رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
"بَاطِلُ الأَبَاطِيلِ، قَالَ الْجَامِعَةُ: بَاطِلُ الأَبَاطِيلِ، الْكُلُّ بَاطِلٌ. مَا الْفَائِدَةُ لِلإِنْسَانِ مِنْ كُلِّ تَعَبِهِ الَّذِي يَتْعَبُهُ تَحْتَ الشَّمْسِ؟" [2-3]. السؤال الذي أثاره الكثيرون: لماذا يُدعى العالم باطلًا وهو من صُنع الله كلّيْ الصلاح؟ بمعنى آخر: هل يخلق الله الصالح أمرًا بلا نفع؟ يرى الله أن كل ما خلقه "حسن" أو "صالح" (تك 1: 10، 12، 18، 31)؛ لكن الإنسان وقد فسد ذهنه وطبيعته وبصيرته الداخلية أساء النظرة إلى العالم كما أساء استخدامه له، فصار العالم باطلًا. العالم الذي هو من صنع الله صالح، خُلق لأجل الإنسان ليعمل فيه ويبتهج... أما وقد تحطم الإنسان في طبيعته لم يعد يُحقق العالم غايته كخادم له. * إن كانت (الخليقة) هي أعمال الله، فكيف تكون باطلة؟ إن النزاع في هذا الأمر كبير. ولكن اسمعوا أيها المحبوبين؛ ليست أعمال الله هي التي ندعوها باطلة، حاشا لله! السماء ليست باطلة؛ الأرض ليست باطلة، حاشا! ولا الشمس ولا القمر ولا الكواكب، ولا أجسادنا.كلا! فإن هذه جميعها حسنة جدًا (تك 1: 31). إذن، ما هو الباطل؟ لنسمع الجامعة نفسه، إذ يقول: "غرست لنفسي كرومًا، اتخذت لنفسي مغنين ومغنيات، عملت لنفسي برك مياه، وكانت ليّ قنية بقر وغنم، جمعت لنفسي أيضًا فضة وذهبًا، فرأيت هذه كلها باطلة" (راجع جا 2: 4-8). كما يقول: "باطل الأباطيل الكل باطل" (جا 12: 8). اسمع أيضًا ما يقوله النبي: "يذخر ذخائر ولا يدري من يضُمها" (مز 39: 6).مثل هذا باطل، مبانيك الفاخرة، وغناك الزائد جدًا وقطيع العبيد الذي يتدافع في الميدان العام، مجدك الباطل وأُبهتك، أفكارك المتشامخة، وتفاخرك؛ هذه كلها باطلة، فأنها ليست من يدّ الله إنما هي من عملك.ولماذا هي باطلة؟ لأنه ليس لها غاية نافعة. القديس يوحنا الذهبي الفم يُحدثنا القديس يوحنا الذهبي الفمفي مقاله: "لا يقدر أحد أن يؤذي إنسانًا ما لم يُؤذِ الإنسان نفسه" عن مفهوم الصلاح في شيء من التوسع، موضحًا أن العالم بكل ما فيه ليس صالحًا في ذاته ولا شريرًا، إنما استخدام الإنسان له يُحوله إلى الصلاح أو الشر. فمن يستخدم المال في الشر، يكون بالنسبة له شرًا، ومن يسند به إخوته المحتاجين يكون بالنسبة له بركة إلخ...أخيرًا يرى القديس أغسطينوسأنهيليق بالمؤمن أن ينقل ممتلكاته الزمنية إلى الحياة الحقة خلال الصدقة، إذ يقول: [يلزم التمسك بالحياة الحقة، فننقل غنانا إلى موضع الحياة الحقة، فنجد هناك ما قدمناه هنا. أنه (الله) يُتمم هذا التحويل لممتلكاتنا ذاك الذي صنع التحول لنفوسنا]. السيِّد المسيح الذي أجلسنا في السمويات ينقل مالنا إلى السماء! إن كان الإنسان بفساد طبيعته وذهنه وبصيرته الداخلية جعل العالم باطلًا، لكن يبقى الإنسان في عينيّ الله أثمن من العالم كله! "ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟!" (مت 16: 26). فقد خلق الله العالم لأجل الإنسان، لا الإنسان لأجل العالم. لهذا يليق بالإنسان في جهاده وتعبه سواء في حياته الخاصة أو الأسرية أو العمل أو في عبادته ألاَّ يحوّل نظره عن حياته الداخلية وشبعها بالله نفسه. لهذا يُحذرنا الجامعة من كل جهاد يفقد الإنسان فيه غايته، قائلًا: "ما الفائدة للإنسان من كل تعبه الذي يتعبه تحت الشمس؟!" [3]. تعبنا في حياتنا اليومية وفي عبادتنا لن يقدر أن يُشبع النفس، ويكفّر عن خطيتها، ويشفي جراحاتها، ويُقدسها، ما لم نتكئ على صدر المخلص بالإيمان العملي ونطلب عمل روحه القدُّوس فينا. * يُحسب بر الإنسان كلا شيء. عمل البشر، ما هو؟ تعبه كله باطل. منك يا رب، وبنعمتك تصير طبيعتنا صالحة. منك البر؛فنصير نحن البشر أبرارًا. منك الرحمة والنعمة. فنتحول من التراب إلى صورتك. أعطِ قوة لإرادتنا فلا نغرق في الخطية. القديس مار أفرام السرياني مادمنا "تحت الشمس"، نخضع للتجارب ونُعاني من حرارتها (مت 20: 12). ولن ننتفع شيئًا من كل تعبنا، أما إن قبلنا شمس البر فينا فيحملنا فوق كل تجربة شريرة، ولا يقدر لهيب الشهوات أن يمس أعماقنا الداخلية. يحملنا شمس البر بروحه القدُّوس لتنعم النفس بعربون المجد الأبدي، فنقول: "أجلَسنا معه في السمويات" (أف 2: 6).* يُشير بالتعب هنا [3] إلى حياة الجسد التي لا تطلب منافع في أي عمل صالح. إنها تقول: "ما الفائدة للإنسان؟"، أي ماذا تجتني النفس من كل تعب الحياة، وذلك في حياة الذين يعيشون فقط من أجل الكماليَّات. القديس غريغوريوس أسقف نيصص |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|