رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
لأَنَّ سِهَامَ الْقَدِيرِ فِيَّ، تَشْرَبُ رُوحِي سُمَّهَا، أَهْوَالُ اللهِ مُصْطَفَّةٌ ضِدِّي [4]. ما هي سهام القدير التي تصوب نحو أولاد الله، فتشرب روحهم؟ إنها سهام الحب التي يصوبها الله نحو قديسيه فيُجرحون بالحب الإلهي، ويشتهون الموت ليَلتقوا معه، ويختبروا محبته الإلهية في أكمل صورها. يرى كثير من الآباء أن الآب في محبته للبشرية صوَب سهمه الثمين، كلمة الله، حيث دفع به نحو قلوب البشر، ليجرحهم بجراحات الحب، فتصرخ النفس: "أنا مجروحة حبًا" (نش 5:2). وكما يصوب الله سهام حبه نحو قلوبنا ليهبها جراحات الحب الواهبة للشفاء والسعادة على مستوى أبدي، هكذا يقذف عدو الخير سهامه الملتهبة نارًا في قلوب البشر لكي يقتلها، ويؤهلها لجهنم الأبدية (أف 16:16). هذه الصورة حتمًا منقولة عن عادة شائعة بين الأمم المتبربرة حيث يغمسون رؤوس السهام في مواد سامة، حتى متى أصابت أحدًا تفيض بهم إلى الموت. إن كانت الكوارث التي حلت به لا يمكن لموازينٍ أن تزنها، فإن ما هو أخطر من ذلك السهام الداخلية، سهام القدير التي وُجهت إليه. يرى الله الذي يحبه ويعبده قد جلب عليه تلك المتاعب، وصَّوب سهامه فيه. شعر كأن حمتها أو السم الذي مُسحت به السهام قد تسرب إلى روحه، ففقد اتزانه وانهارت أعماقه. لقد وقف مذهولًا. إنه في معركة أمام جيش الله المصطف ضده، يحاربه الله بأهواله، فمن أين له بالتعزية؟ لا يستطيع أن يرفع عينيه إلى السماء، إذ لا يجد تعزيات تحل عليه منها، بل أهوال الله تقاومه. * مدحت العروس رامي الرمح على تصويبه الدقيق، لأنه رماها بسهمه. فقالت العروس: "إني مجروحة (مريضة) حبًا" (نشيد 5:2). تعني هذه الكلمات أن سهام العريس قد نفذت إلى داخل قلبها. إن مُصوّب هذه السهام هو الحب (1 يو 8:4)، الذي يرسل "سهمه المختار" (إش 2:49)، الابن الوحيد، إلى هؤلاء الذين يخلصون، ثم يغمس سن السهم الثلاثي في روح الحياة. وسن السهم هو الإيمان وبواسطته يقدم الله مُصوّب السهم وكذلك السهم معًا إلى القلب كما يقول السيد المسيح: "إن أحبني أحد يحفظ كلامي، ويحبه أبي وإليه نأتي، وعنده نصنع منزلًا" (يو 23:14). الأب غريغوريوس النيسي حقًا نتطلع عادة إلى السهام بكونها كلمات الله. ولكن هل استطاع أن يشعر بآلام كثيرة عندما طُعن بها؟ كلمات الله، وإن كانت سهامًا، فهي تثير الحب لا الألم. أو هل هي سهام لأنه لا يوجد حب بدون ألم؟ عندما نحب شيئًا دون أن نملكه لا نستطيع إلا أن نشعر بحزنِ. الإنسان يحب بغير ألم عندما يملك موضوع حبه، فلا يتألم ولا يتأوه. لهذا فإن عروس المسيح في شخص الكنيسة تنطق بهذه الكلمات في نشيد الأناشيد: "فإني مجروحة حبًا" (نش 2: 5؛ 5: 8). تعلن بنفسها أنها مجروحة بالحب. إنها تحب ما لم تبلغه بعد، إنها تحزن لأنها لم تقتنه بعد. وإذ تحزن تُجرح، ولكن هذا الجرح يُحضرها سريعًا إلى كمال الصحة الحقيقية. من لا يُضرب بهذا الجرح لن يقدر أن يبلغ تمام الصحة الحقيقية. *"سهامك انغرست فيٌ، ويدك ثقلت عليٌ" (مز 2:38)... ذات العقوبة (التي على آدم)، ذات السخط، أي آلام كل من الذهن والجسد، هي ضرورة يلزمنا أن نحتملها هنا، هذه التي وصفها بأنها "سهام". وقد أشار أيوب إلى ذات السهام (4:6)، وقال إن سهام البرّ انغرست فيه، بينما كان يعاني تحت تلك الآلام. لقد اعتدنا أيضًا أن ندعو كلمات الله سهامًا كمن تهب الحب لا الألم... لنفهم إذن "سهامك انغرست" هكذا: "كلماتك انغرست في قلبي". بهذه الكلمات ذاتها يحدث أن أتذكر السبت، وبتذكري السبت (الأبدية) وعدم نوالي إياه، أُحرم من الفرح في الوقت الحاضر، وأتذكر أنه ليس لي صحة في جسدي، بل ولا يليق بي أن أحسبها صحة عندما أقارنها بالصحة التي أنالها في الراحة الأبدية، حينما يلبس هذا الفاسد عدم الفساد، وذاك المائت عدم الموت (1 كو 53:15)، وأرى بمقارنة ما سأكون عليه أن الصحة الحاضرة ليست إلا مرضًا. القديس أغسطينوس القديس يوحنا الذهبي الفم الأب هيسيخيوس الأورشليمي |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|