الحدود الخارجية حافظت على علاقة إبراهيم بلوط، فلما علم إبراهيم بأمر الحرب العالمية التي جرت، وكانت سدوم وعمورة أحد أطرافها، وجاءه رسول بأن «أَخَاهُ سُبِيَ. جَرَّ (إبراهيم) غِلْمَانَهُ الْمُتَمَرِّنِينَ، وِلْدَانَ بَيْتِهِ، ثَلاَثَ مِئَةٍ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَتَبِعَهُمْ إِلَى دَانَ» (تكوين١٤: ١٤)، فخاطر إبراهيم بحياته وذهب لنجدة لوط، وفي نفس الوقت احترم حدوده الخارجية مع لوط، ولم يجبره على العودة معه لأرض كنعان، ورجع لوط بإرادة حمقاء مرة أخرى لسدوم!!
وليس هذا فقط، لكن أيضًا إبراهيم تشفَّع للوط أمام الله أكثر من مرة، لما شاركه بنيَّة قلب سدوم وعمورة، حتى انتزع إبراهيم قرارًا من الله ”خليله“ بألا يُهلك المدينة إن وجد فيها عشرة أبرار (تكوين١٨: ٣٢). مع أننا لا نقرأ أن إبراهيم تفاوض مع الله في أي أمر يخصه شخصيًا، ولم يصلِّ بنفس الأسلوب التفاوضي وهو ينتظر ابنًا من الله، فيقلل مدة الانتظار من ٢٥ سنة إلى ٥ سنين مثلاً. كل هذا فعله إبراهيم لأنه يحب لوط الذي سبق ووضع حدود خارجية معه.
ونحن نحتاج أن نسمع ونقرأ كثيرًا في موضوع الحدود الخارجية في العلاقات، والذي يقينا الكثير من المشاكل، ويخمد المصائب من بدايتها، و”يفلتر“ العلاقات الصحيحة من العلاقات المدمرة Toxic، مع أن كثير من هذه العلاقات يصعب التخلص منها؛ لأنهم قد يكونوا أقرب الناس إلينا!!
والحقيقة أن موضوع الحدود الخارجية في العلاقات له مرجعية كتابية، فمثلاً أبونا إبراهيم وضع حدودًا مع ابن أخيه لوط، قبل أن تتحول المخاصمة التي جرت بين رعاتهما إلى مخاصمة بينهما هما شخصيًا. فقال إبراهيم (الأكبر مقامًا وسنًا): «لاَ تَكُنْ مُخَاصَمَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَبَيْنَ رُعَاتِي وَرُعَاتِكَ، لأَنَّنَا نَحْنُ أَخَوَانِ. أَلَيْسَتْ كُلُّ الأَرْضِ أَمَامَكَ؟ اعْتَزِلْ عَنِّي. إِنْ ذَهَبْتَ شِمَالاً فَأَنَا يَمِينًا، وَإِنْ يَمِينًا فَأَنَا شِمَالاً» (تكوين١٣: ٨، ٩).