الصلاة

[روشا الفرفوشه]

الصلاة هي سر مغروس في كياننا ووعينا النفسي، وبحسب طبيعتها السرية هي نداء الله الداخلي المستمر في كيان الإنسان حتي يبلغ الإنسان غاية قصد الله من خلقته وهي الأتحاد به، أما بحسب ظاهرها فهي إستجابة حرة الأرادة الصالحة حينما تفيق من حين إلي آخر وتلبي الدعوة الالهية للمثول أمام الله والحديث معه. وفي كلا الوضعين أي في النداء المستمر المبهم والاستجابة العلنية المتقطعة تكمل الصلاة كفعل الهي بشري، كنداء وجواب، كمناجاه كما يسميها غريغوريوس النيسي، ولكنها مناجاه نشيطة من جانب الله بطيئة دائماً من جانبنا. وفي الواقع كلا الطرفين ينادي وكلا الطرفين يستجيب غير أن الله يكون دائماً البادئ: "مددت يدي طول النهار".
أما الغاية الزمنية من هذا الحوار الالهي البشري فهي بقاء الإنسان تحت عناية الله ضماناً لحياته علي الأرض وتأكيداً لنموه، وأما الغاية النهائية فهي قبول الإنسان في شركة محبة الله مرة أخري وإلي الأبد.
وهكذا تبدأ الصلاة كدعوة سرية من الله للمثول أمامه، تكمل من جانبنا بأستجابة حرة مشتاقة للحديث إليه، ثم تدخل الصلاة في مقصدها الالهي كفعل توبة وتطهير، ثم تبلغ إلي غايتها العظمي كذبيحة محبة واتضاع اعداداً للشركة مع الله.

وبالرغم من أن الصلاة حاسة روحانية مغروسة في النفس في صميم وعيها بذاتها، الا أن كثيراً من الناس لا يستخدمونها فتصبح في ركود دائم ربما يدوم كل حياة الإنسان فيموت وهو لم يعٍ حقيقة نفسه ولم يعِ علاقتها بالله .. هذه النفوس شبهها يهوذا الرسول: "كنجوم تائهة محفوظ لها قتام الظلام إلي الأبد" [يه:13]
هذا أمر خطير لأن الصلاة ليست حاسة موجودة لتدبير الحياة في هذا الدهر فقط بل هي مغروسة في طبيعتنا حتي نرتقي بواسطتها إلي الله وتنتهي إلي الأتحاد به، فننتقل من هذه الحياة الزمانية الفانية إلي الحياة الأبدية معه.


بعض أقوال الاباء عن الصلاة، فقد عرفها كل واحد كما رآها وتذوقها ليس من فهم أو معرفة عقلية وإنما عن أختبار وحياة.

1/ الصلاة هي رفع العقل إلي الله [الأب يوحنا الدمشقي]
2/ الصلاة هي رجوع التائب إلي الله، هي بكاء الساقط النادم أمام الله هي إنسكاب شعور القلب في طلبات وتضرعات وتنهدات الإنسان الساقط الذي قتلته الخطية. [الأسقف أغناطيوس]
3/ الصلاة هي شعورنا الدائم بفقرنا وضعفنا الروحي. وهي رجوع الإنسان إلي نفسه للتأمل فيها وفي الخليقة التي هي من أعمال حكمة الله الفائقة القادرة علي كل شئ.. والصلاة حالة شكر دائم. [الأب يوحنا ك]
4/ أحياناً يطلقون كلمة الصلاة علي ما هو ليس صلاة بالمرة، فمثلاً إنسان يذهب إلي الكنيسة ويقف هناك وقتاً ما يتفرس في الأيقونات أو في وجوه الناس وملابسهم ثم يخرج من الكنيسة وهو مقتنع إنه كان يصلي، أو أخر يقف أمام الأيقونة في ركن غرفته، يحني رأسه ويتمتم ببعض كلمات قد حفظها عن ظهر قلب بدون معرفة أو شعور ثم يقتنع في ذاته إنه يصلي. ليست هذه صلاة باي حال لأن الصلاة إنما تكون من الفكر ومن القلب معاً. ولكن مثل هؤلاء أنما يقضون أوقاتهم مع الناس في الكنيسة أو مع الصور في البيت ولكن ليس مع الله في الصلاة. وأخرون يصلون بشفاههم، وقلوبهم باردة لا تشعر ولا تهتم بما يسألون. يلزم هؤلاء جميعاً أن يتعمقوا أكثر في ذواتهم ويندموا من قلوبهم ويفكروا بفحص فيما هي الصلاة وما هي الشركة المقدسة.
برودة القلب نحو الله في الصلاة إنما هي من تقدمة الشيطان اذ هو البرودة كلها التي للهلاك.. إنما نحن نقدم قلوبنا لله محترقة حباً. [الأب يوحنا ك].
5/ صلاة البار مفتاح السماء. وبقوتها يستطيع كل شيء. هي حمي نفوسنا مصدر لكل الفضائل، السلم الذي نصعد به إلي الله هي عمل الملائكة هي أساس الإيمان. [أغسطينوس]
6/ أن علامة الصلاة الناجحة هي أرتسام فكرة واضحة عن الله في النفس ودليل سكني الله فينا هي ثبوت الفكر فيه وبذلك نصير هيكلاً لله. [باسيليوس الكبير].
7/ الصلاة ألتصاق بالله في جميع لحظات الحياة ومواقفها فتصبح الحياة صلاة واحدة بلا انقطاع ولا اضطراب. [باسيليوس الكبير]

[Mary Naeem]

شكرا يا رشا
الصلاة