رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
وتَجلَّى بِمَرأًى مِنهُم، فأَشَعَّ وَجهُه كالشَّمس، وتَلألأَت ثِيابُه كالنُّور. تشير عبارة "تَجلَّى" في الأصل اليوناني μετεμορφώθη (معناها تغيّرت الهيئة) إلى تحوّل وتغيير هيئة يسوع، بالتحديد شكله ومظهره. ويدل الفعل على تحوّل روحي (رومة 12: 2). أمَّا هنا فيدل على تحوّل منظور بمشهد من الرُّسل، إذ تحوّل وجّه المسيح وأضاء كالشَّمس. وربما ظهر وقتئذٍ بشيء من المَجْد الذي لناسوته الآن في السَّماء، كما ظهر ليوحَنّا الحبيب " فرَأَيتُ في التِفاتي سَبعَ مَناوِرَ مِن ذَهَب وبَينَ المَناوِرِ ما يُشبِهُ ابنَ إِنْسان، وقد لَبِسَ ثَوبًا يَنزِلُ إلى قَدَمَيه وشَدَّ صَدرَه بِزُنَّارٍ مِن ذَهَب. وكان رَأسُه وشَعرُه أَبيَضَينِ كالصُّوفِ الأَبيَض، كالثَّلج، وعَيناه كلَهَبِ النَّار، ... ووَجهُه كالشَّمس تُضيءُ في أَبْهى شُروقِها " (الرؤيا 1: 12 -17)؛ أمَّا لوقا الإنجيلي فقد تجنّب استعمال كلمة "تَجلَّى" نظراً لكون سامعيه من الوثنيين ذوي الثقافة اليونانية؛ فهؤلاء لن يفهموا ماذا تعني كلمة التَّجَلِّي إلاّ بمعنى ضربا من التناسخ والتحوّل عند الآلهة الميثولوجيا، ولذا فقد أراد استخدام كلمة "تبدّل"، ἐγένετο ἕτερον ، أي صار وجهًا آخر. وكان التَّجَلِّي مُقدِّمة لمَجْد المسيح الذي سوف يظهر. ويقول يوحَنّا الرَّسُول " هذهِ الأَشياءُ لم يَفهَمْها تَلاميذُه أَوَّلَ الأَمرِ، ولَكِنَّهم تَذَكَّروا، بَعدَما مُجِّدَ يسوع، أَنَّها فيهِ كُتِبَت، وأَنَّها هي نَفسُها لَه صُنِعَت"(يوحَنّا 12: 16). كان مَجْد المسيح يستتر بناسوته اتضاعًا، وعند التَّجَلِّي ارتفع الحجاب مُظهرًا مَجْد يسوع الأزلي. يكشف الله عن نفسه هنا لا من خلال قوى الطَّبيعة، بل من خلال ابنه يسوع الإنسان المُتجسِّد، كما جاء في مُقدِّمة إنجيل يوحَنّا " رأَينا مَجدَه مَجداً مِن لَدُنِ الآبِ لابنٍ وَحيد " (يوحَنّا 1: 14). فالتَّجَلِّي هو استباق للقيامة في نظر مرقس الإنجيلي (مرقس9: 2-13). أمَّا عبارة " بِمَرأًى مِنهُم " في اليونانية ἔμπροσθεν αὐτῶν (معناها قدّامهم) فتشير إلى رؤية التَّلاميذ يسوع كما لم يروه من قبل كي يكونوا شهودًا على هذا الحدث حيث انكشف أمام أبصارهم البُعد الإلهي ليسوع؛ فيُعلق العلاَّمة أوريجانوس بقوله "إن السَيِّد المسيح هو هو لا يتغيّر، لكن من يتطلّع إليه خلال الأناجيل المقدّسة دون أن يصعد على جَبَل الحكمة المقدّسة، لا يقدر أن يرى مَجْده ويُدرك أسراره، أمَّا من يرتفع على هذا الجَبَل فينعم بالتَّجَلِّي"؛ يريد الرَّبّ أن يكشف أمامنا عن مَجْده. هل نبحث عن حضوره بإيمان وتقوى؟ أمَّا عبارة "فأَشَعَّ وَجهُه" في الأصل اليوناني ἔλαμψεν τὸ πρόσωπον αὐτοῦ (معناها أضاء وجهه) فتشير إلى التحوّل المنظور في الوجه المُشعَّ (مرقس9: 2)، إذ بزغ حينئذٍ مَجْد يسوع الأزلي. إن وجه يسوع الـمُستنير يرتبط بنبوءة دانيال الّذي أشار إلى مجد وسلطان ابن البشر (دانيال 7: 13-14). إن في أعماق يسوع نورًا يشع في الخارج ويُضيء كل شيء حوله، كما جاء في مُقدِّمة إنجيل يوحَنّا "فيهِ كانَتِ الحَياة والحَياةُ نورُ النَّاس والنُّور يَشرِقُ في الظُّلُمات" (يوحَنّا 1: 4). ويُعلق القديس ايرونيموس "صبغ يسوع هيئته بالسُّمُوّ، لكنّه لم ينزع عنه مظهره الخارجي". وهنا إشارة إلى موسى النَّبي لدى لقائه بالله على جَبَل سيناء، كما ورد في سفر الخروج "لَمَّا نَزَلَ موسى مِن جَبَل سيناء، ولَوحا الشَّهادةِ في يَدِه عِندَ نُزولِه مِنَ الجَبَل، لم يَكُنْ يَعلَمُ أَنَّ بَشَرَةَ وَجهِه قد صارَت مُشِعَّةً مِن مُخاطَبَةِ الرَّبّ لَه" (خروج 34: 29). ولا ننسى أنَّ يسوع هو موسى الجديد. ولكن شتّان ما بين الخادم في بيت الله (موسى) وابن الله (يسوع المسيح). أمَّا عبارة " كالشَّمس " فتشير إلى ضياء الطَّبيعة الإلهية، النُّور غير المخلوق الذي كان كامِنًا في يسوع وأخفاه في ناسوته عند التَّجسد لمَّا اتخذ صورة عبد، وكشفه لحظات في التَّجَلِّي. إنَّه شمس البِرِّ (ملاخي 3: 20) كما يُعلق أُوريجانوس "يضيء وجهه كالشَّمس ليُعلن ذاته لأبناء النُّور، هؤلاء الذين خلعوا أعمال الظلمة ولبسوا أسلحة النُّور (رومة 13: 12). وبكشفه عن ذاته يُضيء عليهم ليس بشمس بسيطة، وإنما بشمس البِرِّ". أمَّا عبارة "تَلألأَت ثِيابُه" في الأصل اليوناني τὰ δὲ ἱμάτια αὐτοῦ ἐγένετο λευκὰ (معناها صارت ثيابه بيضاء) فتشير إلى التَّحوّل المنظور في الثِّياب. والثِّياب البيضاء المتلألئة هي احدى علامات المَجْد السَّماوي (دانيال 7: 9) التي تُمنح للمختارين الذين يصبحون كالمَلائكة، كما ورد في سفر الرؤيا "الغالِبُ سيَلبَسُ هكذا ثِيابًا بيضًا، ولن أَمحُوَ اسمَه مِن سِفْرِ الحَياة، وسأَشهَدُ لاسمِه أَمامَ أَبي وأَمامَ مَلائِكَتِه" (رؤيا 3: 4). وما ثوب المعمودية الأبيض، وثوب العروس الأبيض، وثوب الكاهن الأبيض في القداس إلاّ إشارة إلى الفصح وإلى التَّلاميذ المشتركين مع معلمه (رؤيا 3: 18). أمَّا الخطيئة لا سيما الكبرياء تجعل الإنسان يضع نفسه مكان الله، يُشوّه نفسه ويصبح عاريًا يملأه الخَجل والعَار، كما حدث مع آدم وحواء بعد ارتكابهما الخطيئة "فآنفَتَحَت أَعيُنُهما فعَرَفا أَنَّهما عُريانان. فَخاطا مِن وَرَقِ التِّين وصَنَعا لَهُما مِنه مَآزِر" (التكوين ٣: 7). أمَّا عبارة " كالنُّور " فتشير إلى الأناجيل التي توضِّح أن هذا النُّور لم يكن نورًا حسيًا، بل هو ضياء الطَّبيعة الإلهية، كما علق القديس غريغوريوس التسالونيقي "هذا هو النُّور غير المخلوق الذي كان كامنًا في السَيِّد وأخفاه في ناسوته عند التَّجسد لمَّا اتخذ صورة عبد". |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
نصبح إخوة يسوع بقدر ما نتضامن معه |
تحوّل أتباع يسوع من تلاميذ إلى رسل |
الفكر الآبائي حول إخوة يسوع |
تغيرت هيئة يسوع |
وفى عتاب علي هيئة سكوت وفيه علي هيئة دموع |