انطلق يوناثان إلى الحقل ومعه سلاحه وأيضًا غلام صغير حتى لا يشك أحد في أمره بل يحسبونه ذاهبًا للتمرن على رمي السهام كعادته. طلب من الغلام أن يلتقط السهام التي يرميها [36]. بينما كان الغلام راكضًا رمى السهم حتى جاوزه، وناداه: "أليس السهم دونك فصاعدًا... اعجل. أسرع. لا تقف". كان ذلك إشارة إلى داود المختبئ في الحقل بأن الخطر يلاحقه وأن يسرع بالهروب. أعطي يوناثان السلاح للغلام ليدخل به إلى المدينة، وقام داود من جنوب حجر الافتراق وسقط على وجهه إلى الأرض وسجد ثلاث مرات علامة تقديره وشكره ليوناثان الذي يهتم بحياته. كان الوداع حارًا، إذ بكى كل منهما صاحبه ليفترقا بلا تلاقٍ على هذه الأرض. زاد داود في بكائه، فقال له يوناثان: "اذهب بسلام لأننا كلينا قد حلفنا باسم الرب قائلين: الرب يكون بيني وبينك، وبين نسلي ونسلك إلى الأبد"، ثم افترقا حسب الجسد أما قلباهما فازدادا التحامًا وحبًا.
ما أعذب الحب وما أثمنه فإنه ليس ما يحطمه ولا حتى الموت! هو رصيدنا الأبدي، إذ يقول الرسول بولس: "المحبة لا تسقط أبدًا؛ وأما النبوات فستبطل والألسنة فستنتهي والعلم فسيبطل" (1 كو 13: 8).