رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
هل ألزم المسيح نفسه بثقافة وخرافات بني عصره مع ارتفاع وتيرة الهجوم على الكتاب المقدس من قِبَل رواد النقد الأعلى والمعلمين الليبراليين، ظهرت على الساحة نظريات نقدية تُقلّل من سلامة أسفار العهد القديم عامة، وأسفار موسى الخمسة خاصة، مُدعيين أنها تحوي خرافات وأساطير هي وليدة خيال الجانب الإنساني في كتابة الوحي، أو هي نقلٌ من خرافات وروايات أقدم زمنًا لكتابة التوراة، كالأسطورة البابلية للخلق (الأينوما إيليش Enuma Elish)، وملحمة جلجامش للطوفان. ولقد أفسحنا مساحة للرد على هذه النظريات المُلفَّقة في الجزء الأول لملف قضايا معاصرة. لكن عندما قمنا بالرد على هذه الادعاءات وتفنيدها وإظهار كذبها تاريخيًا ومنطقيًا وكتابيًا، معتمدين على مصادقة المسيح أيام جسده على العهد القديم بكل أسفاره ورواياته، ظهرت هاتان البدعتان: البدعة الأولى: أن المسيح الزم نفسه بثقافة بني جيله، وبمعتقداتهم التي استقوها من العهد القديم بصحيحها وخطئها. أو من المحتمل أنه لم يقصد أن أحداث العهد القديم تلك حدثت بالفعل، ولكنه قصد فقط أن اليهود اعتقدوا أنها حدثت. وهو ما يعني أنه كان فقط يتكيف مع معتقدات اليهودي، أي أنه يقول: ”كما تؤمنون بيونان، يجب أن تؤمنوا بقيامتي“! البدعة الثانية: قد يكون المسيح أخطأ لمحدوديته البشرية، مثلما قال إنه لا يعلم الساعة ولا الوقت، فهو محدود المعرفة كإنسان، ولم يعلم أن روايتي الخلق والطوفان أساطير. وهنا وجب علينا الرد على هذه الأسئلة الهامة: هل فعلاً ألزم المسيح بثقافة بني عصره ولم يُصحِّحها أو يُقَوّمها؟ هل كانت معرفة المسيح الإنسانية المحدودة عاجزة عن تمييز الروايات الصحيحة من الأساطير والخرافات؟ كيف نظر المسيح إلى كل أسفار العهد القديم؟ أولاً: هل فعلاً ألزم المسيح بثقافة بني عصره ولم يُصحِّحها أو يقوِّمها؟ دعونا في البداية نؤكد أن شخصية المسيح - تبارك اسمه - لم تكن هي شخصية الموائم والمفاوض السياسي ، تلك الشخصية التي تقتضي إنشاء مساحة رمادية حيادية لكسب قضية أو تابعين. بل كانت شخصية المسيح شخصية واضحة صريحة مميزة، لا يتصالح مع الخطأ، دون مجاملات، مترفقة بالضعيف دون تنازلات. وهناك بدل الموقف عشرات المواقف التي واجه فيها المسيح معتقدات وتقاليد وممارسات خاطئة بكل شجاعة وجرأة، مُفتتحًا مواجهاته للقادة الفاسدين بهذه العبارة: «ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون». إن نظرية التكيّف هذه لا تتوافق مع شخصية المسيح. فهو مثلا: لم يتهاون مع الخطإ، ولم يتكيَّف مع معتقدات اليهود كما يرجِّح بعض الليبراليين، ولكنه وبَّخهم وصحَّح أخطاءهم مرارًا بدءًا بالتوبيخ العلني الصريح: «وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْقَادَةُ الْعُمْيَانُ! الْقَائِلُونَ: مَنْ حَلَفَ بِالْهَيْكَلِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلَكِنْ مَنْ حَلَفَ بِذَهَبِ الْهَيْكَلِ يَلْتَزِمُ. أَيُّهَا الْجُهَّالُ وَالْعُمْيَانُ أَيُّمَا أَعْظَمُ: أَلذَّهَبُ أَمِ الْهَيْكَلُ الَّذِي يُقَدِّسُ الذَّهَبَ؟ وَمَنْ حَلَفَ بِالْمَذْبَحِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلَكِنْ مَنْ حَلَفَ بِالْقُرْبَانِ الَّذِي عَلَيْهِ يَلْتَزِمُ. أَيُّهَا الْجُهَّالُ وَالْعُمْيَانُ أَيُّمَا أَعْظَمُ: أَلْقُرْبَانُ أَمِ الْمَذْبَحُ الَّذِي يُقَدِّسُ الْقُرْبَانَ؟ فَإِنَّ مَنْ حَلَفَ بِالْمَذْبَحِ فَقَدْ حَلَفَ بِهِ وَبِكُلِّ مَا عَلَيْهِ، وَمَنْ حَلَفَ بِالْهَيْكَلِ فَقَدْ حَلَفَ بِهِ وَبِالسَّاكِنِ فِيهِ» (مت٢٣: ١٦-٢١). كذلك قام بتصحيح تفسيراتهم الخاطئة للعهد القديم عندما واجه الموروث الخاطئ من محاولات دمج تعاليم الرابيين الشخصية مع ناموس الله فقال: «سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ» (مت٥: ٤٣، ٤٤). إننا نلاحظ هنا أن القول «تُحِبُّ قَرِيبَكَ» هو الوارد في ناموس الله في لاويين ١٩: ١٨ لكن عدد ٤٤ «وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ» هو إضافة إنسانية من معلمي اليهود، لذلك قاومها المسيح، وصحح المفاهيم انتهاءً إلى قلب الموائد في الهيكل (مت٢١؛ مر١١؛ يو٢٩). فهو لم يتهاون في أي شيء، ولم يتهاون في حق العهد القديم. من خلال الإشارات السابقة نخلُص إلى نتيجة هامة ألا وهي أن شخصية المسيح ليست هي الشخصية التي ترى خطأً ولا تقاومه أو تصححه. وبما أن المسيح أشار في أحاديثه إلى الطوفان وأيام نوح (مت٢٤: ٣٧؛ لو١٧: ٢٦)، وأشار إلى شخصيتي آدم وحواء كأول زوجين (مت١٩: ٤؛ لو١٠: ٦)، وأشار إلى حادثة يونان النبي عندما كان في بطن الحوت (مت١٢: ٣٩-٤١)، فبكل تأكيد هي مصادقة إلهية وتاريخية على صحة حدوثها. ثانيًا: هل كانت معرفة المسيح الإنسانية المحدودة عاجزة عن تمييز الروايات الصحيحة من الأساطير والخرافات؟ ينبغي لنا ألا ننسى مطلقًا أن المسيح وهو على الأرض كان في ذات الوقت هو الله السرمدي كلي القدرة والمعرفة والتواجد. ففي ناسوت المسيح يحل كل الملء. لكن بحسب المشيئة الأزلية ارتضى المسيح أن يأخذ مركز الاتضاع كالعبد المطيع، وتعبيراته المتكررة في ثوب الاتضاع أن أبيه أعظم منه، لا تنفي عنه الألوهية، بل تثبت كماله الإنساني كابن الإنسان، وبالتالي وجب أن نُميز بين سوء المعرفة ومحدودية المعرفة كابن الإنسان المتضع. فالمسيح كابن الإنسان ارتضى أن يأخذ مركز الاتضاع، ويستقبل من الآب ما أراد الآب أن يُعرِّفه إياه، لكن مع التشديد والتأكيد أن كل ما عرَّفه إياه الآب كان صحيحًا صحة مطلقة، لأنه لم يُعلِّم إلا ما علَّمه الآب إياه (يو٨: ٢٨؛ ١٧: ٨، ١٤). لكن من ناحية أخرى شهد يسوع عن صدق كلامه قائلاً: «اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَنِ وَلَكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ» (مت٢٤: ٣٥) ثالثًا: كيف نظر المسيح إلى كل أسفار العهد القديم؟ لقد كان الرب يسوع - كإنسان كامل - هو مستودع شريعة الله. فكما كان التابوت قديمًا يحوي داخله لوحي شريعة الله، كذلك كانت كل شريعة الله داخل المسيح، وكان يُقدِّر نصوصها وحروفها ونقاطها أشد تقدير، وظهرت مصادقة المسيح على كل أسفار العهد القديم في المواقف التالية: (١) عندما انتصر على الشيطان المُجرِّب في التجربة على الجبل (مت٤: ٤، ٧، ١٠)، استخدم اقتباسات ثلاثة من سفر التثنية (تث٦: ١٣، ١٦؛ ٨: ٣). كذلك في مواضع أخرى كثيرة في العهد الجديد تقترب من ٩٢ موضعٍ، دعم المسيح ورسله أقواله بكلمة ”مكتوب“، ثم اقتباس من العهد القديم. كل هذا يؤكد أن المسيح اعتبر العهد القديم هو الحق الذي يطرد به أقوى أعدائه. (٢) كذلك في عظته الخالدة على الجبل أشار المسيح إلى ثبات أقوال الله وعدم زوالها قائلاً: «لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لِأُكَمِّلَ. فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ» (مت٥: ١٧، ١٨). فلقد قدَّر المسيح الكلمة والحرف والنقطة. ولا يوجد أقوى مما قدّمه المسيح من هذه الكلمات تعبر عن ثبات الكلمة المكتوبة. (٣) أشار المسيح إلى استحالة انفصام عُرى المكتوب أو انفصال ترابطه معًا عندما قال: «لاَ يُمْكِنُ أَنْ يُنْقَضَ الْمَكْتُوبُ» (يو١٠: ٣٥)، في سياق رده على مَن اتهموه بالتجديف مُقتبسًا من مزمور ٨٢: ٦. كذلك قال للآب في يوحنا ١٧: ١٧ «كلاَمُكَ هُوَ حَقٌّ». (٤) أشار المسيح إلى عصمة الكتاب من أي خطإ عندما حاول الأعداء الصدوقيون اصطياد المسيح بسؤال فأجابهم: «تَضِلُّونَ إِذْ لاَ تَعْرِفُونَ الْكُتُبَ وَلاَ قُوَّةَ اللَّهِ» (مت٢٢: ٢٩). فلو كانت هذه الكتب تحوي خرافات أو ضلالات ما كان وجَّههم إلى ضرورة معرفتها. (٥) صادق المسيح على تاريخية نوح والطوفان ويونان والحوت (مت٢٤: ٣٧، ٣٨؛ مت١٢: ٤٠)، وتاريخية الخلق (مر١٣: ١٩)، وآدم وحواء (مت١٩: ٤، ٥)، وسدوم وعمورة (لو١٠: ١٢)، وموسى والعليقة المتقدة (لو٢٠: ٣٧)، كذلك أشار إلى دانيآل النبي (مت٢٤: ١٥)، رغم أن الكثير من النقاد يقولون إن دانيآل لم يكن إلا مؤرخًا. والنقاد يزعمون أن سفر دانيآل كُتِب بعد زمن دانيآل، لأنه من المستحيل أن يتنبأ بكل تلك النبوات. وهنا أيضًا ينكشف تحيُّزهم ضد المعجزة. (٦) اقتبس المسيح عدة أجزاء محدَّدة من سفر إشعياء (مثلاً: مت١٣: ١٤، ١٥؛ ١٥: ٧، ٨؛ لو٤: ١٧-١٩)، ولم يُشِر مرة واحدة إلى كاتبين أو ثلاثة لسفر إشعياء كما يزعم الكثير من النقاد. لقد دحض المسيح أكذوبة أن سفر إشعياء كتبه أكثر من إشعياء، لأنه يحتوي على قسمين مختلفي الطابع؛ القسم الأول إشعياء ١-٣٩ كتبه إشعياء ١ والقسم الثاني إشعياء ٤٠-٦٦ كتبه إشعياء ٢. فلقد قال المسيح في يوحنا ١٢: ٣٨، ٣٩ «لِيَتِمَّ قَوْلُ إِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ الذَي قَالَهُ: يَا رَبُّ، مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا؟ ... لأَنَّ إِشَعْيَاءَ قَالَ أَيْضًا: قَدْ أَعْمَى عُيُونَهُمْ، وَأَغْلَظَ قُلُوبَهُمْ، لِئَلاَّ يُبْصِرُوا بِعُيُونِهِمْ». فلقد اقتبس المسيح في وقت واحد اقتباسين الأول من القسم الثاني (إش٥٣: ١)، والثاني من القسم الأول (إش٦)، ونسب الاقتباسين إلى كاتب واحد أسماه إشعياء النبي. (٧) قال المسيح عن نفسه أنه أتي ليُكمل الناموس (مت٥: ١٧). كذلك في يوم القيامة شرح لتلميذي عمواس الأمور المختصة به في جميع الكتب (لو٢٤: ٢٦، ٢٧). وقد قال لليهود: «فَتِّشُوا الْكُتُبَ لأَنَّكُمْ تَظُنُّونَ أَنَّ لَكُمْ فِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً. وَهِيَ الَّتِي تَشْهَدُ لِي. وَلاَ تُرِيدُونَ أَنْ تَأْتُوا إِلَيَّ لِتَكُونَ لَكُمْ حَيَاةٌ» (يو٥: ٣٩، ٤٠). وأيضًا أشار المسيح في توبيخه للفريسيين في متى ٢٣: ٣٥ إلى حادثتين تعتبران شاطئ العهد القديم من أوله إلى أخره عندما قال: «لِكَيْ يَأْتِيَ عَلَيْكُمْ كُلُّ دَمٍ زَكِيٍّ سُفِكَ عَلَى الأَرْضِ، مِنْ دَمِ هَابِيلَ الصِّدِّيقِ إِلَى دَمِ زَكَرِيَّا بْنِ بَرَخِيَّا الَّذِي قَتَلْتُمُوهُ بَيْنَ الْهَيْكَلِ وَالْمَذْبَحِ». فهابيل قتل في أول سفر وهو التكوين، وزكريا بن برخيا قتل في أخر سفر في العهد القديم تاريخيًا أخبار الأيام الثاني (٢أخ٢٤: ٢٠). وفي ختام كلامنا أؤكِّد وأقول: إن ما قاله المسيح عن ثبات ناموس الله في متى ٥: ١٨ «فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ»، هو ذاته ما قاله عن ثبات كلامه في متى ٢٤: ٣٥ «اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَنِ وَلَكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ»، فهو مصدر أقوال العهد القديم والعهد الجديد. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
عشره المسيح بتدي حياتك سلام وفرح |
في عشره المسيح لما بتوه بيحتويك |
عشره المسيح لما بتغلط يعلمك |
هذا هو سبب الميلاد المجيد، هذا هو الذي ألزم المسيح بالميلاد |
المجد لأسم المسيح وليأتي بنوره وضياؤه علي مصر |