينقذهم". هنا يثور السؤال: إن كان الرب يحفظ نفوس أتقيائه وينقذهم من يد الأشرار، فكيف يهلك الشهداء في الاضطهاد؟ كيف حكم نيرون الظالم بالموت على بطرس وبولس في يومٍ واحدٍ، إن كان الرب يحفظ نفوس أتقيائه؟ لتصغوا بانتباه الآن. فإن الرب يحفظ نفوس أتقيائه؛ يقول نفوس، وليس أجساد. "لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد، ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها. بل خافوا بالحري من الذي يقدر أن يهلك النفس والجسد كليهما في جهنم" (مت 10: 28)... أقول إنه في الاستشهاد يُسفك الدم لكي تخلص النفس من التجارب، لكي تهجر فترة الحياة القصيرة وتدخل الأبدية؛ تترك الاضطهاد خلفها، وتسرع إلى ربنا يسوع المسيح لتتويجها[40].
القديس جيروم
* يبدو غريبًا أن نجد البغضة ضمن قائمة الفضائل، لكنها توضع هنا بواسطة الرسول (رو 12: 9) عن ضرورة. لا يشك أحد أن للنفس مشاعر بغضة في داخلها، بها تكره الخطية (مز 97: 10؛ أم 8: 13؛ عا 5: 15) فإنه ما لم يبغض الإنسان الشر لا يقدر أن يحب ولا أن يقتني الفضائل. كمثال إن كان أحد يود أن يحفظ الطهارة لا يقدر أن يحتفظ بها في آمان ما لم يكره الفساد ويحتقره[41].
العلامة أوريجينوس
* قال شيخ: حياة الراهب وسلوكه يكونان هكذا: الطاعة، الهذيذ، عدم الدينونة، عدم تشويه سُمعة أحد، عدم التذمُّر، ففي الحقيقة مكتوب: "يا محبِّي الرب ابغضوا الشر" (مز 97: 10). حياة الراهب هي: عدم أخذ شيء من الإثم، عدم النظر إلى ما هو شرير، عدم التدخُّل في كل شيءٍ، عدم الإصغاء إلى الكلام غير اللائق، عدم السرقة بل بالحري العطاء، ألاّ يكون منتفخًا في قلبه، ألاّ تكون له أفكار زنى، ألاّ يكون جشعًا، ألاّ يملأ بطنه، أن يفعل كل شيء بإفراز. مِنْ كل هذه الأمور يُعرَف الراهب.
فردوس الآباء
نُورٌ قَدْ زُرِعَ لِلصِّدِّيقِ،
فَرَحٌ لِلْمُسْتَقِيمِي الْقَلْبِ [11].
يظن الأشرار في ممارستهم للشر أنهم يتمتعون بالحياة السعيدة والبهجة والفرح، وكأنهم يقتنون النور. ولا يدركون أنهم في الحقيقة يفقدون بالشر النور والسعادة.
* أي نور تخشون أنكم تفقدونه (بالحياة المقدسة)؟ ألا تخشون أنكم تصيرون في الظلمة؟ ألا تخشون أنكم تفقدون النور؟ بلى لتخشوا لئلا وأنتم تخشون فقدان هذا النور تفقدون النور الحقيقي[42].
القديس أغسطينوس
افْرَحُوا أَيُّهَا الصِّدِّيقُونَ بِالرَّبِّ،
وَاحْمَدُوا ذِكْرَ قُدْسِهِ [12].
* يليق بنا أن نفرح فقط مع أولئك الذين نراهم يمارسون عملًا يستحق تسجيله في السماء، سواء كان عمل برٍّ، أو عمل محبة أو عمل رحمة... هكذا متى رأينا الناس يتحولون عن الخطأ، ويتركون ظلمة الجهل وراءهم، ويأتون إلى نور الحق وغفران الخطايا، يلزمنا أن نفرح معهم (مز 13: 5-6؛ 40: 16؛ 68: 3)... بنفس الكيفية "بكاء مع الباكين" يلزمنا ألا نبكي مع الذين يحزنون على ميتهم أو على خسائر هذا العالم... فلا تلتصق دموعنا بدموعهم، بل بالحري نبكي مع ذاك الذي يبكي على خطاياه، هذا الذي بعدما يفعل خطأ يرجع إلى التوبة ويغسل خطأه بدموعه. يليق بنا أن نبكي مع من يتنهد ليجد نفسه في هذا الوضع، ويطلب العودة إلى المسيح، وتتعزى رغبته المقدسة بسكب الدموع[43].
العلامة أوريجينوس

في النهاية يدعونا المرتل أن نفرح ونتهلل، لا بمباهج العالم، بل بالرب، والتسبيح له.
يقول القديس أغسطينوس أن الذين يبتهجون بأمور العالم يفرحون في الربيع حيث الثمار الكثيرة ومباهج العالم، أما من يبتهج بالرب، فلا يعرف فصلًا معينًا من فصول السنة، بل يفرح على الدوام.
* الفرح الذي بحسب شكل العالم ليس فرحًا حقيقيًا. اسمعوا النبي إشعياء: "ليس سلام قال إلهي للأشرار" (إش 57: 21)[44].
القديس أغسطينوس
تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
من وحي مز 97

جسدي ونفسي تسبحانك

يا ملك الملوك!


* لتملك يا رب على أعماقي كما على جسدي.
بقيامتك أعلنت ملكوتك.
إنك قد حررت جسدي الذي أسره ملك الظلمة.
عدت بكل كياني إلى مملكتك.
ليتهلل جسدي مع نفسي بك.
* صرتُ كجزيرة تلطمني أمواج الضيقات من كل جانب.
لكنك مادمت حالًا فيّ،
أية تجارب يمكن أن تقتحمني،
وأي عدو يقدر أن يحطمني؟
* بقيامتك سكن برَّك في جسدي كما في نفسي.
قتلت الموت الذي قتل حياتي.
أزلت العمى الذي حلّ ببصيرتي.
حللت يا حكمة الآب فيّ،
وجعلت مني كرسيًا وعرشًا لك!
لم يعد السحاب والضباب
قادران أن يحجبانك عن بصيرتي.
لك المجد يا من أنرت عيني،
فأراك وأتهلل بجلالك!
تقيم مني سحابة منيرة وسريعة،
تحملك كما حملتك والدتك إلى أرض مصر!
أحملك يا نور العالم إلى إخوتي،
ليستنيروا معي بك.
* لست أخشى النار التي تسير قدامك.
فإنها تحرق شروري ورذائلي لكي تقدسني لك.
إنك نار حب عجيبة.
بنارك تجتذب القلوب إليك،
فهي تطهر وتقدس إلى التمام.
* لتلهب قلبي بنار روحك القدوس.
فلن تستريح نفسي حتى يستريح الكل فيك.
ويتمتع الكل بنار حبك!
* بعثت برسلك كالسحب التي تبدو كأنها بلا قوة.
اخترت جهال العالم الذين بلا حكمة بشرية.
صدرت عنهم بروق بهية،
أضاءت المسكونة كلها.
كانوا سخرية العالم،
لكنهم صاروا كواكب منيرة في وسط عالم معوج ومظلم.
ها أنا بين يديك،
اعترف لك بجهلي وضعفي،
أرشدني: ماذا تريد يا رب أن أفعل؟
* هوذا كنيستك الحقيقية صارت سماءً ثانية،
إنها تخبر ببرّك، وتعلن مجدك.
متى يصير العالم كله سماءً مقدسة؟!
لترعد وتبرق يا رب خلال أنبيائك ورسلك ومؤمنيك.
فيختبر غير المؤمنين نورك الإلهي وغني نعمتك الفائقة!
* إذ تسمع صهيون الحقيقية عن قبول الأمم للإيمان تفرح،
وإذ تدرك بنات يهوذا أحكامك تبتهج بخلاص العالم.
هب لي روح والبهجة، إذ أسمع عن قبول الكل لك،
وتمتع الجميع بخلاصك.
  رد مع اقتباس
قديم 18 - 02 - 2014, 04:32 PM   رقم المشاركة : ( 99 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,346

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب

مزمور 98 (97 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير
تسبحة جديدة للخلاص والدينونة


يرى القديس جيروم أن هذا المزمور هو دعوة لتقديم تسبحة جديدة، لأن قصة ابن الله المصلوب هي تسبحة جديدة لم يُسمع عنها من قبل، أو لم تُدرك من قبل كما يليق بها. يقترب هذا المزمور من المزمور 96 ليس فقط من جهة روحه ومفاهيمه بل وأيضًا بعض عبارته.
يهتف هذا المزمور مثل المزمورين السابقين (96، 97) للرب كملك المسكونة، يقدم المزمور كله حمدًا لله. يفيض كله بالفرح والبهجة.
يرى بعض الدارسين أنه مزمور خاص بالعودة من السبي، لكنه هو مزمور يُقدم عن كل أعمال الله الخلاصية وأعماله العجيبة من أجل كنيسته المحبوبة لديه.

1. حث على حمد الرب
1-3.
2. هتاف الأرض كلها
4-6.
3. شركة الطبيعة في الهتاف
7-9.
من وحي مز 98
تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
1. حث على حمد الرب

رَنِّمُوا لِلرَّبِّ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً،
لأَنَّهُ صَنَعَ عَجَائِبَ.
خَلَّصَتْهُ يَمِينُهُ وَذِرَاعُ قُدْسِهِ [1].
يليق بنا إذ نتمتع بعمل المسيح الخلاصي الذي لن يشيخ، فنقدم دومًا تسبحة جديدة بقلب جديد وفكر متجدد.
أعمال الله العجيبة الدائمة تبعث فينا فرحًا داخليًا، كأنه جديد، وبهجة مستمرة، فنردد مع إرميا النبي: "لأن مراحمه لا تزول، هي جديدة في كل صباحٍ" (مرا 3: 2-23).
* "رنموا للرب ترنيمة جديدة". الاسم الجديد يستحق ترنيمة جديدة. هذا الفكر جوهري لما يقوله الكتاب المقدس في موضع آخر: "تُسمين باسم جديد" (إش 62: 2) الاسم الجديد يليق بترنيمةٍ جديدةٍ. جاء في سفر الرؤيا: "من يغلب، فسأعطيه حصاة بيضاء، وعلى الحصاة اسم جديد مكتوب" (رؤ 2: 17؛ 3: 12). الاسم الجديد هو الخاص بالمسيحيين...
لماذا يليق به ترنيمة جديدة؟ "إنه صنع عجائب". صنع عجائب بين اليهود: شفى مفلوجين، وطهر برص، وأقام موتى إلى الحياة... أي شيء جديد يصنعه يليق به ترنيمة جديد؟ أتريدون أن تعرفوا ماذا فعل من جديد؟ مات الله مثل إنسانٍ لكي يحيا البشر. صُلب ابن الله، لكي يرفعنا إلى السماء... مع أنه كان في شكل الله قبل أن يصير في شكل إنسان، فعل هذا لينقص لكي به نحن نزداد.
"خلصته يمينه". هذا معناه أنه خلص البشرية صنعته، وليس من صنع آخر. بمعنى آخر، ما قد صنعه بنفسه خلصه لنفسه. لقد صنع الإنسان للحياة الأبدية، الإنسان الذي هلك خلال رذيلته، مات لكي بيمينه يحفظ الإنسان لنفسه.
"يمينه" في هذه العبارة ترمز لسلطانه، و"ذراعه" رمز لقوته...
لأن هذا المزمور يتحدث عن المسيح، فإن يمين الرب وذراعه يمثلان سلطانه[1].
القديس جيروم
* "رنموا للرب ترنيمة جديدة" الإنسان الجديد يعرف ذلك، أما العتيق فلا يعرفه. الإنسان العتيق هو الحياة العتيقة، والإنسان الجديد هو الحياة الجديدة. الحياة العتيقة مستمدة من آدم، والحياة الجديدة تتشكل في المسيح[2].
* ما هي ذراع الرب المقدسة؟ ربنا يسوع المسيح. اسمعوا إشعياء: "من صدق خبرنا، ولمن ُاستعلنت ذراع الرب؟" (إش 53: 1). ذراعه المقدسة ويمينه إنما هو نفسه. ربنا يسوع المسيح هو ذراع الله ويمينه[3].
* هذه اليمين عينها، هذا الذراع عينه، هذا الخلاص بعينه هو ربنا يسوع المسيح الذي يُقال عنه: "ويبصر كل بشرٍ خلاص الله" (لو 3: 6). عنه أيضًا سمعان الذي احتضن الطفل قال: "الآن تطلق عبدك يا سيد حسب قولك بسلام، لأن عيني قد أبصرتا خلاصك" (لو 2: 29-30)... لمن أعلن خلاصه؟ هل إلى جزء أم إلى الكل؟ ليس إلى جزءٍ على وجه الخصوص. ليته لا يضلل أحد، لا يقل أحد: "هوذا المسيح هنا أو هناك" (مت 24: 23)... اسمعوا ماذا تبع ذلك: "لعيون الأمم كشف برّه"[4].
القديس أغسطينوس
أَعْلَنَ الرَّبُّ خَلاَصَهُ.
لِعُيُونِ الأُمَمِ كَشَفَ بِرَّهُ [2].
الله ديان الأرض كلها عادل وبار، وهو محب للبشرية يطلب خلاصها لا هلاكها، لهذا يعلن خلاصه وبرّه لعيون الأمم.
* "أعلن الرب خلاصه". لم يقل المرتل: "أظهر"، إنما قال "أعلن". فالنقطة هنا هي أن الجنس البشري قد عرف الله، لكن بسبب رذيلته نسي أنه عرفه. جاء الله بإرادته، وأعلن للإنسان ما قد فقده. فالعبارة هنا تقول: ذاك الذي عرفه آدم، وعرفه شيث، ودعاه نوح وصار رجاؤه فيه، عرفه نوح، لكن بعد ذلك نسيه الجنس البشري، فجاء لكي يعلنه من جديد[5].
القديس جيروم
ذَكَرَ رَحْمَتَهُ وَأَمَانَتَهُ لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ.
رَأَتْ كُلُّ أَقَاصِي الأَرْضِ خَلاَصَ إِلَهِنَا [3].
الله أمين في وعوده، رحوم ليس لبيت إسرائيل فحسب، بل ولكل البشرية.
* من هو إسرائيل؟ لئلا تظنوا أنه يفكر في أمةٍ واحدةٍ لليهود، اسمعوا ما تلي ذلك: "رأت كل أقاصي الأرض خلاص إلهنا". لم يقل "كل الأرض"، وإنما "كل أقاصي الأرض"، من أقاصيها إلى أقاصيها. ليته لا يحطم أحد هذا، ليته لا يشتت أحد هذا، عظيمة هي وحدة المسيح. الذي دفع ثمنًا عظيمًا كهذا اشترى الكل: "كل أقاصي الأرض"[6].
القديس أغسطينوس
* "أغلق على الجميع معًا في العصيان (عدم الإيمان) لكي يرحم الجميع" (رو 11: 32). "وأمانته لبيت إسرائيل". يذكر وعده بالرحمة، يبقى أمينًا. "ذكر رحمته" نحو شعوب كل الأمم... بعمله هذا حقق وعده للبطاركة.
"رأت كل أقاصي الأرض خلاص إلهنا"، ليس فقط إسرائيل واليهودية، بل كل الأراضي ترى خلاصه.
عبارة "أقاصي الأرض" تحمل معنى يرّيًا. فإننا مادمنا في وسط العالم، لا نستطيع أن نرى الله، لكننا إذ نترك العالم كمن يبلغ الأعالي عندئذ نتأهل لرؤية الله[7].
القديس جيروم
تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
2. هتاف الأرض كلها

اِهْتِفِي لِلرَّبِّ يَا كُلَّ الأَرْضِ.
اهْتِفُوا وَرَنِّمُوا وَغَنُّوا [4].
* "اهتفي لله يا كل الأرض". ليس اليهودية وحدها، بل كل الأرض، تهتف للرب. أجلبي كل شعارات الجيش المنتصر... رنمي بكل كيانك. ليت يدكِ ترنم بالعطاء، وقدميك بالإسراع نحو العمل الصالح[8].
القديس جيروم
رَنِّمُوا لِلرَّبِّ بِعُودٍ.
بِعُودٍ وَصَوْتِ نَشِيدٍ [5].
يرى القديس جيروم أن المؤمن أشبه بعودٍ أو قيثارةٍ تعزف لحنًا يسبح الله، إن فسد وتر واحد من العود أو انكسر لا يعطي العود لحنًا جميلًا!
* "رنموا للرب بعودٍ". لتعطِ كل الأوتار صوتًا. فإن توقف وتر واحد، لا يكون ذلك عودًا. ماذا يفيدك إن كنت طاهرًا، وفي نفس الوقت طماعًا. ماذا يفيدك إن كنت طاهرًا وسخيًا في العطاء، ولكن في نفس الوقت حاسدًا؟ ماذا يفيدك إن كان لك ستة أوتار صالحة، ووتر واحد مكسور؟ فإنه إن كان وتر واحد مكسورًا، فلا يمكن أن تكون القيثارة كاملة في إصدار صوتها[9].
القديس جيروم
* احمدوه ليس بالصوت وحده، وإنما بالأعمال أيضًا. سبحوه واعملوا، اصنعوا لحنًا بالعود والقيثارة[10].
القديس أغسطينوس
بِالأَبْوَاقِ وَصَوْتِ الصُّورِ،
اهْتِفُوا قُدَّامَ الْمَلِكِ الرَّبِّ [6].
يربط القديس أمبروسيوس التسبيح لله باستخدام الأبواق (مز 98: 6) التي كانت تستخدم من قرون الحيوانات، وبين الحيوانات الطاهرة التي لها قرون (تث 14: 4). فإن الإنسان الطاهر يستخدم الأبواق، كما لو كان له قرون، ليعلن النصرة في معركته ضد إبليس، وتحرره من عبودية العدو ونيرها الثقيل[11].
* "بالأبواق وصوت الصور". نقرأ في سفر العدد (أصحاح 10) عن وجود نوعين من الأبواق: واحد طويل من الفضة، والآخر بوق من القرن. كلاهما مذكوران في هذه العبارة... اسمعوا ماذا يرمزان. البوق الفضي الطويل هو كلمة الله. "كلام الرب كلام نقي كفضةٍ مصفاة ممحوصة سبع مرات" (راجع مز 12: 6). ومن الجانب الآخر فإن صوت القرن يمثل إنسان الله في كل سلطانة. في الكتاب المقدس يعني القرن حسنًا الملوكية والسلطان، كما هو مكتوب: "أقام لنا قرن خلاصنا" (لو 1: 69)... انظروا إذن ماذا يعني المرتل هنا؟ ليكن لكم بوقان: الفضي للكلام، والقرن للقوة[12].
القديس جيروم
* الأبواق المسحوبة هي من النحاس، تُسحب خلال الطَرْق بالمطرقة... كان أيوب بوقًا مطروقًا، عندما هوجم فجأة بخسائر ثقيلة، وبموت أبنائه. صار مثل بوق مسحوبٍ بضربة بمتاعبٍ ثقيلة هكذا، فقال: "الرب أعطى، الرب أخذ، فليكن اسم الرب مباركًا" (أي 1: 21)... يا له من صوتٍ شجاعٍ! يا له من صوتٍ حلو! من لا ينقذه هذا الصوت من النوم، كي يسير في معركة ضد الشيطان بدون خوفٍ، لا ليقاوم بقوته، بل بذاك الذي يزكيه...
أجسر فأقول يا إخوتي لأن الرسول ضُرب بذات المطرقة، إذ يقول: "ُأعطيت شوكة في الجسد، ملاك الشيطان ليلطمني" (2 كو 12: 7). انظروا إنه تحت المطرقة. لنسمع ماذا يقول عنها: "من جهة هذا تضرعت إلى الرب ثلاث مرات أن يفارقني، فقال لي: "تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تُكمل" (2 كو 12: 8-9)...
ما هو صوت الصور؟ يرتفع القرن (الصور) فوق الجسد، يرفعه أعلى الجسد يكون قويًا وقادرًا أن يتكلم. إنه يتعدى الجسد. من يريد أن يكون بوقًا من القرن فليغلب الجسد... يتعدى الشهوات، يغلب شهوات الجسد. اسمعوا أبواق الجسد، لا تطلبوا الأمور الجسدية[13].
القديس أغسطينوس
* صوت مثل هؤلاء الناس هو "بالأبواق وصوت الصور". الأبواق آلات من نحاس طويلة وممتدة بضربها. الآن متى تكون ممتدة؟ إن كنا عندما نحتمل اضطهادًا من أناسٍ أشرارٍ، نقبل ذلك بصبرٍ دون تذمر على تدبير الله. عندما نهاجم نصير أبواقًا طويلة ممتدة تسبح الله. إن كنا نتقدم في الكمال تصير الكارثة هي ضربة، والتقدم امتدادًا. كان الطوباوي أيوب بوقًا عندما لم يتذمر بأي شكل على الرب، مع أنه ضُرب بآلام كثيرة بواسطة الشيطان، حتى عندما تألم بفقدانه أبنائه. بضربه بكارثة عظيمة كهذه صار بوقًا[14].
الأب قصريوس أسقف آرل
تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
3. شركة الطبيعة في الهتاف

لِيَعِجَّ الْبَحْرُ وَمِلْؤُهُ،
الْمَسْكُونَةُ وَالسَّاكِنُونَ فِيهَا [7].
إن كنا مدعوين كمؤمنين أن نصير خورس لتسبيح الرب مع السمائيين، فإن الطبيعة من بحار وأنهار وجبال الخ.، مدعوة أيضًا أن تشترك معنا كخورس في تسبيح خالقها. ابتدأ بإسرائيل [1-3]، ثم ضم كل الأرض [4-6]، وأخيرًا دعا كل الخليقة للترنم [7-8].
* ليعج البحر، ولتتحول المياه المالحة إلى حلوة. ففي الحقيقة تحولت مارة وصار لها طعم عذب. ليس شيء حوّل ذلك الماء المر إلى العذوبة سوى خشبة الصليب التي سقطت فيها. هذا ما تعنيه مارة: مر. هذا الماء المر الذي للعهد القديم تقبَّل خشبة الصليب فصار حلوًا (خر 15: 25)[15].
* ليعج البحر، لقد أشرنا أن هذا يشير إلى ناموس موسى. لتصفق الأنهار بالأيادي، أي الأنبياء. لترنم الجبال معًا في حضرة الرب، أي الرسل[16].
القديس جيروم
* أيها الإخوة حينما كرز الرسل مثل أبواق مسحوبة وقرونٍ، ثار البحر وارتفعت الأمواج، وتزايدت التجارب، ووُجدت الاضطهادات لها موضع ضد الكنيسة. عن أين ثار البحر؟ عندما ظهر الهتاف المفرح، وقُدمت مزامير الشكر أمام الله، فسُر الله، لذلك ثار أمواج البحر. "ليعج البحر وملؤه، المسكونة والساكنون فيها"[17].
القديس أغسطينوس
الأَنْهَارُ لِتُصَفِّقْ بِالأَيَادِي،
الْجِبَالُ لِتُرَنِّمْ مَعًا [8].
في تعليق القديس يوحنا الذهبي الفم على قول الرسول: "لأن انتظار الخليقة يتوقع استعلان أبناء الله" (رو 8: 19) يقول: [مثال بولس أكثر حسمًا، إذ يشخصن الخليقة بالطريقة التي فعلها الأنبياء عندما تحدثوا عن الأنهار أنها تصفق بأياديها وهكذا[18].]
* الأنهار التي شربت من الينبوع: يسوع! لقد تركوني أنا ينبوع المياه الحية (إر 2: 13). هذه هي الأنهار التي تفيض من ينبوع المسيح. هو الينبوع، ونحن الأنهار، إن كنا بالحق نستحق أن نكون أنهارًا. المسيح هو الينبوع، والقديسون هم الأنهار، والأقل في القداسة هم نهيرات صغيرة، آخرون هم مجاري صغيرة... لا يوجد نهر واحد، بل أنهار كثيرة، إذ يوجد قديسون كثيرون... ليتهم يصفقون بالأيادي: عمل القديسين هو التسبيح لله. المسيح لا يُسبح بالكلام بل بالعمل. لا يطلب صوتًا بل عملًا[19].
القديس جيروم
* صفقت تلك الأنهار بالأيادي، فرحت الأنهار بالأعمال وباركت الله[20].
* يقصد بالتلال العظماء. يأتي الرب ويدين الأرض، فيفرح العظماء. لكن توجد تلال ترتعب عندما يأتي الرب ليدين العالم. توجد تلال صالحة وتلال شريرة التلال الصالحة هي العظيمة الروحية، والتلال الشريرة هي عجرفة الكبرياء[21].
القديس أغسطينوس
* لا نستخدم فقط الكلمات، بل والأعمال، فليس فقط نسبح وإنما أيضًا نعمل بأيدينا. إن كان إنسان يسبح ويعمل، فهو يسبح بالسنطور (آلة تشبه القانون) والقيثارة. من يسبح بالنسطور يغني بكلمات إلهية من السماء، وأما من يعمل بيديه، فيتمم أعمالًا بشرية. مدّ يدك وأعطِ الفقير، ألبس العريان، واستقبل الغريب في ضيافة. على أي الأحوال، إذ تفعل هذا فأنت تفعله بتقوى وفرحٍ[22].
الأب قيصريوس أسقف آرل
* سيجتمع حشد عظيم ليُشاهدوك وأنت تقاتل مدعوًا للاستشهاد. (مثل القول بتجمع الألوف لمشاهدة نزاع يتنافس فيه متبارون من ذوي السمعة البارزة).
فإذا خضت المعركة، فلتقل مع بولس: "صرنا منظرًا للعالم، للملائكة والناس" (1 كو9:4). فكل العالم، كل الملائكة إلى اليمين وإلى اليسار، كل الناس، بمن فيهم من هم في جانب الله (تث 29:32؛ كو 12:1)، والآخرون كلهم سينصتون إلينا ونحن نكافح من أجل مسيحيتنا.
فإما أن تبتهج بنا ملائكة السماء، وتصفق الأنهار بالأيدي، وتفرح الجبال، وتصفق كل أشجار الوادي بأغصانها (مز 8:97؛ إش 12:55LXX)، أو الله لا يسمح أن تغمر الفرحة الخبيثة العالم السفلي ابتهاجًا بسقوطنا[23].
العلامة أوريجينوس
أَمَامَ الرَّبِّ لأَنَّهُ جَاءَ لِيَدِينَ الأَرْضَ.
يَدِينُ الْمَسْكُونَةَ بِالْعَدْلِ
وَالشُّعُوبَ بِالاِسْتِقَامَةِ [9].
* وضع العدل أولًا، وبعد ذلك الاستقامة... إنه يأتي ليدين بعدله حتى يرد الارتباك إلى التدبير الحسن[24].
القديس جيروم
* ليصلحوا من طرقهم ويفرحوا. إنه في سلطانكم أن تختاروا بأية طريقة تنتظروا مجيء المسيح، ولهذا فهو يؤخر مجيئه، حتى متى جاء لا يدين أحدًا. هوذا لم يأتِ بعد. إنه في السماء، وأنتم على الأرض. إنه يؤخر مجيئه، لا تؤجلوا الحكمة. مجيئه قاسي بالنسبة لقساة القلوب، ولطيفًا للأتقياء[25].
القديس أغسطينوس
تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
من وحي مز 98

ضمني إلى خورس المسبحين


* عجيب أنت أيها الخالق المحب لكل خليقتك!
تدعو الكل كخورسٍ واحدٍ للتسبيح.
لست محتاجًا إلى تسبيحنا ولا إلى خدمتنا،
لكنك ينبوع الفرح والبهجة.
تشتاق أن تنضم الأرض كلها إلى السماء.
ويصير الكل خورس تسبيح مملوء هتافًا وفرحًا.
* هب لي أن أنضم إلى خورس المسبحين.
فلا أعرف سوى الهتاف والتصفيق بالأيدي.
أسبحك بقلبي وفكري وكل عواطفي.
ينطق فمي بكلمات التهليل،
وتتقدس شفتاي بتسبيحك!
وتمارس يداي عمل الخير،
أسبحك لا بالعواطف والكلام فحسب،
بل وبتصرفاتي وسلوكي.
كل كياني يهلل لك!
* ليعمل روحك القدوس فيَّ كما في قيثارة.
يضرب على كل أوتاري.
تتقدس عواطفي مع قلبي وفكري.
وتتقدس كلماتي مع أعمالي.
وأقدم بالحق سيمفونية حب هي من عمل روحك الناري!
* ليعج البحر بالتسبيح لك،
إذ تتحول مياهه المالحة إلى مياهٍ عذبة،
حين تعمل خشبة الصليب فيه.
تحول ملوحة حرفية الناموس إلى عذوبة الروح!
ولتصفق الأنهار بالأيادي.
إذ تسبحك أعمالنا وتمجدك مع ألسنتنا.
ولترنم أيضًا معًا الجبال.
حين نرتفع كما إلى الأعالي، ونشهد لبهائك!
هب لي أنا الضعيف نصيبًا أن أسبحك بكل كياني!
* هب لي يا رب أن أرنم لك بالأبواق وصوت الصور.
أقمت من أيوب بوقًا معدنيًا،
سمحت له أن يُضرب بمطرقة التجارب،
فترنم لك بتسبحة عذبة:
الرب أعطى، الرب أخذ،
فليكن اسم الرب مباركًا.
جعلته بوقًا عجيبًا في العهد القديم.
لنسمع أيضًا بوق العهد الجديد: معلمنا بولس.
طرقته بشوكة في الجسد.
صرخ إليك، وإذ قبل التجربة برضا.
صار بوقًا عاليًا، لا يزال صوته يدوي في أذان قلوبنا.
* هب لي أن أصير أيضًا بوقًا من القرن.
ليكن لي قرنًا فوق جسدي.
فلا أنحني لشهوات الجسد،
ولا أطلب الجسديات.
تهبني بروح القوة أن اسلك بالروح لا بالجسد.
فأحيا بروح القوة،
وأتمتع بالنصرة بعمل روحك الناري فيّ.
  رد مع اقتباس
قديم 18 - 02 - 2014, 04:33 PM   رقم المشاركة : ( 100 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,346

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب

مزمور 99 (98 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير
سمو الله الملوكي وقداسته


يحمل هذا المزمور وضعًا مختصرًا لمُلك ربنا وسموه ونصرته.
جاءت ثلاثة مزامير بالافتتاحية "الرب قد ملك"، لكن التكملة مختلفة.
ففي المزمور 96: "الرب قد ملك. لبس الجلال".
وفي المزمور 97: "الرب قد ملك، فلتبتهج الأرض".
وفي هذا المزمور: "الرب قد ملك. ترتعد الشعوب".
يرى القديس جيروم أنه جاء في المزمور 96: الرب قد ملك، لبس الجلال. الجلال هنا يشير إلى سمو الآباء بالبطاركة والأنبياء وإيمان الشعب. وهم ثوب المسيح المتمنطق به، المملوء بهاءً كما جاء في (إر 13: 11).
* ألا تعرفون أن القديسين هم منطقة الله وثوبه؟ الله نفسه يقول في إرميا: "لأنه كما تلتصق المنطقة بحقوي الإنسان هكذا ألصقت بنفسي شعبي" (راجع إر 13: 11).
شعب الله هم ملتصقون به، كما تلتصق ثياب الإنسان بجسده.
ولكن لأن هذه المنطقة السامية التي التحف بها الرب طُرحت على الجانب الآخر من الفرات، وُألقيت في شق في صخرة وفسدت (إر 13: 4-12)، أُخذت إلى السبي بواسطة الأشوريين، فماذا يفعل الرب؟
إنه لا يكون عاريًا، لا يمكن أن يبقى بدون منطقة، لا يمكن أن يبقى بدون غطاء. فإذ فُقد شعبه الأول جعل لنفسه ثوبًا من الأمم[1].
القديس جيروم
وجاء في المزمور 97: "الرب قد ملك، فلتبتهج الأرض".
* لتبتهج الأرض، العالم كله، بالذين يؤمنون.أتريدون تأكيدًا من الكتاب المقدس أن الأمم هم مثل منطقة؟ أنه يقول: "الرب قد ملك، فلتبتهج الأرض، ولتفرح الجزائر الكثيرة" (مز 97: 1). ليست جزيرة واحدة، اليهودية، بل جزائر كثيرة، بمعنى آخر، كل العالم[2].
القديس جيروم
* خطتنا الآن الكاملة، عندما نسمع مزمورًا كتبه نبي أو الناموس قبل مجيء ربنا يسوع المسيح في الجسد، نرى المسيح فيه، ونفهم المسيح.
لتصغوا معي إلى هذا المزمور، ولنبحث عن المسيح الذي ظهر أولًا للذين لم يبحثوا عنه، والذي خلص الذين تجاهلوه.
انظروا إلى المزمور الذي يبدأ عن المسيح، وعنه يقول: "الرب هو ملك، لتغضب الشعوب"[3].
القديس أغسطينوس

1. الرب قد ملك
1-4.
2. السجود له
5-6.
3. قداسته وحبه
7-9.
من وحي مز 99
تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
1. الرب قد ملك

اَلرَّبُّ قَدْ مَلَكَ.
تَرْتَعِدُ الشُّعُوبُ.
هُوَ جَالِسٌ عَلَى الْكَرُوبِيمِ.
تَتَزَلْزَلُ الأَرْضُ [1].
إذ يملك الرب ترتعب الشعوب من الجالس على الكاروبيم ليدينهم، أما الذين صاروا أبناء الله فيتهللون بمجيئه.
في تشامخ يظن البعض أنهم كالجبال العظيمة أو المحيطات العميقة، لكنهم أمام الرب يرتعبون، لا لكي يتحطموا، وإنما يتحطم إنسانهم القديم، ويتهلل إنسانهم الجديد.
كلمة "شروب" أو "كروب" في العبرية تعني معرفة.
فالله يجلس على كرسيه أو الكاروبيم. ونحن إن أردنا أن تكون نفوسنا عرشًا أو كرسيًا لله، يلزم أن تكون نفوسنا مملوءة بالمعرفة الروحية الحقيقية أو الحكمة السماوية. ويرى القديس أغسطينوس أنه إن وُجد الحب في القلب يتم كمال الناموس (رو 13: 10) ويسكن الله فيه.
* بدأ ربنا يسوع المسيح يملك، بدأ يُكرز به، بعد أن قام من الأموات وصعد إلى السماء، بعد أن ملأ تلاميذه بالثقة في الروح القدس ألا يخافوا من الموت، الذي قتله فيه فعلًا.
بدأت الكرازة بربنا يسوع حتى أن الذين يرغبون في الخلاص يلزمهم أن يؤمنوا به. والشعوب التي عبدت الأصنام غضبت...
لقد غضبوا من ربهم لحساب أصنامهم، هؤلاء الذين وإن كانوا يغضبون من عبيدهم لحساب أصنامهم يُدانون. لأن عبيدهم أفضل من أصنامهم. لأن الله خلق عبيدهم، وأما النجار فصنع أصنامهم[4].
* الكروبيم هم كرسي الله، كما يُظهر لنا الكتاب المقدس. إنهم عرش سماوي أكيد، لا نراه، لكن كلمة الله يعرفه، يعرفه ككرسيٍ له.
كلمة الله وروح الله يظهران لخدمة الله أينما يجلس الله. ليس بمعنى أن الله يجلس مثل البشر، بل إن أردتم أنتم يجلس الله فيكم. إن كنتم صالحين تكونون كرسي لله. مكتوب: "نفس الصديق كرسي الحكمة". فإن العرش في لغتنا يُدعى كرسيًا[5].
* لا تضطرب، فقد ُأخبرت باختصار، فإنك إن أردت أن يكون لك كمال المعرفة وأن تصير عرشًا لله، يقول الرسول: "المحبة هي تكميل الناموس" (رو 13: 10)...
اسأل قلبك إن كان فيه المحبة. فإن وجدت فيه المحبة، يكون فيه تكميل الناموس أيضًا، وبالفعل يسكن الله فيك، وتصير عرشًا لله... وتصير سماءً لله... تصير سماءٍ.
فإن هذه السماء التي نتطلع إليها بالعيون التي لنا ليست بثمينة أمام الله.
النفوس المقدسة هي سماء الله، عقول الملائكة، وعقول خدامه هي سماء الله[6].
القديس أغسطينوس
* كما أن الشاروبيم (كروبيم) معناها "كنز المعرفة"، فإن الإنسان الذي يقتني كنز المعرفة هو عرش الله. كنز المعرفة هذا ليس معرفة مجردة، بل هو أيضًا كنز الأعمال، فإن المعرفة الحقيقية هي وحدها التي تُثبت بالأعمال[7].
القديس جيروم
* لما نظر البشر قدرة الجالس على الشاروبيم تزلزلوا، أي انتقلوا من الحزن إلى الفرح، لأن الرب الملك قد ملك. فهو للصديقين فرح وللأثمة حزن.
كذلك عندما كان اليهود يسمعون عن المسيح أنه ملكهم كانوا يخجلون ساخطين، ويقولون لبيلاطس: ليس لنا ملك إلا قيصر...
لتتزلزل الأرض، لأن سكانها عندما أبصروا ضعف قوة الأبالسة، وبطلان أفعالهم، اهتزوا، وانتقلوا من ضلالة آبائهم لإنذهالهم من حكمة تعليم المسيح، وعظم قدرته، ودعوة ملكًا وسيدًا.
الأب أنسيمُس الأورشليمي
الرَّبُّ عَظِيمٌ فِي صِهْيَوْنَ،
وَعَالٍ هُوَ عَلَى كُلِّ الشُّعُوبِ [2].
الله العظيم يسكن في وسط شعبه، كنيسته، صهيون الروحية، يحتضنهم ويقدسهم. أما الشعوب المتشامخة عليه فهو عالي عليهم، لن يلتقوا به ما لم يتواضعوا.
* هذا الذي تكلمت عنه أنه على الكروبيم هو عظيم في صهيون.أسألكم الآن: ما هي صهيون؟ نحن نعرف صهيون أنها مدينة الله. مدينة أورشليم تُدعى صهيون. وبحسب تفسير أكيد "صهيون" تعني السهر (المراقبة) أي الرؤية والتأمل.
فالسهر (المراقبة) هو أن تتطلع إلى شيءٍ، وتركز بالعينين عليه لتراه.
الآن كل نفسٍ هي صهيون، إن حاولت التركيز على ذاك النور الذي يُرى.
فإن ركزت نظرها على نورها الذاتي تظلَّم، أما أن ركزت على نور (الله) تستنير...
مدينة الله هذه تدعى صهيون، لذلك فإن الكنيسة هي صهيون. الله عظيم فيها[8].
القديس أغسطينوس
يَحْمَدُونَ اسْمَكَ الْعَظِيمَ وَالْمَهُوبَ.
قُدُّوسٌ هُوَ [3].
ذاك الذي هو عظيم في كنيسته، أي صهيون الروحية، وعالٍ على كل الشعوب، يُكرز به بكونه مصلوبًا عن العالم، قد جاء في ضعفٍ من أجل محبته لنا ولخلاصنا، فمن يحمده ويعترف به كمخلصٍ، يدرك أنه الديان العظيم المهوب والقدوس، قادم لكي يدين.
* إنه يصفح في الوقت الحاضر عن الشعب الذي يجدف عليه، لأن طول أناة الله إنما تقتاد إلى التوبة (رو 2: 4). فإن ذاك الذي يصفح الآن، لا يصفح على الدوام، ولا ذاك الذي يُكرز به الآن أنه سيكون مخوفًا يتوقف عن أن يأتي ليدين. سيأتي يا إخوتي. فلنخشه ولنحيا بما يليق حتى متى جاء ويدين نوجد عن يمينه[9].
القديس أغسطينوس
* اسم ربنا عظيم كما كتب الرسول في الفصل الثاني من رسالته إلى أهل فيلبي: "لذلك رفعه الله أيضًا، وأعطاه اسمًا فوق كل اسمٍ، لكي تجثو باسم يسوع كل ركبةٍ ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض" (في 2: 9-10). إذًا لاسم يسوع تعترف الشعوب كلها لكون معناه "خلاص"، وهو مهوب لغير المؤمنين، وأيضًا للشياطين، لأنها إذا سمعته هربت، وقدوس للذين آمنوا به.
الأب أنسيمُس الأورشليمي
وَعِزُّ الْمَلِكِ أَنْ يُحِبَّ الْحَقَّ.
أَنْتَ ثَبَّتَّ الاِسْتِقَامَةَ.
أَنْتَ أَجْرَيْتَ حَقًّا وَعَدْلًا فِي يَعْقُوبَ [4].
* يلزمنا أن يكون لنا نحن أيضًا الحق والبرّ. وهو يعمل فينا بالحق والبرّ، نحن الذين خلقنا ليعمل فينا. كيف يلزمنا أن يكون لنا الحق والبرّ؟ يكون لكم الحق عندما تميزون الشر من الصلاح، ويكون لكم البرّ إن كنتم تسلكون بالصلاح وتتجنبون الشر. بالتمييز بينهما يكون لكم الحق، وبالعمل يكون لكم البرّ[10].
القديس أغسطينوس
* كل خاطي يخشى عدل الله، لا يريد أن يعرف الديان؛ بل يريد أن يلتقي بالرحمة. رجل القداسة يلتفت إلى الله ويمجده في جسده. إنه لا يخاف الديان بل يحبه... الخادم الأمين لا يخاف الله بل يحبه. عندئذ يتحقق الكتاب: "عز الملك أن يحب الحق (العدل)[11].
القديس جيروم
* تتأيد رئاسة الملك وسلطته، إذ حكم بالعدل. أما قوله أنت هيأت الاستقامة فمعناه أن الله الذي نحن نعبده ليس بحديثٍ. فالقول يعني: أنت يا الله سبق ووضعت الاستقامة والقضاء والعدل لآل يعقوب، أي للإسرائيليين، وذلك عندما أعطيتهم الشريعة على يد موسى... أما الآن فقد وفيت بوعدك، وحققت قضاءك، لأنك خلصتنا من عبودية العار بتجسدك ونزعت الظلمة.
الأب أنسيمُس الأورشليمي
* إن كنا نصنع كل عمل باتزانٍ، غير فاحصين آراء الناس الآخرينمنجهة نقاوة قلبنا، بل نفحص ضمائرنا ذاتها، فإن هذه الفترة التيللراحة لنتقلل منحزمنا وضبطنا لأنفسنا. ذلك فقط كما قلت لو فكر عقلنا فيالحدود المعقولة الخاصة بالسماح لنا بالأكل أو عدم السماح به، ممتنعين عن كل إفراط في أي الجانبين، مميزين بإفراز حقيقي إن كان اندفاعنا في التنعم ثقل على أرواحنا أو مغالاتنا الزائدة في الصوم ما يثقلها أيضًا... فإن ربنا لا يرضى أن نفعل شيئًا من أجل مجده دون أن نمزجه بالإفراز (التمييز) لأن عز الملك أن يحب التمييز (الحق) (مز 4:99). لهذا نجد سليمان - أحكم الناس - يحثنا على عدم الانحراف في أي الجانبين، قائلًا لنا أن نكرم الرب بالأتعاب المملوءة برًا ونقدم له ثمار البرّ[12].
الأب ثيوناس
تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
2. السجود له

عَلُّوا الرَّبَّ إِلَهَنَا،
وَاسْجُدُوا عِنْدَ مَوْطِئِ قَدَمَيْهِ.
قُدُّوسٌ هُوَ [5].
دعا الرب الصليب مجدًا، إذ يعلن حبه الفائق للبشرية. يرفعهم إلى سماواته ويقدسهم، ويتمجد فيهم.
يقول القديس غريغوريوس النيسي إن الإنسان ولو رفع عقله برؤيته على قدر استطاعه لا يقدر أن يفهم علو اللاهوت، لكنه يلبث أسفل عند موطئ قدميه.
يرى القديس جيروم أن التفسير الحرفي لهذه العبارة تعني أننا نسجد في الموضع الذي وُلد فيه يسوع المسيح، والذي فيه صُلب، والذي فيه قام من الأموات. أما بالتفسير الروحي فإن ربنا يسوع يطأ قدميه في النفس المقدسة له لأنه قدوس، إنه عريسها الذي يلتصق بها مادامت مقدسة له. أما إن التصقت بالشر فإنه يفارقها، لأنه ليست شركة بين القدوس والشر.
* يسجدون للاهوته كما لموطئ قدميه، كما هو مكتوب: "اسجدوا عند موطئ قدميه، فإنه قدوس". وإن أنكروا أن في المسيح أيضًا أسرار تجسده يُسجد لها، الأمر الذي نحن نراعيه إذ نعبِّر عن آثار لاهوته، وطرق الكلمة السماوي، فليقرأوا أن الرسل أنفسهم سجدوا له عندما قام في مجد جسده (مت 28: 17) [13].
القديس أمبروسيوس
* لنحمده ونعظمه، ذاك الذي صنع البرّ ذاته الذي لنا. صنعه فينا بنفسه. من هو هذا إلا الذي يبررنا، ويصنع البرّ فينا؟ يقال عن المسيح إنه: "يبرر الفاجر" (رو 4: 5)[14].
القديس أغسطينوس
* موطئ قدمي يسوع هو نفس من يؤمن. طوبى للإنسان الذي يطأ يسوع قدميه في قلبه! إن كان فقط موطئ قدميه يلتصقان بقلبي إلى الأبد! إن كنت فقط أقول للعريس: أمسكت به ولم أدعه يذهب (نش 3: 4). سريعًا ما يستاء العريس، إذ يحب الطهارة الدائمة، فإن رأى نجاسة ينسحب للحال[15].
* عندما نستخدم تعبير "سجود" بخصوص الإنسان كمثال سجدت سارة أمام إبراهيم، وإيليا أمام أخاب الملك الكلي الشر، لا يعني أن إيليا عبد أخاب كما لو كان الله، إنما هذا السجود هو مجرد تحية[16].
القديس جيروم
* كرّم إبراهيم الرجال عديمي الإيمان الذين باعوا له المغارة التي أصبحت قبرًا، وركع بركبتيه إلي الأرض، ولكنّه لم يعبدهم مثل الله.
بارك يعقوب فرعون، الذي كان وثنيًا وعديم التقوى، لكنّه لم يباركه كإله. ومرّة أخرى سجد إلى الأرض عند قدميّ عيسو، لكنّه لم يعبده مثل الله.
ألم يأمرنا الله أن نسجد أمام الأرض والجبال؟
"علّوا الرب إلهنا واسجدوا في جبل قدسه عند موطئ قدميه. قدّوس هو" (مز 99: 5). الأرض هي موطئ قدميه، لأنّه يقول: "السماء عرشي، والأرض هي موطئ قدمي".
من يستطيع القول أن موسى عبد يثرون الذي كان وثنيًا (خر 18: 7)، أو أن داود عبد نبوخذنصر عديم التقوى؟
كيف لكم أن تعنفوني لتكريم هؤلاء الذين كرموا وعبدوا الله؟
أخبروني: أيهما مناسب أكثر أن نكرم القدّيسين أو أن نلقيهم بالحجارة كما تفعلون؟
ألاّ يناسب أن نبجّلهم، بدلًا من تقطيعهم إلى قطع ورميهم في الوحل؟
لو كنتم تحبون الله، لكنتم تتشوقوا لتكريم خدمّه أيضًا. وإذا كانت عظام الأبرار غير نظيفة، فلماذا إذًا أُحضرت عظام يعقوب ويوسف بكل تكريم من مصر؟ (تك 50: 5).
القديس يوحنا الذهبي الفم
مُوسَى وَهَارُونُ بَيْنَ كَهَنَتِهِ،
وَصَمُوئِيلُ بَيْنَ الَّذِينَ يَدْعُونَ بِاسْمِهِ.
دَعُوا الرَّبَّ،
وَهُوَ اسْتَجَابَ لَهُمْ [6].
يرى القديس أغسطينوس أن كلمة الله تحدث مع أنبيائه وكهنته، لكن خلال عمود السحاب، خلال ظلال الناموس والرموز والنبوات، أما بالنسبة لنا فقد نزل إلينا خلال تجسده لندرك أسرار محبته الفائقة.
* لم يُذكر عن موسى أنه كان كاهنًا. فإن لم يكن هكذا، فماذا كان؟
هل كان أعظم من كاهنٍ؟ يعلن هذا المزمور أنه هو نفسه كان أيضًا كاهنًا...
لقد ذكر هؤلاء، لأن الله تكلم معهم من خلال عمود السحاب. ماذا يعني بعمود السحاب؟ إنه يتكلم بطريقة رمزية...
ذاك الذي تكلم أولًا من عمود السحاب، جاء بشخصه يتكلم معنا في موطئ قدميه، أي على الأرض، وذلك عندما أخذ جسدًا. لهذا نسجد عند موطئ قدميه، لأنه هو قدوس.
هو نفسه اعتاد أن يتكلم من السحاب، ولم يكن يُفهم؛ تكلم من موطئ قدميه، ففُهمت الكلمات التي تكلم بها من السحاب[17].
القديس أغسطينوس
* "مُوسَى وَهَارُونُ في كَهَنَتِهِ" (مز ٩٩: 6)
من يُقدَّم لأجل ترشيحه للكهنوت يلزم أن يكون كموسى... حتى عندما يُصب على الشعب الموت المرهب لبعض العصاة، يتقدَّم ليكون هو بين الموت والحياة كي لا يهلك أحد من شعبه.
الإنسان الذي له روح الكهنوت وفكره، هو ذاك الذي بكونه راعيًا صالحًا يتقدَّم بروح ورعة للموت من أجل قطيع الرب. وبهذا يكون (كموسى) في كسر شوكة الموت، وصد قوَّته وإزالته إلى أبعد الحدود.
فالحب هو العضد الذي يذكِّيه، مقدِّما نفسه للموت من أجل مقاوميه.
القديس أمبروسيوس
* أخطأ الكثيرون إذ ظنوا أن الطوباوي صموئيل كان كاهنًا. لم يكن كاهنًا بل لاويًا... الأولان كانا كاهنين، والأخير لاويًا. مع هذا موضع السؤال أمام الله ليس الكرامة بل العمل... موسى وهرون وصموئيل حملوا ألقابًا مختلفة، لكنهم مارسوا أعمالًا قديرة متشابهة؟[18]
القديس جيروم
تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
3. قداسته وحبه

بِعَمُودِ السَّحَابِ كَلَّمَهُمْ.
حَفِظُوا شَهَادَاتِهِ وَالْفَرِيضَةَ الَّتِي أَعْطَاهُمْ [7].
إن كان السحاب يشير إلى نزول الكلمة وتجسده لكي نلتقي معه في مجيئه الأول في تواضعه، والثاني في مجده، يتحدث معنا بعمود السحاب. والعمود يعطي المبنى قوة، كما يسكب عليه نوعًا من الجمال. وكأن مسيحنا يتحدث معنا ليهبنا قوته ويسكب بهاءه علينا.
أَيُّهَا الرَّبُّ إِلَهُنَا أَنْتَ اسْتَجَبْتَ لَهُمْ.
إِلَهًا غَفُورًا كُنْتَ لَهُمْ،
وَمُنْتَقِمًا عَلَى أَفْعَالِهِمْ [8].
استجاب الرب الكلي الحب والرحمة لأنبيائه وكهنته، فغفر لهم خطاياهم، وعاقبهم على الخطية لينالوا المغفرة. فعقابه في جوهر حبّ.
* لم يُقل عن الله كغافرٍ لشيء سوى الخطايا. عندما يصفح عن الخطايا يغفر. وماذا يفعل عندما يعاقب سوى أن يغفر عن صفحه عنها؟ إنه يغفر عندما يصفح، وأيضًا يغفر عندما يعاقب عليها[19].
القديس أغسطينوس
عَلُّوا الرَّبَّ إِلَهَنَا،
وَاسْجُدُوا فِي جَبَلِ قُدْسِهِ،
لأَنَّ الرَّبَّ إِلَهَنَا قُدُّوسٌ [9].
يقول كل من إشعياء وميخا النبيين إنه في آخر الأيام يكون جبل الرب ظاهرًا، أي يصير لنا معرفة علوه والإيمان بلاهوته، وأيضًا جبل صليبه.
يقول الرب: "لأني الله لا إنسان، القدوس في وسطك، فلا آتي بسخطٍ" (هو 11: 9).
تعبير "قدوس" خاص بالله وحده، ليس فقط لإبراز الفارق الشاسع بين طهارته وكل الخليقة السماوية والأرضية، وإنما بكونه السرمدي الخالق، والكل من صنع يديه. هذا القدوس العجيب في حبه، تنازل وصار إنسانًا من أجل بني البشر، لم يخجل أن يحل بيننا، ويحسبنا أبناء لله، وينسب نفسه إلينا. إنه القدوس الذي صار لنا برًا وفداء وقداسة!
* أننا نعليه (نعظمه). ذاك الذي هو رحوم حتى عندما يضرب. كيف يُحمد وكيف يُعظَّم؟ أترى هذا حتى في تعاملك مع ابنك، ولا تراه مع الله؟ فهل أنت صالح عندما تضربه؟ عندما تعتني به أنت أبوه، وعندما تضربه أيضًا أنت أبوه. إنك تعتني به حتى لا يخور، وتضربه حتى لا يهلك[20].
القديس أغسطينوس
* النوع الثاني من العبادة النسبيّة هي العبادة المقدمّة للأشياء المخلوقة الأماكن التي استخدمها الله ليتمّم خلاصنا، سواء كان قبل مجيء الرب، أو بعد التجسّد، مثل جبل سيناء، والناصريّة، الكهف والمزود في بيت لحم، جبل الجلجثة المقدّس، خشبة الصليب، المسامير، الأسفنجة، القصبة، الحربة المخلّصة، الرداء القماش، القماط، القبر المقدّس الذي هو نافورة خلاصنا، الحجر الذي أغلق القبر، جبل إسرائيل المقدّس وجبل الزيتون المقدّس، بركة بيت صيدا حديقة جثسيماني المقدّسة وكل الأماكن المماثلة.
أنا أُبجّل وأكرم كل معابد الله المقدّسة، وكل شيءٍ حيثما يوجد اسم الله، ليس من أجلهم، ولكن لأنّهم أوعية لقوّة الله. فيهم ومن خلالهم سُر الله أن يتمّم الخلاص.
أنا أُكرم وأُبجّل الملائكة، والإنسان، والمادة التي اشتركت في القوّة الإلهيّة، لأن هذه الأشياء ساعدت في خلاصي، وعمل الله من خلالهم.
أنا لا أكرم اليهود، لأنّهم رفضوا أن يشتركوا في القوّة الإلهيّة، ولم يتمنوا خلاصي. صلبوا إلهي، رب المجد، هاجموا على الله المحسن إليهم بالحسد والكراهيّة.
داود يقول: "يا رب أحببت محل بيتك وموضع مسكن مجدك" (مز 26: 8). وأيضًا: "ولندخل إلي مسكنه. لنسجد عند موضع قدميه" (مز 132: 7). وأيضًا: "واسجدوا في جبل قدسه" (مز 99: 9).
الثيؤتوكوس المقدّسة هي جبل الله الحيّ، والرسل هم الجبال المتكلّمة لله. "الجبال قفزت مثل الكباش، والآكام مثل حملان الغنم" (مز 114: 4)[21].
القدّيس يوحنا الدمشقي
تفسير   الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
من وحي مز 99

لك المجد يا ملكي وإلهي القدوس!


* لك المجد يا من أتيت،
لكي تقيم من نفسي مسكنًا لك.
صهيون المحبوبة لديك!
لتملك ولتسكن في داخلي.
* أنت الجالس على الكروبيم.
هب لي معرفتك الحقيقية،
وأملأ قلبي بحبك الإلهي.
فتتأهل أعماقي لجلوسك.
* لتهج الشعوب ولتتزلزل الأرض.
فإن ثار العالم كله عليك،
فأنت العظيم في صهيون.
أنت العالي القدوس!
ماذا يمكن لقوات الظلمة أن تفعل بك؟!
* هب لي روح الحمد والشكر،
أحمدك واعترف لك مخلصًا.
أتمتع بالاتحاد بك،
فأتقدس بنعمتك!
لتجري في داخلي الحق والبرّ.
فإني صنعة يديك.
هب لي حقك،
فأحمل روح التمييز.
لا يختلط الحق مع الباطل،
ولا الصلاح مع الشر.
هب لي برك، فاعشق صلاحك،
وأسلك بروحك القدوس،
روح الحق والاستقامة.
* نزلت إلينا متخليًا عن ذاتك.
أخذت شكل العب وصُلبت عنا.
هب لنا أن نعظم أسمك ونمجدك.
فأنت مخلص العالم وديان المسكونة.
لتأتِ يا مخلصي فألتقي بك.
ليكن لي نصيب عن يمينك،
ولا أحرم من رؤية بهاء مجدك!
* كنت يا رب تتكلم مع كهنتك موسى وهرون وصموئيل.
كنت تحدثهم من السحاب،
ولم يدركوا سرّ خلاصك بوضوح.
نزلت إلينا على أرضنا،
لنسجد لك عند موطئ قدميك.
وندرك بوضوح ما جاء خلال الظلال والرموز.
  رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي رو26:8
تفسير الكتاب المقدس - العهد القديم - القمص تادرس يعقوب سفر نحميا
قصة الكتاب المقدس للأطفال - القمص تادرس يعقوب ملطي
مزمور 1 - تفسير سفر المزامير -القمص تادرس يعقوب
تفسير سفر نشيد الأنشاد القمص تادرس يعقوب مركزه عند اليهود:


الساعة الآن 03:33 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024