رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
إِنْ كُنْتُمْ بِالْحَقِّ تَسْتَكْبِرُونَ عَلَيَّ، فَثَبِّتُوا عَلَيَّ عَارِي [5]. شعر أيوب أنهم لم يأخذوا منه موقفًا غير إنساني فحسب، فتحولوا عن صداقته، وإنما بالحق استكبروا عليه، وحسبوا أنفسهم أسمى منه، وتعاظموا عليه لإذلاله. بدلًا من أن ينزعوا عنهم عارهم، ثبتوا عاره كدليلٍ على عدم نزاهته وإخلاصه وكماله. أخذوا من عاره حجه لتثبيت شره. رأى الفريسي المتكبر في المرأة الزانية نجاسة لا تُطاق، وشرًا لا يُحتمل، حتى استكثر عليها أن تتجاسر وتدخل بيته. وكأنه يود لو طرد ربنا يسوع حتى لا يدخل معه أمثال هذه. أما ربنا يسوع فرأى في قلبها المنكسر ودموع عينيها حبًا كثيرًا، فغفر لها خطاياها الكثيرة. ورأت الجماهير في زكا رئيس العشارين إنسانًا خائنًا عابدًا للمال لا يستحق أن يعيش بينهم، أما السيد المسيح فرأى فيه شوقه للخلاص والتحرر من المادة، فيستحق دخول رب المجد لا إلى بيته فحسب، بل وداخل قلبه. إن نظرة ربنا يسوع القدوس المحب للنفس المعترفة بسوادها، هي: "أنت جميلة يا حبيبتي. أنت جميلة" (نش 1: 15). أما أخواتها فينظرن سوادها، لذلك وبختهن قائلة: "لا تنظرن إليّ لكوني سوداء، لأن الشمس قد لوحتني" (نش 1: 6). يرى الأب هيسيخيوس الأورشليمي أن الطوباوي أيوب الذي شهد الله عن بّرِه لا يمكن أن يكون قد ضلّ، ذاك الذي نال حكمة من العلا لا ينطق بما هو غريب عن الحق؛ ليس فيه أفكار باطلة. ومع هذا فإنه حتى وإن كان قد ضل، فما كان يليق لأصدقائه أن يتشامخوا عليه وهو في المذلة. كأنه يقول لهم: "لماذا تتعاملون بعجرفة مع إنسان في المذلة؟ لماذا تهاجمون شخصًا منهارًا إلى أسفل؟ لماذا تؤذون شخصًا كان يجب أن تعطفوا عليه، وتصلوا من أجله؟ ولنفرض أنكم تتشامخون عليَّ، فلماذا تتشامخون على الله؟ فإن عنايته الفائقة حالة علي". يقول القديس كبريانوس: [إنه لكبرياء وتشامخ أن يتجاسر أحد يظن أنه قادر أن يفعل ما لم يهبه الله حتى للرسل، فيحسب أنه يستطيع تمييز الزوان عن الحنطة... ومن يفكر أنه يختار الأواني الذهبيّة والفضيّة ويحتقر الأواني الخشبيّة والخزفيّة ويطردها، مع أن الأواني الخشبية لا تُحرَق إلاَّ يوم الرب بالنار الإلهيّة المحرِقة، والأواني الخزفية لا يسحقها إلاَّ ذاك الذي أُعطي له قضيب من حديد .] * ينصحنا الرب ألا نحكم على أحد بتهورٍ أو بظلمٍ، لأنه يرغب في أن نصنع كل شيء بقلبٍ بسيطٍ متجهٍ دائمًا نحو الله. هذا وإذ يكون استعداد من يحكم على الآخرين هو البحث عن خطايا الغير لتوبيخهم وإدانتهم، لا لإصلاحهم وتهذيبهم في محبة... كل هذا بسبب كبريائهم أو حسدهم، لذلك أضاف رب المجد:: "ولماذا تنظر القَذَى الذي في عين أخيك. وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها؟" فلو سقط أخوك في خطية الغضب، تسقط أنت في خطية الكراهية (بإدانتك له). وهناك فرق شاسع بين الغضب والكراهية، كما هو بين القذى والخشبة. لأن الكراهية هي غضب مزمن، فبطول الزمن اشتد القذى (الغضب) حتى صار يُدعى بحقٍ خشبة (الكراهية). فإنك إن غضبت على إنسان، فلا بُد أنك ترغب في رجوعه إلى الحق، أما إذا كرهته فلا يمكن لك أن تشتاق إلى رجوعه. القديس أغسطينوس |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|