رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
تجليات النائب العام من المقشرة إلى المذبحة ربما كان ذلك بعد هزيمة يونيو، كنت أجلس فى مقهى الفيشاوى إلى أستاذى محمد عودة، وكان بصحبتنا ضابط شرطة قديم مخضرم، حدثنا عن ذكرياته، روى واقعة شدت انتباهى، كان مكلفاً بحراسة المعتقلين أثناء نقلهم من الإسكندرية إلى معتقل أقيم فى أبى قير.كان الضابط فى أول خدمته، ولاحظ أن قائد الحراسة يغض الطرف عن حركة المعتقلين، يدعهم يختلطون بالركاب، ينزلون ويطلعون، يشترون ويجادلون الباعة، فلما لفت نظره إلى خطورة ذلك فوجئ بإجابة قائد الترحيلة، قال إن ذلك أفضل، عند الوصول سيتم تجميع المعتقلين فإذا اكتشف هروب بعضهم سيتم العدد من الركاب العاديين بحيث يصل إلى المعتقل والعهدة سليمة. هذه الحكاية العابرة علقت باهتمامى. وكانت نواة قصة قصيرة عنوانها «هداية أهل الورى لبعض ما جرى فى المقشرة»، كتبتها فى أغسطس عام سبعة وستين، وعندما قدمتها إلى الفنان الأديب عبدالفتاح الجمل قرأها وفوجئت به يرفع الوريقات عالياً ويصيح «... دا اكتشاف، يخرب عقلك»، كان ذلك طبعه مثل المصريين إذا أعجبهم شىء يعبرون بالسباب. القصة تعود إلى العصر المملوكى من خلال أوراق متناثرة لأمر سجن فى العصر الملوكى، افترضت أننى عثرت عليها فى مسجد سيدى مرزوق بالجمالية، الأوراق متناثرة، وتصف سادية وقسوة السجان المملوكى. وقد تخليت وجهه قاسى الملامح لا رحمة فيه، يشبه وجه خيرت الشاطر إلا قليلاً، يهرّب مساجين من السجن، عددهم أربعون. عندئذ آمر السجن مع بعض رجاله إلى الطريق العام ويقبضون على أربعين من المارة. القصة نُشرت فى جريدة المساء، ولأننى كتبتها باللغة السائدة فى العصر المملوكى نشرها الرقيب على أنها بالفعل أوراق قديمة. فيما بعد تكرر ذلك فى روايتى «الزينى بركات» التى نُشرت فى روزاليوسف مسلسلة عام سبعين تحت رئاسة أحمد حمروش رحمهم الله أجمعين. كانت المقشرة نواة للزينى بركات. ولى العصر الذى كانت نتيجته القصة والرواية، ولكن الواقع الغريب يعود مرة أخرى أفاجأ أن ما جرى فى قطار أبوقير عام ثمانية وأربعين، وما تخيلته فى العصر المملوكى يعود مرة أخرى فى مصر الحالية المنكوبة بالاحتلال الإخوانى. خلال هجوم ميليشيات الإخوان على المعتصمين السلميين أمام القصر الرئاسى جرى قتل وتعذيب يبدو أن تفاصيله لم تُعرف بعد كاملة، ومن المهم توثيق وتحديد جميع الأسماء المشاركة فيه بالأوامر والتعليمات والأداء البدنى، فمثل هذه الجرائم البربرية لم يعد لها مكان فى عالم اليوم. فى خطابه بعد الأحداث أشار الدكتور مرسى إلى المتهمين الذين أثاروا الاضطرابات أمام القصر الرئاسى من وجهة نظره. هنا بدأ النائب العام المعين العمل، تلقى الإشارة، وبدأ التحرك الذى لا بد ألا يمر فى صمت، وأن يجرى التحقيق فيه قبل قبول عودته إلى المنصة، فهذا هو التصرف الذى أعلنه بشجاعة المستشار مصطفى خاطر والذى كلفه النائب العام المعين طلعت إبراهيم بالتحقيق مع المعتقلين من المعتصمين السلميين أمام قصر الاتحادية، غير أن المستشار العظيم مصطفى خاطر هاله ما رآه من آثار تعذيب تمت بواسطة ميليشيات الإخوان، وقد تمت عمليات التعذيب المروعة على سور القصر وبحضور مسئولين كبار من الرئاسة وعلى مرأى من قوات الحرس الجمهورى ولم يتدخل أحد لإنقاذ الضحايا، رفض القاضى يقظ الضمير النزيه التحقيق مع الضحايا وأمر بالإفراج عنهم. الرواية المعلنة والمدونة فى مذكرة المستشار مصطفى خاطر أن النائب العام المعين مارس ضغطاً لإتمام التحقيق، وقال بين ما قاله إنه مطلوب إتمام التحقيقات حتى لا يتم إحراج الرئاسة، أى كان المطلوب حبس وإدانة أبرياء يتجاوز عددهم الخمسين وأن يخالف القاضى ضميره لمجرد إرضاء الرئاسة، وكان السعى نشطاً بين مسئولين كبار من الرئاسة والنائب العام الذى فقد ضمير القاضى طبقاً للوقائع التى ذكرها المستشار مصطفى خاطر. أصدر النائب العام قراراً بنقله إلى بنى سويف ثم تراجع عنه، وحتى الآن لم يكذب الوقائع ولم ينف وقائع تحريضه ضد أبرياء وهو الذى يجب أن يحميهم. هذه الواقعة يجب ألا تُنسى لأنه قدم استقالته، لا بد من التحقيق فيها، وأتمنى تكوين لجنة من كبار القانونيين والشخصيات العامة لمتابعة ما يجب أن يتم من محاسبة، سواء للنائب العام الخصوصى أو أى مسئول أياً كان موقعه. إنها من الجرائم الكبرى ضد الإنسانية، لقد تجاوزت فى بشاعتها ما رواه ضابط الشرطة، وما تخيلت أنه لا يمكن وقوعه إلا فى العصر الملوكى. الوطن |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|