رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
" حينئذٍ جاء معهم يسوع إلى ضيعة يُقال لها جثسيماني، فقال للتلاميذ: ٱجلسوا ههنا حتى أمضي وأُصلّي هناك، ثمَّ أخذ معه بطرس وٱبني زبدي وٱبتدأَ يحزن ويكتئب، فقال لهم: نفسي حزينة جدًّا حتى الموت، ٱمكثوا ههنا وٱسهروا معي، ثمَّ تقدَّم قليلاً وخرَّ على وجهه وكان يُصلِّي قائلاً: يا أبتاه إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس، ولكن ليس كما أُريد أنا بل كما تريد أنت، ثمَّ جاء إلى التلاميذ فوجدهم نياما، فقال لبطرس: أهكذا ما قدرتم أن تسهروا معي ساعة واحدة، ٱسهروا وصلُّوا لئلاَّ تدخلوا في تجربة، أمَّا الروح فنشيط وأمَّا الجسد فضعيف، فمضى أيضًا ثانيةً وصلَّى قائلاً: يا أبتاه إن لم يمكن أن تعبر عنِّي هذه الكأس إلاَّ أن أشربها فلتكن مشيئتك، ثمَّ جاء فوجدهم أيضا نياما، إذ كانت أعينهم ثقيلة، فتركهم ومضى أيضًا وصلَّى ثالثةً قائلاً ذلك الكلام بعينه " (متى 26 : 36 – 44). ماذا حصل في ذلكَ البستان بالضبط؟ وما هيَ تلكَ المعركة التي خاضها الرب فيه؟ ممَّا جعل عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض.. وممَّا جعل الآب يُرسل لهُ ملاكًا من السماء لكي يُقوِّيه؟ أولاً.. أُريدك أن تُدرك أنَّ تلكَ المعركة الشرسة التي خاضها الرب، خاضها نيابةً عنَّا كبشر.. كممثل لنا أمام الله.. ولم يخضها أبدًا كإله.. كالله الابن.. لأنَّ مشيئته ومشيئة الآب كانت واحدة.. ولم يكن مُحتاجًا كٱبن لله أن يُخضع مشيئته للآب قطعًا.. ثلاث مرَّات على التوالي قال الرب يسوع للآب: " يا أبتاه إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس، ولكن ليس كما أُريد أنا بل كما تريد أنت ". في ذلكَ البستان.. كانَ الرب يسوع المسيح.. يُخضع مشيئته نيابة عنَّا لمشيئة الآب.. وكم كانت قاسية وشرسة تلكَ المعركة.. ونجحَ الرب.. ولذلكَ السبب نستطيع نحن أن ننجح اليوم.. رسالة تكريس وتشجيع في الوقت نفسه.. من الرب لنا في هذا اليوم. يقول رجل الله " ريك جوينر " كاتب كتاب " التكليف الأخير " أنَّهُ عندما رأى رؤية أنَّهُ في السماء، تقابل مع الرسول بولس، الذي قالَ لهُ: " عتبي عليكم ككنيسة المسيح أنَّكم نسيتم في وعظكم وتبشيركم وحياتكم.. رسالة الصليب ". فذلكَ الرسول العظيم هوَ من كتب لنا تلكَ الآية الذهبية: " وأمَّا من جهتي فحاشا لي أن أفتخر إلاَّ بصليب ربنا يسوع المسيح، الذي بهِ قد صُلِبَ العالم لي وأنا للعالم " (غلاطية 6 : 14). وقد سبقهُ في تلكَ الرسالة.. رسالة الصليب.. الرب يسوع الذي قال: " الحقَّ الحقَّ أقول لكم: إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت، فهي تبقى وحدها، ولكن إن ماتت تأتي بثمر كثير " (يوحنا 12 : 24). " ومن لا يحمل صليبه ويأتي ورائي، فلا يقدر أن يكون لي تلميذًا " (لوقا 14 : 27). لقد برهن الرب يسوع المسيح عمليًا.. ما قالهُ للآب السماوي في بستان جثسيماني.. إذ ذهبَ إلى الصليب.. كثيرًا ما نُردِّد كمؤمنين عبارة: " لتكن مشيئتك يا رب ".. ولكن السؤال المُوجَّه لنا اليوم هوَ: هل نعي ما نقول؟ وهل عندما يقتضي تنفيذ مشيئة الآب في حياتنا، الذهاب إلى الصليب، نُكمل المشوار أم نتراجع؟ أحبائي: حتَّى تكون رسالة الرب لنا اليوم عملية وبسيطة، ينبغي أن نوضح الأمور بطريقة عملية، لكي لا تبقى هذه الكلمات مُجرَّد شعارات كبيرة بعيدة كل البعد عن التطبيق العملي في حياتنا اليومية مع الرب.. ما دمنا في هذا الجسد.. فستعترضنا كل يوم أمور مُعيَّنة أكانت صغيرة أم كبيرة.. نحتاج أن نُقرِّر ونحن نتواجه معها.. إن كنَّا سنقول للرب لتكن مشيئتك وليس مشيئتي.. والأهم أن نخضع لمشيئته.. لن أُعدِّد هذه الأمور.. فكل واحد منَّا يعرف الأمور التي تعترضهُ يوميًا في هذا المضمار.. لكن ما أُريد أن ألفت الانتباه إليه اليوم، لكي نتشجَّع ونتمكَّن في الوقت نفسه، من الخضوع الكامل لمشيئة الآب، هوَ أن ذلكَ لن يتم بطريقة تلقائية.. أو من خلال ٱنتظار قوة ما ستحل علينا فجأة، تُمكننا من الخضوع الكامل للآب.. كثيرًا ما يكتشف المؤمنون أنهم عاجزين عن الخضوع لمشيئة الآب في أغلب أمور حياتهم.. فهم يعرفون مشيئة الآب لهم في كل أمر يعترضهم.. لكنهم في الوقت نفسه يشعرون في داخلهم بأنهم لا يرغبون القيام بذلك.. وهذه الحالة تقودهم إلى أمرين صعبين: - إصابتهم بالفشل، وشعورهم بالذنب والتقصير، وإدانة أنفسهم، وٱعتقادهم بأنهم بعيدين كل البعد عن تتميم هذا الأمر.. - ٱنتظار سلبي أمام الله.. وٱنتظار أن يأتي يوم تحل عليهم قوة الله لكي يقوموا بهذا الأمر.. لكن ذلكَ بعيد كل البعد عن ما تعلمنا إياه كلمة الله، لجهة التمكن من الخضوع لمشيئة الله.. أولاً: لا تفشل أبدًا عندما تكتشف عجزك عن الخضوع لمشيئة الآب.. وعدم رغبتك بأن تقوم بذلك، فهذا ليسَ أمرًا غريبًا أبدًا.. لأنَّ طبيعتنا البشرية ليست أفضل من ذلكَ أبدًا، والرسول بولس قال لنا: " فإنِّي أُسَرُّ بناموس الله بحسب الإنسان الباطن، ولكني أرى ناموسًا آخر في أعضائي، يُحارب ناموس ذهني، ويسبيني إلى ناموس الخطيئة الكائن في أعضائي، ويحي أنا الإنسان الشقي، من يُنقذني من جسد هذا الموت " (رومية 7 : 22 – 24). كانَ بولس مثلنا، يُسَرُّ في إنسانه الباطن بأن يخضع لمشيئة الآب في كل ما يقوم بهِ.. لكنه بالمقابل كانَ جسدهُ، والذي سمَّاه: " جسد الموت " يُحاربهُ ويقوده لكي لا يفعل.. لكنهُ لم ييأس.. ولم يستسلم.. لم يخجل ولم يخف من ضعفه هذا.. بل قال: " فقال لي: تكفيك نعمتي، لأنَّ قوتي في الضعف تكمل، فبكل سرور أفتخر بالحري في ضعفاتي، لكي تحل عليَّ قوَّة المسيح، لذلك أُسَرُّ بالضعفات والشتائم والضرورات والاضطهادات والضيقات لأجل المسيح، لأنِّي حينما أنا ضعيف فحينئذٍ أنا قوي " (كورنثوس الثانية 12 : 9 - 10). قَبِلَ نفسهُ كما هوَ، لأنَّهُ أدركَ محبة الله غير المشروطة لهُ.. عرف أنَّهُ لا يسكن شيء من الصلاح فيه.. وعرف ضعفهُ وٱفتخر بهِ.. لا بل قالَ أكثر من ذلك.. فلنقرأ لنتشجَّع.. ولكي نكشف خطط إبليس الماكرة التي تجعلنا نشعر بالذنب والتقصير وندين أنفسنا ولا نكمل السعي: " ليس إنِّي قد نلت أو صرت كاملاً، ولكني أسعى لعلِّي أُدرك الذي لأجله أدركني أيضًا المسيح يسوع، أيها الإخوة أنا لست أحسب نفسي أني قد أدركت، ولكنِّي أفعل شيئًا واحدًا، إذ أنا أنسى ما هو وراء، وأمتد إلى ما هو قدَّام، أسعى نحو الغرض، لأجل جعالة دعوة الله العليا في المسيح يسوع ". (فيلبي 3 : 12 – 14). وقبلَ أن نتأمَّل في هذا الكلام، أُريد أن أسألك إن كنتَ تعرف متى كتبَ بولس هذا الكلام؟ لقد كتبه حوالي سنة 61 ميلادية، عندما كانَ مسجونًا في روما.. أي قبلَ موته بقليل !! ومرتين يقول: لم أُدرك ذلكَ بعد.. ألا يُشجِّعنا هذا الكلام؟ بولس الرسول يسعى لعلَّهُ يُدرك جعالة دعوة الله لهُ، ولكي يكون خاضعًا بالكامل لمشيئة الله.. وها هوَ على مسافة قريبة من موته.. ويقول لم أُدْرِك بعد.. لكنهُ بالمقابل.. لم يستسلم للفشل ولا للشعور بالذنب والتقصير والدينونة.. بل قال: أفعل شيئًا واحدًا، إذ أنا أنسى ما هو وراء، وأمتد إلى ما هو قدَّام، أسعى نحو الغرض.. وأنا هنا أُشجِّعك في هذا اليوم.. أن لا تفشل ولا تستسلم أبدًا، عندما ترى بأنك ترغب بأن تخضع لمشيئة الآب بالكامل ولكنك تعجز.. فتنزوي وتتراجع.. بل قل للعدو: " لا يسكن شيء من الصلاح فيَّ.. وهذا ليسَ أمرًا غريبًا.. إلهي يُحبني كما أنا.. سأفتخر بضعفاتي.. ولن أتأثَّر بسقطاتي.. بل في كل مرة سأقوم، وسأنسى ما هوَ وراء وسأمتد إلى الأمام ". وبولس هذا.. الذي تأملنا في ضعفه الآن.. وفي عدم وصوله إلى ما كانَ يُخطِّط لهُ.. هوَ من علَّمنا في الوقت نفسه رسالة الصليب.. رسالة الصليب الذي بهِ قد صُلِبَ العالم لهُ وهوَ للعالم.. وقبلَ أن يموت قال: " قد جاهدت الجهاد الحسن.. أكملت السعي.. حفظت الإيمان " (تيموثاوس الثانية 4 : 7). فلنتعلَّم منهُ.. لا نفشل من عدم صلاحنا وعدم رغبتنا وقدرتنا في أغلب الأحيان في الخضوع لمشيئة الآب.. ولا نقلق من ضعفنا ونبدأ بإدانة أنفسنا والانزواء والاستسلام.. لكن في الوقت نفسه، لا نجلس مكتوفي الأيدي ننتظر معونة ما، ستأتينا من مكانٍ ما، وفي وقت ما.. بل كما يقول بولس أيضًا: " ألستم تعلمون أنَّ الذين يركضون في الميدان جميعهم يركضون، ولكنَّ واحدًا يأخذ الجعالة، هكذا ٱركضوا لكي تنالوا، وكل من يُجاهد يضبط نفسه في كل شيء، أمَّا أولئك فلكي يأخذوا إكليلاً يفنى، وأمَّا نحن فإكليلاً لا يفنى، إذن، أنا أركض هكذا، لا كمن لا هدف لهُ، وهكذا أُلاكم أيضًا، لا كمن يلطم الهواء، بل أقمع جسدي وأستعبدهُ، حتَّى بعد ما كرزت للآخرين لا أصير أنا نفسي مرفوضًا " ( كورنثوس الأولى 9 : 24 – 27). " ... إنَّما مرِّن نفسك في طريق التقوى " (تيموثاوس الأولى 4 : 7). هكذا ٱركضوا أنتم.. ٱضبطوا أنفسكم في كل شيء.. ٱقمعوا أجسادكم.. ومرِّنوا أنفسكم في طريق التقوى.. لو لم تكن أنفسنا وأجسادنا ترفض الخضوع لمشيئة الآب.. لمَّا علمتنا كلمة الله من خلال بولس هذه الأمور.. أي بأن نسعى.. نركض.. نضبط أنفسنا.. نقمع أجسادنا.. وهذا لا يحصل دفعة واحدة.. بل سيتمد كل العمر.. وذلكَ بأن نُمرِّن أنفسنا في طريق التقوى.. في طريق الخضوع لمشيئة الآب.. وأخيرًا.. مُلخَّص عملي لرسالة الله لنا اليوم.. ينبغي علينا أن نسلك كما سلكَ الرب تمامًا.. بأن نحمل صليبنا كل يوم ونتبعهُ.. بأن نموت عن ذواتنا لكي نأتي بثمر.. وبأن نخضع لمشيئة الآب بالكامل.. لكن لا نفشل عندما نكتشف عجزنا وعدم رغبة جسدنا القيام بذلكَ.. بل بالحري لنفتخر بضعفاتنا ولا نترك إبليس يُشعرنا بالذنب، فندين أنفسنا وننزوي ونتعطَّل ونتراجع.. ولنُدرك بأنه لا يسكن فينا شيء من الصلاح، وهذا ليس أمرًا غريبًا، فكلمة الله تُخبرنا بذلك.. لكن في الوقت نفسه لا نقف مكتوفي الأيدي، منتظرين أمرًا ما سيحصل فجأة.. بل على العكس، فلنطلب من الروح القدس الذي جاءَ لكي يُعين ضعفنا ويجعلنا نميت أعمال الجسد.. فنتمكَّن من الخضوع لمشيئة الآب الكاملة.. ولننسى ما وراء ونمتد إلى الأمام، ونُكمل السعي.. نضبط أنفسنا.. ونتمرَّن يوميًا في طريق التقوى.. وعندها سنجد أننا ننمو ونتغيَّر إلى تلكَ الصورة عينها.. وعندها يمكننا أن نذهب إلى بستان جثسيماني، ونخرج منه منتصرين في الامتحان، قائلين للآب السماوي كما قال له الرب يسوع المسيح: " ... ولكن ليس كما أُريد أنا بل كما تريد أنت ". |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
أنا يا رب أريد أن أعمل معك وتعمل معي لا أريد أن أفارقك أو تفارقني |
أريد أن أعيش أريد أن افرح |
إني أريد يا رب كل ما تريده |
أريد يا إلهي أريد |
أريد حلا |