20 - 05 - 2012, 07:56 AM | رقم المشاركة : ( 11 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
مزمور 129 مراجعة التاريخ 1[كَثِيراً مَا ضَايَقُونِي مُنْذُ شَبَابِي]. لِيَقُلْ إِسْرَائِيلُ: 2[كَثِيراً مَا ضَايَقُونِي مُنْذُ شَبَابِي لَكِنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيَّ. 3عَلَى ظَهْرِي حَرَثَ الْحُرَّاثُ. طَوَّلُوا أَتْلاَمَهُمْ]. 4الرَّبُّ صِدِّيقٌ. قَطَعَ رُبُطَ الأَشْرَارِ. 5فَلْيَخْزَ وَلْيَرْتَدَّ إِلَى الْوَرَاءِ كُلُّ مُبْغِضِي صِهْيَوْنَ. 6لِيَكُونُوا كَعُشْبِ السُّطُوحِ الَّذِي يَيْبَسُ قَبْلَ أَنْ يُقْلَعَ 7الَّذِي لاَ يَمْلَأُ الْحَاصِدُ كَفَّهُ مِنْهُ وَلاَ الْمُحَزِّمُ حِضْنَهُ. 8وَلاَ يَقُولُ الْعَابِرُونَ: [بَرَكَةُ الرَّبِّ عَلَيْكُمْ. بَارَكْنَاكُمْ بِاسْمِ الرَّبِّ]. "التاريخ هو ذاكرة الشعوب" هذا القول المأثور صحيح تماماً لذا فإن مراجعة التاريخ أو العودة إليه بين الحين والآخر، شىء هام فى حياة الشعوب. ومن أخطر الأمور أن تُفقد هذه الذاكرة أو يُشَوَّه هذا التاريخ. وفى هذا المزمور لا يتوقف القائد أمام حياته الشخصيّة، بل يتوقف طويلاً مع مجموعته أمام تاريخ شعبه، وأمام المراحل الطويلة التى عانوا فيها صراع البقاء وسط عالم عدوانى وقاسى يضمر لهم الكراهية. ولذلك يعود المرنم بالشعب من التوقف أمام المعاناة الطويلة إلى الجوانب المشرقة فى هذا التاريخ، برغم كل هذه المعاناة، ليبرز نعمة الله الحافظة لهم، وليستمد الشعب الشجاعة من الماضى، وروح الشكر والرجاء والعمل المطلوب لمواجهة الحاضر. ولأن المرنم لم يتوقف أمام حياته الشخصية، ولكنه توقف طويلاً، كصاحب رسالة أمام تاريخ أمته وذاكرة شعبه، لذا يجب أن نتعلم أن المؤمن الناضج صاحب الرسالة والرؤية لا يعيش لذاته منحصراً فى همومه الشخصية، لكنه باستمرار مهموم بقضايا شعبه ورؤى كنيسته، وكذلك الكنيسة التى دعاها الرب، هى بدورها، لا ينبغى أن تتقوقع داخل جدرانها، بل ينبغى أن تتسع اهتماماتها إلى الاهتمامات العامة، وفى كل ذلك علينا أن نرى يد الرب العاملة معنا لنستمد الشجاعة من هذه الحقيقة. ونلاحظ أن هذا المزمور ينقسم إلى جزئين كبيرين: أولاً : عبرة الماضى (1-4) : يذكرنا هذا المزمور فى محتواه وبنائه ولغته بما جاء فى مزمور 124. فمثلاً فى هذا المزمور يبدأ المرنم الترنيم ثم يتوقف لينادى الشعب "ليقل إسرائيل"، ثم تبدأ كل المجموعة فى ترديد باقى المزمور، ونجد أن نفس طريقة الترنيم تتكرر هنا فى مزمور 129. إن التشابه بين المزمورين واضح جداً فى الصياغة الأدبية، وفى المحتوى، وفى الفكرة، وفى التوجه العام للنص الذى يعود إلى ذاكرة وعبرة التاريخ. وكلمة "كثيراً" التى تُفتتح بها الترنيمة تشير إلى الكم "مرات كثيرة" وتشير إلى الكيف "مضايقات عنيفة" ومنها إذن نفهم أن الشعب تعرض "فترات كثيرة لمضايقات شديدة". "منذ شبابى" ترد فى معظم الترجمات العربية والإنجليزية "منذ صباىّ أو منذ حداثتى"، وربما يريد المرنم - بهذه الكلمة - أن يُرجع الشعب إلى التاريخ المبكر الذى قد يعود إلى أيام العبودية المُرَّة فى مصـر والخروج منهــا بيد الرب القديرة. (خر 3 : 7، 5 : 14، 6 : 9، هو 11 : 1) والمرنم يسترجع كذلك الـتاريـخ الطويل من المعاناة والضيق الشديد على يد المصريين والكنعانيين والفلسطينيين والآراميين (1 مل 20، 2 مل 6) والآشوريين (2 مل 18، 19) والكلدانيين (2 مل 25) والفرس وغيرهم ممن عاصروا فترة ما بعد السبىّ. إن المرنم بهذه الجملة القصيرة : "كَثِيراً مَا ضَايَقُونِي مُنْذُ شَبَابِي" يُسَرِّب الكثير من الأفكار والذكريات إلى ذهن المستمعين عن ذلك التاريخ الطويل المملوء بالمضايقات العنيفة والمواقف المشرفة لشخص الرب الذى وقف إلى جوار شعبه فى هذه الضيقات. والمرنم - كعادته فى هذه المجموعة من الترانيم - يكسو أفكاره بالصور الحية من الاستعارات والتشبيهات، مثل تشبيه "الحقل المحروث" فيقول "عَلَى ظَهْرِي حَرَثَ الْحُرَّاثُ. طَوَّلُوا أَتْلاَمَهُمْ" (3). إنه يشبه تـاريخ الشـعب بالحقل المحروث، ويشبـه الآلام والمضايقات التى جاءت عليهم بالخطـوط التـى يتـركها المحراث فـى الأرض، وكلما كانت أتـلام المحراث طويلة، كلما زاد عمق الحفر فى الأرض. إن هذا التشبيه يذكرنا بصورة رجل تنفذ فيه عقوبة الجلد، وهو حامل فى ظهره علامات الجلد العميقة والطويلة كخطوط المحراث، وهو تشبيه قوى يبرز شدة وعمق وطول معانـاة الشعب (نح 9 : 6، مز 68، 78، 105، 134). لكن بالرغم من شدة وطول المعاناة وبقاء الشعب مجروحاً نازفاً، إلا أنه ظل حيّاً يناضل من أجل فجر جديد ومستقبل أفضل أكثر إشراقاً، فيقول فى (2) " لَكِنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيَّ". تُرى، ما سرُّ بقاء وصمود شعب الرب؟ ما سِرّ بقاء الكنيسة حتى اليوم؟ برغم كل الاضطهادات والمضايقات عبر التاريخ الطويل ؟ يقول فى (4) شهادة مؤثرة وقوية تمثل قلب ومركز المزمور وتكشف عن سر بقاء الشعب:"الرَّبُّ صِدِّيقٌ" أو "الرب الصديق". إنه الله البار العادل، الأمين لإقرار الحق، والضامن لإجراء العدل فى الأرض. ثـم يعـود المرنـم إلى الاستعارات مـرة أخرى، فيقـول فى (4 ب) "... قَطَعَ رُبُطَ الأَشْرَارِ". إنه يعود إلى صورة المحراث ولكن فى شكل آخر، شكل ثور مربوط ومقيد إلى المحراث بربط قوية، هذه الربط هى إشارة واضحة إلى العبودية والتسخير، لكن الرب العادل قطع هذه الربط، وحَــرَّرَ وفـدى شعبـه، وكسـر نير الأشرار (إش 45 : 20، 25، نح 9 : 8). إنه نفس المعنى تقريباً الذى نجده فى مز 124 : 6و7 "6مُبَارَكٌ الرَّبُّ الَّذِي لَمْ يُسْلِمْنَا فَرِيسَةً لأَسْنَانِهِمْ. 7انْفَلَتَتْ أَنْفُسُنَا مِثْلَ الْعُصْفُورِ مِنْ فَخِّ الصَّيَّادِينَ. الْفَخُّ انْكَسَرَ وَنَحْنُ انْفَلَتْنَا.". هذا هو السر الذى أعُلن : الرب الصدّيق الساهر على شعبه، ضامنُ مسيرته، وِفَىّ لحقه، أمين لعهوده. إن عبرة الماضى ومراجعة التاريخ، تؤكد لنا حقيقتين كبيرتين : الحقيقة الأولى : إن حياة المؤمن وتاريخ الكنيسة لا يخلوان من الألم والاضطهاد والمرض والمعاناة فى أوقات كثيرة "كَثِيراً مَا ضَايَقُونِي مُنْذُ شَبَابِي.. عَلَى ظَهْرِي حَرَثَ الْحُرَّاثُ. طَوَّلُوا أَتْلاَمَهُمْ". ومجرد قبول هذه الحقيقة فـيه قدر كبـير من نضوج الإيمان. والرب يسوع نفسه هو مثالنا "بَذَلْتُ ظَهْرِي لِلضَّارِبِينَ...." (إش 50 : 6) "وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا" (إش 53 : 5) وهو الذى علّمنا: "فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ .." (يو 16 : 33). وفى هذا لم يسعَ المسيح وراء الجماهير الكاذبة أو الشعبيّة المزيفة، ولم يخدعنا، لكنه علّمنا الحقيقة كاملة. إن الألم ضرورة تصاحب رحلة الإيمان ورحلة الإنسان عموماً. الحقيقة الثانية: برغم الألم والمعاناة إلا أن النتيجة باستمرار فى صالح المؤمن وفى صالح شعب الله. إن أظلم ساعات الليل هى تلك التى تسبق الفجر مباشرة، ولابد للصليب أن يعقبه قيامة. إن هذه الحقيقة تستحق أن نشكر الرب لأجلها. وكما قال أحد اللاهوتيين مرة : إن الانتصار هو القرار الجميل لترنيمة الألم المتعددة الأبيات. كَثِيراً مَا ضَايَقُونِي مُنْذُ شَبَابِي... مقدمة 1. لَكِنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيَّ... نتيجة1. عَلَى ظَهْرِي حَرَثَ الْحُرَّاثُ. طَوَّلُوا أَتْلاَمَهُمْ ... مقدمة 2. الرَّبُّ صِدِّيقٌ. قَطَعَ رُبُطَ الأَشْرَارِ.... نتيجة2. ويستطيع كل منا أن يُكمِّل الترنيمة كالآتى : الاضطهاد والجلد وموت الصليب .. مقدمة 1. القيامة والفجر الجديد ... نتيجة 1. دم الشهداء وعصور الاضطهاد والإرهاب .. مقدمة 2. أبواب الجحيم لن تقوى عليها ... نتيجة 2. عالم المعاناة والألم والمرض والصراع ... مقدمة 3. الرب راعىّ فلا يعوزنى شىء ... نتيجة 3. إن شعار مزمور 124 : لولا الرب. وشعار مزمور 129 : الرب صديقّ. فهل نذكر ونشكر؟ ثانياً : طلبة الحاضر (5 – : ترتبط هذه الطلبة بالعبارة المركزية : "الرب صدّيق". الرب عادل لذلك قطع ربط الأشرار فى الماضى وحَرَّرَ شعبه، لكن الحاضر لا يخلو أيضاً من المبغضين والأعداء كالسامريين وغيرهم. وعلى هذا يطلب المرنم بصوت الجماعة فى عدد (5) "فَلْيَخْزَ وَلْيَرْتَدَّ إِلَى الْوَرَاءِ كُلُّ مُبْغِضِي صِهْيَوْنَ." وصهيون هنا هى "اسرائيــل" (عدد 1)، وهى"مدينة إلهنا" (مز 48 : 1)، "وهى الجبل الذى اشتهاه لسكنــه" (مز68 : 16)، وهـى "مكان مقدسات كل العالم" (مز 78). إن صهيون بالنسبة للمرنم - بل وبالنسبة للرب - ليست مدينة عادية. لذلك يارب، يامن قطعت كل ربط الأشرار فى التاريخ الطويل، يا من حررتنا وفككتنا ورددت سبينا فى الماضى، أيها الرب الصدّيق العادل اعمل على خزىّ وانكسار كل المبغضين والمقاومين لشعبك. وفى الأعداد (6 - يبرز المرنم الكيفية التى يحقق بها الرب هذه الطلبة، وفيها أيضاً يعود المرنم إلى الصور الحية التى يستوحيهــا من البيئة، فيقول "ليكونوا كعشب السطوح ...". وفى هذه الأعداد يتحدث عن ثلاث مقارنات: 1- الوجود والتعبير : فهم "كَعُشْبِ السُّطُوحِ " (6 أ) الذى ينبت وينمو عشوائياً فى شقوق السطوح الريفية وأحياناً فى جدران المنازل فى بلاد الشرق. فالوجود عشوائى (أو كما يقولون فى الشرق شيطانى)، على عكس الوجود الإرادى للقمح فى حقول المزارعين وما يحتاجه من جهد ورعاية واهتمام. يريد المرنم أن يقول "ليكن وجود المبغضين أيها الرب العادل عشوائياً عابراً". 2- النهاية والمصير: ".... يَيْبَسُ قَبْلَ أَنْ يُقْلَعَ". إن العشب دائماً يشير إلى النهاية السريعة والمصير المحتوم (مز 90 : 5 و6، إش 40 : 6-8) مقابل خلود كلمة الله (1 بط 1 : 23-24، 1 يو 2 : 17) وبقاء شعب الله (مت 16 : 18). إن "أبواب الجحيم لا تقوى على الكنيسة، وكل آلة تُصوَّر ضد الكنيسة لن تنجح، وكل لسان يقوم عليها فى القضاء تحكم هى عليه". وفى المزمور الأول يقارن المرنم بين الأبرار والأشرار فيذكر نفس هذه الحقيقة فى مز1 : 4 "لَيْسَ كَذَلِكَ الأَشْرَارُ لَكِنَّهُمْ كَالْعُصَافَةِ الَّتِي تُذَرِّيهَا الرِّيحُ." وفى مزمورنا يضيف المرنم "الَّذِي يَيْبَسُ قَبْلَ أَنْ يُقْلَعَ" وفى بعض التراجم "قبل أن يصبح فى مرحلة الحصاد" ييبس بفعل حرارة الشمس، ويسقـط بفعل الريح. أىّ: "ليكن مصير هؤلاء المبغضين يا رب هو الزوال السريع والنهاية العاجلة". 3- البركة والتأثير : "7الَّذِي لاَ يَمْلَأُ الْحَاصِدُ كَفَّهُ مِنْهُ وَلاَ الْمُحَزِّمُ حِضْنَهُ. 8وَلاَ يَقُولُ الْعَابِرُونَ: [بَرَكَةُ الرَّبِّ عَلَيْكُمْ. بَارَكْنَاكُمْ بِاسْمِ الرَّبِّ]." (7و8). أى لا يجد الحاصد شيئاً ليمسكه بيده اليسرى عندما يهّم بالحصيد باليد اليمنى، وبالتالى لا يجد من يأتى ليجمع الحصيد فى حضنه شيئاً ليضعه فى حزم أو أغمار. لماذا ؟ لأنه يبس وسقط، فلا تأثير ولا قيمة لحفنة من العشب اليابس مقابل تأثير وقيمة حزم القمح التى تستدعى إلى الذهن التبادل المفرح للبركة بين العابرين الذين يتطلعون إلى الحصاد فى توقع واهتمام ورجاء (را 2 : 4) "وَلاَ يَقُولُ الْعَابِرُونَ: [بَرَكَةُ الرَّبِّ عَلَيْكُمْ." فيرد الحاصدون " بَارَكْنَاكُمْ بِاسْمِ الرَّبِّ". إن هذه الكلمات تضع أمامنا الحقائق التالية : 1- الكراهية تدمّر نفس صاحبها: لذا لنطهر نفوسنا منها، ليس فقط من أجل الآخرين، بل أيضاً من أجل صحتنا وحياتنا، إن من يكره يدمر نفسه، فالكراهية تقتل أما الحب فيحيى من جديد. 2- الضمان الحقيقى والأمان الكامل: فى هذا العالم المتغير القاسى، لا يمكن أن نجد الضمان الحقيقي والأمان الكامل إلا فى شخص الرب، فى ثقتنا به وفى يقيننا أنه صديق وعادل، لا يسمع للذين يقاومون وجود ورخاء شعبه أن يحققوا أبداً نتيجة تدبيراتهم. إن الأشياء تزول، والأشخاص يرحلون، والمستقبل مجهول، والأيام لا أمان ولا ضمان لهــا، لكن الرب يبقى كما هو : "إله أمانة لا جور فيه. صديق وعادل هو" "أما المستمع لى فيسكن آمناً ويستريح من خوف الشر". (تث 32 : 4، أم 1 : 33). لذا فلنتعلم من التاريخ، ولنحيا الحاضر مستمتعين بوجود الرب الصديق فيه، ولنتطلع إلى المستقبل بإيمان وأمان فى شخص إلهنا |
||||
20 - 05 - 2012, 07:57 AM | رقم المشاركة : ( 12 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
مزمور 130 معادلة الغفران 1مِنَ الأَعْمَاقِ صَرَخْتُ إِلَيْكَ يَا رَبُّ. 2يَا رَبُّ اسْمَعْ صَوْتِي. لِتَكُنْ أُذُنَاكَ مُصْغِيَتَيْنِ إِلَى صَوْتِ تَضَرُّعَاتِي. 3إِنْ كُنْتَ تُرَاقِبُ الآثَامَ يَا رَبُّ يَا سَيِّدُ فَمَنْ يَقِفُ؟ 4لأَنَّ عِنْدَكَ الْمَغْفِرَةَ. لِكَيْ يُخَافَ مِنْكَ. 5انْتَظَرْتُكَ يَا رَبُّ. انْتَظَرَتْ نَفْسِي وَبِكَلاَمِهِ رَجَوْتُ. 6نَفْسِي تَنْتَظِرُ الرَّبَّ أَكْثَرَ مِنَ الْمُرَاقِبِينَ الصُّبْحَ. أَكْثَرَ مِنَ الْمُرَاقِبِينَ الصُّبْحَ. 7لِيَرْجُ إِسْرَائِيلُ الرَّبَّ لأَنَّ عِنْدَ الرَّبِّ الرَّحْمَةَ وَعِنْدَهُ فِدًى كَثِيرٌ 8وَهُوَ يَفْدِي إِسْرَائِيلَ مِنْ كُلِّ آثَامِهِ. سُئِل مارتن لوثر عن أية مزامير هى العظمى. أجاب بدون تردد إنها المزامير البولسية(نسبة للرسول بولس)، فهى أعظم المزامير على الإطلاق. وهذه المزامير هى تلك التى يظهر فيها طابع التوبة والاعتراف، مثل مز 32، 51،130، 143. وهذا المزمور لا يكشف بالتحديد الظروف المحيطة بالمرنم والتى دعته إلى رفع صرخته، لكن من خلال النص نكتشف أنه يعانى من ضغط نفسى شديد، نتيجة لتعرضه لخطر محيط به، ولإحساسه بثقل خطاياه وبشعور الاغتراب عن الله. لكن المرنم ينتظر مصلياً وواثقاً فى استجابة الرب لصلاته، فى شوق للغفران، وعودة الشركة، ونغمة الإنقاذ. البعض يرى أن هذا المزمور هو أغنية أُسر تعود للأمة كلها وهى فى أسرها وعندما أدركت خطاياها التى قادتها إلى محنتها، وهى تطلب الغفران والعودة فى روح الثقة والرجاء. بكل هذا الزحام من المشاعر والأحاسيس المختلطة :إحساس الذنب والاغتراب عن الله، وشعور الشوق الجارف للعودة والتوبة، ورغبة التمتع بالشركة من جديد مع الله، بكل هذه المشاعر والأحاسيس يقدم المرنم كلمات هذا المزمور للرب. يبدأ هذا المزمور من أعماق الضيق، وينتهى بأعالى الرجاء. ويمكننا تقسيم المزمور إلى أربع أفكار رئيسية : أولاً : صرخة من الأعماق (1 و2) : "1مِنَ الأَعْمَاقِ صَرَخْتُ إِلَيْكَ يَا رَبُّ. 2يَا رَبُّ اسْمَعْ صَوْتِي. لِتَكُنْ أُذُنَاكَ مُصْغِيَتَيْنِ إِلَى صَوْتِ تَضَرُّعَاتِي. ". "من الأعماق صرخت". والبعض يترجم هذه الآية : "من الأعماق أصرخ" فعندما نصل إلى الأعماق، إلى الهاوية، إلى المياه الطامية، إلى العش المقلوب، إلى ضغط الذنب... نصرخ ونتعلق بالرب لعل هذه الكلمات تشبه إلى حد كبير الكلمات الواردة فى إش 51 : 10 حيث يقول المرنم : أَلَسْتِ أَنْتِ هِيَ الْمُنَشِّفَةَ الْبَحْرَ مِيَاهَ الْغَمْرِ الْعَظِيمِ الْجَاعِلَةَ أَعْمَاقَ الْبَحْرِ طَرِيقاً لِعُبُورِ الْمَفْدِيِّينَ؟ لا يوجد شخص مؤمن لم يختبر يوماً هذا الشعور بالمعاناة والوحدة، وفى ظروفنا الصعبة أحياناً لا نجد الشخص الذى يمكنه أن يمد يد المساعدة والمعونة. لكننا نشكر الرب لأنه ترك لنا باباً مفتوحاً باستمرار لا يُغْلَق أبداً. إن يده تمتد لكى تنقذ وتنجى وترفع من الأعماق. ثانياً : رحمة الرب (3 و4) : " 3إِنْ كُنْتَ تُرَاقِبُ الآثَامَ يَا رَبُّ يَا سَيِّدُ فَمَنْ يَقِفُ؟ 4لأَنَّ عِنْدَكَ الْمَغْفِرَةَ. لِكَيْ يُخَافَ مِنْكَ. ". أليسـت هـذه الكلمات صدى لما كتبـه الرسول بولس فى رومية 3 ؟ يقول الرسول : "الْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعاً. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحاً لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ." (رو3 : 12). إن الكلمة "تراقب" تعنى "تظل تحسب". إن كنت تظل تحسب الآثام يارب (يـاه) يا سيد (أدوناى) فمن يقف فى محكمة عدلك الإلهى (ملا 3 : 2). "وَمَنْ يَحْتَمِلُ يَوْمَ مَجِيئِهِ وَمَنْ يَثْبُتُ عِنْدَ ظُهُورِهِ؟" فى أي 9 : 15 يقول الوحىّ : "لأَنِّي وَإِنْ تَبَرَّرْتُ لاَ أُجَاوِبُ بَلْ أَسْتَرْحِمُ دَيَّانِي."، وداود النبى يردد صدى هذا المعنى فى مزمور الاعتراف قائــلاً "لأَنِّي عَارِفٌ بِمَعَاصِيَّ وَخَطِيَّتِي أَمَامِي دَائِماً." (مز51 : 3). لكن المرنم يستدرك قائلاً "لأَنَّ عِنْدَكَ الْمَغْفِرَةَ. لِكَيْ يُخَافَ مِنْكَ"، ففى وسط الآثام التى لا تُحصى، والتى تقيد المرنم، انتقل المرنم من الصراخ من ثقل الأثم والاحساس بالغم إلى ترجّى وإدراك رحمة الله التى تفوق كل المعاصى. لقـد كان المرنم مُحقاً حينما قررّ أن "إِلَهِي رَحْمَتُهُ تَتَقَدَّمُنِي." (مز 59 : 10) لأن "لأَنَّ رَحْمَتَكَ قَدْ عَظُمَتْ إِلَى السَّمَاوَاتِ وَإِلَى الْغَمَامِ حَقُّكَ." (مز 57 : 10). ثالثاً : انتظار الرب (5 و6) : "5انْتَظَرْتُكَ يَا رَبُّ. انْتَظَرَتْ نَفْسِي وَبِكَلاَمِهِ رَجَوْتُ. 6نَفْسِي تَنْتَظِرُ الرَّبَّ أَكْثَرَ مِنَ الْمُرَاقِبِينَ الصُّبْحَ. أَكْثَرَ مِنَ الْمُرَاقِبِينَ الصُّبْحَ" يمكننا أن نترجم "وبكلامه" ترجمة أفضل فنقول "وفى كلامه رجوت" وكلام الله هو علامة العفو الإلهى وكل المراحم التى تتبعه. إن المرنم يتمسك بكلام الله ووعوده ويثق فى صدقها وأمانتها. "أَكْثَرَ مِنَ الْمُرَاقِبِينَ الصُّبْحَ" إن "المراقب" هو الشخص الساهر بالليل فى نوبة حراسة لحماية مدينة أو معسكر. إن هذا الشخص عادة ما يشعر أكثر من الجميع بثقل وبطء الليل. إنه ينتظر أول أشعة النور حتى تنتهى مهمته ويستريح، وهو فى أعماقه يؤمن أنه حتى وإن طال الليل إلا أن نور النهار لابد أن يهزم ظلمة الليل. فى يوم أول أغسطس عام 1830 صدر الحكم الكبير بتحرير العبيد فى المستعمرات الهندية الغربية. فى هذه الليلة - كما يـروى بعض المؤرخين - لم ينم الجميع. لقد أدرك العبيد أن أشعة النهار الجديد سوف تحمل لهم الحرية التى طالما انتظروها. لقد عاش هؤلاء الناس نفس مشاعر التوقع والانتظار والشوق والفرح التى عاشها المرنم. "اِنْتِظَاراً انْتَظَرْتُ الرَّبَّ فَمَالَ إِلَيَّ وَسَمِعَ صُرَاخِي" (مز 40 : 1). "تَاقَتْ نَفْسِي إِلَى خَلاَصِكَ. كَلاَمَكَ انْتَظَرْتُ." (مز 119 : 81). إن خلاص الرب الذى ينتظره المرنم بشوق، يُبنىَ على ثقته الكبيرة فى كلمة الرب الصادقة. لذا فما أحرانا أن نتمسك بمن لا يمكن أن يخزى منتظروه. رابعاً : الرجاء فى الرب (7 و8) : "7لِيَرْجُ إِسْرَائِيلُ الرَّبَّ لأَنَّ عِنْدَ الرَّبِّ الرَّحْمَةَ وَعِنْدَهُ فِدًى كَثِيرٌ 8وَهُوَ يَفْدِي إِسْرَائِيلَ مِنْ كُلِّ آثَامِهِ." فى هذين العددين ينتقل المرنم من نفسه إلى شعبه بعد استجابة الرب له، والمرنم يدعو أمته أن تتعلم من حالته وأن تترجى الله وتنتظر البركة والخير والسلام منه، كما نالها هو. لقد استمتع المرنم بغفران الله وبرحمته وإنقاذه، ولذلك يقدم اختباره الشخصى لشعبه وأمته. إنه قد اختبر أن غفران الله أكبر من آثامه وخلاص الله أعظم من خطاياه ومشاكله مهما عظمت هذه الخطايا والمشاكل. لذا فإنه يدعو شعبه لكى يضع ثقته ورجاءه فى شخص الرب. إن "الفدى الكثير" هو الفدى الغزير الغامر الوافر الذى يفوق خطايانا. وهذا الفدى هو ما دعا المرنم لتقديم هذه الدعوة لشعبه. وهذا المزمور يضع أمامنا عدة حقائق : معادلة الغفران : إن الاساس الصحيح للغفران - والذى غالباً ما يغيب عن أذهاننا للأسف - هو عمل المسيح الذى ظهرت فيه عدالة الله جنباً إلى جنب وبالمساواة مع رحمته. إن "أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ" (رو 6 : 23). لذا فموت المسيح على الصليب لا يعنى فقط نعمة الرب ورحمته، لكنه يعنى النعمة الغالية والرحمة المقدسة، تلك الرحمة التى تستند على أساس متين من العدل. إن ارتباط الرحمة مع العدل هو مركز وجوهر فكرنا اللاهوتى والكتابى للمسيحية الصحيحة. ولذا فالوجه الأول للنعمة هو الخلاص - لكل من يقبل النعمة - والوجه الثانى لها هو الدينونة لكل من يرفض. إن الفصل بين الرحمة والعدل يؤدى إلى أن يفقد الإنجيل طبيعته كاحتياج مُلّح للناس، كما ويؤدى إلى فقدان الكرازة والعمل المرسلى قوة الدفع. إن غياب معادلة الغفران الصحيحة يؤدى إلى اختلال القيم والأخلاقيات فى الكنيسة والمجتمع، فحينما يغيب العقاب وراء ستار كثيف من "المحبة" الغشيمة، فلماذا يتوب المخطئ ؟ واختلال ميزان القيم يؤدى إلى تفسخ المجتمع وضياع الحقيقة، وهذا ما نراه حادثاً اليوم فى المجتمع الغربى الذى يعانى من عوامل الانحلال والضعف فى الداخل. وإننى أخشى أن أقول إن نفس هذا التفسخ يتسلل إلى كنيستنا الإنجيلية اليوم بسبب غياب مفهوم "التأديب الكنسى". إن المسيحية لا تعنى أبداً التساهل والتسيب حتى أن الإنســان يتعبد ويتقـدم إلى المائدة بكل الأخطاء التى لم يتب عنها بعـد، وكأن هذا الأمر شىء عادي. إن مز 130 يضع مفهوماً مختلفاً، هذا المفهوم يتحدث عن الغفران المشروط، فالله يغفر "لكى يُخاف منك" ويثمر هذا الخوف فى حياة التائب أسلوب حياة جديد. إن أولئك الذين يظنون أن غفران الله شيئاً بسيطاً لم يدركوا بعد خطورة الخطية ومعناها الحقيقى كثورة ضد الله |
||||
20 - 05 - 2012, 07:57 AM | رقم المشاركة : ( 13 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
مزمور 131 مرفأ السلام 1يَا رَبُّ لَمْ يَرْتَفِعْ قَلْبِي وَلَمْ تَسْتَعْلِ عَيْنَايَ وَلَمْ أَسْلُكْ فِي الْعَظَائِمِ وَلاَ فِي عَجَائِبَ فَوْقِي. 2بَلْ هَدَّأْتُ وَسَكَّتُّ نَفْسِي كَفَطِيمٍ نَحْوَ أُمِّهِ. نَفْسِي نَحْوِي كَفَطِيمٍ. 3لِيَرْجُ إِسْرَائِيلُ الرَّبَّ مِنَ الآنَ وَإِلَى الدَّهْرِ. ينسب البعض هذا المزمور القصير والغنى إلى داود النبى - كما جاء فى عنوانه - وهو يتذكر تعليقات أخيه القاسية ضده قبيل لقائه مع جليات الفلسطينى (1صم 17 : 28). على أن البعض الآخر يربطه بباقى أغنيات المصاعد خاصة فى العـدد الأخير (3) الذى يتشابه فى لغته مع مزامير 130 : 7 "الَّذِي لاَ يَمْلَأُ الْحَاصِدُ كَفَّهُ مِنْهُ وَلاَ الْمُحَزِّمُ حِضْنَهُ."، مز 121 : 8 "الرَّبُّ يَحْفَظُ خُرُوجَكَ وَدُخُولَكَ مِنَ الآنَ وَإِلَى الدَّهْرِ"، مز 125 : 2 "أُورُشَلِيمُ الْجِبَالُ حَوْلَهَا وَالرَّبُّ حَوْلَ شَعْبِهِ مِنَ الآنَ وَإِلَى الدَّهْرِ." مز 131 : 3 "لِيَرْجُ إِسْرَائِيلُ الرَّبَّ "، ولذلك يعتقد هذا الفريق أن هذا المزمور يُعَّد من النسيج الحقيقى لمجموعة ترانيم المصاعد. ولنتوقف قدامه كالتالى: أولاً : النفس الثائرة (1) : يصوّر المزمور فى تركيز شديد، طبيعة النفس الإنسانيّة، ومأساتها وشططها، ومراحل عودتها وشفائها، فمن خلال الكلمات تلمح ثورة وألماً وصراعاً وجنوح النفس البشرية. جنوح وثورة تتمثل فى قلب يندفع بنوازعه إلى المال أو الترف أو الملذات بلا شبع ... وفى عين تتجه إلى القوة والنفوذ والسلطة بلا حدود .. وفى عقل ينشغل فى شطحاته بأمور أعلى من قدرته على الفهم .. وفى نفس تمتلىء أمام مآسى الحياة بالصخب والتمرد والألم والتمزق والشك .. وفى كيان يغوص، نتيجة لهذا كله، فى متاهات القلق والكبرياء والحسد والصراع والمرارة، وينحدر فى إحساس مريض بالعظمة إلى الإقلال من قدر الآخرين وإلى المغالاة فى تقدير الذات. وكل هذا يحدث للفرد كما للشعوب، وللحكام وللمحكومين ، ويعبر عن تشامخ فكرى أو اجتماعى طبقى أو عنصرى عرقى أو عسكرى أو دينى. وهكذا تعيش النفس الثائرة الصاخبة فريسة المطامع والمطامح الخيالية الوهمية اللانهائية، ومستعبدة للمخاوف المضللة فى روح التذمر والشكوى والأسى والأنين .. لاتهدأ .. لا تشبع .. لا تعرف حدوداً للشطط مع النفس أو مع الآخرين .. هى فى حالة حرب أهلية داخلية مستمرة من جراء تعُبدها لأنانيتها. قال أحد الحكماء مرة : "من الممكن ترويض أسد أسهل من ترويض نفس ثائرة". وحتى تاريخ الأديان - بما فيه تاريخ المسيحّية- يحكى الفواجع من الصراعات والدماء والسلطة والتعصب والتكفير ونفىّ الآخر واحتقاره وصلبه. هذه هى "تراجيديا" النفس الإنسانية التى اكتوى بنارها المرنم عندما واجه معاناته وآلام شعبه، فصرخ من أعماقه إلى الله، وانتظرت نفسه الرب اكثر من المراقبين الصبح، فاختبر صلاحه وقوته المخلصة، وعاوده من جديد هدوء النفس وسلام الضمير، وعبر منطقة الليل إلى نور الصباح، وتطهر من نوازعه الجامحة، وتحرر من قلقه المدمر، وعاد إلى الاتضاع الناضج والبساطة النقية والمحبة الخادمة (مت 18 : 1 - 4) فيقول فى اتضاع القلب أو الفكر أو النظر والسلوك : "يَا رَبُّ لَمْ يَرْتَفِعْ قَلْبِي " Iam not high minded "وَلَمْ تَسْتَعْلِ عَيْنَايَ وَلَمْ أَسْلُكْ فِي الْعَظَائِمِ وَلاَ فِي عَجَائِبَ فَوْقِي"... فما يختزنه القلب من تشامخ وكبرياء يظهر فى العينين . وهذه الفكرة تتضح فى كثير من كتابات الحكمة فمثلاً : "مُسْتَكْبِرُ الْعَيْنِ وَمُنْتَفِخُ الْقَلْبِ لاَ أَحْتَمِلُهُ" (مز 101 : 5) ، و"11جِيلٌ يَلْعَنُ أَبَاهُ وَلاَ يُبَارِكُ أُمَّهُ 12جِيلٌ طَاهِرٌ فِي عَيْنَيْ نَفْسِهِ وَهُوَ لَمْ يَغْتَسِلْ مِنْ قَذَرِهِ 13جِيلٌ مَا أَرْفَعَ عَيْنَيْهِ وَحَوَاجِبُهُ مُرْتَفِعَةٌ 14جِيلٌ أَسْنَانُهُ سُيُوفٌ وَأَضْرَاسُهُ سَكَاكِينُ لأَكْلِ الْمَسَاكِينِ عَنِ الأَرْضِ وَالْفُقَرَاءِ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ." (أم 30 : 11 - 14). لكن المرنم يقول لله هنا : "َلَمْ أَسْلُكْ فِي الْعَظَائِمِ .." أىّ : لم أتخذ من الأشياء والشكلياّت طريقاً للعظمة المريضة. ثم يقول "وَلاَ فِي عَجَائِبَ فَوْقِي" أى لم أسلك فيما يفوق إدراكى. وهذه الكلمات لا تعنى كبح روح المغامرة والتقدم بل تعنى التوجه الصحيح للنفس البشرية (رو 12 : 16 ، فى 2 : 3 ، 4). ولكن ما هو السر وراء هذا الفهم الصحيح الذى توصَّل إليه المرنم ؟ يقول المرنم فى العدد الثانى : "بَلْ هَدَّأْتُ وَسَكَّتُّ نَفْسِي كَفَطِيمٍ نَحْوَ أُمِّهِ. نَفْسِي نَحْوِي كَفَطِيمٍ". ثانياً : النفس المطمئنة (2 و3) : إن المرنم يقول هنا إننى سكنَّتُ أو سوّيتُ أو مهدت نفسى. أى إن رغائبى وعواطفى الهائجة المتلهفة كبحر هائج أو كريح عاصف قد أصبحت متزنة هادئة .. " كَفَطِيمٍ نَحْوَ أُمِّهِ" أىّ قد أصبحت فى اطمئنان واثق كالطفل الذى فطم، فلم يعد محتاجاً أو مهتاجاً أو مغتاظاً لعدم وجود ما كان لا يمكنه الاستغناء عنه قبلاً، ولكن الآن يكفيه أن يستند إلى أمه فى استسلام هانئ، لا يفكر فى الأشياء أو الأشخاص بل قد صارت أمه كلِّ شىء بالنسبة له. هكذا " نَفْسِي نَحْوِي كَفَطِيمٍ". نفسى داخلى كفطيم نحوك .. أنت كل ما أشتهى، أنت كل الشبع الأعلى فى الحياة .. أنت اللؤلؤة الواحدة الكثيرة الثمن.. فيك أهدأ واستريح .. بك أثق وأتعلق وأغلب .. ومعك تحلو الحياة. إن هذه الآية ترد فى ترجمة كتاب الحياة : "ولكنى سكّنت نفسى وهدّأتها فصار قلبى مطمئناً كطفل مفطوم مستسلم بين ذراعىّ أمه". ولذلك يختم مزموره بالقول "لِيَرْجُ إِسْرَائِيلُ الرَّبَّ مِنَ الآنَ وَإِلَى الدَّهْرِ" ليكن فيه وحده كل الرجاء وكل اليقين .. كل الاتكال على مدى السنين .. إذا أردت هدوء النفس وسط صخب الحياة .. إذا أردت راحة للضمير وسط قلق الأيام .. إذا طلبت الاطمئنان والسلام وسط عواصف الدهر .. إذا التمست كل ذلك فضع رجاءك فى الله وحده. سكّن نفسك أمام الرب ليعيد إليها راحتها وسكينتها. قل له يارب إننى أجد العظمة فى الاتضاع عند قدميك وأجد شبعى فيك ورجائى فى الوجود بجوارك. إن رسالة هذا المزمور تمثل الاحتياج الملِّح لعالمنا الهائج الثائر اللاهث وراء المادة والسلطة والنفوذ، لكن الشبع الحقيقى الذى يسكن النفس هو فى الوجود الرائع فى محضر الله. نحن مشهورون جداً بالفخر، نتحدث كثيراً ونجيد فى الكلام، واُعتُبر الفخر - من قرون طويلة - أنه لون من ألوان الأدب والشعر. وهناك بيت شعر معروف للشاعر العربى أبى الطيب المتنبى ، يقول فيه : الخيلُ والليلُ والبيـداءُ تَعْرِفُـنى والسيفُ والرمحُ والقرطاسُ والقلمُ أنا الذى نَظَرَ الأعمـى إلى أدبى وأسمعـتْ كـلماتى مـَنْ به صَمَمُ وهى حقيقة ظاهرة للكل، أن النفس التى تتربى داخلها مشاعر الفخر والقوة والتفوق والجدارة الشخصية والاستحقاق، هذه النفس من الصعب أن تنفطم بالمعنى الذى سبق شرحه. لذا فإن السؤال الذى يُلَّح علينا هو : كيف يحدث فطام النفس ؟ أولاً : بالتوبة والإيمان بعمل الله فى المسيح: هذه هى الخطوة الأولى والرئيسية لكل من يريد أن يختبر فطام النفس الداخلية. فى رواية "ترويض النمرة" للأديب الإنجليزى وليم شكسبير، يحكى الكاتب قصة رجل له بنتان، البنت الكبرى تتميز بالشراسة والصرامة والتمرد والقسوة، أما الصغرى فعلى النقيض من ذلك تماماً، فهى وديعة مسالمة هادئة. وذات يوم تقدم أحد الشبان لخطبة الابنة الصغرى قبل أختها الكبرى. وعرض الأب على العريس المتقدم أن يطلب الكبرى وأخبره عن أخلاقها الحقيقية وعن شراستها. وأحس الشاب أن هذا الزواج سيمثل نوعاً من التحدى له، فقبل. وبعد الزواج استطاع هذا الشاب أن يروض زوجته العنيدة من خلال اتباع سياسة التجويع، حى أصبحت طوع يديه تأتمر بكل ما يأمرها به. أما اللاهوتى الشهير رينهولد نيبور فيقول : "الإنسان يقف فى مفترق طرق بين الطبيعة والروح، أو بين الطبيعة Nature والروحانية .. لذلك فهو متورط فى كل من الحرية والضرورة". وهو يقصد أن الإنسان كشخصية روحية له قدرة وإمكانية نتيجة الحرية التى له، وكجزء من الطبيعة فهو محدود ومحكوم بقواعد معينة وقوانين ثابتة.. إن الإنسان (حلقة اتصال) بين الروح والطبيعة .. بين المحدودية والحرية.. بين العجز والعظمة فى نفس الوقت. وقد عَبِّر بسكال عن نفس هذه الحقيقة فقال : "الإنسان يقع فى موقع متوسط بين الملاك والوحش، وعليه أن يتجنب التطرف فى الجانبين، فيؤكد عظمته وبؤسه فى نفس الوقت". والفكر المسيحى يبتعد بالإنسان عن انحطاط النظرة الطبيعية وغرور النظرة المثالية .. ويرجع سبب بؤس الإنسان وعجزه إلى الخطية، فالإنسان بسبب الخطية يناقض طبيعته العليا وهدفه الأسمى ككائن روحى. هذا التناقض يسبب الانقسام والنشاز والصراع والثورة والجموح والسقوط والعجز عن إشبـاع أشواقـه الروحيـة، فالخطيـة تمنـع النفس من فعل ما تراه خيراً (رو 7 : 15 - 18) وتفسد وظائف الذات وتمسخ القلب فينشغل بأمور زائلة، وتشوه الخيال فيمتلىْ بتصورات حسّية وقتية، وتشوش العقل فينشغل بتوافه الأمور.. إنها حالة النفس عندما تغترب عن الله وتتمركز حول ذاتها. ومن هنا تنشأ الحاجة إلى التوبة والإيمان بعمل الله فى المسيح، وتظهر حاجتنا إلى نعمة الله المخلصة التى تغير حياة الإنسان وتدفعه إلى "نظام المحبة" وتعطيه نظرة جديدة للحياة وثقة واعتماداً كاملاً على الرب واتضاعاً قدامه وطاعة لفكره. إن الله هو الذى خلق النفس البشرية ، وهو بالتالى القادر على التعامل معها لكى تُفطم وتتحرر تدريجياً من قيودها. إنها لن تتحرر كلية مرة واحدة، لكنها بعمل الله والتدريب المتواصل ومعونة الروح القدس، تختبر مرحلة متقدمة من هذا الفطام الذى يشير إليه كاتب المزمور. ثانياً : الحياة فى المسيح فى الروح فى الكنيسة فالحياة المسيحيّة ليست مصالحة مع الله فحسب، بل هى صراع دائم ضد الخطية، وجهاد روحىّ مشفوع بروح المسؤولية، ومقاومة حتى الدم (عب 12 : 1 – 5 ، رو 6 : 11 - 14) ضد الخطية حتى لا تملك فى أعضائنا بل نقدمها آلات بر لله. يقول الرسول بولس : "قَدْ جَاهَدْتُ الْجِهَادَ الْحَسَنَ، أَكْمَلْتُ السَّعْيَ، حَفِظْتُ الإِيمَانَ،" (2 تى 4 : 7) ويقول أيضاً : "لِذَلِكَ أَنَا أَيْضاً أُدَرِّبُ نَفْسِي لِيَكُونَ لِي دَائِماً ضَمِيرٌ بِلاَ عَثْرَةٍ مِنْ نَحْوِ اللهِ وَالنَّاسِ." (أع 24 : 16). إذن الحياة فى المسيح فى الروح هى الجهاد الأكبر، لأنها الجهاد من أجل فطام النفس. والطريق إلى الغلبة هو ممارسة حضور المسيح وقوة الروح، فالروح القدس هو روح المسيح العامل دائماً فى الإنسان المؤمن ليخضع نفسه لفكر المسيح. والكنيسة هى المجال الذى يستمر فيه عمل المسيح الواهب حياة أفضل، وعمل الروح المانح للقداسة. هى مجال الغذاء للنمو، والشركة للتعضيد، والخدمة للتدرب، وممارسة وسائط النعمة من كلمة وفرائض مقدسة. وبالإجمال هى مجال النضوج كعملية دائمة لفطام النفس عندما تترجى وجه الله وحده .. فى النهاية ، كيف نتعرف ونختبر فكرة الفطام من خلال هذين العاملين ؟ إن فطام النفس حالة من الشبع بالله والاطمئنان والثقة والسلام بجواره وفيه. وفى المقابل، هى حالة من القناعة والاكتفاء والاستغناء عن الأشياء والأشخاص .. هذا بالطبع ليس معناه أن نتبنى موقفاً ضد الأشياء والأشخاص بل هو فقط عدم سيادة الأشياء والأشخاص على الحياة. أود الآن أن أضع بعض النماذج الكتابية وغير الكتابية لأشخاص تعلموا فطام النفس : موقف إبراهيم من المال حينما عُرضت عليه من ملك سدوم، فرفع يده إلى السماء قائلاً : "21وَقَالَ مَلِكُ سَدُومَ لأَبْرَامَ: «أَعْطِنِي النُّفُوسَ وَأَمَّا الأَمْلاَكَ فَخُذْهَا لِنَفْسِكَ». 22فَقَالَ أَبْرَامُ لِمَلِكِ سَدُومَ: «رَفَعْتُ يَدِي إِلَى الرَّبِّ الإِلَهِ الْعَلِيِّ مَالِكِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ 23لاَ آخُذَنَّ لاَ خَيْطاً وَلاَ شِرَاكَ نَعْلٍ وَلاَ مِنْ كُلِّ مَا هُوَ لَكَ فَلاَ تَقُولُ: أَنَا أَغْنَيْتُ أَبْرَامَ." . (تك 14 : 21 - 23). أظهر أبرام حالة من الاستغناء والاكتفاء. موقف الرسول بولس أيضاً حين قال : "11لَيْسَ أَنِّي أَقُولُ مِنْ جِهَةِ احْتِيَاجٍ، فَإِنِّي قَدْ تَعَلَّمْتُ أَنْ أَكُونَ مُكْتَفِياً بِمَا أَنَا فِيهِ. 12أَعْرِفُ أَنْ أَتَّضِعَ وَأَعْرِفُ أَيْضاً أَنْ أَسْتَفْضِلَ. فِي كُلِّ شَيْءٍ وَفِي جَمِيعِ الأَشْيَاءِ قَدْ تَدَرَّبْتُ أَنْ أَشْبَعَ وَأَنْ أَجُوعَ، وَأَنْ أَسْتَفْضِلَ وَأَنْ أَنْقُصَ. 13أَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ الَّذِي يُقَوِّينِي. 14غَيْرَ أَنَّكُمْ فَعَلْتُمْ حَسَناً إِذِ اشْتَرَكْتُمْ فِي ضِيقَتِي." (فى 4 : 11 - 13). موقف يوسف كفطام نفس عن الجنس فى مواجهة التجربة القاسّية التى جاءت إليه عن طريق امرأة سيده، ويالها من كلمات رائعة : "..فَكَيْفَ أَصْنَعُ هَذَا الشَّرَّ الْعَظِيمَ وَأُخْطِئُ إِلَى اللهِ؟" (تك 39 : 9)، كذلك فطامه لنفسه عن الانتقام من إخوته الذين آذوه. "4فَقَالَ يُوسُفُ لإِخْوَتِهِ: «تَقَدَّمُوا إِلَيَّ». فَتَقَدَّمُوا. فَقَالَ: «أَنَا يُوسُفُ أَخُوكُمُ الَّذِي بِعْتُمُوهُ إِلَى مِصْرَ. 5وَالْآنَ لاَ تَتَأَسَّفُوا وَلاَ تَغْتَاظُوا لأَنَّكُمْ بِعْتُمُونِي إِلَى هُنَا لأَنَّهُ لِاسْتِبْقَاءِ حَيَاةٍ أَرْسَلَنِيَ اللهُ قُدَّامَكُمْ." (تك 45 : 4-5). موقف الفطام من النفوذ والسلطة والمجد العالمى الذى ظهر فى حياة دانيال حين رفض أطايب الملك "أَمَّا دَانِيآلُ فَجَعَلَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لاَ يَتَنَجَّسُ بِأَطَايِبِ الْمَلِكِ وَلاَ بِخَمْرِ مَشْرُوبِهِ فَطَلَبَ مِنْ رَئِيسِ الْخِصْيَانِ أَنْ لاَ يَتَنَجَّسَ." (دا 1 : 8)، والفتية "16فَأَجَابَ شَدْرَخُ وَمِيشَخُ وَعَبْدَنَغُو: [يَا نَبُوخَذْنَصَّرُ لاَ يَلْزَمُنَا أَنْ نُجِيبَكَ عَنْ هَذَا الأَمْرِ. 17هُوَذَا يُوجَدُ إِلَهُنَا الَّذِي نَعْبُدُهُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنَجِّيَنَا مِنْ أَتُونِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ وَأَنْ يُنْقِذَنَا مِنْ يَدِكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ. 18وَإِلاَّ فَلِْيَكُنْ مَعْلُوماً لَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ أَنَّنَا لاَ نَعْبُدُ آلِهَتَكَ وَلاَ نَسْجُدُ لِتِمْثَالِ الذَّهَبِ الَّذِي نَصَبْتَهُ]." (دا 3 : 16 - 18) والمثال الأسمى هو الرب يسوع "5فَلْيَكُنْ فِيكُمْ هَذَا الْفِكْرُ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ أَيْضاً: 6الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً لِلَّهِ. 7لَكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذاً صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِراً فِي شِبْهِ النَّاسِ. 8وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ." (فى 2 : 5 - 8). موقف الراوئى الروسى الثرى تولستوى الذى افتتح عام 1829 مدرسة لتعليم الفلاحين فى مزرعته، واشترك من ماله الخاص فى حملات إغاثة الجوعى، ولذلك أراد أن يوزع أرضه على الفلاحين فرفضت أسرته واتهمته بالجنون، فعاش حزيناً حتى مات عام 1910 . موقف دى كليرك الرئيس الأسبق لجمهورية جنوب أفريقيا حينما سَلَّم السلطة بهدوء إلى نيلسون مانديلا لأنه يمثل رغبة أغلبية الشعب ، وقد صنع كليرك ذلك بناءً على توجيهات ونصائح أمه له، وهى بدورها كانت قد اختبرت من قبل حقيقة الشبع فى المسيح. فى كل هذه النماذج يصدق من جديد القول الحكيم : النفسُ كالطِّفِلِ إن تَتركَهُ شَبِّ على حبِ الرضاعِ وإنْ تَفْطِمَهُ يَنْفَطِمُ إذن : "لِيَرْجُ إِسْرَائِيلُ الرَّبَّ مِنَ الآنَ وَإِلَى الدَّهْرِ" ليكن فيه وحده هو كل الرجاء، وكل الكفاية. لنتضع قدامه فى إدراك واع بقصر الحياة، وضآلة الإنسان مهما كبر، وبعظمة إلهنا فنرجو رحمته ورضاه |
||||
20 - 05 - 2012, 07:59 AM | رقم المشاركة : ( 14 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
مزمور 132 موكب الملك 1اُذْكُرْ يَا رَبُّ دَاوُدَ كُلَّ ذُلِّهِ. 2كَيْفَ حَلَفَ لِلرَّبِّ نَذَرَ لِعَزِيزِ يَعْقُوبَ: 3[لاَ أَدْخُلُ خَيْمَةَ بَيْتِي. لاَ أَصْعَدُ عَلَى سَرِيرِ فِرَاشِي. 4لاَ أُعْطِي وَسَناً لِعَيْنَيَّ وَلاَ نَوْماً لأَجْفَانِي 5أَوْ أَجِدَ مَقَاماً لِلرَّبِّ مَسْكَناً لِعَزِيزِ يَعْقُوبَ]. 6هُوَذَا قَدْ سَمِعْنَا بِهِ فِي أَفْرَاتَةَ. وَجَدْنَاهُ فِي حُقُولِ الْوَعْرِ. 7لِنَدْخُلْ إِلَى مَسَاكِنِهِ. لِنَسْجُدْ عِنْدَ مَوْطِئِ قَدَمَيْهِ. 8قُمْ يَا رَبُّ إِلَى رَاحَتِكَ أَنْتَ وَتَابُوتُ عِزِّكَ. 9كَهَنَتُكَ يَلْبِسُونَ الْبِرَّ وَأَتْقِيَاؤُكَ يَهْتِفُونَ. 10مِنْ أَجْلِ دَاوُدَ عَبْدِكَ لاَ تَرُدَّ وَجْهَ مَسِيحِكَ. 11أَقْسَمَ الرَّبُّ لِدَاوُدَ بِالْحَقِّ لاَ يَرْجِعُ عَنْهُ: [مِنْ ثَمَرَةِ بَطْنِكَ أَجْعَلُ عَلَى كُرْسِيِّكَ. 12إِنْ حَفِظَ بَنُوكَ عَهْدِي وَشَهَادَاتِي الَّتِي أُعَلِّمُهُمْ إِيَّاهَا فَبَنُوهُمْ أَيْضاً إِلَى الأَبَدِ يَجْلِسُونَ عَلَى كُرْسِيِّكَ]. 13لأَنَّ الرَّبَّ قَدِ اخْتَارَ صِهْيَوْنَ. اشْتَهَاهَا مَسْكَناً لَهُ: 14[هَذِهِ هِيَ رَاحَتِي إِلَى الأَبَدِ. هَهُنَا أَسْكُنُ لأَنِّي اشْتَهَيْتُهَا. 15طَعَامَهَا أُبَارِكُ بَرَكَةً. مَسَاكِينَهَا أُشْبِعُ خُبْزاً. 16كَهَنَتَهَا أُلْبِسُ خَلاَصاً وَأَتْقِيَاؤُهَا يَهْتِفُونَ هُتَافاً. 17هُنَاكَ أُنْبِتُ قَرْناً لِدَاوُدَ. رَتَّبْتُ سِرَاجاً لِمَسِيحِي. 18أَعْدَاءَهُ أُلْبِسُ خِزْياً وَعَلَيْهِ يُزْهِرُ إِكْلِيلُهُ]. للمؤرخ دور هام يلعبه فى الحياة المعاصرة، فهو يستطيع أن يرينا الآن كل الأجيال السابقة وما عاصره الأقدمون من مشكلات، وكيف واجه قادة كل جيل مشكلات عصرهم. وبإضافة قدر من الخيال والدراما إلى مادة التاريخ، يستطيع العمل الأدبى أو الفنى أن يعيد صياغة الأحداث التاريخية مرة أخرى، فنراها حية تجرى أمام عيوننا الآن فتشد انتباهنا وتحمل لنا رسالة لظروفنا الحالية، وهذا ما ينطبق على سفر المزامير بشكل عام وينطبق أيضاً على مز 132 على نحو الخصوص. فـى ترجمـة KJV - وترجمــات كثيرة أخرى – سُمىَّ هذا المزمور "مزمور السائح". كان موكب الملك يسير عبر الشوارع المزدحمة من غرب مدينة أورشليم حتى الهيكل حيث يوضع تابوت الرب. وهنا تتدفق فى أذهان الناس صور الماضى، وقيمة الرموز الدينية (كالتابوت مثلاً)، وذكريات عن موسى وما صنعه لتحرير وتوحيد الأسباط، وعن داود ورغبته فى بناء بيت للرب يوضع فيه التابوت فى مكان مناسب .... إلخ، وهكذا كان الإسرائيليون فى كل جيل يحملون التابوت، فى نفس الموكب خلال الاحتفال السنوى ليندمج ويستيقظ التاريخ والشريعة والفلكلور معاً من جديد فى داخل الشعب. ومزمور 132 يشابه مزمور24، ومزمور68، فكل هذه المزامير عبارة عن أغنيات وتسبيحات تُستخدم فى العبادة، وكل منها يستخدم فى مناسبة الاحتفال بإحضار داود للتابوت من قرية يعاريم إلى صهيون أو أورشليم، وكل منها يذّكر بالأحداث الدرامية الحيوية المرهبة التى حدثت فى المرة الأولى، وكل منها يحتوى على المقاطع التى تُرنَم بشكل فردى وجماعى. لقد كان الشعب يتذكر خلال هذه المناسبة أحداثاً كثيرة حدثت خلال قرون طويلة منذ أيام سيناء حتى عهد المملكة، ولذلك كان هدف هذه المناسبة أن تترك انطباعاً لدى كل المشاركين أو المشاهدين لها، وكيف أن مصير المدينة – كمكان سكنى الرب - ومصير بيت داود – خادم الرب – متلازمان ومتدخلان. ففى النصف الأول من المزمور نقرأ قرار داود الحاسم بأن يجد المكان المناسب لتابوت عهد الرب، وفى النصف الثانى نلتقى مع قرار الله الحاسم وقسمه لداود بمساندة ملكه واختيار صهيـون، وبالتالى يمكننـا أن نـرى المزمـور كمزمور ملكى مثل مزامير 20و21و45 أو كأغنية لصهيون مثل مز 46و87. توقيت كتابة المزمور: يعتقد البعض أن المزمور كتب فى وقت معاصر لحكم داود (10) أو فى أيام سليمان على الأكثر، بينما يعتقد البعض الآخر مثل Mowinckel أنه كتب فى فترة ما قبل السبىّ وكان يستخدم فى الاحتفال بعيد جلوس الملك الذى كان مرتبطاً بالاحتفال بعودة تابوت الرب إلى مكانه. تقسيم المزمور: وهذا المزمور من المزامير الطويلة التى لا تظهر كثيراً فى مزامير المصاعد، ويمكننا أن نرى فيه أكثر من فكرة : أولاً : الدعـاء (1 – 5) : مواكب الاحتفالات فى الشرق تتحرك ببطء، وفى أثناء تحرك الموكب قد تُعرض رقصات وحركات درامية وطقوس ليتورجيّة. فى هذه المناسبة، الشعب والكهنة والملك مع حشد من حراسه ومرافقيه، الكل يجتمعون فى مكان ما خارج المدينة المقدسة من جهة الغرب. يبدأ الموكب إلى الهيكل فى الشوارع المزدحمة بدعاء من الملك، فيه يطلب نعمة الله للبيت الملكى وللشعب عن طريق تذكيرهم بحماس داود أن يجد مكاناً مريحاً لتابوت الرب. وتذكرهـم نفـس هذه الكلمات بحادثـة فقد التابوت فى (1 صم 4 : 1 – 7 : 2) والخطوات التى اتخذهـا داود لاستعادتـه. (2 صم 6 : 1 – 15). وفى هذا الدعاء : الثمن والمسؤولية : "1اُذْكُرْ يَا رَبُّ دَاوُدَ كُلَّ ذُلِّهِ." ومن الأفضل أن تترجم هذه العبارة "اذكر يارب لداود"، أما الذل المشار إليه هنا فربما يعود إلى الجهد الكبير المبذول فى سبيل التغلب على كل المصاعب التى واجهت داود من أجل إعادة التابوت، أو قد تشير إلى صدمة داود عند موت "عُزّة". إن فقدان التابوت بالنسبة للشعب كان معناه فقدان حضور الله فى وسطهم وفقدان إرشاد الله لهم، لذلك سعى داود إلى إرجاع التابوت. لكن فى أثناء ذلك أمات الرب عُزّة بسبب غفلته ولأنه أراد أن يسند التابوت بيده، فى هذا الموقف خاف داود من الرب لأنه رأى اقتحام الرب لعُزّة أمام عينيه. وقد تشير هذه الكلمات إلى كل معاناة داود قبل أن يكون ملكاً، وكيف أن دافعه الوحيد غيرته على مجد الرب إذ أراد أن يجد لتابوته مكاناً. القسم والنذر - اتخاذ القرار: لقد اتخذ داود القرار وكان على استعداد لدفع ثمن تنفيذه، "كيف حلف للرب نذر لعزيز يعقوب"، لكننا لانجد تسجيلاً لهذا القسم فى العهد القديم، لكننا نقرأ فقط أن داود وضع ذلك فى قلبه (2 صم 7 : 1 – 3 ، 1 مل 8 : 17)، كذلك لا نقرأ أن لقب "عـزيـز يـعـقوب" ورد على لسان داود، فهو لقب قديم (تك 49 : 24، إش 49 : 26، 60 : 16، 1 : 24) وهذا اللقب يعنى "رئيس يعقوب" وهو من فترة ما بعد الوقت الموسوى. السرعة والحسم : "4لاَ أُعْطِي وَسَناً لِعَيْنَيَّ " أى أن داود رفض أن ينام قبل أن ينفذ ما بقلبه. إن هذا التعبيــر المجــازى يقصد به العزم والتصميم. (أم 6 : 4). " 4لاَ أُعْطِي وَسَناً لِعَيْنَيَّ وَلاَ نَوْماً لأَجْفَانِي 5أَوْ أَجِدَ مَقَاماً لِلرَّبِّ مَسْكَناً لِعَزِيزِ يَعْقُوبَ". هذا يقودنى إلى الحديث عن بعض الأفكار التى أشعر أن هذا النص يوحى بها إلينا كتطبيقات معاصرة لنا نحن اليوم: * كثرة الكلام وقلة الإنجاز : · لكى نحقق شيئاً جديداً فى الحياة والخدمة علينا أن نتمتع بـ "الرؤية والحلم" فلا يمكن عمل شئ عظيم بدون حلم عظيم. لقد حلم داود بإرجاع التابوت إلى إسرائيل، وقد كان له ما أراد. ولقد صدقت فيه الحكمة القائلة : "احلم كما تشاء فستجد أن الله يحقق فيك ما هو أكثر بكثير من أسعد أحلامك". * ينبغى أن يصاحب الحلم الرغبة فى دفع الثمن والعمل على تحقيق الرؤية بمثابرة وعزم وتصميم: وما نيل المطالب بالتمنى ولكن تُؤخَذُ الدنيا غِلاباً وليس ذلك فقط بل يعتمد إنجاز الأعمال العظيمة على السرعة والحسم فى أداء الأعمال، لقد رأى داود الفراغ والضياع والواقع المؤلم فاتخذ القرار المناسب واستعد لدفع الثمن وأنجز أمره بسرعة وحسم. * فى بعض المؤسسات الكبرى بالخارج تُتخَذ البوم (بالباء وليس بالياء) كشعار للمؤسسة، فالبومة تمثل الصمت الدائم المصحوب بالإنجاز السريع فى الوقت المناسب. * كان "غاندى" يصوم عن الكلام تماماً يوماً واحداً كل أسبوع، يختلى بنفسه ويتخذ قرارات جديدة ويفكر فى الرسالة التى عليه إتمامها. * كان " فورد" رجل الأعمال المعروف يوظف عدداً كبيراً فى مصانعه من البكم. ظن البعض أنه يريد أن يصنع عملاً خيرياً، لكنه كان يريد قيادات عاملة وليس قيادات مثرثرة دون إنجاز حقيقى. أحبائى، متى نتحول من حضارة اللفظ إلى حضارة العمل؟ إن هذه الظاهرة التى تسود مجتمعنا تنطبق أيضاً على الكنيسة، فكم يحلو لنا الجلوس والثرثرة والمجادلات الطويلة المجهدة لكن دون إنجاز يُذكر. يعلّمنا الكتاب المقدس : عندما تدخل إلى بيت الله "لِتَكُنْ كَلِمَاتُكَ قَلِيلَةً" (جا 5 : 1 – 7) "لاَ تَكُونُوا مُعَلِّمِينَ كَثِيرِينَ يَا إِخْوَتِي، عَالِمِينَ أَنَّنَا نَأْخُذُ دَيْنُونَةً أَعْظَمَ!" (يع 3 : 1)، "16مُفْتَدِينَ الْوَقْتَ لأَنَّ الأَيَّامَ شِرِّيرَةٌ." (أف 5 : 16). ثانياً : التحرك (6 –10) : فى الأعداد 6و 7 "6هُوَذَا قَدْ سَمِعْنَا بِهِ فِي أَفْرَاتَةَ. وَجَدْنَاهُ فِي حُقُولِ الْوَعْرِ. 7لِنَدْخُلْ إِلَى مَسَاكِنِهِ. لِنَسْجُدْ عِنْدَ مَوْطِئِ قَدَمَيْهِ." هذه الكلمات تبرز لهفة كل الشعب من خلال تجاوبه مع قرار داود بإحضار التابوت من قرية يعاريم، وفى أذهانهم كيف ظل التابوت مدة عشرين سنة فى بيت أبيناداب – كما نعلم من (1 صم 7 : 1 ، 2). وترسم لنا الكلمات أيضاً فرقة ترنيم كاملة من داود والشعب، وتقدم هذه الفرقة قصة البحث عن التابوت وأحداث اكتشافه. تقول القصة إنهم سمعوا به فى أفراتة، ووجدوه فى حقول الوعر (2 صم : 2 – 12 ، 1 أخ 13 : 1-14). سميت هذه البقعة " بعلة يهوذا" (2 صم 6 : 2) أو"بعلة قرية يعاريم التى ليهوذا" (1 أخ 13 :6)، "والوعر" مفرد كلمة يعاريم فى العبرية، وقرية يعاريم تعنى قرية أو مدينة الغابات. "وأفراتة" هى بيت لحم وما جاورها (مي 5 : 2) وقرية يعاريم تعرف بأنها "كالب أفراتة" (1 أخ 2 : 24 مع عددى 4 ، 5) نسبة إلى أفراتة زوجة كالب وابنهما حور الذى سُمىّ (أبى بيت لحم )، وابنه شوبال يُسمى بدوره (أبو قرية يعاريم). وتحث كلمات هذين العددين كل الشعب أن يسرعوا فى إحضار التابوت إلى الهيكل، وأن يعبدوا الرب قدامه فى نداء يشبه الدعوة الواردة فى (مز 99 : 5 و9 ، 122 : 2)، وهى كلمات تشير إلى حرارة وغنى العبادة. ومن الملاحظ أن التابوت والله يشيران مرات إلى كيان واحد هو شخص الرب نفسه، يقول الكتاب "33فَارْتَحَلُوا مِنْ جَبَلِ الرَّبِّ مَسِيرَةَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ وَتَابُوتُ عَهْدِ الرَّبِّ رَاحِلٌ أَمَامَهُمْ مَسِيرَةَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ لِيَلتَمِسَ لهُمْ مَنْزِلاً. 34وَكَانَتْ سَحَابَةُ الرَّبِّ عَليْهِمْ نَهَاراً فِي ارْتِحَالِهِمْ مِنَ المَحَلةِ. 35وَعِنْدَ ارْتِحَالِ التَّابُوتِ كَانَ مُوسَى يَقُولُ: «قُمْ يَا رَبُّ فَلتَتَبَدَّدْ أَعْدَاؤُكَ وَيَهْرُبْ مُبْغِضُوكَ مِنْ أَمَامِكَ». 36وَعِنْدَ حُلُولِهِ كَانَ يَقُولُ: «ارْجِعْ يَا رَبُّ إِلى رَبَوَاتِ أُلُوفِ إِسْرَائِيل»." (عد 10 : 33 – 36)، ويقول أيضاً "وَوَقَفَ دَاوُدُ الْمَلِكُ وَقَالَ: «اِسْمَعُونِي يَا إِخْوَتِي وَشَعْبِي. كَانَ فِي قَلْبِي أَنْ أَبْنِيَ بَيْتَ قَرَارٍ لِتَابُوتِ عَهْدِ الرَّبِّ وَلِمَوْطِئِ قَدَمَيْ إِلَهِنَا, وَقَدْ هَيَّأْتُ لِلْبِنَاءِ." (1 أخ 28 : 2). فى (أعداد 8-10) "8قُمْ يَا رَبُّ إِلَى رَاحَتِكَ أَنْتَ وَتَابُوتُ عِزِّكَ. 9كَهَنَتُكَ يَلْبِسُونَ الْبِرَّ وَأَتْقِيَاؤُكَ يَهْتِفُونَ. 10مِنْ أَجْلِ دَاوُدَ عَبْدِكَ لاَ تَرُدَّ وَجْهَ مَسِيحِكَ.". يتحرك الموكب الآن نحو أبواب صهيون فى إتجاه الهيكل فى هتاف عظيم "قُمْ يَا رَبُّ إِلَى رَاحَتِكَ أَنْتَ وَتَابُوتُ عِزِّكَ" (8). إنهم يتذكرون الآن الأحداث المؤثرة التى صاحبت حضور التابوت فى (يش 3 : 14 – 17 ، 1صم 6 : 1-21)، وهى عبور الأردن وضربة الفلسطينيين عندما أخذوه، حتى أرسلوه إلى قرية يعاريم. ويتقدس الكهنة لحمل التابوت فى مشهد مهيب، وكلما تقدم الموكب حياّ الشعب التابوت بصيحات الفرح، "كَهَنَتُكَ يَلْبِسُونَ الْبِرَّ وَأَتْقِيَاؤُكَ يَهْتِفُونَ." (9) مع (إش 61 : 10). وفى (10) يتغير المشهد إلى قاعات الهيكل ويقدم الملك الصلوات والذبائح لنوال نعمة الرب. دعوة للعبادة الفاعلة : وهنا نرى حضور الله وطبيعة العبادة الحقيقية فى مفهومها وفى أساليب ممارستها، العبادة الحارّة الغنيّة والفعالّة فى تغييرها للحياة. إنها عبادة لإله قدوس عظيم ومهوب (إش 6 : 1-10)، ولذلك فهى تتطلب الخشوع والوقار والترتيب فى العبادة، والقداسة فى الحياة ككل، وهى عبادة لإله يعمل فينا وبنا، ولذلك فهى رد فعل طبيعى لهذا العمل. إن الإخلال بهذه المعادلة فى العبادة يبعدها عن مفهومها الكتابى الصحيح البعيد عن الجمود والجفاف والبعيد كذلك عن التشويش والسطحيّة، كما يفرغها من قوة فاعليتها وعمقها فى إشباع الحياة الروحية وتغييرها المستمر، وتجديد الحياة الكنسيّة الدائم، ولذلك نلاحظ التجاوب من الرب فى (عدد 16). أيضاً نجد تطبيقاً عملياً فى نفس القصة حول هذه المعادلة، فى أحداث إحضار التابوت. كانت هناك تجربة أولى (1 أخ 12 : 10 - 14) بدأت بالإهمال وانتهت بمأساة هى موت عُزَّة لتجاوزه المقدسات، وتُرك نتيجة لذلك التابوت فى بيت عوبيد أدوم الجتىّ ثلاثة أشهر. أما الإهمال فقد ظهر فى غياب الكهنة وعدم تقديسهم وعدم قيامهم بحمل التابوت على الأكتاف كما أمر الرب. ولذلك صَحًّح داود طريقه وقام بتجربة ثانية قال فيها للكهنة واللاويين "«أَنْتُمْ رُؤُوسُ آبَاءِ اللاَّوِيِّينَ, فَتَقَدَّسُوا أَنْتُمْ وَإِخْوَتُكُمْ وَأَصْعِدُوا تَابُوتَ الرَّبِّ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ إِلَى حَيْثُ أَعْدَدْتُ لَهُ. 13لأَنَّهُ إِذْ لَمْ تَكُونُوا فِي الْمَرَّةِ الأُولَى, اقْتَحَمَنَا الرَّبُّ إِلَهُنَا, لأَنَّنَا لَمْ نَسْأَلْهُ حَسَبَ الْمَرْسُومِ». 14فَتَقَدَّسَ الْكَهَنَةُ وَاللاَّوِيُّونَ لِيُصْعِدُوا تَابُوتَ الرَّبِّ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ. 15وَحَمَلَ بَنُو اللاَّوِيِّينَ تَابُوتَ اللَّهِ كَمَا أَمَرَ مُوسَى حَسَبَ كَلاَمِ الرَّبِّ بِالْعِصِيِّ عَلَى أَكْتَافِهِمْ." (1 أخ 15 : 12 – 15). وهكذا نرى فى هذه الأعداد المعادلة قائمة وكاملة : القداسة والفرح معاً. إنها العبادة بالروح والحق… بالروح كطبيعة الله ضد كل ما هو جسدانى وحرفى وشكلى، بل عبادة القلب. وبالحق الذى هو فكر الله وإرادته، ضد كل ما هو باطل أو وهمى أو خرافى .. وهى عبادة تجمع شعور العابد وفكره معاً، وتربط بين العقيدة والحياة اليوميّة، وبين دعم الحاضر والتطلع بأمل ورجاء إلى المستقبل. "1فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِرَأْفَةِ اللهِ أَنْ تُقَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ عِبَادَتَكُمُ الْعَقْلِيَّةَ. 2وَلاَ تُشَاكِلُوا هَذَا الدَّهْرَ بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ.". (رو 12 : 1 و 2) ثالثاً : الاستجابة (11– 18) : فى هذه الاستجابة يتوافق قسم الله مع قسم داود فى (2)، وتتوافق مواعيد الله مع صلوات كل الشعب فى (9 و10)، وتتمثل هذه الاستجابة فى نبوة من قسمين : الأول (11 و12) عن النسل والعهد : وهى كلمات وأسلوب ناثان النبى لداود (2 صم 7 : 1– 16) خاصــة الأعداد (14 – 16). وفى هذه النبوة نرى الوعد والالتزام (11)، والشرط والتحذير (12) وهذه الكلمات قريبة إلى الكلمات التى جاءت فى (مز 89 : 19 – 37). وفى هذه النبوة أبدل الله فكرة داود ببناء مسكن ثابت له من حجر (لأنه كان يفضل مسكناً متحركاً)، بفكرة حلوله فى جسد بشرى... فمسكن الرب (برغم العلاقة الخاصة بين الرب وبين الموقع المادى كما نرى فى 13 – 18) شخصى لا معمارى (أع 7 : 46– 50) كما جاء فى خطاب استفانوس.. وهنا تتجه النبوة إلى ابــن داود، إلـى المسيا، إلى"وَﭐلْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ مَجْداً كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ مَمْلُوءاً نِعْمَةً وَحَقّاً." (يو 1 : 14). الثانى (13 – 18) عن الموقع والشعب : وفى هذا القسم نرى ما يلى : أ) الاختيار(13 – 14) : وفى هذه الأعداد نجد ثراء ودفء وعود المحبة والاستجابة والتجاوب معها لكى تتحقق .. هنا التابوت أخذ مكانه، واستجيبت الصلاة فى (8) "قُمْ يَا رَبُّ إِلَى رَاحَتِكَ أَنْتَ وَتَابُوتُ عِزِّكَ."، ولذلك من الطبيعى والمناسب أن يكون الاختيار الدائم لصهيون التى اشتهاها الله كمكان لراحته إلى الأبـد. (انظر مزمور 46 : 4 ، 48 : 1-3، 87 : 1-3 ، 122: 6- 9) ونحن نعلم أن هذا الاختيار عندما أُسئ فهمه كلية، بسبب قساوة وأنانية الشعب، واستغلالهم له واتجارهم به، واستعلائهم على الآخرين بسببه بدلاً من أن يكونوا جسراً لكل الشعوب، فعندما أسئ فهمه تحقق هذا الاختيار فى شعب الرب الجديد، الكنيسة. ففى القسم الأول من النبوة ابن داود المسيا المخلص الرب الملك، وفى القسم الثانى الكنيسة عروس المسيح وجسده .. وهنا أهمية موقع الكنيسة مادياً وروحياً وأهمية الانتماء والانضمام لها. ب ) البركات (15 – 18) : وحيث حضور الرب فى كنيسته وبين شعبه فى العبادة وفى الحياة أفاح ناردينى رائحته فى البركات العديدة المادية والروحية : * الوفرة والشبع حتى للفقراء (15). * الخلاص والفرح للكهنة والشعب (16). * ازدهار واستمرار البيت والتاج الملكى (17و18) فى قوة ونقاء وجلال. والكلمة "قرناً" المستخدمة فى عدد 17 تشير إلى القوة والحيوية والخلق، وقد تذكرنا هذه الكلمة بعصا هارون التى أفرخت وتصديق الرب عليه كرئيس كهنة (عد 17 : 8). أما "السراج" فهى تشير إلى الوريث أو الحفيد (1 مل 11 : 36 ، 15 : 4 ، 2 أخ 21 : 7). أى أن البيت أو النسل لن يكون فارغاً أو مظلماً بعـد، بـل منتصراً ومزدهراً "وعليه يزهر إكليله". لقد بدأ المزمور بالمصاعب والذل والقرار الصعب، وانتهى بالمجد والازدهـار والانتصار. وهنا التـوازن الوثيـق فى الفكـر بين الطلبة (1، 8 – 10) والاستجابة (11 ، 14 ، 16 ، 17)، وهنا نرى: * دعوة للإنتظار الواثق : إن الاستجابـة والمكافـأة للأمنـاء يقينية "مـال إلـىّ وسمع صراخى" (مز 40 : 1)، "عالمين أن تعبكم ليس باطلاً فى الرب" (1 كو 15 : 58). لكن علينا أن ننتظر ذلك منه فى وقته بإيمان وصبر وتصحيح مسار دائم بلا فشل. لقد فشل داود فى إحضار التابوت فى المرة الأولى ومال به إلى بيت عوبيـد وبقـى هنـاك ثلاثة أشهر (1 أخ 13 : 12 – 14)، لكنه حاول مرة أخرى ونجح فى (1 أخ 15 : 1 – 15). إن الرب فى جوده ورحمته لا يقابلنـا بفشلنـا بـل يتجـاوب مع تصحيحنا ويحقق وعوده لنا (12). لقد فشل يشوع أمام عاى (يش 7 : 1 – 9)، لكنه صَحَّحَ مسار شعبــه (يش 10 – 26)، وحقق الرب انتصاره فى (يش 8). وفشل أيضاً بطرس وأنكر سيده، لكنه ندم وبكى، فظهر له الرب وشجعه وحَمّله مسئوولية الرعاية والخدمة (يو 21). لننتظر الرب بإيمان وثقة، بصبر ورجاء، بضمير صالح وقلب ملتهب، بيقين راسخ "أما منتظرو الرب فيجددون قوة يرفعون أجنحة كالنسور يركضون ولا يتعبون يمشون و لا يعيون" (إش 40 : 27 – 31). لنتمسك إذن بشخصه وكلمته، ولنحرص ولنحذر من اليأس : "إن توانت فانتظرها لأنها ستأتى إتياناً ولا تتأخر".(حب 2 : 3) * دعوة لتحقيق القصد : لقد اختارنا الله لنفسه لنكون ضمن شعبه، والطريق إلى تحقيق قصد الله هو أن نقبل عمل الرب وأن ننضم لشعب الرب : "وكان الرب يضم كل يوم إلى الكنيسة الذين يخلصون" (أع 2 : 47 ب)، ثم علينا أن نحقق هدف القصد والاختيار، لأن الله اختارنا بنعمته ومحبته، لا لفضل فينا ولكن لنكون بركة لمن حولنا فى انفتاح ووعىّ وحب لكل الناس، وليس فى انغلاق أو أنانّية أو استعلاء أو تعصب (تث 7 : 6 – 11، يو 15 : 16و17) |
||||
20 - 05 - 2012, 08:00 AM | رقم المشاركة : ( 15 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
مزمور 133 مسكن الاخوة 1هُوَذَا مَا أَحْسَنَ وَمَا أَجْمَلَ أَنْ يَسْكُنَ الإِخْوَةُ مَعاً! 2مِثْلُ الدُّهْنِ الطَّيِّبِ عَلَى الرَّأْسِ النَّازِلِ عَلَى اللِّحْيَةِ لِحْيَةِ هَارُونَ النَّازِلِ إِلَى طَرَفِ ثِيَابِهِ. 3مِثْلُ نَدَى حَرْمُونَ النَّازِلِ عَلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ. لأَنَّهُ هُنَاكَ أَمَرَ الرَّبُّ بِالْبَرَكَةِ حَيَاةٍ إِلَى الأَبَدِ. هذا المزمور يعتبر واحد من مزامير الحكمة والتى تشمل أيضاً مزامير 1، 49 ، 73 ، 127، وهو قصيدة رائعة زاخرة بالحيوية عن الروح الجماعيّة والوحدة الأخويّة، وفيه يمتدح الكاتب روح الأخوة وروح الصفاء والود الدائم حينما يجتمع شعب الله من كل حدب وصوب بنفس واحدة ولهم هدف واحد. ويعتقد البعض أن هذا المزمور كان يُستخدم بعد السبىّ لتشجيع الراجعين من العبوديّة على السكن فى أورشليم، وكأنى بالكاتب يعطى ويقدم فى ترنيمته الطمأنينة والأمان، وأنه لن يكون هناك ذل وسبىّ وعبوديّة، بل حيث يجتمع الإخوة وحيث يتآخى الجميع هناك البركة. (نح 11 : 1)"وَسَكَنَ رُؤَسَاءُ الشَّعْبِ فِي أُورُشَلِيمَ. وَأَلْقَى سَائِرُ الشَّعْبِ قُرَعاً لِيَأْتُوا بِوَاحِدٍ مِنْ عَشَرَةٍ لِلسُّكْنَى فِي أُورُشَلِيمَ مَدِينَةِ الْقُدْسِ وَالتِّسْعَةِ الأَقْسَامِ فِي الْمُدُنِ." (عزرا 3 : 1)"وَلَمَّا اسْتُهِلَّ الشَّهْرُ السَّابِعُ وَبَنُو إِسْرَائِيلَ فِي مُدُنِهِمُِ اجْتَمَعَ الشَّعْبُ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ إِلَى أُورُشَلِيمَ." أما البعض الآخر من الشّراح فيعتقد أن هذا المزمور يشير إلى اجتماع كل إسرائيل حول داود فى حبرون (2 صم 5 : 1 - 5) "1وَجَاءَ جَمِيعُ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ إِلَى دَاوُدَ إِلَى حَبْرُونَ قَائِلِينَ: «هُوَذَا عَظْمُكَ وَلَحْمُكَ نَحْنُ. 2وَمُنْذُ أَمْسِ وَمَا قَبْلَهُ، حِينَ كَانَ شَاوُلُ مَلِكاً عَلَيْنَا، قَدْ كُنْتَ أَنْتَ تُخْرِجُ وَتُدْخِلُ إِسْرَائِيلَ. وَقَدْ قَالَ لَكَ الرَّبُّ: أَنْتَ تَرْعَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ، وَأَنْتَ تَكُونُ رَئِيساً عَلَى إِسْرَائِيلَ». 3وَجَاءَ جَمِيعُ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ إِلَى الْمَلِكِ إِلَى حَبْرُونَ، فَقَطَعَ الْمَلِكُ دَاوُدُ مَعَهُمْ عَهْداً فِي حَبْرُونَ أَمَامَ الرَّبِّ. وَمَسَحُوا دَاوُدَ مَلِكاً عَلَى إِسْرَائِيلَ. 4كَانَ دَاوُدُ ابْنَ ثَلاَثِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ، وَمَلَكَ أَرْبَعِينَ سَنَةً. 5فِي حَبْرُونَ مَلَكَ عَلَى يَهُوذَا سَبْعَ سِنِينٍ وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ. وَفِي أُورُشَلِيمَ مَلَكَ ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ سَنَةً عَلَى جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا." إلا أن حياة داود التالية كانت مأساوية وحَلَّ السيف فيها بدل السلام (2 صم 12 : 10) "وَالآنَ لاَ يُفَارِقُ السَّيْفُ بَيْتَكَ إِلَى الأَبَدِ، لأَنَّكَ احْتَقَرْتَنِي وَأَخَذْتَ امْرَأَةَ أُورِيَّا الْحِثِّيِّ لِتَكُونَ لَكَ امْرَأَةً." ويعتقد فريق ثالث من العلماء أن هذا المزمور كان يستخدم فى الأعياد الثلاثة حين يجتمع اليهود من كل مكان فى الهيكل فى أورشليم للتعبد. فما أجمل وما أعذب وجود الاخوة معاً فى بيت الرب فى يوم الرب ... بالنسبة للكاتب : يعترض البعض على أن داود هو كاتب هذا المزمور حيث لم يُذكر اسمه فى الترجمة السبعينية وبعض الترجمات القديمة الأخرى، ويقولون إن اللغة المستخدمة تنم عن حداثة نظمه، لكننا نجده - أى داود - مذكوراً فى النص العبرى الأصلى. وهنا ينقسم الفكر فى المزمور إلى نقطتين : أولاً : الوحدة ومظاهرها : 1- الجمال (1) : "هُوَذَا مَا أَحْسَنَ وَمَا أَجْمَلَ أَنْ يَسْكُنَ الإِخْوَةُ مَعاً!". يُعتبر هذا العدد محور المزمور كله حيث أن الأعـداد التى تليـــه هى تشبيهات تشرحه. والكلمة "هوذا" يُراد منها شد الانتباه إلى الحقيقة المحوريّة، إذ يصور لنا الكاتب عظم وجمال وبهجة وجود الإخوة معاً، فما أحسن أن يترابط الإخوة معاً دون أى تنازع أو تصارع ، بل فى محبة وسلام وتآخ. وما أجمل هذا المنظر بالنسبة للرب. ما أجمل أن يرى الإخوة فى ارتباط كامل يربطهم هدف واحد ورؤية ورسالة واحدة. وعبارة " يَسْكُنَ الإِخْوَةُ مَعاً" تشير إلى العادات الشرقية واليهودية خاصة فى الميل إلى العيش فى مساكن متجاورة متلاصقة (حارة اليهود)، وفى مجتمع ما بعد السبىّ اعتاد الناس على السفر والهجرة والتفرق، وافتقد الجميع وجود كل الإخوة معاً. وهذه العبارة لها مشابه فى: (تث 25 : 5 و 6) "5«إِذَا سَكَنَ إِخْوَةٌ مَعاً وَمَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَليْسَ لهُ ابْنٌ فَلا تَصِرِ امْرَأَةُ المَيِّتِ إِلى خَارِجٍ لِرَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ. أَخُو زَوْجِهَا يَدْخُلُ عَليْهَا وَيَتَّخِذُهَا لِنَفْسِهِ زَوْجَةً وَيَقُومُ لهَا بِوَاجِبِ أَخِي الزَّوْجِ. 6وَالبِكْرُ الذِي تَلِدُهُ يَقُومُ بِاسْمِ أَخِيهِ المَيِّتِ لِئَلا يُمْحَى اسْمُهُ مِنْ إِسْرَائِيل." وتركز على العائلة الكبيرة التى تسكن معاً فى مساكن متجاورة، ولذلك فهم البعض أن العبارة تركز على العلاقات الأسرية كنموذج اجتماعى هام، لكن البعض الآخر رأى أن تشمل أيضاً الإطار الأوسع، الكنيسة والأمة ككل (تك 13 : 8) "8فَقَالَ أَبْرَامُ لِلُوطٍ: «لاَ تَكُنْ مُخَاصَمَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَكَ وَبَيْنَ رُعَاتِي وَرُعَاتِكَ لأَنَّنَا نَحْنُ أَخَوَانِ." (خر 2 : 11) "11وَحَدَثَ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ لَمَّا كَبِرَ مُوسَى أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى إِخْوَتِهِ لِيَنْظُرَ فِي أَثْقَالِهِمْ فَرَأَى رَجُلاً مِصْرِيّاً يَضْرِبُ رَجُلاً عِبْرَانِيّاً مِنْ إِخْوَتِهِ" (أع 7 : 26) "26وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي ظَهَرَ لَهُمْ وَهُمْ يَتَخَاصَمُونَ فَسَاقَهُمْ إِلَى السَّلاَمَةِ قَائِلاً: أَيُّهَا الرِّجَالُ أَنْتُمْ إِخْوَةٌ. لِمَاذَا تَظْلِمُونَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً؟" 2- الكرم والقوة (2) : " مِثْلُ الدُّهْنِ الطَّيِّبِ عَلَى الرَّأْسِ النَّازِلِ عَلَى اللِّحْيَةِ لِحْيَةِ هَارُونَ النَّازِلِ إِلَى طَرَفِ ثِيَابِهِ.". هذا هو التشبيه الأول الذى يقدمه المرنم : الدهن الطيب له قيمة عظيمة جداً فى مكوناته، ونستطيع أن نرى ذلك بوضوح فى: (خر 29 : 7) " وَتَأْخُذُ دُهْنَ الْمَسْحَةِ وَتَسْكُبُهُ عَلَى رَأْسِهِ وَتَمْسَحُهُ." (خر30 : 22 - 30) "22وَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: 23«وَأَنْتَ تَأْخُذُ لَكَ أَفْخَرَ الأَطْيَابِ. مُرّاً قَاطِراً خَمْسَ مِئَةِ شَاقِلٍ وَقِرْفَةً عَطِرَةً نِصْفَ ذَلِكَ: مِئَتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَقَصَبَ الذَّرِيرَةِ مِئَتَيْنِ وَخَمْسِينَ 24وَسَلِيخَةً خَمْسَ مِئَةٍ بِشَاقِلِ الْقُدْسِ وَمِنْ زَيْتِ الزَّيْتُونِ هِيناً. 25وَتَصْنَعُهُ دُهْناً مُقَدَّساً لِلْمَسْحَةِ. عِطْرَ عِطَارَةٍ صَنْعَةَ الْعَطَّارِ. دُهْناً مُقَدَّساً لِلْمَسْحَةِ يَكُونُ. 26وَتَمْسَحُ بِهِ خَيْمَةَ الاِجْتِمَاعِ وَتَابُوتَ الشَّهَادَةِ 27وَالْمَائِدَةَ وَكُلَّ آنِيَتِهَا وَالْمَنَارَةَ وَآنِيَتَهَا وَمَذْبَحَ الْبَخُورِ 28وَمَذْبَحَ الْمُحْرَقَةِ وَكُلَّ آنِيَتِهِ وَالْمِرْحَضَةَ وَقَاعِدَتَهَا - 29وَتُقَدِّسُهَا فَتَكُونُ قُدْسَ أَقْدَاسٍ. كُلُّ مَا مَسَّهَا يَكُونُ مُقَدَّساً. 30وَتَمْسَحُ هَارُونَ وَبَنِيهِ وَتُقَدِّسُهُمْ لِيَكْهَنُوا لِي." وكذلك الغرض الذى يعد من أجله. وسكب الزيت أو الدهن الطيب الثمين على الرأس شىء معتاد فى الشرق إذ كان المضيف يسكب الدهن بغــزارة علــى رأس ضيفـه حتى يغمر لحيته: (مز 23 : 5) " تُرَتِّبُ قُدَّامِي مَائِدَةً تُجَاهَ مُضَايِقِيَّ. مَسَحْتَ بِالدُّهْنِ رَأْسِي. كَأْسِي رَيَّا." فيصل إلى الدهن إلى طرف ثيابه، وهـى تعنى حرفياً "فم ثيابه". لكن هنا يشير إلى مسح هارون كرئيس كهنة، وكل رؤساء الكهنة من بعده لهذا الزيت (الدهن) المقدس لتقديسهم. وصورة الوحدة هنا تظهر بأجلى معانيها فى أن الزيت أو الدهن يسيل حتى يصل إلى حجرى الجزع على صدرة هارون، وهما يحملان أسماء الأسباط الاثنى عشر، وكأنه بذلك يغمر كل الأسباط بالبركة ويشملهم وهم فى وحدة كاملة وارتباط أخوى بزيت البركة. وهذه ولاشك أعظم صورة لاجتماع الإخوة معاً رغم المسافات والشتات، فهو حين يجتمع فى أورشليم يصبح شعب الله الواحد المتآخى. وكون الكاتب يعطى هذه الصورة البديعة فى تشبيهه، فهو يريد أن يوضح عظمتها وجمالها فى الاجتماع معاً. 3- المحبة (3 أ) : ثم يقدم لنا الكاتب فى العدد 3 تشبيهه الثانى : " مِثْلُ نَدَى حَرْمُونَ النَّازِلِ عَلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ." وهنا نجد عدة آراء نسردها على النحو التالى : 1- المقصود هنا ليس هو جبل صهيون الذى فى أورشليم ، ولكن "سيئون" الذى هو جزء من حرمون أو هو اسم آخر لحرمون وهذا واضح فى (تث 4 : 48) "...إِلى جَبَلِ سِيئُونَ (الذِي هُوَ حَرْمُونُ)" 2- لا يوجد ارتباط بين حرمون وصهيون، لأن ندى حرمون لا يمكن أن يصل إلى صهيون. لذلك رُفض هذا العدد. 3- ربما حدث خطأ فى نقل الحروف العبرية، فالمقصود هنا ليس هو "صهيون" بل "عيون". ونحن نعلم أن حرف ال (ص) فى العبرية يشــابه حرف ال (ع) و "عيون" هو اسم بلد بجانب جبـل حرمون (1 مل 15 : 20) " فَسَمِعَ بَنْهَدَدُ لِلْمَلِكِ آسَا وَأَرْسَلَ رُؤَسَاءَ الْجُيُوشِ الَّتِي لَهُ عَلَى مُدُنِ إِسْرَائِيلَ، وَضَرَبَ عُيُونَ وَدَانَ وَآبَلَ بَيْتِ مَعْكَةَ وَكُلَّ كِنَّرُوتَ مَعَ كُلِّ أَرْضِ نَفْتَالِي." 4- أما الرأى الرابع فهو أن النص صحيح وأن كل هذه الاعتراضات باطلة وهناك الحقيقة الثابتة التى تتضح بأكثر لمعان مع كل يوم من أيام التاريخ، وإن كل اعتراض على الكتاب المقدس لابد أن يرتد على صاحبه، أما تعليل هذه الكلمات فهو أن الأسلوب الشعرى ملىء بالتشبيهات. والمقصود هنا أن الندى يغمر كل الشعب، كل إسرائيل، من أقصاها إلى أقصاها العالى كحرمون والمنخفض كصهيون، ولقد ذكر جبل حرمون هنا لأن الثلج يظل على قمته على مدار السنة كلها، الذى يهطل منه الندى وينزل بكثرة طوال العام. ويقال أن هذا الندى كان يجعل خيامهم فى الليلة الجافة مبللة كما لو كانت تمطر طوال الليل. ويغمر الندى الأرض - كما يغمر البشر - بالجمال والحيوية والإثمار والخصب ويلف ويوحد الجميع بمشاعر دافئة منعشة. وكما يأتى الندى من أعالى الجبال لكى يلطف الهواء حوله لا سيما بعد أوقات الجفاف التى تحيط بجبال اليهودية، هكذا فإن المحبة الأخوية تلطف الحياة الإنسانية وتنعشها. هذا هو الهدف من الربط بين جبل حرمون وجبل صهيون فى وحدة تامة فى التأثير والتعبير، رغم التباعد الجغرافى فى المسافة. ثانياً : الوحدة والموقف : 1- موقف الرب منها: البركة الإلهية : "هُنَاكَ أَمَرَ الرَّبُّ بِالْبَرَكَةِ حَيَاةٍ إِلَى الأَبَدِ." (3 ب). عندما ينظر الرب إلى جماعة المؤمنين فيجدها فى تآخ ومحبة وعشرة طيبة، لاشك أن هذا يفرح قلب الآب، فقد انتهى الصراع والتنافس والغيرة والتناحر، ولم يعد يطلب التلاميذ منه أن يبقى واحد عن اليمين والآخر عن اليسار، لذلك يأمر الرب بالبركة: (لا 25 : 21) "فَإِنِّي آمُرُ بِبَرَكَتِي لَكُمْ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ فَتَعْمَلُ غَلَّةً لِثَلاَثِ سِنِينَ." (تث 28 : 8) "يَأْمُرُ لكَ الرَّبُّ بِالبَرَكَةِ فِي خَزَائِنِكَ وَفِي كُلِّ مَا تَمْتَدُّ إِليْهِ يَدُكَ وَيُبَارِكُكَ فِي الأَرْضِ التِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ." وما أعظمها بركة أن نكون فى روح المحبة والترابط والتآخى والسلام ، هناك حيث هو يحيا معنا إلى الأبد، بركة شاملة غامرة من حرمون إلى صهيون. والعبارة تركز بشدة على المبادرة الإلهية (أَمَرَ الرَّبُّ بِالْبَرَكَةِ) بركة الشىء الذى يستطيع الله وحده أن يعطيه "حياة إلى الأبد" أى الوعد بحياة متجددة ناهضة ممتدة: (مز 132 : 14 - 17) "14[هَذِهِ هِيَ رَاحَتِي إِلَى الأَبَدِ. هَهُنَا أَسْكُنُ لأَنِّي اشْتَهَيْتُهَا. 15طَعَامَهَا أُبَارِكُ بَرَكَةً. مَسَاكِينَهَا أُشْبِعُ خُبْزاً. 16كَهَنَتَهَا أُلْبِسُ خَلاَصاً وَأَتْقِيَاؤُهَا يَهْتِفُونَ هُتَافاً. 17هُنَاكَ أُنْبِتُ قَرْناً لِدَاوُدَ. رَتَّبْتُ سِرَاجاً لِمَسِيحِي." كبركة للانسجـام والسلام والتناغم، "هناك" حيث الوحدة والادراك الواعى للدور والرسالة والزمن، أو "هناك" حيث التفرق والتمزق والتشرذم يتم تدمير الجماعة وانقسام الأمة كما تم أيام داود نفسه. هذه النوعية من الحياة المتجددة الممتدة بركة أمر بها الرب، الدهن نازل من الرأس إلى الثياب، والندى نازل من حرمون إلى جبل صهيون، والحياة المتجددة بركة نازلة من الرب إلى الشعب فى غنى وغزارة. 2- موقفنا منها : التجاوب والجهد : من كل ما سبق يتضح أن البركة نتيجة الوحدة والمحبة وسكن الإخوة معاً. ولأنها نتيجة الوحدة، ولكى نضمن البركة، نحتاج إلى جهد لصناعة الوحدة والسلام، ونحتاج إلى جهد اكبر لصيانة الوحدة والسلام. نحتاج إلى حب صادق، وإلى وعى ناضج، وإلى فهم مستنير لقيمة التنوع الغنى فى إطار الوحدة، تنوع الأفكار والمواهب والشخصيات والأساليب، ووحدة القلب والصف والهدف والرسالة والمصلحة العامة، نحتاج إلى توازن رائع بين تميز الفرد وحريته وكرامته من جهة وصالح الجماعة وتماسكها وأمنها ومستقبلها، وإلى تدرب وقدرة على الحوار المتحضر الراقى الموضوعى، وإلى نظرة كلية شاملة لا تتوقف وتختلف وتنقسم وتتحطم حول الجزئيات، وإلى روح وثابة تستنير من خبرات الماضى لكنها تتطلع بقوة إلى المستقبل، وإلى إدراك لعنصر الزمن وقيمة الوقت ، والاندفاع بقوة فى تيار الحياة، بثقة وإيجابية للبناء، لا بريبة وتشكيك فى كل إنجاز للهدم، أو تضخيم السلبيات والعجز، بل التكتل وتحقيق الأهداف. وحيث يسكن الاخوة معاً هناك يأمر الرب بالبركة، حياة إلى الأبد، حياة السلام والثمر والبهجة. وبالاجمال، نحتاج إلى قوة الروح القدس التى تفجر فينا المحبة، وتنير الأذهان والبصائر والضمائر، وتثير الوعىّ والإدراك، وتجمع أولاد الله المتفرقين إلى واحد لأن كل بيت منقسم على ذاته يسقط، وكل مملكة منقسمة على ذاتها تخرب: (لو 11 : 17) "فَعَلِمَ أَفْكَارَهُمْ وَقَالَ لَهُمْ: «كُلُّ مَمْلَكَةٍ مُنْقَسِمَةٍ عَلَى ذَاتِهَا تَخْرَبُ وَبَيْتٍ مُنْقَسِمٍ عَلَى بَيْتٍ يَسْقُطُ." بعض مجالات إظهار الوحدة نحتاج إلى كل هذا لنعمق الوحدة ولنختبر البركة فى مجالات ثلاثة : المجال الأول : الأسرة البيت المؤسس على الصخر، على شخص الرب يسوع وعلى كلمته: (مت 7 : 24 - 27) "24«فَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالِي هَذِهِ وَيَعْمَلُ بِهَا أُشَبِّهُهُ بِرَجُلٍ عَاقِلٍ بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الصَّخْرِ. 25فَنَزَلَ الْمَطَرُ وَجَاءَتِ الأَنْهَارُ وَهَبَّتِ الرِّيَاحُ وَوَقَعَتْ عَلَى ذَلِكَ الْبَيْتِ فَلَمْ يَسْقُطْ لأَنَّهُ كَانَ مُؤَسَّساً عَلَى الصَّخْرِ. 26وَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالِي هَذِهِ وَلاَ يَعْمَلُ بِهَا يُشَبَّهُ بِرَجُلٍ جَاهِلٍ بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الرَّمْلِ. 27فَنَزَلَ الْمَطَرُ وَجَاءَتِ الأَنْهَارُ وَهَبَّتِ الرِّيَاحُ وَصَدَمَتْ ذَلِكَ الْبَيْتَ فَسَقَطَ وَكَانَ سُقُوطُهُ عَظِيماً!»." فى ارتباط وتفاهم وإحساس مشترك .. هنا أمر الرب بالبركة حياة إلى الأبد للزوجين معاً وللوالدين والأبناء ككل. لقد طالعتنا الصحف قبل بعض الوقت بخبر طالب الثانوى الذى قتل أخاه الذى يبلغ من العمر أربع سنوات وأخته الجامعية بنت السبع عشرة سنة، والنتيجة الأب مشلول والأم منهارة والشاب فى الأحداث. لقد دمرت الأسرة وانهدمت بالكامل بسبب الإهمال والإنقسام والتمييز بين الأبناء. إلى هذا الحد تصدق من جديد كلمات المسيح : كل بيت منقسم على ذاته يسقط، لذا فما أحوجنا إلى الوحدة على المستوى الأسرى. المجال الثانى : الكنيسة إن النهضة والامتداد كبركة وحياة فى الكنيسة مرتبط بوحدتها وسلامها، والكتاب المقدس وتاريخ الكنيسة يشهدان بذلك. ولذلك يركـز الرسول بولس فى كل كنيسة على حتميـة وضرورة تحقيق الوحدة، ولعل الرسالة إلى أهل فيلبى خيـر شـاهـد عـلى ذلك: (فى1 : 27) "فَقَطْ عِيشُوا كَمَا يَحِقُّ لإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ، حَتَّى إِذَا جِئْتُ وَرَأَيْتُكُمْ، أَوْ كُنْتُ غَائِباً أَسْمَعُ أُمُورَكُمْ أَنَّكُمْ تَثْبُتُونَ فِي رُوحٍ وَاحِدٍ، مُجَاهِدِينَ مَعاً بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ لإِيمَانِ الإِنْجِيلِ،" (فى2 : 2 - 4) "2فَتَمِّمُوا فَرَحِي حَتَّى تَفْتَكِرُوا فِكْراً وَاحِداً وَلَكُمْ مَحَبَّةٌ وَاحِدَةٌ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، مُفْتَكِرِينَ شَيْئاً وَاحِداً، 3لاَ شَيْئاً بِتَحَزُّبٍ أَوْ بِعُجْبٍ، بَلْ بِتَوَاضُعٍ، حَاسِبِينَ بَعْضُكُمُ الْبَعْضَ أَفْضَلَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ. 4لاَ تَنْظُرُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا هُوَ لِنَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا هُوَ لآخَرِينَ أَيْضاً." (فى2 : 14 - 15) "14اِفْعَلُوا كُلَّ شَيْءٍ بِلاَ دَمْدَمَةٍ وَلاَ مُجَادَلَةٍ، 15لِكَيْ تَكُونُوا بِلاَ لَوْمٍ، وَبُسَطَاءَ، أَوْلاَداً للهِ بِلاَ عَيْبٍ فِي وَسَطِ جِيلٍ مُعَوَّجٍ وَمُلْتَوٍ، تُضِيئُونَ بَيْنَهُمْ كَأَنْوَارٍ فِي الْعَالَمِ." (فى4 : 2 - 3) "2أَطْلُبُ إِلَى أَفُودِيَةَ وَأَطْلُبُ إِلَى سِنْتِيخِي أَنْ تَفْتَكِرَا فِكْراً وَاحِداً فِي الرَّبِّ. 3نَعَمْ أَسْأَلُكَ أَنْتَ أَيْضاً، يَا شَرِيكِي الْمُخْلِصَ، سَاعِدْ هَاتَيْنِ اللَّتَيْنِ جَاهَدَتَا مَعِي فِي الإِنْجِيلِ، مَعَ أَكْلِيمَنْدُسَ أَيْضاً وَبَاقِي الْعَامِلِينَ مَعِي، الَّذِينَ أَسْمَاؤُهُمْ فِي سِفْرِ الْحَيَاةِ." إن الكنائس المحلية والكنيسة العامة فى حاجة ماسة إلى رسالة الكتاب المقدس بخصوص هذا الأمر، فلا رجاء فى حياة ورسالة متجددة مع انقسام وتجذر وتشتت القوى: (أع 9 : 31) "وَأَمَّا الْكَنَائِسُ فِي جَمِيعِ الْيَهُودِيَّةِ وَالْجَلِيلِ وَالسَّامِرَةِ فَكَانَ لَهَا سَلاَمٌ وَكَانَتْ تُبْنَى وَتَسِيرُ فِي خَوْفِ الرَّبِّ وَبِتَعْزِيَةِ الرُّوحِ الْقُدُسِ كَانَتْ تَتَكَاثَرُ." وإن كانت الطوائف المختلفة، كتعبيرات مختلفة عن أشكال متنوعة للعبادة، حقيقة لا يمكن الهروب أو التنصل منها، إلا أن ذلك لا يمكن أن يمنع الكنيسة الحقيقية من التواصل والاتحاد لأجل تحقيق رسالتها وأهدافها العامة لنشر ملكوت الله. لقد كان وليم تمبل ابناً لرئيس أساقفة، لكنه تشرب علاقات المحبة مع الكنائس الأخرى وعمل على خلق روح التفهم المتبادل وابتكار طرق جديدة للتعاون بين الكنائس، وهكذا ساهم تمبل بقوة فى ايجاد الحركة المسكونية ومجلس الكنائس العالمى. المجال الثالث : المجتمع والمنطقة العربية والعالم من الضرورى أن يلتف أبناء المجتمع الواحد حول الأهداف المرجو تحقيقها، هذه القاعدة تنطبق على بلادنا كما وعلى كل الدول الأخرى، فيجب حشد كل قوى وطاقات المجتمع ونحن فى هذه المرحلة الدقيقة من تاريخنا الحديث، يجب أن نحفظ بلادنا من كل صراعات أو انقسام يمكن أن يهدد أو يعيق مسيرة التقدم للمستقبل. ولعلنا نلاحظ أن كل الاتجاهات اليوم تسعى نحو التكتل والوحدة وتجمع القوى، ونحن نرى ذلك فى كل مناطق العالم، وها نحن نرى الوحدة الأوربية قد صارت حقيقة ماثلة. زالت الحدود وتوحدت العملة وأنشئت الأسواق الموحدة، فهل آن الأوان لنرى شيئاً مماثلاً على مستوى المنطقة العربية؟ كان روبرت سيسل ابن رئيس وزراء محافظ، ولقد صدمته الحرب العالمية الأولى إذ رأى وعانى مما رآه من الآلام والحروب وما جرته على البشر. وكانت نتيجة معاناته وأفكاره ظهور عصبة الأمم التى فتحت الطريق بعد ذلك لوجود الأمم المتحدة. ويتذكر الكل أنه أخذ كلمات المزمور القديم وصاغها فى قرينة جديدة أعطته معنى جديد وقوة جديدة |
||||
20 - 05 - 2012, 08:01 AM | رقم المشاركة : ( 16 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
مزمور 134 مطلب البركة 1هُوَذَا بَارِكُوا الرَّبَّ يَا جَمِيعَ عَبِيدِ الرَّبِّ الْوَاقِفِينَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ بِاللَّيَالِي. 2ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ نَحْوَ الْقُدْسِ وَبَارِكُوا الرَّبَّ. 3يُبَارِكُكَ الرَّبُّ مِنْ صِهْيَوْنَ الصَّانِعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ. بركة العبادةبهذا المزمور تنتهى أغنيات السفر والمقصودة هنا بترانيم المصاعد، بنغمة التسبيح، ومشهد العبادة الدائم فى هيكل الرب، الذى يشمل كل الشعب مع الكهنة واللاويين وكل آلات الغناء: (مزمور 150) "1هَلِّلُويَا. سَبِّحُوا اللهَ فِي قُدْسِهِ. سَبِّحُوهُ فِي فَلَكِ قُوَّتِهِ. 2سَبِّحُوهُ عَلَى قُوَّاتِهِ. سَبِّحُوهُ حَسَبَ كَثْرَةِ عَظَمَتِهِ. 3سَبِّحُوهُ بِصَوْتِ الصُّورِ. سَبِّحُوهُ بِرَبَابٍ وَعُودٍ. 4سَبِّحُوهُ بِدُفٍّ وَرَقْصٍ. سَبِّحُوهُ بِأَوْتَارٍ وَمِزْمَارٍ. 5سَبِّحُوهُ بِصُنُوجِ التَّصْوِيتِ. سَبِّحُوهُ بِصُنُوجِ الْهُتَافِ. كُلُّ نَسَمَةٍ فَلْتُسَبِّحِ الرَّبَّ. هَلِّلُويَا." ويقول المفسرون إن هذه الأغنية كانت تستخدم إما فى نهاية العبادة عند خروج الشعب كبركة ختاميّة، أو فى نهاية خدمة تكريسيّة، أو فى الاحتفال بعيد المظال: (زك 14 : 16) "وَيَكُونُ أَنَّ كُلَّ الْبَاقِي مِنْ جَمِيعِ الأُمَمِ الَّذِينَ جَاءُوا عَلَى أُورُشَلِيمَ يَصْعَدُونَ مِنْ سَنَةٍ إِلَى سَنَةٍ لِيَسْجُدُوا لِلْمَلِكِ رَبِّ الْجُنُودِ وَلِيُعَيِّدُوا عِيدَ الْمَظَالِّ." وليــس فى عيد الفصح: (خر 12 : 18 - 20) "18فِي الشَّهْرِ الأَوَّلِ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ مَسَاءً تَأْكُلُونَ فَطِيراً إِلَى الْيَوْمِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ مَسَاءً. 19سَبْعَةَ أَيَّامٍ لاَ يُوجَدْ خَمِيرٌ فِي بُيُوتِكُمْ. فَإِنَّ كُلَّ مَنْ أَكَلَ مُخْتَمِراً تُقْطَعُ تِلْكَ النَّفْسُ مِنْ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ الْغَرِيبُ مَعَ مَوْلُودِ الأَرْضِ. 20لاَ تَأْكُلُوا شَيْئاً مُخْتَمِراً. فِي جَمِيعِ مَسَاكِنِكُمْ تَأْكُلُونَ فَطِيراً»." ويتأكد لنا هذا التخمين عند فهم الإشارة الواردة " الْوَاقِفِينَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ بِاللَّيَالِي." لأن عيد المظـال يستـمر سبعــة أيام: (لا 23 : 39 - 43) "39أَمَّا الْيَوْمُ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ السَّابِعِ فَفِيهِ عِنْدَمَا تَجْمَعُونَ غَلَّةَ الأَرْضِ تُعَيِّدُونَ عِيداً لِلرَّبِّ سَبْعَةَ أَيَّامٍ. فِي الْيَوْمِ الأَوَّلِ عُطْلَةٌ وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ عُطْلَةٌ. 40وَتَأْخُذُونَ لأَنْفُسِكُمْ فِي الْيَوْمِ الأَوَّلِ ثَمَرَ أَشْجَارٍ بَهِجَةٍ وَسَعَفَ النَّخْلِ وَأَغْصَانَ أَشْجَارٍ غَبْيَاءَ وَصَفْصَافَ الْوَادِي وَتَفْرَحُونَ أَمَامَ الرَّبِّ إِلَهِكُمْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ. 41تُعَيِّدُونَهُ عِيداً لِلرَّبِّ سَبْعَةَ أَيَّامٍ فِي السَّنَةِ فَرِيضَةً دَهْرِيَّةً فِي أَجْيَالِكُمْ. فِي الشَّهْرِ السَّابِعِ تُعَيِّدُونَهُ. 42فِي مَظَالَّ تَسْكُنُونَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ. كُلُّ الْوَطَنِيِّينَ فِي إِسْرَائِيلَ يَسْكُنُونَ فِي الْمَظَالِّ. 43لِكَيْ تَعْلَمَ أَجْيَالُكُمْ أَنِّي فِي مَظَالَّ أَسْكَنْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا أَخْرَجْتُهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ. أَنَا الرَّبُّ إِلَهُكُمْ»." والأغنية عبارة عن مطلب للشعب أو تحية فى شكل هتـاف منه فى عددىّ (1و2)، أو من اللاويين نيابة عن الشعب، ثم الرد من الكهنة فى العدد الثالث. والأغنية - ككل مجموعة ترانيم المصاعد - ترجع إلى فترة ما بعد السبىّ Postexilic . والفكرة الرئيسية التى تتكرر فى كل الأعداد سواء فى مطلب الشعب أو فى رد الكهنة عليهم هى"البركة" والتى نراها فى عبارتىّ : "َبَارِكُوا الرَّبَّ" و" يُبَارِكُكَ الرَّبُّ" . وينقسم هذا المزمور إلى فكرتين : أولاً : مطلب الشعب (1و2) عدد 1 : " هُوَذَا" نفس الاستهلال الموجود فى مز133 : 1، ويقصد بهذه الكلمة جذب الانتباه والتأكيد .. "َبَارِكُوا الرَّبَّ" أى سبحِّوه واعبدوه بالطريقة اللائقة التى تعلن عن عظمة وصلاح الرب. وهذه الدعوة لتكريم الرب إله إسرائيل هى الدعوة التى يتبناها العهد القديم كله، فيقول المرنم فى: (مز66 : 8) " بَارِكُوا إِلَهَنَا يَا أَيُّهَا الشُّعُوبُ وَسَمِّعُوا صَوْتَ تَسْبِيحِهِ." وكذلك القصة الواردة فى يش 22 خاصة الأعداد: (1، 9 - 16 ، 26 - 29 ، 32 و 33) "1حِينَئِذٍ دَعَا يَشُوعُ الرَّأُوبَيْنِيِّينَ وَالْجَادِيِّينَ وَنِصْفَ سِبْطِ مَنَسَّى.. 9فَرَجَعَ بَنُو رَأُوبَيْنَ وَبَنُو جَادَ وَنِصْفُ سِبْطِ مَنَسَّى، وَذَهَبُوا مِنْ عِنْدِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ شِيلُوهَ الَّتِي فِي أَرْضِ كَنْعَانَ لِيَسِيرُوا إِلَى أَرْضِ جِلْعَادَ، أَرْضِ مُلْكِهِمِ الَّتِي تَمَلَّكُوا بِهَا حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ عَلَى يَدِ مُوسَى. 10وَجَاءُوا إِلَى دَائِرَةِ الأُرْدُنِّ الَّتِي فِي أَرْضِ كَنْعَانَ. وَبَنَى بَنُو رَأُوبَيْنَ وَبَنُو جَادَ وَنِصْفُ سِبْطِ مَنَسَّى هُنَاكَ مَذْبَحاً عَلَى الأُرْدُنِّ، مَذْبَحاً عَظِيمَ الْمَنْظَرِ. 11فَسَمِعَ بَنُو إِسْرَائِيلَ قَوْلاً: «هُوَذَا قَدْ بَنَى بَنُو رَأُوبَيْنَ وَبَنُو جَادَ وَنِصْفُ سِبْطِ مَنَسَّى مَذْبَحاً فِي وَجْهِ أَرْضِ كَنْعَانَ فِي دَائِرَةِ الأُرْدُنِّ مُقَابَِلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ». 12وَلَمَّا سَمِعَ بَنُو إِسْرَائِيلَ اجْتَمَعَتْ كُلُّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي شِيلُوهَ لِيَصْعَدُوا إِلَيْهِمْ لِلْحَرْبِ. 13فَأَرْسَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى بَنِي رَأُوبَيْنَ وَبَنِي جَادَ وَنِصْفِ سِبْطِ مَنَسَّى إِلَى أَرْضِ جِلْعَادَ، فِينَحَاسَ بْنَ أَلِعَازَارَ الْكَاهِنَ 14وَعَشَرَةَ رُؤَسَاءَ مَعَهُ، رَئِيساً وَاحِداً مِنْ كُلِّ بَيْتِ أَبٍ مِنْ جَمِيعِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ، كُلُّ وَاحِدٍ رَئِيسُ بَيْتِ آبَائِهِمْ فِي أُلُوفِ إِسْرَائِيلَ. 15فَجَاءُوا إِلَى بَنِي رَأُوبَيْنَ وَبَنِي جَادَ وَنِصْفِ سِبْطِ مَنَسَّى إِلَى أَرْضِ جِلْعَادَ، وَقَالَ لَهُمْ: 16«هَكَذَا قَالَتْ كُلُّ جَمَاعَةِ الرَّبِّ: مَا هَذِهِ الْخِيَانَةُ الَّتِي خُنْتُمْ بِهَا إِلَهَ إِسْرَائِيلَ، بِالرُّجُوعِ الْيَوْمَ عَنِ الرَّبِّ، بِبُنْيَانِكُمْ لأَنْفُسِكُمْ مَذْبَحاً لِتَتَمَرَّدُوا الْيَوْمَ عَلَى الرَّبِّ؟.. 26فَقُلْنَا نَصْنَعُ نَحْنُ لأَنْفُسِنَا. نَبْنِي مَذْبَحاً، لاَ لِلْمُحْرَقَةِ وَلاَ لِلذَّبِيحَةِ، 27بَلْ لِيَكُونَ هُوَ شَاهِداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ وَبَيْنَ أَجْيَالِنَا بَعْدَنَا، لِنَخْدِمَ خِدْمَةَ الرَّبِّ أَمَامَهُ بِمُحْرَقَاتِنَا وَذَبَائِحِنَا وَذَبَائِحِ سَلاَمَتِنَا، وَلاَ يَقُولُ بَنُوكُمْ غَداً لِبَنِينَا: لَيْسَ لَكُمْ قِسْمٌ فِي الرَّبِّ. 28وَقُلْنَا: يَكُونُ مَتَى قَالُوا كَذَا لَنَا وَلأَجْيَالِنَا غَداً، أَنَّنَا نَقُولُ: انْظُرُوا شِبْهَ مَذْبَحِ الرَّبِّ الَّذِي عَمِلَ آبَاؤُنَا، لاَ لِلْمُحْرَقَةِ وَلاَ لِلذَّبِيحَةِ، بَلْ هُوَ شَاهِدٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ. 29حَاشَا لَنَا مِنْهُ أَنْ نَتَمَرَّدَ عَلَى الرَّبِّ وَنَرْجِعَ الْيَوْمَ عَنِ الرَّبِّ لِبِنَاءِ مَذْبَحٍ لِلْمُحْرَقَةِ أَوِ التَّقْدِمَةِ أَوِ الذَّبِيحَةِ، عَدَا مَذْبَحِ الرَّبِّ إِلَهِنَا الَّذِي هُوَ قُدَّامَ مَسْكَنِهِ».. 32ثُمَّ رَجَعَ فِينَحَاسُ بْنُ أَلِعَازَارَ الكَاهِنِ وَالرُّؤَسَاءُ مِنْ عِنْدِ بَنِي رَأُوبَيْنَ وَبَنِي جَادَ مِنْ أَرْضِ جِلْعَادَ إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَرَدُّوا عَلَيْهِمْ خَبَراً. 33فَحَسُنَ الأَمْرُ فِي أَعْيُنِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَبَارَكَ بَنُو إِسْرَائِيلَ اللّهَ، وَلَمْ يَفْتَكِرُوا بِالصُّعُودِ إِلَيْهِمْ لِلْحَرْبِ وَتَخْرِيبِ الأَرْضِ الَّتِي كَانَ بَنُو رَأُوبَيْنَ وَبَنُو جَادَ سَاكِنِينَ بِهَا." ولقد ظهر دور المغنين اللاويين الذين كانوا مكرسيّن للرب ولخدمته ليلاً ونهاراً: (تث 10 : 8) "فِي ذَلِكَ الوَقْتِ أَفْرَزَ الرَّبُّ سِبْطَ لاوِي لِيَحْمِلُوا تَابُوتَ عَهْدِ الرَّبِّ وَلِيَقِفُوا أَمَامَ الرَّبِّ لِيَخْدِمُوهُ وَيُبَارِكُوا بِاسْمِهِ إِلى هَذَا اليَوْمِ." (1 أخ 9 : 33) "فَهَؤُلاَءِ هُمُ الْمُغَنُّونَ رُؤُوسُ آبَاءِ اللاَّوِيِّينَ فِي الْمَخَادِعِ، وَهُمْ مُعْفَوْنَ، لأَنَّهُ نَهَاراً وَلَيْلاً عَلَيْهِمِ الْعَمَلُ." (1 أخ 25) وهذا الدور حدّده موسى، لكن بعدما استراح تابوت الله فى مكانه جدّد داود مسؤولياتهم وهى: (1 أخ 23 : 30) ".. الْوُقُوفِ كُلَّ صَبَاحٍ لِحَمْدِ الرَّبِّ وَتَسْبِيحِهِ وَكَذَلِكَ فِي الْمَسَاءِ" (2 أخ 29 : 11) "يَا بَنِيَّ لاَ تَضِلُّوا الآنَ لأَنَّ الرَّبَّ اخْتَارَكُمْ لِتَقِفُوا أَمَامَهُ وَتَخْدِمُوهُ وَتَكُونُوا خَادِمِينَ وَمُوقِدِينَ لَهُ" ولذلك يقول المرنم هنا " الْوَاقِفِينَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ بِاللَّيَالِي" إشارة إلى اللاويين "كعبيد الرب" وأنهم رمز لكل الشعب المعيّد فى عيد المظال . عدد 2 : " ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ" (مز 28 : 2) ".. وَأَرْفَعُ يَدَيَّ إِلَى مِحْرَابِ قُدْسِكَ." (مز 63 : 4 ب) ".. بِاسْمِكَ أَرْفَعُ يَدَيَّ" إن هذه العبارة المتكررة تشير إلى اعتقاد أن الأيدى المرفوعة تمتلىء بقوة بركة الكاهن للشعب ... "نحو القــدس" قد تشير هذه الكلمة إلى حال المتعبدين فتعنى (العبــادة فى قداسـة) وفى هذا المعنى يقول الرسول بولس: (1 تى 2 : 8) "رَافِعِينَ أَيَادِيَ طَاهِرَةً " أو قد تعـنـى (المكان المقدس).. فى إشـارة إلى قداسة أماكن العبادة "ببيتك تليق القداسة". ثانياً : رد الكهنة (3) "يُبَارِكُكَ الرَّبُّ" (لا 9 : 22 ، 23) "22ثُمَّ رَفَعَ هَارُونُ يَدَهُ نَحْوَ الشَّعْبِ وَبَارَكَهُمْ وَانْحَدَرَ مِنْ عَمَلِ ذَبِيحَةِ الْخَطِيَّةِ وَالْمُحْرَقَةِ وَذَبِيحَةِ السَّلاَمَةِ. 23وَدَخَلَ مُوسَى وَهَارُونُ إِلَى خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ ثُمَّ خَرَجَا وَبَارَكَا الشَّعْبَ. فَتَرَاءَى مَجْدُ الرَّبِّ لِكُلِّ الشَّعْبِ" وقد تشير إلى البركة الكهنوتية الواردة فى: (عد 6 : 23 – 26) "23«قُل لِهَارُونَ وَبَنِيهِ: هَكَذَا تُبَارِكُونَ بَنِي إِسْرَائِيل: 24يُبَارِكُكَ الرَّبُّ وَيَحْرُسُكَ. 25يُضِيءُ الرَّبُّ بِوَجْهِهِ عَليْكَ وَيَرْحَمُكَ. 26يَرْفَعُ الرَّبُّ وَجْهَهُ عَليْكَ وَيَمْنَحُكَ سَلاماً." إن عبارة "َبَارِكُوا الرَّبَّ" الواردة فى مطلب الشعب تهدف إلى التعرف على شخص الرب. من هو؟ وماذا عمل ويعمل؟ وتقدم الشكر والحمد له لأجل كل مراحمه وإحساناته. أما "يُبَارِكُكَ الرَّبُّ" فيقصد بها تحول الإنسان أو تغيير الإنسان إلى حالة مختلفة أفضل من التى عليها الآن فعلاً، وأن يحقق له ويعطيه ما ليس عنده بالفعل. وجاءت بالمفرد لتخصص البركة لكل عابد على حدة. وهنا يُرى الله أنه "الصَّانِعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ"، فهو إله القوة الخالقة دائماً، المتجدد فى عطاياه بلا حدود، وهو أيضاً يبارك "من صهيون" ، وهى المكان الخاص المحدد الذى يمكن الوصول إليه .. فالله وبركاته قريب منا جداً وكما أن وصاياه قريبة: (تث 30 : 11 – 14) "11«.. ليْسَتْ عَسِرَةً عَليْكَ وَلا بَعِيدَةً مِنْكَ. 12ليْسَتْ هِيَ فِي السَّمَاءِ .. 13وَلا هِيَ فِي عَبْرِ البَحْرِ.. 14بَلِ الكَلِمَةُ قَرِيبَةٌ مِنْكَ جِدّاً فِي فَمِكَ وَفِي قَلبِكَ.." (رو 10 : 6 - 8) "6وَأَمَّا الْبِرُّ الَّذِي بِالإِيمَانِ فَيَقُولُ هَكَذَا: «لاَ تَقُلْ فِي قَلْبِكَ مَنْ يَصْعَدُ إِلَى السَّمَاءِ؟» (أَيْ لِيُحْدِرَ الْمَسِيحَ) 7أَوْ «مَنْ يَهْبِطُ إِلَى الْهَاوِيَةِ؟» (أَيْ لِيُصْعِدَ الْمَسِيحَ مِنَ الأَمْوَاتِ) 8لَكِنْ مَاذَا يَقُولُ؟ «اَلْكَلِمَةُ قَرِيبَةٌ مِنْكَ فِي فَمِكَ وَفِي قَلْبِكَ» (أَيْ كَلِمَةُ الإِيمَانِ الَّتِي نَكْرِزُ بِهَا)" كذلك أيضاً شخصه قريب. صحيح أنه لا يسكن فى هياكل مصنوعة بالأيادى، وصحيح أن السموات وسماء السموات لا تسعه، لكنه رغم ذلك عن كل واحد منا ليس بعيداً: (أع 17 : 27) "لِكَيْ يَطْلُبُوا اللهَ لَعَلَّهُمْ يَتَلَمَّسُونَهُ فَيَجِدُوهُ مَعَ أَنَّهُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا لَيْسَ بَعِيداً." وكما أن جبل صهيون الحقيقى يوجد حيث يوجد وسيط العهد الجديد، يسوع، وملكه وسط شعبه، كما فى: (عب 12 : 22 – 24) "22بَلْ قَدْ أَتَيْتُمْ إِلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ، وَإِلَى مَدِينَةِ اللهِ الْحَيِّ: أُورُشَلِيمَ السَّمَاوِيَّةِ، وَإِلَى رَبَوَاتٍ هُمْ مَحْفِلُ مَلاَئِكَةٍ، 23وَكَنِيسَةِ أَبْكَارٍ مَكْتُوبِينَ فِي السَّمَاوَاتِ، وَإِلَى اللهِ دَيَّانِ الْجَمِيعِ، وَإِلَى أَرْوَاحِ أَبْرَارٍ مُكَمَّلِينَ، 24وَإِلَى وَسِيطِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ: يَسُوعَ، وَإِلَى دَمِ رَشٍّ يَتَكَلَّمُ أَفْضَلَ مِنْ هَابِيلَ." فهناك أيضاً "أَمَرَ الرَّبُّ بِالْبَرَكَةِ حَيَاةٍ إِلَى الأَبَدِ." (مز 133 : 3). هذا المزمور يضعنا أمام بعض المفاهيم الخاصة بالعبادة الحقيقية والتى يمكن تلخيصها فى النقاط الأربع التالية : 1- إن العبادة الحقيقيّة ترتبط برؤيتنا لله ولعمله العظيم جداً .. القريب جداً الله الخالق، والفادى، والمخلص .... الله الملك والملجأ. 2- وعلى هذا لابد أن تشتمل العبادة الحقيقيّة على الفرح والابتهاج والتوقير والتبجيل معاً ... فالعبادة Worship فى الأصل هى Worthship أى استحقاق الله للاكرام والحب والسجود والمجد اللائق به، وبالإجمال "قَدِّمُوا لِلرَّبِّ مَجْدَ اسْمِهِ." (مز 96 : 8). إنها تحتوى على معانى الخضوع والانبطاح والطاعة والجهاد فى حياة القداسة .. خضوع الإرادة، وتحديد اتجاه القلب نحو الله، ويقين الإيمان والرجاء والمحبة: (مز 95 : 1 - 11) "1هَلُمَّ نُرَنِّمُ لِلرَّبِّ نَهْتِفُ لِصَخْرَةِ خَلاَصِنَا. 2نَتَقَدَّمُ أَمَامَهُ بِحَمْدٍ وَبِتَرْنِيمَاتٍ نَهْتِفُ لَهُ. 3لأَنَّ الرَّبَّ إِلَهٌ عَظِيمٌ مَلِكٌ كَبِيرٌ عَلَى كُلِّ الآلِهَةِ. 4الَّذِي بِيَدِهِ مَقَاصِيرُ الأَرْضِ وَخَزَائِنُ الْجِبَالِ لَهُ. 5الَّذِي لَهُ الْبَحْرُ وَهُوَ صَنَعَهُ وَيَدَاهُ سَبَكَتَا الْيَابِسَةَ. 6هَلُمَّ نَسْجُدُ وَنَرْكَعُ وَنَجْثُو أَمَامَ الرَّبِّ خَالِقِنَا 7لأَنَّهُ هُوَ إِلَهُنَا وَنَحْنُ شَعْبُ مَرْعَاهُ وَغَنَمُ يَدِهِ. الْيَوْمَ إِنْ سَمِعْتُمْ صَوْتَهُ 8فَلاَ تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ كَمَا فِي مَرِيبَةَ مِثْلَ يَوْمِ مَسَّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ 9حَيْثُ جَرَّبَنِي آبَاؤُكُمُ. اخْتَبَرُونِي. أَبْصَرُوا أَيْضاً فِعْلِي 10أَرْبَعِينَ سَنَةً مَقَتُّ ذَلِكَ الْجِيلَ وَقُلْتُ: [هُمْ شَعْبٌ ضَالٌّ قَلْبُهُمْ وَهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا سُبُلِي]. 11فَأَقْسَمْتُ فِي غَضَبِي لاَ يَدْخُلُونَ رَاحَتِي!" 3- هذه العبادة الحقيقيّة مغيّرة للمتعبدين، فمن خلالها يخلق الله فينا باستمرار عملاً جديداً ويطور شخصياتنا، من خلال بركته وعطاياه التى بلا حدود. 4- هذه البركة مرتبطة برب الكون خالق السموات والأرض نعم ، لكنها أيضاً مرتبطة برب الكون الذى جاء إلينا فى المسيح يسوع كوسيط العهد الجديد وسكن فى كنيسته ووسط شعبه.. إن بركة وقوة العبادة مرتبطة بمفهوم الكنيسة كشعب ومكان خاص محدد تنساب فيه بركة الله إلى الشعب المصلى والمتعبد. ببيتك تليق القداسة يارب.. (مز 122 : 1) "فَرِحْتُ بِالْقَائِلِينَ لِي: [إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ نَذْهَبُ]." (مز 84 : 1 - 2) "1مَا أَحْلَى مَسَاكِنَكَ يَا رَبَّ الْجُنُودِ. 2تَشْتَاقُ بَلْ تَتُوقُ نَفْسِي إِلَى دِيَارِ الرَّبِّ." ولعل ذلك يمثل اللوم الإلهى الرقيق لأولئك الذين - عن بساطة أو عدم فهم - يتخلون عن العبادة الكنسيّة ويهجرون الكنسيّة إلى اجتماعات البيوت |
||||
20 - 05 - 2012, 10:14 AM | رقم المشاركة : ( 17 ) | ||||
..::| مشرفة |::..
|
شكرااااااااااااااااااااا جدااااااااااا
مستر مجدى ربنا يبارك خدمتك الجميله |
||||
20 - 05 - 2012, 10:25 AM | رقم المشاركة : ( 18 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
شكراً أختى مارى على مرورك الجميل
|
||||
22 - 05 - 2012, 06:22 PM | رقم المشاركة : ( 19 ) | ||||
† Admin Woman †
|
مشاركة جميلة جدا ربنا يفرح قلبك |
||||
22 - 05 - 2012, 06:42 PM | رقم المشاركة : ( 20 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
شكراً أختى مارى على مرورك الجميل
|
||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
مزامير المصاعد |
مزامير المصاعد |
مزامير المصاعد |
مزامير المصاعد | ترانيم المصاعد |
مزامير المصاعد |