نعمة فوق نعمة
«وَإِذَا سُلَّمٌ مَنْصُوبَةٌ عَلَى الأَرْضِ وَرَأْسُهَا يَمَسُّ السَّمَاءَ ...
وَهُوَذَا الرَّبُّ وَاقِفٌ عَلَيْهَا»
( تكوين 28: 12 ، 13)
لقد استلهم رجال الله العظماء، وهم في وحشة الانفراد، أغلى الرؤى والمناظر السماوية الإلهية وأجملها. فموسى وهو يرعى الغنم بعيدًا عن الأهل والإخوة والوالدين، رأى منظرًا عجيبًا «ظَهَرَ لَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ بِلَهِيبِ نَارٍ مِنْ وَسَطِ عُلَّيْقَةٍ. فَنَظَرَ وَإِذَا الْعُلَّيْقَةُ تَتَوَقَّدُ بِالنَّارِ، وَالْعُلَّيْقَةُ لَمْ تَكُنْ تَحْتَرِقُ» ( خر 3: 2 ).
ودانيآل، وهو مَسبيٌّ بعيدًا عن الوطن والشعب، لم يرَ تاريخ ممالك الأرض كما لو كانت في مرآة عاكِسة فقط، بل رأى أيضًا «فِي رُؤَى اللَّيْلِ ... مِثْلُ ابْنِ إِنْسَانٍ أَتَى وَجَاءَ إِلَى الْقَدِيمِ الأَيَّامِ ... فَأُعْطِيَ سُلْطَانًا وَمَجْدًا وَمَلَكُوتًا» ( دا 7: 13 ، 14)
.
وحزقيال، وهو عند نهر خابور بين المَسبيين، رأى السماوات مفتوحة ورأى رؤى الله؛ الكروبيم الهائلة والعجيبة (صفات الله في القضاء)، ورأى «مَنْظَرُ شِبْهِ مَجْدِ الرَّبِّ» ( حز 1: 28 ). والمعمدان، وهو في برية الأردن بعيدًا عن الأضواء والضوضاء، بعيدًا عن الهيكل وأورشليم، رأى الكلمة المُتجسِّد، فقال: «هُوَذَا حَمَلُ اللهِ!» ( يو 1: 29 ، 36). ويوحنا الحبيب، وهو مَنفيٌّ في جزيرة بطمس، رأى السيد مُتسربلاً بثياب القضاء والجلال ( رؤ 1: 12 -18).
ويعقوب في هروبه إلى ما بين النهرين ـــــ بعد أن فعل ما فعل من كذب ومكر وخداع ـــــ يعقوب هذا وهو في طريقه، في القفر والخلاء المُوحِش الخَرِب، في وسط سكون الليل وظلامه الدامس، حيث الماضي المُخجل، والحاضر المُظلم، والمستقبل المجهول، وهو بعيد وحيد، رأى لا باب السماء وملائكة الله فقط، بل أيضًا رأى الرب واقفًا هناك، رأى إله العهد.
أن يرى موسى وحزقيال ودانيآل أغلى الرُّؤى وأجملها، فهذه نعمة غنية. أمَّا أن يرى يعقوب رؤياه الجميلة المُشجِّعة، فهذه نعمة فوق نعمة، إنها فيض من النعمة.