رسم بطريركًا سنة 1189 م. بعد نياحة سلفه الأنبا مرقس بن زرعة بخمسة وثلاثين يومًا، وهو علماني وكان اسمه قبل رسامته أبا المجد بن أبي غالب بن سورس. كان ينتسب إلى أسرة ذات ثراءٍ كبيرٍ، وكان يشتغل بالتجارة، وكان له وكالة بمدينة مصر، وكان يمتلك مصنعًا للسكر وطواحين وأملاك. كان في تجارته شريكًا لقومٍ يدعون أولاد الخباب، وكان يتردد على بلاد اليمن في البحر حتى كثر ماله وذاع صيته. حدث مرة بينما كانوا عائدين من بلاد اليمن أن انكسرت بهم السفينة وفقد كل ما بها، فحزن أولاد الخباب وحسبوا أن مالهم قد ضاع لكن أبا المجد أعلمهم بان مالهم كان محتفظًا به في خنادق المركب وانهم لم يفقدوا شيئًا فسُروا منه للغاية وأكرموه للغاية. أما عن تقواه فيذكر كتاب تاريخ البطاركة الكثير عن ذلك: "كان بتولًا عالمًا، كاملًا في جسده وقامته، بشوش الوجه حسن الخلق ليّن الكلام، ما كان يغفل عن صلوات السواعي الليلية والنهارية، محبًا ومجتهدًا في ضيافة الغرباء وافتقاد المرضى والمحبوسين، كثير المودة لكل أحد ويفعل الخير مع كل أحدٍ". ترشيحه للباباوية:
صلاح الدين من مخطوط من القرن الخامس عشر
لشدة محبة المسلمين له توسط في رسامته القاضيان المريضي والرضى أخوه ابنا الجباب، وهذا يتفق مع الشروط التي وضعها الرسول بولس عن الأسقف واختياره أن تكون له شهادة حسنة من الذين هم من خارج، أي من غير المؤمنين. وكانت رسامته في عهد سلطنة صلاح الدين الأيوبي. قيل أنه كان متزوجًا، ولما ماتت زوجته لم يشأ أن يتخذ له زوجة غيرها وآثر العزلة. ومع أن القانون يحتم أن الذي ينتخب بطريركا لابد أن يكون أعزب من بدء حياته إلا أن علم أبي المجد الواسع وسموّ فضيلته أكسباه الأفضلية على جميع المرشحين. لم تكن له رغبة في نيل هذا المركز السامى بل كان يسعى لدى الحكام لتعيين أحد غيره. سيامة مطران أثيوبيا:
في عهده تنيّح المطران القبطي بأثيوبيا، فأرسل إمبراطور أثيوبيا للبطريرك طالبًا رسامة مطران لهم، كما أرسل هدية جليلة إلى سلطان مصر ومعه كتاب يطلب فيه أن يقوم البطريرك برسامة مطران أثيوبيا. ظل البطريرك يبحث بين الرهبان عمن يصلح، واستغرق الأمر ثلاثة أشهر حتى ضجر رسل إمبراطور أثيوبيا من طول مقامهم، وكان ذلك في عهد الملك العادل. أخيرًا استقر رأيه على ترقية أسقف فوة وكان يدعى كييل إلى رتبة مطران وإرساله إلى أثيوبيا. وكان الصليبيون قد أفنوا أهالي مدينة فوة عن بكرة أبيهم سواء من المسيحيين أو المسلمين واضطر الأسقف إلى الالتجاء للدير. قوبل المطران كييل (كيلوس) بغاية الحفاوة والترحاب في بلاد أثيوبيا حتى أن الإمبراطور استقبله خارج العاصمة مسيرة ثلاثة أيام وأغرقوه بالعطايا، وكان له عشرة قسوس كتلاميذ لخدمته. وتفاءل الأثيوبيون بمقدمه خيرًا لأن المطر كان قد امتنع عن النزول فصلى وقدس هذا الأب فنزل المطر. مطران إثيوبيا والحياة المترفة:
وحدث في السنة الخامسة أن ضاع قضيب ذهب من خزانة المطران الذي اتهم كبير قسوسه وهو أحد التلاميذ العشرة بسرقة هذا القضيب وأمر العبيد بضربه، فأخذوا يضربونه أمامه بلا شفقة، رغم توسل بعض الكهنة، حتى مات، وإذ أراد أهله الانتقام فرَّ الأسقف حاملًا معه ما خف حمله وغلا ثمنه، ولكن كل هذا أُخِذ منه بالقوة في رحلته الطويلة إلى مصر حتى وصل إليها معدمًا. سيامة مطران آخر لإثيوبيا:
ولما تقابل مع البطريرك روى له رواية مخالفة للواقع لم يصدقها البابا ولم يتعجل إصدار الأحكام، بل أرسل كتابًا إلى إمبراطور أثيوبيا يستعلم منه عن حقيقة الموقف، فجاء رد الإمبراطور كيف أن المطران كييل عاش في أبهة تفوق الخيال وبنى لنفسه قصرًا فخمًا، وحضر مع رسول البطريرك رسول من قِبَل الإمبراطور.
عقد البطريرك مجمعًا على المطران كييل في كنيسة المعلقة وقضى بتجريد كييل من رتبته الكهنوتية بعد أن أقر بصحة الأخطاء المنسوبة اليه. رسم البطريرك مطرانًا آخر لأثيوبيا يدعى اسحق وكان راهبًا بدير الأنبا أنطونيوس، وكان أخوه الأكبر راهبًا معه فرسمه قسًا وأرسلهما إلى بلاد أثيوبيا. فقام المطران اسحق بخدمة كنيسة أثيوبيا خدمة مرضية وقد أعطاه الله نعمة في عيون الأثيوبيين فحسبوه في عداد القديسين. ومما يذكر عنه أنه استحضر من مصر عددًا من العمال الأقباط لنقش حجارة الكنائس بأثيوبيا. قس يتزوج بعد وفاة زوجته:
حدث في زمن هذا البطريرك أن قسًا من البشمور ترمل بوفاة زوجته فتزوج بأخرى، فطردوه من بلده فمضى إلى الإسكندرية وأخذ يؤدي في كنائسها الخدمات الدينية. فلما نما خبره إلى البطريرك استاء أشد الاستياء ووبخ إكليروس الإسكندرية وسن قانونًا يقضي بأنه لا يجوز لأية كنيسة أن تقبل كاهنًا غير معروف ليؤدي بها الخدمات الدينية دون أن يكون معه تصريح كتابي بذلك من رئاسة الكنيسة. إلغاء السيمونية:
شهد أحد المورخين المسلمين عن البابا يوحنا بأنه عاش حياته زاهدًا في المال فألغى السيمونية، وكان ثريًا، فلم يشأ أن يُثقل على الشعب في شيء، بل عاش كل أيام رئاسته يصرف على نفسه ومن معه، ويتصدق على الفقراء من ماله الخاص، وأبى إجابة مطالب الإسكندريين الباهظة حفظًا لمال الوقف، ولهذا توفرت أموال البطريركية، وكانت سببًا في طمع داود بن لقلق والسعي للاستيلاء عليها. أخيرًا تنيّح هذا الأب الطاهر سنة 1216 م.، بعد أن قضى على الكرسي البطريركي نحو سبع وعشرين سنة وحزن عليه الجميع أقباطًا ومسلمون.مما هو جدير بالذكر أنه منذ أيام هذا البطريرك بطل إرسال أساقفة إلى الخمس مدن الغربية وذلك نتيجة ارتداد أهلها عن المسيحية واعتناقهم الإسلام، وذلك بعد أن ذاقوا اضطهادًا مريرًا على يد الملوك البيزنطيين الملكانيين ثم حكام المسلمين.