لاَ تُسَلِّمْ لِلْوَحْشِ نَفْسَ يَمَامَتِكَ.
قَطِيعَ بَائِسِيكَ لاَ تَنْسَ إِلَى الأَبَدِ [19].
تُدعى الكنيسة هنا بيمامة الله العاجزة عن الدفاع عن نفسها، لا تحب الخصام، ولا تقدر أن تمارسه، وديعة وهادئة تهرب من الضجيج، لا سلاح لها، ومحبوبة من الله الذي يحبها ويرعاها.
يرى القديس أثناسيوس أن هذا القول النبوي يخص اليهود الذين تابوا وآمنوا بالمسيح، فإنه لا يهملهم إلى الانقضاء.
* إذا كان الله لم يشفق على شعبه المختار، فكم بالأكثر لا يشفق علينا نحن أيضًا.
إننا إذا لم ننفذ وصية الله وكلام الإنجيل سوف يقول من جديد: هلم اجمعوا كل حيوان الحقل إيتوا بها للأكل"، لكننا نتجرأ لنقول في صلواتنا: "لا تُسَلِم للوحش نفس يمامتك" (مز 74: 19)، أو "لا تسلم للوحوش المفترسة النفس التي تعترف لك بخطاياها". فلنعترف إذًا بخطايانا تائبين عنها، فلا نُسلِّم نفوسنا للوحوش، وإنما للملائكة القديسين الذين سيكونون بمثابة مرضعين لنا، يحملوننا على صدورهم، ويساعدوننا على العبور من هذا العالم إلى العالم الآتي في يسوع المسيح، الذي له القوة والمجد إلى الأبد آمين .
* الحيوانات الروحية الشريرة هي التي يسميها الرسول "أجناد الشر الروحية في السماويات" (أف 6: 2). عن هذه الحيوانات يقول الكتاب: "الحية كانت أمكر من جميع الوحوش التي على الأرض" (تك 3: 1).. كما قيل: "إبليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمسًا من يبتلعه هو فقاوموه راسخين في الإيمان" (1 بط 5: 8-9). إن أردت أن تعرف حيوانات أخرى رديئة يعلمك إشعياء النبي إذ دعاها في رؤى أنها الدابة في البرية، قائلًا: "في أرض شدَّةٍ وضيقةٍ منها اللبوة والأسد، الأفعى والثعبان السام الطيَّار، يحملون على أكتاف الحمير ثروتهم، وعلى أسنمة الجمال كنوزهم إلى شعبٍ لا ينفع" (إش 30: 6). هل يتم هذا مع حيوانات البرية المادية؟! كيف يمكن للبوة والأسد والأفعى والثعبان السام أن يحملوا ثروتهم على ظهر حمار أو جمل؟! واضح إذن أن النبي المملوء بالروح القدس يعدد القوة العدوانية التي لأفظع الشياطين. يود أن يقول بأن الشياطين تضع ثروتها التي هي خداعها للنفوس، وذلك خلال الحماقة (الحمار) والدنس (الجمل)، ولكي لا نُسلم لهذه الوحوش يلزم للنفس التي تخاف الله أن تقول: "لا تسلم للوحش نفس يمامتك" (مز 74: 19) .
العلامة أوريجينوس
* "وكان مع الوحوش، وصارت الملائكة تخدمه" (مر 1: 13). كان يسوع مع الوحوش، ولهذا جاءت الملائكة تخدمه. يقول الكتاب:"لا تسلم للوحوش نفس المعترف لك" (مز 74: 19). هذه هي الوحوش التي وطأ عليها الرب بقدم الإنجيل: الأسد والتنين (مز 91: 13).
* يليق بنا أن نلتزم في سلوكنا بطريقة بحيث لا نُطرد قط من هذا البيت، ونُطرح فريسة للوحوش. كما يصرخ النبي في رعبٍ: "لا تسلم للوحوش نفس من يتكل عليك" (مز 74: 19).
القديس جيروم
* نقرأ: "أبيد الوحوش الرديئة من مدينتكم" (راجع لا 26: 6). هذه الوحوش المادية ليست شريرة تمامًا ولا صالحة بالكامل، بل بالحري هي في الوسط، لأنها حيوانات عجماوات. على أي الأحوال، تلك الوحوش الأخرى هي الشرور الروحية، يدعوها الرسول: "أجناد الشر الروحية في السماويات" (أف 6: 12). هذا هو الوحش الشرير الذي يقول عنه الكتاب المقدس: "كانت الحية أحيل جميع حيوانات البرية" (تك 3: 1).
هذا هو الوحش الشرير الذي يَعد الله أن يبيده من أرضنا إن حفظنا وصاياه.
أتريدون أيضًا أن تروا وحشًا شريرًا آخر؟ أصغِ إلى الرسول بطرس: "إبليس خصمكم كأسدٍ زائرٍ يجول ملتمسًا من يبتلعه هو، فقاوموه راسخين في الإيمان" (1 بط 5: 8-9)... لكي لا يُسلم (الشخص) لتلك الوحوش النفس التي تخاف الله إلى الرب: "لا تسلم للوحش (النسر) نفس يمامتك" (مز 74: 19).
الأب قيصريوس أسقف آرل