رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الخطيّة هي الفساد: تخترق الخطية كيان البشر متوغلة بداخلهم ومفسدة إياهم جذريًا. البعض يطلقون على هذا اسم “الفساد الكليّ”، وهو مصطلح يساء فهمه كثيرًا. فهو لا يعني أن البشر قد وصلوا بالفعل إلى مقدار الشر الذي يمكنهم الوصول إليه، أو أنهم لا يستطيعون القيام بأي نوع من الأعمال الصالحة. لكن المصطلح يعني أن الخطية تؤثر على الشخص بالكامل: “جميع البشر متجنّبون عن حياة الله، فاسدون في جميع جوانب كيانهم (على سبيل المثال: جسديًا، وعقليًا، وإراديًا، وعاطفيًا، وروحيًا)”.[11] فحين أخطأ آدم وحواء، اختبرا على الفور شعور بالخزي، فحاولا تغطية عريهما. كما شعرا أيضًا بالذنب، ولذلك اختبآ. فهما لم يشعرا قط بهذا الشعور من قبل، لكنهما الآن لن يستطيعا التخلص على الإطلاق من شعورهما بالذنب، وخزيهما، وفسادهما (انظر تكوين ٣: ٨-١٣). لقد وعدهما إبليس بأنهما سيكتسبان معرفة بالخير والشر، لكنه لم يخبرهما بأنهما لن يستطيعا تحمل هذه المعرفة والتعامل معها. ويقول بافينك: بحسب العلم الحديث، لا يعد المرض مادة معينة، بل هو الحياة في ظل ظروف متغيرة، بحيث تظل قوانين الحياة في واقع الأمر كما هي في أي جسد صحيح، إلا أن خللاً قد أصاب النشاط الطبيعيّ للأعضاء ولوظائف تلك الحياة. كما أن هذه الوظائف لا تتوقف حتى في الجسد الميت، لكن النشاط الذي يبدأ في ذلك الوقت هو نشاط مدمر ومحلل للجسد. هكذا أيضًا الخطيّة ليست مادة في حد ذاتها، بل هي ذلك النوع من الخلل الذي يصيب جميع المواهب والطاقات الموهوبة للإنسان، مما يجعلها تعمل في اتجاه آخر، ليس صوب الله بل بعيدًا عنه. فإن العقل، والإرادة، والاهتمامات، والمشاعر، والرغبات، والقدرات النفسيّة والعضويّة من أي نوع كانت، جميعها كانت قبلاً أسلحة للبر لكنها الآن بعمل الخطية المبهم والغامض فيها قد تحوّلت إلى أسلحة للإثم. فإن صورة الله التي حصل عليها الإنسان عند خلقه لم تكن مادة معينة، لكنها كانت شيئًا ملائمًا للغاية لطبيعته حتى أنه بفقدانها صار مشوهًا تمامًا وبغيض المنظر.[12] “اَلْقَلْبُ أَخْدَعُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ نَجِيسٌ، مَنْ يَعْرِفُهُ؟” (إرميا ١٧: ٩). “إِذْ هُمْ مُظْلِمُو الْفِكْرِ، وَمُتَجَنِّبُونَ عَنْ حَيَاةِ اللهِ لِسَبَبِ الْجَهْلِ الَّذِي فِيهِمْ بِسَبَبِ غِلاَظَةِ قُلُوبِهِمْ” (أفسس ٤: ١٨). ويشرح دابني هذا قائلاً: يتمركز عرش هذه العادة [الهابيتوس (habitus)] الأدبيّة الفاسدة بكل تأكيد داخل النزعات والميول الأدبيّة. وبما أن هذه النزعات والميول تعطي تعليمات مباشرة نشطة لجميع ملكات وأجزاء النفس والجسد، في صورة أفعال تحمل صفات أدبيّة، فيمكن القول إذًا إن هذه الأفعال جميعها مشوهة أدبيًا. فإن الضمير (الجزء الأسمى في الحدس المنطقيّ) لم يخرب بالكامل، لكن أصيب بالخلل من جهة دقة حكمه على الأمور، وهذا بسبب الرغبات الشرّيرة. كما المشاعر الأدبيّة الغريزيّة التي ينبغي أن تصاحب هذه القدرة على الحكم ذبلت من جرّاء إهمالها، حتى أنها تبدو فعليًا وفي الوقت الحالي واهنة أو ميتة. أيضًا قد انحرفت وفسدت وجهات نظر الإدراك فيما يخص جميع الموضوعات الأخلاقيّة، وذلك من جراء نزعات وميول القلب الخاطئة، حتى أننا صرنا نطلق على الخير شرًا، والشر خيرًا. وبالتالي نتج عن هذا “عمى الذهن” في كافة الموضوعات الأخلاقيّة. أيضًا تصير الذاكرة مخزنًا يعج بالصور والذكريات الفاسدة، مما يمد الخيال بمادة خصبة، مدنسًا ومشوهًا كليهما. كما تصير الشهيات الجسديّة غاشمة وجامحة، إذ حفزتها شهوات النفس، وذاكرة منجسة أو خيال منجس، وتساهل غير ملجَّم. وتصير الأطراف وأعضاء الحس عبيدًا للإثم. وهكذا فإن ما لا يمكن أن يكون نجسًا حرفيًا صار يخضع بالفعل للاستخدامات النجسة. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
حملتني بكليتي من الفساد إلى عدم الفساد |
الخطيّة والسقوط |
عندما صار في شكل جسد الخطيّة |
علاج الخطيّة |
المتميز يوسف الحسينى مبارك مارس الفساد بعد عشر سنين لكن الاخوان مستعجلين اوى على الفساد بس |