من وحي أيوب 30
نفسي تئن في مرارة!
* كثيرًا ما أتطلع إلى حياتي،
فأراها عبرت سريعًا بلا ثمر.
كنت أود أن أشهد لك كلما عبر بيّ الزمن.
لكن نفسي مُرّة، إذ لا أرى ثمارًا روحية في حياتي وخدمتي!
من ينزع روح اليأس عنيّ، سوى صليبك يا واهب الرجاء!
لألتصق بك، فتحملني على ذراعيك،
وتطمئن نفسي بك، يا منقذ النفوس من الفساد!
* كثيرون يسخرون بيّ حتى في شيخوختي!
يعكسون ما في قلوبهم من عوزٍ وجوعٍ وخزيٍ،
ويسكبونه على نفسي لتحطيمها.
لكن أنت هو خبزي السماوي وشبعي ومجدي!
سمرِّ عيني عليك، فأرتفع عن المزبلة التي أعاني منها.
* التف حوليّ من لم يذوقوا الحق ولا الشبع بنعمتك،
وها هم يسخرون بيّ.
لقد خرجوا عليك كأنما على لصٍ،
وها هم يمارسون ذات العمل مع كنيستك!
هب لي ألاّ تضطرب نفسي!
* تركوا مدينة الله بكل بركاتها.
عوض العودة إليها، يشمتون في رجال الله المتألمين.
* انطلقوا إلى القفار والبراري،
حرموا أنفسهم من الغرس الإلهي ومياه الروح القدس،
ظنوا أنفسهم أقوياء،
فجاءوا يسخرون بالغروس الإلهية، كرم الله العجيب!
* لماذا تئن نفسي من سخرية العالم.
حبك مشبع لنفسي!
آلامك وعار صليبك وموتك عني تعزيتي الحقيقية!
من يستحق أن يشترك معك في عارك المجيد؟
من يتأهل أن يحمل معك صليبك؟
* في ضيق نفسي أراك قد أطلقت العنان لمضايقي،
تبدو كمن يصوب السهام ضدي.
لكنك وأنت الحب كله تحول مراراتي إلى عذوبة.
تحول مضايقات المقاومين إلى أمجاد أبدية.
تتركهم يسخرون بألسنتهم، يصبون الاتهامات ضدي.
ويمارسون الظلم كما بغير ضابطٍ!
وفي هذا كله عيناك عليّ، تترفقان بيّ!
أنت هو خلاصي ومجدي!
* إذ أسقط تحت الآلام،
تتجلى أمامي يا أيها المتألم لأجلي،
أنسى آلامي برؤياك المفرحة لقلبي.
وتتحول مرثاتي إلى أغنية سماوية وتهليل لا ينقطع.
* ليس للمخادع عمل سوى أن يُضللني عن الحق.
يظن أنه يقطع عليّ الطريق، فلا أعبر إلى الملكوت.
يا لغباوته. أنت هو الطريق الذي لا تستطيع قوة أن تحجبه عني.
إنه يطلب هلاكي، ولم يدرك أنك أنت هو مخلصي القدير.
* يتحرك العدو نحوي كما في عاصفة ليدمرني.
يظن أنه يسحقني كحجر تحت كسَّارة حجارة عريضة.
لم يدرك أنك حجر الزاوية تضمني بك إلى الهيكل السماوي!
ليس من قوة تقدر أن تسحقني مادمت في يديك!
* صارت حياتي كريحٍ عابر أو سحابةٍ سرعان ما تختفي.
صارت كأنها بلا هدف ولا طعم!
جفت تمامًا كشجرةٍ بلا حياةٍ ولا ثمرٍ.
هاج الليل عليّ، فصار ينخر عظامي.
عروقي في داخلي لا تعرف الراحة.
التحفت بالآلام كثوبٍ ملتصق بي.
انطرحت في وسط الوحل.
وتحولت حياتي إلى تراب ورماد.
* فقدت حياتي كل استقرار وأمان.
تحولت عيناي إلى القبر، كبيتٍ يستقر فيه كل إنسانٍ!
تحول النور إلى ظلمة بالنسبة ليّ.
أحشائي في داخلي ذابت من الغليان.
لم يعد ليّ من يواسيني، ولا من يشاركني آلامي.
صرت أخًا للذئاب المتوحشة، والنعام العاجز عن الطيران!
لم أعد أعزف على قيثارة نفسي نشيدًا أو أغنية.
إنما تحول كل كياني إلى قيثارة تعزف مراثٍ دائمة!
* هذه مرثاتي، من يقدر أن يعزيني غيرك؟
من يستطيع أن يقيمني من القبر غير القائم من الأموات؟
من يرفعني من المزبلة إلا السماوي الذي بحبه نزل إليّ؟
من يعطي لحياتي طعمًا سوى ذاك الذي يحول المرارة إلى عذوبة،
مرثاتي لا تحطم نفسي،
بل تهبني رجاءً فيك، يا مفرح القلوب!