رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
انسيمس العبد النافع وما أجملها وأعظمها من عودة ، لقد عاد شيئاً بل بتعبير أصح شخصاً آخر ، خليقة جديدة فى المسيح ، لقد عاد العبد حراً ، كانت مشكلته الحقيقية أكثر من عبودية فليمون له ، إذ كانت عبودية الفساد والشر والخطية ، ولابد أن فليمون حاول تقويمه عشرات المرات دون جدوى ، ربما قيده أو أوقع به ضربات قاسية موجعة مزقت جلده ، ولكنها لم تستطع أن تمس قلبه .. عندما رأى تشارلس لام سلطان الخمر عليه وأنه لا يستطيع أن يملك إرادته عليها كتب ما يأتى : هل يستطيع الشبان الذين تستهويهم رائحة الكأس الأولى الجميلة أن يلقوا نظرة علىَّ ليفهموا كم هو أمر مرعب أن يرى الإنسان نفسه يتدحرج إلى هاوية سحيقة بعيون مفتوحة وإرادة معدومة ، ينظر هلاك نفسه ولا يملك قوة الإرادة التى توقفه ، ويحسن أن كل صلاح قد تركه ، ومع ذلك لا يستطيع أن ينسى الوقت الذى لم يكن فيه كذلك ، آه لو نظروا لاحترسوا بشدة من الكأس الأولى!!.. وقفت المرأة أمام القاضى باكية .. قالت : ياسيدى أرجو أن ترسلنى إلى السجن . لقد جربت كل طريقة أخرى وفشلت . إنى مستعبدة لسلطان المسكر . أرسلنى إلى السجن فهناك سأُمنع عن الشرب ، ... ما أكثر العبيد الذين قيدتهم الخطية بقيود أقسى من الأغلال ، ولم يجدوا نجاتهم إلا فى المسيح محرر العالم ومحطم الأغلال التى تستعبدنا بعنف !! .. تعبت الحكومة فى معالجة زوجين سكيرين . حاولت معهما بكل وسيلة وفشلت . سلمتهما إلى جيش الخلاص الذى ، بواسطة إنجيل النعمة، استطاع أن ينقذهما من شيطان المسكر ، وقامت الحكومة بدفع مصاريف علاجهما إلى جيش الخلاص . دفعت الحكومة أجرة المكان . ولكن هل نستطيع أن ندفع أجرة «الخلاص» نفسه؟ لقد دفع السيد الثمن !! .. ومن المؤكد أن أنسيمس فى ذهابه إلى روما كان كمن يرزح تحت جبل ثقيل موضوع على كتفيه ولكنه وقد نال الخلاص عاد متحرراً يقفز ويطفر ويسبح اللّه بعد أن سقط جبل الخطية عن كاهله !! .. لم يعط التجديد أنسيمس الحرية فحسب ، بل أعطاه المساواة أيضاً ، فلم يعد عبداً ، .. وهنا لابد أن نتوقف لنرى أسلوب المسيحية فى مواجهة مشكلة الرق العاتية ، وهذا الأسلوب لا يمكن أن يكون ثورياً ، فالمسيحية لا تؤمن بالعنف أو ترضاه ، سبيلا للاصلاح والعلاج ، .. وربما نفهم هذا لو قرأنا ما كتبه جيمكس م . ستيفلر عن السيد المسيح عندما قال : عندما سار المسيح بين الناس ... رأوه ينظر بعينيه إلى النساء والأطفال بنفس النظرة التى كان ينظر بها إلى الرجال ، .. وهو لم يقل هذا ، ولكنه أظهره بالصورة الواضحة التى يفهمها الجميع ، .. والأمر نفسه بالنسبة للرق والعبيد ، وهو لم يخطب ضد مظالم العبودية الواضحة فى العصر الذى عاش فيه ، أو يتكلم عن الطبقات المختلفة ، ولكنه تصرف كما لو لم تكن موجودة ، لقد تناول طعامه مع الأغنياء ومع الفقراء دون أدنى تفرقة ، وزار رجال الدين المحافظين كما زار العشارين والخطاة على السواء ، ودون إثارة ، .. وإنك تستطيع أن تثق فى التصرف السليم لأى إنسان يضع قلبه على الأمور السامية ، ... ولعل هذا هو السبب فى أن الناس لم تقدر أن تفهمه ، لأنهم يقسمون الناس إلى طبقات متعددة ، أما هو فلم يفعل هكذا ، ونحن مانزال إلى اليوم نقسم الأشياء ، إلى وطنى وأجنبى ، ومادى رورحى ، ودنيوي ومقدس ، .. أما بالنسبة للمسيح فلم يكن هناك إلا صنفان من البشر ، أولئك الذين يعيشون مع اللّه ويضعونه أولاً، وغيرهم ممن يحيون ويعيشون للجسد ، وحتى مع هذا التقسيم ، فإنه لا يمكن تجاهل الحقيقة أن الجميع إخوة ، وأبناء للإله الواحد!! .. فإذا تحولنا مع المسيح إلى رسوله بولس نجد ذات الشئ .. أو كما وصفه كوستن جـ . هاريل فى كتابه : « أصدقاء اللّه » إذ قال : « إن الناس لا تفكر فيه عادة على هذه الصورة ،... ولكن بولس كان رجلاً ناجحاً على وجه عجيب ، ومقتدراً . كان أبوه يتمتع بالجنسية الرومانية ، وكل الدلائل تدل على أنه كان من طبقة عالية ميسورة الحال ، ولكنه لم يبال بهذا كله ، بل رمى به عندما دعى لمركزه الرسولى ، وترك ميراثه ليعيش من صناعة الخيام ، وتخلى عن أسرته من أجل المسيح ، وأصبح رحالة يجوب الأرض ، وهو يفعل ذلك فى منتهى السعادة ، وكان متعلماً ، ولكن الرجل الذى تعلم عند رجلى غمالائيل كان آية فى التواضع ، وقد وجد أنسيمس العبد الهارب مكانه ومكانته عنده ، وهو فى وداعته يشبه ذلك العالم الذى قال لقد شعرت أنى ألتقط بعض الأصداف القليلة من على شاطئ بحر الحقيقة الواسع العظيم ، ولم تدر رأسه المعرفة التى وصل إليها أو تفقده عطفه على الآخرين من بنى الإنسان ، ولم يقدم على أية محاولة دون أن ينجزها ، فى سجله الحافل فى العمل الرسولى ، وقد أمكنه بنعمة اللّه أن يزرع كنيسة المسيح فى أنحاء العالم الرومانى بنجاح وقوة ، ومع ذلك فإن نجاحه العظيم لم يجعله يرفع عقيرته على غيره من بنى البشر ، كان عطوفاً كأرق العطوفين ، ولم يجرفه التعالى أو الكبرياء ، وهو دائماً عند الفكر المسيطر عليه أنه أول الخطاة الذين افتقدتهم نعمة الله العظيمة المتفاضلة ، وبالحقيقة كانت وداعته الأخاذة أكثر بروزاً فى نجاحه مما فى استسلامه القانع الهادئ فى شجنه » ... لقد كسب بولس السيد والعبد معاً ليسوع المسيح ، وهو لا يرفع أحدهما ، ويهبط بالآخر ، بل يرفعهما كليهما إلى المستوى المسيحى ، والمساواة التى جاء المسيح بها ، لم تفرق بين عبد وحر، ذكر وأنثى ، .. ومع ذلك فهو يرتفع فوق كل قانون ، ويرى المسيحية أعلى من القانون الذى يمكن فليمون من كل تصرف تجاه عبده وخادمه ، فهو إن شاء أبقى عليه ، وإن شـــاء قتله، دون تدخل أو عقاب من القوانين الرومانية الوضعية ، ولكن من قال إن المسيحية يمكن أن تنزل أو تتساوى مع أية قوانين بشرية ، أو من قال إن القوانين الأرضية يمكن أن تحكم المبادئ المسيحية أو تحتويها ، إن العكس هو الصحيح ... يقول يوحنا فم الذهب : إن فليمون لا يكون مسيحياً أو إنساناً بل وحشاً إذا رفض نداء بولس بمسامحة أنسيمس ورفعه إلى مستوى الأخوة المسيحية ! .. ومن المناسب أن نذكر أيضاً ، ولهذا السبب ، أن بولس لم يناد بالحرية والمساواة بل بالإخاء أيضاً : « لا كعبد فى ما بعد بل أفضل من عبد أخا محبوباً ولا سيما إلىَّ فكم بالحرى إليك فى الجسد والرب معاً » ( فل 16 ) .. ولم يحتج الأمر إلى العنف أو الثورة لتحقيق كل هذا كما أطلقت الثورة الفرنسية شعارها المعروف « الحرية والمساواة والإخاء » وسفكت الدماء وأسالتها أنهاراً ، إذ قام الحب فى المسيحية مقام العنف والطغيان والثورة ، وعلا الحنان والجود والرفق والسلام على كل حواجز الحقد والشر والتحزب والانقسام ، ... ومع أنه من المؤسف أن البشر يتحركون ببطء نحو المبادئ المسيحية السامية العليا ، ولكن المسيح لا يقبل أن يتحول الناس إليها قسراً أو عن اكراه أو بقوة السيف أو القانون ، ولكن بسلطان روحه الذين يتملك الجميع ، فيقف بولس وفليمون وأنسيمس على خط واحد من الحرية والمساواة والإخاء والحب الحقيقى فى المسيح يسوع : « بل أخا محبوباً ولاسيما إلىَّ فكم بالحرى إليك فى الجسد والرب معاً » .. لم تعط المسيحية أنسيمس الحرية والمساواة والإخاء والحب ، بل أعطته إلى جانبها جميعاً الصلاح والنفع ، إذ عاد أنسيمس إلى معنى اسمه الذى أفقده إياه الشر والاثم ، إذ أصبح نافعاً ، ومن الواضح أنه كان نافعاً لبولس فى روما ، ولم يرغب بولس أن يكون هذا النفع قسراً بدون إرادة فليمون ، ولم يشأ أن يحرم فليمون أيضاً من هذا النفع ، فأعاده إليه والحياة المسيحية الجديدة ، لابد أن تكون نافعة ، وصادقة فى نفعها ، مهما بدت الطريق أمامها قاسية وخشنة ، ... لقد حمل أنسيمس كتاب بولس إلى فليمون ، وكان على الجميع أن يشتركوا فى المنفعة ، فبولس كان على استعداد للبذل والعطاء موفياً ما يمكن أن يكون لفليمون من دين على أنسيمس ، وكان أنسيمس يسير بخطى ثابتة إلى بيت فليمون مهما تكن النتائج التى قد تواجهه ، إذا لم يقبل فليمون توبته ورجوعه ، وهو كإنسان نافع على استعداد أن يقدم هذا النفع فى الحياة أو الموت على حد سواء ، كما تفعل كل حياة تصمم على الحق والشرف والأمانة والصدق مهما تتكلف من متاعب أو مشقات أو آلام ، .. وكان على فليمون ألا يكون أقل فى الشهامة والكرامة والنفع ، فيقبل عرض بولس ، وتوبة أنسيمس ، وانتصار الشركة المسيحية التى ترفعهم جميعاً إلى أعلى مستوى !! .. وإذا صح التقليد القائل أن أنسيمس عاش مع فليمون ومات مع ابنه شهيدين من أجل المسيح ، فنحن هنا ازاء أسمى ما يمكن أن تكون عليه الرابطة المسيحية التى تربط المسيحيين معاً فى الحياة أو الموت بالأخوة المسيحية !!.. مات أحد القضاة الأمريكيين فى سان فرانسيسكو عن عمر ناهز الواحدة والتسعين ، وقد أرسل أصدقاؤه وأصدقاء الأسرة فى الجنازة مئات من باقات الورود ، ولكن أجمل باقة وأكبرها كانت من شخص مجهول للأسرة ، وإذ استفسروا عن الصديق المجهول وجدوه رجلا فقيراً جداً يلبس بدلة العمل الزرقاء!! .. ولما سئل لماذا قدم أعظم باقة وأجملها ، أجاب : إنى كناس الشارع ، وقد كنت كل يوم أنتظر القاضى فى خروجه من البيت ، وكان يسير إلى جوارى وأنا أكنس الشارع!!.. وقد ظللنا على هذه الحال عشرين عاماً !! .. القاضى العظيم لا يأنف أن يسير إلى جوارى ويتكلم معى ، أنا الذى لا أساوى شيئاً ، ويقول لى : يامستر مورفى !!؟ .. لقد وضع بولس يده فى يد أنسيمس ويد فليمون ، وعاش الثلاثة على مر القرون والأجيال رمزاً صحيحاً للمسيحية التى تعطى العبد الحرية والمساواة والإخاء والحب والصلاح والخدمة !! .. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
اسكتش انسيمس (العبد الهارب) |
انسيمس العبد الشاطر |
فيلم العبد الهارب القديس انسيمس |
انسيمس العبد الهارب |
انسيمس العبد المذنب |