|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أم أحمد: «لما شفت ابنى بيشيلوه وبينقلوه للإسعاف وجسمه مش متقطع روحى رجعتلى» تتذكر آخر قبلات حصلت عليها من ولدها ذى الوجه الناعم، والملامح البريئة، وأنامله الرقيقة وهى تعطيه «سندويتشاته»، ونصائحها له، بأن يأكلها. لم تكن تعلم «أم أحمد» وهى تحاول إيقاظ ولدها فى السادسة صباحا، قبل أن يصل أتوبيس المدرسة، أنها تعده لاستقبال الموت، فكانت مبتسمة فى وجهه، لأنها ترى ابنها يبدأ يوما جديدا فى مستقبله المشرق الذى تنتظره ليصبح داعية إسلامياً مشهورا، لكن ما لبث أن تبدد ذلك الحلم الجميل إلى كابوس فى أقل من دقائق.. لا نسمع سوى صرخات عشرات الأمهات ونظرات تغمرها الحسرة.. أمهات متشحات بالسواد، كن يحلمن ببناتهن يرتدين الفستان الأبيض يوم زفافهن، دموعهن لا تفارق خدودهن، وأخريات ينظرن لأولادهن ولا يظهر من أجسادهم سوى أعينهم، «الشاش» غطى أجسادهم الصغيرة، وخراطيم طبية معلقة، وأناملهم الرقيقة كانت سبيلهم الوحيد للتعبير عما يريدونه، لعدم قدرتهم على الكلام. والدة أحمد سعد، الطالب فى الصف الثالث الابتدائى بالمعهد الأزهرى، رغم إصابة ولدها بشرخ فى الجمجمة ونزيف فى البطن، واستئصال فى الطحال، بصوت متقطع لا يكاد يخرج من فمها «بحمد ربنا إن ابنى متحولش لقطع لحم، زى زمايله». تروى والدة أحمد آخر الجمل التى قالها «أنا عاوز أتغدى النهاردة محشى، لما أرجع تكونى جهزتيه». كان أحمد ضمن 70 زهرة من زهور المعهد، الذين راحوا ضحية الحادث الأليم، وعلمت أمه بالحادث من خلال أحد جيرانها الذى سمع بالحادث. «أول ما سمعت الخبر مكنتش مصدقة، إنى هلاقى ابنى لسه عايش». يفتح «أحمد» عينيه لأول مرة منذ أن دخل المستشفى، ويطلب من أمه أن يشرب ماء، فتسأل الأم الطبيب عن ذلك، يرفض رفضا باتا بسبب النزيف الذى أصابه، لتبكى الأم متنهدة، «حتى المياه اتحرم منها، بسبب إهمال الحكومة». لم يستطع التحدث سوى بضع كلمات التى قالها بالكاد، «مش عارف محمد صاحبى اللى قاعد جنبى وبنلعب مع بعض راح فين». ويروى ما استطاع تذكره قبل الحادث «أنا كنت قاعد جنب الشباك واتخبطت فى الإزاز»، ولم يستطع استكمال حديثه مرة أخرى. ورغم أن المعهد اللى فيه خاص، إلا أنه مصاب بإهمال شديد، «الأتوبيس فيه سبعين طفل، مقعدين الأطفال فوق بعض»، ولم يقتصر الإهمال على التعليم فقط، بل امتد لأغلب القطاعات. «بسبب عامل مزلقان اللى نام وساب شغله، موت سبعين طفل»، تكاد الأم لا تصدق ما حدث «أول ما وصلت مكان الحادث كنت بصرخ ومش شايفة قدامى غير دراع ورجل وقطع لحم لأطفال، مش لاقية حتى جثث»، ترفع يديها لتحمد ربنا، «أول ما شفت ابنى بيشيلوه وبينقلوه للإسعاف وجسمه مش متقطع روحى رجعتلى». «حسبى الله ونعم الوكيل فى المسئولين»، جملة تكاد تتردد كل بضع ثوانٍ، من أهالى المصابين الذين بلغوا 16 مصابا. فى السرير المجاور بنفس حجرة العناية المركزة التى يرقد فيها أحمد، كان أحمد خلف، طالب بالصف الأول الابتدائى، المغيب تماما عن الحياة، مصاب بشرخ فى الجمجمة وكسور فى عظامه فى أنحاء متفرقة من جسده، يجلس والده بجانبه، والدموع تنهال من عينيه وتجرى فى تجاعيد وجهه، ويقول «أنا بحرم نفسى علشان أوفر له مصاريف المعهد، علشان يتعلم وميشوفش الذل اللى أنا شفته، تكون دى النهاية». ويضيف «كنت أسيبه جاهل كان أفضل لى». ويواصل والد أحمد والدموع فى عينه «الرعاية الصحية بالمستشفى غير متوفرة، حتى أبسط الأدوات الطبية، الدكاترة مكانوش لاقيين شاش ولا قطن، ولا حتى سراير، علشان يوقفوا خراطيم الدم اللى طالعة من ابنى، ووصلت درجة الإهمال بالمستشفى إلى عدم وجود أطباء استشاريين، وكان أغلبهم أطباء «امتياز»، وطرد رئيس الوزراء، رد فعل طبيعى من الأهالى، ولادنا ماتوا بسبب إهمالهم»، ويشير إلى الملاءة التى تغطى ابنه وهى مغطاة بدمائه، «لو كان ابنه فى موقف ابنى، كان عمل أكتر من كده، لكن ابنه عايش أحسن من ابنى، ومش بيتعرض للخطر ويعدى على مزلقان». ما أشبه الليلة بالبارحة، الحكومة الجديدة لم يختلف أداؤها عن النظام السابق، بمجرد علم إدارة المستشفى بتفقد هشام قنديل، رئيس الوزراء، للمصابين، سرعان ما تبدد الحال «بدءوا يهتموا بأولادنا، ويطلبوا أدوية من مستشفيات تانية». يشعر خلف بحزن كبير كلما تذكر كلمات ابنه، وهو يطلب منه ألا يذهب للمدرسة يومها، حتى يلعب مع زملائه «يا ريتنى كنت سمعت كلامه، على الأقل مكانش حصله ده». قطع حديث خلف، وصول وفد من مشيخة الأزهر، ووزارة الأوقاف للمستشفى، لتفقد حالة الأطفال المصابين، وبعد خروج الوفد قال بصوت تغلب عليه الحسرة «ده اللى بناخده منكم، تزوروا وبس، لكن تصلحوا مافيش». |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|