رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
حينما يكون الكاريكاتير مفجرًا للأحداث تقف الشخصية التى تمثل مجلس الشعب وقد «دفست» رأسها داخل القبة، وتدلى على جانبها شارة تحمل اسم مجلس الشعب المهيب، بينما على وجهها سمات الغلظة والتعبير المتبلد، مشعلة النار فى كتاب «الفتوحات المكية» لمحيى الدين بن عربى. ونقرأ فى هذه المسودة لكاريكاتير أبدعه صلاح جاهين حوارا عبقريا بين درش ــ الشخصية التى صنعها جاهين ممثلة للمواطن المصرى ــ وبين ممثل مجلس الشعب فيسأله وكله دهشة وحرقة: «بتحرق ليه الكتاب؟»، فيجيبه: «أصل فيه زندقة!». فيسأله درش صاحب خصلة الشعر الواقفة دوما من هول ما يرى: «يعنى ايه زندقة؟، فتأتى الإجابة القاطعة والمذهلة معا: «مش عارف». قد يلجمك هذا الكاريكاتير بمجرد أن تقع عليه عيناك فى معرض «كاريكاتير مصرى» والذى افتتح بقاعة «آرت كورنر» بالزمالك الأسبوع الماضى وضم أعمال جمعها الفنان محمد عبلة لرواد فن الكاريكاتير المصرى الحديث مثل صلاح جاهين وحجازى وزهدى الذين عرفوا بفنانى مدرسة روزاليوسف العريقة، أو مثل الجيل التالى طوغان ومحمد حاكم أو الجيل الأحدث الذى يمثله باقتدار عمرو سليم. ولن يكون سبب «صدمة» الكاريكاتير فقط أن المعرض يحتوى على رسوم ساخرة من سنوات الستينيات وما بعدها لكنها لا تزال صالحة للدهشة، مثل كاريكاتير جاهين سالف الذكر والذى يشير إلى حادث المطالبة داخل أروقة مجلس الشعب بإحراق كتاب ألف ليلة وليلة وكتاب الفتوحات المكية للصوفى الكبير محيى الدين بن عربى فى عام 1978، مثله مثل الحوادث المتتابعة والممتدة والتى شهدنا العديد منها تحت القبة البرلمانية والتى تنال دائما من حرية النشر وحرية التعبير. أو مثل كاريكاتير زهدى الذى يصور مشهدا هزليا ــ يبدو تقليديا من طول تكراره ــ لطاه يحمل إناء الطهى الساخن وقد كتب عليه «بيان الحكومة فى مجلس الشعب» بينما الفلاح يلهث وراءه محاولا استكناه ماذا سيكون مصيره فى «الطبخة» القادمة. بل تكمن الدهشة أيضا وبشكل أساسى فى أن هذه الرسوم الكاريكاتورية تأتى لتذكرنا من جديد أن فن الكاريكاتير هو فن الثورة أو مرادف الثورة بامتياز. قد يحتفى الثوار بفن الجرافيتى والرسوم الاحتجاجية على الجدران باعتبارها فنا وليدا تم تدشينه مع ثورة 25 يناير، إلا أن الكاريكاتير يظل الحافز والمحفز على نقد الأوضاع القائمة والسخرية اللاذعة التى تزأر بالرفض وتطالب بالتغيير. وأدل دليل على أثر هذا الفن وتأثيره النافذ كانت ملاحقة شبيحة النظام السورى للرسام الأشهر على فرزات وتكسيرهم لأصابع يديه لإسكات الفرشاة التى جرأت وتهكمت من الحاكم الجائر. ومثلما ارتفعت أصوات رسامى الكاريكاتير مصاحبة لثورة 1952 وعلى رأسهم صلاح جاهين، وازدهر الفن وتطور أيضا مع هزيمة 1967 حين اشتدت النغمة الناقدة اللاذعة أو المتأسية من قامات كبيرة مثل حجازى أو زهدى أو محمد حاكم أو مثل قامات كبرى لم تعرض لها القاعة مثل رخا وبهجت، فقد ازدهر فن «التغيير» أيضا فى اللحظة الثورية الحالية على أيدى عمرو سليم ودعاء العدل ووليد طاهر. فتبدو مجموعة الرسوم الكاريكاتورية المعروضة بآرت كورنر حاليا كما لو كانت دليلا جديدا على التزام هذا الفن بقضايا المواطن وبحثه عن الحرية منذ سنوات طوال، مثل مجموعة رسوم العظيم حجازى حول التعذيب «وضرورة محاكمة المسئولين عن التعذيب» فى أكثر من رسم ساخر فتبدو كما لو كانت الارهاصات الأولى لملف ثقيل ومتخم تفجر بعد أكثر من ثلاثين عاما من خلال ثورة يناير 2011 ولم يجد حلا جذريا حتى الآن. مثل هذا الكاريكاتير الذى يحمل توقيع حجازى لضابط يصرخ فى المواطن البرىء وقد كبل يديه وانهال عليه بالخيزرانة حين قرأ المطالبات فى الصحف بضرورة محاكمة مسئولى التعذيب، فتوجه لضحيته قائلا: «بالعكس، أنا ح أعذبك زيادة، لإن كلام المعارضة عن التعذيب، بيعذبنى!». بينما يعبر كاريكاتير آخر أكثر حداثة لعمرو سليم عن نبض الشارع لحظة بلحظة، كما لو كان توثيقا يوميا لأحداث الثورة لكنه توثيق يحمل رؤية نافذة تستشف الانفجار فى وقته. مثل هذا الكاريكاتير الذى نشره قبل الثورة مباشرة وصور فيه قوات الأمن المركزى الذى تعج به أطراف المدينة، بينما يقدم المحب الورود لمحبوبته قائلا لها: «بحبك يا سوسو، أد حبات المطر، أد أوراق الشجر، أد عساكر الأمن المركزى اللى ماليين البلد!!». |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
الإنسان الوديع غالبا ما يكون خجولا |
الانسان يسقط حينما يكون وحده |
حينما يكون الإنسان في الشدائد |
الحب جميل حينما يكون باعتدال |
كيف تساعد ابنك حينما يكون غاضباً؟ |