بارِكي يا نفسي الرب
«بَارِكي يَا نفسِي الرَّبَّ، ولاَ تنسَيْ كُلَّ حَسَناتهِ»
( مزمور 103: 2 )
في مزمور 103 نجد داود يناشد نفسه، ثلاث مرات، أن تبارك الرب:
المرة الأولى في العدد الأول، رابطًا المُناشدة باسمْهِ القُدُّوسَ.
والمرة الثانية في العدد الثاني رابطًا المناشدة بحَسَنَاتِه.
والمرة الثالثة في العدد الأخير، خاتمًا المزمور بتلك المناشدة
رابطًا إيَّاها بمُلكه. وحسنًا فعل، الرب أولاً، فعطاياه، فمُلكه.
المرة الأولى: اسمُهُ القُدُّوسَ: ناشَدَ داود نفسه، بل كل ما في باطنه «لِيُبَاركِ اسمَهُ القُدُّوسَ». والبطن تُمثل الأحشاء؛ فهو كشاعر مُرهف الحس، اتجهت كل مشاعره، إلى شخص الرب القُدُّوس، وفي هذا نرى فكر السماء أيضًا؛ شخص الرب أولاً في قداسته، كما بشَّرَ الملاك المُطوَّبة: «اَلرُّوحُ القُدُسُ يَحِلُّ علَيكِ، وقُوَّةُ العَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فلذلكَ .. القُدُّوسُ المَولُودُ منكِ يُدعَى ابنَ الله» ( لو 2: 35 ). فهو الذي في شخصه الفذ الفريد، نرى الكمال مُجسَّمًا، فتحمده الألسُن.
المرة الثانية: حَسَناتهُ: في هذه المرة ناشدَ داود نفسه، أن تَعدّ المراحم، فما عليها أمام حسنَات الرب إلا أن تُبارك. ويلخص لنا داود كل حسناته، في خمسة حسنات أساسية،
(1) «الذي يَغفرُ جَمِيعَ ذُنُوبكِ». وهذا ما تم في الصليب، لأن «الرَّبُّ وضَعَ علَيهِ إِثمَ جَميعِنا» ( إش 53: 6 ).
(2) «الذِي يَشفي كُلَّ أَمرَاضكِ»؛ فهو الطبيب الشافي مُفرج الكروب. وتتكرَّر كلمة ”فشَفاهُم“ في الأناجيل ست مرات، فإنه الرب شافينا.
(3) «الذي يَفدي مِنَ الحُفرَةِ حَيَاتَكِ»؛ لقد فدى نفوسنا من حفرة جهنم، وفي الطريق، كم من الحُفَر؟! لكنه على منكبيه يحملنا، لأنه فادي من الحفرة حياتنا.
(4) «الذِي يُكَلِّلُكِ بِالرَّحمَةِ والرَّأْفَةِ»، وبغنى رحمته خلصنا ( أف 1: 4 ) وبقوة رحمته نسير في الطريق ( مز 103: 11 )، وننتظر غاية رحمته لاختطافنا (يه21). (5) «الذِي يُشبِعُ بِالخَيرِ عُمرَكِ، فيَتجَدَّدُ مثلَ النَّسـرِ شَبَابُكِ»؛ يُشبعنا بشخصه، لأنه هو خيرنا ( مز 16: 1 )، فنكون مثل النسـر؛ نُحلِّق عاليًا في أجواء السماويات، وبقوة الشباب نخدمه.
المرة الثالثة: مُلكه: يختم داود المزمور كما بدأ، مُناشدًا نفسه أن تُبارك الرب، بعدما أعلن له الروح القدس حقيقة مُلك الرب «اَلرَّبُّ فِي السَّمَاواتِ ثَبَّتَ كُرسِيَّهُ، وَمَملَكَتُهُ على الكُلِّ تَسُودُ» ( مز 103: 19 ). وعندما علم ذلك، على الفور ناشَدَ الملائكة، وجميع جنوده، وأعماله، أن تبارك الرب، على مُلكه (ع20-22). وعن قريب سوف يتم سر الله، كما بشَّرَ عبيده الأنبياء، وهو مُلك الرب ( رؤ 10: 7 ، 11: 15). .