رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
شرائع الذبائح والتقدمات في هذا الأصحاح يقدم لنا الوحي الإلهي النوع الثاني من ذبيحة الإثم، وهي الذبيحة التي معها يلتزم مقدمها بتقديم تعويض لإخوته الذين سبب لهم ضررًا ماديًا [1-7]. كما يعرض على الكهنة بعض جوانب طقوس الذبائح والتقدمات التي تهمهم أكثر مما تشغل الشعب، إذ سبق في الأصحاحات وتحدث عنها بما يناسب مقدموها. النوع الثاني لذبيحة الإثم: 1 وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا: 2 «إِذَا أَخْطَأَ أَحَدٌ وَخَانَ خِيَانَةً بِالرَّبِّ، وَجَحَدَ صَاحِبَهُ وَدِيعَةً أَوْ أَمَانَةً أَوْ مَسْلُوبًا، أَوِ اغْتَصَبَ مِنْ صَاحِبِهِ، 3 أَوْ وَجَدَ لُقَطَةً وَجَحَدَهَا، وَحَلَفَ كَاذِبًا عَلَى شَيْءٍ مِنْ كُلِّ مَا يَفْعَلُهُ الإِنْسَانُ مُخْطِئًا بِهِ، 4 فَإِذَا أَخْطَأَ وَأَذْنَبَ، يَرُدُّ الْمَسْلُوبَ الَّذِي سَلَبَهُ، أَوِ الْمُغْتَصَبَ الَّذِي اغْتَصَبَهُ، أَوِ الْوَدِيعَةَ الَّتِي أُودِعَتْ عِنْدَهُ، أَوِ اللُّقَطَةَ الَّتِي وَجَدَهَا، 5 أَوْ كُلَّ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ كَاذِبًا. يُعَوِّضُهُ بِرَأْسِهِ، وَيَزِيدُ عَلَيْهِ خُمْسَهُ. إِلَى الَّذِي هُوَ لَهُ يَدْفَعُهُ يَوْمَ ذَبِيحَةِ إِثْمِهِ. 6 وَيَأْتِي إِلَى الرَّبِّ بِذَبِيحَةٍ لإِثْمِهِ: كَبْشًا صَحِيحًا مِنَ الْغَنَمِ بِتَقْوِيمِكَ، ذَبِيحَةَ إِثْمٍ إِلَى الْكَاهِنِ. 7 فَيُكَفِّرُ عَنْهُ الْكَاهِنُ أَمَامَ الرَّبِّ، فَيُصْفَحُ عَنْهُ فِي الشَّيْءِ مِنْ كُلِّ مَا فَعَلَهُ مُذْنِبًا بِهِ». بعد أن حدثنا عن ذبيحة الإثم التي تُقدم عمن خان مقدسات الرب، عاد ليُحدثنا عن تلك التي تخص من جحد صاحبه في أمر وديعة أو أمانة (شركة) أو أنكر شيئًا وجده فالتقطه... بهذا يسلب أخاه أو يغتصب حقه. يقصد بالوديعة ما يودعه إنسان لدى آخر إلى حين كأمانة يجب ردها، أما الأمانة أو خيانة شركة فغالبًا ما تشمل معنى أوسع إذ يعني ما التزم به الإنسان في تدبير شئون آخر كالوصي الذي يدبر أمور قاصر أو مريض أو محجور عليه، إذ يليق بنا ونحن في مركز الأوصياء أن نتوخى الأمانة الكاملة. أما اللقطة فتعني أن يجد إنسان شيئًا ملقيًا فيلتقطه، إذ لا يجوز له أن يخفيه أو ينكره بل يسعى نحو رده لصاحبه. يعلق العلامة أوريجانوس على ارتكاب مثل هذه الخيانة كأمر غير لائق أن يرد في ذهن المؤمن، إذ يقول: [ليعلموا أن من "خان خيانة بالرب وجحد صاحبه وديعة أو أمانة أو مسلوبًا..." [2]، يسقط تحت دينونة عن خطية كبرى. ليحفظ الله كنيسته! فإنه لا أظن أن أحدًا من جمهور القديسين هذا يسلك هكذا ببؤس حتى ينكر وديعة قريبه أو يغشه في أمانة أو يسلبه خيرًا ليس له، أو يخفي أشياءً مسروقة من آخرين، وإن سُئل عنها يقسم مخالفًا ضميره. كما قلت إن هذا التفكير بعيد عن أحد المؤمنين. فإنني بثقة أقول: "وأما أنتم فلم تتعلموا المسيح هكذا" ولا هكذا "عُلمتم فيّه" (أف 4: 20-21). هذا وأن الناموس ذاته لا يقدم وصايا للقديسين والمؤمنين... "إن الناموس لم يوضع للبار بل للأثمة والمتمردين، للفجار والخطاة، للدنسين والمستبيحين" (1 تي 1: 9-10) ولأمثالهم. ما دام الرسول يقول إن الناموس قد وضع لمثل هؤلاء، فليحفظ الله كنيسته من أن تُداس بخطايا كهذه، ولتكن كنيسته متعلمة ومقدسة بالروح]. والآن إن كانت الوصية بمعناها الحرفي لا يجب حتى التفكير فيها، إذ يليق بمؤمن أن يخون صاحبه في أمر وديعة أو أمانة أو لقطة يجدها، فماذا تعني هذه الأمور في المفهوم الروحي؟ أولًا: أول وديعة استلمها الإنسان هي روحه التي على صورة الله ومثاله، استلمها من الله ليسلمها كما هي بلا تشويه. وكما يقول العلامة أوريجانوس: [يلزمك أن ترد هذه الوديعة سليمة وكاملة على ذات الحال الذي أخذتها عليه. فإن كنت رحيمًا كما أن أباكم هو رحوم (لو 6: 36) فإن صورة الله تكون في داخلك... إن كنت كاملًا كما أن أباكم في السموات كامل (مت 5: 48) فإن وديعة صورة الله قائمة في داخلك، وهكذا في كل الأمور الأخرى، إن كنت نقيًا وبارًا وقديسًا ونقي القلب الأمور التي في الله بطبيعته تتمثل أنت بها، بهذا تكون وديعة الصورة المقدسة سليمة وصحيحة. لكن إن كان سلوكك على خلاف هذا فكنت قاسيًا عوض أن تكون رحيمًا، شريرًا عوض التقوى، عنيفًا عوض اللطف، زارعًا للانقسام عوض غرس السلام، سارقا عوض العطاء بسخاء، فإنك بهذا تكون قد رفضت صورة الله لتأخذ صورة إبليس، تجحد الوديعة الصالحة التي وهبك الله إياها كأمانة. أليست وصية الرسول لتلميذه المختار تيموثاوس: "يا تيموثاوس احفظ الوديعة" (1 تي 6: 20)]. يُطالبك السيد المسيح برد الوديعة بقوله: "إعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله" (مت 22: 21). وكما يقول القديس أغسطينوس: [كما يطلب قيصر صورته على العمله هكذا يطلب الله صورته فينا]. ثانيًا: الوديعة التي تسلمناها من الكنيسة هي التقليد الكنسي الذي في جوهره هو الإيمان الحيّ بالثالوث القدوس مترجمًا عمليًا خلال العبادة والسلوك في المسيح يسوع. هذه الوديعة يلزم أن نسلمها بأمانة للجيل التالي لا خلال الكتابة أو الوعظ فحسب وإنما خلال كل حياتنا التعبدية وسلوكنا في المنزل والعمل والشارع... نقدمه تقليدًا حيًا بلا انحراف. يقول القديس غريغوريوس أسقف نيصص: [يكفينا للبرهنة على عبادتنا ذلك التقليد المنحدر إلينا من الآباء، بكونه الميراث الذي تناقلناه بالتتابع منذ الرسل خلال القديسين الذين تبعوهم]. تضم هذه الوديعة المقدسة التي تسلمناها أي التقليد أو التسليم إيماننا بالخلاص وعمل الثالوث القدوس فينا والتمتع بالكتاب المقدس بعهديه وممارستنا للعبادة وسلوكنا بالروح... إلخ. ثالثًا: يرى العلامة أوريجانوس أن عدم جحد الأمانة يعني الحفاظ على حياة الشركة مع الله في ابنه يسوع المسيح، وشركتنا مع القديسين والسمائيين في الرب بلا انحراف، إذ يقول: [لنرى الآن ما يجب أن نفهمه من كلمة "أمانة (شركة)". هل تظن أنه توجد ضرورة للتحذير من عدم غش الشريك في أمور مالية أو غير مالية؟ يا لها من تعاسة مُرّة أن يمارس إنسان غشًا كهذا! من أجل الضعف لم يغفل الرسول عن تقديم هذا التحذير: "أن لا يتطاول أحد ويطمع على أخيه في هذا الأمر لأن الرب منتقم لهذه كلها" (1 تس 4: 6). الآن لنبحث عن "الشركة" روحيًا. إسمع ما يعبر عنه الرسول بكلماته: "إن كانت تسلية ما للمحبة، إن كانت شركة ما في الروح، إن كانت أحشاء ورأفة، فتمموا فرحي" (في 2: 1-2). أترى كيف فهم الرسول بولس قانون "الشركة"؟ استمع أيضًا إلى يوحنا إذ يعلن بنفس الروح: "وأما شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح" (1 يو 1: 3). ويقول بطرس نفس الشيء: "تصيروا.. شركاء الطبيعة الإلهية" (2 بط 1: 4)، بمعنى أن تكون لنا معه شركة. يقول الرسول بولس: "أي شركة للنور مع الظلمة؟!" (2 كو 6: 14)، فإن كان لا يمكن أن توجد شركة بين النور والظلمة وقد صارت لنا شركة مع الآب والابن والروح القدس لذا يلزمنا أن نسهر لئلا نجحد هذه الشركة الإلهية المقدسة، فإننا إن تممنا "أعمال الظلمة" (رو 13: 12)، نكون بهذا بالتأكيد قد جحدنا الشركة مع النور]. أمانتنا في الشركة أو في الأمانة التي عهد بها الله إلينا تلزمنا أن نسلك في النور ونرفض أعمال الظلمة، بهذا ننعم بالشركة وذلك بفعل الروح القدس واهب الشركة مع الله في ربنا يسوع المسيح. هذه الشركة تربطنا بشركة مع القديسين كأبناء نور معنا وأيضًا مع السمائيين، إذ يقول العلامة أوريجانوس: [إن كنا بالفعل في شركة مع الآب والابن، كيف لا نكون كذلك في شركة مع القديسين، ليس فقط الذين على الأرض، وإنما أيضًا مع الذين في السماء؟! لأن المسيح بدمه صالح السمائيين مع الأرضيين (كو 1: 20) ليوحِّد السماء مع الأرض. أظهر هذه الشركة بوضوح عندما قال أنه يوجد فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب (لو 15: 7)، وأيضًا عندما قال: "فِي الْقِيَامَةِ.. يَكُونُونَ كَمَلاَئِكَةِ اللهِ فِي السَّمَاءِ" (مت 22: 30)، واعدًا الناس بصراحة بملكوت السموات (مت 13: 11). هذه الشركة نجحدها عندما نفترق عن السمائيين بأعمالنا الشريرة ومشاعرنا الردية]. رابعًا: أما بخصوص السرقة وسلب الآخرين، فكما يقول العلامة أوريجانوس: [يوجد لصوص أشرار كما يوجد لصوص صالحون. الصالحون هم الذين قال عنهم المخلص إنهم يغتصبون ملكوت السموات (مت 11: 12). لكن يوجد لصوص أشرار، يتحدث عنهم النبي: "سلب البائس في بيوتكم" (إش 3: 14)، كما يقدم الرسول تصريحًا شديد اللهجة: "لا تضلوا: لا زناة ولا عبدة أوثان ولا فاسقون ولا مأبونون ولا مضاجعو ذكور ولا سارقون... يرثون ملكوت الله" (1 كو 6: 9، 10)(92). أما السرقة بالمفهوم الروحي فهي أن يختفي الإنسان بين القديسين فيكون سارقًا لفكرهم الروحي ومعرفتهم الإلهية دون أن تتجدد حياته، فيكون كمن سلب خمرًا جديدة ووضعها في زقاق قديم، فالزقاق ينشق والخمر تنصب (مت 9: 17). خامسًا: بخصوص الأمور المفقودة، من يجدها ويخفيها دون أن يردها لصاحبها يُحسب مغتصبًا ما لا حق فيه. ولعل هذا يُشير إلى جماعة الهراطقة الذين يغتصبون نفوس البسطاء ويسلبون الكنيسة أولادها، أو يسلبون الله نفسه وأولاده. هؤلاء إذ يرجعون عن ضلالهم وبدعهم يلزمهم أيضًا أن يردوا النفوس التي انحرفت بسببهم وتركت الإيمان الحق. الآن إذ نعود إلى الذبيحة التي يُقدمها من ارتكب إحدى الخطايا السابقة نلاحظ الآتي: أولًا: حسب الرب هذا الجحود خيانة له هو شخصيًا، فكل ظلم أو خيانة أو جحود أو سرقة نمارسها ضد إخوتنا يحسبها الله موجهة ضده هو شخصيًا بكونه محب البشر المهتم بخلاصهم، وأيضًا كل حب ولطف وترفق نقدمه لهم يحسبه مقدمًا له شخصيًا. ففي اليوم الأخير يقول: [بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُم بِأَحَدِ إِخْوَتِي هؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ، فَبِي قَدْ فَعَلْتُمْ] (مت 25: 40). لذلك يقول القديس جيروم: [كل مرة تبسط يدك بالعطاء أذكر المسيح]. ثانيًا: يطلب من المخطئ أن يرد ما قد سلبه أو اغتصبه أو أنكره، فإن كانت الذبيحة قادرة على غفران الخطية لكنها لا تعمل في قلب متمسك بالشر. رد المغتصب لصاحبه هو إعلان صادق عن التوبة وقبولنا لعمل الله الخلاصي عمليًا. هذا ويلاحظ أن الشريعة طلبت من موسى النبي أن يقيِّم الخسارة أو الضرر، لكن ليس بشاقل القدس (لا 5: 15) كما في الخطية الموجهة ضد المقدسات... ثالثًا: يطلب هنا أيضًا أن يقدم المخطئ الخُمس إضافة إلى ما قد سلبه. هذا الخُمس يمثل تعويضًا أدبيًا وماديًا عما لحق بالمضرور من خسائر، ومن جانب آخر يُحسب هذا التعويض تأديبًا للمخطئ حتى لا يكرر ما ارتكبه أو يستهين بالخطية. ومن جانب ثالث فإن هذا الخُمس الذي يقدمه للمضرور يُحسب كأنه مقدم لله... فإن كانت حواسه قد تدنست بالخطية يلزم تسليمها للرب كما في النوع الأول من هذه الذبيحة (أصحاح 5). رابعًا:تقديم ذبيحة لاثمة كبشًا صحيحًا من الغنم... إذ لا تطهير من الإثم بدون سفك دم حمل الله، حتى وإن رد الإنسان ما اغتصبه مضاعفًا! ويرى العلامة أوريجانوسأن مرتكب الإثم يشتري الكبش أو الحمل من البائعين وهم الأنبياء والرسل الذين قدموا كلمة النبوة والكرازة لنقتني بالإيمان دم السيد المسيح غافر الخطية. إنهم يحثوننا على التوبة عن خطايانا والرجوع إلى الله بقبولنا الإيمان بمخلص العالم. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|