يوسف زميل مريم في رحلتها مع المسيح
للمتنيح الأنبا غريغوريوس
لم يكن يوسف إذن مجرد زوج شرعي لمريم يحميها من أقاويل الناس واتهاماتهم-وإن كان زواجهما من طراز ذلك(الزواج البتولي)-لكنه كان مصاحبا لمريم العذراء ورفيقا لها في رحلتها الطويلة مع ابنها وسيدها يسوع المسيح.
لقد كان هو(الرجل المسئول)عن العائلة المقدسة,وكان هو (العائل) لها أدبيا وماديا.وكان يشتغل نجارا(متي13:55),(مرقس6:3) ليقوم بأود هذه الأسرة المباركة.
وهذا شرف جزيل وبركة عظيمة ليوسف أن يأكل الرب يسوع المسيح وأمه العذراء الطهور من ثمر عمل يوسف وكد يديه.
وإذا كان إسحق قد قال لابنه الأكبراصنع لي أطعمة كما أحب وائتني بها لآكل حتي تباركك نفسي(التكوين27:4, 19, 31, 25),
فكم نال يوسف النجار من بركات لا تحصي؟
!فهو (الأب الاعتباري)للسيد المسيح الذي عاله صغيرا,وقد نال الشرف الذي لا يرقي إليه شرف آخر بأن أكل المسيح من ثمر عمل يديه,لا أكلة واحدة كما طلب إسحق من ولده الأكبر,
بل لقد استمر يعول العائلة المقدسة سنوات إلي أن توفاه الله,وكان يسوع المسيح قد بلغ السادسة عشرة من تاريخ ظهوره في الجسد.
لقد رعي يوسف مريم العذراء كل مدة الحمل وما قبلها,بحنان الزوج البار الوفي,وكفل لها كل أسباب الراحة الروحية والنفسية والجسدية.
وقد صحبها ورافقها ولازمها وزاملها في رحلتها الشاقة وهي حامل في أواخر شهرها التاسع إلي بيت لحم,مدينة داود التي بإقليم اليهودية التي ينتميان إليها معا,لأنهما الاثنينمن بيت داود ومن عشيرته(لوقا2:4),(1:27).
وقد شاء الله أن يصدر مرسوم أغسطس قيصر بإجراء تسجيل لسكان العالم كله...فذهب الجميع لتسجيل أسمائهم,كل واحد في مدينته.ومن ثم ذهب يوسف أيضا من مدينة الناصرة التي بالجليل إلي مدينة داود المسماة بيت لحم التي باليهودية,ليسجل اسمه مع مريم خطيبته التي كانت حبلي(لوقا2:1-5) لابد أن العذراء ركبت حمارا لتقطع المسافة الطويلة,وهي حامل,من الناصرة بإقليم الجليل في شمال فلسطين إلي بيت لحم بإقليم اليهودية في الجنوب,ولابد أن يوسف كان يرعاها بحدبه وعنايته ممسكا كالعادة بمقود الحمار وهو يسير إلي جانبها يؤنسها ويشجعها ويسندها وهي في الأيام الأخيرة لحملها.
وقد حدث بعد وصولهما أنه حان هنالك موعد ولادتها فنزلا بفندق.وشاء الله أن لا يكون لهما مكان في الفندق,فأقاما في حظيرة للمواشيفولدت ابنها..وقمطته وأضجعته في مذود إذ لم يكن لهما مكان في الفندق(لوقا2:6, 7).
ويمكننا أن نتصور معاناة القديس يوسف مع مريم,وهي متعبة وقد جاءها المخاض,وليس لهما في الزحام العظيم بمناسبة التسجيل العام مكان لينزلا فيه,ولتلد فيه مولودها الإلهي,ولابد أنه ذهب إلي كل مكان ليحضر لها قابلة لتساعدها علي استقبال وليدها الإلهي.
وتقول بعض مصادرنا الكنسية إنه بعد أن حضرت معه القابلة سالومي وجداها قد وضعت جنينها,فلما اقتربت منها لتلمسها يبست يداها فانذهلت,لكنها إذ لمست الطفل الإلهي عادت يداها سليمتين.
ولما ظهر ملاك الرب للرعاة بالبادية وبشرهم بالفرح العظيم بميلاد المخلص وهو المسيح الرب,وظهرت لهم مع الملاك كوكبة من جند السماء يسبحون الله ثم ذهبت عنهم الملائكة منطلقة إلي السماء قال الرعاة بعضهم لبعض:هلموا الآن إلي بيت لحم لنبصر هذا الحدث الذي أنبأنا به الرب.
ثم جاءوا مسرعين فوجدن مريم ويوسف والطفل مضجعا في المذود(لوقا2:10-16).ولابد أن انفعل يوسف كثيرا بما شهد به الرعاة,وقد تعجب مبهورا معكل الذين سمعوا الرعاة مما قالوه لهم(لوقا2:18).
ولقد سمع بأذنيه ما قاله سمعان الشيخ وحنة بنت فنوئيل حينما صعد يوسف ومريم بالطفل يسوع المسيح عندما تمت أيام التطهير علي مقتضي شريعة موسي,وهي أربعون يوما لميلاد الطفل الإلهي,ودخلا به الهيكل,ليقدماه للرب,وليقدما الذبيحة التي تقرضها شريعة الرب,وهي زوجا يمام أو فرخا حمام فكان يوسف وأم الطفل يتعجبان مما قيل عنه,وقد باركهما سمعان(لوقا2:22-34).ولما تمموا كل شئ وفقا لشريعة الرب,رجعوا إلي مدينتهم الناصرة في الجليل(لوقا2:39).
ولما أصدر هيرودس أمره بقتل كل الأطفال في بيت لحم وفي كل نواحيها,ظهر الملاك في حلم ليوسف وأمره أن يأخذ الصبي وأمه ويهرب إلي مصر,وأن يمكث هناك حتي يقول له.فقام يوسف وأخذ الصبي وأمه ليلا وانطلق إلي مصر,ومكث هناك حتي موت هيرودس.
ولقد أركب يوسف مريم علي الحمار,وفي حضنها ابنها الإلهي,وأمسك هو بمقود الحمار وهو يمشي إلي جانب مريم ووليدها يعتني بهما ويحرسهما كمسئول عنهما,من اللصوص وقطاع الطرق,ودخل بهما أرض مصر,وانتقل بهما من مكان إلي مكان في رحلة طويلة شاقة لم يكد يستقر بهم المقام في محطة حتي يثير الشيطان عليهم حربا,فيخرج الكهنة الوثنيون والشعب يطاردونهم ويطردونهم لمدة أربع سنوات...وفي كل ذلك عاني يوسف المصير الذي عانته مريم لأنه زاملها في رحلتها وصحبها معه,وتقاسم معها ما قاسته من ضيق واضطهاد,واحتمل معها ما احتملته من آلام نفسية وجسدية,روحية ومادية,ولم يقاسمها آلامها بغير عمل.
ولكنه(كرجل)مسئول جاهد وكافح وناضل وتعب,عاملا وخادما بفكره وقلبه وبدنه,وبكل ما له من إمكانات وإمكانيات.فهو الخادم لسر التجسد.
وإذا كانت العذراء مريم هي الخادم الأول لأنها هي التي حملت الله الكلمة في أحشائها,وأرضعته وربته كأم,فإن يوسف البار هو الخادم الثاني لسر التجسد,لأنه كان الحارس الأمين والخادم الوفي الذي بذل كل جهد يملكه رجل شيخ في سبيل أن يوفر كل راحة ممكنة للسيد المسيح ولوالدته العذراء الطوباوية.
ولقد ظل القديس يوسف يقوم بواجباته ومسئولياته كرأس للعائلة المقدسة,عائلا وحارسا وراعيا,في الناصرة وأما في مناسبة عيد الفصح فكان يحج إلي أورشليم في كل عام مستصحبا معه العذراء الطاهرة وابنها الإلهي,للعبادة في الهيكل وتقديم القرابين.يقول الإنجيل:
وكان أبواه يذهبان كل سنة إلي أورشليم في عيد الفصح.فلما بلغ الثانية عشرة من عمره,صعدوا إلي أورشليم كما هي العادة في العيد,حتي إذا رجعا بعد انقضاء أيام العيد بقي الصبي يسوع في أورشليم,وأمه ويوسف لا يعلمان.وإذا كانا يظنانه ضمن القافلة ظلا مسافرين مسيرة يوم,ثم راحا يبحثان عنه عند الأقرباء والمعارف.فلما لم يجداه رجعا إلي أورشليم يبحثان عنه.وبعد ثلاثة أيام وجداه في الهيكل,جالسا في حلقة العلماء,يستمع إليهم ويسألهم.وكان كل الذين يسمعونه مشدوهين من علمه وأجوبته.فلما أبصراه انذهلا,وقالت له أمه:لماذا فعلت بنا هكذا يا بني؟فها هوذا أبوك وأنا كنا نبحث عنك معذبين.فقال لهما:ولماذا تبحثان عني؟ألا تعلمان أنني لابد أن أكون فيما هو لأبي؟فلم يفهما الكلام الذي قال لهما.ثم عاد معهما إلي الناصرة,وكان طائعا لهما(لوقا2:41-51).
ولئن دلت هذه القصة علي شئ مما بذله يوسف البار من جهود مضنية في خدمة سيده وسيدنا يسوع المسيح والسيدة المباركة والدته العذراء,فإنما تدل أيضا علي مبلغ ما ناله يوسف من شرف وكرامه بمصاحبة رب المجد وملازمته له ملازمة تامة ورصد كل قواه الروحية والبدنية تحت قدميه ويكفي القديس يوسف كرامة أن يذكر الإنجيل عنه,أن يسوع المسيح كان طائعا له ولمريم أمه.فمبارك يوسف البار,ومباركة حياته ومسيرته.إنه(الرجل) الأولي في خدمة رب المجد فلتشملنا شفاعته وبركته مع العذراء الطاهرة مريم آمين.