"أقول للرب ملجأي وحصني، إلهي فأتكل عليه"
(مز 91: 2 )
إن الصلاة هي التعبير عن الاتكال، والاتكال هو الوضع الصحيح للمخلوق نحو خالقه. فالله وحده هو الذي يكفى ذاته، أما كل مخلوق، سواء أدرك ذلك أو لم يدرك، فهو بالفعل معتمد على سواه. والصلاة في مفهومها الأساسي هي التعبير عن هذا الاتكال. أن ندرك ذلك يعنى أننا نعيش الحق، أما أن ننكره، أي نعيش بالحياة بدون صلاة، فهذا يعنى السلوك في الظلمة. إن الإنسان إذا عصى الله، فقد شعوره بالاعتماد على خالقه. لقد حلّ الرُبط، وتحلل من الارتباط الأدبي بمركز الكون المبارك. وإذ ضلّ في سُبل الظلام والخطية، ظن أن أفضل وأعظم شئ هو أن يصبح مستقلاً. هذا هو ذات مبدأ حياته، وهو مبدأ مزيف، فهو "يصنع .. كذباً" (رؤ 21: 27 ) .
لذلك كانت لمحة جديدة في حياة شاول الطرسوسى، لفت الرب نظر حنانيا إليها حين أرسله إلى شاول، إذ قال له "قم واذهب .. واطلب .. رجلاً طرسوسياً اسمه شاول لأنه هوذا يصلى" (أع 9: 11 ) . فهذا شئ جدير بالملاحظة. فبالأمس كان ينفث تهدداً وقتلاً، أما الآن فهو على ركبتيه. إن إنساناً في مثل هذه الحالة يكون قد عاد إلى مكانه الصحيح، واتضع كمخلوق أمام خالقه، وتصالح معه.
لذلك فإن الصلاة هي واحدة من أول وأصدق غرائز الحياة الإلهية في الإنسان. ومن وجهة النظر هذه، يمكن أن يُقال أن أول تنفس حقيقي من النفس نحو الله، هو بداية الشركة التي لن تنقطع. عندها يكون قد بدأ نبع سيفيض ويفيض إلى الأبد كالمياه التي يعطيها المسيح للنفس والتي تصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية.
وليس المقصود أن هذه الشركة والعلاقة ستأخذ دائماً شكل الطلب، فهذه هي الصورة التي نأخذها من طبيعة المشهد المحيط بنا الآن في عالم الخطية والاحتياج.
لكن في المستقبل حيث المشهد مختلف، لن يكون التعبير عن الاحتياج هو الطلب، لأنه عندئذ سيحّل الاكتفاء محل الاحتياج، وكل إناء سيمتلئ، كما نرنم:
الرجــــاء سيتحـــول إلـــى واقـــع سعيـــــد
والإيمــان إلـــى عيــان،
والطلبات إلى تسبيح