العقل
قد يقول البعض إن الإنسان يقوده عقله..
ولكن العقل ليس هو الموجه الوحيد للإنسان.
فالإنسان قد توجهه عوامل نفسية، أو عوامل عصبية، أو عوامل عاطفية.. ومن الجائز أن يوجهه الضمير. وقد يفكر العقل في اتجاه، ويكون ضميره في اتجاه آخر..
والإنسان قد تقوده طباعه وتوجهه..
وقد تكون هذه الطباع راسخة منذ الطفولة، لا تتغير، ربما يعترف الشخص، ويتناول، ويصلى ويصوم، ويقرأ ويتأمل. وتبقى طباعه كما هي، أو يبقى مقودًا بعادات معينة تطغى عليه، أيًا كان اتجاه عقله أو ضميره.
وقد يخطئ عقل الإنسان أحيانًا في إرشاده وحكمه على الأمور، كما يخطئ ضميره. وفى ذلك قال الكاتب:
"توجد طريق تظهر للإنسان مستقيمة وعاقبتها طرق الموت" (أم12:14).
ومن أهمية هذه الحكمة، كررها الكتاب مرة أخرى في (أم 25:16). هذه الطريق المهلكة التي عاقبتها طرق الموت، ويكون العقل بلا شك موافقًا عليها، ويكون الضمير موافقًا عليها أيضًا، لأنها تبدوا للإنسان مستقيمة.
إن سلك الإنسان حسب العقل، فأي عقل هو؟ المفروض أن يكون عقلًا سليمًا، لآن العقول تختلف في نوعيتها.
قد يكون العقل أحيانًا خادمًا مطيعًا لرغبات النفس.
فإن أرادت النفس شيئا، تجد العقل يزودها بأدلة وبراهين وإثباتات. ومن الجائز أن يأتي لها بأدلة أخرى من الكتاب المقدس، يفسرها بطريقة تريح نفسه بل وتريح ضميره أيضًا.. وما أسهل أيضًا أن يذكر أقوالا للآباء ربما قيلت في مناسبة معينة، ولكنه يقصها قصًا ويفصلها تفصيلًا لتناسب ما تريده نفسه،أن غضبت النفس يسير العقل في تيارها، وإن رضيت يسير أيضًا في تيارها..!
لذلك فعقل الإنسان يحتاج إلى توعية.
هناك أشخاص عقلهم هو الذي يتعبهم، كما أن عقل البعض يريحهم.
إنسان عقلة يتعبه نتيجة لما يقدمه له هذا العقل من شكوك وظنون وأفكار، أو ما يقدمه له من مخاوف. أو نتيجة لأن عقله لا يفكر بطريقة سليمة، أو لا يضع في اعتباره نتيجة ما يطرحه من أفكار.. عقلة عبارة عن دوامة، أن دخل فيها يغرق، ولا يقر له قرار.. وعقل الإنسان قد يتعبه، إذا كان في طبعه شيء من التشاؤم أو القلق، أو تصور الضرر حيث لا يوجد ضرر، أو التفكر في الضياع أو الموت أو المستقبل المظلم بغير ما سبب يدعو إلى ذلك.
هناك أشخاص يعمل عقلهم على تكبير المشاكل.
بحيث تأخذ حجمًا أكثر من حجمها الطبيعي، وبحيث تشكل خطورة موهومة.. أو أن عقلهم يخلط الأمور معًا، ويربط بين الأحداث وبعضها بطريقة تعقد الأمور وتسئ إلى العلاقات..! ويجمع بين أحداث مضت من زمن طويل، يضيف إليها تخوفات من مستقبل مبهم. وفى كل ذلك يضغط على نفسيته بطريقة تفكيره.
أو إنسان يتعبه عقله من عقدة اضطهاد موجودة عنده، يتصور فيه أن كل الذين حوله لا يحبونه. كأن تتخيل ابنة أن أبويها يحبان أختها أكثر منها..
أو إنسان يتعبه عقله لارتباطه بالخيال.
إما بخيال أثيم يتأمل فيه صورًا من الخطايا يلذذ بها مشاعره، أو خيال حالم يسمونه (أحلام اليقظة)، يعيش به في الأماني والرغبات بعيدًا عن الواقع الذي يحققها. ويكتفي بالخيال يسعد به نفسه -دون عمل- ويضيع به وقته! بشهوة في المناصب، أو في الألقاب، أو الغنى..
وهناك إنسان يسد العقل له أمامه الطريق.
ويخيل أحيانًا أنه لا خلاص (مز3)، وربما يقوده إلى الانتحار نتيجة لليأس، وعجز العقل عن الوصول إلى حل، مع رفض العقل أيضًا أن يكشف مشاكله إلى مرشدين لحلها.
عكس ذلك إنسان عقله يريحه.
فيحل له مشاكله بأسلوب سليم، وبذكاء وحكمة. بل أيضًا يساعده على حل مشاكل الآخرين.
حتى الفلاسفة!! أحيانًا تكون نقطة البدء عند بعضهم خاضعة لتأثيرات عديدة!!
وربما لا تكون فلسفة بعضهم عقلية خالصة، إنما متأثرة في أساسها بعوامل عائلية أو اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية، شكلت عقله تشكيلًا خاصًا بنى عليه كل فلسفته.
يندر أن يكون العقل عند الغالبية عقلًا مجردًا.
فالعقل لا يعمل وحده، بل تتداخل معه عوامل أخرى.
منها التقاليد مثلًا، والبيئة، والعادات الموروثة.