منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 05 - 06 - 2023, 12:47 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,275,281

دانيال النبي | الحرب الثالثة

الحرب الثالثة:

"وبنوه يتهيَّجون فيجمعون جمهور جيوش عظيمة،
ويأتي آتٍ ويغمر ويطمو ويرجع ويُحارب حتى إلى حصنه.
ويغتاظ ملك الجنوب ويخرج ويُحاربه أي ملك الشمال،
ويقيم جمهورًا عظيمًا فيُسلَّم الجمهور في يديه" [10-11].
يتنبأ عن ابني كالينيكوس ملك سوريا وهما سلقوس (الثاني) سيرانوس Ceraunus وأنطيوخس الكبير، اللذين جمعا جيشًا للانتقام من المصريِّين بعد موت أيرجيتس. لكن سيرانوس قُتل في فيريجة في السنة الثالثة من حكمه، إذ خانه نيكانور وأباتيريوس Apaturius وهو يستعد للمعركة ضد مصر، تاركًا الحكم لأخيه وحده. صار أنطيوخس الكبير ملكًا مرموقًا، قاد جيشًا ضخمًا ضد مصر. كان في ذلك الوقت بطليموس فيلوباتور الملك الرابع على مصر، وقد حمل لقب فيلوباتور كوصمة عار، لأن الكلمة تعني "المحب لوالده"، بينما قتل والده ووالدته وأخاه، فكرهه الشعب. هذا ما دفع أنطيوخس الكبير للدخول معه في معركة شرسة في رفح سنة 217 ق.م، استخدم فيها الطرفان فيلة ضخمة، لاسترداد ما فقدته سوريا، معتبرين كراهية الشعب لملكهم فرصة للهزيمة. لكن ملك مصر جمع جيشًا عظيمًا يكاد يعادل جيش سوريا. استطاع أن يتحرك سيرانوس بجيشه ويسترد الأراضي السورية المغتصبة، بينما كان ملك مصر المتسم بالجُبن والتهاون يستعد بجيشه العظيم، وإذ التقى بجيش أنطيوخس انتصر عليه في مذبحة عظيمة [11].
لم يغلب فيلوباتور أنطيوخس الكبير بشجاعته وقوته، لكن الرب سمح بذلك ليكسر كبرياء الأخير.
وإذا كان متهاونًا في متابعة نصرته، خاصة وأنه لم يكن يثق فيمن حوله فمع نصرته صنع سلامًا مع أنطيوخس بطريقة غير كريمة [12].


"فإذا رُفع الجمهور يرتفع قلبه ويطرح ربوات ولا يعتز" [12].
يقول المؤرخون أنه كان يمكن لفيلوباتور أن يستولى على سوريا بسهولة، لكنه كان مستسلمًا لشهواته الجسدية وانحلال خلقه مع ارتكابه الكثير من الجرائم. فعند عودته من الحرب قتل زوجته Eurydice وارتكب جرائم كثيرة، كما سلَّم زمام الملك لسيِّدة شرِّيرة لاعبة موسيقى تسمى Agathoclea كما سقط في حب أخيها أغاثوكاليس Agathocles الذي أقامه قائدًا عامًا على مصر.
بعد أن اشتهر بالنصرات فكان الشرق كله يخشاه انغمس في السُكر مع الكسل والتراخي، ولم يعد يشغله شيء سوى الولائم والسهرات والملذات، بهذا ارتفع قلبه إلى سحب نصراته ليسقط منطرحًا في خزي.


"فيرجع ملك الشمال ويُقيم جمهورًا أكثر من الأول،
ويأتي بعد حين بعد سنين بجيشٍ عظيمٍ وثروةٍ جزيلةٍ.
وفي تلك الأوقات يقوم كثيرون على ملك الجنوب،
وبنو العُتاة من شعبك يقومون لإثبات الرؤيا ويعتزون" [13-14].
هنا يعلن الملاك للنبي عن قيام حروب جديدة، فبعد موت بطليموس فيلوباتير، صارت مصر بلا ملك، إذ كان ابنه بطليموس إبيفانس (الخامس 203-181 ق.م) طفلًا صغيرًا يبلغ عمره أربع سنوات وزاد انحراف أغاثوكاليس جدًا وعجرفته فثارت المقاطعات الخاضعة لمصر وتمردت ضد الحكم، ودخلت في مشاكل داخلية كبرى. قام أنطيوخس بالهجوم على مصر، وإذ كانت مصر قد ضعفت جدًا بعثت سفارة إلى روما، وإذ كان الرومان يشتهون مدّ سلطانهم في العالم أرسلوا إلى أنطيوخس يطلبون منه أن يتوقف عن الحرب. بعد محاولات كثيرة فشل في حربه، وأخيرًا انتصر في معركة ضد القائد المصري Scopas على حدود اليهودية. أوضح الملاك أنه لم يقف أنطيوخس الكبير وحده ضد مصر، بل صار لمصر أعداء كثيرون.
صنع أنطيوخس معاهدة مع فيليب الثالث المقدوني، وطلب عون اليهود [13]. رفض الأتقياء من اليهود معاونته لكن بعض اليهود ساندوه.
ماذا نعني ببني العتاة الذين من شعب دانيال يقومون لإثبات الرؤيا؟


يرى القديس جيروم في هذا نبوة عن رئيس الكهنة أونياس الصغير الذي خان مذبح الرب ودنسه في أورشليم. هرب إلى مصر وآخذًا معه عددًا كبيرًا من اليهود، فاستقبلة بطليموس بكرامة عظيمة. قدم له الملك منطقة هليوبوليس دانيال النبي | الحرب الثالثة دانيال النبي | الحرب الثالثة دانيال النبي | الحرب الثالثة (مصر الجديدة)، هناك بنى مذبحًا للرب، مدعيًا أنه يتمم نبوة إشعياء النبي الخاصة بإقامة مذبح للرب في أرض مصر (إش 19: 19)، وذلك كما أخبرنا سفر المكابيِّين وأيضًا يوسيفوس المؤرخ.
يقول القديس جيروم: [إن الهيكل بقي قائمًا حتى عصر فسبسيان لمدة 250 عامًا. وقد دُعيت المدينة نفسها "مدينة أونياس"، وقد خُربت أثناء الحرب بين اليهود والرومان. ولم يعد باقيًا أي أثر للهيكل ولا للمدينة في أيام القديس جيروم.



"فيأتي ملك الشمال ويقيم مترسة ويأخذ المدينة الحصينة،
فلا تقوم أمامه ذراعا الجنوب ولا قومه المنتخب ولا تكون له قوة المقاومة.
والآتي عليه يفعل كإرادته وليس من يقف أمامه،
ويقوم في الأرض البهية وهي بالتمام بيده.
ويجعل وجهه ليدخل بسلطان كل مملكته،
ويجعل معه صلحًا، ويُعطيه بنت النساء ليفسدها فلا تثبت ولا تكون له" [15-17].
يقول القديس جيروم إن أنطيوخس لكي يسترد اليهودية وبعض مدن سوريا دخل في معركة مع Scopas قائد بطليموس، وذلك بجوار الأردن بقرب مدينة تُسمى Peneas، فهرب سكوباس، لكنه حوصر في صيدون مع عشرة ألاف من جنوده. ولم يعد للمصريِّين قوة للمقاومة، وهكذا جلس في الأرض البهية، فلسطين، التي صارت تحت سلطانه جاء في الترجمة السبعينية "أرض المسرة the land of desire"، ويقصد بها الأرض موضع سرور الله. سبق فأعلن الله لدانيال ما سيحدث حتى متى سقطت فلسطين في أيدي أنطيوخس العنيف لا تتحطم نفسية الأتقياء، بل يدركوا أن الله سبق فأعلن عن ذلك. هكذا تصير هذه النبوة سبب تعزية لهم وسط الضيق والسقوط تحت الألم والاضطهاد. ولكي تصير مصر في قبضة يده أعطى أنطيوخس ابنته الجميلة كليوباترة لبطليموس الشاب، ظانًا أنه بهذا يُخضع مصر تحت سلطانه. لكنها لم تقف بجانبه [17]، بل وقفت بجانب زوجها، فحوّل وجهه من مصر إلى آسيا الصغرى بأسطوله البحري فاستولى على كثير من الجزائر.



"ويحول وجهه إلى الجزائر، ويأخذ كثيرًا منها،
ويزيل رئيس تعبيره فضلًا عن ردِّ تعبيره عليه" [18].
يُقصد بالجزائر آسيا الصغرى وسواحل البحر المتوسط واليونان وقبرص وجميع الجزائر بالبحر. فقد كانت عادة اليهود أن يدعو كل المناطق التي تقع بعد البحر بالجزائر، إذ لم تكن لهم خبرة في الشئون البحرية.
استطاع أنطيوخس بجيش صغير أن يتقدم إلى آسيا الصغرى، وكان معه هانيبال Hannibal الذي بلغت شهرته إلى الرومان وكانوا يرتعبون منه، لهذا لم يكن من الصعب عليه أن يطرد الرومان من كل منطقة يعبر إليها. صار هانيبال صديقًا حميمًا لأنطيوخس، يلازمه كل يوم ويتحدث معه، لكن أنطيوخس شك في إخلاصه. اتجه أنطيوخس نحو اليونان بلا تدبير حسن وفي غير تحفظ، وإذ بلغ خالسيس Chalcis انجذب نحو فتاة جميلة هناك فأقام حفل زواج معها كما لو كان في أرضه في سلامٍ تامٍ. وبحكم شهرته العظيمة افتتح مدنًا كثيرة كانت ترتعب أمامه، وحرَّر هذه المدن من الرومان. وكما يعلن الملاك لدانيال: "ويحوَّل وجهه إلى الجزائر، ويأخذ كثيرًا منها" [18].
برفضه مشورة هانيبال بدأ أنطيوخس ينهار ويحل به العار دون أن يدري، وكان يسخر بالرومان ويعيرهم. لقد احتل في البداية بعض مناطق باليونان التي كانت متحالفة مع القوة الرومانية الناشئة حديثًا، لكن القائد الروماني Acilius أو Lucius Scipio Nasica (ومعه أخوه Publius Scipio Aficanus) استطاع أن يجتذبه إلى ما وراء جبل طورس Taurus ويهزمه في مغنسيا فرد لأنطيوخس تعييراته التي كان ينطق بها ضد الرومان، لهذا يعلن الملاك "ويزيل رئيس تعييره فضلًا عن ردّ تعييره عليه" [18]. بهذا اِنهار أنطيوخس أمام اليونان المتحالف مع روما. وهنا يلوم كثيرون القائد Scipio لأنه ترك كل إمكانيات روما تحت تصرف فيليب المقدوني.



"ويحول وجهه إلى حصون أرضه ويعتز ويسقط ولا يوجد" [19].
ضعف أنطيوخوس أمام القائد الروماني Scipio فعاد إلى بلاده في خيبة أمل لكي يتحصن في بلاده بعد أن فقد الكثيرين [19]، وإذ حاول أن ينهب هيكل جوبيتر دودنيوس Jupiter Dodoneus في اليمايس Elymais بجوار شوشان، ربما لكي يدفع الجزية الرومانية، قُتل هو وجنوده بواسطة الشعب الثائر ضده. لهذا يقول الملاك "يسقط ولا يوجد".
مات أنطيوخس سنة 187 ق.م. وقد تولى بعده المُلك سلقوس فيلوباتو (187-176 ق.م) ويدعوه البعض سيرانيوس Ceraunus والابن الثاني هو ديمتريوس. والثالث أنطيوخس إبيفانس، الآن يتحدث عن خلفه سلقوس قائلًا:



"فيقوم مكانه من يُعبر جابي الجزية في فخر المملكة،
وفي أيام قليلة ينكسر لا بغضب ولا بحرب؟" [20].
خلفه ابنه سلقوس فيلوباتور، وكان هذا مبالغًا في طلب الضرائب [20] ليدفع الجزية لروما فأرسل رئيس وزرائه Heliodorus إلى أورشليم لينهب الهيكل هناك. بعد قليل اغتال Heliodorus سيِّده، وتولى أنطيوخس إبيفانس الحكم.


"فيقوم مقامه مُحتقر، لم يجعلوا عليه فخر المملكة،
ويأتي بغتة ويُمسك المملكة بالتملقات" [21].
لقد أجمع كل المؤرِّخين أن أنطيوخس إبيفانس كان ماكرًا وعنيفُا إلى أبعد الحدود. إذ بلغ روما خبر موت أبيه أطلقوا سراحه إذ كانوا content (يستخفون) بأخيه ديمتريوس. كان يتملق الرومان، وعند وصوله إلى بلده استقبلوه بحفاوة عظيمة. لم يدم أخوه سلقوس كثيرًا، وكان قد ترك ابنه خلفًا له، لكن استطاع أنطيوخس بخداعه أن يستلم الحكم بلا حق، لذلك يقول عنه الملاك: "لم يجعلوا عليه فخر المملكة" ويكمل "ويُمسك المملكة بالتملُّقات". كيف تم ذلك؟ بخداعه تظاهر أنه رجل سلام مع ابن أخيه، الوارث الشرعي للمُلك، وأنه حارس له... بهذا استطاع أن يسحب المُلك منه.


"وأذرع الجارف تُجرف من قدامه وتنكسر وكذلك رئيس العهد" [22].
لقد وجد أنطيوخس مقاومة من شعبه الذي اكتشف خداعه واستبعاده لابن أخيه، وأيضًا وجد متاعب من البلاد المحيطة مثل مصر، فقد كان ملكها بطليموس فيلوميتور ولدًا، وكان مشيروه على علاقة طيِّبة بابن سلقوس الذي استبعده عمه، فأرسلوا معونة سرية لمقاومة أنطيوخس. هكذا فعلت بلاد مجاورة كثيرة. لكن كل هذه الأذرع المقاومة انكسرت كقول الملاك هنا، إذ كانت كالسيل الجارف. لكنها سارت قدامه وانهارت. لم يكن ذلك بسبب قوة أنطيوخس وإنما بسماحٍ إلهي، لأن الله سمح بإقامته لتأديب اليهود في ذلك الحين.
من هو رئيس العهد الذي انكسر أمام أنطيوخس؟ يُقصد به بطليموس لأنه يمت بصلة قرابة مع الوارث الشرعي ابن سلقوس.
بطليموس فيلوميتور هذا كان أبنًا لبطليموس فيلوباتور وكليوباترة أخت سلقوس، ومع كونه ولدًا صغيرًا لا يستطيع أن يتحرك بنفسه لكنه كان رئيس عهد بكونه ملك مصر.


"ومن المعاهدة معه يعمل بالمكر، ويصعد ويعظم بقومٍ قليلٍ" [23].
في البداية كان أنطيوخس محتقرًا في سوريا، وكانت هناك محاولات تسندها مصر لكي يستلم الملك الشرعي "ابن سلقوس" الحكم. لكن أرسل أنطيوخس إلى ملك مصر (ابن أخته) يطلب صداقته، خاصة وأن كليوباترة أخت أنطيوخس كانت لا تزال على قيد الحياة. اطمأن بطليموس لخاله أنطيوخس وصارا في صداقة، لكن إذ ثبَّت أنطيوخس أقدامه قام فجأة بحملة قوامها عدد قليل واستولى على بعض مدن مصر من ابن أخته الذي لم يكن يتوقع قيام هذه الحملة.



"يدخل بغتة على أسمن البلاد، ويفعل ما لم يفعله آباؤه، ولا آباء آبائه.
يبذر بينهم نهبًا وغنيمة وغنى،
ويفكِّر أفكاره على الحصون وذلك إلى حين" [24].
استطاع بخداعه لا بقوة عسكرية ضخمة أن يغتصب من ابن أخته بعض مدنه وينهب ويحمل غنائم وغنى إلى بلده، إذ كان المصريُّون يعيشون في ترفٍ. عاد أنطيوخس يفكر كيف يهجم بعد ذلك على بلاد مصر الحصينة كمرحلة ثانية.
لقد فاق أنطيوخس آباءه وأجداده في الخداع، ولم يوجد من يُقارن به، خاصة وأن كسر العهود - خاصة في الشرق - يُعتبر أمرًا مُشينًا، مهما كانت الظروف.


"ويُنهض قوته وقلبه على ملك الجنوب بجيش عظيم،
وملك الجنوب يتهيج إلى الحرب بجيش عظيم وقوي جدًا،
ولكنه لا يثبت لأنهم يدبِّرون عليه تدابير" [25].
بعد استيلائه على المدن المفتوحة الآمنة ونهبها عاد أنطيوخس يُهيِّئ جيشًا ضخمًا لفتح مصر والهجوم على مدنها الحصينة. كان محتاجًا إلى وقتٍ طويلٍ لتكوين هذا الجيش بعد أن استولى على بلاد كثيرة مجاورة بخداعه. في نفس الوقت أدرك ابن أخيه ميول خاله فاستعد للمعركة العلنية وهيّأ نفسه بجيشٍ عظيمٍ.
[21-25] ركزت على أنطيوخس إبيفانس الذي أشير إليه قبلًا في الأصحاح 8، والذي دعي "ضد المسيح في فترة العهد القديم".
كان رجال قصره يدعوه Epiphanes إبيفانس أي السامي أو البهي، لأنه كان يهتم بالفنون والعمارة وإنشاء مبانٍ ضخمة جميلة وبهية، لكن البعض كانوا يغيِّرون حرفًا واحدًا Epimanes ويعني "المجنون" لأنه كان عنيفًا ومخادعًا ومعتوهًا في تصرفاته.


"والآكلون أطايبه يكسرونه، وجيشه يطمو، ويسقط كثيرون قتلى" [26].
لقد سمح الله لبطليموس أن يُغلب أمام أنطيوخس بخيانة رجاله، لأنه كان منهمكًا في الملذات، طامعًا، غير مبالٍ بشئون بلده.


"وهذان الملكان قلبهما لفعل الشرّ،
ويتكلَّمان بالكذب على مائدة واحدة، ولا ينجح،
لأن الانتهاء بعد إلى ميعاد" [27].
كان الملكان، الخال وابن أخته، شرِّيرين ومخادعين، لهذا إذ انكسر بطليموس رأى الاثنان حاجتهما إلى الصلح والدخول في صداقة حتى يُدبر كل منهما للآخر ما يُحطمه. لقد غلب أنطيوخس ابن أخته لكنه لم يجسر أن يكمل الرحلة، إذ خشي من الانهيار أمام بقية المدن الحصينة. جلس الاثنان على مائدة واحدة، أما قلباهما فكانا مملوئين كراهية وبغضة. هكذا تفعل السياسة بكثيرين، فيفقد الإنسان ثقته في أقرب من له.
يقول الملاك: "لأن الانتهاء بعد إلى ميعاد" [27]، بمعنى أن ما حدث كان في حدودٍ معينة، لكي تتم خطة الله، إذ لم يكن المنتهى قد جاء، لكن الله حدد لكل شيء موعدًا.



"فيرجع إلى أرضه بغنى جزيل، وقلبه على العهد المقدس، فيعمل ويرجع إلى أرضه" [28].
عاد أنطيوخس إلى أرضه، سوريا، ولم يملك مصر، لكنه حمل غنى كثيرًا منها، ثم عاد ليشن حربًا ضد أورشليم والهيكل المقدس، وضد كل اليهود. لقد اضطر أن يترك أورشليم كما ترك الكثير من الخزائن كما جاء في (2 مك 5: 2)، حيث صنع الله عجائب. ضمَّ ما اغتصبه من الهيكل إلى ما سلبه من مصر، وعاد إلى سوريا حاملًا في داخله الرغبة في مقاومة العهد المقدس، أي يقاوم الله نفسه.


"وفي الميعاد يعود ويدخل الجنوب، ولكن لا يكون الآخر كالأول.
فتأتي عليه سفن من كتّيم،
فييئس ويرجع ويغتاظ على العهد المقدس،
ويعمل، ويرجع ويصغي إلى الذين تركوا العهد المقدس" [29-30].
إذ تمت المعاهدة بين أنطيوخس وابن أخته وجلسا معًا على مائدة واحدة، بدون سبب هيأ أنطيوخس جيشه وكسر العهد ودخل مصر واستولى على جزءٍ منها، كما حاصر الإسكندرية وأخذ الملك الولد مسبيًا، في ذلك الوقت جاءت إرسالية رومانية برئاسة Publuis أو Popilusمن كتيم، التي يُقصد بها مقدونيا واليونان وإيطاليا. استقبله أنطيوخس بلطف شديد كعادته، لكن بوبيلس لم ينخدع بل طلب منه كأمر مجلس السناتور أو الشيوخ الروماني أن يترك مصر فورًا. طلب منه مهلة ليتشاور مع أصدقائه ومشيريه، لكن بوبيلس في حزم رسم دائرة حول الملك بالعصا التي في يده، وطلب منه أن يدعو مشيريه ويتفاهم معهم فورًا قبل خروجه من الدائرة، وإلاَّ أعلن الحرب ضده حالًا. لم يستطع أنطيوخس أن يتردد بل سلّم نفسه في أيدي السيناتور ورجع عن مصر. هذا الواقع التاريخي أعلنه الملاك لدانيال النبي.
لم يُحقق أنطيوخس أطماعه في مصر، وعاد في خزي لمجرد كلمة صدرت من السناتور الروماني، فعاد ليوجه كل طاقاته ضد أورشليم والهيكل المقدس؛ في هذه المرة جاء إلى أورشليم بصورة أكثر عنفًا وشراسة من المرة السابقة. عاد يبحث عن خونة للهيكل "تركوا العهد المقدس" من اليهود يستخدمهم ضد الشعب اليهودي والمقدسات الإلهية. وقد تحقق ذلك كما جاء بالتفصيل في (2 مك 3-5).



"وتقوم منه أذرع، وتنجِّس المقدِس الحصين،
وتنزع المحرقة الدائمة، وتجعل الرجس المُخرِّب" [31].
الأذرع التي وقفت مساندة لأنطيوخس هي لأولئك الذين خانوا الله ونسوا الشريعة، فكانوا مساندين للملك الشرِّير ضد الحق الإلهي (2 مك 4).
سمع اليهود خطأ أن أنطيوخس قُتل ففرحوا جدًا ولما سمع بالأمر في طريق عودته عبر بأورشليم وتصرَّف بقسوة شديدة معهم.
التجأ اليهود إلى روما للمساندة فأرسلت روما جيشًا بينما اتجه أنطيوخس لمقاومة القوى اليهودية تحت قيادة المكابيِّين [29]. خضع أنطيوخس لروما ووعد بحفظ السلام، لكن ما أن عادت القوات الرومانية حتى خان الوعد [30]، وساعده في ذلك بعض الخونة من اليهود.
بخداعه المعروف لم يمنع عبادة الله الحيّ، لكنه بدأ أولًا بممارسة العبادات الوثنية في داخل الهيكل جنبًا إلى جنب مع عبادة الله. دنَّس الهيكل حيث وضع تمثال جوبتر أولمبياس Jupiter Olympius فيه، بعد ذلك وأوقف العبادة اليهودية، وأقام نفسه إلهًا، وذبح خنزيرًا على المذبح. ثار الأمناء الأتقياء ضده تحت قيادة أسرة المكابيِّين الأبطال، فقُتل منهم الآلاف. ما فعله يُحسب "رجسه خراب للهيكل" رمزًا لرجسة الخراب التي ستحدث في أواخر الدهور والتي أشار إليها السيِّد المسيح (مت 25: 24).


"والمتعدُّون على العهد يغويهم بالتملُّقات.
أمّا الشعب الذين يعرفون إلههم فيقْوون ويعملون" [32].
يوضح الملاك كيف انقسم الكهنة وأيضًا الشعب إلى فريقين، فريق خدعته تملقات أنطيوخس، وآخر تمسكوا بمعرفة الله فيهبهم الله قوة وفهمًا أكثر.
وكما يقول القديس جيروم: [إنه لا يشك أحد بأن هذا سيحدث أيضًا في أيام ضد المسيح، حيث يقاومه كثيرون ويهربون منه في اتجاهات كثيرة. ويفسِّر اليهود هذه الأمور عن خراب الهيكل على يديّ فسبسيان وتيطس، ويقولون إن كثيرين ممن أقامهم عرفوا ربهم وقتلوا من أجل حفظهم شريعته].
يقول القديس جيروم: [نقرأ في المكابيِّين أنه وُجد من تظاهروا بأنهم أوصياء على شريعة الله، وأخيرًا دخلوا في عهد مع الأمم... لكن في رأيي هذا سيحدث في أيام ضد المسيح حين تبرد محبة الكثيرين. عن هؤلاء يقول ربنا في الإنجيل "ولكن متى جاء ابن الإنسان ألعلَّه يجد الإيمان على الأرض؟! (لو 18: 8)].


"والفاهمون من الشعب يُعلِّمون كثيرين.
ويعتزُّون بالسيف وباللَّهيب وبالسبي وبالنهب أيامًا.
فإذا عثروا يُعانون عونًا قليلًا، ويتصل بهم كثيرون بالتملُّقات" [33-34].
رفض الحكماء بين الشعب (غالبًا من الكهنة) تملُّقات أنطيوخس وعلَّموا كثيرين أن يستهينوا بكل وسائل العذابات سواء كان القتل بالسيف أو الحرق بالنار أو سبيهم أو نهب ممتلكاتهم، حاسبين هذه كلها أمجادًا وكرامة.
هنا دعوة لاتباع المخْلصين والأمناء في علاقتهم بالله، وعدم الانسياق وراء المتملِّقين أيَّا كانت رتبتهم أو مركزهم. كما هي دعوة للكهنة والقادة أن يقبلوا السيف ويستهينوا بالنار ولا يفقدوا إخلاصهم لله وتمسكهم بالوصية الإلهية، فإنهم وإن بدوا كأنهم قد سقطوا، وليس من عونٍ إلا القليل، مثل المكابيِّين الذين لم يلتصق بهم إلاَّ القلة القليلة الأمينة، يلزمهم ألاَّ يهتموا بالأمجاد الزمنية والمديح.


"وبعض الفاهمين يعثرون امتحانًا لهم للتطهير وللتبييض إلى وقت النهاية.
لأنه بعد إلى الميعاد" [35].
هنا يؤكد أنه يسقط بعض الفاهمين، ولعلَّه يقصد هنا السقوط بالسيف أو بالحرق بالنار، لكن هذا لا يعني عدم مساندة الله لهم، إنما يسمح بذلك لخلاصهم، من أجل تزكيتهم في النهاية، حيث يتطهرون ويبيضون بعمل الله فيهم أثناء معاناتهم من الضيق. يُحسبون شهداء عبروا النيران فتنقوا كالذهب الخالص.
هكذا كان الله يُهيِّئ نفوس المكابيِّين ومن على شاكلتهم ليس منذ لحظة ولادتهم، بل وقبل خلقتهم... حتى متى تحرَّكوا للعمل وشاهدوا المقاومة يرجعوا إلى نبوات دانيال فيتشددوا ولا يخافوا.
يقول القديس هيبوليتس الروماني: [صار أنطيوخس ملكًا على سوريا، ملك في السنة 107 من مملكة اليونان. وفي نفس الوقت أثار حربًا ضد بطليموس ملك مصر وغلبه ونال سلطانًا. في عودته من مصر صعد إلى أورشليم في سنة 103، حاملًا معه كل كنوز بيت الرب، واتجه إلى أنطاكية. بعد عامين أرسل الملك جابيًا للضرائب إلى مدن اليهودية ليجبر اليهود على ترك شرائع آبائهم ويخضعهم لسنن الملك. جاء وحاول أن يُلزمهم بذلك، قائلًا: "تعالوا، وتمموا أوامر الملك فتحيون". أما هم فأجابوا: "لا نأتي ولا نتمِّم أوامر الملك، إننا نموت طاهرين؛ فقام بذبح ألفًا من النفوس" (1 مك 2: 33). بهذا تحقق ما قاله دانيال: "ويعثرون بالأتعاب والمجاعة والسيف والسبي" (دا 11: 33). ويضيف دانيال: "يعانون عونًا قليلًا" (دا 11: 34). إذ قام متياس في ذلك الحين ويهوذا المكابي لمعاونتهم وتخليصهم من أيدي اليونان].
فجأة تحولت الرؤيا إلى نهاية الأزمنة ومجيء ضد المسيح في تفصيل عن شخصه وأعماله الشرِّيرة.
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
دانيال النبي | الحرب الثانية
دانيال النبي | الحرب الأولى
دانيال النبي| في السنة الثالثة لكورش ملك فارس
دانيال النبي | في السنة الثالثة من مُلك بيلشاصر الملك
المرحلة الثالثة في حياة دانيال النبي


الساعة الآن 07:14 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024