رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
لا رجل ولا امرأة لا مجال للتمييز في فكر القدّيس بولس. ذاك ما كتبه إلى كنائس غلاطية حيث رفض اليهوديّ أن يأكل على مائدة واحدة مع غير اليهوديّ. ذكَّرهم بما حصل في أنطاكية. واستخلص: »لا فرق الآن بين اليهوديّ والأمميّ (أو غير اليهوديّ)، بين العبد والحرّ، بين الرجل والمرأة. فأنتم كلُّكم واحد في المسيح يسوع« (غل 3: 28). ما هذا القول؟ هل تكون المرأة على مستوى الرجل، مع أنَّ المبدأ الشرقيّ العامّ يقول: هي خادمة أولادي وملبِّية حاجاتي؟ تلك هي الثورة التي أعلنها الرسول في الكنيسة وفي العالم. ونحن نعرف أنَّ الرجل اليهوديّ الذي يصلّي اليوم يشكر الله لأنَّه لم يُولَد »امرأة« و... و... أعلن بولس المبدأ العامّ في منطقة تأثَّرت بالتعاليم اليهوديَّة، وعاد فأعلنه في إطار يونانيّ، فقال للمؤمنين: خَلعتم الإنسان القديم ولبستم الإنسان الجديد (كو 3: 9-10)، صارت المرأة حرَّة فلماذا تجعلونها عبدة؟ هي مساندة للرجل منذ البداية، فلماذا تسجنونها في تقاليد موروثة منذ القدم، فتبقى داخل الخيمة لا ترى أحدًا ولا تكلِّم أحدًا ولا تسلِّم على أحد. صارت »مُلكًا« بيد الرجل يحافظ عليها كما يحافظ على متاعه. أمَا جعلَ سفر الخروج المرأة بمنزلة البيت والعبد والجارية والثور والحمار؟ (خر 20: 27)، ومنع الإنسان من أن يشتهيها؟ أمّا المبدأ عند بولس الرسول فالمساواة بين الرجل والمرأة. هنا نقرأ الفصل السابع من الرسالة الأولى إلى أهل كورنتوس، فنفهم أنَّ كلَّ شيء يتمُّ بالتفاهم بين الرجل والمرأة، بحيث لا يفرض الرجل رأيه على امرأته التي يجب أن تخضع خضوع الذلّ، وما يسري على الرجل يسري على المرأة. وها نحن نورد النصَّ أوَّلاً في الحياة اليوميَّة: فليكن لكلِّ رجل امرأته ولكلِّ امرأة زوجها (آ2). لا مجال لكثرة الزوجات. ولا مجال للزنى وما اعتاد عليه الرجل من دوران في شرقنا فيجعل ضميره »مرتاحًا« بالنسبة إلى امرأته. على الزوج أن يوفي امرأته حقَّها كما على المرأة أن توفي زوجها حقَّه (آ3). ما كانت تطلب المرأة من الرجل؟ أن يؤمِّن لها الطعام والشراب والمأوى، وغير ذلك هو حرٌّ في تصرُّفاته. والحقوق الزوجيَّة؟ لا حقَّ للمرأة على زوجها سوى الطاعة. أمّا الرسول فيذكِّر الرجل بواجباته. وما يدهشنا هو أنَّ على المرأة أن توفي زوجها حقَّه. بكلِّ حرِّيَّة، لا رغمًا عنها، لا بالقسر وربَّما بالضرب وسائر المعاملات السيِّئة. لا سلطة للمرأة على جسدها، فهو لزوجها، وكذلك الزوج، لا سلطة له على جسده، فهو لامرأته (آ4). زوج واحد، امرأة واحدة، بحسب ما قيل في البدء: »يترك الرجل أباه وأمَّه ويتَّحد بامرأته فيكون الاثنان جسدًا واحدًا« (تك 2: 24). في الأصل: لحمًا واحدًا. لهذا قال آدم: »هي لحم من لحمي وعظم من عظمي« (آ23). الزنى ممنوع. فجسد المرأة لا يخصُّها، وكذلك جسدُ الرجل لا يخصُّه. تلك هي الأمانة الرفيعة التي إليها يدعو بولس الرجل والمرأة. لا إكراه ولا قسر، بل يقين داخليّ. وإذا أراد واحد أن يبتعد عن الآخر، يكون ذلك »بالاتِّفاق« (آ5) ولفترة محدودة. ذاك على مستوى العلاقات الزوجيَّة. وإذا كانت صعوبات؟! لا فرق بين الرجل والمرأة. فعلى المستوى المسيحيّ، لا سلطة سوى سلطة المحبَّة والخدمة. وتقول لنا الرسالة إلى أفسس: »يجب على الرجال أن يحبُّوا نساءهم كما يحبّون أجسادهم« (أف 5: 28)، بحيث يستعدُّون للتضحية على مثال ما فعل المسيح من أجل كنيسته حيث »ضحّى بنفسه من أجلها« (آ25). قال الرسول إلى أهل كورنتوس، وإلينا اليوم: لا تفارق المرأة زوجها (آ10). وإن فارقته فلتبقَ بغير زواج، أو فلتصالح زوجها (آ11أ). وما قيل عن المرأة يُقال عن الرجل: وعلى الزوج أن لا يطلِّق امرأته (آ11ب). وما كتبه الرسول على مستوى الحياة اليوميَّة، يكتبه على مستوى الحياة الروحيَّة سواء في البيت أو في جماعة الصلاة. كان العالم اليهوديّ يعتبر الرجل وحده »تقيٌّا«، أمّا المرأة فلا يمكن أن تكون »تقيَّة«. فمؤنَّث »تقي« لم يكن موجودًا. ثمَّ إن تراخت المرأة في حفظ الوصايا، لا بأس. فهي كائن ضعيف، »ناقصة العقل«. هذا ما لا يقبل به بولس في خطِّ التعاليم الإنجيليَّة: الزوج غير المؤمن يتقدَّس بامرأته المؤمنة، والمرأة غير المؤمنة تتقدَّس بزوجها المؤمن (آ14). ولكن ماذا تستطيع المرأة أن تفعل لزوجها؟ لا شيء كما كانوا يقولون. هو وحده القادر أن »يخلِّصها« وهي تتقبَّل منه كلَّ مساعدة. كلاّ فهي قادرة كما هو قادر. وهنا يكون التبادل أيضًا: أما تعلمين أيَّتها المرأة المؤمنة أنَّك تخلِّصين زوجك؟ أما تعلم أيُّها الرجل المؤمن أنَّك تخلِّص امرأتك؟ (آ16). وكما في الحياة اليوميَّة، كذلك في حياة الجماعة: الرجل يصلّي والمرأة أيضًا. الرجل يعلِّم والمرأة كذلك. الرجل يرنِّم والمرأة كذلك (1 كو 14: 26). لا يمكن أن تُفصَل المرأة عن الرجل في تمجيد الله وتسبيحه، وكلاهما مخلوقان على صورة الله ومثاله (تك 1: 26-27). في هذا المجال نقرأ لائحة أسماء الذين واللواتي يعملون في الرسالة: أوَّلهم فيبة، شمّاسة الكنيسة. ثمَّ عائلة مسيحيَّة برسكلَّة وأكيلا (ذُكرت المرأة قبل الرجل). ذُكر أبينيتوس وهو مسيحيٌّ آتٍ من العالم اليونانيّ وحالاً ذُكرت مريم الآتية من العالم اليهوديّ. وذُكر أندرونيكس وذُكرت معه يونيا زوجته (رو 16: 1ي). فكيف لا تستفيد الكنيسة من نصف المجتمع في أعمال الصلاة والرسالة والخدمة؟ والمثال الكبير هو الراهبات اللواتي تدعوهنَّ الكنيسة »لؤلؤة« في جبينها. ولكن ما نلاحظ في هذه الثورة التي لا يمكن أن يقبلها الرجل في القرن الحادي والعشرين، وتعتبرها المرأة ناقصة هو أنَّ الرجل الذكر رأى أنَّه لم يَعُد »رأس« البيت والسيِّدَ المطاع. والمرأة اكتشفت أنَّها يجب أن »تصمت« كما هو الأمر في جماعات أورشليم، لأنَّه لا يجوز لها »التكلُّم« (1 كو 14: 33-34). من جهة أعلن بولس »إنجيله« بدون »مساومة«. ومن جهة ثانية خفَّف من حدَّة هذه المتطلِّبات. فتقول النساء: عاد إلى الوراء. أو استعاد بيدٍ ما أعطاه باليد الخرى. وربَّما يكون تلاميذه نزعوا بعض فتيل الثورة. وكلّ هذا من أجل السلام في الجماعة (1 كو 14: 33). أمّا الهدف فَرعَويّ. »وكما تصمت النساء في جميع كنائس الإخوة القدِّيسين (أي في الكنيسة الأولى، في أورشليم)، فلتصمت نساؤكم (يا أهل كورنتوس) في الكنائس، فلا يجوز لهنَّ التكلُّم، وعليهنَّ أن يخضعن كما تقول الشريعة« (1 كو 14: 33-34). هل نتخيَّل أن يلجأ بولس إلى الشريعة ليُسند كلامه؟ هو أمر صعب بالنسبة إلى من قال: »مُتنا عمّا كان يعتقلنا وتحرَّرنا من الشريعة« (رو 7: 6)! هل نتصوَّر بولس راجعًا إلى العادات اليهوديَّة حيث المرأة ليست بشيء في صلاة الجماعة؟ كلاّ. ومع ذلك يواصل النصّ: »فإن أردن (= النساء) أن يتعلَّمن، فليسألن أزواجهنَّ في البيت، لأنَّه عيب على المرأة أن تتكلَّم في الكنيسة« (آ35). مراعاةً للعالم اليهوديّ ولعادات المؤمنين في أورشليم، فُرض على المرأة الصمت لا باسم مبدأ إنجيليّ، بل باسم السلطة: »هل صدرت عنكم كلمة الله، أم انتهت إليكم وحدكم؟« (آ36). واعتُبر هذا الترتيب من أجل »النظام في الكنيسة«. وفي الإطار عينه نتكلَّم عن »الغطاء« على الرأس، سواء كان الشعر أو الحجاب. ماذا كانت الخلاصة؟ هكذا يفعلون في »أمِّ الكنائس«، القدس. فلا مجال للمناقشة في خطِّ مجمع أورشليم: »فإن أراد أحد أن يعارض فما هذا من عادتنا ولا من عادة كنائس الله« (1 كو 11: 16). نشير هنا إلى أمرين. الأوَّل، تغطّي المرأة الشرقيَّة رأسها فقط بل وجهها أيضًا بسبب المناخ الصحراويّ، والرجل يفعل أيضًا مثلها. أمّا المرأة الغربيَّة فلا تحتاج إلى ذلك فتمشي »مكشوفة الرأس« (آ13). يبقى على المؤمنات الجديدات في كورنتوس أن يراعين أخواتهنَّ الآتيات من الشرق للمشاركة في الصلاة. والأمر الآخر يتعلَّق بمدينة كورنتوس وسائر المدن الوثنيَّة: المرأة »على الرصيف« تقصُّ شعرها لتُعرف، والرجل يطيل شعره. لهذا نبَّهت الرسالةُ المرأةَ بأن شعرها فخرٌ لها، سترٌ لها. أمّا الرجل، فمن العار »أن يطيل شعره«. من يعلِّمنا هذا؟ »الطبيعة نفسها« (آ14-15). وهكذا ما قيل عن »الغطاء« على الرأس بالنسبة إلى المرأة، هو شعرها. إذًا هي حرَّة بأن تغطّي رأسها أو لا. وطول الشعر أو قصره أمرٌ تعدَّاه الزمن وكان الجدال: من هو الأوَّل؟ وعادت الرسالة إلى العهد القديم: المرأة خُلقت من الرجل، كما في رمزيَّة سفر التكوين، وخُلقت من ضلع من أضلاعه لكي يكون موضعها في قلبه، لا عند قدميه. فإذا كانت المرأة من الرجل كما يقولون، يجب أن تخضع له. ويعيد الرسول التوازن: »إذا كانت المرأة أُخذت من الرجل، فالرجل تلده المرأة، وكلُّ شيء يأتي من الله« (1 كو 11: 12). إذًا، من يخضع للآخر؟ ويأتي الجواب في الرسالة إلى أفسس: »ليخضع بعضكم لبعض بمخافة المسيح« (أف 5: 21). كلُّ شيء يكون في المسيح على مستوى الحبِّ والتضحية. وما يُشرف هنا، مخافة الله التي هي رأس الحكمة. إذًا، تبادلٌ في الخضوع وفي العطاء، تبادل في الحياة على جميع مستوياتها بحيث لا يدخل أحد ولا شيء بين الرجل والمرأة. قراءة القدّيس بولس ليست بالأمر السهل وفهمه أصعب. ومع ذلك فرسائله تنطلق من الواقع البسيط جدٌّا وترفعنا إلى مستوى الله فالعلاقة بين الرجل والمرأة سرّ، على مثال العلاقة بين المسيح والكنيسة (آ25). وكلُّ الحلول التي تبقى ملتصقة بالأرض وبالأمور المادِّيَّة، لا يمكن أن تبني عائلة ولا جماعة. إنَّما يبقى المبدأ: لا رجل ولا امرأة. فكلُّكم واحد في المسيح. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|