10 - 01 - 2014, 05:38 PM | رقم المشاركة : ( 91 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
صفات الإنسان الوديع (3) 11 -كذلك فإن الوديع لا يغضب لأي سبب. إذا غضب الوديع، فاعرف أنه لابد من أمر خطير دعاه إلي ذلك. وغالبًا ما يكون غضبه لأجل الرب، وليس لأجل نفسه، وليس بسبب كرامته أو حقوقه كما يفعل غير الودعاء. وإذا غضب لا يثور ولا يفقد أعصابه. إنما يعبر عن غضبه بعدم موافقته وعدم رضاه. فالوديع أعصابه هادئة، لا ينفعل بسرعة. وإذا انفعل لا يشتعل. 12 - وإذا غضب، لا يحقد. إنما سرعان ما يصفو ويغفر. وهكذا قيل عن إلهنا الوديع إنه "لا يحاكم إلي الأبد، ولا يحقد إلي الدهر. لم يصنع معنا حسب خطايانا، ولم يجازنا حسب آثامنا.. لأنه يعرف جبلتنا. يذكر أننا تراب نحن" (مز 103: 9-14). 13 -الإنسان الوديع مسالم لا ينتقم لنفسه. لا يقاوم الشر (مت 5: 39). أي لا يقابله بمثله. وإنما هو كثير الاحتمال، لا يدافع عن نفسه، بل غلبًا ما يدافع الغير عنه، موبخين من يسئ إليه بقولهم "ألم تجد سوي هذا الإنسان الطيب لتعتدي عليه؟!". الإنسان الوديع لا يؤذي أحدًا، بل يحتمل الأذي من المخطئين. ما أجمل ما قيل عن موسي النبي "وكان الرجل موسي حليمًا جدًا أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض" (عد 12: 3). حتى أنه حينما تقولت عليه أخته مريم، ووبخها الله على ذلك وعاقبها فضربها بالبرص.. تشفع فيها موسى، وهو في موقف المُساء إليه. وصرخ قائلًا "اللهم إشفها" (عد 12: 13). ومن الأمثلة الجميلة، ما قيل عن وداعة سليمان الملك وسعة صدره، إن الله منحه "حكمة وفهمًا كثيرًا جدًا، ورحبة قلبه كالرمل الذي على شاطئ البحر" (1مل 4: 29). 14 -والإنسان الوديع طيب، سهل التعامل مع الناس. إذا تناقش مع أحد، لا يجعل المناقشة تحتد وتتعقد، بل يبدي رأيه ببساطة، ويدافع عنه بهدوء، بطريقة وديعة، كما يقول الكتاب "في وداعة الحكمة" (يع 3: 13)، حتى إن كان ينبه محاوره إلي خطأ! إنه بسيط في التعامل، لا عنده دهاء ولا مكر ولا خبث. ولا يظهر غير ما يبطن. ولا نعنى بكلمة (بسيط) أنه إنسان ساذج! كلا، بل قد يكون في منتهى الحكمة، ولكنه في بساطته لا يعقد الأمور. وهو لا يلف ولا يدور في حديثه، ولا يدبر خططًا ضد أحد. 15 -بل هو صريح ومريح يمكنك أن تثق به وتطمئن إليه. ورقيق في معاملته، لا يخدش شعور من يتحاور معه، إذا أخطأ. بل هو حلو الطبع دمث الخلق، حسن المعاملة. لذلك تجده محبوبًا من الكل، كإنسان طيب.. |
||||
10 - 01 - 2014, 05:40 PM | رقم المشاركة : ( 92 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
صفات الإنسان الوديع (4) 16 -الإنسان الوديع مملوء من الحنان والعطف، حتى على أشر الخطاة. فإن رأيت إنسانًا قاسيًا في تعامله، إعلم أنه غير وديع. أنظروا إلي وداعة السيد المسيح مع المرأة السامرية، وكيف أنه لم يجرح شعورها ولم يخدش حياءها ولا بكلمة واحدة. بل أجتذبها إلي الاعتراف بوادعة ولطف. ووجد فيها شيئًا يمتدحه، فقال لها "حسنًا قلتٍ إنه ليس لك زوج.. هذا قلتِ بالصدق" (يو4: 17، 18).. وبهذه الوداعة أمكنه أن يقتادها إلي التوبة، وإلي الإيمان بأنه المسيح وبشرت أهل المدينة بذلك (يو4: 29). وبنفس الوداعة أيضًا تصرف مع المرأة الخاطئة المضبوطة في ذات الفعل.. لم يبكتها. بل أنقذها من الذين أرادوا رجمها. فلما انصرفوا قال لها "أين هم أولئك المشتكون عليكِ. أما دانك أحد؟ ولا أنا أدينك. أذهبي ولا تخطئي أيضًا" (يو8: 10، 11). وفي وداعة من نوع آخر، عاتب بعد القيامة تلميذه بطرس: ذلك الذي أنكره ثلاث مرات، وحلف ولعن وقال: لا أعرف الرجل (مت 26: 74). فقال له الرب ثلاث مرات "يا سمعان بن يونا، أتحبني أكثر من هؤلاء؟! ومعها ثلاث مرات ثبته في عمل الرعاية بقوله "أرع غنمي.. أرع خرافي" (يو 21: 15- 17). وهكذا أيضًا في وداعة، قابل نيقوديموس ليلًا (يو 3: 2). ولم يوبخه على خوفه من اليهود.. إذ جاء إليه ليلًا، حتى لا ينكشف أمره لهم.. وإذا بالسيد المسيح -في وداعته- يلصقه بمحبته، التي جاهر بها بعد صلبه، إذ اشترك في تكفينه مع يوسف الرامي (يو 19: 39). وداعة الله تُعامل الخطاة بطول أناة. وطول أناته تنتظر توبتهم. وهو يود توبتهم، دون أن يعرضهم إلي عدالته ونقمته. وهكذا الإنسان الوديع لا ينتقم من المخطئين إليه، قائلًا في نفسه: "لا أنتقم من أحد، لئلا الله ينتقم أيضًا منى بسبب أخطائي"،ولا يفرح مطلقًا ببلية المسيئين إليه. لأن الفرحان ببلية لا يتبرأ" (أم 17: 5). 17 -والإنسان الوديع يضع أمامه أربع درجات في التعامل مع المخطئين: منها احتمال المخطئ إليه، فلا يغضب منه، ولا يثور عليه. ثم المغفرة للمخطئ، فلا يمسك عليه خطئيته، ولا يحقد عليه. ثم الصلح مع المخطئ، ولتكن المبادرة منه هو، كما قال الرسول: "مسرعين إلي حفظ وحدانية الروح برباط الصلح الكامل" (أف 4: 3). وأكثر من هذا كله: محبة هذا المخطئ، كأخ. والصلاة من أجله حسب وصية الرب "وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم" (مت 5: 44). وهو لا يفعل ذلك كله، إلا إذا كان قلبه واسعًا، وطبعه هادئًا. ويتشبه بإلهنا الوديع الذي قال عنه المرتل في المزمور إنه "لم يصنع معنا حسب خطايانا، ولم يجازنا حسب آثامنا (مز 103: 10). 18- وأكثر من هذا، فإن السيد المسيح الوديع يقيم عذرًا للمخطئين. فلما ذهب إلي بستان جثيمانى مع ثلاثة من أقرب تلاميذه إليه، وذلك في أحرج الأوقات، في الليلة التي سيُقبض فيها عليه. وكان يجاهد ونفسه حزينة حتى الموت (مت 26: 38). ولم يسهر تلاميذه معه في تلك الليلة، بل ناموا "لأن أعينهم كانت ثقيلة". وعلي الرغم من أنه عاتبهم قائلًا "أما قدرتم أن تسهروا معي ساعة واحدة؟!"، إلا أنهم ناموا أيضًا.. فقال لهم "ناموا الآن واستريحوا". والتمس لهم عذرًا في نومهم وتخليهم عنه، قائلًا "أما الروح فنشيط، وأما الجسد فضعيف" (مت 26: 41).. ما أعمق وداعتك يا رب! حتى هؤلاء النائمين في أحرج ساعات جهادك، تلتمس لهم عذرًا، بل تذكر أيضًا لهم شيئًا حسنًا، قائلًا عنهم "أما الروح فنشيط"! 19- الإنسان الوديع، لا يتشبث برأيه، ولا يكون عنيدًا. وإن دخل في مناقشة يكون هدفه أن يكسب من يناقشه، لا أن يكسب المناقشة ذاتها. لا يظهر للمناقش أخطائه، ولا يكشف له ضعف حجته. بل في إيجابية وديعة، يشرح وجهة نظره بأسلوب رقيق مقنع.. وهو في كسبه لمن يناقشه بكل لياقة وأدب، يمكنه أن يكسب المناقشة.. أما غير الوديع، فيتمسك بأية نقطة -مهما كانت صغيرة- ويقيم عليها مشكلة ومناقشة، ويكَبرها ويضخمها، ويصًير الحبة قبة كما يقول المثل! حتى ليعلق البعض قائلًا "أوقعت في يد فلان؟! فلينقذك الله منه إنه يمكن أن يستنتج لك أخطاء في كلامك، لم تفكر فيها قط!!" 20- الإنسان الوديع لا يحل إشكالًا بإشكال آخر.. إنه بطبيعته الوديعة يحب أن يبعد عن المشاكل، ويتفاداها بقدر طاقته. وإن وُجد أمام مشكلة، إما أن يحتملها في هدوء، أو أنه يعطيها مدي زمنيًا تُحل فيه، أو يجد لها حلًا في هدوء، أو أن يمررها دون أن تجعلها تمرره أو تمرر غيره.. المشكلة بالنسبة إليه كقطعة طين ألقيت في بحر واسع، فلم تعكر البحر، بل ذابت في أعماقه..! |
||||
10 - 01 - 2014, 05:42 PM | رقم المشاركة : ( 93 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
صفات الإنسان الوديع (5) 21 -الإنسان الوديع هو شخص (مهاود)، يميل إلي الطاعة: طبعًا يطيع في ما لا يخالف ضميره، وما لا يخالف وصية الله. أما باقي الأمور، فيكون فيها سهل الاستجابة، ولا يجعلها موضعًا للجدل وللنقاش. أما غير الوديع، فقد يكون صلبًا وشديدًا في كل ما يُطلب منه. ويظل يضع أسئلة وعراقيل: لماذا تريد؟ وكيف يمكن التنفيذ، وهناك صعاب؟ ولماذا تطلب منى أنا بالذات؟ وعلام الإسراع؟ لماذا لا تنتظر؟ ومن قال لك إن وقتي يسمح وإن ظروفي تسمح؟! ويستمر في المعارضة.. وقد ينتهي به الأمر أن يرفض، أو قد يوافق أخيرًا، بشروط، وبعد تعب في الأخذ والرد. 22- أما الوديع، فإنه يريد باستمرار أن يريح غيره. والخير الذي يستطيع أن يعمله لأجل غيره، فإنه يعمله بكل محبة وكل هدوء، وبدون جدل، وبدون إبطاء. وكما قال الكتاب "لا تمنع الخير عن أهله، حين يكون في طاقة يدك أن تفعله.." (أم 3: 27). 23 -لذلك فالإنسان الوديع يكون مستعدًا لأداء أية خدمة. سواء كان ذلك في نطاق عمله الرسمي أو تطوعًا منه: لأن هناك نوعًا من الموظفين الرسميين ليست لهم روح الخدمة ولا روح الوداعة في الاستجابة لطلبات الجماهير. ولذلك قلتُ مرةً: إن الموظف الوديع المريح يجد حلًا لكل مشكلة. أما الموظف المتعب المعقد، فإنه يجد مشكلة لكل حل!! ولكن الوديع يعمل باستمرار على إراحة غيره، حتى لو لم يكن مسئولًا عن ذلك رسميًا. إنه يستجيب بكل بشاشة لكل طلب يُطلب منه، وحتى دون أن يُطلب منه، يعمل تطوعًا لخير غيره وراحته.. 24 -وإن نال الوديع مركزًا أو سلطة يستخدم ذلك لمنفعة الناس. لا يرتفع قلبه بالمركز أو السلطة، بل يظل خادمًا للجميع، محققًا للناس ما يستطيع أن يحققه لهم عن طريق سلطته وإمكانياته. كما قال السيد الرب "إن ابن الإنسان لم يأتِ ليُخدم بل ليخدِم، وليبذل نفسه فدية عن كثيرين" (مت 20: 28). 25 -من أجل هذا كله، يكون الوديع باستمرار شخصًا محبوبًا. الناس يحبون فيه طيبة قلبه، وبشاشة ملامحه، وحسن تعامله، وطاعته وخدمته للكل، ورقة أسلوبه. وبسبب ذلك يدافعون عنه إن أصابته أية أذية. الكل يدافع عنه، وإن كان هو لا يدافع عن نفسه. والشخص الذي يستغل طيبته ويظلمه، يتعبه ضميره ويخاف، لأنه قد أذي إنسانًا طيبًا لا يؤذي أحدًا! |
||||
10 - 01 - 2014, 05:42 PM | رقم المشاركة : ( 94 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
صفات الإنسان الوديع (6) 26 -والإنسان الوديع له سلام في قلبه، لا يتعب من أحد. وإن ضغطت عليه الظروف وتعب، لا يظهر تعبه في الخارج بهيئة ضيق أو نرفزة، أو يرد الإهانة بمثلها.. كلا، فهو كما أن له سلامًا داخل قلبه، كذلك له سلام مع الناس. 27 -ومن صفات الوديع: الهدوء والبعد عن العنف. إن العنف هو عكس الوداعة تمامًا. فحتى لو كان الوديع في موضع المسئولية، وكان من واجبه أن يوبخ وينتهر، فإنه يفعل ذلك أيضًا في غير عنف. وإن اضطرته مسئولياته أن يحكم على أحد، فإنه يحكم في غير ظلم. وإن لجأ إلي العتاب أو النصح، فإنه يكون رقيقًا في نصحه، وهادئًا ومحبًا في عتابه. ينطبق عليه ما قلناه مرة في رثاء الأرشيدياكون حبيب جرجس: يا قويا ليس في طبعه عُنف ووديعًا ليس في ذاته ضعفُ يا حكيمًا أدَب الناس وفي زجره حبٌ وفي صوته عطفُ لك أسلوب نزيه طاهرٌ ولسانٌ أبيض الألفاظ عفُ لم تنل بالذم إنسانًا ولم تذكر السوء إذا ما حلَ وصفُ إنما بالحب والتشجيع قد تصلح الأعوج، والأكدرُ يصفو 28 -الإنسان الوديع هو إنسان بسيط. ونقصد بالبساطة عدم التعقيد. فقد يكون بسيطًا وحكيمًا في نفس الوقت. كما قال السيد الرب "كونا بسطاء كالحمام، وحكماء كالحيات.." (مت 10: 16).. فهو يكون في عقله حكيمًا، وفي تصرفاته بسيطًا.. بقي أن أحدثك عن كيف تُقتنى الوداعة؟ وكيف يفقدها البعض؟ |
||||
10 - 01 - 2014, 05:43 PM | رقم المشاركة : ( 95 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
|
||||
10 - 01 - 2014, 05:45 PM | رقم المشاركة : ( 96 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
اقتناء الوداعة هناك من وُلدوا من بطون أمهاتهم ودعاء، بطبع هادئ لم يتعبوا في اقتنائه، إنما نالوه عن طريق الوراثة، أو هبة من الله وهبهم إياها، بعكس البعض الذين يُولدون بطبع ناري يميل إلي العصبية أو إلي العنف.. ولسنا عن الوعاء بالطبع أو الميلاد أو الهبة، نتكلم هنا.. إنما نتحدث بصفة عامة عن كيفية اقتناء الوداعة أو تعوَدها.. والإنسان الذي يصل إلي الوداعة بجهاد وضبط النفس ومحاولات للسيطرة على أعصابه وعلي إرادته، هذا يكون أجره عند الله أكبر. إنه يجاهد -ربما بتداريب كثيرة- لكي يضبط ذاته، ويضبط أفكاره وألفاظه، وحركاته، ويقتنى كل أنواع الهدوء.. ويتخلص من الغضب والنرفزة بكل أنواعها وكل نتائجها. إنها وداعة ليست طبيعية وإنما مكتسبة. مثالها القديس موسى الأسود، الذي كان غضوبًا وقتالا وحاد الطبع، بل كان مخيفًا أيضًا. ولكنه بضبط النفس، وبالتدريب والصبر، وبحكمة المرشد ومعونة الله، صار وديعًا جدًا. وقد اختبروا وداعته يوم سيامته قسًا، ونجح في الاختبار. ومادام الله يطلب منا أن نكون ودعاء، فلابد أنه قد وضع في إمكانية طبيعتنا الوصول إلي هذه الفضيلة، وتنفيذ وصيته فيها (مت 11: 29). *تدرب يا أخي إذن على الهدوء، وابدأ مثلًا بهدوء الصوت: في حديثك العادي، أبعد عن الصوت العالي. وحاول أن يكون صوتك منخفضًا خفيفًا ولا شك أن هذا أمر سهل. تدرج منه إلي الصوت الهادئ غير الحاد. فلا تتكلم بعنف ولا بشدة، محتفظًا بأعصابك حينما تتكلم، متحكمًا في نبرات صوتك.. فإن تدربت على هدوء الصوت، تدرَب أيضًا على هدوء الملامح. لأن الشخص الغضوب، يظهر غضبه في ملامحه، وفي نظرات عينيه، وفي تجهمه وتقطيب جبينه. فإن وجدت أنك قد وصلت إلي هذا كله، أو إلي بعض منه، قل لنفسك: إن شكلي الآن أصبح لا يليق، بل ربما أصبح منفرًا.. وحينئذ حاول أن تُهدئ ملامحك وستجد أنك مضطر في نفس الوقت أن تهدئ انفعالاتك الداخلية.. *نقطة ثالثة: وهي هدوء الحركات. الشخص الغضوب قد يظهر غضبه في عدم هدوء حركاته، وبخاصة في حركات يديه في العسكرية لا يستطيع جندي أن يحدَث أحد رؤسائه وهو يحرك إحدى يديه، بل يُقال له "اثبت".. كذلك أنت، حاول أن تضبط ليس فقط حركات يديك، بل حركاتك،وكن هادئًا في جلستك، وفي مشيتك، لا تتململ، ولا تظهر العصبية عليك، ولا تبدو أمام الناس منفعلًا.. *وفي كل ذلك تدرَب على هدوء ألفاظك. غير الودعاء تصدر عنهم ألفاظ قاسية عنيفة، أو ألفاظ متهكمة تثير محدثيهم، أو ألفاظ تدخل في نطاق الشتيمة والإهانة. أو أنهم في غضبهم: إذا تكلموا لا يراعون دقة الألفاظ فتمسك عليهم أخطاء. وقد يكونون في كلامهم غير مهذبين، يستخدمون ألفاظًا جارحة، أو غير لائقة، أو ألفاظًا تخرج عن حدود الأدب والوقار والحشمة. وكل هذا ضد الوداعة.. أما أنت فحاول أن تضبط ألفاظك. وإن لم تستطع ذلك في غضبك، إذن حاول أن تضبط غضبك. أو على الأقل: إن غضبت، اصمت. وقل "ضع يا رب حافظًا لفمي، وبابًا حصينًا لشفتي" (مز 141: 3). *علي أن أهم من هذا كله، هدوء القلب ووداعته. فالوداعة في أصلها هي وداعة القلب. القلب الوديع يكون وديعًا في كل شيء: في صوته، في ملامحه، في ألفاظه، في أعصابه، في حركاته. لأن كل هذه مظاهر خارجية تعبر عن حالة القلب من الداخل. ومع ذلك فالتدريب عليها يوصل إلي وداعة القلب، أو ينبه القلب إلي الالتزام بالوداعة. *علي أن وداعة القلب ترتبط بفضائل أخري كثيرة. لعل في مقدمتها التواضع. فالإنسان المتواضع يتصرف في وداعة. والسيد المسيح جمع الفضيلتين معًا في آية واحدة، حينما قال "تعلموا منى لأني وديع ومتواضع القلب" (مت 11: 29)؟ كذلك المحبة أيضًا إن عاش الإنسان فيها، يحيا بالضرورة في حياة الوداعة. فالمحبة كما قال الرسول: تتأنى، وترفق، ولا تقبح، ولا تحتد، ولا تظن السوء، وتحتمل كل شيء، وتصبر على كل شيء (1كو 13: 4-7). وكل هذه من صفات وعناصر الوداعة أيضًا. كذلك الوداعة ترتبط بفضائل اللطف، والهدوء، وطول الروح، وسعة الصدر، والتسامح، وربح النفوس، والحكمة. فمن يقتنى هذه الفضائل وأمثالها، يقتنى الوداعة أيضًا. والوداعة تُقتنى أيضًا بعمل النعمة في القلب. ويحتاج الإنسان أن يطلب ذلك في صلاته، وأن يتجاوب عمليًا مع عمل النعمة فيها ويشترك مع الروح القدس الذي يقوده إلي الوداعة. فإن اقتنينا الوداعة، نحرص ألا نفقدها. فما أسباب فقدها. |
||||
10 - 01 - 2014, 05:46 PM | رقم المشاركة : ( 97 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
أسباب فقد الوداعة هناك أسباب إذا سلك فيها الإنسان بطريق خاطئ، فإنها تفقده وداعته، أو لا تساعده على اقتنائها من بادئ الأمر. نذكر من بينها: السلطة والمركز والغنى وسائر نواحي العظمة: أحيانًا يتولي إنسان منصبًا رفيعًا، فيظن أنه من مستلزمات المنصب أن يأمر وينهى ويزجر وينتهر، ويتعالي وينظر إلي الآخرين من فوق. وهكذا يفقد وداعته وتواضعه أيضًا، ويدخله روح التسلط.. ولكن ليست المناصب العليا أمرًا مانعًا للوداعة. فهناك عظماء ودعاء، جمعوا بين الرئاسة والوداعة. مثل داود النبي وهو قائد للجيش في عهد شاول الملك (ا صم 18: 5)، كان وديعًا ويختلط بالناس في محبة "وكان جميع إسرائيل ويهوذا يحبون داود لأنه كان يخرج ويدخل أمامهم" (1 صم 18: 16). والسيدة العذراء وصلت إلي أعلي مركز تصل إليه امرأة، إذ أن جميع الأجيال تطوبها (لو 1: 48) ومع ذلك لم تفقد وداعتها. والسيد المسيح نفسه في كل مجده، كان وديعًا. لكن الذي يستغل المنصب والعظمة استغلالًا خاطئًا، فهذا الذي يفقد الوداعة، مثل الكتبة والفريسيين (مت 23). وهامان في سفر أستير. *ويدخل في نطاق العظمة أيضًا: الغنى والمال: وعلي الرغم من ذلك نقرأ في التاريخ عن أغنياء كانوا ودعاء، وكانوا يختلطون بالفقراء والمحتاجين يحلَون لهم مشاكلهم مثل المعلم إبراهيم الجوهري وأخيه المعلم جرجس الجوهري. *وقد يفقد البعض وداعتهم، إذا ما دخلوا في مجال إصلاح الآخرين، بطريقة خاطئة. ويظن هؤلاء أن وسيلة الإصلاح لا تأتى إلا بالعنف والشدة. أو أن الدفاع عن الحق لا يتم إلا بالتشهير، وإدانة المخطئين أو من يظنونهم مخطئين، بسَبهم علنًا وتحريض الناس ضدههم. ويحسبون أنهم بذلك يخلعون الزوان من الأرض، بينما يخلعون الحنطة معه (مت 13: 29). ولا يضعون أمامهم قول السيد الرب "أخرج أولًا الخشبة من عينك وحينئذ تبصر جيدًا أن تخرج القذى من عين أخيك" (مت 7: 5). مشكلة أولئك وأمثالهم أنهم يفقدون وداعتهم، ويرتكبون العديد من الخطايا، دون أن يدركو ذلك، بل على العكس يفتخرون بما يفعلون..! وأكثر من ذلك يحسبون أنفسهم أبطالًا ومصلحين..! *يذكرني هذا بأشخاص يُعهد إليهم بتنظيم أحد الاجتماعات. وباسم العمل على حفظ النظام، ينتهرون، ويصيحون. بل ويمنعون ويطردون ويستخدمون كل القسوة في عملهم، وأحيانًا لا نسمع ضوضاء في الاجتماع، إلا ما يصدر من أصوات المنظمين! لماذا لا يعمل أولئك على حفظ النظام في هدوء، وفي غير عنف. مثل عصا الراعي التي ينظم بها مسيرة غنمه، بالإشارة واللمس دون أن يضرب. لذلك يقول المرتل في مزمور الراعي "عصاك وعكازك هما يعزيانني" (مز 23: 49). *البعض يفقد وداعته باسم الصراحة وقول الحق: وباسم الصراحة يجرح شعور الآخرين بطريقة منفرة مؤذية. والعجيب أنه يقول في افتخار "أنا إنسان صريح. أقول للأعور أنت أعور، في عينه"! ولماذا يا أخي تجرحه وتؤلمه بصراحتك هذه، الخالية من المحبة، ومن اللياقة؟! أما كان ممكنًا أن تستخدم أسلوبًا آخر؟! إن السيد المسيح كان صريحًا مع المرأة السامرية، في رفق بأسلوب لم يجرح فيه مشاعرها، بل امتدحها فيما تستحق فيه المديح (يو 4: 17، 18). وبهذا الأسلوب الرقيق الرفيع، اجتذبها إلي الإيمان. *وقد يدخل في موضوع الصراحة هذه العتاب. فقد يوجد إنسان -بالعتاب- يربح أخاه. بينما آخر، بفقده للوداعة في عتابه يفقد صديقه أيضًا. وقد قال الشاعر في هذا: ودَعْ العتاب فربَ شرً كان أوله العتابا *إنسان آخر يفقد وداعته بسبب الحزم. والحزم ليس معناه بالضرورة العنف. فما أسهل أن يكون الإنسان حازمًا ووديعًا. يأخذ موقفًا أزمًا، وفي نفس الوقت يشرح سبب هذا الحزم بطريقة مقنعة لا تفقده محبة من يستخدم الحزم معهم. وهكذا يفعل الأب مع أبنائه، يتصرف بحزم ممزوج بالمحبة والإقناع. وبمثل هذا الحزم أيضًا يتصرف رئيس مع مرؤوسيه، ولكن بحزم بعيد عن الغضب والنرفزة، بل بحكمة رصينة هادئة. بهذا الحزم منع الرب داود النبي من بناء الهيكل، شارحًا السبب في ذلك (ا أي 28: 3، 6). وفي نفس الوقت لم يجرح شعور داود، ولم يتعارض ذلك مع محبته له. * البعض يفقد وداعته بسبب الحرص على كرامته الشخصية. وهذا أمر رديء فالكرامة الحقيقية هي أن يحتفظ الإنسان بالصورة الإلهية التي خُلق بها (تك 1: 26). ولكي نكون على صورة الله وشبهه، ينبغى أن نكون ودعاء مثله. *والبعض يفقد الوداعة في مجال الشجاعة. |
||||
10 - 01 - 2014, 05:49 PM | رقم المشاركة : ( 98 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
الوداعة لا تتعارض مع الشجاعة والشهامة الوداعة هي الطيبة، واللطف والهدوء. ولكن لا يصح أن تُفهم فهما خاطئًا. وكأن الوديع يبقي بلا شخصية ولا فاعلية، ويصبح كجثة هامدة لا تتحرك!! بل قد يصير هزأة يلهو بها الناس!! وبالفهم الخاطئ يتحول هذا (الوديع) إلي إنسان خامل لا يتدخل في شيء! كلا. هذا كلام غير مقبول لا يتفق مع تعليم الكتاب، ويُفقد الوداعة صفتها كفضيلة. ولا يتفق مع سير الآباء والأنبياء. حقًا إن الإنسان الوديع هو شخص طيب وهادئ. ولكن هذا هو نصف الحقيقة. أما النصف الآخر فهو أن الوداعة ليست منفصلة أو متعارضة مع باقي الفضائل كالشهامة مثلًا أو الشجاعة. وإنما "لكل شيء تحت السموات وقت" كما يقول الكتاب (جا 3: 1). نعم، هكذا يعلمنا الكتاب "للغرس وقت، ولقلع المغروس وقت.. للسكوت وقت، وللتكلم وقت" (جا 3: 2، 7). هكذا أيضًا بالنسبة إلي الوديع: يعرف متى يهدأ، ومتى ينفعل؟ متى يصمت، ومتى يتدخل؟ ولقد سئل القديس الأنبا أنطونيوس الكبير مرة عن أعظم الفضائل: هل الصلاة أم الصوم أو الصمت..؟ فأجاب إن أهم فضيلة هي الإفراز: أي الحكمة في التصرف، أو تمييز ما ينبغي أن يُعمل. الطيبة هي الطبع السائد عند الوديع. ولكن عندما يدعوه الموقف إلي الشهامة أو الشجاعة أو الشهادة للحق، فلا يجوز له أن يمتنع عن ذلك بحجة التمسك بالوداعة..! لأنه لو فعل ذلك، وامتنع عن التحرك نحو الموقف الشجاع، لا تكون وداعته حقيقية. إنما تصير رخاوة في الطبع، وعدم فهم للوداعة، بل عدم فهم للروحانية بصفة عامة. فالروحانية ليست تمسكًا بفضيلة واحدة، تُلغى معها باقي الفضائل. إنما الروحانية هي كل الفضائل معًا، متجانسة، ومتعاونة في جو من التكامل. وأمامنا أمثلة كثيرة من الكتاب في مقدمتها السيد المسيح له المجد. |
||||
10 - 01 - 2014, 05:52 PM | رقم المشاركة : ( 99 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
السيد المسيح كمثال للوداعة والشجاعة في آن واحد إنه وديع ومتواضع القلب (مت 11: 29) "قصبة مرضوضة لا يقصف، وفتيلة مدخنة لا يطفئ" (مت 12: 20).. ومع ذلك فإنه لما رأي اليهود قد دنسوا الهيكل. وهم يبيعون فيه ويشترون، "أخرججميع الذين كانوا بيبعون ويشترون في الهيكل، وقلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام. وقال لهم: مكتوب بيتى بيت الصلاة يُدعى. وأنتم جعلتموه مغارة لصوص" (مت 21: 12، 13) (يو 2: 14- 16). أكان ممكنًا للمسيح -باسم الوداعة- أن يتركهم يجعلون بيت الآب بيتًا للتجارة؟! أم أنه مزج الوداعة بالغيرة المقدسة كما فعل."فتذكر تلاميذه أنه مكتوب: غيرة بيتك أكلتني" (لو 2: 16، 17). وكما قام السيد المسيح بتطهير الهيكل، هكذا وبخ الكتبة والفريسيين. حقًا "لكل أمر تحت السموات وقت". للهدوء وقت، وللغيرة المقدسة وقت. للسكوت وقت، وللتعليم وقت. وقد كان الكتبة والفريسيون يضلون الناس بتعليمهم الخاطئ. فكان على المعلم العظيم أن يكشفهم، ولا يبقيهم جالسين على كرسي موسي في المجتمع المسيحي الجديد. فقال لهم "ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون. لأنكم تغلقون ملكوت السموات قدام الناس. فلا تدخلون أنتم، ولا تدعون الداخلين يدخلون" (مت 23: 13). هل كان ممكنًا -باسم الوداعة- أن يتركهم يغلقون أبواب الملكوت؟! الوداعة فضيلة عظيمة. ولكنها لا تمنع من الغيرة المقدسة. وكذلك لا تمنع من الشهادة للحق، كما فعل السيد المسيح له المجد. والشهادة للحق أمر هام يريده الله. ولعل أهميته تظهر من قول الله على لسان أرميا النبي في العهد القديم "طوفوا في شوارع أورشليم وانظروا واعرفوا، وفتشوا في ساحاتها هل تجدون إنسانًا أو يوجد عامل بالعدل طالب الحق، فاصفح عنها؟" (أر 5: 1)، وقال الرب لتلاميذه:"..وتكونون لي شهودًا" (أع 1: 8). |
||||
10 - 01 - 2014, 05:53 PM | رقم المشاركة : ( 100 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
بولس الرسول ما بين الشجاعة والوداعة نضع أمامنا موقفه من القديس بطرس الرسول، لما سلك مع الأمم مسلكًا رآه بولس الرسول مسلكًا ريائيًا. فقال القديس بولس في ذلك "قاومته مواجهة أنه كان ملومًا. وقلت لبطرس قدام الجميع: إن كنت وأنت يهودي تعيش أمميًا لا يهوديًا، فلماذا تلزم الأمم أن يتهودوا؟!" (غل 2: 11، 14). ومعروف عن القديس بولس أنه إنسان وديع. أليس هو القائل في رسالته الثانية إلي أهل كورنثوس "أطلب إليكم بوادعة المسيح وحلمه، أنا نفسي بولس، الذي هو في الحضرة ذليل بينكم. وأما في الغيبة فمتجاسر عليكم.." (2 كو 10: 1). بولس الوديع هذا -حينما اضطرته الضرورة- وبخ القديس بطرس الرسول، الذي كان أقدم منه في الرسولية، وأكبر منه سنًا، وكان أحد أعمدة الكنيسة (غل 2: 9). ولكن وداعة القديس بولس لم تمنعه من توبيخ ذلك الشيخ الكبير، ومواجهته قدام الناس. إن فضيلة الوداعة لا يجوز لها أن تعطل باقي الفضائل. |
||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|