رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ثمر الروح القدس بقلم الدكتور القس منيس عبد النور هذا الكتاب المسيحية هي حياة نحياها في المسيح، فنقول: "لي الحياة هي المسيح" (فيلبي 21:1) وشعاره: "فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيَّ" (غلاطية 20:2). ولما كان المسيح حياً، فإنه يحيا في المؤمن به، الذي يثبت فيه ثبوت الغصن في الكرمة فيأتي بثمرٍ كثير، كما قال المسيح: "أنا الكرمة وأنتم الأغصان. الذي يثبت فيَّ وأنا فيه هذا يأتي بثمرٍ كثير، لأنكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً" (يوحنا 5:15). ودُعيت المسيحية أول الأمر "الطريق" (أعمال 9: 2) لأنها أسلوب حياة، مركزه المسيح. فليست هي مجرد مجموعة عقائد وشرائع وممارسات، بل حياةٌ شريعتها المحبة. وقد لخَّص المسيح شريعته كلها في قوله: "الربُّ إلهنا ربٌّ واحدٌ. وتحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل فكرك، ومن كل قدرتك. هذه هي الوصية الأولى. وثانية مثلها: تحب قريبك كنفسك" (مرقس 29:12-31). وعندما نتساءل: كيف ننفِّذ الشريعة كلها، يجيئنا الجواب في قول المسيح: "أتيتُ لتكون لهم حياة، وليكون لهم أفضل" (يوحنا 10:10). فالحياة الفُضلى هي هدف مجيء المسيح إلى أرضنا يوم دخلها مولوداً من العذراء القديسة مريم. وهو يحقق هذا الهدف لكل من يفتح قلبه له ليدخل إليه ويحيا فيه بالروح القدس، فيثمر ثمراً كثيراً ودائماً. ويشرح هذا الكتاب للقارئ كيف يغيِّر المسيح الإنسان بعمل الروح القدس في قلبه، ثم كيف يمتلكه ويسود على حياته، فيجعله يثمر محبةً وفرحاً وسلاماً في علاقته بالله، وطول أناةٍ ولطفاً وصلاحاً في علاقته بالبشر، وإيماناً ووداعة وتعففاً في حياته الشخصية. ويرجو الكاتب للقارئ أن يختبر في حياته الشخصية كل ثمر الروح القدس. في هذا الكتاب القسم الأول - الحياة المسيحية حياة جديدة الفصل الأول - حالة الوثنيين الفصل الثاني - حالة المؤمنين الفصل الثالث - فضائل المؤمنين القسم الثاني - الحياة المسيحية تحت سيادة الروح القدس الفصل الرابع - من هو الروح القدس؟ الفصل الخامس - كيف نمتلئ من الروح القدس؟ القسم الثالث - ثمر الروح القدس الفصل السادس - مقدمة الفصل السابع - ثمر الروح القدس الثمرة الأولى - المحبة الثمرة الثانية - الفرح الثمرة الثالثة - السلام الثمرة الرابعة - طول الأناة الثمرة الخامسة - اللطف الثمرة السادسة - الصلاح الثمرة السابعة - الإيمان الثمرة الثامنة - الوداعة الثمرة التاسعة - التعفُّف |
27 - 12 - 2013, 06:08 AM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
القسم الأول الحياة المسيحية حياة جديدة الفصل الأول حالة الوثنيين «ف َأَقُولُ هَذَا وَأَشْهَدُ فِي الرَّبِّ، أَنْ لاَ تَسْلُكُوا فِي مَا بَعْدُ كَمَا يَسْلُكُ سَائِرُ الأُمَمِ أَيْضاً بِبُطْلِ ذِهْنِهِمْ، إِذْ هُمْ مُظْلِمُو الْفِكْرِ، وَمُتَجَنِّبُونَ عَنْ حَيَاةِ اللهِ لِسَبَبِ الْجَهْلِ الَّذِي فِيهِمْ بِسَبَبِ غِلاَظَةِ قُلُوبِهِمْ. اَلَّذِينَ إِذْ هُمْ قَدْ فَقَدُوا الْحِسَّ، أَسْلَمُوا نُفُوسَهُمْ لِلدَّعَارَةِ لِيَعْمَلُوا كُلَّ نَجَاسَةٍ فِي الطَّمَعِ » (أفسس 17:4-19). جاء المؤمنون بالمسيح من خلفية وثنية جاهلية، وحملوا معهم صفات الأمم الوثنية وعاداتها الجاهلية. فطلب منهم الرسول بولس أن لا يسلكوا كما سبق أن سلكوا، ولا كما يسلك بقية الوثنيين، وقال لهم: "أشهد في الرب: أن لا تسلكوا فيما بعد كما يسلك سائر الأمم أيضاً ببُطل ذهنهم" (آية 17). كان الرسول بولس يعرف فكر الرب، لأنه أعلنه له، فشهد للرب، وفي الرب الذي طلب منه أن يكون شاهداً له. فهو يتكلم باسم الرب وبسلطان المسيح، وعلى السامع والقارئ أن يطيع الأمر: "أيها الإخوة نسألكم ونطلب إليكم في الرب يسوع، أنكم كما تسلَّمتم منّا كيف يجب أن تسلكوا وتُرضوا الله، تزدادون أكثر" (1تسالونيكي 1:4). أما طلب الرسول فهو: "أن لا تسلكوا فيما بعد كما يسلك سائر الأمم أيضاً ببُطل ذهنهم" (آية 17). كان أهل أفسس في ضلال وجاهلية، فكلَّف الله الرسول بولس بتوصيل رسالة الخلاص والنور لهم، وقال له: "لتفتح عيونهم، كي يرجعوا من ظلماتٍ إلى نور، ومن سلطان الشيطان إلى الله، حتى ينالوا بالإيمان بي غفران الخطايا ونصيباً مع المقدَّسين " (أعمال 18:26). فلما انفتحت عيونهم كان عليهم أن يعتزلوا الفساد القديم، وأن لا يمسّوا نجساً (2كورنثوس 17:6). فالسلوك الجديد هو طريقٌ جديد للحياة يختلف عن الطريق القديم الذي كانوا يسلكونه، وهو العمل الظاهر والخفي، وهو السيرة. ولا يتحدث الرسول بولس عن الوثنيين باحتقار، كما احتقر الفريسي العشار وقال عنه: "ذلك العشار" (لوقا 9:18-14) فإن الفكر الوثني الباطل هو من عمل الشيطان، والسلوك الطاهر هو من عمل الروح القدس في القلب. ولم يحدث التغيير في حياة المؤمنين نتيجة مجهودهم، بل نتيجة قبولهم لخلاص المسيح المجاني، فتغيَّرت حياتهم. ويقول الكاتب الروماني بلني الصغير في رسالةٍ كتبها إلى الإمبراطور تراجان، في القرن الثاني المسيحي: "يعيش المسيحيون حياة الطهارة وسط الفساد الكثير". وما أعظم الفرق بين ما كان، وما صار، بفضل نعمة المسيح المجدِّدة. بُطل ذهن الوثنيين كان الوثنيون يسلكون بحسب "بُطل ذهنهم". والذهن هو القلب والعقل والضمير، وهذه الثلاثة هي التي تحمل معرفة الله، وتقود إلى الحكمة الصحيحة. لكن "ذهن" الوثنيين باطل، بمعنى أنه بدون هدف، وعديم القيمة، وفارغ من كل ما هو حق وجليل وعادل وطاهر. وكان باطلاً، لأنهم لم يستعملوا قوة العقل التي أعطاها الله لهم للخير، بل للشر، فوجب عليهم أن يسمعوا قول النبي إشعياء: "لماذا تَزِنون فضةً لغير خبز، وتعبكم لغير شِبع؟" " (إشعياء 2:55). وقد ظهر بُطل ذهن الوثنيين في أنهم "لما عرفوا الله لم يمجدوه أو يشكروه كإله، بل حمقوا في أفكارهم وأظلم قلبهم الغبي". فكان أن: "أسلمهم الله إلى ذهنٍ مرفوض ليفعلوا ما لا يليق" لأنهم كانوا "يحجزون الحق بالإثم" (رومية 21:1 و28). وهذا ما لا يفعله المؤمنون الذين رجعوا من الأباطيل إلى الله الحي الذي خلق السماء والأرض والبحر وكل ما فيها (أعمال 15:14). فكيف يقدرون بعد ذلك أن يسلكوا كما يسلك الوثنيون ببُطل ذهنهم؟ لقد تغيَّروا عن شكلهم بتجديد أذهانهم! |
||||
27 - 12 - 2013, 06:09 AM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
سبع صفات للوثنيين وفي آيتي 18 و19 قدَّم الرسول بولس سبع صفات للوثنيين، هي تمام البُطل والفساد، فيقول: "إذ هم مظلمو الفكر، ومتجنّبون عن حياة الله، لسبب الجهل الذي فيهم، بسبب غلاظة قلوبهم. الذين إذ هم قد فقدوا الحِس، أسلموا نفوسهم للدعارة، ليعملوا كل نجاسة في الطمع". فلنتأمل هذه الصفات السبع: 1 - "مظلمو الفكر": أظلم فكر الوثنيين بفعل الخطية، لأن الانغماس في ارتكابها يُظلِم العقل ويدمر الجسد. واستمر تأثير الظلام في قلوبهم. كانوا بعقولهم يعرفون الفلسفة (وهي حُب الحكمة)، ولكنها لم تحكّم سلوكهم. سأل الوالي بيلاطس السيد المسيح: "ما هو الحق؟" (يوحنا 38:18). ولكنه لم ينتظر حتى يسمع الإجابة، لأن فكره المظلم بجاهلية الوثنية لم يكن مستعداً لقبول الحق. زعم الوثنيون أنهم حكماء ولكنهم كانوا جهلاء. كان نور العلم الذي عندهم ظلاماً! ومنهم أهل أثينا الذين "لا يتفرَّغون لشيء آخر إلا لأن يتكلموا أو يسمعوا شيئاً حديثاً" (أعمال 21:17). ويشرح الرسول بولس سبب ظلام فكرهم فيقول: "الإنسان الطبيعي لا يقبل ما لروح الله، لأنه عنده جهالة. ولا يقدر أن يعرفه لأنه إنما يُحكَم فيه روحياً" (1كورنثوس 14:2). والإنسان الطبيعي العادي، الذي لم يجدِّده الروح القدس لا يقبل الأمور الروحية، لأنه لا يعرف قيمة الحقائق التي أعلنها الروح القدس في كتاب الله، ولا يصدِّقها ولا يخضع لها، لأنه يظنها جهالةً لا فائدة فيها. والإنسان الطبيعي العادي لا يقدر أن يعرف الأمور الروحية، ولا قيمتها، لأن الذين يحبون الظلمة لا يعرفون قيمة النور. ولا يقدر أحدٌ أن يحكم في إعلانات الله الروحية إلا الإنسان الروحي الذي أناره الروح القدس وغيَّر قلبه. أما الإنجيل فهو مكتوم في الهالكين (2 كورنثوس 3:4). صحيح أن فكر الوثنيين العقلي قد يكون مستنيراً بالفلسفة والعلم. لكن فكرهم الروحي مظلم بالخطية والشر. وماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر معرفة المسيح، فخسر نفسه؟! 2 - "متجنِّبون عن حياة الله": أبعد الوثنيون أنفسهم بإرادتهم عن الحياة التي يعطيها الله، وهي الحياة التقية ذات المعنى! صحيحٌ أنهم كانوا "أجنبيّين عن رعوية إسرائيل" لأن الله لم يخلقهم وسط الشعب الذي أعطاه الشريعة . ولو أن هذا ليس ذنبهم. لكن الذنب أنهم جنَّبوا أنفسهم باختيارهم عن حياة التقوى التي تُرضي الله، فلم يفتحوا قلوبهم لله، وأبعدوا أنفسهم عن معرفته، وحرموا أنفسهم من الأُنس به، فضاعت منهم "حياة الله". لقد نفخ الله في آدم نسمة حياة، لكن الخطاة أبعدوا أنفسهم عنها! ولا معنى للحياة بالجسد بدون حياة الروح. ويريد الله لنا حياة الروح، وقد كلَّف الرسول بولس أن يكرز للوثنيين ليفتح عيونهم، كي يرجعوا من ظلماتٍ إلى نور، ومن سلطان الشيطان إلى الله، حتى ينالوا غفران الخطايا ونصيباً مع المقدَّسين (أعمال 18:26). 3- "الجهل الذي فيهم": والجهل هنا هو الجهل الروحي، الذي قال عنه المسيح: "تضلّون إذ لا تعرفون الكتب ولا قوة الله" (مرقس 24:12). وقال أيضاً: "فتِّشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية، وهي التي تشهد لي. ولا تريدون أن تأتوا إليَّ لتكون لكم حياة" (يوحنا 39:5 و40). كان السامعون يعرفون الكتب بعقولهم، لكن قلوبهم لم تدركها، فكان جهلهم الجهل الروحي، الذي ينبع من الظروف الشريرة المحيطة بالإنسان، أو الذي ينتج عن شر الإنسان نفسه. قال الرسول بطرس للخطاة الذين رفضوا المسيح وصلبوه: "أنا أعلم أنكم بجهالةٍ عملتم" (أعمال 17:3). ويقول الرسول بولس: "الله الآن يأمر جميع الناس في كل مكان أن يتوبوا، متغاضياً عن أزمنة الجهل" (أعمال 30:17). لقد أظهر الله قدرته للبشر في خليقته ومصنوعاته، لكن قلبهم الغبي أظلم! 4 - "غلاظة قلوبهم": القلب الغليظ هو القلب الحجري. وكلمة "غلاظة" تصف عدة أشياء: فهي اسم نوعٍ من الحجر القوي، الأكثر صلابةً من الرخام. وهي تصف الجزء الذي يصيبه مرض "الكالو" في الجسم، فلا يشعر ولا يحس، لكنه يُتعِب ويؤذي. كما تصف ترسُّب الكالسيوم في مفاصل الجسم فيمنع حركتها. والمقصود أن قلب هؤلاء الأمم كان قاسياً كالحجر، ميتاً مؤذياً مثل الكالو، ملآناً بالحجر الذي يمنع الحركة نحو الخير والحق! وقد تجيء غلاظة القلب بفعل الشيطان، الذي يُعمي الذهن، فإن "إله هذا الدهر قد أعمى أذهان غير المؤمنين لئلا تضيء لهم إنارة إنجيل مجد المسيح، الذي هو صورة الله" (2كورنثوس 4:4). وقد تجيء غلاظة القلب من الإنسان نفسه، كما أغلظ فرعون قلبه، فتركه الله لغلاظة قلبه (خروج 15:8 و32). وقد تكون غلاظة القلب عقاباً للإنسان الذي يصرُّ على عصيان الله، كما يقول الإنجيل: "ومع أنه (المسيح) كان قد صنع أمامهم آيات هذا عددها، لم يؤمنوا به، ليتم قول إشعياء النبي: يارب، من صدَّق خبرنا، ولمن استُعلِنت ذراع الرب؟ لهذا لم يقدروا أن يؤمنوا، لأن إشعياء قال أيضاً: قد أعمى عيونهم وأغلظ قلوبهم لئلا يبصروا بعيونهم ويشعروا بقلوبهم، ويرجعوا فأشفيهم" (يوحنا 37:12-40). 5 - "فقدوا الحِسّ": لم يعُد قلبهم الغليظ يأسف على ما يرتكبونه من شر، ولم يعُد ضميرهم يؤنبهم، ولم يعودوا يخجلون من الخطية، وفشلوا في القيام بأي إصلاح من عند أنفسهم. بدأت الخطية عندهم بالتدريج. عادة يخاف الإنسان أول الأمر من الخطية، وإذا وقع فيها يحزن. ولكن بعد تكرار ارتكابها يتعوَّد على شناعتها، ويموت ضميره، مثل السكير الذي يسكر في الخفاء، ثم لا يهمُّه إن رآه الناس يترنح في الشارع بعد ذلك. 6 - "أسلموا نفوسهم للدعارة": والدعارة هي الخروج عن الاتِّزان، والتمرُّد على القانون، وعدم ضبط النفس، وارتكاب الخطايا المنافية للعفَّة بدون خوفٍ من الله ولا خجلٍ من الناس. والإنسان الذي أسلم نفسه للدعارة لا يهتم بما يضايق الناس ما دام هذا يعطيه السرور! إنهم مثل يهوذا الإسخريوطي الذي فقد اتِّزانه، وتمرَّد على نعمة الله فأسلم نفسه لحب المال، وباع سيده بثلاثين من الفضة. 7 - "ليعملوا كل نجاسةٍ في الطمع": بمعنى أن النجاسة صارت حرفة حياتهم ووظيفتهم. صارت تجارتهم وزراعتهم وشغل حياتهم! وكأنه لم يكفهِم أن يعملوا النجاسة، فكانوا طمّاعين فيها. ويصفهم الرسول بولس بقوله: "مملوئين من كل إثمٍ وزنا وشر وطمع وخبث، مشحونين حسداً وقتلاً وخصاماً ومكراً وسوءاً" (رومية 29:1) والكلمة "طمع" معناها: طلب شيء يزيد عن الحق، فهو الرغبة الشرهة في الاستيلاء على ما يخصّ الآخرين، حتى يدوس الإنسان زميله ليحصل على ما يريد! * * * ويمكن أن نلخِّص جاهلية حالة الأمم في ثلاثة أمور: 1 - كان قلبهم مثل الحجر الصلب، فلم يشعروا بالخطأ الذي يعملونه. 2 - كانوا غارقين في الخطية حتى ضاع منهم الحياء والخجل منها. 3 - كانوا تحت نير الشهوة الطماعة، فلم يهتموا بأذى الناس إن كان هذا يعطيهم شهوتهم! |
||||
27 - 12 - 2013, 06:10 AM | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
الفصل الثاني حالة المؤمنين "وأما أنتم فلم تتعلَّموا المسيح هكذا، إن كنتم قد سمعتموه وعُلِّمتُم فيه كما هو حقٌّ في يسوع. أن تخلعوا من جهة التصرُّف السابق الإنسان العتيق الفاسد بحسب شهوات الغرور، وتتجدَّدوا بروح ذهنكم، وتلبسوا الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البِر. وقداسة الحق" (أفسس 20:4-24). بعد أن تحدث الرسول بولس عن تمام فساد حالة الوثنيين وجاهليتهم، أظهر الفرق بينهم وبين المؤمنين. وبدأ هذه الفكرة بقوله: "وأما أنتم فلم تتعلموا المسيح هكذا". وكلمة "أما" تبيِّن الفرق. الأمم في نجاسة، أما المؤمنون ففي قداسة الحق. تعلَّم الوثنيون الشر، أما المؤمنون فلم يتعلموا المسيح هكذا! لقد سمعوا من المسيح تعاليم جديدة غير مسبوقة، ورأوا منه معجزات محبة تلمس كل ناحية من نواحي الحياة. وأكثر من ذلك، أنهم تعلَّموه بالاختبار، فعرفوا قوته المغيِّرة التي منعتهم عن السلوك الشرير السابق. ولا يقول الرسول بولس إنهم لم يتعلَّموا عن المسيح، لكنه يقول: "لم يتعلموا المسيح". فلا يكفي أن نعرف عن المسيح، بل يجب أن نعرفه هو. ليس المهم أن نعرف تعليمه، لكن المهم أن نقبله مخلِّصاً شخصياً وفادياً، ونختبر مع الرسول قوله: "لأعرفه وقوَّة قيامته وشركة آلامه متشبهاً بموته" (فيلبي 10:3). 1 - المؤمنون يتعلَّمون: "إن كنتم قد سمعتموه وعُلِّمتم فيه كما هو حق في يسوع" (آية 21). وليس المقصود بالقول "إن كنتم" الشك في أن الخبر وصلهم، لكن المقصود تأكيد وتحقيق وصول الخبر إليهم. لقد سمعوا المسيح يكلِّمهم بواسطة رسله الذين علَّموهم، وسمعوه بعد أن سكن في قلوبهم، يرشدهم إلى كل ما هو حق.. إذاً سمعوا الحق وتعلَّموه. والحق هو الدين الصحيح. وما داموا قد عرفوا المسيح فيجب أن يتركوا الخطية، لأن الله حقٌّ وقدوس. لقد سمعوا وتعلموا "في يسوع" فصاروا الآن خليقةً جديدة، ينطبق عليهم قول المسيح: "خرافي تسمع صوتي، وأنا أعرفها فتتبعني" (يوحنا 27:10). 2 - المؤمنون يخلعون الإنسان العتيق: "أن تخلعوا من جهة التصرُّف السابق الإنسان العتيق الفاسد بحسب شهوات الغرور" (آية 22). تعلَّم المؤمنون الحق، فيجب أن يخلعوا كل ما كانوا يمارسونه "من جهة التصرف السابق" أي من جهة المبادئ التي كانوا يسلكون بحسبها، فيخلعونها كما يخلع الإنسان ثوباً قذراً بالياً. إن ترقيع القديم لا يصلح، فيجب أن نخلعه ونلبس الجديد (لوقا 36:5-38). و"الإنسان العتيق" هو الطبيعة الفاسدة التي لم تتجدَّد بعد بعمل الروح القدس. يسمِّيها "الإنسان" لأن الطبيعة الإنسانية فاسدة، لا ينفع معها الإصلاح، بل تحتاج إلى تغيير وتجديد كاملين. ويسمِّيها "العتيق" لأنها قديمة بالية متهرِّئة لا تستر! ومحاولتنا إصلاح نفوسنا هي الترقيع. لكن الحق هو أننا "في يسوع" نخلع العتيق البالي الذي هو "الإنسان العتيق" أي الطبيعة الفاسدة، الذي يقول عنه الرسول: "أرى ناموساً آخر في أعضائي يحارب ناموس ذهني ويسبيني إلى ناموس الخطية الكائن في أعضائي" (رومية 23:7). ويشرح عمله في قوله: "الجسد يشتهي ضد الروح والروح ضد الجسد، وهذان يقاوم أحدهما الآخر حتى تفعلون ما لا تريدون" (غلاطية 17:5). هذه الطبيعة الفاسدة التي فينا تجذبنا إلى أسفل، وتزيد من فسادٍ إلى فسادٍ، وتنتهي بهلاك صاحبها، فيجب أن نخلعها. وهي "بحسب شهوات الغرور" لأنها فاسدة تميل إلى الشهوات، كما أنها تخدعنا وتقتلنا، كما قيل: "الخطية.. خدعتني وقتلتني" (رومية 11:7). هناك شهوة المكسب الحرام، وشهوة العظمة والسلطان الباطلَيْن، وشهوة اللذَّة الجسدية. وكل هذه غرور، وباطل الأباطيل، ولا منفعة منها كلها. خدعت شهوات الغرور آدم وحواء فظنّا أن السعادة هي في الأكل من الشجرة المنهيّ عنها (تكوين 6:3)! وخدعت الغني الغبي فظن أنه يحيا طويلاً ليهدم مخازنه القديمة ويبني مخازن جديدة أكبر، فمات من ليلته (لوقا 20:12)! وخدعت الابن الضال فظن أنه يجد السعادة في البلاد البعيدة مغترباً عن أبيه (لوقا 14:15)! وعلى المؤمن أن يخلع الإنسان العتيق الفاسد بحسب شهوات الغرور، مع كل "أعمال الظلمة" (رومية 12:13). 3 - المؤمنون يتجدَّدون: "أن تتجدَّدوا بروح ذهنكم" (آية 23) لا يكفي أن نخلع الخطية، بل يجب أن نلبس القداسة. وهذا لا يكون إلا بالتجديد والتغيير اللذين يجريهما الروح القدس في قلوبنا. يعزم بعض الناس أن يعيشوا الحياة الصالحة، معتمدين على جهدهم وعزمهم وبرِّهم الذاتي، ولكن هذا لا يجدي ولا يستمر. نعم قد يُصلح الإنسان بجهده أحد أخطائه، ولكنه في الوقت نفسه يجد أنه وقع في خطإٍ آخر. الحاجة إذاً هي إلى التجديد بعمل الروح القدس، فإن الله "بمقتضى رحمته خلَّصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس" (تيطس 5:3). وبهذا التجديد تعود النفس إلى صورة الله. وفي الجديد قوة وجمال، فنقول: "لأننا نحن عمله، مخلوقين في المسيح يسوع لأعمالٍ صالحة قد سبق الله فأعدَّها لكي نسلك فيها" (أفسس 10:2). هذا التجديد يكون "بروح ذهنكم". ويقول القديس يوحنا فم الذهب إن هذا يعني "تجديد عقولكم وأفكاركم بعمل الروح القدس". فالتجديد الذي يجري في المؤمن تغييراً في قلبه وعقله، يغيّر نظرته للحياة، ويغيّر المبادئ التي كان يسير عليها، ويغيِّر ردود أفعاله، ويغيّر تقييمه للأمور. كما قال الرسول بولس: "تغيَّروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم، لتختبروا ما هي إرادة الله الصالحة المَرْضيَّة الكاملة" (رومية 2:12). وليس هذا التغيير في العادات والمظاهر الخارجية فقط، لكنه تغيير في مبادئ الحياة الداخلية بتجديد القلب، ويظهر تأثيره في التصرفات الخارجية، وصَلْب الجسد مع الأهواء والشهوات، والاجتهاد بتقوية الجانب الروحي بالصلاة ودراسة كلمة الله، وتمليك المسيح على الحياة بجملتها. وفي كلمة "تتجددوا" معنى الاستمرار، فالإنسان يتجدد يوماً فيوماً. كل يوم يجعله أكثر قرباً من الله، وأفضل حالاً من اليوم السابق. 4 - "المؤمنون يلبسون الإنسان الجديد" : "أن تلبسوا الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق" (آية 24). بعد أن يتوب المؤمنون ويخلعوا العتيق، يتجددون ويلبسون الإنسان الجديد. و"الإنسان الجديد" هو الطبيعة الجديدة التي يعطيها الله، "لأنه إن كان أحدٌ في المسيح فهو خليقة جديدة. الأشياء العتيقة قد مضت. هوذا الكل قد صار جديداً" (2كورنثوس 17:5). هذا الإنسان الجديد "مخلوق" لأن الله يخلقه فينا. وهو "مخلوق بحسب الله" بمعنى أنه على صورة الله (وفي الترجمة المنقَّحة "على مثال الله"). فالإنسان الذي يجدده الروح القدس هو الإنسان الذي على صورة الرحمان. خلق الله آدم الأول "على صورته. على صورة الله خلقه" (تكوين 27:1) ولكنه ضل وضاعت منه الصورة الأصلية. فيعود الله يخلقه من جديد (في المسيح) على الصورة الأصلية التي كان فيها. ولذلك يقول الرسول: "لبستُم الجديد الذي يتجدَّد للمعرفة حسب صورة خالقه" (كولوسي 10:3). ويقول الرسول بطرس: "نظير القدوس الذي دعاكم كونوا أنتم قديسين في كل سيرة" (1بطرس 15:1). والمؤمن الجديد مخلوق على صورة الله ومثاله "في البر وقداسة الحق". والبر هو التصرف العادل السليم من جهة جميع الناس، والبار هو العادل الذي يعطي كل صاحب حقٍ حقَّه، فيعطي ما لقيصر لقيصر وما لله لله. إنه "السالك بالكمال، والعامل الحق، والمتكلّم بالصدق في قلبه" (مزمور 2:15). ويبرهن لنا الروح القدس دائماً أن بر المسيح من نوعٍ فريد، فكل البشر أخطأوا، أما المسيح فهو الكامل وحده، الذي قال لأعدائه: "من منكم يبكّتني على خطية؟" (يوحنا 46:8) فلم يجرؤ أحدٌ أن يردّ عليه! أما "قداسة الحق" فهي القداسة التي تنتج عن معرفة الحق، والقدرة على التمييز بين الحق والباطل. فالحق يحرِّرنا من الخطية وهذا يمنحنا الفرح والقداسة. والمسيح هو الطريق والحق والحياة، وبه وحده نجد الطريق إلى الآب وإلى القداسة. لقد أعاد الله خلق المؤمنين، لذلك يقول زكريا الكاهن: "نعبده بقداسة وبرٍّ قدامه جميع أيام حياتنا" (لوقا 75:1). ويقول الرسول بولس: "بطهارةٍ وبلا لوم كنا بينكم أنتم المؤمنين" (1تسالونيكي 10:2). ومن هذه الآيات نرى أن المؤمنين: 1 - يخلعون العتيق، ويلبسون الجديد، 2 - يخلعون الفاسد، ويلبسون المخلوق بحسب الله، 3 - يخلعون الذي بحسب شهوات الغرور، ويلبسون الذي بحسب الله في البر وقداسة الحق. |
||||
27 - 12 - 2013, 06:11 AM | رقم المشاركة : ( 5 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
الفصل الثالث فضائل المؤمنين "لذلك اطرحوا عنكم الكذب، وتكلَّموا بالصِّدق كلُّ واحدٍ مع قريبه، لأننا بعضَنا أعضاءُ البعض. اغضبوا ولا تخطئوا. لا تغرُب الشمسُ على غيظكم، ولا تعطوا إبليس مكاناً. لا يسرق السارق في ما بعدُ، بل بالحريّ يتعب عاملاً الصالح بيديه، ليكون له أن يعطي من له احتياجٌ. لا تخرج كلمةٌ رديَّةٌ من أفواهكم، بل كل ما كان صالحاً للبُنيان، حسب الحاجة، كي يعطي نعمةً للسامعين. ولا تُحزِنوا روح الله القدوس الذي به خُتِمتُم ليوم الفداء. ليُرفَع من بينكم كل مرارةٍ وسَخَطٍ وغضبٍ وصياحٍ وتجديفٍ، مع كل خبثٍ. وكونوا لطفاء بعضكم نحو بعضٍ، شفوقين متسامحين، كما سامحكم الله أيضاً في المسيح" (أفسس 25:4-32). شرح الرسول بولس حالة الوثنيين الفاسدة التي عاشها المؤمنون قبل الإيمان، ثم أوضح حالة المؤمنين الذين خلعوا هذا الفاسد، وتجدَّدوا، ولبسوا الجديد. ثم يبيِّن الرسول فضائل المؤمنين، فيذكر ما يجب أن يرفضوه، وما يجب أن يعيشوه، ويذكر الدافع الذي يدفعهم لرفض الشر وممارسة الخير. 1 - رفض الكذب وعيشة الحق: "اطرحوا عنكم الكذب، وتكلموا بالصدق كل واحد مع قريبه، لأننا بعضنا أعضاء البعض" (آية 25). وقال الرسول بولس: "لا تكذبوا بعضكم على بعض، إذ خلعتم الإنسان العتيق مع أعماله، ولبستُم الجديد الذي يتجدد للمعرفة حسب صورة خالقه" (كولوسي 9:3 و10). يجب أن نخلع الكذب لأنه من صفات إبليس الذي هو الكذاب وأبو الكذاب (يوحنا 44:8). ويقول النبي زكريا: "ليكلِّم كل إنسان قريبه بالحق. اقضوا بالحق، وقضاء السلام في أبوابكم" (زكريا 16:8). كان المجتمع اليوناني يسمح بالكذب إن كان فيه فائدة. وعندنا من يقول إن الكذب جائز في ثلاث حالات: في الحرب، وفي إصلاح المتخاصمين، وفي كلام الزوج مع زوجته وفي كلام الزوجة مع زوجها! ولكن الكتاب يعلّمنا أن نطرح الكذب ونتكلم بالصدق باستمرار. يكذب الناس ليهربوا من مشكلة، أو ليتفادوا اللوم، أو ليُظهِروا أنهم صالحون. وقد يكذبون كذباً صريحاً بغير خجل، وقد يسمُّونه أبيض، وقد يكون الكذب بالسكوت على الخطأ وعدم إعلان الحق. لكن المؤمن الذي خلع القديم يجب أن يطرح كل كذب "فإن كل كذبٍ ليس من الحق" (1يوحنا 21:2). أما الدافع على طرح الكذب وقول الصدق فهو أننا "بعضنا أعضاء البعض". يقول القديس يوحنا فم الذهب: "هل تخدع العين اليد؟" وقال رجل حكيم: "لو قالت الأعصاب للمخ إن الشيء الساخن بارد، ويمكن أن يلمسه الجسم بدون ضرر.. ألا تكون النتيجة أن الجسم يحترق؟!" الكذب يضر "الجسد" كله. والجسد هو المجتمع، وهو الكنيسة، وهو العائلة، لأننا أعضاء في هذه الهيئات كلها. فكيف نضر الجسد الذي ننتمي إليه؟ 2 - رفض الخطية وممارسة الغضب المقدس حتى لا نعطي إبليس مكانا ً: "اغضبوا ولا تخطئوا. لا تغرب الشمس على غيظكم، ولا تعطوا إبليس مكاناً" (آيتا 26 و27). وهذه الآية قد تعني: لا تخطئوا بأن تغضبوا، أو: اغضبوا بشرط أن لا تخطئوا. والأغلب أن المعنى الثاني هو المقصود. هناك غضب خاطئ، وهناك غضب مقدس. الغضب المقدس هو الغضب الموجَّه ضد الخطية، والغضب الخاطئ هو الموجَّه ضد الخاطئ، وهو الغضب الذي لا مبرر له، الناتج عن الحقد، وهو الذي يسبِّب الضرر. غضب المسيح غضباً مقدساً لما رأى رجال الدين في عصره يستخدمون بيت الله بيت تجارة، فطهَّر الهيكل وصنع سوطاً من حبال وطرد الباعة والصيارفة (يوحنا 13:2-16). وغضب على القادة الدينيين في عصره لأنهم كانوا يعطلون عمل الخير، فوبَّخهم، ونظر إليهم بغضب حزيناً على غلاظة قلوبهم (مرقس 5:3). ولذلك يأمرنا الرسول بولس: "أعطوا مكاناً للغضب" (رومية 19:12). بمعنى أعطِ الغضب فرصة ليمضي ويزول. على أننا يجب أن نحترس، لأنه يقول: "اغضبوا ولا تخطئوا". فما أسرع ما نغضب مخطئين. لنحترس من أن نغضب بسبب مصالحنا الشخصية، أو بسبب إساءة شخصية صدرت ضدنا، فإن هذا هو الغضب الخاطئ. "ولا تغرب الشمس على غيظكم" - لا تربّوا الغضب في نفوسكم، فإن "الغضب يستقر في حضن الجهال" (جامعة 9:7). يجب أن يكون يوم الغضب هو يوم المصالحة. أوصى معلمٌ يهودي تلاميذه أن لا يناموا حتى يصفّوا كل ما في نفوسهم من سلبياتٍ نحو الآخرين، لأنهم إن لم يُصلحوا الخصام بسرعة فقد لا يتصالحون أبداً. وطلب الفيلسوف اليوناني فيثاغورس من تلاميذه أن يسلّموا على من يغضبون عليه قبل الغروب. ونلاحظ أن غروب الشمس هو بداية اليوم عند اليهود. ويطلب الرسول بولس منّا ألاّ نبدأ يوماً جديداً وفي نفوسنا غضب خاطئ! أما الدافع على طرح الغضب الخاطئ فهو "لا تعطوا إبليس مكاناً". لأن "إبليس خصمكم كأسدٍ زائر، يجول ملتمساً من يبتلعه" (1بطرس 8:5). فإذا أعطيناه، بغضبنا، فرصةً فإنه يبتلعنا. إنه يبدأ بالقليل. ثم يزيد ويزيد حتى يأخذ المكان كله. لذلك لا يجب أن نعطيه مكاناً من البدء. إذا غضبنا وأخطأنا نجد أننا دخلنا في سلسلة من الخطايا التي لا آخر لها! ونعطي إبليس مكاناً! وكم من عائلة انقسمت، وصداقة ضاعت، وكنيسة ضعفت بسبب غضب خاطئ استغله الشيطان! يقول المرنم: "ارتعدوا ولا تخطئوا" (مزمور 4:4). وترجمتها الترجمة السبعينية: "اغضبوا ولا تخطئوا". وقد قالها داود لأتباعه بعد الثورة الفاشلة التي قام بها ضده ابنه أبشالوم. لكنهم غضبوا وأخطأوا وقتلوا، وأخذ إبليس مكاناً كبيراً بينهم. وهذا ما حدث مع موسى الذي غضب وأخطأ وفرط بشفتيه، وضاعت منه فرصة دخول أرض الموعد (مزمور 33:106). لا تعطِ إبليس مكاناً ليشتكي عليك حين تخطئ. إن كان قد اشتكى على أيوب البار وهو لم يخطئ، فكم تكون شكواه عليك وأنت تغضب وتخطئ؟ ولا تعط إبليس فرصةً ليوقعك في غضب أكثر وخطإٍ أكبر. احترس من الغلطة الأولى لأنها تجرُّ وراءها الثانية والثالثة. ولا تصدق شكوى الشيطان على إخوتك حتى تكرههم وتغضب عليهم وتتكلم عنهم ردياً. الذي لا يحب أخاه يعطي إبليس مكاناً (1يوحنا 11:2). الذي يغضب لا يستفيد ولا يصنع بر الله (يعقوب 20:1). لذلك يقول الرسول بولس: "والذي تسامحونه بشيء فأنا أيضاً، لأني أنا ما سامحت به (إن كنت قد سامحتُ بشيء) فمن أجلكم بحضرة المسيح، لئلا يطمع فينا الشيطان، لأننا لا نجهل أفكاره" (2كورنثوس 10:2 و11). 3 - رفض السرقة وممارسة العمل الصالح: "لا يسرق السارق فيما بعد، بل بالحري يتعب عاملاً الصالح بيديه، ليكون له أن يعطي من له احتياج" (آية 28). كانت السرقة شائعة بين الأمم، خصوصاً في مكانين: في الموانئ حيث ترسو السفن، وفي الحمامات الشعبية حيث كان أصحاب الملابس القديمة يتركونها ويلبسون الجديد من ملابس الآخرين. وكانوا يقولون إن السرقة جائزة لمساعدة المساكين. ويقول الرسول بولس إن الذي كان في حياته الماضية سارقاً، ثم عرف المسيح المخلِّص، لا يعود يسرق فيما بعد، لأنه خلع الإنسان العتيق ولبس الجديد. وهناك أنواع مختلفة من السرقة في المجتمع: صاحب العمل الذي لا يدفع للعامل أجراً كافياً يظلم العامل ويسرق تعبه. كما أن العامل الذي لا يؤدي واجبه كما يجب يسرق صاحب العمل. الذي يلوك سيرة الناس يسرق صيتهم الحسن وسمعتهم الطيبة. الذي يقترض مالاً ولا يردُّه يسرق الذي أعطاه السُّلفة. الذي يلعب القمار ويربح يسرق مال اللاعبين معه. الذي يدَّعي أنه فقير ويطلب المساعدة، مع أنه يقدر أن يساعد نفسه، يسرق مال الإحسان والخير. الذي لا يدفع العشور يسلب حقَّ الله في ماله، ويقول الله له: "سلبتموني .. في العشور والتقدمة" (ملاخي 8:3). "لا يسرق .. بل يتعب عاملاً الصالح بيديه". فالمسيحية تقدِّس العمل، لأن العمل واجب وشرف. و"إن كان أحد لا يريد أن يشتغل فلا يأكل أيضاً" (2تسالونيكي 10:3). ويقدم لنا الرسول بولس مثالاً صالحاً في قوله: "حاجاتي وحاجات الذين معي خدمتها هاتان اليدان" (أعمال 34:20) وأوصى: "أن تحرصوا أن تكونوا هادئين، وتمارسوا أموركم الخاصة، وتشتغلوا بأيديكم كما أوصيناكم" (1تسالونيكي 11:4). أما الدافع على ترك السرقة وعمل الصالح فهو "ليكون له أن يعطي من له احتياج". كل من يقدر أن يشتغل يجب أن يعمل، لكن العاجز عن العمل يجب أن يجد المساعدة من القادرين على مساعدته. يجب أن يعمل القوي ليساعد العاجز، فليس أحد منّا يعيش لنفسه: "وأما مَن كان له معيشة العالم ونظر أخاه محتاجاً، وأغلق أحشاءه عنه، فكيف تثبت محبة الله فيه؟" (1يوحنا 17:3). "فإذاً حسبما لنا فرصة فلنعمل الخير للجميع ولا سيما لأهل الإيمان" (غلاطية 10:6). 4 - رفض الكلام الرديء والتكلُّم بالصالح : "لا تخرج كلمة رديَّة من أفواهكم، بل كل ما كان صالحاً للبنيان، حسب الحاجة، كي يعطي نعمة للسامعين. ولا تُحزِنوا روح الله القدوس الذي به خُتِمتم ليوم الفداء" (آيتا 29 و30). الكلام الرديء يخرج من القلب الشرير، وكل كلمة بطالة يتكلم بها الناس سوف يعطون عنها حساباً يوم الدين (متى 35:12 و36). وهو الكلام المرّ الذي يضايق من يسمعه (مزمور 3:64) والذي يجيء من التواء الفم وانحراف الشفتين (أمثال 24:2). والكلمة "رديء" في الأصل اليوناني معناها "عطن، وبالٍ، وغير صالح للاستعمال، ولا يستحق". لذلك يصلي المرنم: "اجعل يا رب حارساً لفمي. احفظ باب شفتيَّ" (مزمور 3:141). والمطلوب أن يكون كلامنا "صالحاً للبنيان". كان كلام أيوب صالحاً للبنيان، فقال له صديقه أليفاز التيماني: "قد أقام كلامُك العاثرَ، وثبَّت الركب المرتعشة" (أيوب 4:4). فليكن كلامنا صالحاً حتى يبني شخصية الذي يسمعه، وينعش الروح والعقل والجسد، فيصير السامع أفضل حالاً بعد أن يسمعه. ويجب أن يكون كلامنا "حسب الحاجة" يناسب الظرف والحال، يتم فيه القول: "تفاح من ذهب في مصوغٍ من فضة كلمة مقولة في محلِّها" (أمثال 11:25). ويجب أن "يعطي نعمة للسامعين". والنعمة هي الجمال. فليكن كلامنا صالحاً يبهج السامعين ويجمِّل حياتهم، عندما تنسكب النعمة على شفتي المتكلِّم (مزمور 2:45) فيقدر أن يطيع الوصية الرسولية: "ليكن كلامكم كل حين بنعمة مصلَحاً بملح، لتعلموا كيف يجب أن تجاوبوا كل واحد" (كولوسي 6:4). هل يجد السامعون نعمةً في كلامنا معهم وفي استماعنا إليهم؟ وهل يجدون في ما نقوله التشجيع والتعزية؟ أما الدافع على ترك الكلام الرديء وقول الكلام الصالح، فهو لكي "لا تحزِنوا روح الله القدوس". ويعلِّمنا الكتاب المقدس أن لا نقاوم الروح (أعمال 51:7). وأن لا نطفئه (1تسالونيكي 19:5) وهنا يطلب منا أن لا نحزنه، وفي هذا تحذير حتى لا نتمرَّد ونُحزن روح قدسه (إشعياء 1:63) كما أحزنه بنو إسرائيل في البرية بعصيانهم وعدم إيمانهم (مزمور 20:78). يجب ألاّ نحزنه بكلامٍ رديء، بل نقدم له السجود والإكرام بالكلام الصالح البنَّاء الذي يعطي نعمة للسامعين. "أما تعلمون أنكم هيكل الله، وروح الله يسكن فيكم؟ إن كان أحد يُفسِد هيكل الله فسيفسده الله، لأن هيكل الله مقدس، الذي أنتم هو" (1كورنثوس 16:3 و17). 5 - رفض الانفعالات الردية وممارسة المشاعر الطيبة: "ليُرفع من بينكم كل مرارة وسخط وغضب وصياح وتجديف مع كل خبث. وكونوا لطفاء بعضكم نحو بعض، شفوقين متسامحين كما سامحكم الله أيضاً في المسيح" (آيتا 31 و32). وقال أيضاً: "البسوا كمختاري الله القديسين المحبوبين أحشاء رأفات ولطفاً وتواضعاً ووداعة وطول أناة، محتملين بعضكم بعضاً، ومسامحين بعضكم بعضاً إن كان لأحدٍ على أحدٍ شكوى. كما غفر لكم المسيح هكذا أنتم أيضاً" (كولوسي 12:3 و13). في هاتين الآيتين يطلب الرسول منا أن نخلع الانفعالات الرديئة، ونلبس الشعور الطيب. أما الدافع على ذلك فهو أن المسيح سبق أن سامحنا. يجب أن نخلع كل "مرارة". والمرارة هي إحساس الإنسان بالضيق حين يذكر إساءات الناس وظلم الحياة، فيكون سريع الغضب بطيء الرضا. وهي عكس الحلاوة. والمرارة سامة مثل الحربة المسنونة، تتلف حياتنا، ويمكن أن تدمرها. وقد نجا الملك حزقيا من المرارة فقال: "هوذا للسلامة قد تحوَّلت لي المرارة، وأنت تعلَّقتَ بنفسي من وهدة الهلاك، فإنك طرحت وراء ظهرك كل خطاياي" (إشعياء 17:38). ونخلع كل "سخط". والسخط هو الغضب السريع الذي يشبه نار القش، يحرق العقل ويوقفه عن التفكير السليم. ونخلع كل "غضب". والغضب هو ردُّ الفعل السريع على إساءات الناس، واختزانه في ذاكرتنا وقلوبنا حتى يصير كراهية وحقداً. ونخلع كل "صياح". والصياح هو ارتفاع صوتنا في المناقشة والجدل. قال رجلٌ حكيم: "حين يرتفع صوتك في المناقشة فيجب أن تتوقَّف عن الكلام". وقال الكتاب عن المسيح: "لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته" (متى 19:12) ونخلع كل "تجديف". والتجديف هو الكلام الرديء على الله وعلى الناس. إنه اللعنة والنميمة. ويقول الرسول يعقوب: "لا يذمَّ بعضكم بعضاً أيها الإخوة. الذي يذم أخاه ويدين أخاه يذم الناموس ويدين الناموس" (يعقوب 11:4). ونخلع كل "خبث". والخبث هو فساد القلب الذي منه تصدر كل الشرور. قال القديس يوحنا فم الذهب إن الخبث هو النار التي تشعل الوقود في الداخل دون أن يراها الناس، لكنهم يلمسون تأثيرها الهدام. وإذ نخلع هذه الانفعالات الشريرة يجب أن نلبس الشعور الحسن.. "كونوا لطفاء بعضكم نحو بعض". واللطف هو نفع الآخرين ومساعدتهم، وهو من ثمر الروح. والكلمة "لطيف" هي نفسها كلمة "خفيف" التي وصف بها المسيح حِمله، حين قال: "حملي خفيف" (متى 30:11). "كونوا شفوقين". والشفقة هي الحنو ومعاملة الناس كإخوة، وأن نكون "ذوي محبة أخويَّة، مشفقين لطفاء" (1بطرس 8:3). والشَّفوق هو الذي يحنو على الناس في ضعفهم، ولا يسبِّب لهم الألم بدون فائدة. "متسامحين". بمعنى أن نغفر للناس ذنوبهم كما نطلب من الله أن يغفر لنا، ثم ننسى الإساءة، كما غفر الله لنا وطرح خطايانا وراء ظهره لينساها ولا يعود يذكرها في ما بعد! أما الدافع على التخلُّص من الانفعالات الردية، ولبس الشعور الطيب فهو قوله: "كما سامحكم الله أيضاً في المسيح". سامحنا المسيح ونحن أعداء أشرار، ليس فينا خير. سامحنا ولم ينتظر منا أجراً. فعلى مثاله نسامح ونغفر، ونخلع الغضب والصياح والخبث! كتب القديس أكليمندس رسالة يقول فيها: "إن كنا ننتقم من الذين يسيئون إلينا فهذا عمل إنساني. وإن كنا لا ننتقم من المسيئين إلينا فهذا عمل فلسفي. لكن إن كنا نعمل الخير مع الذين يسيئون إلينا فهذا عمل إلهي". "قد تناهى الليل وتقارب النهار. فلنخلع أعمال الظلمة ونلبس أسلحة النور" (رومية 12:13). فلنخلع العتيق الفاسد.. ولنتجدد كل يوم.. ولنلبس الجديد على مثال الله في البر وقداسة الحق. |
||||
27 - 12 - 2013, 06:12 AM | رقم المشاركة : ( 6 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
القسم الثاني الحياة المسيحية تحت سيادة الروح القدس الفصل الرابع من هو الروح القدس؟ من المهم جداً أن نعرف من هو الروح القدس. هل هو مجرد تأثير إلهي، أو قوة روحية عظيمة؟ أم هو روح الله، الأقنوم الثالث في اللاهوت؟ يقول إقرار الإيمان: نؤمن بالروح القدس، الرب الحي، المحيي، المنبثق من الآب". فإن كان الروح القدس مجرد تأثير أو قوة إلهية، يحقُّ لنا أن نحصل عليها لنستخدمها في حياتنا الإيمانية، وخدماتنا الكنسيَّة، وعملنا الروحي. لكن إن كان الروح القدس هو روح الله الذي يحيي موتى الذنوب، فيجب أن نُسلِّم له نفوسنا، ليستخدمنا كما يشاء هو. وما أكبر الفرق بين استخدام الروح لنا، واستخدامنا له. ومن المهم أن نعرف إن كان هو الأقنوم الثالث في اللاهوت، فنقدم له التعبُّد، ونؤمن به، ونُخلِص له، ونحبه.. أو إن كان مجرد قوة تساعدنا في حياتنا الروحية! غير أن كل قارئ للكتاب المقدس يرى بوضوح أن الروح القدس شخص، ذو صفات إلهية، ويقوم بأعمال لا يقوم بها إلا الله، وقد وهب بركاتٍ عظيمة لكل المؤمنين الذين عرفوه وسلَّموا نفوسهم له باعتباره الأقنوم الثالث في اللاهوت. ويُنسَب إليه كشخص: العقل والمعرفة، ومشاعر المحبة والحزن. ويقف الناس منه المواقف التي يقفونها من الأشخاص، فيثورون ويكذبون ويجدّفون عليه، ويزدرون به، ويُحزنونه. فليس الروح القدس تأثيراً ولا انفعالاً ولا مجرد قوة، بل هو شخص الله ذاته. إنه روح الله، وأحد الأقانيم الثلاثة "فإن الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة: الآب والكلمة والروح القدس، وهؤلاء الثلاثة هم واحد" (1يوحنا 7:5). (كلمة "أقنوم" كلمة سريانية تدل على من يتميَّز عن سواه، بغير انفصال عنه). ويُسمَّى الروح القدس تسميات كثيرة في الكتاب، نذكر منها "روح الرب، روح الحكمة والفهم، روح المشورة والقوة، روح المعرفة ومخافة الرب" (إشعياء 2:11)، و"روح النعمة" (زكريا 10:12)، و"المعزي" (يوحنا 26:14)، و"روح الحق" (يوحنا 17:14 و26:15)، و"روح القداسة" (رومية 14:1)، و"روح الحياة" (رومية 2:8)، و"روح المسيح" (رومية 9:8)، و"روح التبنّي" (رومية 15:8)، و"روح الابن" (غلاطية 6:4)، و"روح الموعد القدوس" (أفسس 13:1)، و"روح الحكمة والإعلان" (أفسس 17:1)، و"روح يسوع المسيح" (فيلبي 19:1)، و"روح المجد" (1بطرس 14:4). وتسمية الروح الإلهي بالروح القدس يشير إلى عمله غير المنظور، وهو إنارة أرواحنا وتجديدها وتقديسها وإرشادها. وهو ينشئ كل الفضائل فينا. وتسميته بالروح القدس تميِّزه عن كل الأرواح المخلوقة، الأقل منه في القداسة بما لا يُقاس. فإذا تأملنا عمل الروح القدس في الكتاب المقدس، نراه يقدّم الأدلّة على لاهوت الروح القدس: 1 - الروح القدس أقنوم مساوٍ للآب والابن: يقدم لنا الكتاب المقدس الله الروح القدس، مع الله الآب والله الابن في صفٍّ واحد، فيقول إنه كان يرفُّ على وجه المياه (تكوين 2:1) مشيراً إلى اشتراكه في الخَلق. ويقول إن الله منح القوة لموسى ورفقائه بروح الله (عدد 17:11 و25). وسكب الله روحه على شعبه ليُرجِعهم إليه (إشعياء 3:44). وقال الله مشيراً إلى عظمة قوته ومجد قدرته: "لا بالقدرة ولا بالقوة، بل بروحي" (زكريا 6:4). ويقول المسيح: "اذهبوا وتلمِذوا جميع الأمم، وعمِّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس" (متى 19:28). فلا يقول "بأسماء" الآب والابن والروح القدس، بل "باسم" الإله الواحد: الآب والابن والروح القدس. وفي البركة الرسولية يقول: "نعمة ربنا يسوع المسيح، ومحبة الله، وشركة الروح القدس مع جميعكم" (2كورنثوس 14:13). وبدأ الرسول يوحنا سفر الرؤيا بتحية المؤمنين قائلاً: "نعمة لكم وسلام من الكائن والذي كان والذي يأتي، ومن السبعة الأرواح التي أمام عرشه (أي من الروح القدس في صفاته وأعماله المتنوِّعة الكاملة، مع وحدة أقنومه) ومن يسوع المسيح" (رؤيا 4:1 و5). وهل يُعقَل أن يقترن اسمٌ باسم الله سبحانه إلا إن كان مساوياً لله؟ بل تعال بخشوع نرى الأقانيم الثلاثة معاً، عند معمودية المسيح، فالله الآب يعلن من السماء أن هذا هو ابنه الحبيب الذي به سُرَّت نفسه، ويعتمد الابن الحبيب على الأرض في مياه نهر الأردن، بينما يحل الروح القدس عليه بهيئة جسميَّة مثل حمامة (متى 16:3 و17). وفي تعبُّد واحترام نراهم في صلاة الله الابن، إلى الله الآب، أن يرسل الله الروح القدس (يوحنا 11:14 و16). ولما جرَّب إبليس المسيح اقتاده الروح القدس إلى البرية حيث واجه المجرب (متى 1:4). وعندما أعلن المسيح رسالته في مجمع الناصرة قال: "روح الرب عليَّ لأنه مسحني لأبشِّر المساكين" (لوقا 18:4). ولما اتَّهمه شيوخ اليهود أنه بقوة الشياطين يُخرِج الشياطين، قال: "أنا بروح الله أُخرِج الشياطين، فقد أقبل عليكم ملكوت الله" (متى 28:12). وفي اليوم الأخير العظيم من العيد وقف يسوع ونادى: "إن عطش أحدٌ فليقبل إليَّ ويشرب. من آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماء حي. قال هذا عن الروح القدس الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه" (يوحنا 37:7-39). وقد أرسل المسيح الروح القدس إلى تلاميذه، وقال لهم: "ومتى جاء المعزي الذي أرسله أنا إليكم من الآب، روح الحق، الذي من عند الآب ينبثق، فهو يشهد لي" (يوحنا 26:15). وفي إجلالٍ نستمع للرسول بطرس يتحدث عن الأقانيم الثلاثة يوم الخمسين فيقول: "يسوع هذا إذ ارتفع بيمين الله، وأخذ موعد الروح القدس مِن الآب، سكب هذا الذي أنتم الآن تبصرونه وتسمعونه" (أعمال 33:2). وهكذا نرى الروح القدس، الله الروح، الأقنوم الثالث، الذي يستحق عبادتنا وإجلالنا وتعظيمنا. فلنتقدم أمامه في خشوع كامل، ولنسلِّمه القلب والحياة. وكلمة "الروح" معناها "ريح" أو "نسمة" أو "نفخة". فالروح القدس هو نسمة الله القدير. وقد قال المسيح لنيقوديموس: "الريح تهبُّ حيث تشاء، وتسمع صوتها، لكنك لا تعلم من أين تأتي ولا أين تذهب. هكذا كل من وُلد من الروح" (يوحنا 8:3)، وهو بهذا يشبِّه الروح بالريح. فالريح لا تُقاوم، بل تهب حيث تشاء. والريح لا تُرى، والروح القدس لا يُرى. والريح لا تُفحص، فأنت "لا تعلم من أين تأتي ولا إلى أين تذهب" وهكذا الروح القدس. ونحن بدون الروح نموت، ونحتاج إلى نسمات الهواء، والروح القدس يحيي، كما نفخ المسيح في تلاميذه وقال لهم: "اقبلوا الروح القدس" (يوحنا 22:20) فنالوا قوة لحياتهم الروحية. ويشبه عمل الروح القدس فينا تأثير العقل في الجسد، فالعقل يسيطر على الجسد ويستخدمه كما يشاء، بطريقة لا نقدر أن ندركها. ويَصْدُق هذا أيضا على تأثير أفكار الإنسان على عقل إنسانٍ آخر وإقناعه بطريقة فعالة. وإن كان في إمكان إبليس أن يغوينا بالشر ويدفعنا نحوه، ويلقي التجارب القوية في عقولنا وقلوبنا، أفليس في قدرة الله أن يقودنا إلى التوبة، ويصلح نفوسنا، ويرشدنا إلى الخير بواسطة روحه القدوس؟ ويقترن تأثير الروح القدس مع الإرادة البشرية الحرَّة بطريقةٍ تفوق إدراكنا، فهو يعمل ما يشاء في البشر ويؤثر فيهم إلى أن يختاروا بإرادتهم الحرة ما يريدهم هو أن يفعلوه لخيرهم ولخير الآخرين، دون أن يجبرهم على العمل ضد إرادتهم. إنه بتأثيره المحب فيهم يجعلهم يريدون ويختارون نفس ما يريده هو، بطريقة لا تعارض حريتهم، ولا تلاشي مسئوليتهم عن أعمالهم. 2- يخلق: فيقول إمام الصابرين أيوب: "روح الله صنعني، ونسمة القدير أحيتني" (أيوب 4:33). ويقول المرنم: "ترسل روحك فتُخلَق وتجدِّد وجه الأرض" (مزمور 30:104). 3 - يعطي الولادة الجديدة: وهي ولادة روحية، عندما ننالها نجد أنفسنا وقد تغيَّرنا تماماً، وصرنا في حياة روحية جديدة وقد كرهنا الخطية وسعينا وراء القداسة. ولذلك نقول إن الروح القدس هو الرب المحيي. قال الرسول بولس: "إن كان روح الذي أقام يسوع من الأموات ساكناً فيكم، فالذي أقام المسيح من الأموات، سيُحيي أجسادكم المائتة أيضاً بروحه الساكن فيكم" (رومية 11:8). يقنع الروح القدس الإنسان أنه خاطئ يحتاج إلى من ينقذه من غضب الله الذي يستحقه البعيدون عن الله، وقال المسيح: "ومتى جاء ذاك (الروح القدس) يبكِّت العالم على خطية وعلى برٍّ وعلى دينونة" (يوحنا 8:16). وعندما يتبكَّت الخاطئ ويتوب يمنحه الروح القدس ولادة جديدة، كما قال المسيح لنيقوديموس: "المولود من الجسد جسدٌ هو، والمولود من الروح هو روح" (يوحنا 6:3). وقال الرسول يوحنا: "كل من وُلد من الله يغلب العالم" (1يوحنا 4:5). 4 - يقدِّس الحياة: يطهر الروح القدس الإنسان الذي يعطيه فرصة العمل فيه، فينمو في القداسة والمعرفة، ويتحقق معه القول الرسولي: "اغتسلتُم، بل تقدَّستم بل تبرَّرتُم باسم الرب يسوع وبروح إلهنا" (1كورنثوس 11:6). ويتمم الروح القدس القداسة فينا بسيطرته على عواطفنا ومرافقته الدائمة لنا وإرشادنا، لتصير أجسادنا هياكل مقدسة له، ويحل روح المجد والله علينا (1بطرس 14:4). 5 - يوحي بالأسفار المقدسة: قال الرسول بولس: "كل الكتاب هو موحى به من الله" (2تيموثاوس 16:3) وقال الرسول بطرس: "لأنه لم تأتِ نبوَّة قط بمشيئة إنسان، بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس" (2بطرس 21:1). و"حسناً كلَّم الروح القدس آباءنا بإشعياء النبي" (أعمال 25:28). ويقول لوقا البشير: "الرب إله إسرائيل هو الذي تكلم بفم أنبيائه القديسين" (لوقا 70:1). فالرب الروح هو الذي تكلم على فم الأنبياء. 6 - موجود في كل مكان: يقول المرنم: "أين أذهب من روحك، ومن وجهك أين أهرب؟ إن صعدتُ إلى السماء فأنت هناك، وإن فرشتُ في الهاوية فها أنت. إن أخذتُ جناحي الصبح وسكنتُ في أقاصي البحر، فهناك أيضاً تهديني يدك وتمسكني يمينك" (مزمور 7:139-10). وقال المسيح: "روح الحق، الذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه. وأما أنتم فتعرفونه لأنه ماكثٌ معكم ويكون فيكم" (يوحنا 17:14). وهو يسكن في كل مؤمن ويحل بقوته في الكنيسة. 7 - يعرف كل شيء: قال المسيح: "أما المعزي، الروح القدس، الذي سيرسله الآب باسمي، فهو يعلِّمكم كل شيء، ويذكِّركم بكل ما قلتُه لكم... أما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق" (يوحنا 26:14 و13:16). وقال الرسول بولس: "ما لم ترَ عين ولم تسمع أذن، ولم يخطر على بال إنسان، ما أعدَّه الله للذين يحبونه، فأعلنه الله لنا نحن بروحه. لأن الروح يفحص كل شيء حتى أعماق الله. لأن مَن مِن الناس يعرف أمور الإنسان إلا روح الإنسان الذي فيه؟ وهكذا أيضاً أمور الله لا يعرفها أحد إلا الله" (1كورنثوس 9:2-11). 8 - أزلي: قبل تكوين الأرض والسموات كان يرفّ على وجه المياه (تكوين 2:1). ويخبرنا الوحي أنه "بنفخته السموات مسفرة" (مشرقة) (أيوب 13:26). ومكتوب أيضاً أن المسيح "بروح أزلي قدَّم نفسه للّه" (عبرانيين 14:9). ومن الذي يمكن أن يقال عنه بحق إنه أزلي إلا "العلي المرتفع ساكن الأبد، القدوس اسمه" (إشعياء 15:57). 9 - صاحب سلطان: وجَّه الأمر للتلاميذ أن "افرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه.. فهذان إذ أُرسلا من الروح القدس.. سافرا" (أعمال 2:13 و4) ويقول أيضاً: "منعهم الروح القدس أن يتكلموا بالكلمة في آسيا". ولما حاولوا أن يذهبوا إلى بيثينية "لم يدعهم الروح" (أعمال 6:16 و7). وبخصوص المواهب يقول: "إن الروح يقسم لكل واحد بمفرده كما يشاء. فإنه يعطي لواحد بالروح كلام حكمة، ولآخر كلام عِلم بحسب الروح الواحد، ولآخر إيمان بالروح الواحد" (1كورنثوس 8:12-11). والأعمال المصحوبة بسلطان هي من مميزات "الإله الحكيم وحده" (رومية 27:16). ويشهد الوحي عن محاوري استفانوس أنهم "لم يقدروا أن يقاوموا الحكمة والروح الذي كان يتكلم به" (أعمال 10:6) جاء في نبوة النبي حزقيال: "فقال (الرب) لي (للنبي): تنبَّأ للروح. تنبأ يا ابن آدم وقُل للروح، هكذا قال السيد الرب: هلمَّ يا روح من الرياح الأربع، وهُبَّ على هؤلاء القتلى ليحيوا. فتنبأت كما أمرني، فدخل فيهم الروح فحيوا، وقاموا على أقدامهم جيشٌ عظيمٌ جداً جداً" (حزقيال 9:37 و10). 10 - يصنع المعجزات: يقول الكتاب المقدس إن الله وحده هو صانع العجائب (مزمور 18:72). ويقول الرسول بولس إن العجائب والمعجزات تمَّت: "بقوة روح الله" (رومية 19:15). والآن لنخلع أحذيتنا من أرجلنا، ولنقف خاشعين أمام الله الروح القدس، نسأل: كيف نمتلئ به، أو بالحري: كيف يمتلكنا ويحكم تصرُّفاتنا. |
||||
27 - 12 - 2013, 06:13 AM | رقم المشاركة : ( 7 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
الفصل الخامس كيف نمتلئ بالروح القدس؟ الملء بالروح القدس هو أن يمتلك الروح القدس حياتنا، ويسود على جسدنا وعقلنا وعواطفنا ووقتنا ومالنا، فلا يكون ساكناً فينا فقط، بل يكون مالكاً بالكامل على كل حياة المؤمن، فيكون المسيح متقدِّماً في كل شيء في حياة الشخص الممتلئ بالروح القدس (كولوسي 18:1). عندما نقبل المسيح مخلِّصاً لنا تتجدَّد حياتنا، ويسكن الروح القدس فينا ويجعلنا هياكل له. وفي البدء تكون معرفتنا بالرب محدودة، لأننا نكون كأطفالٍ في الإيمان يشتهون اللبن العقلي العديم الغش لكي ينموا به (1بطرس 2:2). فالمؤمن المتجدد حديثاً طفلٌ يحتاج إلى الغذاء لينمو، وغذاؤه كلمة الله المقدسة. وخلاص نفوسنا وتجديدنا هو بدء الصداقة مع المسيح. ولكن الصداقة لا تكمل إلا بطول المعاشرة بين الصَّديقَيْن، ومعرفة كل منهما للآخر معرفة عميقة. فلا يظن حديث الإيمان أنه أدرك القداسة، لأنه في بداية الطريق، ويحتاج إلى الكثير من المعرفة الروحية التي تزداد كل يوم حتى يعرف أعماق الله، ويصير شريكاً للطبيعة الإلهية (2بطرس 4:1). والتجديد هو الوقوف على شاطئ الإيمان. ثم يخطو المتجدِّد إلى داخل نهر النعمة، فيصل الماء إلى الكعبين. ثم يخطو أعمق فيصل الماء إلى الركبتين، ثم يدخل إلى الأعماق، فيغمر الماء الحقوين.. وسرعان ما تجذبه أمواج النعمة إلى عمق نهرٍ لا يستطيع عبوره (حزقيال 5:47). وفي الأعماق تحمل الأمواج المؤمن فيؤدي خدمته طائعاً، حيث تتفق الإرادتان: إرادة الله، وإرادته هو. هذا هو بحر الامتلاء بالروح القدس، أو نهر الفيضان الروحي. والامتلاء بالروح امتيازٌ يهبه الله لكل مؤمن، ولو أن كثيرين لا يتمتعون به، فلا يختبرون الحياة الفائضة المثمرة التي وعد الله بها كل الذين يؤمنون به. فما الذي يعطل حصولهم على هذا الامتياز؟ وكيف يحصلون عليه؟ أولاً : معطلات الملء كانت قرية صغيرة تستقي الماء من طلمبة (مضخَّة) صغيرة كثيراً ما كانت تتعطل عن العمل فتعرِّض القرية للعطش، ففكر الأهالي في جلب الماء من بحيرة بأعلى الجبل المجاور للقرية، فوضعوا ماسورة توصّل لهم الماء. وذات يوم وجد أحدهم أن قوة الماء المندفع من الماسورة يكفي لتوليد الكهرباء، فاستخدم الناس هذه القوة في تشغيل مصانع مختلفة، فاتَّسعت القرية وصارت مدينة عظيمة. وذات يوم توقَّف تدفُّق الماء، فتعطلت المصانع، وعطش الناس! ولما بحثوا عن السر، وجدوا أن بعض الخِرق القديمة سدَّت الماسورة فعطلت اندفاع الماء! ترى ما هو الشيء الذي يمنع امتلاءك من الروح القدس؟ وأي موانع عطَّلت تدفُّق الماء الحي لقلبك؟ أذكر بعض ما يعطل امتلاءنا بالروح القدس ويمنع انسياب البركة لحياتنا: 1 - عدم التوبة: التوبة هي الشرط الأساسي لقبول الروح القدس، كما قال الرسول بطرس: "توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع لغفران الخطايا، فتقبلوا عطية الروح القدس" (أعمال 38:2). وعدم ترك الخطية التي نرتكبها ونحن نعرفها هو أحد أسباب عدم الامتلاء بالروح القدس. ألا يبدو عجيباً أن قوماً يريدون أن يمتلئوا بروح الحياة ويتمسَّكون بالموت في ذات الوقت؟ وأليس غريباً أن من يريد أن يمتلئ بروح القداسة يتمسَّك بنجاسة؟! إن المرنم يقول: "إن راعيتُ إثماً في قلبي لا يستمع لي الرب" (مزمور 18:66)! قال أحد رجال الله الأتقياء: "افرِض أني أتيت إلى بيتك، ودعوتني للدخول، لكنك وضعتَ ثِقلاً وراء الباب! فكيف أدخل؟ قل لي: "تفضَّل" كما تشاء، وادْعُني بكل قوتك، واستخدم كل تعبير مؤثر تعرفه! لكني لن أستطيع الدخول لأن الثقل الذي وراء الباب يصرخ فيَّ بطريقة عملية ويقول: لا تدخل! هكذا الأمر مع الروح القدس. إنه لن يدخل القلب ليمتلكه ما دمتَ تضع خطية وراء باب القلب، وأنت عارف بها. عندما يضع الرب إصبعه على أمر في حياتك لا يرضيه، اتركه حالاً، واعلم أن يد الإيمان يجب أن تكون فارغة إن هي أرادت أن تمتلئ. فاهجُر كل خطية محبوبة لديك، فتمتلئ من الروح القدس. ألم تسمع أن قربانك لا يكون مقبولاً إن كانت هناك خطية خصام في حياتك؟ (متى 23:5). فإذا وضعت ذبيحة حياتك على مذبح التكريس لله وتذكرت خطية عندك، فأسرع بإنزال ذبيحتك من على المذبح، وصفِّ حسابك مع أخيك أولاً، ثم ارجع لتقدم لله تقدمتك! تقابل خادمٌ لله مع قائد ديني كبير، وشكا له ضعفه الروحي وعدم امتلائه بالروح القدس، رغم صلاته الكثيرة طالباً الملء. ووجَّه القائد للخادم أسئلة فاحصة ساعدته أن يكتشف أن في حياته خطيةً يحبها، فقرر أن يتركها حالاً. وحالما عزم أمام الله أن يتركها فاض الروح القدس في قلبه وملأه.. وكان هناك مؤمن يطلب ملء الروح القدس، لكنه لم ينله حتى ردَّ مبلغاً من المال كان قد اقترضه ولم يُعِده، فامتلأ بالروح. في حضرة الله اركع وسكّن قلبك قدامه، واطلب منه أن يكشف لك الخطية التي تعطل امتلاءك من الروح. قل له: "اختبِرني يا الله واعرِف قلبي، امتحنِّي واعرف أفكاري، وانظر إن كان فيَّ طريق باطل، واهدِني طريقاً أبدياً" (مزمور 23:139 و24). إن صلَّيت هذه الصلاة بإخلاص ونيَّة صادقة سيعلن لك الله كل طريق باطلٍ في حياتك، لأن الخطية تظهر في نور قداسته.. سيقول لك: "هذه هي الخطية التي حرمتك من البركة.. اتركها". وسيكشف لك كل خطية في حياتك، مهما كنتَ تظن أنها ضئيلة. فأرفع لله الصلاة التي صلاّها أليهو: "ما لم أُبصِره فأَرِنيه أنت. إن كنتُ قد فعلتُ إثماً فلا أعود أفعله" (أيوب 33:34). اطلب من الله أن يريك ما عجزتَ عن رؤيته فلا تعود تفعله. 2 - عدم قداسة الغرض: لن يملأ الروح القدس شخصاً يطلبه بقصد رفع مركزه بين الناس، أو ليكون أفضل الوعاظ، أو ليجذب الجماهير إليه، أو ليحتل مركزاً متميِّزاً بين المؤمنين. فلماذا تريد أن تمتلئ؟ هل لمصلحة شخصية، أم لمجده؟ قال الرسول يعقوب: "تطلبون ولستم تأخذون، لأنكم تطلبون ردياً لكي تنفقوا في لذاتكم" (يعقوب 3:4). فالروح القدس لن يملأ إلا من يريد أن يمجِّد الله. كان "دهن المسحة" الذي يرمز للروح القدس مخصَّصاً لمَسْح الهيكل وأوانيه، لتكون "قدس أقداس"، كما كان مخصصاً لمَسْح هارون وبنيه لتقديسهم لخدمة الله. ولم يكن دهن المسحة يُسكب على جسد أي إنسان (خروج 22:30-33). وهذا يعني أن الروح القدس لا يملأ إنساناً لغير غرض مقدس! وقصة سيمون الساحر ترينا أن عدم قداسة الغرض لا تعطل الملء فقط، بل تؤذي أيضاً الطالب الأناني (أعمال 9:8-25). 3 - عدم تكريس كل شيء: احتفاظنا بشيء ما في حياتنا غير مكرَّس للمسيح يسبِّب عدم ملء الروح لنا. فكل شيء نحتفظ به لأنفسنا غير مسلَّم للمسيح هو سبب كل بلاء يصيبنا، وعدم تكريسنا الكامل للمسيح هو سبب كل هزيمة تلحق بنا. فلنسلِّم له كل شيء، ولا نحتفظ بأي شيء لأنفسنا. أراد رجل تقي أن يسلّم نفسه بالتمام للرب، واستغرق في الصلاة، فرأى في ما يرى النائم أنه يمسك بسلسلة مفاتيح في يده، فيها مفاتيح كل شيء مهم لديه، والمسيح واقف أمامه يريد أن يتسلَّمها. فنزع مفتاحاً واحداً صغيراً احتفظ به لنفسه، وأعطي باقي المفاتيح للمسيح. ولكنه اندهش لأن المسيح رفض أن يستلم ما قدَّمه له. ولم يقبل حتى أعاد المفتاح الصغير مع كل المفاتيح الكبيرة الأخرى وأعطى كل المفاتيح للمسيح، ففاض في قلبه فرح الامتلاء بالروح القدس. "فأطلب إليكم أيها الإخوة برأفة الله أن تقدِّموا أجسادكم ذبيحة حيَّة مقدَّسة، مَرْضيَّة عند الله، عبادتكم العقلية" (رومية 1:12). ولن يقبل المسيح ذبيحة تكريسك، ولن تحل عليها نار الروح القدس المنقِّية إلا إذا كانت الذبيحة كاملة على المذبح، بلا نقص، ولو كان ذلك النقص أتفه شيء! فلتسلِّم مفاتيح حياتك للمسيح: مفتاح الوقت، والمواهب، والفكر، وكل شيء، وعندها تمتلئ بالروح القدس. 4 - الجهل بكيفية الإيمان: اجتمع تلاميذ المسيح في أورشليم ينتظرون تحقيق وعد المسيح لهم في حلول الروح القدس عليهم، وهم لا يعلمون متى وكيف سيتحقق الوعد، ولو أنهم كانوا واثقين من تحقيقه. ولولا ذلك الإيمان ما بقوا ينتظرون في أورشليم. ويخلط كثيرون بين الإيمان والشعور، فينتظرون إحساسات وعلامات ملموسة تطمئنهم أن روح الله ملأهم. وقد عطَّل عدم فهم الإيمان كثيرين عن بلوغ الهدف السامي الذي هو ملء الروح لهم. فنحن لا نحيا بالمشاعر، بل في تصديق وعود الله الواضحة. ولا أدري كيف نضعف في تصديق مواعيد الله! لأنه ليس بكيلٍ يعطي الله الروح (يوحنا 34:3)، وقد وعد الله أن يعطي الروح للذين يسألونه في طاعة (لوقا 13:11 وأعمال 32:5). فصدِّق وعد الله (إن كنت قد سلَّمته كل شيء) وثِق أنك امتلأت، حتى لو لم تكن لديك مشاعر جسدية أو نفسية. ولعل السر في عدم امتلائك هو اتكالك على الشعور والعواطف، بينما يجب أن تسلك بالإيمان لا بالعيان (2كورنثوس 7:5). كانت سيدة تشكو لقسيس كنيستها عدم استجابة صلواتها في الامتلاء بالروح القدس، فوعد أن يزورها ليناقش المشكلة معها. ولما جهَّزت الشاي بادرها بطلب فنجانٍ منه، فقدَّمته له. ولكنه لم يمدّ يده ليأخذه، بل عاد يطلب مرة أخرى، وكرر الطلب حتى تضايقت السيدة. فقد كانت تقدم له ما طلب في كل مرة، وهو لا يتناوله! وجلست حائرة لا تعرف السر، فما اعتاد القسيس أن يتصرف هكذا! لكنه أوضح لها إنها تتصرف مع الله تصرُّفاً مشابهاً. لقد طلبت من الرب، وقدَّم لها الرب ما طلبته، لكنها لم تمد يد الإيمان لتأخذه، بل عادت تكرر الطلب! يقدِّم الرب ملء الروح القدس لكل مؤمن يطلبه، لأنه يريد أن يكون أولاده أقوياء منتصرين. فلا تكن غير مؤمن بل مؤمناً، ومُدَّ يدك المؤمنة لتأخذ عطية الروح القدس، إن كنت قد عزمت على طاعته بكل قلبك. طلبت فتاة من جدِّها أن يشتري لها حلوى معيَّنة تحبها، ووعد الجد أن يحضر لها ما أرادت. وفي الصباح ركب الجد سيارته وخرج لقضاء بعض شئونه. وحين وضع يده في جيبه وجد ورقة صغيرة مكتوباً فيها بخط صبياني: "أشكرك يا جدي لأنك أحضرت الحلوى!". لقد كان إيمان هذه الفتاة في وعد جدها كبيراً. فليكن إيمانك بوعود الله لك مثل إيمان هذه الفتاة. 5 - تقييد طلب الامتلاء بالروح بطلبات أخرى: يضع البعض شروطاً مختلفة للامتلاء بالروح القدس. فيتصوَّر البعض أنهم عندما يمتلئون بالروح القدس سيسيرون على الماء كما فعل بطرس! ويذهب الخيال بالبعض إلى أنهم عندما يمتلئون سيحلّقون في الفضاء مثل أخنوخ وإيليا. وهناك من يشترطون على الله أن يعطيهم موهبة التكلُّم بألسنة، وإلا حسبوا أنفسهم غير ممتلئين! ولكي أكون منصفاً للذين يؤمنون بالتكلم بألسنة، وللذين لا يؤمنون بها أقول: هل كان يجب أن جميع الذين امتلأوا بالروح أن يتكلموا بألسنة؟ لا. البعض تكلموا، والبعض لم يتكلموا! إن المسيح سيدنا لم يتكلم بألسنة، رغم أنه كان يتكلم بعظائم الله! وعندما صلى الرسل تزعزع المكان الذي كانوا مجتمعين فيه، وامتلأ الجميع من الروح القدس، وكانوا يتكلمون بكلام الله بمجاهرة، ولا يذكر أنهم تكلموا بألسنة (أعمال 31:4). وعندما وضع حنانيا يديه على الرسول بولس ليبصر ويمتلئ بالروح القدس أبصر واعتمد وأكل، ولا يُذكر أنه تكلم بألسنة (أعمال 17:9) هناك مواهب وخِدَم وأعمال متنوِّعة فوق طبيعية يهبها الروح القدس للمؤمنين. ويعطي الروح القدس لكل مؤمن ما يريد الروح أن يعطيه له، فلا يوجد مؤمن يمتلك كل المواهب، كما لا يوجد مؤمن بلا مواهب. ومن هذه المواهب ما هو خاص بالخدمات الاجتماعية والتدبيرية (رومية 8:12 و1كورنثوس 28:12) ومنها مواهب تعليمية وتنظيمية (أفسس 11:4) ومنها مواهب روحية. وقد أعطى الله للجميع مواهب طبيعية. ويجب أن نستخدم كل هذه بغير كبرياء ولا أنانية. فعندك موهبة يحتاج إليها غيرك، لأنها ليست عنده، وأنت تحتاج إلى خدمة موهبة عند أخيك وليست عندك. وهكذا نخدم بالمواهب بعضنا بعضاً، ونحن نحتاج بعضنا لبعض. لا تعطل انسكاب الروح فيك بسبب الشروط التي تشترطها على الرب، وبسبب المواهب المحدَّدة التي تفرضها عليه كعلامة على امتلائك من الروح القدس، وكأنك أنت السيد وهو المنفِّذ، فلا تجني سوى الحرمان! 6 - عدم المحبة: حياة المحبة والطاعة شرط نوال الملء من الروح القدس. قال المسيح: "إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي" (يوحنا 15:14). وقال جون وسلي زعيم حركة المناداة بالقداسة في العالم: "القداسة الكاملة هي المحبة الكاملة" لله، وللمؤمنين، وللخطاة. وعدم محبتك لأي إنسان تحرمك من ملء الروح! لاحظ أنها المحبة الكاملة حتى للذين ينتقدونك، ويمتهنون كرامتك، ويسيئون إلى سمعتك! فهل عندك هذه المحبة؟ أو: هل أنت مستعد أن تكون لك هذه المحبة؟ لو لم تغفر للناس خطاياهم، لا يغفر لك الله. هذا حق علَّمه المسيح لنا بعد أن علَّمنا الصلاة الربانية (متى 14:6 و15). والمحبة هي أول ثمر الروح القدس. إن احتقارك للذين يستهزئون بك يدل على ضعف إيمانك. وكراهيتك لهم تدل على بُعدك عن روح المسيح الذي صلى لأجل صالبيه: "يا أبتاه، اغفر لهم" (لوقا 34:23)! ويحسبك الرب مؤمناً وأنك قد انتقلت من الموت إلى الحياة، لا لأنك لا تعمل الخطية، فليس أحد معصوماً، ولكن لأنك تحب الإخوة (1يوحنا 14:3)! المحبة هي الإنجيل. هي تكميل الناموس (رومية 10:13). بل إن الله محبة (1يوحنا 8:4 و16)! والآن اسأل نفسك وفتِّش داخلك: ما الذي عطَّل امتلاءك بالروح القدس. ثانياً: طريق الملء الملء للجميع. هذه هي النبرة العالية في لحن الحياة الروحية، ولو أن البعض يهملونها، كالمسجِّل الذي كان ينقل إحدى سيمفونيات بيتهوفن ولاحظ نبرة عالية جداً، فظنَّ أنها خطأ ولم يسجلها. وبعد أن أنهى النقل، راح يوقع اللحن، ولدهشته وجد أن اللحن لن يستقيم بدون تلك النبرة العالية! ولحن حياة الروح لا يستقيم إلا بملء الروح القدس، لذلك قال أحد الأتقياء: "كم نشكر الله لأن الملء للجميع، فلولاه ما أمكننا أن نحيا منتصرين". من حقك أن تمتلئ بالروح القدس، بل إن من واجبك أن تمتلئ، فمن أجلك صلى المسيح، كما صلى من أجل تلاميذه الاثني عشر ليمتلئوا. وقد نال التلاميذ الموعد، فلماذا لا تناله أنت؟ إن المؤمنين الذين لا يتمتعون بملء الروح القدس "يتامى" (يوحنا 18:14)! فلماذا تبقى "يتيماً" والروح القدس مستعد أن يملأك؟ ويسمّي الكتاب أول ملء "معمودية" أما المرات التالية فيسميه "ملئاً". وهذا ما نجده في الشواهد التالية: أعمال الرسل 5:1، 17:2-21، 16:11،17. لكننا نرى بعد هذه "المعمودية" ملئاً يتكرر، فبطرس وبولس بعد معموديتهما بالروح القدس امتلئا مرات كثيرة. والآن: هل اعتمدت بالروح القدس؟ هل قبلت روح القوة؟ لا تكن كتلك الفتاة التي شاهدت هدايا عيد الميلاد، فقالت لأخيها: "هذه ليست لنا لأنها مرتفعة الثمن!". بل تقدَّم بالإيمان قائلاً: "هيا نرث مواريثنا". وقد وضع البشر شروطاً كثيرة للملء بالروح القدس، تشوِّش بل تطمس الطريق أمام الباحث عن الحق! لكن الكتاب المقدس لا يضع إلا شرطين فقط للملء، هما: الطاعة والإيمان. الشرط الأول: الطاعة قال الرسول بطرس: "الروح القدس الذي أعطاه الله للذين يطيعونه" (أعمال 32:5). فالبرهان الصادق على المحبة هو الطاعة، وهي طاعة المحبة وليست طاعة الإكراه. وهي تكريس الإرادة لله، وتسليم كل شيء عندنا بالكامل للرب. والتكريس هو واجبك أنت أيها المؤمن، فأنت الذي تقدِّم نفسك طوعاً لله، وهو يستلم ما تقدمه له. والحقيقة هي أنك لست مِلكاً لنفسك، لأنك ملكٌ للمسيح. أنت مِلكه بحق الخَلق فهو جابلك: "كل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كان" (يوحنا 3:1). وأنت مِلكه بحق الشراء لأنه افتداك بدمه، وفي هذا يقول الرسول بولس: "لأنكم قد اشتُريتم بثمن" (1كورنثوس 20:6). وأنت ملكه بحق العناية، لأنه منحك كل احتياجاتك، فأنت تقول: "الرب راعيَّ فلا يعوزني شيء" (مزمور 1:23). وأنت مِلكه لأنك دُفعت إليه من الآب، وفي ذلك يقول المسيح للآب عنّا: "الذين أعطيتني" (يوحنا 11:17). وتوضح القصة الحقيقية التالية هذه الفكرة: عمل ولدٌ قارباً، وأخذ يلعب به في البحيرة القريبة من بيته، فغرق القارب! وحزن الولد عليه جداً. وذات يوم وجد قاربه معروضاً في دكان، فدخل يطلبه من البائع. لكن البائع رفض أن يعطيه له إلا إذا دفع ثمنه. فاشتغل الولد حتى وفَّر ثمنه واشتراه. وما أن أمسك به حتى ضمَّه إلى صدره باعتزاز وقال: "يا قاربي العزيز، أنت لي مرتين: مرة لأني صنعتك، ومرة لأني اشتريتك". والمسيح يناديك ويقول: "أنت لي أربع مرات: مرة لأني صنعتك، ومرة لأني اشتريتك، ومرة لأني اعتنيت بك، ومرة لأنك دُفعت إليَّ من أبي". أنت إذاً مِلكٌ للمسيح شرعاً، لكنك بالتكريس تكون له طوعاً، حين تقول له في طاعة: "أنا لك. امتلكني". وأنت للمسيح شرعاً، لكنك قد لا تكون مكرَّساً له. وعليك أن تأتي إليه خاضعاً طائعاً تسلّم له كل شيء حتى تمتلئ بالروح القدس. غير أن كثيرين يخافون من تسليم حياتهم بالتمام للمسيح، لئلا يطلب منهم مطالب صعبة، أو يكلّفهم بأعمال شاقة، رغم أن المرنم يقول: "سَلِّم للرب طريقك واتَّكل عليه وهو يُجري، ويُخرج مثل النور برك وحقك مثل الظهيرة" (مز 5:37 و6). وقد كانت هذه مشكلة إحدى السيدات اللواتي طلبن الملء بالروح القدس، لكنها كانت خائفة من تكريس حياتها، حتى قال لها قسيس: "افترضي أن ابنك ارتمى في حضنك وقال لك إنه مستعد أن يعمل كل ما تطلبين منه، فهل تفكرين في إرساله إلى الصحراء، أو في تشغيله بأصعب الأعمال؟" ففهمت السيدة أن قلب الله أكثر حباً لنا من حب الأم لابنها. وهكذا سلَّمت تلك السيدة حياتها للرب تماماً بابتهاج، وبلا خوف! وما أعظم البركات التي تنتج عن تكريس حياتنا للرب، وأكبر هذه البركات هي الملء. والطريق إلى اختبار الملء هو أن نُقبِل إلى يسوع ونشرب من نبعه الفياض، فنمتلئ، وتفيض منّا أنهار ماء حي (يوحنا 38:7). كتب الشاعر الهندي طاغور قصيدة قال فيها إن شحاذاً كان يستجدي المارة في طريق عام، رأى يوماً موكب الملك مقبلاً، فانتظر أن يعطيه الملك عطية كبيرة. وعندما مرَّ عليه موكب الملك، وقف الموكب، وتقدَّم الملك إلى الشحاذ وطلب أن يعطيه كل ما يملك! وفي دهشةٍ شديدة أخرج الشحاذ المبهوت بعض حبات القمح من جيبه وأعطاها للملك! فأخذ الملك الحبات، وأعطاها لوزيره، وطلب أن يعطي الشحاذ ما يعادل وزنها ذهباً! وصرخ الشحاذ في أسف: "ليتني أعطيتُه كل ما معي من القمح". ولكن الفرصة كانت قد ضاعت. إن ملك الملوك حين يطلب منك أن تسلّمه كل شيء، سيردُّ لك ما هو أحسن من الذهب، لأنه سيعطيك الامتلاء بالروح القدس. وهو يعطي بلا كيل، فلا تتردد بل سلم له كل شيء في الحال لتمتلئ بالروح. هل يمكنك أن تردد هذا الدعاء الحكيم: "اجعلني عبداً لك وإذ ذاك أصبح حراً. أرغِمني أن أسلِّم سيفي لك فأصبح منتصراً. فلكي أصل إلى العرش ينبغي أن أُلقي تاجي عند قدميك، ولكي أقف ظافراً رافع الرأس ينبغي أن أنحني أمامك". هل عرفت كيف تسلم كل شيء عندك له؟ كتب رجل النهضات الروحية يوناثان إدواردز في مذكراته، وهو بعد تلميذ: "في هذا اليوم وهبت الرب كل شيء فيَّ، وسلمته كل ما عندي. أنا لست مِلكاً لذاتي، فليس لي الحق في جسدي. لقد سلمت كل قواي للرب، فلست أطلب الآن أو مستقبلاً أي حقٍ لنفسي". قُل للرب مع المرنم "أنت هو ملكي يا الله" (مزمور 4:44)، ومع عروس النشيد "حبيبي لي وأنا له" (نشيد 16:2)، ومع رسول الأمم "الذي أنا له والذي أعبده" (أعمال 23:27)، ومع رجل الله الذي قال: "لتكن أنت لي وأنا لك. ليس لي فضة ولا ذهب. ليس لي إلا نفسي فامتلِكها يا الله". كانت القديسة فرانسيس رِدْلي هافِرجال تقرأ كتاباً عنوانه "الكل للمسيح" عندما عرفت سر امتلاك المسيح لها وتكريس حياتها له، فسلَّمت نفسها تماماً للرب، وكتبت عنها أختها تقول: "كانت كل اختباراتها الماضية مثل شمعة ضعيفة أمام هذا الاختبار الذي كان كالشمس الساطعة". وكتبت هافرجال ترنيمتها التكريسية، التي ترجمها إلى العربية إبرهيم سركيس، تقول: احفظ حياتي ليكــــــون تكريسها يارب لـــك واحفظ زماني شاكـــراً فيه دواماً عمـــــــلـك واحفظ يدي محرِّكـــــاً لها بحبك العظيــــــم واحفظ خُطى رجليَّ في سلوك طرقك القويـم صوتي احفظن مرنَّمـاً لملكي طول المـــدى وشفتيَّ احفظهمـــــــــا للنُّطق في سرِّ الفـدى إرادتي احفظ فهي لـك ليس مرادي الآن لـي قلبي احفظن فيُمتَــــلك فهو لك العرش العلي وفضتي احفظ والذَّهب لا يذهبن شيءٌ سُـدى فكري وفعلي احفظهما وقوَّتي كما تشـــــــــا حبّي احفظنه ذاخــــراً إياه كالكنز الثميـــــن وكُنْ لنفسي حافظـــــاً إني ضعيفٌ يا معيـن هيا كرِّس له حياتك كلها: وقتك ويدك ورجلك وصوتك وشفتيك وإرادتك وقلبك ومالك وفكرك وعواطفك ونفسك وكل شيء.. فتمتلئ بالروح القدس. الشرط الثاني: الإيمان قال الرسول بولس: "لننال بالإيمان موعد الروح" (غلاطية 14:3). بعد أن سلمت نفسك للرب كلياً، وعزمت أن تطيعه بكل قلبك، صلِّ بإيمان واطلب أن يملأك الروح القدس، فقد قال المسيح: "إن كنتم وأنتم أشرار تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا جيدة، فكم بالحري الآب الذي من السماء: يعطي الروح القدس للذين يسألونه" (لوقا 13:11). وقد انسكب الروح القدس على التلاميذ وهم في العلية يطلبون انسكابه. فالآن صلِّ طالباً أن تنزل نار الله، التي وعدنا بها، على المحرقة التي قدمتها على مذبحه المقدس، فتتعمَّد بالروح القدس ونار (متى 11:3). ثم ثق أن الرب قد أرسل الروح القدس ليملأك، فتنال بالإيمان موعد الروح. والمسيح يقول إن من يؤمن به يمتلئ بالماء الحي، حتى يفيض من بطنه، والماء الحي هو الروح القدس (يوحنا 37:7-39). لا تقُل في صلاتك: "إن كنت تريد املأني" لأنه يريد أن يملأك، بل صلِّ "املأني الآن يا ملكي". واعلم وثِق أنه سيعطيك ملء الروح في الحال. قد لا تشعر بشيء. لا تخف، فالمسألة ليست في شعورك، بل في الثقة بمواعيد الله. والشعور يخدع لأنه من الجسد، ونحن لا نسلك حسب الجسد. ولا تستطيع مشاعر العالم أجمع أن تغيّر كلمة الله. وعندما يعلن الله للمؤمن أنه سيمتلئ بالروح القدس، فيجب أن يتأكد أنه قد امتلأ فعلاً، بصرف النظر عمّا يشعر به. ويمكن أن تصلي هكذا : "يا أبي الصالح، يا سيدي وملكي، يا صاحب السلطان على نفسي وجسدي وكل ما لي، ها أنا أضع عند قدميك كل شيء عندي، فامتلِكني لأكون لك كل أيام حياتي. وحسب وعدك المبارك بملء الروح لي، أطلب أن تسكب عليَّ الروح القدس. وأن تعمِّدني به الآن. والآن أشكرك لأنك تمَّمت وعدك لي، وأشكرك لأني الآن أتمتع بملء الروح القدس. اقبل صلاتي في اسم المسيح. آمين". والآن وقد امتلأت بالروح القدس، ستختبر أكثر وأكثر كل يوم أنه هو شخص الله الذي يسكن داخلك. وملء الروح القدس هو تدفُّق هذا النبع المروي ليشمل كل الحياة ويسيطر على كل جوانبها. فإذا كان الميلاد بالروح القدس هو بدء حياة المسيح فيك، فالملء بالروح هو سريان هذه الحياة فيك باستمرار، فيتصوَّر المسيح فيك (غلاطية 19:4)، وتسلك حسب الروح، وينمو فيك ثمر الروح، فتواصل رحلة إيمان منتصراً غالباً بعمل الروح القدس الدائم فيك . |
||||
27 - 12 - 2013, 06:14 AM | رقم المشاركة : ( 8 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
القسم الثالث ثمر الروح القدس "وأما ثمر الروح فهو: محبة، فرح، سلام، طول أناة، لطف، صلاح، إيمان، وداعة، تعفُّف" (غلاطية 22:5 و23). حل الروح القدس على التلاميذ بعد قيامة المسيح بخمسين يوماً وملأهم بالقوة والشجاعة، فتغيَّرت حياتهم تماماً، وصار كل شيء فيهم جديداً. وما أكبر الفارق بين ما كان قبل يوم الخمسين وما بعده! وسيحدث تغيير كلي في حياتك إن كنت تسمح للروح القدس أن يسود على حياتك سيادةً كاملة. فهل أنت غير راضٍ عن حياتك الروحية كما هي الآن؟ وهل تطمع في رفعةٍ روحية؟ وهل تريد أن تتغيَّر إلى ما هو أفضل، وأن تكون أكثر فائدة لخدمة المسيح، وأن تحقِّق ما ينتظره الرب منك؟ هذا ممكن إن كنت تزيل المعطلات التي تمنع سيطرة الروح القدس عليك، وإن كنت تفتح قلبك له ليملأك، فيتحقق معك الوعد "ستنالون قوةً متى حلَّ الروح القدس عليكم، وتكونون لي شهوداً" (أعمال 8:1). قال المسيح لتلاميذه إنه بعد صلبه وقيامته وصعوده للسماء لن يتركهم يتامى "أنا أطلب من الآبي فيعطيكم معزِّياً آخر ليمكث معكم إلى الأبد، روح الحق، الذي لا يستطيع العالم أن يقبله، لأنه لا يراه ولا يعرفه.. لا أترككم يتامى. إني آتي إليكم.. أما المعزي، الروح القدس، الذي سيرسله الآبي باسمي، فهو يعلِّمكم كل شيء، ويذكِّركم بكل ما قلتُه لكم.. ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآبي، روح الحق الذي من عند الآبي ينبثق، فهو يشهد لي. وتشهدون أنتم أيضاً لأنكم معي من الابتداء" (يوحنا 16:14-18 و26 و26:15). ثمرٌ واحد: يقدم لنا الرسول بولس تسعة أثمار، يذكرها بصيغة المفرد "ثمر". وتصوِّر صيغة المفرد لنا الوحدة والتجانس. وقد شبَّه بعض المفسرين المسيحيين هذه الصفات التسع بأنها تسع حبات عنب في عنقود واحد. أو تسع لؤلؤات براقة في عقد واحد. ولعلهم قدَّموا هذا التفسير وهم يذكرون قول المسيح: "أنا الكرمة الحقيقية وأبي الكرام. كل غصن فيَّ يأتي بثمر ينقيه ليأتي بثمر أكثر" (يوحنا 1:15). فالمسيح يريدنا أن نثمر ثمراً أكثر ويريد أن يدوم ثمرنا. وكلما زاد ثبوتنا في المسيح يملكنا الروح القدس ويسيطر على قلوبنا، فيجعلنا نثمر أكثر هذا الثمر الواحد المتجانس. وسنتأمل في ثمر الروح القدس الذي ذكره الرسول بولس في رسالته لأهل غلاطية، وهو يقول: "أما ثمر الروح فهو: محبة فرح سلام، طول أناة لطف صلاح، إيمان وداعة تعفف" (غلاطية 22:5 و23). وهذه الصفات التسع تنقسم إلى ثلاث ثلاثيات: 1 - علاقة الإنسان بالله: محبة، فرح، سلام. 2 - علاقة الإنسان بإخوته البشر: طول أناة، لطف، صلاح. 3 - علاقة الإنسان بنفسه: إيمان، وداعة، تعفُّف. إذا سمحنا للروح القدس أن يسيطر على حياتنا، ستكون علاقتنا بالله مليئة بالمحبة والفرح والسلام. وستكون صلتنا بالناس صلة نموذجية تحكمها طول الأناة واللطف والصلاح. أما صلتنا الشخصية بنفوسنا فستكون عامرةً بثقة الإيمان، والوداعة، والتعفف. وما أسعد الإنسان الذي يعطي الروح القدس فرصة امتلاك قلبه والسيطرة على حياته ليثمر هذا الثمر العظيم. وقبل أن يورد الرسول بولس ثمر الروح التساعي، ذكر خطايا البشر الذين لا يحكمهم الروح القدس، وأطلق على ذلك اسم "أعمال الجسد". وهناك مفارقة بين ثمر الروح وأعمال الجسد (غلاطية 19:5-21): * يورد الرسول بولس أعمال الجسد بصيغة "الجمع" لأنها كثيرة ومتضاربة. إنها فوضى حياة الإنسان الذي تحكمه ميوله الجسدية التي تناقض الإرادة الإلهية. وهذا عكس التجانس والتوافق في حياة الإنسان الذي يسلِّم زمام قيادته للروح القدس. وما أحوج عالمنا لرؤية نموذج للفضائل في حياة المؤمن الذي يحمل كل ثمر الروح في حياته اليومية. لقد تعب العالم من سماع الكلام والدروس النظرية عن الفضائل، وهو يحتاج إلى درس عملي، يرى فيه هذا الثمر التساعي مُعاشاً عملياً في حياة المؤمنين كل يوم، وقد ازدهروا وحملوا ثمرهم للعالم، يباركونه به. ويدعو الروح القدس كل واحد منا أن يثمر هذا الثمر، وأن يصلي ليزيد فيه الثمر. * هذا الثمر التساعي هو عمل الروح القدس في داخل المؤمن، وليس هو تجميلاً خارجياً للإنسان القديم بفعل حضارةٍ أو ثقافةٍ أو مجهودٍ ذاتي. وهو ليس محاولة الإنسان لتغيير نفسه، فيُصلح اليوم من نفسه شيئاً يزيد عليه إصلاح شيء آخر غداً. لكنه عملية تسليم النفس بكاملها للروح القدس، فيملكها الروح ويغيِّر صاحبها تغييراً كاملاً، فيجئ الثمر بطريقة طبيعية من داخل الإنسان كنتيجةٍ لا بد منها لعمل الروح فيه، ويكون ثمره كألوان زنابق الحقل التي قال المسيح عنها: "ولا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها" (متى 29:6). ولا يقصد المسيح بهذه الكلمات أن ألوان الزنابق أغلى ثمناً من ملابس سليمان، فملابس سليمان تكلِّف المال الكثير. ولا يقصد المسيح أن ألوان زنابق الحقل أكثر من ألوان ملابس سليمان، فقد كانت ملابس سليمان ذات ألوان كثيرة. ولكن المسيح قصد أن يقول إن الزنابق تلبس أمجد وأعظم من ملابس سليمان، لأن ملابس سليمان شيء خارجي عنه، يلبسه ويخلعه، أما ألوان الزنابق فهي طبيعية لا تزول، ولا تتغيَّر بفعل نور الشمس ولا تتأثر بعوامل الطبيعة طيلة حياتها. قد نلبس صفات خارجية جميلة لنظهر أمام الناس صالحين. ولكن المسيح يطالبنا بالثمر والجمال الداخلي الذي يظهر بطريقة طبيعية غير متكلَّفة في سلوكنا اليومي. قد نجيء بعود يابس نكسوه خضرة خارجية، ونعلِّق عليه زهوراً جميلة الألوان، ولكن سرعان ما تجف الخضرة وتتساقط الزهور التي ذبلت، ويعود العود اليابس قبيحاً كما كان!.. نحن لا نحتاج لمؤمن مكسو من الخارج جمالاً صناعياً، لكننا نحتاج لمؤمن مفتوح القلب لفعالية الروح فيثمر كل ثمر الروح، ويكون ثمره نابعاً من امتلاك الروح له. |
||||
27 - 12 - 2013, 06:16 AM | رقم المشاركة : ( 9 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
الفصل السابع ثمر الروح القدس الثمرة الأولى "الله محبة" (1يوحنا 8:4 و16). المحبة "كما أَحِببتكم أنا تحبون أنتم أيضاً بعضكم بعضاً" (يوحنا 35:13). هل يمكن أن الله العظيم القدوس يتنازل فيحب الإنسان الضعيف الخاطئ؟.. هذا فكر يعلو منطق البشر، ولكنه وصل دنيا البشر عندما تنازل الله وبيَّن محبته لنا "لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا" (رومية 8:5). فهل يقدر الإنسان الذي اختبر محبة الله له أن يحب الله، وأن يحب أخاه الإنسان؟ لقد أخذ الله زمام المبادرة وأعلن حبه للإنسان، في العناية يوم جهَّز لآدم وحواء جنة عدن، ووضع فيها كل ما يُسعد وجودهما في الأرض من قبل أن يخلقهما. ثم لما سقطا، أعلن محبته لهما بطريقة أعمق، فستر عريهما بلباس التقوى والبر، ومنحهما الغفران والفداء. وفي قصة محبة النبي هوشع لزوجته جومر، بالرغم من سقوطها، أعلن الله لأهل التوراة كم يحبهم بالرغم من خيانتهم وسقوطهم! (هوشع 1 و3). أما في الإنجيل فقد رأينا الحب في أكمل معانيه "لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية" (يوحنا 16:3). وباسم هذه المحبة يدعونا الله لنحبه، ونحب بعضنا بعضاً. ونتعلم من محبة الله لنا كيف نحبه وكيف نحب البشر من حولنا. سأل أحد علماء الشريعة المسيح: "أيَّة وصية هي أول الكل؟" فأجابه: "أول كل الوصايا هي.. الرب إلهنا ربٌّ واحدٌ. وتحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل فكرك، ومن كل قدرتك. هذه هي الوصية الأولى. وثانيةٌ مثلها: تحب قريبك كنفسك. ليس وصيةٌ أخرى أعظم من هاتين" (مرقس 29:12-31). وقال الرسول بولس: "بالمحبة اخدموا بعضكم بعضاً، لأن كل الناموس في كلمة واحدة يُكمل: تحب قريبك كنفسك" (غلاطية 14:5). فالمحبة هي الثمرة الأولى من ثمر الروح في العنقود الذي ينمو على كل غصن من أغصان كرمة المسيح: محبة للرب، ومحبة للآخرين، كنتيجة طبيعية لمحبة الرب لنا، وملء الروح القدس لنا. أولاً: ثمر الروح هو محبةٌ لله كل من يملكه الروح القدس يثمر محبةً لله، تظهر في: 1 - الرغبة في الحديث مع الله: الذي يملكه روح الله ويسيطر عليه يحب الله ويدعوه كثيراً ويخاطبه كثيراً، لأنه يريد أن تكون له به علاقة وثيقة. وأنت عندما تحب إنساناً تتَّصل به، وتكلّمه، وتقضي معه وقتاً طويلاً، وتعتبر كل وقت يمضي بغير اتصالٍ به وقتاً ضائعاً من عمرك. فكم يجب أن تتحدث مع الله لأنك تحبه! والمحبة لله من كل القلب تعني الاتصال الدائم بالله والحديث المتواصل معه. قال المرنم: "لكلماتي أصغِ يا رب. تأمَّل صراخي. استمِع لصوت دعائي يا ملكي وإلهي، لأني إليك أصلّي. يا ربُّ، بالغداة تسمع صوتي. بالغداة أوجِّه صلاتي نحوك وأنتظر" (مزمور 1:5-3). ويسمي الكتاب المقدس هذا الحديث مع الله بأنه "صلاة". فليست الصلاة واجباً مفروضاً على المؤمن، بل هي الحديث الحبّي المنتظم الوفير معه، والذي يصفه نبيُّ الله داود بالقول: "أما أنا فصلاةٌ" (مزمور 4:109). ونرى في المسيح خير نموذج في التعبير عن حبه للآب السماوي بالحديث معه، فقد كان يبدأ به يومه: "في الصبح باكراً جداً قام وخرج ومضى إلى موضع خلاء، وكان يصلي هناك" (مرقس 35:1). بدأ يومه وحده بعيداً عن تلاميذه ليقضي وقتاً هادئاً في صُحبة أبيه السماوي. وكان يختم به يومه: "وبعدما ودَّعهم (تلاميذه) مضى إلى الجبل ليصلي. ولما صار المساء كانت السفينة في وسط البحر، وهو على البرّ وحده" (مرقس 46:6 و47). كما كان يصرف الليل كله في الصلاة (لوقا 12:6). ولما رآه التلاميذ يخاطب الآب كثيراً طلبوا منه أن يعلّمهم كيف يصلّون (لوقا 1:11). لقد أعطانا المسيح، ابن الإنسان، هذا النموذج في الصلاة ليعلّمنا شدَّة حاجتنا إليها، لأن المؤمن الذي يحب الرب كثيراً هو الذي يختلي بالرب كثيراً، وهو صاحب الحديث العميق المستمر معه. ولكي تزيد الوقت الذي تقضيه مع الرب، أقترح عليك أن تصلي في كل وقت تقوم فيه بعملٍ لا يحتاج إلى تركيز. فعندما تقوم بعمل روتيني (كقيادة سيارة، أو انتظار وسيلة مواصلات، أو إن كانت سيدة تقوم بعملٍ في مطبخها أو ترتّب بيتها) أقترح عليك أن تستثمر هذا الوقت في الحديث مع الله والحوار مع الآب السماوي، فتتحوَّل هذه الأوقات العاطلة من التفكير إلى أوقات صلاة، وتصبح حياتك الروحية أكثر غنى، وتتعمق صلتك بالله، وتصير محبتك له من كل القلب والفكر والإرادة، فتقول مع آساف: "أما أنا فالاقتراب إلى الله حسنٌ لي. جعلتُ بالسيد الرب ملجإي" (مزمور 28:73). فبعد شكوكٍ كثيرة واستفهامات فكرية وشكاوى متعددة اكتشف آساف أن أحسن شيء له هو الاقتراب إلى الله، والحديث معه، والاعتماد عليه. 2 - الرغبة في دراسة كلمته: عندما تصلنا رسالة من شخص عزيز نقرأها بلهفة، ونعاود قراءتها، ثم نعاود التأمل في كلماتها. وعندما نضعها جانباً تكون أفكارها ملء عقولنا، لأننا نحب كاتبها. ومَن أكثر قرباً إلينا وحباً لنا من الآب السماوي؟! إن حب شريك الحياة مثلاً بدأ يوم تعرُّفنا عليه، وسينتهي بنهاية حياة أحدنا على الأرض. أما حب الآب السماوي لنا فقد بدأ من قبل أن نعرفه، وسيستمر إلى ما لا نهاية. ومحبتنا له بدأت يوم توبتنا ورجوعنا إليه، وستستمر إلى ما لا نهاية. "الله محبة" أرسل إلينا كلمته الموحى بها منه، والتي يحفظها من أي تحريف أو تغيير لتكون سراجاً لأرجلنا ونوراً لسبيلنا (مزمور 105:119)، فنقول مع المرنم: "أتلذَّذ بوصاياك التي أحببتُ.. كم أحببتُ شريعتك! اليوم كله هي لهجي.. كلمتك ممحَّصة جداً وعَبْدُك أحبَّها" (مزمور 47:119 و97 و140). فلتكن هذه الآيات نوراً هادياً تدفعنا إلى زيادة محبتنا للرب ولكلمته، فنلهج بها، ونتأمل فيها، لأننا نحب صاحبها. وسنجدها كاملةً ونقية، فنقول مع نبي الله إرميا: "وُجد كلامُك فأكلتُه، فكان كلامك لي للفرح ولبهجة قلبي، لأني دُعيتُ باسمك يا رب إله الجنود" (إرميا 16:15). ونسمع مع النبي حزقيال أمر الرب: "أَطعِم بطنك واملأ جوفك من هذا الدَّرج الذي أنا معطيكه. فأكلتُه، فصار في فمي كالعسل حلاوةً" (حزقيال 3:3). وكلما زادت محبتنا لله زادت قراءتنا لكلمته، وزاد تأملنا فيها، فلا نكتفي بأن نحفظها عن ظهر قلب، ولا أن نرددها بشفاهنا فقط، بل نحرص أن تكون غذاءً يومياً لأرواحنا، وواقعاً مُعاشاً كل يوم. 3 - الرغبة في التمثُّل به: قال الرسول بولس: "كونوا متمثِّلين بالله كأولادٍ أحبّاء، واسلكوا في المحبة كما أحبنا المسيح أيضاً وأسلم نفسه لأجلنا" (أفسس 1:5). وقال أيضاً: "كونوا متمثِّلين بالله، كما أنا أيضاً بالمسيح" (1كورنثوس 1:11). وقال لأهل غلاطية إن هدف كل جهده في الكرازة بالإنجيل لهم هو "أن يتصوَّر المسيح فيكم" (غلاطية 19:4) وهو يقصد أن كل من يراهم يرى المسيح فيهم. لا شك أنك تمثلت بوالدك، كما أن طفلك يتمثل بك. وحسناً يقولون إن الطفل سِرُّ أبيه. وكلما أحب الطفل والده زاد تمثُّلاً به. وكلما تأمَّلت تعاليم المسيح وفكرت في حياته على الأرض صرت مثله، لأنك ستحب أن تقتدي به. ثانياً: ثمر الروح هو محبةٌ للناس الذين يثمرون ثمرة الروح "محبة" يحبون خليقة الله من البشر، كل البشر. ويشعرون بهم ومعهم في كل ظروف حياتهم، مهما كان جنسهم أو دينهم أو لون جلدهم! إنهم يحبون كما يحب الله، الذي يحب كل البشر لأنهم خليقته "فإنه يشرق شمسه على الأشرار والصالحين، ويمطر على الأبرار والظالمين" (متى 45:5). 1 - الروح القدس يثمر فينا محبةً للإخوة: لكي نبرهن أننا نحب الله الذي لا نراه يجب أن نحب البشر الذين نراهم. وقد كانت المحبة الأخوية هي الصفة المميِّزة للمؤمنين بالمسيح عبر العصور، فكان الوثنيون يقولون: "انظر كيف يحب المسيحيون بعضهم". وقد أعلن المسيح أن المحبة هي برهان التلمذة الحقيقية له، فقال: "بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي: إن كان لكم حبٌّ بعضاً لبعض" (يوحنا 35:13). وقال الرسول يوحنا: "نحن نعلم أننا قد انتقلنا من الموت إلى الحياة لأننا نحب الإخوة. من لا يحب أخاه يبقَ في الموت. كل من يبغض أخاه فهو قاتل نفس، وأنتم تعلمون أن كل قاتل نفس ليس له حياة أبدية ثابتة فيه" (1يوحنا 14:3 و15). ونحن نعلم أن الحياة الجديدة في المسيح هي نتيجة عمل الروح القدس في القلب. وكل من انتقل بالتوبة من الهلاك الأبدي إلى الحياة الأبدية يحب إخوته المؤمنين الذين يشتركون معه في نفس نوعية الحياة، وفي محبتهم لله، لأن الروح القدس فيهم ينشئ نفس الأشواق، ويدفعهم إلى نفس الأهداف، ويفكر نفس الأفكار. 2 - الروح القدس يثمر فينا محبةً للفقراء: ما أكثر من يحتاجون إلى القوت الضروري، فقد قال المسيح: "الفقراء معكم في كل حين" (متى 11:26). وقال أيضاً: "مغبوطٌ هو العطاء أكثر من الأخذ" (أعمال 35:20). وقال الرسول بولس: "المعطي المسرور يحبه الله" (2كورنثوس 7:9). ولا يكفي أن ننصح المحتاجين بتناول الطعام أو الاكتساء، بل يجب أن نقدم لهم مما عندنا، طاعةً للوصية الرسولية: "إن كان أخٌ أو أخت عريانَيْن ومعتازَين للقوت الضروري، فقال لهما أحدكم: امضيا بسلامٍ، استدفئا واشبعا، ولكن لم تعطوهما حاجات الجسد، فما المنفعة؟" (يعقوب 15:2 و16). وقد قدَّم المسيح لنا مثالاً عظيماً للعناية بالجائعين: فقبل أن يمتلئ التلاميذ من الروح القدس اجتمع خمسة آلاف رجل مع عدد كبير من النساء والأطفال حول المسيح يسمعون وعظه. وفي نهاية اليوم قال التلاميذ للمسيح إن هؤلاء جميعاً يجب أن يعودوا إلى بيوتهم لأن الوقت قد تأخر وهم جائعون، وليس لدى التلاميذ ما يعطونه لهم ليأكلوا. ولكن المسيح قال: "أعطوهم أنتم ليأكلوا". فقال أندراوس: "هنا غلام معه خمسة أرغفة وسمكتان. ولكن ما هذا لمثل هؤلاء؟". وفي حب حقيقي أخذ المسيح الأرغفة الخمسة والسمكتين وبارك وأطعم الجياع، وعلّم تلاميذه وعلّمنا درساً أن نعمل ما نستطيع، وأن نضع بين يديه ما معنا، ليعمل بنا ومعنا، فنقدِّم للمحتاج احتياجه (يوحنا 1:6-15). قال الرسول يوحنا: "من كان له معيشة العالم ونظر أخاه محتاجاً وأغلق أحشاءه عنه، فكيف تثبت محبة الله فيه؟ يا أولادي، لا نحبَّ بالكلام واللسان، بل بالعمل والحق.. لنحبَّ بعضنا بعضاً لأن المحبة هي من الله، وكل من يحب فقد وُلد من الله ويعرف الله، ومن لا يحب لم يعرف الله لأن الله محبة.. إن أحب بعضنا بعضاً فالله يثبت فينا، ومحبته قد تكمَّلت فينا. بهذا نعرف أننا نثبت فيه وهو فينا: أنه قد أعطانا من روحه" (1يوحنا 17:3 و18 و7:4 و8 و12 و13). فلكي نبرهن أننا نحب الله الذي لا نراه يجب أن نحب البشر الذين نراهم، ونتعاطف معهم في ظروفهم، ونمد أيدينا إليهم بما يحتاجونه. وخير ما نفعله لنساعد المحتاجين هو أن نعلّمهم كيف يساعدون نفوسهم، فيكسبون رزقهم بعرق جبينهم. من السهل أن تعطي المحتاج جنيهاً، ولكن من الصعب أن تعطيه من وقتك وتفكيرك وجهدك ما يعاونه على تطوير نفسه. وكل من يحب المحتاج كما يحبُّه الله يساعده بتنمية إمكانياته وتعليمه وتدريبه. فماذا ستفعل لمساعدة الفقراء؟ وبماذا يكلّفك الروح القدس لمساعدتهم؟ 3 - الروح القدس يثمر فينا محبةً للضعفاء: يعطينا المسيح المثال الذي يجب أن نتمثل به، فهو السيد المحب الذي يشعر بضعف الضعفاء واحتياجاتهم ويهتم بهم، لأنه يحس بمشاعرهم. كان يتأمَّل المرضى المقيمين حول بركة بيت حسدا، وهم يعتقدون أن ملاكاً كان ينزل من السماء ويحرِّك ماء البِركة، والمريض الذي يسرع إلى الماء بعد ذلك يُشفى. ورأى المسيح مريضاً كان ينتظر مَن يُلقيه في البركة متى تحرَّك الماء لينال الشفاء، ولكنه لم يجد أحداً. وانتظر هذا المريض ثمانٍ وثلاثين سنة، فلم يشفق عليه أحد، حتى اعتقد أن عدم الإشفاق هو القاعدة! ولكن المسيح ذهب إليه، وتحنن عليه، وفي حب كامل منحه شفاء الجسد من المرض، وشفاء الروح من الخطية (يوحنا 1:5-9). ودخل المسيح مجمع العبادة يوم سبتٍ فرأى امرأة منحنية الظهر، لم تقدر أن تنتصب البتَّة مدة ثماني عشرة سنة. ولم تطلب منه الشفاء، ولكنه لما رآها أشفق عليها ودعاها، ووضع عليها يديه فاستقامت في الحال ومجَّدت الله. وكان اليهود يقدِّسون يوم السبت ولا يعملون فيه شيئاً. وكان المسيح يعرف أن إجراء معجزة الشفاء في يوم السبت سيعرِّضه لكثيرٍ من النقد، ومع ذلك لم يبالِ بالنقد، وأبرأها. فانتقد رئيس المجمع كل الذين جاءوا ليطلبوا من المسيح الشفاء في يوم السبت، فقال المسيح له: "يا مرائي! ألا يحلّ كل واحد منكم في السبت ثوره أو حماره من المذود ويمضي به ويسقيه؟ وهذه، وهي ابنة إبرهيم، قد ربطها الشيطان ثماني عشرة سنة، أما كان ينبغي أن تُحلَّ من هذا الرباط في يوم السبت؟" (لوقا 10:13-17). فما أشد حاجتنا إلى تعلُّم مشاعر المحبة التي في قلب المسيح من نحو كل البشر، وبخاصة المحتاجين منهم. وقد تعلّم محبّو المسيح الذين ساد الروح القدس على تصرفاتهم كيف يعاونون الضعفاء، فأسس الراهب المسيحي سالسيوس أول معهد للعميان، وأسس التاجر المسيحي أيولونيس أول مستودع مجاني لتوزيع الأدوية، وأسست الأميرة الرومانية فابيولا، بعد اعتناقها المسيحية، أول مستشفى. وأنت ماذا فعلتَ، وماذا ستفعل لتعين الضعفاء؟ 4 - الروح القدس يثمر محبة التكافل بين البشر: حضَّ الرسول بولس المؤمنين على أن يتكافلوا، فيعطي من يملك من لا يملك، حتى إذا تغيَّرت ظروفه يجد من يعاونه. وقد يتضايق من يملك عندما يطالبونه أن يعطي، فقال الرسول بولس: "لأنه ليس لكي يكون لآخرين راحة ولكم ضيق، بل بحسب المساواة. لكي تكون في هذا الوقت فضالتكم لأعوازهم، كي تصير فضالتهم لأعوازكم، حتى تحصل المساواة" (2كورنثوس 13:8 و14). والمحبة تشارك غيرها دوماً في ما عندها، عملاً بالقانون الرسولي: "فرحاً مع الفرحين وبكاءً مع الباكين، مهتمِّين بعضكم لبعض اهتماماً واحداً" (رومية 15:12 و16). وقال القديس يوحنا ذهبي الفم: "البكاء مع الباكي أسهل من الفرح مع الفرحان، لأن الحسد قد يمنعنا من الفرح مع الفرحان". والمحبة لا تحسد (1كورنثوس 4:13)، لأن الحسد هو الشعور بالضيق من نجاح الآخرين في صحتهم أو مركزهم أو غناهم أو شهرتهم أو تقدمهم. ولكننا يجب أن نشارك الجميع أفراحهم وأحزانهم على السواء، ليشاركونا هم أيضاً وقت حاجتنا. ما أعظم حاجة عالمنا إلى التكافل، عملاً بوصية إمام الحكماء سليمان: "ارمِ خبزك على وجه المياه، فإنك تجده بعد أيام كثيرة" (جامعة 1:11). "فإن الذي يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضاً.. فلا نفشل في عمل الخير لأننا سنحصد في وقته إن كنا لا نكِلّ. فإذاً حسبما لنا فرصة فلنعمل الخير للجميع، ولا سيما لأهل الإيمان" (غلاطية 7:6-10). 5 - الروح القدس يثمر فينا محبةً للأعداء: قال أفلاطون: "الرجل الصالح هو الذي يحتمل الأذى، لكنه لا يرتكبه". ومن السهل على الإنسان أن يترفَّق بالصالحين وأن يحب الذين يحبونه، ويُحسن إلى الذين يُحسنون إليه. لكن المحبة الحقيقية هي التي تتَّجه إلى من يقاوموننا ويسيئون إلينا. ولن نقدر أن نحب أعداءنا إلا بقوة الروح القدس عندما يملأنا ويسود على سلوكياتنا، فنقدر أن نطيع الوصية: "أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسِنوا إلى مبغضيكم، وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم" (متى 44:5). يساعدنا الروح القدس أن نتغاضى عن الاختلافات وأن نتراضى. صحيحٌ أننا لا يمكن أن نلتقي مع الجميع في كل شيء، ولكن الروح القدس يعيننا لنهتم بكل ما نلتقي فيه معاً. وهو يخلّصنا من الكبرياء التي تشعر بالجرح بسرعة وسهولة، وتسرع للانتقام ممّا تسمّيه الكرامة والشرف، لأن الروح القدس يعطينا الصبر وطول الأناة، ويعلّمنا عمل الصلاح. يحدث العراك بخصامٍ بين شخصين، بينما عمل الصلح والسلام يحتاج لشخصٍ واحد فقط! وعندما يسيطر الروح القدس علينا يعطينا نقاوة القلب ومحبة السلام، فنسالم جميع الناس بقدر ما يمكننا، بدون أن نرتكب إثماً، وبدون أن ننكر حقاً، وبدون أن نخالف ضمائرنا (رومية 18:12). وهو يساعدنا أن نتبع السلام مع الجميع، والقداسة التي بدونها لن يرى أحدٌ الرب (عبرانيين 14:12). 6 - الروح القدس يثمر فينا محبةً لكل من يحتاجون إلينا: سأل أحد علماء الشريعة المسيح: "ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟" فأجابه: "تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك ومن كل فكرك، وقريبك مثل نفسك". فسأل: "ومن هو قريبي؟". فروى له المسيح مثَل "السامري الصالح" الذي وجد يهودياً جريحاً في الطريق، لا تربطه به علاقة سابقة، فضمد جراحاته، وحمله على دابته إلى أقرب مكان يقيم فيه حتى يتم شفاؤه، وتحمَّل نفقات علاجه. وقال المسيح إن السامري هو قريب اليهودي الجريح، فكل من يحتاج إلى معونتنا هو قريبنا (لوقا 25:10-37). وفي مثل السامري الصالح نجد أربع شخصيات: (أ) الجريح: وهو يهودي كان مسافراً من أورشليم إلى أريحا، فوقع بين لصوص، فعرّوه وجرحوه وسلبوا منه كل ما معه، وتركوه بين حيّ وميت (لوقا 30:10). وكان اليهودي يكره السامري ولا يتعامل معه أبداً. وإذا لمس سامريٌّ يهودياً، يشعر اليهودي أنه تنجَّس طقسياً، فيغتسل ليتطهر! ولو كان اليهودي الجريح سليم الجسد لما سمح للسامري أن يلمسه! (ب) الكاهن: مرَّ بالجريح وهو في طريقه لأداء خدمته الدينية في الهيكل، فرأى الجريح الذي ينتمي إليه في الجنس والدين، ولكنه جاز مقابله دون أن يساعده (لوقا 31:10). وهناك أسباب منطقية جعلت الكاهن يتصرف بهذه الطريقة: * كانت هناك خطورة على حياة الكاهن، لأن اللصوص كانوا أحياناً يسكبون على واحدٍ منهم دم خروف، وينام على الطريق يمثِّل دور جريح! فمتى أشفق عليه أحدٌ وحاول أن يساعده يمسك به اللص حتى يجيء زملاؤه من وراء الصخور ليهاجموا هذا المسافر ويسرقوا ما معه. * كان هناك احتمال أن يموت الجريح بين يدي الكاهن، فيتنجَّس طقسياً، ويتعطل عن أداء واجباته الدينية. وفكّر الكاهن: ما هو العمل الذي يجب أن يعطيه الأولوية الأولى: أن يساعد الجريح فيتدنس ولا يستطيع أن يقوم بواجبه الديني، أو أن لا يساعد الجريح فيقوم بواجباته الدينية؟ وقرر أن يضع واجباته الدينية أولاً! (ج) اللاوي: وهو مساعد الكاهن في أداء الواجبات الدينية. هذا نظر إلى الجريح وجاز مقابله. لقد اهتمَّ اللاوي بالجريح أكثر من اهتمام الكاهن به، لأنه نظر إليه. وهذا ما لم يفعله الكاهن. غير أن اللاوي تردد كثيراً في تقديم المساعدة. ولعله قال في نفسه: "الكاهن أستاذي، وهو القدوة، وهو يعرف أكثر مني. فإن كان قد مضى دون أن يعاون الجريح، فلا بد أن له في ذلك حكمة". ولعل اللاوي تذرَّع بهذه الحجَّة ليعفي نفسه من القيام بواجبه الإنساني. (د) السامري الصالح: الأجنبي عن الجريح، المختلف معه في العقيدة. هو الذي ضمد جراح اليهودي، وأركبه على دابته وأخذه إلى فندق وأعطى صاحب الفندق دينارين، وقال له: إن احتاج الجريح إلى شيء قدِّمه له، وعند رجوعي أوفيك. قدَّم لنا المسيح في هذا المثل جريحاً. وهناك من هم أكثر بؤساً من جرحى الأجساد. إنهم جرحى الخطية. صحيحٌ إن دماءهم لا تسيل، لكن نفوسهم الجريحة بالذنوب معرَّضة للهلاك الأبدي. وعلى المؤمنين أن يقدّموا لهم رسالة المسيح، وأن يشرحوا لهم اختباراتهم الروحية، لعلهم يتوبون فيخلصون. إن الله يكلف من يحبونه أن يحبوا الآخرين ويسعوا لتخليصهم من خطاياهم، حتى لو أساءوا إليهم، فالمحبة تتأنَّى وترفُق، وتتحمَّل إساءات الآخرين، وتقدر أن تطيع الوصية الرسولية: "باركوا على الذين يضطهدونكم. باركوا ولا تلعنوا.. فإن جاع عدوُّك فأَطعِمه، وإن عطش فاسقِهِ، لأنك إن فعلتَ هذا تجمع جمر نار على رأسه. لا يغلبنَّك الشر، بل اغلب الشر بالخير" (رومية 14:12 و20 و21). 7 - الروح القدس يثمر فينا محبةً للعائلة: عندما يسيطر الروح القدس على حياتنا يجعلنا نحب أفراد العائلة، فيحب الزوج زوجته، وتحب الزوجة زوجها، ويسود الحب جوَّ البيت. وقد شرح الرسول بولس لنا هذه المحبة الزوجية بقوله: "أيها الرجال أحبوا نساءكم كما أحبَّ المسيح الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها.. يجب على الرجال أن يحبوا نساءهم كأجسادهم. من يحب امرأته يحب نفسه، فإنه لم يبغض أحدٌ جسده قط، بل يقوته ويربيه كما الرب أيضاً للكنيسة" (أفسس 25:5 و28 و29). ونصح الرسول بطرس الرجال بقوله: "أيها الرجال، كونوا ساكنين بحسب الفطنة مع الإناء النسائي كالأضعف، معطين إياهنَّ كرامةً كالوارثات أيضاً معكم نعمة الحياة، لكي لا تُعاق صلواتكم" (1بطرس 7:3). ما أجمل وأسعد البيت الذي يسود الروح القدس سلوك أفراده، فيتم فيهم وصف المرنم: "هوذا ما أحسن وما أجمل أن يسكن الإخوة معاً.. لأنه هناك أمر الرب بالبركة: حياةٍ إلى الأبد" (مزمور 1:133 و3). * * * يجب أن نطلب الامتلاء من الروح القدس، وأن نعطيه السيطرة على حياتنا، لنستطيع أن نحب الله أبانا بكل قلوبنا، فينمو فينا ثمر الروح الذي هو محبة، فنحب الآخرين، سواء كانوا يحبوننا أو لا يحبوننا. وعندما نبدأ بحب الآخرين، يعرفون المسيح الذي علَّمنا الحبَّ النقي الصادق، الذي يعطي ولا ينتظر أخذاً، ويجدون فينا تطبيقاً عملياً للقول الرسولي: "أما غاية الوصية فهي المحبة من قلبٍ طاهر، وضميرٍ صالح، وإيمانٍ بلا رياء" (1تيموثاوس 5:1).صلاة يا رب، أنت أحببتني وأنا ضعيف ساقط، وأدمتَ لي رحمتك التي لا أستحقُّها. ازرع في قلبي المحبة لك، ولعائلتي، وأصدقائي، ومجتمعي، وأعدائي، وعمِّق هذه المحبة المقدسة فيَّ. اقبل دعائي أن يسيطر الروح القدس على سلوكي اليومي، لأثمر محبة تدفئ قلوب كل المحيطين بي، وكل المتعاملين معي. آمين. |
||||
27 - 12 - 2013, 06:22 AM | رقم المشاركة : ( 10 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
الثمرة الثانية الفرح عندما نتأمل قدرة الله الخالق الذي أبدع الكون لنعيش فيه، وعندما نتأمل محبة الله أتفادي الذي افتدانا بالمسيح حمل الله، الذبح العظيم، تمتلئ نفوسنا بالبهجة الروحية العميقة، ونهتف: "هلمَّ نرنم للرب، نهتف لصخرة خلاصنا. نتقدم أمامه بحمدٍ. بترنيماتٍ نهتف له" (مزمور 1:95 و2) "فيلذُّ له نشيدي، وأنا أفرح بالرب" (مزمور 34:104). وعندما نفكر في مجيء المسيح ثانيةً إلى أرضنا، نتطلع إلى سماع صوته يقول لكل مؤمنٍ أمين: "نِعِمَّا أيها العبد الصالح والأمين. كنتَ أميناً في القليل فأقيمك على الكثير. ادخُل إلى فرح سيدك" (متى 21:25). ولكن عندما نتأمل فيما يجري حولنا من ظروف مؤلمة وقاسية نندهش، ونتساءل: كيف نقدر أن نفرح مع أن عالمنا قد وُضع في الشرير (1يوحنا 19:5)، وهو يضطهد كل من يحيا مع الرب؟.. كيف نحصل على ثمرة الفرح ونحن نعيش في مجتمع يعادي ملكوت الله؟ ونندهش أكثر ونحن نقرأ نصيحةً كتبها الرسول بولس وهو سجينٌ في روما لجماعةٍ من المضطهَدين في فيلبي يقول فيها: "افرحوا في الرب كل حين، وأقول أيضاً افرحوا" (فيلبي 4:4). فكيف يطلب منهم أن يفرحوا وسط الآلام؟ وكيف يستطيع هو نفسه أن يفرح في ظروف السجن القاسية؟! ويجيء الجواب: "أما ثمر الروح فهو: فرح". وتزيد دهشتنا عندما نجد أن نصيحة الرسول بولس السجين لأهل فيلبي المضطهَدين لم تكن مجرد كلام، بل هي وصفٌ لما جرى للرسول بولس وزميله سيلا عندما أُلقي بهما في السجن الداخلي في مدينة فيلبي، ووُضعت أيديهما وأرجلهما في المقطرة، وهي أربع أخشاب فيها أنصاف دوائر، توضع الرِّجلان في نصفي دائرتي إحدى الخشبَتين، وتوضع اليدان في نصفي دائرتين أخريين، ثم توضع خشبة أخرى فوقهما لتغلق على الرِّجلين، وخشبة رابعة لتغلق على اليدين، فلا يقدر السجين أن يتحرك، ويعجز عن دفع الحشرات التي تزحف على جسمه، وعن قضاء حاجته، فيكون في ألمٍ وبؤس لا يتخيَّله إنسانٌ متحضّر في العصر الحديث. وبالرغم من كل هذا فاض الروح القدس بالفرح في قلب السجينَين، لأنهما حسبا نفسيهما مستأهلين أن يُهانا من أجل المسيح (أعمال 41:5). وارتفعت تراتيلهما من قلبين فَرِحين بقوة حتى أيقظا كل المساجين! ثم حدثت زلزلة فتحت أبواب السجن، فخرج جميع المسجونين. وأقبل السجّان مرتعباً يسأل: "ماذا ينبغي أن أفعل لكي أخلص؟" فأعطى الله بولس وسيلا فرصة الكرازة له، فآمن بالمسيح وأقام وليمةً لهما في بيته (أعمال 16). وقد كان الله أميناً مع بولس وسيلا، فلم يدعهما يُجرَّبان فوق ما يستطيعان، بل أعطاهما مع التجربة منفذاً للنجاة والفرح (1كورنثوس 13:10). فإذا سألنا بولس وسيلا كيف أمكنهما أن يرتّلا في شدة آلامهما، لجاءتنا الإجابة أن قوة الروح القدس المسيطرة عليهما منحتهما الفرح وسط الحزن، فتغيَّرت معايير العالم عندهما تماماً، وتحقَّق معهما ما قاله المسيح: "طوبى للحزانى لأنهم يتعزَّون" (متى 4:5). وهذا يعني أن الفرح الروحي ليس نتيجة الظروف التي يحيا المؤمن فيها، لكنه فرحٌ في وسطها وبالرغم منها، بفضل فعالية الروح القدس في داخل النفس. ويبدأ الرسول بولس ذكر قائمة ثمر الروح بكلمة "أما" وهي تفيد المفارقة. ففي العالم لنا ضيق، أما ثمر الروح فهو فرح، لأن المسيح غلب العالم (يوحنا 33:16). نعم، إن في العالم أحزاناً، لكن المسيح قال: "ستحزنون، ولكن حزنكم يتحوَّل إلى فرح.. عندكم الآن حزن، ولكني سأراكم أيضاً فتفرح قلوبكم، ولا ينزع أحدٌ فرحكم منكم" (يوحنا 20:16 و22). إن ظروفنا الخارجية، وما تمتلكه أيدينا، ومراكزنا الاجتماعية، وثقافتنا العلمية لا يمكن أن تمنحنا الفرح الذي يستمر. لكن هذا الفرح يجيء من داخلنا، نتيجة امتلاك الروح القدس لنا. وهو ما أوضحه إمام الحكماء سليمان، حين قال: "قلتُ في قلبي: هلمَّ أمتحنك بالفرح فترى خيراً. وإذا هذا أيضاً باطل! للضحك قلت: مجنون! وللفرح: ماذا يفعل؟".. ومضى سليمان يعدِّد ما امتلكه، قال: "افتكرتُ في قلبي أن أُعلّل جسدي بالخمر.. فعظَّمتُ عملي. بنيتُ لنفسي بيوتاً. غرستُ لنفسي كروماً.. قَنِيتُ عبيداً وجواري، وكان لي وُلدان البيت.. جمعتُ لنفسي أيضاً فضةً وذهباً.. وبقيَتْ أيضاً حكمتي معي". فماذا كانت نتيجة هذا كله؟ قال: "ثم التفتُّ إلى كل أعمالي التي عملتها يداي، وإلى التعب الذي تعبتُه في عمله، فإذا الكل باطل وقبض الريح، ولا منفعة تحت الشمس" (جامعة 1:2-11). وقال أيضاً: "توجد طريق تظهر للإنسان مستقيمة وعاقبتها طرق الموت. أيضاً في الضحك يكتئب القلب، وعاقبة الفرح حزن" (أمثال 12:14 و13). ولكن ما أجمل ما قاله المرنم لربِّه، وهو يقارن نفسه بغيره ممَّن حاولوا أن يحصلوا على السرور مما يملكون. قال: "جعلتَ سروراً في قلبي أعظم من سرورهم إذ كثُرت حنطتهم وخمرهم. بسلامةٍ أضطجع بل أيضاً أنام، لأنك أنت يا رب منفرداً في طمأنينة تُسكنني" (مزمور 7:4 و8). وواضح أنه لا يستطيع أحدٌ أن "يضطجع بسلامةٍ لينام" إلا إن كان واثقاً تماماً أن الإله القديم، الذي اختبره وعرفه، هو ملجأه، وأن أذرع الله الأبدية من تحته ترفعه (تثنية 27:33) وأن قلعته هو الرب، البرج الحصين الذي يركض إليه الصدِّيق ويتمنّع (أمثال 10:18). إنه السيد والفادي والمقدِّس، الذي غسل المؤمنين من خطاياهم بالدم الكريم، وجعلهم ملوكاً وكهنة له. وصلتهم العميقة الشخصية به، وملء الروح القدس لهم، يضمنان لهم ثمر الفرح الذي يفيض دوماً في قلوبهم "لأنْ ليس ملكوت الله أكلاً وشرباً، بل هو برٌّ وسلام وفرحٌ في الروح القدس" (رومية 17:14). وبسبب فرح الروح القدس الدائم والثابت والكامل قال نبي الله حبقوق: "مع أنه لا يزهر التين، ولا يكون حملٌ في الكروم. يكذب عمل الزيتونة، والحقول لا تصنع طعاماً. ينقطع الغنم من الحظيرة، ولا بقر في المذاود، فإني أبتهج بالرب وأفرح بإله خلاصي" (حبقوق 17:3 و18). إن الفرح الذي نستمده من إنسانٍ أو شيءٍ مادي لا يستمر. أما ما نستمده من الروح القدس فهو الذي يبقى ويدوم، ويكون اختبار بركة كبيرة لا تزول. وأذكر أربعة أنواع من الفرح يمنحها لنا الروح القدس: أولاً: فرح الخلاص والغفران عندما جاء المسيح إلى عالمنا مولوداً من العذراء مريم جاء بفرح الخلاص، فرتَّلت العذراء المطوَّبة: "تعظِّم نفسي الرب، وتبتهج روحي بالله مخلّصي" (لوقا 46:1). وهو فرحٌ ابتهج به الأنبياء من قبل حدوثه لما كشف الروح القدس لهم عن عظمته، فقال المسيح لليهود: "أبوكم إبرهيم تهلَّل بأن يرى يومي، فرأى وفرح" (يوحنا 56:8). وهو فرحٌ يحصل عليه كل من يقبل خلاص المسيح، عندما يقنعه الروح القدس بصِدق رسالة الإنجيل (أفسس 13:1). ولا يمكن أن يصف فرحة تسليم الحياة للمسيح إلا من اختبرها كما قال الرسول بطرس: "تبتهجون بفرح لا يُنطق به ومجيد" (1بطرس 8:1). في الأصحاح الخامس عشر من إنجيل لوقا ضرب لنا المسيح مثلاً عن ضياع خروفٍ واحد من مئة، وذكر شدة حزن الراعي عليه. وضرب مثل ضياع درهمٍ واحد من عشرة، وشدة حزن السيدة التي أضاعته. وضرب مثل ضلال ابنٍ واحد من اثنين، وشدة حزن الأب عليه. غير أن الأمور لم تنتهِ بالحزن، بل بالفرح! فكم كان فرح الراعي عظيماً عندما وجد خروفه الضال، فأقام لذلك حفلاً مبهجاً. وعندما وجدت السيدة درهمها المفقود دعت جاراتها ليفرحن معها. وكم فرح الأب بعودة ابنه الضال، فأمر عبيده أن يُقيموا أفضل وليمة، لأن ابنه كان ميتاً فعاش وكان ضالاً فوُجد. وقال المسيح: "هكذا يكون فرحٌ في السماء بخاطئ واحد يتوب" (لوقا 7:15). ويصف سفر الأعمال بهجة الخلاص بطريقة فريدة، فيقول: "الذين تشتَّتوا جالوا مبشِّرين بالكلمة" (أعمال 4:8). وقد نمرُّ بكلمة "تشتتوا" مروراً سريعاً، فلا نعطيها حقَّها من التفكير. لكن تصوَّر حالة هؤلاء المسيحيين الذين طُردوا من بيوتهم وأُخذت ممتلكاتهم عنوة، وفقدوا مكان الإقامة والوظيفة، فتشتتوا بعيداً عن الأهل والوطن. كنا نتوقع كنتيجةٍ طبيعية لهذا الاضطهاد أن يفكروا في محاربة الذين طردوهم، أو أن يتذمروا على الله الذي سمح باضطهاد عبيده. ولكن شيئاً من هذا لم يحدث، لأن الروح القدس كان مسيطراً على حياتهم، فلم يستلّوا سيوفهم للمحاربة، لأن الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون (متى 52:26). ولا تذمَّروا على الله، لأن المسيح سبق وأعلمهم أن الذين اضطهدوه سيضطهدونهم، وأن الضيق ينتظر كل الأتقياء (يوحنا 20:15). فجال أولئك المضطهَدون يبشرون بكلمة الله. لقد كانت لديهم أخبارٌ سارة عن محبة الله وغفرانه، فبشروا بها من سمعهم ومن رفض أن يسمع لهم. وهذا موقفٌ فوق طبيعي، وفوق بشري، لأنه ثمر الروح القدس (أعمال 4:8-8). وكانت نتيجة هذا الموقف فرحاً عظيماً في كل مكان بشَّروا فيه، هو فرح الخلاص الذي ملأ قلوب الذين قبلوا البشارة، وفرح المبشرين الذين رأوا غيرهم يقبلون البشرى المفرحة كما قبلوها، وجميعهم يهتفون: "الله خلاصي فأطمئن ولا أرتعب، لأن ياه يهوه قوتي وترنيمتي، وقد صار لي خلاصاً. فتستقون مياهاً بفرح من ينابيع الخلاص" (إشعياء 2:12 و3). ما أجمل أن نلبس لباس التقوى الذي ينسجه الروح القدس لنا، فنردِّد مع النبي إشعياء: "فرحاً أفرح بالرب. تبتهج نفسي بإلهي، لأنه قد ألبسني ثياب الخلاص. كساني رداء البر" (إشعياء 10:61). ثانياً: فرح كتابة اسمك في سفر الحياة كل من يحصل على الغفران يكتب الله اسمه في سفر الحياة، فيغمر الفرح الروحي قلبه، كما قال المسيح: "افرحوا أن أسماءكم كُتبت في سفر الحياة" (لوقا 20:10). وينجو من المصير المؤلم الذي قال الله عنه: "الحائدون عنّي في التراب يُكتَبون، لأنهم تركوا الرب ينبوع المياه الحية" (إرميا 13:17). ويشهد الروح القدس لكل تائبٍ أنه ابنٌ لله، له الحق في كتابة اسمه في سفر الحياة "الروح نفسه يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله" (رومية 16:8). ويعطينا الروح القدس أن نتقدَّم في روحٍ واحدٍ إلى الآب السماوي، فيصدق فينا القول: "فلستُم إذاً بعد غرباء ونُزُلاً، بل رعية مع القديسين وأهل بيت الله" (أفسس 18:2 و19). ويؤكد لك الروح القدس غفران خطاياك، وكتابة اسمك في سفر الحياة، لأنه "إذ آمنتم خُتمتم بروح الموعد القدوس، الذي هو عربون ميراثنا" (أفسس 13:1 و14). فإن كنتَ قد فتحتَ قلبك للمسيح ولخلاصه، تنال ختم الروح الذي يؤكد لك صحَّة إيمانك. وبما أنك صرتَ ابناً لله يرسل الله روح ابنه إلى قلبك (غلاطية 6:4) فيكون عربوناً يضمن ارتباطك بالمسيح، وتكون بركاتك القادمة أكبر من كل البركات الماضية التي أعطاها الله لك. ثالثاً: فرح حضور الرب الكامل عندما يملأ الروح القدس قلبك ويسيطر على حياتك تتيقَّن من حضور الرب الكامل المستمر معك، كما قال المسيح: "حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي، فهناك أكون في وسطهم" (متى 20:18) وقال: "أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر" (متى 20:28). ويتم لنا تحقيق وعد المسيح لتلاميذه في العلية قبل إلقاء القبض عليه: "أطلب من الآب فيعطيكم معزِّياً آخر ليمكث معكم إلى الأبد، روح الحق.. لا أترككم يتامى. إني آتي إليكم.. لو كنتم تحبونني لكنتُم تفرحون لأني قلتُ أمضي إلى الآب.. ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب، روح الحق.. فهو يشهد لي.. خيرٌ لكم أن أنطلق، لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي. لكن إن ذهبتُ أرسله إليكم" (يوحنا 16:14 و18 و28 و26:15 و7:16). وكان لا بد من ارتفاع المسيح إلى السماء ليرسل الروح القدس ليملأ تلاميذه بالفرح، فيختبرون حضور الله الدائم معهم، ليكون لهم عزاءً في الحزن، وإسناداً في الضعف، وأمناً في الخوف، وإرشاداً في الحيرة. ولكل مؤمن امتياز أن يحيا في ثقة دائمة أن الله معه، يحيط به ويرفعه فوق كل تجربة. ويتحقق هذا عندما يمتلئ بالروح القدس فيمتلكه الروح ويصبح كله للرب، فيحمل كل ثمر الروح كنتيجة طبيعية لهذا الامتلاء، فيقول مع المرنم: "تعرِّفني سبيل الحياة. أمامك شبع سرور. في يمينك نِعَمٌ إلى الأبد" (مزمور 11:16). وهذا الفرح هو قوة المؤمن التي تمحو الحزن والتنهُّد والتذمر والقلق من حياته، لأن الرب يشبعه بالسرور. ولكننا نأسف على أبناء الملك الذين لا يتمتعون بملء الروح القدس، فيلبسون الأثمال، ويتضوَّرون جوعاً كالابن الضال الذي لم يكن يجد طعام الخنازير، مع أن عبيد أبيه كان يَفْضُل عنهم الخبز! قال الرسول بولس عن الله: "يفعل خيراً. يعطينا من السماء أمطاراً وأزمنةً مثمرة، ويملأ قلوبنا طعاماً وسروراً" (أعمال 17:14) وهو ما نحصل عليه بغنى عندما يملك الروح القدس علينا، فتمتلئ قلوبنا بما يُشبع احتياجاتنا الأساسية، ويدوم ثمر الروح فينا فرحاً عميقاً. رابعاً: فرح الخدمة الكاملة عندما نمتلئ من الروح القدس نصبح خداماً أفضل للرب، لأننا ننال منه قوة تنصرنا على خطايانا وضعفاتنا، وتجعلنا شهوداً أفضل للمسيح في بيوتنا وكنائسنا ومجتمعنا (أعمال 8:1)، فنكرز بيسوع المسيح مصلوباً، حتى لو كلَّفتنا هذه الكرازة حمل صليب ثقيل، فالذين يزرعون بالدموع يحصدون بالابتهاج، كما قال المرنم: "الذاهب ذهاباً بالبكاء حاملاً مِبْذَر الزرع، مجيئاً يجيء بالترنُّم حاملاً حزمه" (مزمور 5:126 و6). وما أعظم الفرح الذي يغمر قلب المؤمن وهو يختبر نجاح خدمته للرب وللناس، فيرى نفساً هالكة تتوب وتنال الحياة الأبدية، وأخرى يائسة يغمرها الأمل، وثالثة ترتفع فوق الضعف لتحلِّق في آفاق سماوية عالية. ما أجمل أن ترى زوجين متخاصمين وقد تصالحا، ومشكلةً مزمنة وقد حُلَّت! "تفرح البرَّية والأرض اليابسة، ويبتهج القفر ويزهر كالنرجس!.. هم يرون مجد الرب، بهاء إِلهنا. شدِّدوا الأيادي المسترخية، والركب المرتعشة ثبِّتوها. قولوا لخائفي الرب: تشدَّدوا لا تخافوا.. هو يأتي ويخلِّصكم" (إشعياء 1:35-4). عندما تقدم للرب خدمة كاملة تتمم مشيئته الصالحة في حياتك، فيفيض السرور في قلبك. قال المرنم: "أن أفعل مشيئتك يا إلهي سُررتُ" (مزمور 8:40). وستفرح كثيراً عندما تصلي: "لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض" لأن مشيئته هي أن تشارك غيرك في بشرى الخلاص، فتنشرها بالقول والكتابة والقدوة الصالحة، وتقول مع الرسول يوحنا: "نكتب إليكم هذا ليكون فرحكم كاملاً" (1يوحنا 4:1). وستفرح عندما تنفذ القول: "مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ" (أعمال 35:20) كما فرح الرسول بطرس وهو يقول للمُقعَد: "ليس لي فضة ولا ذهب، ولكن الذي لي فإياه أعطيك: باسم يسوع المسيح الناصري قم وامشِ" (أعمال 6:3) فقام ووثب وصار يمشي! صلاة أشكرك يا إلهي لأنك تنبِّهني أن العالم سيسبِّب لي ضيقاً، لكني أشكرك أكثر لأنك تفرحني بشخصك، وتجعل فرحك قوتي. إن اقترابي إليك حسنٌ لي، لأنه يعطيني فرح الخلاص، وضمان كتابة اسمي في سفر الحياة، اعتماداً على ما فعله المسيح لأجلي على الصليب. أشكرك لأنك معي كل الأيام إلى انقضاء الدهر. فرِّح قلبي بعملٍ روحي تكمله أنت فيَّ وبي. آمين. |
||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|