رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
بولس اللاهوتيّ فالآباء اليونان قرأوا بولس على أنَّه ذاك اللاهوتيّ. فيبقى أن نعرف وجهات فكره التي اهتمُّوا لها أو انطبعوا بها. هنا بعض أهمِّيَّة بحثنا الذي قد يحمل عنصر جواب على مسألة جدال في الدراسات البولسيَّة: أين هي نقطة الثقل في لاهوت بولس؟ ما هي نقطة انطلاق هذا اللاهوت؟ فتقبُّل الرسائل في القرون المسيحيَّة الأولى، قد تبيِّن لنا كيف رتَّب قرَّاء بولس الأوَّلون النصوص ومعطياتها. ولكن بما أنَّ الدارسين لا يتوافقون على هذه النقطة، فعلينا الفطنة في اتِّخاذ المواقف. فحين نقرِّر مبدإيٌّا أن نأخذ هذا الموضوع البولسيّ أو ذاك لنتبع مسيرته لدى آباء الكنيسة، نجد في النهاية ما وضعناه في البداية. لهذا تكون طريقنا الملاحظة لا التعميم الذي نضعه مسبقًا. أ- نظرة إجماليَّة أولى إنَّ المعطيات التي تقدِّمها »البيبليا الباترستيكا«(2) (أي نصوص الكتاب المقدَّس لدى الآباء)، تتيح مقاربة أولى حول الكمِّيَّة. هنا نحتفظ لأنَّها تتوقَّف عند النصوص التي وصلت إليها (في الحقبة الآبائيَّة الأولى، وصل إليها جزء قليل ممّا دوِّن)، والمعايير التي بحسبها قرَّر الناشر إن كان هناك تلميح كتابيّ أو لا. فالمجلَّد الأوَّل الذي يغطِّي القرن الثاني المسيحيّ حتَّى منعطف القرن الثالث، يعيننا لكي نلاحظ أنَّه إن »نُسيَ« بولس في بداية القرن الثاني، إلاَّ أنَّه عاد بقوَّة منذ النصف الثاني، لأنَّ الإيرادات الصريحة أو (في أكثر الأحيان) الضمنيَّة من المحموعة البولسيَّة (13 رسالة، لم تُذكَر عب) تمثِّل تقريبًا ثلاثة أخماس إيرادات الأناجيل الإزائيَّة. ومنذ القرن الثالث، تساوت بالعدد الإيرادات البولسيَّة مع إيرادات الأناجيل الإزائيَّة. ولبث الأمرُ هو هو في القرن الرابع لدى الكتَّاب اليونانيِّين الرئيسيِّين (ما عدا الإسكندرانيِّين لأنَّ العمل لم ينته). ونلاحظ أنَّه إن كانت الرسالة إلى رومة وردت مرارًا، فقد تجاوزتها تجاوزًا كبيرًا الرسالة الأولى إلى كورنتوس، خصوصًا مع ف 15 والكلام على قيامة المسيح وقيامة الموتى. فللوهلة الأولى، يبدو في القرون الثلاثة الأولى لتقبُّل بولس في عالم اليونان، أنَّ لاهوتيَّ القيامة قُرئ أكثر من مرَّة. نحن لا نستطيع أن نحدِّد أكثر من ذلك، لأنَّ هناك بعض اللايقين في النتائج: فالمجموعة المحفوظة قد تغشُّنا، لأنَّ مقطعًا يمكن أن يرد أكثر من مرَّة، ولأنَّ بولس فسَّر الرسالة إلى رومة، ويبدو أنَّه لم يفسِّر كورنتوس الأولى، وإن وُجد منها مقاطع عديدة. ب - النهج وما فيه من حذر ويكون الباحثُ فطنًا، لأنَّ آية ترد، لا اللاهوت البولسيُّ كلُّه للمقطع أو للرسالة. مثلاً، المعارضة التي تعبِّر عنها 1 كو 13: 12 عن الرؤية في مرآة والرؤية وجهًا لوجه، استُعملت مرارًا، وخصوصًا »وجهًا لوجه« للكلام عن الحياة المقبلة. فلا نستطيع القول إنَّ كلَّ لاهوت المقطع دُرس. ولكن تكرَّرت العبارة فبان أنَّ عدد الإيرادات كثير. وهناك مثل آخر أكثر وضوحًا: البرقع على وجه موسى وعمى اليهود في 2 كو 3: 13-14، بما فيه من هجوم على الذين رفضوا المسيح. لا نستطيع هنا أن نتحدَّث عن »تقبُّل« بولس. ثمَّ إنَّ لفظ »تقبُّل« يحمل أكثر من معنى: الأخذ بالفكرة ككلّ، أو استقراض عبارة ما لأنَّها تتماشى مع ميولنا. والممارسة القديمة للتلميح تطرح مسألة إجماليَّة، ولاسيَّما حين الكلام عن الكتاب المقدَّس: يستطيع كاتب أن ينسخ عدَّة تلميحات كتابيَّة يستقرضها من هنا وهناك، فتصبح البيبليا ينبوع إلهام له ويكون لمؤلِّفه وزنٌ وقيمة. أمَّا التقبُّل الحقيقيُّ فيكون على مستوى آخر. غير أنَّ ما يفعله الناشر اليوم، أو ما قدَّمته البيبليا الباترستيكا، لا يميِّزان بين هذه الطرق المختلفة للعودة إلى النصِّ الكتابيّ، بحيث لا يستطيع الباحث أن يستفيد من هذه الكميَّة من »الوثائق«. هذا من جهة. ومن جهة أخرى، أردنا أن نتجاوز هذه العقبة، منطلقين من الموضوعات البولسيَّة لكي نقيِّم تأثيرها على فكر الآباء. وإلاّ نسقط في الصعوبة التي أشرنا إليها من قبل، وهي المفترضات الضمنيَّة التي نختار. فيجب علينا أن نُحسن الاختيار: الكرستولوجيا. النظام في الجماعات، تفسير الكتب المقدَّسة، الشريعة والإيمان، لاهوت الجسد السرِّيّ، الأنتروبولوجيا أو النظرة إلى الإنسان، الخلقيَّة الاجتماعيَّة أو الزواجيَّة، المحبَّة... كيف نقوم بدورة حول العالم البولسيّ دون أن نضع أبحاثًا مشرَّعة، مقسَّمة، الواحدة قرب الأخرى. حين تُطرح مسألة »المركز« (أو: قلب الفكر البولسيّ) أو نقطة انطلاق الفكر البولسيّ، لا نستطيع أن نتَّخذ هنا موقفًا مسبقًا. وإذ نريد أن نتجنَّب تجنُّبًا اعتباطيٌّا خيار الموضوعات، نستطيع أقلَّه في البداية أن نأخذ خطٌّا كرونولوجيٌّا، موضوعيٌّا: كيف استعمل الكتَّاب الأوَّلون المجموعة البولسيَّة. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|