في كلّ صباح ، عندما أجلس على شُرفة بيتي لأشرب قهوتي ، أشاهد المشهد نفسه.
دجاجة سوداء ذات ريشٍ ناعم ، تُقرقر وتنبش الأرض برجليها بحثًا عن الطعام، ثمّ تمضي إلى حنفية الجيران التي تنقط منذ زمن بعيد ، وتبدأ تشرب منها وهي ترفع رأسها الى السّماء وكأنها تشكر الله.
وكالعادة يأتي بعد فترة قصيرة القطّ الرماديّ ذو العينين الحمراوين ؛ يأتي هو الآخر باحثًا عن طعامه ، فيفتح السلّ الصغير ويبدأ التفتيش لعلّه يجد شيئًا يأكله . وكثيرًا ما يعود هذا القط من السلّ عاثر الحظّ.
قد يجد القطّ الرماديّ طعامًا وقد لا يجد ، ولكنه في كلّ الحالات لا ينسى أن يهجم على الدّجاجة السوداء ، ويطاردها فتهرب منه مذعورة ، وتقفز فوق الحجارة والأشواك.
منظر جميل اعتدت عليه ، لكنه سرعان ما اختفى من حارتنا ، فها يمرّ أكثر من عشرين يوما ، لم أر فيها أثرًا للدجاجة السوداء.
وتساءلت أين ذهبت الدجاجة يا تُرى ؟
أيكون قد ذبحها أصحابها ؟ أم يكون قد تمكّن منها القطّ الرّماديّ وأكلها ؟
إلى أن جاء يوم ، وكالعادة كنت اجلس على شرفة بيتي أشرب قهوتي ، وإذا أرى الدجاجة السوداء تنبش التراب برجليها ، وحولها يُتكتك خمسة من الكتاكيت الصغار .
صيصان جميلة مُلوّنة ، فهذا اسود اللون تمامًا كما أمّه ، وذاك ورديّ اللون ، وآخر بنيّ اللون ورابع ابيض كالثلج وخامس بلون الشمس.
نظرتُ إلى الدجاجة ، فإذا هي سعيدة ، رافعة الرأس ، تنبش التراب تارة ثم ما تلبث أن تتلفّت حولها تطمئن على صغارها.
وفجأة ظهر من بعيد القط ّ الرماديّ ، فرأى الدجاجة و الكتاكيت الصغيرة، فاقترب منها على غير عادته ، فقد تعوّد أولا أن يزور سلّ القمامة الصغير ، ولكن مشهد الدجاجة الكتاكيت الصغيرة انسياه السلّ.
قلت في نفسي : لقد علقت المسكينة ، فكيف تهرب وتترك الكتاكيت الصغيرة خلفها ، لقد علقت.
وهجم القط من بعيد ، ولكن الدجاجة لم تهرب هذه المرة كعادتها ، فقد جمعت بجناحيها الكتاكيت الصغيرة خلفها ، ووقفت على رجليها ، وفتحت منقارها وزعقت في وجهه ، وكأنها تقول له : إقتربْ..إقتربْ.
ولم يقترب القطّ هذه المرة ، بل جمد في مكانه مندهشًا .ولكنَّ الدجاجة لم تتركه بل هجمت علية وأخذت تنقره هنا وهناك وهو يهرب ولا يُصدّق ما يرى.
عادت الدجاجة تقرقر وتدعو الكتاكيت الصغيرة بتكتكةٍ جميلة ، ومشت أمامهم رافعة الرأس نحو حنفية الماء.