رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
المدن
لم تكن المدينة تختلف عن البلدة أو القرية في أزمنة الكتاب المقدس بالحجم بل بالحماية. فالقرى كانت مواطن غير مسورة. أما المدن فكانت تحيط بها الأسوار. وكانت تُبنى على رأس تلة (أو تلٍّ متكون من خرائب مدن سابقة) كي تكون حصينة. وكانت المدينة تحتاج أيضاً إلى مورد قريب من الماء العذب. وفي مجدو حُفرت قناة من المدينة إلى النبع، للاستقاء في حال الحصار. وكانت المدن تُبنى عادةً في الأماكن الخصبة بين الأرياف، حيث تكون الغلال وفيرة والناس في حاجة إلى الالتفاف بعضهم حول بعض لحماية أنفسهم من الغزاة. وغالباً ما بُنيت المدن عند تقاطع الطرقات التجارية أو مُلتَقيها. مدنُ التوراة القديمةُ:كانت المدن صغيرة جداً، لا تُجاوز في الغالب عشرة فدادين، أي مساحة قَلْبِ مدينةٍ حديثة (كل 640 فداناً تعادل ميلاً مربعاًُ). ويكون داخل الأسوار نحو 150 إلى 250 بيتاً، يقيم فيها قرابة ألف نسمة. وكانت مدن كنعان تبدو من البعيد أشبه بالحصون. ولما كان العبرانيون ساكنو الخيام على عتبات البلد، أفاد كشافتُهم أن مدنه "مدنٌ عظيمة محصنة إلى السماء" (تثنية 1: 28). وقد بدأ إنشاء مثل هذه المدن الحصينة أولاً لما قررت القبائل البدوية أن تستقر. وصار شيخ القبيلة "ملكاً" على منطقته. فلم تكن هنالك حكومات مركزية، وغالباً ما تشاجر ملوك المدن وتحاربوا. مبانٍ مهمة:في أول الأمر اكتفى بنو إسرائيل بترميم المساكن والمباني في المدن التي أخذوها من الكنعانيين. وكان عليهم أن يتعلموا مهارات البناء من جيرانهم. وفي أوقات السلم كان أهل المدن "يتوسعون" خارجها، فيضربون خيامهم خارج أسوارها حيث يرعون مواشيهم ويستصلحون الأرض. كانت الحياة داخل المدن خانقة. فالمساكن فقيرة البناء وموصولةٌ بيتَ بيت. وحيث تنحدر الأرض، بُنيت البيوت واحداً فوق الآخر. ولم يكن في المدن شوارع حقيقية، بل مجرد فُسحات بين البيوت لا تُفضي إلى مكان مخصوص. ولم يكن من أرصفة. وكانت مصارف المياه قنوات مكشوفة. وتكومت خارج البيوت الأوحالُ والقمامة، من نفايات وأوانٍ مكسرة ولبنٍ أو طوبٍ عتيق، بحيث صار مستوى الممرات في الغالب أعلى من أرضية البيوت. فإذا أمطرت تحولت أزقة المدينة مستنقعات. وفي الشتاء يُحتبس الناس في الوحول والوسخ. وكانت شمس الصيف تُخفف الحال، إلا أن الروائح تبقى ولكن معظم الناس حينذاك يكونون قد انتقلوا ليعيشوا في الحقول ويعلموا فيها. ففي أزمنة السلم هم أهلُ مدينةٍ ثُلث السنة وأهل ريفٍ ثُلثَيها. وكان مدخل المدينة المحصن هو الساحة الرئيسية في كل مدينة (باب المدينة). هذه المداخل تزدحم وتكثر حركتها نهاراً، فتزخر فيها الحياة: تُجارٌ يفِدون، أناسٌ يبيعون ويشترون، شيوخٌ يتشاورون، آخرون يفضون النزاعات ويسمعون الدعاوي. وكم احتشد في ساحة المدينة متسولون وبياعون وعمال وكتبة وزوار ومقايضون ومتسوقون، مع حميرهم وجِمالهم ومواشيهم أحياناً. وقد اتسعت المدن الكُبرى للحوانيت. وكان لكل مهنة منطقتها أحياناً، ولكن لم توجد حوانيت مخصصة لها. فكان كل تاجر يعرض بضاعته فوق منصة إلى جانب الزقاق، وفي الليل يحزمها ويرفعها. فأبواب المدينة تغلق ليلاً وتُقفل بالمزاليج أو العوارض. كان في كل مدينة مبنًى كبير أو مبنيان مهمان، فضلاً عن سائر البيوت. ومنذ زمن سليمان، لما أصبح الحكم أكثر مركزية، زادت أهمية المدينة باعتبارها مركزاً إدارياً للمنطقة. وقد كان لسليمان، في عاصمته أورشليم، "مجلس وزارئه"، ويضمُّ رئيس حكومة ووزير خارجية وقيِّماً على البلاط ومستشار مالية ووزير تسخير. وقد قسم البلد إلى اثنتي عشرة منطقة ضريبية جبى منها المؤن. وتضمن ذلك إنشاء مبانٍ لخزن الغلال، وتأمين أمكنة لإقامة خدم الملك وموظفيه في المدن الرئيسية من كل منطقة. في أزمنة العهد الجديد:وبعض المباني الأكثر أهمية كانت ذات صلة بالدين. فقد أُنشئت مراكز دينية مهمة لا في أورشليم وحدها بل أيضاً في دان وبيت إيل. وكان لمعظم المدن معبدها الصغير الخاص، وفيه مذبح، على نحوٍ يُشبه كثيراً المزارات الكنعانية ("المرتفعات") التي كان مفترضاً أن تُهدم. وطلع سليمان باستخدام العبيد والمسخرين لتنفيذ مشروع بناءٍ ضخم. فهو بنى الهيكل في أورشليم، وقصوراً له وللملكة، وقاعاتٍ أخرى فسيحة (ربما كانت إحداها لخزن السلاح وإحداها بمثابة محكمة). وكانت هذه المباني عِمارات رائعة من حجرٍ مكسوٍّ من الداخل بألواح الأرز، ولها عوارض من الأرز أيضاً. وكان الهيكل جميلاً جداً، له أبوابٌ من خشب الزيتون مزينة بالنقوش المنحوتة، وقد غُشي بالذهب. وإذ تعلم العبرانيون من الصُناع الصوريين المَهَرة جاوزوا بأشواطٍ حياة البداوة التي عاشوها في الصحراء (وإن كانوا- حتى في ذلك الحين- قد تمكنوا من إنتاج عملٍ جميل على ما يظهر في صُنع خيمة الاجتماع). كذلك أيضاً بنى سليمان وحصن عدة مدن لتقوية دفاعات بلده. وأشهر ثلاثٍ بين هذه المدن جازر ومجدو وحاصور. وقد بنيت الأسوار المزدوجة والمداخل الضخمة في هذه المدن الثلاث على نسق واحد. وأُقيمت أيضاً مستودعات واسطبلات للخيل والمركبات. ولما سُبي اليهود إلى بابل، لم يعودوا يستطيعون الذهاب إلى الهيكل في أورشليم. فاستعاضوا عن ذلك بالاحتماع معاً كل سبتٍ للاستماع إلى التوراة وشرحها. ولما رجعوا من السبي، بنوا بيوت اجتماعٍ محلية لهذا الغرض. هذه البيوت كانت هي "المجامع" الأولى. بمجيء اليونان والرومان، صارت المدن تُصمم بدقة أكثر. فاختلفت المدن الكبرى في القرن الأول للميلاد اختلافاً كبيراً عن المدن المحصنة القديمة. وكان في أنطاكية بسورية (المدينة التي اتخذها بولس قاعدةً له) شوارعُ عريضة بعضها مرصوف بالرخام، وحمامات، ومسارح، ومعابد، وأسواق. بل كان فيها أيضاً إضاءة ليلية. وكان في مدن كثيرة آنذاك عِماراتٌ مرتفعة ذات بضع طبقات، مبنية إلى جوانب شوارع ضيقة. وقد أعاد الملك هيرودس الكبير بناء السامرة (سماها سبيسطة) وقيصرية على النمط الروماني، حيث يخترق وسط المدينة شارعٌ رئيسٌ تقوم على كِلا جانبيه الحوانيت والمسارح والحمامات، تقاطعه شوارع أصغر على زوايا قائمة. وقد بُنيت البيوت أربعة أربعة. وأنشأ الرومان قنوات لِجر المياه إلى المدن. وبنوا حمامات عامة وابتكروا شبكات فعالة لتصريف المياه المستعملة والمبتذلة. وأصبحت الحياة في المدن، للأغنياء على الأقل، أيسر كثيراً من ذي قبل. أما الفقراء، والمقيمون في الأماكن النائية، فقلما أثرت فيهم هذه التغييرات. وفي أيام المسيح، كان أروع منظر في أورشليم هو الهيكل العظيم الذي بنته سلالة هيرودس من الرخام الأبيض، وغُشيت بعض جدرانه بالذهب. وقد استقطب الهيكل الحُجاج من جميع أنحاء البلدان الواقعة على المتوسط، ولا سيما في الأعياد الدينية الكُبرى. وربما حوت المدينة رُبع مليون نسمة يعيشون فيها. فازدحمت شوارعها بالباعة والمشترين، وكان يُباع في الحوانيت وعلى المنصات كل شيء: من الضروريات كالأحذية والثياب واللحم والخُضر، إلى الكماليات التي يعرضها الصاغة والجواهريون وسواهم من باعة الحرير والكتان والعطور. وكان في أورشليم سبع أسواق مختلفة ويوما سوقٍ كل أسبوع. وقد ضمت المدينة مطاعمها وخماراتها لعامة الناس إلى جنب مبانيها الفخمة من القصور والدور والمسرح الروماني وقلعة أنطونيا. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
أفضل المدن |
فى أحد المدن |
في الليل ، تظهر المدن فتنتها ، من أجمل المدن الأوربية بتاريخها وحاضرها |
وقت المحن |
اللحن |