يا لها من محبة للبشر لا توصف يظهرها الله الآب في إلادته لأبنه، فالمولود منذ الأزل بلا أم ها هو يولد ثانية بلا أب، أي انه أب وأم معاً يجمع في كيانه الأبوّة والأمومة. وهذا ما يوضحه لنا مجمع توليدو الحادي عشر عام 675م: "إن حضن الآب، أي جوهره يلد أو ينجب الأبن". بيد إن سرد الفعلين (يلد / ينجب) يظهر لنا الدور الأبوّي "يلد"، والأمومي "ينجب" لله الآب. فالآب يلد الأبن "في" الروح، وكأن الروح هو "الأحشاء" حيث تتم هذه الإلادة، هو العنصر الأنثوي والأمومي، فقد صوّره الكتاب المقدس: بالرحيم (المقتبسة من رحم الأم) كصفة للأمومة: بالأم التي لاتنسى "أبن" أحشائها.
فإذ يلد الآب أبنه الوحيد في أحشائه الأبوية، أي في روحه القدوس: "في حضن الآب" (يوحنا1 : 18)، فإنما هذا "الحضن" هو الروح القدس. فقد تجسد الأبن في عالم البشر، في حضن الآب (أي الروح)، وفي داخل مريم العذراء. فالروح القدس هو الأحشاء السماوية، ومريم العذراء هي الأحشاء الأرضية. أي إننا أمام أبوّة / أمومة واحدة ذات قطبين: فالآب يجسد أبنه في كلا الحضنين: فالروح هو الحضن الأبوّي / الإلهي، ومريم هي الحضن الأمومي / الأنساني.