رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أبلوس الواعظ العظيم يبدو لنا أبلوس من أول القصة أميراً من أمراء المنابر ، وواعظاً من من أفصح الوعاظ وأقدرهم يملك ناصية البيان وفصاحة التعبير كأروع ما تكون بلاغة الواعظ المتمكن من منبره ، وإذا كان قواعد علم الوعظ ، على ما يدرسه طلاب كليات اللاهوت ، تذكر الصفات والمقومات التى يملكها الواعظ الممتاز بأنها أربع صفات متلازمة ، نلاحظ أنها جميعاً كانت ملك أبلوس وتملأ كيانه ، وهى كما يلى : التقوى والمدقق فى قصة أبلوس وهو ينتقل من الإسكندرية ليحاضر ويعظ فى أفسس ثم يتجه إلى أخائية : « وهو حار فى الروح » ( أع 18 : 25 ) يدرك أن هذا الرجل تحرك من البداية بدافع الإحساس الروحى المتعمق فيه كيهودى أولا ، ثم كمسيحى ثانياً ، وأنه كان يحمل فى أعماقه قلباً متقداً بحب اللّه ، والولاء ليسوع المسيح ، أو فى لغة أخرى لقد كان الواعظ التقى الذىلا ينطق إلا بما يخرج من أعماق قلبه ، ويعبر عن مشاعره العميقة الصادقة ، وتلك هى السمة الأولى للواعظ المسيحى الناجح ، ... والتقوى فى الواعظ هى إحدى خصائص النفس الروحية ، وهى أساس الحماس الأخلاقى البعيد الجذور الذى ينعكس عن الاختبار الدائم لعلاقة الواعظ باللّه ، وهى علاقة صداقة وشركة وحب ، يصبح بمقتضاها خليلا اللّه ، وهى فى لغة أخرى تكريس مهيب للّه ، وهى ليست شيئاً مصطنعاً أو أحجية أو تكلفاً ، وهى ليست جامدة ساكنة بل هى نشطة متحركة تمضى قدماً مزدهية بالحق وبمجد وفضائل النعمة المسيحية وبركاتها ، وهى ليست شيئاً ينتمى إلى عالم آخر ، بمعنى العزوف المتكبر ، أو الانطواء المترفع عن حاجيات الناس ومصالحهم ، بل هى تختلط بهم وتعاشرهم وتعاملهم فى الحياة مزودة بل مسلحة بالفضائل المسيحية . وهى ليست ضعيفة خائرة ، بل هى بطلة ، وبطولتها تتجلى فى انتصار الروح انتصاراً رائعاً على الجسد ، وهى الحقيقة الروحية التى لا تقبل أى تهادن أو تهاون مع الزيف أو الكذب أو الخداع أو التظاهر أو النفاق ، وهى تعترف بوجود أعداء الحياة الخلقية والروحية ، ومن ثم تتحداهم ، وليست من المبالغة أن نقول : إن هذه أول سمة فى الواعظ الناجح ، والضمان لتأثيره وأثره ، إذ أنها تلهب الواعظ نفسه بالغيرة المتلظية والحماس النارى ، وهى التى تبقى الشعلة حية متوهجة وسط كل تلك اللامبالاة الجليدية التى كثيراً ما يجد الواعظ نفسه مجابها ومحاصرا بها ، إن هذه التقوى هى التى تظفر للواعظ بتقدير موعوظيه وعطفهم ونواياهم الطيبة، بل إن أكثر الناس شراً بينهم ، سوف لا يتمالكون أنفسهم من الإقرار بأن ذلك الحماس الصادق من جانبه أمر خليق باحترامهم وجدير بكل ثناء وتقدير . ومثل هذا الواعظ الصادق والأمين لابد أن يبارك اللّه جهوده وأتعابه ... ومن الخطأ البين الفصل بين حياة الواعظ والعظة التى ينادى بها ، فروعة البلاغة وقوة وسائل الإقناع والاستمالة ، تذهب هباء مالم يحرص الواعظ الذى يبشر بالإنجيل على أن ينمى فى شخصيته وحياته عنصر التقوى الشخصية ، ومن ثم فإنها لمأساة دونها كل مأساة ، أن يهمل الواعظ عنصر التقوى الشخصية فى حياته !! . المواهب الطبيعية كان أبلوس يملك المواهب الطبيعية للواعظ العظيم والتى تبدأ أولا بالقدرة على التفكير السليم الواضح : « مقتدر فى الكتب » و « خبير فى طريق الرب » ، .. لم يكن ضحل التفكير سطحى التأمل ، بل كان ناضج الذهن ، كما كان يملك العاطفة الملتهبة ، فالواعظ البارد المشاعر لا يصلح قط أن يكون واعظاً ، ولكن الواعظ الملتهب هو الذى يتجاوب مع عظته ، عندما وعظ الواعظ الأعمى جيمس وادل عن الصليب ، وجاء إلى كلمة المسيح : « يا ابتاه اغفر لهم » ، رفع الواعظ منديله إلى عينيه وانفجر باكياً ، ... لأن العظة مست شغاف قلبه قبل أن تصل إلى الآخرين !! .. وإلى جانب العاطفة هناك الخيال المجنح الذى يرتفع بالواعظ ، ويرفع معه الموعوظيين ، كان لجورج هو يتفيلد القدرة الهائلة على التصور ، جلس « تشستر فيلد » يستمع إليه ذات مرة ، وسمعه وهو يشبه الخاطئ بشحاذ أعمى سقط عكازه ، فهوى الرجل فى هوة حتى صرخ تشستر فيلد : يا إلهى ضاع الرجل !! .. وإلى جانب الخيال هناك المنطق الذى ينبغى أن يتحلى به الواعظ لتكون له القدرة على الإقناع ، وقد كان أبلوس ، كما يبدو من الوصف الكتابى ، لا تعوزه المواهب الطبيعية من حيث الفكر والعاطفة والخيال والمنطق ، مما جعله من أقدر الوعاظ وأفصحهم !! . المعرفة من المسلم به فى علم الوعظ ، أنه إذا كانت التقوى قوة الواعظ ، والمواهب الطبيعية وسيلته ، فإن المعرفة هى مادته التى يصوغ منها عظاته وتعاليمه . والمعرفة الواسعة أمر جوهرى فى حياة الواعظ ، وقد كانت للخطيب الرومانى الأشهر شيشرون فكرة معينة مؤداها أن الواعظ أو الخطيب البليغ يجب أن يعرف كل شئ . ومن المسلم به أن الواعظ يستطيع أن يستفيد من أية معرفة ، ويفيد معه الآخرين ، ومن ثم ينبغى أن تكون المعرفة هى طموحه المقدس حيث يعرف كل ما يمكن تعلمه من الحقائق الدينية وسائر الحقائق الاخرى التى تلقى الضوء على كل جوانب الحياة ، ولن يتحقق هذا إلا عن طريق الدرس المستمر ، والصلاة المتعمقة !! .. المهارة قال المرنم : « فاض قلبى بكلام صالح متكلم أنا بإنشائى للملك . لسانى قلم كاتب ماهر» (مز 45 : 1 ) .. والمهارة هى ذلك الطابع المميز للواعظ فى أصالته ، عن غيره من الوعاظ ، وقدرته على التفرد بشخصية مستقلة لا تخضع لطغيان المؤثرات التى يمكن أن تحدثها البلاغة العالية أو تقليد الوعاظ الآخرين تقليداً ممسوخا ، ويبدو أن أبلوس كان من هذه الناحية شخصية رائعة متميزة ، لم تتأثر بأخطاء البلاغة اليونانية أو تقليد غيره من الوعاظ ، ... ومن المعلوم أن البلاغة اليونانية شأنها شأن اللغة اليونانية ، كانت وسيلة نافعة مجدية فى توصيل الإنجيل إلى الأمم ، فلقد ظهرت المسحية فى عالم انتشرت فيه هذه البلاغة ... وكانت المسيحية فى مطلع الأمر فى حذر منها ، إذ نشأت فى أرض فلسطين ، وكان رواد الوعظ المسيحى وجماهيره وخلفياته وصلاته الروحية مرتبطة باليهود ، ومن ثم كان طبيعياً بل وضرورياً أن يسير الوعظ المسيحى فى فلسطين على نمط الأنبياء والمعلمين فى الديانة اليهودية ، يضاف إلى ذلك أن البلاغة ، وإن كانت قد وصلت فى فجر المسيحية إلى قمتها فى الحجة والمنطق والتأثير عند العالم اليونانى والرومانى ، فإنها قد استخدمت فى كثير من المواطن أسوأ استخدام ، إذ غدت فى أيد غير نظيفة سواء كانت أيدى محامين أو معلمين مزيفين ، فتدهورت وفقدت سمعتها ومركزها الأدبى الذى كان مرموقاً ، بعد أن بدت وسيلة ماكرة خاتلة تحاول أن تجعل الأسود أبيض والأبيض أسود ، ومن ثم كان على الواعظ المسيحى الماهر أن يراقب هذه البلاغة أو يتعامل معها على حذر ، ... على أن هذا كله قد تأثر بعاملين حيويين فيما بعد ، أولهما تضاؤل النفوذ اليهودى عندما انتشرت المسيحية بين الأمم ، وابتدأت الصور البالغية تدخل فى لباب الوعظ ، ... ويعتقد الكثيرون أن أبلوس تأثر إلى حد كبير فى الإسكندرية بهذه الصور ، وأدخلها فى وعظه ، الذى سحر به الكورنثيين ، ففضله بعضهم على بولس نفسه ، ... الأمر الثانى - أنه ربما كان من رجال الأدب والبلاغة ، وتحول إلى الوعظ وخلصه ولا شك من أساليب الختال والخداع التى طغت على المحامين والأدباء الذين استخدموا البلاغة اليونانية أسوأ استخدام . وقد ظهر فى التاريخ الوعاظ المسيحيون الذين جنبوا وعظهم أساليب الخداع أو التمويه ، وكانت رسائلهم قوية مباركة أمثال أبلوس وباسيليوس وغريغوريوس وفم الذهب وأمبروز وأوغسطينوس ، ... ومن المسلم به أن أبلوس اشتهر كواعظ فصيح بأسلوبه الخاص الذى تفرد به عن غيره ، ولسنا نعلم هل كان يتحلى بصوت موسيقى ساحر ، وإلقاء مدرب عظيم ولكن يبدو أنه كان كذلك ، ... وأن مظهره ومخبره على المنبر كانا كما قال دافيد هيوم : إن سفر عشرين ميلا شئ هين مقابل التمتع بسماع جورج هو يتفيلد . |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
أبلوس الخادم |
أبلوس الواعظ العظيم |
أبلوس المتضع |
أغريباس وبولس الواعظ العظيم |
أبلوس |