رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
هل يوجد علاقة بين الخطية والموت الجسدي ومن ثم بين الموت الجسدي والروحي؟ هذه السطور القليلة القادمة تمخضت بها إبان بحثي عن العلاقة بين الموت الجسدي والموت الروحي وما إذا كان الإثنان يرتبطان ويسيران جنبا إلي جنب. هذا البحث الذي جاء بدوره ردا علي صديق لا يري أن هناك علاقة بين الموت الروحي والموت الجسدي ، وأن هذا الأخير ليس بالأمر السلبي ولا علاقة له بالخطية لأنه لم يأت كنتيجة لها، ومن ثم فلا مانع أن يكون هناك تطور قبل خلق آدم وخطيته كما يدعي البعض. لأنه إن سلمنا بعدم وجود علاقة بين الموت الروحي والجسدي فلا مشكلة إذا من حدوث موت قبل آدم ، لأن المانع يكون حينئذ قد زال بإنتفاء الصلة التي نحن بصدد تقصي الحقيقة عنها. أما إن أثبتنا أن هناك ترابطا وثيقا بين الإثنين (الموت الجسدي والروحي) أو بين الخطية والموت الجسدي، نكون بذلك قد قطعنا الطريق أمام هذا الفكر الذي لا يري الإرتباط بين الخطية والموت الجسدي. وبناء علي ما تعلمه لنا كلمة الله في مواضع شتي نعتقد أن الموت أمر غير طبيعي وغير ايجابي ولم يكن جزء من خليقة الله ولا إرادته للخليقة للأسباب الآتية: أولا لأن الموت هو الإنفصال وهذا الإنفصال يحدث علي ثلاثة مستويات: انفصال الروح عند الجسد (مز 104 : 29)، وانفصال الروح عن الخالق أدبيا (أف 2 : 1)، اللذان بدورهما يقودان في النهاية - ما لم يتغمدنا المخلص برحمته - إلي انفصال الإنسان نفسا وجسدا عن الله أبديا أو ما يسميه الوحي بالموت الثاني مقابلة بالموت الأول الذي تنفصل فيه الروح عن الجسد (رؤ 20 : 14). وفي اعتقادنا في أن السبب في عدم تمييز الكتاب المقدس صراحة أو لفظا بين موت جسدي وآخر روحي ، هو أنه لا يمكن لأحدهما أن يحدث دون الآخر ، لهذا جاء التمييز فقط بين موت أول وموت ثان. وإذا كان الموت يعني الإنفصال بمعانيه الثلاث التي ذكرناها فبذلك يكون الموت أمر غير طبعيي ولم يكن مشيئة الله التي تسره من جهة الجنس البشري. لأنه لا يمكن أن تكون مشيئة الله من جهة الإنسان الذي خلقه ورآه حسن جدا هو انفصام عُري كيانه عن بعضها البعض وانفصال هذا الكيان بجملته عنه أيضا. ثانيا لأن العلاقة بين الخطية والموت الجسدي كالسبب والنتيجة يحدثنا بولس الرسول في (1 كو 15) عن المجد المنتظر اختباره للجسد عندما يلبس هذا الأخير الطبيعة الروحانية بدل الحيوانية ، ويصير سماويا بعد أن كان ترابيا ، وينزع عنه الفساد الذي تسرب إلي كل جنباته. وعندما يختبر الجسد تلك الأمور المجيدة تتحقق الكلمة المكتوبة والتي ستكون ترنيمة القديسين عند قيامتهم من الأموات لملاقاة المسيح في الهواء عند الإختطاف "ابتلع الموت إلي غلبة. أين شوكتك يا موت؟ أين غلبتك يا هاوية؟ أما شوكة الموت فهي الخطية، وقوة الخطية هي الناموس". ولا شك أن الرسول يتكلم في هذا الإصحاح عن الموت الجسدي نظرا لأن قرينة النص هي القيامة، قيامة المسيح كباكورة للراقدين ثم قيامتنا نحن. إذ أنه بدون قيامة المسيح لن يكون هناك قيامة لنا عند مجيئة لإختطافنا لكي نلبس الأجساد الممجدة. وبما أن الرسول يتكلم هنا عن الموت الجسدي، إذا فالعلاقة التي يحدثنا عنها هي بين الخطية والموت الجسدي ، بإعتبار أن الأولي شوكة الأخير. أي أن الموت عرف طريقه للإنسان من خلال الخطية. وبناء علي ذلك فلو لم يكن هناك علاقة بين الخطية والموت الجسدي لما كان لنا الحق أن نصرخ في وجه الموت عندما نقوم "أين شوكتك يا موت" إذ أن "شوكة الموت هي الخطية" لأننا بحصولنا علي الأجساد الممجدة سنتخلص من الخطية الساكنة في أجسادنا أيضا. ثالثا لوجود علاقة بين سفك الدم وغفران الخطية يقول الوحي صراحة أنه "بدون سفك دم لا تحصل مغفرة خطية" (عب 9 : 22). ولكن لماذا؟ الجواب لكي تُغفر الخطية لابد من دفع أجرتها ألا وهي الموت الجسدي كما نفهم من قول الوحي "أجرة الخطية هي موت - جسدي" (رو 6 : 23). الأمر الذي يؤكده صليب المسيح. لأنه لو سلما جدلا بصحة عدم وجود العلاقة التي نحاول اثباتها هنا بين الخطية والموت الجسدي لما اضطر الرب يسوع المسيح أن يموت ليكفر عنها "الذي أسلم من أجل خطاينا وأقيم لأجل تبريرنا" (رو 4 : 25) ، وأيضا "الذي فيه لنا الفداء، بدمه غفران الخطايا، حسب غني نعمته" (أف 1 : 7). (أنظر أيضا 1 يو 1 : 7 ، 1 بط 2 : 24 ، عب 10 : 10 ، تي 2 : 14 ، كو 1 : 14). وإزاء هذه الحقيقة نقول أن الصلة بين ضرورة الموت الجسدي (عن طريق سفك الدم) والتكفير عن الخطية هي وثيقة وفي غاية الوضوح. رابعا لأن إبليس له سلطان الموت يقول كاتب العبرانيين "إذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضا كذلك فيهما، لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت، أي ابليس" (2 : 14) ويذكر أحد المفسرين تعليقا علي هذا النص "هنا نجد إشارة إلي أن الموت له سلطان (قوة) ، والذي رغم كونه غريبا علي الطبيعة البشرية ، إلا أنه يملك عليها الآن. والقوة التي للموت يستخدمها الشيطان. والمبتدع المسؤول عن الخطية مسؤول أيضا عن عواقبها. والشيطان اكتسب – بواسطة ناموس الله (تك 2 : 17 ، رو 6 : 23) – سلطان الموت علي الإنسان من خلال خطيته ، وذلك بكون الموت سياف (موظف تنفيذ العقوبة) الخطية ، فأصبح بذلك الإنسان الأسير الشرعي للشيطان. ولكن الرب يسوع المسيح بموته امتلك (الإنسان) المائت وأخذ الفريسة من يد المتجبر". من هذا نخلص إلي أنه لا يمكن أن يكون الموت أمر طبيعي لكونه سلاح إبليس الذي آل إليه بسبب خطية الإنسان ، ومن ثم مكنته هذه الأخيرة من استعباد إبليس له. خامسا لأن الموت عدو سَيُطرح في بحيرة النار أخيرا "وطُرح الموت والهاوية في بحيرة النار. هذا هو الموت الثاني" (رؤ 20 : 14). إذ يقول أحد المفسرين أيضا أن الموت يوصف بأنه عدو المسيح والكنيسة كما في قول الكتاب "آخر عدو يبطل هو الموت" (1 كو 15 : 26). وطرح الموت الذي هو عدو المسيح والكنيسة في آن معا في بحيرة النار يعني أن المسيح وشعبه لن يموتا فيما بعد ولن يكونان في حالة انفصال الروح عن الجسد. بل وحتي الأشرار أيضا ستتحد أجسادهم بأرواحهم عند قيامتهم للدينونة الأخيرة وينتهي بالنسبة لهم الموت الأول (الجسدي) ليظلوا في حالة الموت الثاني وهي الإنفصال الأبدي عن الله. وبهذا الطرح للموت الجسدي في بيحرة النار ينتهي ملكه علي البشرية بأشرارها وأبرارها. ولا عجب إن كان الشيطان نفسه الذي له سلطان الموت الجسدي سيطرح أيضا أيضا في بحيرة النار وبهذا يكون للإثنان نفس المصير(رؤ 20 : 10). فكيف يكون إذا الموت أمر طبيعي إن كان مآله في بحيرة النار؟ سادسا لعدم معقولية موت الروح وحدها دون الجسد أيضا فإذا كان الموت بوصفه نتيجة لدخول الخطية ودينونة علي فعلها فلابد له كأثر مترتب علي الخطية أن يشمل الكيان الإنساني كله روحا وجسدا دون التمييز بينهما، لأنه لماذا يُستثني الجسد من تلك الآثار المترتبة علي الخطية؟ والدليل علي صحة ما نقول هو أن فداء المسيح شمل الجسد أيضا حتي مع كون هذا الفداء لن يتم فعليا إلا عندم مجئ الرب يسوع لإختطاف كنيسته (رو 8 : 23 ، أف 1 : 14). والسؤال هنا إن كان الموت الجسدي أمر طبيعي فلماذا يحتاج الجسد إلي فداء مثله في ذلك مثل الروح تماما؟ وإن أخذنا في الإعتبار أن آدم لم يصر نفسا حية إلا عندما نفخ الله في أنفه نسمة حياة إذا فإن الروح بوصفها مصدر الحياة للكيان الإنساني لا يُعقل أن تكون هي ميتة والجسد حيّ ، لأنه إذا كان مصدر الحياة قد أصابه عطب الموت فلا شك أن هذا الأمر أيضا امتد ليشمل الجسد. سابعا لو كان الموت أمر طبيعي لما كان لنا أن نفخر بقيامة المسيح بما أن الموت عدو الإنسان وله أحقية عليه بإعتباره خاطئا ومتعديا علي ناموس الله ، وبما أن المسيح جاء ليفتدي الإنسان ويبطل كل من الخطية والموت بذبيحة نفسه، إذا فالمسيح هزم الموت هزيمة ساحقه بقيامته. لأنه لو كان الموت الجسدي أمر طبيعي الحدوث ولم يكن عدو الإنسان وكان حتما سيحدث للإنسان بغض النظر عن خطيته فما هي إذا البطولة في قيامة المسيح؟ أي أنه لو كان الموت الجسدي أمر عاديا وليس عدوا للإنسان لكانت قيامة المسيح أمرا عاديا أيضا لأنها لا تعد نصرة علي العدو حينئذ. ولكن لأن الموت الجسدي قهر الإنسان وغلبه وأذله وسبب له خوفا (عب 2 : 15) بصفته له الحق عليه من خلال الخطية فإن المسيح بقيامته حول هزيمة الإنسان أمام الموت إلي نصرة، الأمر الذي يفخر به كل من اختبر قيامة المسيح روحيا وسيختبرها أيضا جسديا عند مجئ ربنا يسوع المسيح واجتماعنا إليه عندما يغير شكل جسد تواضعنا ليكون علي صورة جسد مجده بحسب عمل استطاعته أن يخضع لنفسه كل شئ (في 3 : 21). اعتراض والرد عليه : إن كان الموت الجسدي جاء كنتيجة للخطية ومرتبط بالموت الروحي فلماذا إذا لم يمت آدم جسديا في اليوم الذي أخطأ فيه بحسب ما أنذره الرب؟ الرد: علي الرغم من أن الرب بعدما خلق آدم أوصاه قائلا "من جميع شجر الجنة تأكل أكلا ، وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها، لأنك يوم تأكل منها موتا تموت" (تك 2 : 16 – 17) إلا أننا لا نراه يموت بعد آكله من الشجرة مباشرة، الأمر الذي يستخدمه البعض في التشكيك في كلمة الله ، ومن ثم دفع البعض الآخر أيضا لعدم الربط بين الموت الجسدي والموت الروحي. ولكن يقول العارفون بالعبرية أن النص الأصلي يفيد بأن المقصود بتعبير "موتا تموت" هو عملية لها نقطة بداية محددة وتستمر في الحدوث لفترة في المستقبل أو حدث يبدأ في نقطة من الزمن إلي أن يصل إلي ذروته عند اكتماله. فكما سبب عصيان آدم للخالق الموت الروحي سبب أيضا عملية الموت الجسدي في التأثير فيه بالرغم من أنها تطلبت الكثير من السنين لإتمامها. وهذا ما يؤكده أيضا اللفظ اليوناني الذي يستخدمه الرسول بولس أكثر من مرة في رسائله عندما يصف الجسد بالمائت أي الخاضع للموت (أنظر رو 6 : 12 ، 8 : 11 ، 1 كو 15 : 53 – 54 ، 2 كو 4 : 11 ، 2 كو 5 : 4). ولتوضيح ذلك نقول أن الزهرة تنعم بالحياة طالما هي متصلة بالجذور التي تتصل هذه الأخيرة بدورها بالتربة التي تمدها بالعناصر الغذائية وتبدأ في الموت من لحظة اقتلاعها عن تلك الجذور أو اقتلاعها جميعا مع جذورها من التربة وبالتالي انفصالها عن مصدر الحياة. وعلي الرغم من أنه قد تبدو عليها علامات الحياة بعد اقتلاعها إلا أنها تكون في الحقيقة ميتة، ومهما قمنا بالعناية بها فإن تلك المحاولات لن تفلح وذلك لأن الموت الجسدي عملية بدأت الحدوث ولن تتوقف إلا بوصولها للذروة، التي هي انفصال الروح عند الجسد عند البشر. وبمجرد اقتراف آدم لإثمه فقد بدأ فعلا في اختبار الموت في كل لحظة عشاها في الجسد في صورة الألم الروحي والمادي والمرض والضيق واللعنة التي رأي ثمارها عند عمله للأرض التي أخذ منها وفي رؤيته لآلام حواء في الولادة كنتائج للموت الروحي أو الإنفصال عن الله روحيا. ناهيك عن أن مجرد الحياة في الجسد – والتي قد تبدو في ظاهرها كذلك ولكنها في باطنها موت – في حالة الإنفصال الروحي عن الله لا تقل في وطأتها – إن لم تزد – عن الموت الجسدي عندما يبلغ ذورته بإنفصال الروح عن الجسد. ولكن لو فرضنا جدلا أن الموت الجسدي حل بآدم في اللحظة التي ارتكب فيها فعلته النكراء بالأكل من شجرة معرفة الخير والشر، ماذا سيكون الحال حينها؟ لو كان آدم قد مات جسديا (بإنفصال روحه عن جسده) لحظة ارتكابه للخطية لانعدمت الفرصة أمامه للتوبة ولكان قد ذهب إلي الجحيم مباشرة وبالتالي لكان قد أغلق الطريق أمام المحبة الإلهية للإعلان عن نفسها أولا في إعطاءه فرصة للتوبة والرجوع إلي الرب مصدر الحياة ، وثانيا في اعطاءه نسل أتي منه المخلص الذي قدم نفسه كفارة ليس لآدم فقط بل لكل العالم أيضا. ولو كان آدم قد مات جسديا لحظة أكله من الشجرة المحرمة لكانت خطة الله بذلك أخفقت في الخليقة بإنتصار الشيطان عليه لأنه لن يكون هناك حنيئذ أي مجال أو فرصة للرب لإظهار محبته للجنس البشري من خلال صليب المسيح، الأمر الذي بدوره – إن كان قد حدث – لأظهر اختلالا في الذات الإلهية التي نجحت فقط في إظهار العدل والقداسة دون المحبة. ولكن حاشا له فهو مطلق الكمال ومنزه عن أي نقائص ولا يمكن بأي حال إلا أن تنجح مقاصده حتي تعلن هذه الأخيرة عن أمجاده وصفاته المجيدة المتوازنة. وأخير نقول فإن الذبيحة (أو الذبيحتين) التي عملها الرب وأخذ جلدها وكسي به كل من آدم وحواء هي خير دليل علي أن ما استحقه أبوينا الأوائل في حينها تحملته الذبيحة نيابة عنهما. لأنه لو كان المقصود من الذبيحة فقط هو كسوة آدم وحواء لما عملها الله ولكان قد أمدهما بما هو أفضل من ذلك دون الحاجة إلي ذلك الذبح. وطبعا ليست الذبيحة الحيوانية في حد ذاتها هي التي أجلت موت آدم بل إلي ما تشير إليه من كفارة بواسطة نسل المرأة الذي سيسحق رأس الحية. فعمل النعمة هو الذي لم يسمح للموت الجسدي بالحدوث بعد الخطية الأولي مباشرة. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|