|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
نترافق سوياً، مع فالتورتا، في كل ما سمح لها الرب برؤيته من تفاصيل، عن فترة ما قبل ولادته ، وذلك تحضيراً للدخول في أجواء العيد المبارك. ✝️كتبت ماريا فالتورتا: أرى بستان الناصرة الصغير. مريم تغزل في ظلِّ شجرة تفاح. لكن مريم لا تملك نضارتها. إختفى اللون الذي كان لخدّيها في حبرون. وجهها شاحب مثل العاج. تحت الجفنين المُسدلَين، ظلّان باهتان، وطرف العينين مُنتفخ كما بعد دموع. ...من المنزل لا يصدر أيّ صوت، ولا من الجوار كذلك. يُسمع همسُ خيطِ ماءٍ يصبُّ في حوضٍ في عمق البستان. مريم تنتفض وهي تسمع طرقةً تقرع بحزمٍ على الباب الخارجيّ للمنزل. تضع مغزلها وعصاها وتنهض لتمضي وتفتح. وعلى رغم أن ثوبها طريّ وواسع، لا تتمكن من إخفاء استدارة حوضها تماماً. تجد نفسها قبالة يوسف. تشحب حتى الشفتين. ..مريم تنظر بعينٍ تتساءل بحزن. نظر يوسف يظهرُ مُتوسِّلاً. يلزمان الصمت، وهما يتبادلان النظر. ثم تفتح مريم فمها: " في هذه الساعة، يا يوسف؟ أتحتاج إلى شيءٍ ما؟ ماذا تريد أن تقول لي؟ تعال". يوسف يدخل ويقفل الباب. لا يتكلّم بعد. " تكلّم يا يوسف، ماذا تريد؟" " غفرانك." يوسف ينحني كما لو كان يريد الركوع. لكن مريم التي لا تزال مُتحفّظة جداً للمسه، تأخذه بحزمٍ من كتفيه وتمنعه من ذلك. اللون يروح ويجيء على وجه مريم، تارةً أحمر، تارّة شاحباً كما كان قبلاً. " غفراني؟ ليس عندي شيء أغفره لك يا يوسف . ليس عندي سوى شكرك بعد على كلّ ما فعلته هنا في غيابي وعلى الحب الذي تكنّه لي." يوسف ينظر إليها وأرى دمعتين ضخمتين تتكوّنان في تجويف عينه الغائرة. تلبثان كما فوق حافةِ إناءٍ ومن ثم تسيلان على الخدّين وعلى اللحية. " المغفرة، يا مريم. لقد أعوزتني الثقة. الآن، أعلم. إنني لا أستحق امتلاك كنز كهذا. لقد أعوزتني المحبة. انني اتّهمتكِ في قلبي. إتهمتك من دون عدلٍ بما أنني لم أطلب منك أن تقولي لي الحقيقة. عجزت عن الوفاء نحو شريعة الله بعدم حُبّكِ كما كنت لأُحِبّ نفسي...." " آه! لا! لم تُعوَز! " " بلا، يا مريم. لو اتُّهِمتُ بجريمةٍ مماثلة، لكنتُ دافعت عن نفسي. أنتِ.... لم أسمح لكِ بأن تدافعي عن نفسك، بما أنني كنتُ سأتّخذُ قراراً من دون سؤالك . لم أحترمك بإهانتك بشكّ. شكٌّ فقط، هو إهانة، يا مريم. من يشكُّ يُنكِر. إنني لم أعرِفكِ كما كان عليّ ذلك. إنما لأجل الألم الذي عانيته... .ثلاثة أيّامِ عذابٍ، إغفري لي، يا مريم." " ليس عندي شيء أغفره لك. إنما أطلب غفرانك بالأحرى على الألم الذي سبّبته لك." " آه! نعم، أيّ ألمٍ كان! أيّ ألم ! أنظري. هذا الصباح، قالوا لي أن لي شعراً أبيض على الصدغين وتجاعيد على الوجه. أكثر من عشرة أعوامِ حياةٍ انقضت في هذه الأيام. إنما لمَ كنتِ يا مريم مُتواضعة إلى حد ان تُخفي عليَّ أنا، زوجك، مجدَكِ، وتسمحي بأن أشكّ فيك؟" يوسف ليس راكعاً، لكنه منحنٍ الى حد كأنه كذلك، ومريم تضع على رأسه يدها الصغيرة وهي تبتسم . يبدو أنها تغفر له.تقول: " لو لم يكن تواضعي كاملاً، لما استحققت أن أحمل من كنا ننتظره. من يأتي ليُلغي خطيئة الكبرياء التي خربت الإنسان. ومن ثم أطعت... .الله طلب مني هذه الطاعة. لقد كلّفتني كثيراً. ..لأجلك، لأجل الألم الذي ستعانيه منها. إنما لم يكن عليّ سوى الطاعة. أنا خادمة الله والخدام لا يناقشون الأوامر التي يتلقّونها. إنهم يُنفذونها، يا يوسف، حتى لو أبكتهم دماً. " مريم تبكي بهدوء وهي تقول ذلك. بهدوءٍ إلى حد أن يوسف المنحني تماماً لا يتبيّن ذلك إلّا حين تسقط دمعة أرضاً. إذاك يرفع رأسه ويضم يديّ مريم الصغيرتين في يديه القويّتين ويقبل طرف تلك الأصابع الرقيقة التي تخرج مثل أزرار شجرةِ دراق من ضمّ يدي يوسف. " الآن يجب تدبر الأمر، لأن..." يوسف لا يضيف شيئاً، إنما ينظر إلى جسد مريم التي تجلس فوراً، لئلا تبقى معرّضة هكذا للنظر المُلقى عليها. " ينبغي الإسراع. سوف آتي إلى هنا.....سوف نُتمّ الزواج... الأسبوع المقبل، أهو ملائم....؟" " كلّ ما تفعله حسنٌ يا يوسف. أنت رأس البيت وأنا، خادمتك." " لا ، أنا من هو خادمك. أنا الخادم المغبوط لربّي الذي ينمو في بطنك. أنت، المباركة بين كلّ نساء إسرائيل...آه! كيف سيمكنني استقبال إلهي في منزلي؟ في ذراعيّ الله؟ سيُميتني ذلك فرحاً!.... لن أستطيع أبداً التجرؤ على لمسه!....." " سوف تستطيع ذلك، كما سأستطيع ذلك أنا، بنعمة الله." " لكن أنت، هي أنت. أنا رجل مسكين، أفقر أبناء الله!...." " يسوع يأتي لأجلنا نحن الفقيرين، ليجعلنا غنيّين في الله. إنه يأتي إلينا نحن الإثنين، لأننا الأفقر ونعترف بذلك. إغتبط يا يوسف. إنّ لذريّة داوود، الملك الذي كانت تنتظره ومنزلنا يغدو أبذخ من قصر سليمان الملكيّ ، فهنا ستكون السماء وسوف نتقاسم مع الله سر السلام الذي سيتعلمه الناس لاحقاً. سوف ينمو بيننا وأذرعنا ستكون مهداً للفادي الذي ينمو، وأتعابنا سوف تزوّده بالخبز....آه! يا يوسف! سوف نسمع صوت الله يدعونا ' أمي وأبي' ....آه!...." مريم تبكي فرحاً. دموعٌ سعيدة جداً! ويوسف يبكي راكعاً الآن عند قدميها..... الرؤيا تنتهي هنا. ( الانجيل كما كشف لي-١-فالتورتا) |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|