منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 07 - 06 - 2023, 05:45 PM
 
souad jaalouk Female
..::| مشرفة |::..

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  souad jaalouk غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 123471
تـاريخ التسجيـل : Jun 2017
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : لبنان
المشاركـــــــات : 17,082

التسوق في مول الله (مستوحاة من قصة للشيخ باييسيوس الآثوسي)

عندما كنت طالباً في جامعة أثينا، كان يوم السبت بالنسبة لي هو أجمل الأيام، لأنه كان يجمع في ساعاته الأربع وعشرين، التي كانت تمضي مسرعةً كالريح، الكثير الكثير من الأمور التي كنت أحبها.

واحدة من هذه الأمور كانت التسوق. التسوق في المول والتسوق في المكتبة. في الأولى كنت أتمتع في البحث عن الأمور التي كانت تضمن استمرار حياتي البيولوجية بشكل ممتع وجميل، وخصوصاً عندما كنت أجد الكثير من العروض المغرية، أما في الثانية فكنت أفتش المكتبة باحثاً عن الكتب التي كانت تكفل استمرار حياتي الكهنوتية والليتورجية واللاهوتية وحتى الروحية. وهكذا كنت أترقب ذلك اليوم، كما يترقب العاشق يوم اللقاء مع محبوبته.

في أحد السبوت، سحراً جداً، وبعدما استعديت للانطلاق إلى المول، وبينما كنت أشق طريق حياتي بفرح وحماس للوصول إليه، رأيت فجأةً لافتة، خُط عليها بأحرف رائعة الجمال، وكأن أيدٍ بشرية لم تمسّها، عبارة "مول الله". ففكرت ملياً فيما عسى يكون هذا المول، وما هي طبيعة بضائعه؟! فمول الـ "ليدل" كان يتمتع ببضائعه الألمانية المميزة، ومول الـ "ديّا" كان يتميز ببضائعه الإسبانية الممتازة والرخيصة الثمن وهكذا... أما مول "الله"!! فما عسى يكون نوع بضائعه؟

وهكذا وبعد أخذ و ردّ، دغدغني فضولي ودفعني إلى الدخول. وما أن اقتربت إلى الباب حتى فُتح تلقائياً كما تتفتح اليرقة لتخرج الفراشة إلى الحياة، وما إن وطئت قدماي أرض المول، حتى صعقتُ بمنظرٍ هالني. رأيت ملاكين على الاستقبال، وملاكاً على صندوق المحاسبة وملائكة على بيع البضائع، لقد كان طاقم العمال والموظفين من طغمات الملائكة التي لا تهدأ، فتذكرت قول المزمور "الجابل الملائكة أرواحاً تخدم كالنار الملتهبة".

وعندما اجتزت المدخل فوجئت بوجود أناس بشر مثلي يتبضعون، كانت تبدو عليهم علامات البساطة والفقر "الفقر بالروح"، لكنهم كانوا فرحين، قنوعين ومسالمين لاشيء ينقصهم "فقراء وهم مغتنون"، مغتنين بما يتبضعونه من هذا المول "مول الله". فتعجبت لهذه الشركة الملائكية البشرية وقلت في نفسي "المجد لك يا رب المجد لك"

وما كدت أطوف في نظري باحثاً عن سلّةٍ لأضع فيها أغراضي، حتى أتاني ملاكٌ بحلة بهية وأعطاني السلة قائلاً لي بفرح: "تبضع كل ما تتوق وتشتهي نفسك من بيتنا هذا"، فأخذت السلة وانحنيت بصورة تلقائية لأقبل يده لكنه سرعان ما اختفى كالبرق. فبدأت أشق طريقي باحثاً عما قد يغذّي نفسي من هذا المكان المبارك.

في أول جناح قابلته رأيت لافتة كُتب عليها ما يلي: "لكي تتعامل مع الناس". فتبادرت إلى ذهني بسرعةٍ أقوال السيد في عظته الشهيرة على الجبل، عندما نصح الناس أن يعاملوا بعضهم البعض، كلٌ كما ينتظر من الآخر أن يعامله. فما كان مني إلا ووضعت في سلّتي الكثير الكثير من "الصبر"، بالإضافة إلى كمية لا تنفذ من "المحبة" الصادقة، الشريفة والوفية - كون الصبر لا يؤكل بمفرده – وحفنة من "استيعاب الآخرين"، وقد قلت في نفسي هؤلاء الأشياء نحتاجها أينما وحيثما نذهب في كل مكانٍ وزمان.

خرجت من الجناح الأول سعيداً بما اشتريت، لكن غير مكتفٍ، فقد كنت أشعر بعطشٍ يحثني على الاستمرار، لذلك تابعت مشواري في البحث. وحالما وصلت إلى الجناح الثاني، وجدت لافتةً أخرى خُط عليها مايلي "لتبقى بقرب الله". فاختلج قلبي فرحاً، لأني شعرت بأن نفسي قد وجدت ما تتوق إليه، فهرعت أدخل الجناح مسرعاً. فأخذت على الفور كيسين من الحكمة، فبدء الحكمة مخافة الله، والحكمة - حكمة الحيّات – هي في أن يعرف المسيحي بأن مصدر حياته هو الله وليس كما ظن الابن الضال. واشتريت 4 أكياس من الحجم الكبير مملوءةً من الإيمان، فالرب قال :"من آمن بي وإن مات فسيحيا"، فحياتنا البيولوجية ما هي إلّا تهيئة للدخول إلى العرس الأبدي، وباب هذا العرس هو الإيمان الذي يحيي جبلتنا الفانية. لكن حتى يبقى هذا الإيمان ثابتاً في الصعاب والآلام والمرض وعند كل تجربة، طلبت أن يكون الإيمان الذي اشتريته مطعّماً بالقوّة والثبات، فهما عاملان ضروريان يكفلان استمرار الجهاد الروحي سعياً نحو الإيمان الحق، مقتدياً ببولس الرسول الذي قال: "يا أخوتي تقوّوا في الرب وفي شدة قوته، ألبسوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تثبتوا ضد مكايد ابليس" أفسس (10:6).

خلال مدة سيري في هذا المول، لم تَلُح علي أبداً آثار التعب، كما أن الوقت كان يبدو وكأنه ثابت، لا بل أكثر دقةً كما لو أنه لم يكن ليوجد أصلاً، على عكس باقي الأماكن التي كنت أذهب إليها، وأشعر بالتعب بعد انقضاء برهة من الزمن، هذا الزمن الذي كان ثقيل الوزن على عاهلي، لأني كنت أضغط نفسي محاولاً توفير أكبر قسطٍ منه، لألحق القيام بأعمال أخرى. وقد كان الفضل في شعور الحيويّة هذا إلى ذلك الهواء النقي الذي كنت أستنشقه، هواءٌ صافي وخالي من أي شائبة سامة تلوّثه، فقد كنت تشعر بوجوده في كل مكان، وفي كل زاوية من زوايا المول، وقد كان يملئ رئتيّ حتى آخر ذرة وينعشني، كما تنعش النسمة الباردة صدر الإنسان المتعب المثقل من حرارة الصيف الحارقة. لم يكن أبداً كالهواء الملوث الذي نستنشقه في عالمنا، كان يبدو وكأنه من عالم آخر، فأدرت طَرفي وسألت أحد الملائكة، الذين كانوا يخدمون في أحد الأجنحة، عن سرّ هذا الهواء ، فابتسم وقال لي "إنه الروح القدس، المحيي، الحاضر في كل مكان، والمالئ الكل بالصالحات" فأدركت ساعتها لكم هو مهم حضور الروح القدس في حياتنا، وكم كان القديس سيرافيم ساروف محقاً عندما قال: "إن غاية المسيحي هي اقتناء الروح القدس"، فــ"الحرف يقتل والروح (القدس) يحيي"

مقتاداً إذا بالروح، تابعت مسيري إلى الجناح التالي، فوجدت لائحة كتب عليها "إحمل صليبك واتبعني"، فتذكرت بأن حياة المسيحي هي أن يحمل صليبه كل يوم ويتبع السيد، وما تعريف المسيحي إلّا أنه حاملٌ للصليب، فقررت الدخول.

في هذا الجناح اشتريت لي أولاً شيئاً من "الزهد"، فالزهد يحرّر الإنسان من كل شيء يجعله عبداً لهذا العالم ويحجبه عن حمل الصليب، كالمال والسلطة وغيرهما. فالإنسان ليس عبداً لما يشتهيه، بل هو حرٌّ بصليب الرب

على الرف التالي رأيت لافتةً كُتب عليها الـ"التواضع". آآآآه إنه التواضع السامي الذي يرفع كل إنسان ويجعله صديق الله، فالمتواضعون كما يقول الشيخ بايسيوس الآثوسي هم "أذكى الناس في العالم لأنهم يحفظون كنزهم الروحي وديعةً في صندوق الله".

وعندما بادرت لأشتري كميةً من التواضع فوجئت بأنه لا يباع بكميات محدودة وإنما بإشتراك شهري (isdl) تزداد سرعته بمقدار ما يجاهد المرء روحياً. وحذّروني من قطع الاشتراك لأنه سيؤدي لسقوط الصليب عن كتفي. وعندما سألتهم عن مقدار الإشتراك الشهري للتواضع قالوا لي إنه "إخلاء الذات"، فتذكرت بأن فضيلة المسيح على الصليب لم تكن ألمه، وإنما إخلائه لذاته الإلهية من أجل أحبائه كما قال بولس الرسول "الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب نفسه معادلاً لله، بل أخلى نفسه آخذاً صورة عبدٍ بين الناس ... ووضع نفسه وأطاع حتى الموت .. موت الصليب ...".

هنا ارتبكت وسألت الملاك بخوف "وماذا سيحدث إذا حصل وتأخرت عن دفع الاشتراك؟" فابتسم وقال لي "لا تخف ... فأنا ملاكك الحارس وسأكون بقربك دائماً ... أنت صمّم فقط وامدد يدك المسترخية لأهديك أنا إلى الطريق" فأشعرني كلامه بالارتياح وبعث في نفسي الطمـأنينة. هنا تابعت السير حتى نهاية الجناح فوجدت علباً كبيرة كُتب عليها "شُكر الله" فقلت في نفسي شكر الله ضروري أيضاً لحمل الصليب لأنه جوابنا وامتناننا على النعمة المجانية التي منحناها يوم علّق الرب على الصليب.
رد مع اقتباس
قديم 07 - 06 - 2023, 05:53 PM   رقم المشاركة : ( 2 )
walaa farouk Female
..::| الإدارة العامة |::..

الصورة الرمزية walaa farouk

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 122664
تـاريخ التسجيـل : Jun 2015
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : مصر
المشاركـــــــات : 368,013

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

walaa farouk متواجد حالياً

افتراضي رد: التسوق في مول الله (مستوحاة من قصة للشيخ باييسيوس الآثوسي)

مشاركة رائعة
ربنا يفرح قلبك
  رد مع اقتباس
قديم 07 - 06 - 2023, 06:03 PM   رقم المشاركة : ( 3 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,275,281

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: التسوق في مول الله (مستوحاة من قصة للشيخ باييسيوس الآثوسي)



قصة في قمة الجمال

ربنا يبارك حياتك
  رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
معجزة عند قبر القديس باييسيوس الآثوسي
والدة الإله ترسل سمكة للشيخ المريض (من حياة القديس باييسيوس الآثوسي)
القمر البدر _ باييسيوس الآثوسي
القمر البدر _ باييسيوس الآثوسي
الشيخ باييسيوس الآثوسي


الساعة الآن 09:10 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024