رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
وصف لحالته التعيسة أَنَا أَيْضًا لاَ أَمْنَعُ فَمِي. أَتَكَلَّمُ بِضِيقِ رُوحِي. أَشْكُو بِمَرَارَةِ نَفْسِي [11]. عندما أدرك داود النبي بطلان الحياة الزمنية قال: "صمت. لا أفتح فمي" (مز 39: 3)، أما أيوب فإذ عرف ذات الحقيقة لم يتوقف عن الكلام، بل أعلن عن شكواه بمرارة لكي يقدم وصيته الأخيرة لأصدقائه ومن هم حوله. يليق بنا في الأنفاس الأخيرة أن نعترف بخطايانا كما نسبح ونشكر الله، لننطلق في سلام الله عوض الشكوى والتذمر. * "أنا أيضا لا أمنع فمي" فإن الإنسان الذي يخجل من أن يعترف بالشر الذي فعله "يمنع فمه"... لذا يقول المرتل: "لتأتي إلى حضرته بالاعتراف" (مز 95: 2). تسلمنا من سليمان: "من يكتم خطاياه لا ينجح، ومن يقر بها ويتركها يُرحم" (أم 28: 13). كما كُتب أيضًا: "الإنسان البار هو الأول في اتهام نفسه" (راجع أم 18: 17). * "سأتكلم بضيق روحي"، لأن "ضيق الروح" يهيئ اللسان للكلام، فيكون صوت الاعتراف ضد ارتكاب الشر. فإنه يليق أن نضع في ذهننا أن الفاسدين غالبًا ما يعترفون بالخطايا، لكنهم يفتخرون بها جدًا، ولا يبكون عليها. أما المختارون فيعَّبرون عن إدانتهم المرة لأنفسهم بالدموع، هذه التي تكشف كلمات الاعتراف. لهذا حسنًا بعد أن تعهد الطوباوي أيوب ألا يمنع شفتيه أضاف للحال ضيق الروح. "إني أتحدث بمرارة نفسي (روحي)"... مرارة الروح لها لسانها الخاص في قلب البار، فينطق بأكثر دقة ويسمع إليه أكثر (من اللسان الجسماني). لذلك لم يقل: "أتكلم في مرارة روحي" بل قال: "سأتحدث (أحاور) بالمرارة"، حيث أن قوة الحزن تأخذ كل خطية على حدة وتثير الذهن المخدر للنواح. البابا غريغوريوس (الكبير) القديس باسيليوس الكبير إنه ينظر ما في داخل قلبك، ويُسرع حتى لا يؤخرك أحد، بل ويحتضنك. "مقابلته لك" هي سبق معرفته، و"احتضانه لك" هو إعلان رحمته، وتعبير عن حبه الأبوي. يقع على عنقك لكي يقيمك أنت الساقط تحت ثقل الخطايا، ولكي يرجعك إلى السماء إذ اتجهت إلى الأرض، فتطلب خالقك. يقع المسيح على عنقك، لكي يخلص عنقك من نير العبوديَّة، فيحملك نيره الهين (مت 11: 30)... يقع على عنقك بقوله: "تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم، احملوا نيري عليكم" (مت 11: 28). هكذا يحتضنك الرب عندما تتوب . القديس أمبروسيوس أَبَحْرٌ أَنَا، أَمْ تِنِّينٌ حَتَّى جَعَلْتَ عَلَيَّ حَارِسًا؟ [12] تطلع داود المرتل إلى الله وهو يفكر في عبوره من العالم، فصمت بفمه لكي يسبح قلبه الله، ويتأمل فيما أعده الله له من أمجاد، أما أيوب فتطلع إلى نفسه وفكر في آلامه، فصار في ثورةٍ عارمةٍ، وقد أعطى لنفسه عذرًا بقوله: "أبحر أنا أم تنين؟" [12]. هل أنا بحر هائج بلا توقف يحتاج إلى أن يلتزم بحدوده؟ أو تنين يلزم كبح جماحه حتى لا يلتهم كل سمك البحر. * لست في قوةٍ تماثل البحر، فقد جعلته عظيمًا بين المخلوقات، وبسببه وضعت رمالًا حوله كحارسٍ له، الذي بأمرك يضع البحر في حدوده ويكسر سلطانه... وليس لي خبث التنين، فقد أقمت عداوة بينه وبين الإنسان. لقد أشرت إليه أن يحفظ نفسه بعيدًا عن الإنسان كعدوٍ له، مقدمًا له تحذيرًا في هذا الشأن: "أضع عداوة بينك وبين المرأة، وبين نسلك ونسلها. إنه يسحق رأسك، وأنت تسحقين عقبه" (تك 3: 16). على أي الأحوال: "جعلت عليَّ حارسًا" بمعنى أنك أقمت حارسًا حاقدًا عليَّ، الخائن، الذي يلاحظ كل تصرفاتي وكل كلماتي. إنه يفحص حتى أفكاري ويخونني في كل ما أفعله. علاوة على هذا يضع لي في شكل اتهام أمرًا لم يكن في اعتباري. لم احفظ وصيتك لكي ما أنال السعادة الزائلة، بل أحب الله من أجل الحياة العتيدة، كعبدٍ أمينٍ (مت 24: 25؛ 25: 21، 23). لقد جعله العدو كحارسٍ لدي، تحت حراسته كان مربوطًا وموثقًا في حالة بائسة وبتجارب قاسية للغاية. وأنت مددت يد معونتك إليه، وليس إليَّ، لذلك حلت التجارب بي. الأب هيسيخيوس الأورشليمي إِنْ قُلْتُ: فِرَاشِي يُعَزِّينِي، مَضْجَعِي يَنْزِعُ كُرْبَتِي [13]. كان يرجو كما اعتاد كثير من البشر أن يجد في النوم هروبًا مما يحل به، فيترقب مجيء الليل لعله ينعس ولو إلى حين. * في الكتاب المقدس عادة ما تُستخدم الكلمات: "سرير" أو "مضطجع" أو "المهد" الذي من القش الذي ترقد عليه الحيوانات لتشير إلى أسرار أعماق القلب. لهذا فإن كل نفس منفردة إذ يطعنها العريس برماح الحب المقدس تقول في نشيد الأناشيد: "في الليل على فراشي طلبت من تحبه نفسي" (نش 3: 1)... هكذا يقول الحق لمحبيه أنفسهم: "ملكوت الله داخلكم" (لو 17: 21) مرة أخرى: "إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي" (يو 16: 7) وكأنه يقول بوضوح: "إن لم أسحب جسدي من انتباهكم المركز عليه لن أقودكم بالمعزي الروح، وتدركون غير المنظور. لذلك قيل بالمرتل عن الأبرار: "ليبتهج الأتقياء بمجدٍ، ليرنموا على مضاجعهم" (مز 149: 5)، حيث أنهم إذ يهربون من الأذى للأمور الخارجية، يتمجدون في سلامٍ داخل أعماق قلوبهم. البابا غريغوريوس (الكبير) * ينام الإنسان بعد ما يدخل في غيبة، وفي أثناء النوم يتم هضم الطعام وتُحفظ صحة من يشاركون في مائدة الاحتفال. لذلك تنام العروس بعد الاحتفال. ويُعتبر هذا النوم غير مألوفٍ، ويختلف عن النوم العادي الذي لا يكون الشخص فيه غير واعٍ بما حوله. وكلاهما يضادان بعضهما البعض، لأن النوم والاستيقاظ يتلو أحدهما الآخر. ونرى في العروس خليط من التعارض المميّز: تقول "أنا نائمة، وقلبي مستيقظ" (نش 2:5) ماذا نفهم من هذه الآية؟ يشبه هذا النوم الموت، وفيه تتوقف كل وظائف الإحساس: فلا توجد رؤية أو سمع أو شم أو تذوق أو إحساس باللمس ولكن ينخفض ضغط الدم. وينسى الشخص القلق أثناء النوم، ويهدأ انفعال الخوف، ويقلل الغضب وينخفض القلق من التجارب المريرة، ويجعل الشخص غير واعٍ بالشرور. لذلك نتعلم من العروس أنها ارتفعت وتفخر قائلة: "أنا نائمة، وقلبي مستيقظ" . القديس غريغوريوس النيسي القديس أمبروسيوس تُرِيعُنِي بِالأَحْلاَمِ، وَتُرْهِبُنِي بِرُؤًى [14]. لم يستطع الليل أن يهرب به من التعب، ولا النوم أن يسحبه من الضيق، بل صارت الأحلام ترعبه والرؤى ترهبه. صار الليل مزعجًا ليس بأقل من النهار. إننا محتاجون إلى يد الله القوية، هذا الذي وحده يقدر أن يحفظنا، ها حارسنا الذي لا ينعس ولا ينام. * ماذا نفهم هنا عن الأحلام والرؤى سوى تصورات عن الفحص الأخير في الدينونة... لولا أن الأحلام غالبًا ما تحمل صورًا مخادعه تصدر عن عدونا الخفي ما كان الحكيم يشير إليها بقوله: "لأن الأحلام والتصورات الباطلة تخدع الكثيرين" (ابن سيراخ 34: 7). البابا غريغوريوس (الكبير) فَاخْتَارَتْ نَفْسِي الْخَنْقَ، وَالْمَوْتَ عَلَى عِظَامِي هَذِهِ [15]. لم يبالِ بأي نوع يموت، إنما ما يشغله أن يسمح الله له بالموت. إنه لا يطلب الخلاص من الضيقة، بل من الحياة الزمنية ككلٍ. قَدْ ذُبْتُ. لاَ إِلَى الأَبَدِ أَحْيَا. كُفَّ عَنِّي، لأَنَّ أَيَّامِي نَفْخَةٌ! [16] بجانب الكوارث التي حلت بالطوباوي أيوب سواء بخصوص ممتلكاته وموت بنيه ومقاومة زوجته له يضيف القديس يوحنا الذهبي الفم الأمور التالية التي جعلت من التجربة مرارة فائقة: [أولًا: عدم معرفته الأكيدة عن ملكوت السماوات والقيامة، الأمر الذي بالحق تحدث عنه حزينًا: "لا إلى الأبد أحيا، فيلزمني أن أحتمل الكثير" (أي 16:7LXX ). ثانيًا: شعوره بأنه مارس أعمالًا صالحة كثيرة. ثالثًا: شعوره بأنه لم يمارس شرًا. رابعًا: افتراضه أن ما حلٌ به من يدي الله، فلو أنها من يدي الشيطان لكان في هذا يخفف من مضايقته. خامسًا: سماعه من أصدقائه الذين يتهمونه بالشر، قائلين: "الله يغرمك بأقل من إثمك" (أي 6:11). سادسًا: يرى الذين يعيشون في الشر في رخاء، وينتفخون عليه. سابعًا: ليس أمامه آخر يتطلع إليه قد عانى بمثل هذه الأمور(323).] * "لتحرر حياتي من روحي، ونفسي من جسدي، وعظامي من الموت. فإنني لا أحيا إلى الأبد فألتزم أن أحتمل بصبرٍ"... كانت له الرغبة أن ينتقل من هنا... حتى صار جسمه منحلًا. لم يبالِ أيوب من تعرية عظامه. لماذا هذا؟ لأنه يقول بأن الحياة الحاضرة سريعة الزوال. "لا أحيا إلى الأبد". واضح أن أيوب يتكلم عن الحياة الأرضية. كيف يكون طويل الأناة في هذا الأمر؟ فقط لأن نوال السعادة يتطلب طول الأناة والصبر، أي السعادة العتيدة... حديث أيوب يحمل بوضوح تلميحًا عن الحياة المادية أنها ضعيفة، وفاسدة، غير مستقرة، سريعة الزوال، لا تحمل سمات الحياة الأبدية. الأب هيسيخيوس الأورشليمي |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|